مع تصاعد سلطة قبيلة قريش على الناس، وقيامها بالحروب والحصول على الغنائم وإنشاء القصور عممت الحجاب على النساء.
نجد أنه حتى الأبنية العمرانية مغلقة كأنها سجون، والمساجد تجريدية.
وقد عرفت نساءُ الشرقِ خاصةً الأحجبةَ المختلفةَ، التي تـُوضع على الرأس وتغطي الشعر، لأسبابٍ اجتماعية ودينية كثيرة ومعقدة، الأبرزُ فيها أن ذلك جرى بسبب تطور الملابس عامة في الأقاليم الحارة، وظروف الأعمال الحرفية المختلفة، وأوضاع البيوت المحدودة والخيام ووجود التجمعات الكبيرة، والأحجبة لم تقتصر على النساء بل استعملها الرجال كذلك، وخاصة في الصحراء والمشاكل التي يسببها الغبار والضوء الحاد وغيرها من العوامل الطبيعية.
أما تعميم الحجاب على النساء بشكل ديني، فهو أمرٌ سياسيٌّ تشكلَّ مع تصاعد دولة قريش تلك، وظهور الارستقراطية الحاكمة، ومعها الرجال البارزون المسيطرون على المنافع الكبرى، وبسبب تدفق الجواري والإماء مع حروب الفتوح عليهم، وهم الذين وسعوا القيود على النساء وحجبوا النساء الحرائر عن النساء الإماء حياة اجتماعية ولباساً.
الحزب الذكوري كان هو الأقوى، وقد برز في الحكم السياسي العام، وفي السيطرة على البيوت، والتحكم في طبيعة التربية، وهي التي أدت الى تدهور المجتمعات العربية وتخلفها الاقتصادي وسيرورتها مادة لسيطرة المجتمعات المتقدمة المتوسعة.
أما أن يكون الحجاب (غطاء الرأس) نتيجة للانقلابات السياسية المحافظة، فقد كان من الإيجابي مشاركة النساء بتوسع في الأحداث التحولية الحديثة، لكن مع سيطرة هذه القوى المتشددة والكارهة للفرح والفنون فقد انعكس ذلك على اللباس، وكانت جذور هذه الموجات بدوية وقروية، وهذا هو الشائع من اللباس فيها، أما نساء المدن في زمن التغييرات التحديثية الليبرالية، فكن زوجات تجار كبار ومتعلمات ذهبن الى الجامعات، فأعطى مستوى الحركة لباساً مختلفاً للقيادة فحسب، أما النساء العاديات فظللن في ملابسهن البسيطة المُخاطة في الحواري بأثمانها الرخيصة.
إن اللباسَ لا علاقة له بالعقل وبالرؤى الفكرية والمواقف السياسية. وحركة الحداثة للنساء والرجال مرتبطة بالصناعات الثقيلة والخفيفة، ومستويات تغلغلها في البُنى الاجتماعية، ومدى جذبها للسكان ومستويات تطورها، فذلك يغير طبيعة الثقافة عبر ملاءمتها لهذا الإنتاج وتكييفها للتقاليد المتعلقة بكل شعب، وثيابه وطبيعة خصوصياته.
واللباس الغربي يظل مرتبطاً بإنتاج آخر في ظروف مغايرة، ونحن نقوم بالتحديث غير العميق حتى الآن، ومن سوف يصنعُ ويغيرُ البُنى الاقتصادية سوف يفصلُ ملابسنَا الخاصة، وأزياءنا، وسوف تفرض القوى المسيطرة التصنيعية طبيعة هذه الملابس، وتعربُ الحشودَ من الأزياء والكرنفال الجامع لملابس العصور الوسطى والحداثة الغربية المعتدلة والمتطرفة والأزياء الهندية وغيرها، وهذا رهن بتطور صناعة الملابس العربية كذلك ومواقف النساء من كل هذا، ومدى ملاءمتها للعمل والحياة.