ادعت كثير من الجماعات السياسية وخصوصاً ما قبل واثناء احداث كارثة الدوار، ان من يقوده ويحركه هو شباب ١٤ فبراير وان هناك بانوراما ومهرجان كبير في الدوار يدار ومسرحية كبرى خشبتها هي منصة الدوار والتي تحمل شعار اسقاط النظام من قبل الشباب اليساري الممانع هناك؟ المسألة التي تحتاج الى نقاش شديد هي تحديد معنى اليسار واليسار الممانع لدى هؤلاء الشباب والذي يبدو انه تنظير لحالة (التمرد) التي كان يعيشها قطاع من هذا الشباب الممانع، وبالتالي ليكون (نضالهم) و (تنظيمهم) هو نضال وتنظيم عملية تفريغ الازمة التي يعيشها هؤلاء الشباب والتي تؤسس لنشوء حالة التمرد هذه. ولنفترض انه دار في الدوار حوار مسرحي في تلك المسرحية بين هؤلاء الشباب اليساري الممانع ومن كان بالضد من حراكهم وتمردهم ذاك. الشباب الممانع والذي كان بعظهم يرى ان الاسلام الاصولي الاسلام السياسي والذي كان بطل هذه المسرحية يقول وبصوت خافت (نحن ننهار امام هيمنة المد الاصولي)؟
من كان بالضد من هذا الحراك: أنتم لم تتشكلوا بعد لكي تنهاروا. والمد الاصولي المنتشر اليوم باندفاع هو موجود منذ بداية المشروع الاصلاحي وهو نتاج ظرف موضوعي سمح له النظام بالظهور على الساحة السياسية والتبلور وسمح له بتشكيل جمعياته السياسية بالرغم من وجود مبدا في الدستور بعدم السماح لتشكيل جمعيات سياسية على اساس اصولي طائفي؟! وهذا الاسلام السياسي هو نتاج أيضاً لضعف اليسار القديم والذي للأسف تقاطع معهم في مشروع الدوار هذا. وتبخرت كل احلام التقدم والتطور، وبالتالي هيمنت الايديولوجية التقليدية التي تتسم بالأصولية الدينية واخذت بعداً مسيساً (الاسلام السياسي)، وانتصرت على كل الايديولوجيات التي لم تحاول حتى الاختلاف معها هنا بات التعبير عن التمرد ومقاومة الظلم كما يدعي هذا الاسلام السياسي بات ينحكم لوعي هذه الجمعيات الاصولية والجهادية (الاسلام السياسي)، حيث تلاشى المعبر السابق عن هذه الحالة (النضال) (اليسار والقوميين) بل والأسوا انهم كانوا غطاء لهذا الاسلام السياسي لإعطائه الصبغة الوطنية والحداثية. بدل ان يقوم هذا اليسار وباستقلالية تامة عن هذا الاسلام السياسي والدخول معه في صراع فكري، وصراع واقعي من اجل تنظيم نشاط الفئات والطبقات الشعبية لكي تخوض صراعها من اجل مصالحها.
شباب الدوار الممانع: (لقد أصبحنا نختفي في ظل اهتمامنا بالاستهلاك والموسيقي البوب ونركض وراء اخر صيحات وموضات الملابس الخ هل تريدون ان نظل هكذا)؟
من كان بالضد من هذا الحراك: الغرق في الاستهلاك وموسيقي البوب والركض وراء الموضة الخ هو تعبير عن حالة تمردية، ولكن من مصالحها. الفئات والطبقات الشعبية قادره على هذا النوع من الاستهلاك؟ وأنتم تعبرون بهذا التمرد فقط عن ما يسمى (بالحرمان النسبي) لما تقارنون انفسكم بما يملكه الاغنياء من سلع استهلاكية باهظة الثمن وكمالية. وبالتالي تبتعدون عن الازمة المجتمعية وعن الصراع الحقيقي.
شباب اليسار الممانع: (أصبحنا في ظل هذا الوضع السياسي والاجتماعي نذوي ببطء ونتهمش ببطء)؟
من هو بالضد من هذا الحراك: مخيف ان يتحكم فيكم الشعور في انكم تذوون ببطء وتتهمشون. هذا هو الشعور الذي يفرض التمرد كحالة (طبيعية) وبالتالي يجعل حراككم هو تعبير عن هذه الازمة. وخصوصاً ان النتيجة التي تصلون اليها هي (نحن مهمشون … اذن لنتصرف كمهمشين.)
شباب اليسار الممانع: نريد يسار ثوري يهدم ويسقط هذا النظام لا نريد يسار لا يقدم الحلول وينظر ويناقش ويتفلسف ويثرثر يسار ليس له اصدقاء ومنعزل ويوسع الكل نقداً يسار بدون مستقبل)؟
من هو بالضد من المشاركة في الدوار: يهدم ماذا ويسقط ماذا؟ يهدم كل شيء ويسقط كل شيء؟ لاي سبب؟ طبعاً يجب ان يكون النقد سلاح يمتلكه اليسار، لينتقد ذاته قبل الكل، ويجب ان يخوض الصراع الايديولوجي ضد الكل، لكن من اجل ان يقدم بديلاً، وهو هنا يهدم من اجل البناء وليس لمجرد الهدم والا تحول الى شغب وتخريب بلا جدوى، وخاض الصراع لكي يدمر نفسه. دون ان يستطيع مواجهة لا الاصولية الاسلام السياسي ولا استيعاب (متمردي النزعات الاستهلاكية) او الحكم.
نكمل بقية حوار مسرحية الدوار.
شباب اليسار الممانع :(نريد يسار يفضح ممارسات كل المؤسسات واي مؤسسة)؟
من هو بالضد من المشاركة: (لكن اي ممارسات يجب ان يفضحها؟ ام ان كل ممارسات المؤسسة هي نفسها هنا يجري الانطلاق من المؤسسة المجردة، اي مؤسسة، وبالتالي يصبح مطلوباً فضح كل ممارساتها. بالتالي يجب ان يكون واضحاً عن اي من المؤسسات يجري الحديث، ثم يجب تحديد الاساس الذي يجب فضح المؤسسة على اساسه. فيمكن مثلاً الاسلام الاصولي ان يفضح مؤسسة التربية والتعليم القائمة من زاوية انها تخرج عن الشريعة، ولا تطبق تعاليم الدين. كما يمكنه ان يفضح اليسار انطلاقاً من انه ضد الدين. ربما كانت كلمة فضح عند هذا الشباب ذات رنين، (تملأ الفم)، لكن ستكون بلا معنى حينما تلقى في فضاء الدوار هكذا.
شباب اليسار الممانع؛ (نريد يساراً يهاجم المبدا يزعزع المفهوم، نحن نعيش ثورة ولا نعيش مبادئ ومفاهيم)؟
من هو بالضد من المشاركة: اي مبدا واي مفهوم؟ هل المبدا والمفهوم المجردين كذلك؟ طبعاً يمكن التأكيد على الشك في كل المبادئ والمفاهيم في مثل هكذا لحظات، ولكن من اجل بلورتها، وتعميقها، او حتى تجاوزها، ذلك انكم هنا أيضاً تجعلون من قلة الصبر مبدا لكم، وان هذه الثورة المزعومة لا يوجد وضع ثوري لها الخ، اي هنا يجب ان تتحدد المبادئ والمفاهيم التي يجب الشك فيها لكي لا نتحدث في التجريد الذي لا يعني في الاخير شيئاً. لهذا يمكن الانطلاق من ان الشك والانتقاد والتفكيك والتدقيق والتحليل والتركيب هي مسائل ضرورية منهجياً لاي يسار حقيقي حتى في كما تدعون نحن في ثورة؟
شباب اليسار الممانع: (نريد يسار يؤمن بالقانونية، من مثل قانون مسيرات مرخصة اعتصامات مرخصة اضرابات مرخصة)؟
من هو بالضد من هذا الحراك: لكنكم وضعتم قانوناً لأليات الحركة وحددتم طبيعة الهيكل للحراك والعلاقة بين الهيئات، اليس هذا قانون؟ هنا يبدو كيف ان التجريدات تقود الى مزالق، اي الى ممارسة ما هو معاكس لها.
شباب اليسار الممانع: (نريد يسار لا يرضى بالإصلاح)؟
من هو بالضد من المشاركة: هذه تفتح الى خيارين، التغير الجذري او التهديم الكامل، وأنتم تقصدون الثانية، حيث ان النقطة الاولي في تحديد طبيعة اليسار كانت عندكم (يسار يهدم). هل هناك مصير مأساوي أكثر من ان يكون اليسار لا يقبل الاصلاح او لا يرضى بالإصلاح بل يرضى بالهدم؟ اي يسار هذا؟ وهل هذا الهدف الذي يسعى اليسار وراءه دون ان يصل اليه اي الهدم؟ اذن سيكون يسار كما تدعون (تخريب وليس هدم) يسار مخرب، ولكن يخرب ماذا وفي اي سياق؟ هل العفوية والعشوائية هما ما يوجه اليسار؟ في تلك الاحداث للأسف الاجابة بنعم.
شباب اليسار الممانع: (نريد يسار لا يطمح لأي شيء، سوى اشباع رغبة الناشطين الثوريين فيه يسار تضحية، يدفع ذاتيات اعضائه الى اقصاها)؟
من هو بالضد من الحراك: هنا يصبح اشباع رغبات الاعضاء والتضحية بهم هي الهدف الذي لا يتحقق الا عبر ثقافة الموت وعبر تدمير الموضوع (هنا الحراك). وهنا ينقلب اليسار من يسار يحمل مشروعاً مجتمعياً الي يسار يحمل مشروع ذاتياً. هل هذا كان هو المطلوب؟ اليسار هنا سيكون (الملجأ) كما هو حال شباب اليسار الممانع (هروبنا من الواقع للعودة اليه كائنات تحمل فيروسات الفوضى). والسؤال هل هذا يسار؟ طبعاً لا، لأن التعبير كما هو دارج ينطلق مما هو مجتمعي وليس من ما هو فردي. وبالتالي فالمشروع اليساري هو مشروع تأسيس مجتمع بديل يخدم الفئات والطبقات الشعبية، بغض النظر هنا عن الايديولوجية التي تحكم اي أحد، او حدود التغيير الذي يطرحه كل طرف، واشكال الوصول اليه. من حق شباب اليسار الممانع التمرد، واثارة الضجيج والشعب يريد وكذلك التعبير عن الذات الى أقصى حد ومدى، لكن هذا هو مشروع اليسار الممانع وليس مشروع اليسار الذي يحاول ان يدافع عن الاخرين، وعن المجتمع، ويهدف الى تطويره لتجاوز الاصولية والاسلام السياسي ونمط الاستهلاك لدى الشباب ونزعاته التمردية والتمايز الطبقي للحلف الضمني الطبقي. هنا نهاية هذا الحوار…..
ما الذي يميز اليسار العقلاني عن الفوضوية؟ ولماذا كان اليسار هو الرافعة للعمل السياسي منذ الخمسينيات بينما بقيت الفوضوية مجموعات صغيرة متناثرة هنا وهناك في جغرافية البحرين؟ وبالتالي لماذا كان لليسار هذا الدور الكبير في تاريخ البحرين، بينما ظلت الفوضوية تياراً هامشياً يضعف ويصعد بالترابط مع الظروف الموضوعية؟ سنلمس أولاً بأن اليسار ارتبط بتبلور فكري وان كان محدود ولكن بالتوازي مع الصراع الطبقي / الوطني. وهنا لا تعود المسألة الى موقف ورؤى فقط بل يعود الى ما تحقق في اليسار العالمي من نقلة في المستوي الفكري، بينما ظلت الفوضوية تياراً يظهر كرد فعل على التسلط ومن ثم يتلاشى ويظهر مرة اخرى عندما يستجد من ظروف موضوعية. ويستند هذا اليسار الى ان الواقع في البحرين يمكن أن يؤسس لمنطق جديد يتطور في الفكر ويمكن أن يفتح على فهم جديد للواقع البحريني هذا الامر فرض رؤية الواقع في البحرين من منظور جديد، واسس لفهم الصيرورة في الواقع والتي لا تقتضي فهم حراك الماضي فقط، ولا فهم حراك الراهن فحسب، بل وفهم ممكنات الحراك التالي. وايضاً فهم ما هو ضروري الان، وما هو الضروري من اجل التالي. وما هو ممكن الآن، وما هو ممكن تالياً. وبدا هذا اليسار من (تغيير العقل) في اوساط النخب والطبقة العاملة البحرينية من اجل فهم الواقع وفي سياق السعي لتغييره. وهي تدرك بأن تغيير الوعي المجتمعي يفرض تغيير الوضع الاقتصادي والتكوين الطبقي المصاحب له، وهذا ما سمح لان يصبح فعل اليسار في الواقع واعياً، مؤثراً وقادراً على تحويل (الحراك السياسي) حركة الجماهير الى قوة تغييرية كبيرة. وهذا ما مكنه من قيادة مسيرات ومظاهرات واضرابات واعتصامات وانتفاضات ( مارس الخ ) بالتالي اليسار منطق تفكير قبل ان يكون افكاراً ، بينما ظلت الفوضوية افكار دون منطق تفكير ، وهو الامر الذي يبقي ( العقل الرائج ) هو العقل الذي يحكم العمل الفوضوي لهذا ما لدى هذا اليسار الممانع / الفوضوي هو منطق الرفض ومنطق من لم يكن معنا فهو ضدنا ومنطق محور الخير / الشر ومنطق الممانعة والمقاومة كما كان قبلاً منطق الصمود والتصدي الخ ، وهذا ما يؤسس لقصور في فهم الواقع ، وفي تحديد السياسات والتكتيكات الضرورية من اجل الاصلاح / التغيير وهنا عند اليسار الممانع الفوضوي حدث ولا حرج في حراكها السياسي فأنها تجعله دون اساس موضوعي نتيجة العجز عن مسك دور الذات في الصيرورة والطبقات والفئات الاجتماعية الشعبية التي يجب الاعتماد عليها والسياسات الضرورية لتحقيقها وليس مسك واللعب (بالطائفية ) سواء كانت سنية او شيعية ؟! ، وبالتالي يجري التمسك بأفكار تشكل ايديولوجية خاصة بها كونها هي ( ايديولوجية اليسار ) ؟! الامر الذي يجعل هذا اليسار الممانع / الفوضوي منظومة افكار هي قوانين ومبادئ، ومن ثم يجري رؤية الواقع عبرها، ويجري العمل على تطبيقها على الواقع. هنا تصبح الافكار المسبقة هي محددة الواقع والمؤسسة للدور العملي (الممارسة)
ما يشار اليه هنا بين اليسار واليسار الممانع الفوضوي هو مسألة الموقف من الدولة (النظام، السلطة، الحكومة) بين من يطرح اسقاطها وربما الغائها وبين من يطرح صيرورة التغيير فيها وبعض اليسار يرى انه مع الوقت والزمن البعيد سوف تضمحل؟ وقياساً على تجربة المشروع الاصلاحي والازمة التي مر بها في احداث ٢٠١١ والتي تحدث عنها ولي العهد في تلك الفترة بأن المشروع الاصلاحي تباطأ العمل به وحدث تراجع فيه، وقد طرح مبادرة (النقاط السبع)، لكي تعيد المشروع الاصلاحي الي سكة الطريق الصحيح، واعطى (المعارضة) مجال واسع في التعبير عن رأيها وحراكها سواء في الشارع او ضمن إطار تقديم مرئياتها ومرئيات المجتمع (المدني) للمرحلة كخروج من الازمة. لكن كيف تعامل هذا اليسار الممانع / الفوضوي / والاسلام السياسي الطائفي، قابل هذه المبادرة بالإعاقة ووضع الشروط والتعهدات وطلب ضمانات، وبحزمة من الاسقاطات (اسقاط الدستور)، (اسقاط التعديلات الدستورية اي الدستور المعدل)، تشكيل لجنة تأسيسية للأعداد (لدستور جديد)، (اسقاط الحكومة) وتشكيل حكومة انتقالية. اي ان الخلاف بين اليسار واليسار الممانع يتمحور حول هل المطلوب هو اسقاط النظام ( السلطة ، الدستور ( الدولة ) ، والحكومة ) ، وهي لازالت تمسك بالمبادرة وبالقوة والسلطة والثروة وهي ليست متعثرة ومتساقطة ، ومهزومة الخ كما كان يطرح اليسار الممانع ويبدو ان الخلاف هنا يتركز على فهم طبيعة الدولة ودورها المجتمعي ، حيث ان اليسار الممانع / الفوضوي يرى طابعها القمعي السلطوي ، ودورها المضاد للحرية ، لكن هذا اليسار الممانع لا ينتبه لدورها المجتمعي ، اي دور الناظم للحياة المجتمعية علاوة على وجود النواة الصلبة للسلطة والدولة العميقة . وهنا يتم التركيز على الطابع القهري للدولة (الدولة اداة قهر طبقي) دون الالتفاف الى اهمية دورها المجتمعي، وهنا يجب تناول الموقف من الدولة بكثير من الدقة. فقد فهم هذا اليسار انه ليس بالإمكان الغاء الدولة او اسقاطها او اسقاط النظام، وهنا كان الطرح هو الحراك في اتجاه صيرورة التطور في المشروع الاصلاحي، ولا توجد ظروف موضوعية لإسقاط النظام. والاستمرار في طرح مشروع التحالف من اجل الجمهورية الذي أطلق من على منصة الدوار او مشروع دولة ولاية الفقيه سوف يقود الي تفكك مجتمعي وشرخ طائفي عمودي فيه، وتفتت، وفوضى، تأسيساً علي جوهر الجمعيات الطائفية ومطالبتها بالديمقراطية التوافقية عبر محاصصة طائفية وليس مدنية وطنية، وتأسيساً على الوعي المجتمعي وموروثة الطائفي / القبلي والذي اوجده تاريخ طويل علاوة على التاريخ الطويل للملكية الخاصة والصراع عليها ومن تاريخ طويل من التسلط والقمع ما قبل المشروع الاصلاحي.
اليسار الممانع / الفوضوي يعتقد بأن المشكلة تتمثل بالضبط، في التسلط الذي يكبح ظهور مكونات الشعب، التي هي قادرة على أن تؤسس لسلطة منظمة بعد ما يتم اسقاط النظام، هنا يعتقد اليسار الممانع / الفوضوي بوجود (جوهر) وعند الاسلام السياسي بوجود (مظلومية). تكبحه السلطة. وهو (جوهر) و (مظلومية) قائم لا يتبدل ولا يتغير، لكن السلطة هي التي تسحقه لكي تفرض هيمنتها. بالتالي هنا الانسان البحريني طيب، متحرر، ويستطيع أن يحكم ذاته دون واسطة. وكأن الانسان لا يتأثر بالواقع الاقتصادي الاجتماعي والسياسي الا من منظور سلبي، منظور كبح جوهره الطيب. وفي هذا يسكن المنطق المثالي الذي يقوم على وجود (جوهر مسبق) للبحرينيين. وليس أن الواقع هو يصيغ البحريني ويشكل ملكاته. هذا خلاف كبير بين أن تكون الدولة اداة تصفية الحساب مع الماضي او ان يتم اسقاطها فيهيمن الماضي على المجتمع. كما حدث في كل تجارب ما يسمى بالربيع العربي في العراق ومصر وليبيا واليمن وألان في السودان حيث مرت وتمر هذه الدول بلا دولة او دولة داخل دولة كل ما يهمها هو الفوضى والقتل على الهوية والطائفة والسلطة والقوة والثروة. بدل ان يتم صياغة الدولة لكي تقوم بهذه المهمة التاريخية، وان يجري التركيز على دورها (التنظيمي) على حساب دورها القهري من منظور زيادة الفاعلية المجتمعية فيما يخص المجتمع والسياسة. وهو الامر الذي يفتح على الحفاظ علي الاستفادة من المكاسب التي تحققت في بداية المشروع الاصلاحي ولكن من منظور استقلال الهيئات التي تمثل المجتمع عن الدولة ذاتها ، وهنا استقلال النقابات والجمعيات المهنية والاتحادات والجمعيات السياسية التي تدافع عن مطالب ومصالح الفئات والطبقات الشعبية ، وان تكون الديمقراطية هي سمة الدولة (ربما يكون هذا طرح طوباوي) لان الدولة لن تسمح باستقلالية كل هذا المجتمع المدني وان يكون له كل هذه الاستقلالية ؟؟، هذا الخلاف بين اليسار واليسار الممانع الفوضوي كبير الاهمية في هذه اللحظة الراهنة لأنه يتعلق بشكل صيرورة التطور في المشروع الاصلاحي ، وفهم إن اسقاط النظام او الدولة هو الدخول الى المعلوم والمعلوم هو ما شاهدناه في كل التداعيات التي نتجت عن الدول التي طبق فيها تجربة الربيع العربي. وهنا سنجد بأن الخلط بين الذاتي والموضوعي هو ما يحكم النظر لدى اليسار الممانع الفوضوي، حيث أن الحاجة الذاتية لتجاوز الدولة او اسقاطها هي منطق الفوضوية، دون النظر للظرف الموضوعي لتبدو علاقة الذات والموضوع مفقودة هنا، بل أنها تنحكم لمنطق الذات التي تريد التحرر عبر التخلص من الدولة بأسقاطها، بغض النظر عن الواقع الذي لايزال يفرض الحاجة الى الدولة. المنهجية هنا مثالية لأنها تنطلق من (الارادة / الذات) وليس من الواقع الموضوعي. ومن ثم تضخيم مقدرة الذات على تحقيق (حلم ما كانت تسميه ثورة ١٤ فبراير) من الدولة في وضع ليست الذات / الشعب قادر على ذلك ناتج عن ان التطور في ظل المشروع الاصلاحي في بداياته وهو يضع اللبنات الاولى لشيء اسمه الديمقراطية، وبالتالي لا زال للدولة دور مهم في قبول تحقيق التطور في المشروع الاصلاحي كما انها لابد من أن تصفي التركة الثقيلة التي ورثتها من الدولة التسلطية وكل ارث الماضي.
مسألة الدولة هي ذات اهمية كبيرة في مجتمع غير حداثي، لأنها الاداة التي يجب ان تحقق التطور الاقتصادي عموماً وتعيد بناء الوعي المجتمعي الحداثي. وهنا لم يعد من خيار لتحقيق التطور (الرأسمالي) (بمعني الصناعي الحداثي) دون دور الدولة، وهو ما يظهر كل دعوة لإسقاط النظام والدولة كدعوة (رجعية)، لا تفعل سوى تكريس التخلف والتفكك الذي يتأسس على تفتت الوعي والعلاقات، وسيادة البنى ما قبل الحداثية (الطائفية والقبلية). لهذا يبرز هنا اليسار العقلاني في الترابط مع الصيرورة التاريخية، وتصبح هي اداة التطور. وهنا أيضاً يختلف هذا اليسار عن اليسار الممانع من ناحية المنطق الفكري فلا شك في ان تغليب الذات يقوم على اساس هو رفض السلطة. الفوضوية تنطلق من رفض السلطة، بالتالي من نفي السلطة، بينما ينطلق اليسار من فهم الصيرورة، اي فهم التطور المجتمعي الذي يكون المواطن هو المركز فيه. بينما عند اليسار الفوضوي نلمس احلال الذات بدل الموضوع، اي احلال الميل للتخلص من السيطرة محل صيرورة الواقع، هذه الصيرورة التي ستفضي بالضرورة الى فهم موقع السلطة وطبيعة الدولة ومن ثم تحديد الضروري في الواقع. هنا يكون الاختلاف في المنطق من هل هو قهر السلطة وضغطها على المجتمع او هل هو الاساس الذي تمثله كسلطة طبقة او (حلف ضمني طبقي) في تكوين اقتصادي مجتمعي؟ بالتالي بالنسبة للفوضوية. يكون رفض السلطة كأداة قهر هو الاولوية التي تفرض تشكيل بديل يقوم أولاً على حل الدولة (اسقاط النظام)، وهو امر يتعلق برد فعل مباشر لقهر السلطة دون تلمس ماهية الدولة ودورها التاريخي، وهو منطق (مثالي) لأنه ينطلق من السياسي وليس من المجتمعي (الاقتصادي الطبقي)، وهو ما يؤسس لتصورات مثالية بالضرورة. وهو امر كذلك يتعلق بإحلال الذاتي بديلاً عن الموضوعي، اي غياب رؤية وضع الذاتي في الإطار الموضوعي، في سياق الصيرورة الواقعية، ومن ثم تحديد السياسة التي تقود الى حل مشكلة الذاتي في إطار حل مشكلة الموضوعي، حل مشكلة الفرد في سياق حل مشكلة المجتمع. وبالتالي هنا نلمس الانطلاق من الذات لدى اليسار الممانع الفوضوي، ومن ثم ينطلق من فهم مثالي لا يؤسس على الواقع بما هو تكوين اقتصادي طبقي، انطلاقاً من رفض السلطة. هل السلطة هي شر مطلق؟ او هل السلطة هي شر مطلق دائماً؟ وما الذي يحدد ذلك؟ الفرد / الذات او الواقع الموضوعي؟ الذات يوصل الى أن السلطة هي شر مطلق لكن الواقع فرض السلطة ولا زال يفرض السلطة ويفرض وجودها، ومن هنا يجب وعي الصيرورة فيها. هنا لا يكون الفرد الذات هو المحدد وحده بل أن الواقع الاقتصادي الطبقي هو الذي يحدد، ومن ضمن هذا الواقع يأتي وضع الفرد / الذات. لهذا يمكن ان نعتبر بأن اليسار الفوضوي هو استمرار للميل الفوضوي في التاريخ، الذي كان يسعى لتحقيق العدالة والحرية، لكن انطلاقاً من رفض ما هو قائم، اي السلب وليس من التجاوز وهنا لم تعد المسألة تتعلق بالعدالة الاجتماعية فقط بل اصبحت تتعلق برفض السلطة. من هنا ينطلق اليسار العقلاني من جعل البديل ممكناً لأنه يسهم في تأسيس السياسة التي تحقق الصيرورة في سعيها للتطور في المشروع الاصلاحي المتعثر. لكن ما الذي يعيد الحيوية لليسار الممانع الفوضوي؟
سنلمس كلما تعمق التناقض الطبقي وادى الى تردي حاد في الوضع المعيشي للفئات والطبقات الشعبية، كلما فرض نشوء تيارات متعددة وهنا سيظهر دور الفوضوية واليسار الفوضوي والتي تعبر عن الميل للتفلت من (الضبط) الذي يمارسه الحكم من خلال التسوية والمساومة في بداية المشروع الاصلاحي عبر تحقيق وضع معيشي مستقر وضمانات اجتماعية ومجالس بلدية وبرلمان وصراع نقابي سلمي ومعارضة تتكيف مع هذا الوضع والذي تبلور مع بداية المشروع الاصلاحي والذي يجعل مختلف الطبقات ميالة لتحقيق الاستقرار، والتوافق، والعيش (المتآخي). ولهذا فأن تفلت التناقض الطبقي، اي بدء تلمس تأثير تردي الوضع المعيشي على الطبقات والفئات الشعبية يفرض الميل للتحرر من هذا (الضبط) كما يفرض التفكير في تطوير التناقض الطبقي وفق رؤية واضحة لليسار ويمكن هنا تلمس إثر (الضبط) الذي مورس في بداية تبلور المشروع الاصلاحي والذي كان شاملاً، رغم الهامش الديمقراطي الذي تحركت فيه منظمات المجتمع المدني. فقد قولب المواطنين في نمط معين، وتأسس اغتراب من نوع جديد يقوم على ضياع الذات في ظل وضع جديد على المواطنين دستور معدل وجمعيات مهنية وسياسية ونقابات عمالية واتحادات نسائية وشبابية الخ في مجتمع كان يعيش لفترة طويلة في ظل مجلس شورى معين وفي ظل وعي مغترب عن الديمقراطية واغتراب في العمل وبالتالي فرض ميلها المستمر للراحة وميلها للاتكال والاعتماد علي دولة الرعاية الاجتماعية. لقد عاشت استلاب العمل رغم الراحة من خلال الاجر (المجزي). الان بعد تردي وضع الطبقات الشعبية والفئات الشعبية، الامر الذي يفتح على انفلات التناقض الطبقي، وهنا بدء التخلخل عن الحفاظ على (الضبط)، ففتحت على بوادر ازمة مجتمعية، وميل الفئات والطبقات الشعبية وحتى جزء من الطبقة الوسطى الى بداية تململ والذي يمكن ان يتحول الى تمرد على الوضع القائم، والى رفع الصوت والاحتجاج والاندفاع الى التحرك للدفاع عن وضعها المعيشي المتردي والذي ترى هذه الطبقات ان الدولة تحل أزمتها على حساب هذه الطبقات الشعبية. هذا الوضع يعطي الامكانية لانطلاق كل الميول، وظهور كل الاحلام والاوهام، خصوصاً وان البديل لدى هذه الفئات والطبقات الشعبية غير واضح المعالم، ولا هو مبلور. واليسار يعاني من ازمة عميقة ادخلته فيها احداث كارثة الدوار وأصبح مشتت، ويعاني من ضياع فكري. لهذا تعود التيارات الطوباوية، والنقابية المطلبية والاصلاحية لتظهر من جديد. فهذه الفئات والطبقات الشعبية يندفعون لتلقف الافكار التي يعتقدون انها تعينهم على تجاوز تردي وضعهم المعيشي. وبالتالي تحتمل (الفوضى الفكرية) انتشار كل الميول (التحررية اي التي تريد تحسين وضعها المعيشي). وفي ظل عوامل الكبت والكبح وبعدم رفع الصوت والاحتجاج، ستكون عناصر التمرد عديدة في ظل هذا التردي الحاد للوضع الاجتماعي والمعيشي. بالرغم من ان المواطنين مع بداية تردي وضعهم المعيشي أفضى بهم الامر الى التكيف والسكون، وحتى القبول. لكن مع تعمق تردي هذا الوضع المعيشي لكل الطبقات الشعبية سوف ينشأ الميل للتمرد، في وضع يتسم بضياع الرؤية، وغياب البدائل، وانهيار النخب اليسارية، وبالتالي بساطة الوعي المجتمعي فيما يتعلق بالشأن العام (اي بالسياسي). في هذا السياق يمكن وضع الفوضوية واليسار الممانع..