ساد حوار على موقع التواصل الاجتماعي حول المسئولية او من المسئول عن طرح ملف البطالة في البحرين. والانطلاق كان من المؤتمر الذي عقدته ثماني جمعيات والمخرجات كانت كما تم تلخيصها في ثلاث نقاط وهي:
1 – حجم العمالة الاجنبية وسهولة اجراءات دخولهم البحرين.
2- خلل بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
3 – سياسة الاقتصاد المفتوح واثارها السلبية على سوق العمل.
وكانت هنا مداخلة وتعليق على ما جاء من مخرجات لاحد الاعزاء وهي: (السؤال ماذا بعد المؤتمر؟ هل سيرتقي عمل الجمعيات بالضغط على الحكومة لحلحلة ملف البطالة والشروع في وضع الحلول؟ هل ستبادر الحكومة بالاستماع والترحيب بالجمعيات لمناقشة ملف البطالة؟ ام كما تعودنا عبر السنين ان جميع المؤتمرات مصيرها الفشل في تحقيق الاهداف). ولكن بعد ذلك نقرا مداخلة اخرى له وهي: (ليس هناك معارضة بمفهومها التقليدي اننا امام كيانات وجمعيات مهزوزة غير قادرة على احداث تغيير نوعي وغير قادرة لتشكيل ضغط على السلطة بل متحالفة معها باطنياً (مصالح متبادلة) اما ظاهريا تحاول ان تكون في صورة المعارضة وهذا ما يطلق عليه مصطلح (الانتهازية السياسية).)كما سمعنا في مقطع فيديو احد الكتاب البحرينيين (يقترح التقدم ب رسالة او مقترح تكوين مجموعة تمثل الوزارات المعنية وغرفة تجارة البحرين، وقوى مجموعات خاصة ومن الجامعات والمؤسسات التدريبية واشخاص عندهم تجربة لوضع استراتيجية من مراحل كل مرحلة تحقق اهداف. وخلال سبع سنوات سيتم بحرنة تامة)؟ اولا يسود كثير من الالتباس وعدم الوضوح عدداً من المفاهيم الغير صحيحة، حول طبيعة النظام السياسي في البحرين وحدود (المسئولية العامة) فيها. بالرغم من وجود الحكم الدستوري فيها وهو العقد بين الحكم والمحكومين والذي تمثله السلطة التنفيذية والتشريعية المشكلة من غرفتين البرلمان ومجلس الشورى والسلطة القضائية كل هذا يتجاوزه صاحب السؤال او المقترح الذي يقدمه للسلطة التنفيذية فقط؟ وهناك جزء ليس بالقليل الذي يرى بان النظام السياسي في البحرين على انه الاسلام وبالذات من منظور جمعيات الاسلام السياسي فعلى الرغم من الابهام والغموض التاريخيين الذين يحيطان بهذا الزعم، فأن ذلك يطلق يد الحاكم في امور الحكم ولا يبرئ ذمتهم في حدود (المسئولية العامة) اذا ما اخذ هذا الزعم مأخذ الجد فالرياسة مقيدة في الاسلام بمبدأ أن الامة (الجماعة) هي مصدر السلطات واذا كانت الامة في السابق ذات معنى ديني، فأن ذلك يجب ان لا يمنعنا من القول ان الامة مكونة من مجموع مواطني البحرين، الذين تحدد مواصفاتهم قوانين اثبات الجنسية والاقامة والتجنس. ثم ان الحكام مقيدون بعقد الامامة او الرياسة، بغض النظر عن اسلوب الحكم وتوارثه. وهم ملزمون الزاماً بمبدا الشورى لأنه من الفروض العينية بالرغم من نواقص هذا المبدأ والخلل الذي يشوب تطبيقاته الا ديمقراطية. وانطلاقاً من تحديد مصدر (المسئولية العامة) وحدودها في البحرين فأن اللجوء الى الترتيبات التقليدية لتحديد هوية النظام غير كاف، بل يجب ان لا يعد تهرباً من حقوق كفلتها النظم الحديثة مثل حقوق المواطنة، ومحاسبة الحكام بالتشاور، وتحمل مسؤولية الخدمات العامة التي تتطلبها المعيشة في دولة حديثة. فهذه جميعها فروض كفاية متفق على صحتها. وإذا ترك للحاكم والمقربين منه تفسيرها، ووضع حدودها، فليس معنى ذلك تجاوزها والتغاضي عنها.
هناك التباس ثاني شائع في البحرين هو ان الحاكم حر في التصرف في الاموال العامة، فالمواطنون لا يدفعون ضرائب، (الضريبة التصاعدية على الدخل)، وحسب المبدأ الغربي لا تمثيل بلا ضرائب وهذا ليس التباساً فقط، وانما هو خطأ جسيم في فهم الاوضاع السائدة في البحرين. فإذا كانت الامة (اي مجموع المواطنيين) هي مصدر السلطات كما هو في الدستور، فإن دخل الحكومة المتأتي من النفط والغاز يخضع لنفس المبدأ ويجب اعتباره ملكاً للمواطنين. والحاكم في هذه الحالة، حسب الترتيبات (التقليدية)في الحكم حال لم يكن هناك دستور في الحكم مكلفون بالإنفاق منه بفرض تكليف، ولذلك فهم محاسبون عليه، امانة في عهدتهم. فالدول التي تعتمد موازنات حكوماتها على الضرائب، تحاسب من قبل الذين يدفعون الضرائب، وهم عامة الشعب. والدول التي تعتمد موازنات حكومتها على الثروة العامة للبلد، تحاسب من قبل الذين يملكون هذه الثروة، وهم عامة المواطنيين. والحكومات في كلتا الحالين محاسبة بالقدر نفسه، استناداً الى المبدأ نفسه، بغض النظر عن اختلاف مصادر الدخل. ولذلك فإن الحكومة التي تجد نفسها في ضائقة مالية كما حادث اليوم في البحرين، او تتسبب سياساتها في عجوزات مفرطة وبطالة عامة ليست حرة في فرض الرسوم على الخدمات العامة، او الضرائب على المداخيل، وهي حقوق مكتسبة للمواطنين. وليست حرة أيضاً، في زيادة هذه الرسوم والضرائب، وليست حرة في ان تفلت من حل ملف البطالة، ما لم تقدم هذه الحكومة اسباباً مقنعة يقبلها عامة المواطنين او من يمثلهم باي طريقة يتم اختيارهم فيها. فالسلطة التنفيذية هي تمثل الحكومة ومن هنا فان التقدم باقتراح او رسالة لها مكونة من وزاراتها ومن تضامنية غرفة الصناعة والتجارة ومعاهدها وجامعاتها وقوى خاصة، كما هو الاقتراح الذي قدمه أحد الكتاب في مؤتمر حل ملف البطالة. اذن ان التقصير الحكومي في المحافظة على الامانات والاموال العامة وحل الملفات العالقة ومنها ملف البطالة (مسؤولية) تترتب عليها ضوابط لتحديد مسئولية المقصر، وضمانات لعدم تكراره، حتى في النظم التقليدية فما بالك في دولة فيها دستور وسلطات ثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية؟ ان تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي يكمن في التفاوض بين الحكم وعامة الشعب على صيغة عملية متفق عليها للعبة السياسية، تضمن الاجماع الوطني على حدود لا يمكن تجاوزها للمصلحة الوطنية العليا وليس من العسير التوصل الى هذه الصيغة العملية لتحديد المصلحة العليا بين أطراف في الحالة البحرينية اليوم راغبة أصلاً بالاتفاق، وساعية اليه وليس ان تتفاوض السلطة التنفيذية اي مع نفسها. كما يطرح الكاتب الذي قدم الاقتراح او الرسالة. ان الامتناع عن الاعتراف بحق المواطنيين في التفاوض والمشاركة السياسية سواء من داخل (البرلمان او مجلس الشورى) وللأسف فهاذي المجلسين صاروا خارج اللعبة السياسية. او من خارجهم. يدفع بالوضع باستمرار الى حالة التأزم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي غير المبرر بشكل عقلاني. ولا يجدي الالتفاف على هذا الحق الشعبي. بأن لديكم مجلس وطني مشكل من غرفتين الشورى معين والبرلمان منتخب فهذه مناورة قد تجاوزها الزمان، واصبحت غير مجدية في المرحلة الراهنة ذلك انهم أصبحوا خارج اللعبة السياسية.
سنتطرق باختصار الى أحد مخرجات مؤتمر البطالة الذي ضم ثماني جمعيات وهو الثالث: سياسة الاقتصاد المفتوح واثارها السلبية على سوق العمل ولكن من منظور اخر ايديولوجي. ذلك ان من يتبنى سياسة الاقتصاد المفتوح يريد تصفية دولة الرعاية الاجتماعية بإطلاق قوى (السوق) من عقالها، بقصد معالجة العجز الحكومي، ويريدون تصفية القطاع العام بغض النظر عن وجود سياسات بديلة للتخفيف من اثار السياسات (سياسة الاقتصاد المفتوح)، واحدى هذه الاثار هي (البطالة السافرة) وزيادة الفوارق الطبقية في الدخل وكذلك يريدون وينادون بعولمة الاقتصاد والمجتمع بدون قيود تحت شعار اننا مجبرون ولسنا مخيرين على الاندماج في الاقتصاد والمجتمع العالميين؟ بينما من المطلوب حالياً فرض ضوابط على عولمة الاقتصاد والمجتمع لحماية الجماعات المتضررة (او التي من المحتمل ان تتضرر مستقبلاً). ان سياسة الاقتصاد المفتوح او ما يسمى (آلية السوق) هم يريدون منها ان يكون الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي كما ذكرنا تقليص برامج الرعاية الاجتماعية الى الحد الأقصى، ويستدعي قصر وظيفة الحكومة على التنسيق فقط. ويستدعي إطلاق اليات السوق المنظمة لذاتها بدون تدخل حكومي، علاوة على فتح الاقتصاد والمجتمع لقوى العولمة للاستفادة من فرص الاستثمار والحرية الاقتصادية. بينما الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي لا يستدعي تصفية دولة الرعاية الاجتماعية، ولا تصفية القطاع العام، وانما يجعلها أكثر كفاءة ومرونة، لان تصفيتها ستخلف اثاراً نفسية واجتماعية خطيرة مما يحدث هزة كبيرة في المجتمع. وكذلك عدم فتح الاقتصاد والمجتمع لقوى العولمة بدون ضوابط لحماية المعايير الوطنية. بالرغم من الدور السلبي للتدخل الحكومي في الاقتصاد والمجتمع الذي يؤدي الى الجمود والتعسف البيروقراطيين. وبالرغم من (عدم اطلاعنا على اوراق هذا المؤتمر الذي يريد حل ملف البطالة). ففي هذا الوقت الراهن تختلط الماركات الايديولوجية فإنك تجد ليبراليين يطرحون آلية السوق كما تجد يساريين او قوميين. وقد تجد من (الموالين) للحكومة ويساريين من المجتمع المدني بالضد من ذلك. لان التحول الايديولوجي عندنا في البحرين أصبح ظاهرة طبيعية ان تتحول من اليسار الى اليمين او العكس او تتحول من اليسار الى قوى طائفية سياسية؟! من دون اي مراجعة نقدية او نقد ذاتي يبرر هذا التحول؟ ان من يريد ان يربط بين سياسات الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي وسياسات الخصخصة مثلاً، اي التخلي المتزامن عن القطاع العام وبيعه الى القطاع الخاص، والتخلي عن برامج دولة الرعاية الاجتماعية في الفترة نفسه هذا الراي الشائع في البحرين اليوم يحاول ان يوحي للمواطنين بأن (البطالة السافرة) التي ستنتج عن اتباع هذا الاسلوب في الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي، هي امر حتمي ومنطقي، وهذا غير صحيح؟ لا سياسة الخصخصة ولا سياسة (اعادة الهيكلة) في الحكومة سوف تؤدي (بالضرورة) الى (بطالة سافرة) لماذا؟ لان من يتصور ان الخصخصة تعني ان الدولة سوف ترمي المواطنيين الموظفين (الزائدين عن الحاجة) في الشارع، هو مخطئ او ساذج كلاهما معاً وقد كانت لنا تجربة التقاعد الاختياري المبكر حيث من تقاعد اختار هو التقاعد مع الحوافز التي تم عرضها عليه. اضافة ان (مبدا تكافؤ الفرص) الذي ينص عليه الدستور لا يتطلب ان توفر الدولة وظيفة حكومية لكل مواطن، ولكنه لا يعفي الحكومة من توفير فرص عمل في الاقتصاد الوطني في القطاعين العام والخاص. وهذا يتطلب من دون شك، سياسة توظيف اصلاحية عقلانية تقوم على اتاحة الفرصة لكل مواطن قادر وراغب في الحصول على وظيفة، حسب توفرها.
ان السياسة التوظيفية في البحرين لن تكون مجدية ما لم تتحقق بعض الشروط الضرورية: اولاً: الحد من الاحتكارات العائلية المحلية الخانقة على الاقتصاد الوطني.
ثانياً: رفع القيود البيروقراطية عن حركة تنقل العاملين، وعن ايجاد فرص الاستثمار وعن الروح الانترابرنوية.. من مثل (ان تمكين تطلق الان منصة كوادر للمهارات التقنية. ودخول شركات تكنولوجية امريكية وكذلك انجليزية تسعى لاتخاذ البحرين مقراً لها. وكذلك دخول اليابان في منطقة التجارة الحرة مع البحرين الخ).
ثالثاً: وضع خطط للتدريب واعادة التأهيل كما هو مشروع تمكين (كوادر) الجديد في مجال التقنية التكنولوجية، تسمح للمواطنين بتغير مسارهم المهني او الدخول في مهن جديدة. ان العقيدة السائدة عن قوى آلية السوق، هي ان سياسة الرعاية الاجتماعية شر كلها، يجب تصفيتها وإطلاق العنان لآلية السوق المنظم لذاته وهم يرفعون شعار (حكومة اقل)؛ اي قطاع عام مهمته التنسيق وليس الانتاج او التدخل في ألية السوق، ولكن المطلوب هو ليس حكومة اقل، وانما حكومة أفضل، اي حكومة كفؤة تعتمد على الجمع بين إلية السوق وبين تنمية المجتمع المدني، ودعم سياسات دولة الرعاية الاجتماعية. وأفضل مثال على الاعتماد على الجمع بين ألية السوق وبين تنمية المجتمع المدني، ودعم سياسات دولة الرعاية الاجتماعية هو تجربة السويد، صحيح اننا لا نقارن هنا بين البحرين والسويد ولكن نبدي الرأي في المحور الثالث: وهو سياسة الاقتصاد المفتوح واثارها على سوق العمل. حيث تستهلك السويد ٦٠ بالمائة من الدخل الوطني، وهي بحق الدولة القائدة في سياسات الرعاية الاجتماعية، بحيث يعين لكل مواطن بلغ الخامسة والستين مساعد شخصي. وهي تمول الصحة والتعليم ومعظم الخدمات العامة الآخرى. وما زال شعار سياسة التأمينات الاجتماعية (العناية بالمواطن من المهد الى اللحد). ومع ذلك فالسويد هي الدولة السباقة في إطلاق حرية السوق وفي تخصيص المؤسسات الصناعية من الصناعة الثقيلة الى الاتصالات والبنوك. واغلب النمو الاقتصادي تساهم فيه شركات لم تكن موجودة من قبل. وهناك عدد كبير من الشركات المتعددة الجنسيات (المعولمة) تضخ بلايين من الدولارات في الاقتصاد السويدي. ونجحت السويد أكثر من اي بلد في منطقة اليورو، في خفض (معدل البطالة)، وفي تحقيق نسبة نمو تصل الي ٣.٨ من الناتج المحلي الاجمالي. لقد طبقت السويد عدة سياسات مريرة لا بد لأغلب الدول الراغبة في الاصلاح من تطبيقها اولاً: بدأت بوضع موازنة. الدولة على اسس (صحيحة)؛ بمعني عقلانية، وذلك بزيادة الضرائب الشخصية، وفرض قيود شديدة على المصروفات.
ثانياً: وبشكل متزامن فتحت اسواقها وتبنت روحية المستثمرين الانترابرنور وثقافتهم، فسمحت بالمنافسة في ميادين الخدمات وبخاصة في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا والكهرباء، ودخلت كقوة رائدة في ميدان الالكترونيات.
ثالثاً: الغت القيود التي تحد من حركة العاملين، وبخاصة القيود النقابية على حركة العمال.
رابعاً: تبنت الحكومة السويدية الشركات الجديدة المعتمدة على روح الابتكار، والتي تخلق فرص عمل جديدة، والقادرة على المنافسة في الاسواق العالمية.
ان مثال تجربة السويد يفتح مجال لمن يطرح ان من الاسباب المهمة التي تولد البطالة هي سياسة الاقتصاد المفتوح واثاره السلبية على سوق العمل وهو المحور الاهم، لأنه يثبت بأن من ينادي بتقوية المجتمع المدني، يمكن ان يستفيد كثيراً من الحلول التي يقترحها المنادون بإطلاق آليات السوق، ولكن من دون التخلي عن اهداف سياسات الاصلاح كما ذكرناها سابقاً. ولا يمكن لمن يحتج انه لا توجد مقارنة بتاتاً مع تجربة السويد عدا اننا ننتمي الى ثقافة مختلفة، وننتمي الى وضع مغاير لوضع السويد من حيث مصدر الدخل الوطني. وكما اننا نتحدث عن وجود (بطالة سافرة) في البحرين كنا نحجب النظر في السابق عن (البطالة المقنعة السافرة) والمسكوت عنها والتي كانت تسبب هدر مالي والذي كان يؤدي الى تضخم بند الرواتب والاجور في الميزانية العامة. ومن منطلق المسئولية العامة في البحرين النظر الى ان قوى المجتمع المدني، المدنية والعقلانية والديمقراطي والعلمانية ان وجدت في شكل قوى سياسية ومنظمات نقابية مهنية وتكتلات مصلحية وجمعيات نفع عام، تشكل في حال عدم تفعيلها عجلات معطلة في الة اغلب مشاريع الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي. فمن غير المعقول أبداً ان تنجح مشاريع اصلاح اقتصادي، وسياسات اجتماعية متقدمة لحل ملف البطالة مثلاً، بدون مساهمة المواطنيين الذين تسعى هذه الحلول والسياسات والمشاريع والمؤتمرات لتحسين وضعهم المعيشي المتردي وتخفيف اعباء الحياة المتزايدة عليهم. الاصلاح لا يتعلق بالفلس والدينار فقط، وانما يتعلق، بشكل اكثر اهمية واشد حسماً، بمستقبل البحرينيين: بتوقع حاجاتهم الانسانية وعمار بيئتهم، وبالتخطيط للتوسع العمراني كما هو في حل ملف الاسكان المبرمج وتوسع المدن، وبالسعي الى التخفيف التدريجي من فوارق الدخل ومنها حل ملف البطالة وهناك النقطة المهمة وهي الحد من مصادر الاحتكاك القبلي الطائفي، وكذلك بإصلاح الجهاز الحكومي والحد من الفساد الاداري والمالي، وهناك أيضاً النقطة الاهم بتخليص المجتمع من عقلية التمصلح والاستنفاع والتنفيع السائدة بين افراد الطبقة المسيطرة او المستفيدة من مثالب السياسات الحكومية واخطائها.
ان اي عملية اصلاح لا تستهدف معالجة هذه المعضلات الوطنية، لن تسمن ولن تغني من جوع.
من الملاحظ في الفترة الحالية التوجه او التحول الى القطاع الخاص ضمن اطار من يضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية ولكن يجب الانتباه الى انه يتمثل حقيقة في خلق او توسيع نطاق الطبقة المسيطرة او المستفيدة من نظام الحكم على المستوى الاعلى والاهم، اي ان عملية التحول هي في النهاية احتضان سياسي لطبقة من الوجهاء والاعيان والمتمصلحين، والمنتفعين، اما ما نراه اليوم في البحرين من القوى العاملة التي تعمل او تملك ورش ودكاكين ونوفوتيه وقطع غيار ومصانع صغيرة لإنتاج سلع استهلاكية (في الصناعات التحويلية او صناعات غذائية على شكل مشاريع انتشرت مثل الفطر في البحرين)، فهذه كلها مظهر او ملمح لا قيمة حقيقة له في مجال التنمية الجادة. اذن لا زال العنصر الفاعل في عملية التحول الى القطاع الخاص هو الدولة وبيروقراطية الدولة المركزية العليا، وكون بعض المشاريع القطاع العام وشركاته قد حولت الى القطاع الخاص لا يقلل او يقدم او يؤخر في حقيقة راسخة هي ان قبضة هذه البيروقراطية المركزية للدولة الخانقة على الاقتصاد والمجتمع لن تضعف سواء بوجود التخطيط المركزي بشكله الشامل او بشكله الجزئي عن طريق السلطات الواسعة لهذه البيروقراطية في التشريع للقطاع الخاص من داخل او من خارج البرلمان، او إطلاق عنانة في الاوقات المناسبة كما هو حادث اليوم. ولكن ما الملامح الاساسية لهذا القطاع الخاص المطلوب تحويل ملكية موارد البلاد اليه؟ في لقاء له مع جريدة الايام وتحت مقال التسهيلات تعاني من ديون المتعاملين المتعثرة. رجل الاعمال عبدالرحمن يوسف فخرو (ان هناك مطالبات من البرلمان غير مدروسة ولا تراعي الوضع الاقتصادي بل تضفي عليه اعباء جديدة.. وانتقد تعامل بعض المؤسسات الحكومية مع التحولات الرقمية، مشيراً الى ان بعض الوزارات غير جاهزة في التعامل مع الاون لاين، وان البنوك عليها ان تراعي اوضاع هذه المؤسسات والشركات والتجار ولا تتشدد معهم أكثر من اللازم. وان غرفة التجارة للأسف لا اشعر بان لها اي دور كما يجب في التعامل مع قضايا التجار، انني افتقد هذا الدور). اذن الملمح الاول في هذا القطاع الخاص هو انه مكون بشكل رئيسي من شركات فردية ضائعة بين الحكومة ووزاراتها وبرلمانها وهي تعاني سواء من داخلها بانها لا تتبع النظم المحاسبية المتقدمة كما ان الوزارات غير جاهزة في التعامل مع الاون لاين، وتعاني من تخلف انظمتها الادارية، لذلك فان مثل هذه الشركات تنتهي بوفاة المؤسس، او تنحسر نشاطاتها خلال جيل او جيلين من الزمن. والملح الثاني لهذا القطاع الخاص هو ضعف التراكم الرأسمالي في القطاع الخاص مقاساً بضعف مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي، وفي تكوين راس المال الثابت الاجمالي، وفي اعادة استثمار العائد. وهنا يأتي الملمح الثالث وهو محدودية فرص الاستثمار المجدي بسبب حالة التجزئة الرهيبة وعدم وجود دور لغرفة التجارة والصناعة لهؤلاء الافراد التجار، مما يطرح عدم امكان توسع القطاع الخاص بدون دعم حكومي مباشر كما سمعنا من أحد رجال الاعمال والشركات عبدالرحمن فخرو؟ مما يطرح في الملمح الرابع هو ان القطاع الخاص لا يستطيع ان يقوم على قدميه من دون دعم حكومي كامل من توفير القروض الميسرة، الى تخصيص القسائم الصناعية الى الاعفاءات الجمركية، وتقديم الخدمات الاساسية من كهرباء وماء وغاز، واستعمال البنية التحتية بأسعار رمزية وهنا بالنسبة لموضوع البطالة ووجود فرص عمل فان الالية المتبعة في هذا القطاع الخاص هو العمالة تشكل لبعض الوقت نسبة كبيرة من العاملين في القطاع الخاص، وهم في الحقيقة عاملون في القطاع العام، وكثيراً ما يستعمل المقاولون بالباطن والعمال المهرة في القطاع الخاص (وبخاصة العاملين لحسابهم) مرافق القطاع العام في ادائهم لأعمالهم
نعود مجدداً الى من طلب من المجتمعين في مؤتمر حل ملف البطالة بمشاركة ثماني جمعيات بإرسال رسالة او مقترح للسلطة التنفيذية لحل ملف البطالة وبحرنه الوظائف والذي وضع له سقف سبع سنوات؟ ان اهم هذه القوى الاجتماعية المنوطة من وجهة نظره هي غرفة تجارة البحرين بيت التجار والذي يراها رجل الاعمال عبدالرحمن فخرو ان ليس لها دور في التفاعل مع قضايا التجار فما بالك بقضايا العاطلين او بحرنه الوظائف؟ ان الملامح الاساسية للقطاع الخاص وضآلة دوره في الاقتصاد وفي المعارضة الوطنية وطبيعة تكوينه ضمن إطار عقلية التمصلح. والتنفيع، فما الذي يدفع الدولة الى اعادة شركات القطاع العام ومنشآته اليه (اي الى القطاع الخاص)، ان لم يكن هذا القرار هو قرار سياسي بني على اعتبارات ايديولوجية متحيزة تستهدف خلق طبقية مستفيدة من نظام الحكم لتوسيع قاعدة النظام الاجتماعية من دون المساس بدور الدولة وهيمنتها في الاقتصاد والمجتمع، علاوة على ان هذا القطاع الخاص تخترقه الانتماءات الطائفية والتي طفحت على السطح في احداث كارثة الدوار، وهذا سبب يعيق توحد هذه الطبقة الوطني لتلعب دور معارضة وطنية كما كان في فترة السبعينيات؟ هل هناك بدائل لعدم كفاءة القطاع العام وللعودة للقطاع الخاص الذي لا يملك المؤهلات اللازمة للقيام بدور القطاع العام؟ بالإضافة الى حل ملف البحرنة والبطالة وارتفاع معدلات البطالة وزيادة الفوارق الطبقية وتردي الوضع المعيشي للمواطنين المتأتية من عدم عدالة توزيع الدخل الوطني ونسف مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية التي ستترتب على هذا التحول؟ هناك بدائل واهم هذه البدائل هو مشروع تعاونية السوق وهي تسمية غير دقيقة لمشروع جيد في تحقيق التعاونية الانسانية والعدالة الاجتماعية في ظل التحرر السياسي والاقتصادي لقوى المجتمع المبدعة. ان مسألة التحول من القطاع العام الى القطاع الخاص يجب الا توضع بشكل متقابلة حدية: اي السوق مقابل التخطيط المركزي كما حدث في تجربة اوروبا الشرقية، لان السوق لا يتعارض مع التخطيط المركزي إذا اريد بالسوق اداة لإعطاء مؤشرات لعناصر تكوين الاسعار، وإذا قصد بالتخطيط المركزي التنسيق بين مشاريع مملوكة ملكية عامة ولكن تدار بشكل مستقل عن بيروقراطية الدولة المركزية كما هو حادث في تطبيق سياسة التسيير الذاتي في وزارعة الصحة مثلاً والذي لم يفعل بطريقة جدية ولازالت البيروقراطية المركزية تتسيد عليه. ولكن العنصر المهم في هذه المعادلة الذي يجب ان يحسم من البداية، هو ملكية هذه المشاريع. فليس من المحتم ولا هناك إلزام بإعادة هذه المشاريع الى القطاع الخاص اذ من الممكن ان يملكها جمهور المنتجين (العمال والمزارعين وغيرهم) او جمهور المستفيدين (في مشاريع الخدمات) بشكل شركات مساهمة مفتوحة تخضع ادارتها لجمعيات عمومية تنتخب انتخاباً حراً. وهذا ما يمكن تسميته بالقطاع الاهلي او التعاوني او التشاركي (وليس كما حدث عندنا من جمعيات تعاونية يسيطر عليها نخب متنفذة، او تكون تحت سيطرة وواجه لجمعيات سياسية وخصوصاً ان الاسلام السياسي عندنا عرف كيف يهيمن عليها) ان القطاع التعاوني، والذي يمكن ان يتوسع أكثر بتوسع قاعدة القطاع التعاوني في المجتمع بشكل مواز. بهذه الطريقة يفتح مجال لأسلوب اللامركزية في الادارة، ويتم حصر مجال التخطيط المركزي في مهمات التنسيق، ويفتح المجال في الوقت نفسه امام هذه المشاريع للمنافسة في سوق لا يقصد منه (الربح) بحد ذاته، وانما يستهدف توليد مؤشرات تعكس الكلفة الاجتماعية للإنتاج (كعنصر اساس في تكوين اسعار السلع والخدمات)، هنا من الممكن ان تدخل شركات القطاع الخاص ومشاريعه مجال المنافسة في هذه الميادين وفي طرح اسهم هذه الشركات والمشاريع للتداول، بشرط عدم وضع ضوابط حدود قصوى لتملك هذه الاسهم بضمان عدم تركزها في ايد محددة او جمعيات سياسية مثل تجربة الاسلام السياسي في مجال الصناديق الخيرية او الجمعيات التعاونية.
في مجال توسع القطاع التعاوني او التشاركي هناك بطبيعة الحال بعض المشاريع التي لا تدر عائداً ولا تعكس الكلفة الاجتماعية الحقيقية للإنتاج كالخدمات الاساسية في التعليم والصحة والامن وغيرها. هذه بطبيعتها ستبقى في (ملكية الدولة)، ولا يعني ذلك كما هو حادث الان من وضع سياسة التسيير الذاتي للمؤسسات الطبية الحكومية والتي من المفترض ان تشكل مجالس امناء لتدير هذه المؤسسات وان تدير هي نفسها بنفسها، اي لا يعني ذلك تدخل لجهاز الدولة البيروقراطي التعسفي في ادارة هذه المشاريع كما هو حادث الان، وانما يعني ضمان الحدود الدنيا او المواصفات القياسية لنوعية الحياة المناسبة للمواطنين، ومستقبلاً عندما يتم تفعيل هذه للامركزية في هذه المؤسسات لا يمنع من ان يدخل كل من القطاع التعاوني والخاص مجال المنافسة بشرط الالتزام بهذه المواصفات القياسية والحدود الدنيا المقبولة في توفير هذه الخدمات وان تكون في صالح المواطنين. ان اللامركزية في الادارة وتوسيع القطاع التعاوني او التشاركي لضمان الملكية العامة لموارد البلاد مع ترك مجال المنافسة مفتوحاً مع القطاع الخاص، هذه كلها تهدف الى تحقيق غرضين مزدوجين:
1- ان تحرير الاقتصاد لا يمكن ان يتم من دون الحرية السياسية والضمانات الدستورية لحقوق المواطنيين وواجباتهم. ويضمن بأن هناك توزيع عادل نسبياً للدخل من دون ان يتم التضحية بالحريات السياسية والمشاركة الشعبية في الحكم. 2- ان الديمقراطية في السياسة لا بد ان تكون مرتبطة بديمقراطية الاقتصاد والا فالواحدة لا معنى لها من دون الآخرى. هذا المشروع يثمل بديلاً عند من يسأل المعارضة العقلانية الديمقراطية او من هو المسئول في البحرين؟ (المسئولية العامة) عن حل الملفات العالقة ومنها البحرنة وحل ملف البطالة الخ، فهذا المشروع (التعاونيات) ادة للتحرر والتقدم. (ان الحركة التعاونية سوف تعيش وسوف تبقى، لأنها ولدت في الجزء السامي والراقي من النفس، الذي يقوم بالعناية بالآخرين، ويشعر بضرورة التضامن معهم، والمفعم بالكرم، والرافض للأنانية والقادر على بذل النفس لزملائه، والذي يعمل لمنفعة ومصلحة المجموع – روبرت رودريجز). هذا المشروع يستحق بذل المزيد من الجهود في البحث والتدقيق لتطويره، ومعالجة العديد من مأزق عنق الزجاجة التي يمكن ان يواجهها. وهو بدون شك أفضل من التأرجح بين بديلين ثبت، قطعياً وفنياً وتقنياً وايديولوجياً عقمهما التاريخي ولا انسانية نتائجها، وهما التطبيق البيروقراطي التسلطي (للاشتراكية) المعتمدة على القطاع العام، او تركز الثروة والقوة والسلطة في القطاع الخاص الرأسمالي، وما يولده هذا الامر من بطالة وعدم عدالة التوزيع للموارد والمنافع والسلع والخدمات.
المرجع: كتاب اراء في فقه التخلف للكاتب الراحل خلدون النقيب