حول الدولة المدنية

الدولة المدنية وفصل الدين عن السياسة هو عنوان مقالة للعزيز د. احمد الخُزاعي وهو يبدأ هذه المقالة بسؤال (قبل الحديث عن ابعاد رجال الدين عن السياسة او فصل الدين عن السياسة، يجب الحديث عن (الدولة المدنية)

التي نادي بها الجميع (ومن ضمنهم رجال دين) وهل نادوا بها تغنيا وتقليدا اعمي للغرب ام عن فهم ودراية؟) ان الحديث عن دولة مدنية من دون الحديث عن المجتمع المدني هو تغييب للمسالة قيد البحث. علاوة علي ان وضع العنوان في صيغة الدولة المدنية وفصل الدين عن السياسية قد يوحي للبعض ان هناك متقابلات وهي ( دولة دينية / دولة علمانية ) ( دستور إسلامي / دستور علماني ) ( برلمان ديني / برلمان علماني ) هذا من جهة اخري   بالرغم من العزيز احمد كتب في مقاله ( ان الدين يضل عاملا أساسيا في ضَل الدولة المدنية لبناء الأخلاق وخلق مجتمعات مترابطة وخلق طاقة إيجابية للإنجاز والتقدم ، ويجب التنويه ان الدولة المدنية لا تعادي الدين او ترفضه ، بل استخدام الدين لتحقيق أهداف فئوية او سياسية، لان ذلك يتنافى مع مبدا التعددية والمساواة الذي تقوم عليه الدولة المدنية … ومن ثم فالدين في الدولة المدنية ليس اداة للسياسة وتحقيق المصالح ، ولكنه يظل مقدسا في حياة المواطن الخاصة . ) ان فئة رجال الدين والملالي في الضفتين (السنية / الشيعية) وجمعياتها الطائفية السياسية التي تستغل الدين كانت جهودها منصبة ما قبل المشروع الاصلاحي وما بعده والي الان متجهة عبر سعيها والذي كان مدبرا ومحكما، لاغتيال المجتمع المدني ومفهوم الدولة المدنية فما بالك بمفهوم (الدولة المدنية الديمقراطية) وتحت شعارات الأسلمه والصحوة الاسلامية والوحدة الوطنية الاسلامية لإعادة صوغ الانسان في البحرين بعد فترة (الجاهلية التي كان يعيشها ؟!). وهي محاولات يائسة لإخفاء الدوافع الحقيقية التي تكشفت كمخططات للسيطرة والهيمنة علي السلطة وتمكين هذه الجمعيات وفئة رجال الدين في الجانب السني والملالي في الجانب الشيعي وقياداتهم للتحكم بكل مفاصل السلطة والقوة والثروة وبالتالي إقصاء القوي السياسية المدنية والشبابية التي اندفعت بحماسها وتفجرت منذ احداث ١٤ فبراير الكارثية في تظاهرات ومسيرات كانت بدايتها مطلبية واحتجاجية انعكاسا لما سمي آنذاك بالربيع العربي مما فتت ومن ثم استقطب وقسم منظمات المجتمع المدني علي اساس طائفي مما أعطي كل المبررات لاستهداف منظمات المجتمع المدني من قبل النظام في ظل سريان قانون السلامة الوطنية كقوانين استثنائية مما استهدف صيغ العمل المدني كافة ، بأسباب مطالبتها بالتحول الديمقراطي من خلال المشروع الاصلاحي وإقامة الدولة المدنية المؤسسة علي الحقوق ، واستبعاد الدين والطائفية عن السياسة ومقاومة كل ما يقف في وجه نضال المجتمع المدني . من هنا يجب ان نعيد لمفهوم المجتمع المدني والذي كانت القوي المدنية تحاول ان تعززه في ظل المشروع الاصلاحي بان تحوله من مقولة المجتمع المدني الساكنة الي مقولة تاريخية متحركة تظهر الطاقة الكامنة فيها وعزل الطاقة الضارة بقضية الديمقراطية لكي يتحقق مفهوم ان ما للدولة وللمجتمع المدني ماله ، وضرورة ان يعيد المجتمع المدني بإنتاج نفسه خارج الدولة وخارج الطاقة السلبية فيه وهي الجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين ، كما تقتضي اعادة صوغ مفهوم المجتمع المدني الي مفهوم يكمن في اطار الانتقال من الحكم التسلطي وعبر مفاهيم ( الميثاق ) ( العقد الاجتماعي ) ، مقابل نظرة الحق الالهي سواء للسلطة او فئة الملالي ورجال الدين وجمعياتها الطائفية المذهبية ، والتعددية السياسية مقابل الحكم المطلق او حكم دولة الملالي الطائفية او دولة الخلافة الاسلامية ، والحريات العامة في الحياة والملكية والعمل والراي والمعتقد ، مقابل حرية وحق الأقلية ( الحلف الطبقي الضمني ) او الاستقراطية الدينية ، وحق المواطنة مقابل الانتماء والولاء الضيق ( الديني المذهبي الطائفي الخ .                      

ان ما هو مطلوب الان من القوي الوطنية الديمقراطية العقلانية، هو استنهاض مفهوم المجتمع المدني والذي كان يتداول بكثرة مع انطلاقة المشروع الاصلاحي من اجل (كسر) حواجز الهيمنة والسيطرة سواء أتت من النظام ام من الجمعيات الطائفية السياسية، وتجاوز ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي صراعاته والخصومات الشخصية والذاتية والشللية والفئوية التي باتت تنخر في جسده. وتجاوز منظمات المجتمع المدني الحكومية، التي تنعم بالتسجيل والرعاية، والتمويل الرسمي. وكذلك تجاوز ما يسمي بالمنظمات الحقوقية وغير الحقوقية للجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين والتي يتم تمويلها من الخارج لتصب ضد مصلحة البحرين والتي تحاول ان تدول ملف البحرين لكي تفتح التدخلات في الشأن البحريني سواء الغير مباشرة او المباشرة من قبل دول إقليمية او عالمية والذي يعد بمثابة ضيق أفق سياسي متسم بالانتقام والكره والحقد علي الدولة والذي يؤدي الي تفشي النزاعات الطائفية والتوترات الأمنية، فضلا عن زعزعة الاستقرار الاقتصادي. من الضروري ان يخوض المجتمع المدني صراعا ضد كل ما يعوق من تطور المشروع الاصلاحي سواء داخل المجتمع المدني من جمعيات طائفية سياسية تستغل الدين او داخل النظام ( التحالف الطبقي الضمني ) من اجل الوصول لإقامة الدولة المدنية الديمقراطية من هنا يأتي ابعاد الدين عن السياسة استنتاجا من التجربة الفاشلة ( للإسلام السياسي ) بشقيه ( السني / الشيعي ) ويخلص الي ضرورة ان تبني مبادئ ( النظام السياسي ) المتمثّلة في المساواة في المواطنة ، وحرية العقيدة دون تمييز ، والشعب مصدر السلطات مستمدا شرعيته من الدستور ، سيادة حكم القانون ، واستقلال القضاء ، وكفالة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنقابية وشفافية قواعد الحكم . ولكن القضية الجوهرية هنا والتي تواجه اي قوي تريد حل الازمة السياسية في البحرين هو تحديد معالم وخارطة طريق الاستقرار و ( الوحدة الوطنية ) لتنشد بعد ذلك الدولة الوطنية الديمقراطية او كما يحلو للبعض ليكن حل هذه القضية في اطار الدولة المدنية الديمقراطية ، ذلكم هو التحدي الماثل أمامنا اليوم مما يفرض علي القوي الوطنية الديمقراطية العقلانية التغييرية ومن قوي سياسية ، مدنية ، نقابية وشبابية الخ ، ان تنهض لجمع صفوفها وتوحيد كلمتها وباستقلالية تامة عن تيار الاسلام السياسي ( السني / الشيعي ) من اجل احقاق تلك المبادئ التي ذكرت سابقا . والعمل الجاد على اعادة الإصلاح في المشروع الاصلاحي، كما هو التعديل والذي جري على التعديلات الدستورية في انتخابات ٢٠١٤. لكي يعرف النظام ان الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي يَصْب لا محالة في مصلحة النظام نفسه. هذه القناعة الحرة والتي يجب ان يراها المعتدلين في الضفتين النظام والمعارضة والارادة والعمل على تحقيقها للخروج من عنق الازمة لكي تصبح من مشروع (بالقوة) الي مشروع (بالفعل).                                      

وكما جاء في مقال العزيز احمد خزاعي في العلاقة ما بين فصل الدين عن السياسة عبر محاكمة ان صح اولا مذهبيا وثانيا طائفيا. كما جاء في مقاله (إذا افترضنا جدلا ان هناك قانون يجب التصويت عليه من قبل التمثيل الشعبي في السلطة التشريعية، ولم يمرر هذا القانون من قبل الطائفة (ا) والتي تحتوي على أكثر من مدرسة (فقهية) مقابل (الطائفة) (ب) التي تريد تمريره وتحتوي على أكثر من مدرسة (فقهية) ايضا) وفي جملة اخري (هل سيسلخ رجل الدين نفسه عن كونه رجل دين حين اتخاذ قرارات مصيرية، ام سيربطها بقناعاته الدينية (والمذهبية). اذن نحن هنا امام الدين، المذهب، الطائفة. مما يترك نوع من الالتباس عند من يقرأ هذا المقال لكي يحدد العلاقة ما بين فصل الدين عن السياسة او فصل السياسة عن الدين؟ وهنا تبرز مسالة فك الارتباط إذا كانت هذه الكلمة مناسبة في هذا المجال بين (الدين)، (المذهب)، (الطائفة). الطائفية بصفتها نسبة الي الطائفة، وهذه تعني جماعة من الناس، وأي جماعة على الإطلاق، اذ يقال طائفة من الأفكار مثلا. فالطائفة لا تحيل بالضرورة على (المذهب) ولا تحمل إيحاء مذهبي الا كما فهمه العزيز احمد الخُزاعي اي في الخطاب الأيديولوجي، الذي لا يقيم وزنا لأي شيء سوي غاياته ومنطقه السجالي. مثلما هي المحاججة التي اقامها احمد خزاعي بين الطائفة (ا) والطائفة (ب). فقد اعتدى هذا الخطاب علي اللغة والمفاهيم والمقولات والأفكار، حتى بات كل شيء ملتبسا بكل شيء. (فاللمذهب) مرادفات لصيقة به (كالملة، النحلة، الشرعة، المنهج، الطريقة) ومن هنا فالطائفية انتماء وولاء جمعيان، بغض النظر عن نوعهما ومضمونهما. واقتران اي (مذهب) من المذاهب (بعصبية) في الحالة البحرينية تؤسس عليه سلطتها المعنوية وشرعيتها الصورية كما عبر عنها احمد الخُزاعي (تحتوي على أكثر من (مدرسة فقهية) هنا العلاقة بين هذه المدارس الفقهية (المذهبية العصبية) تقيم علاقاتها الداخلية والخارجية على محمولات (الأفراد) لا على (ذواتهم) فهذه الاخيرة لا قيمة لها، في الاعراف المذهبية العصبية، بل غير معترف بها. ما يعني ان سائر الجماعات المذهبية تنظر الي (الافراد او المواطنيين) على انهم (ارقام وقوي طبيعية وأدوات ووسائل) تتوسل بها هذه المذاهب العصبية لتحقيق غاياتها، اي الغايات (العصبية) التي تشكل نواة كل منها. وهنا يدخل عنصر (الكراهية والخصام والعداوة) تدعمه الانانية والاثرة، وعدم الاعتراف بجدارة الاخر واستحقاقه وحينها يفترض (الفرد او المواطن) ان الاخر هو موضوع لإرادته، ومادة لسلطته ووسيلة لغاياته واداة لتحقيق مصالحه، وسماد لأنانية ونرجسيته، هكذا تنظر اي جماعة مذهبية الي الجماعات الاخرى، وتتحدد علاقتها بكل منها على اساس الغلبة والاقتدار كما يراه احمد الخُزاعي علي هذا الشكل (هل سيسلخ رجل الدين نفسه عن كونه رجل دين حين اتخاذ قرارات مصيرية ام سيربطها بقناعاته الدينية والمذهبية). علاقة فك الارتباط بين الدين والمذهب والطائفة ولكي نحركها على مستوي الدولة المدنية من منظور مختلف ومن منظور لماذا يتم طرح فصل الدين عن السياسة او فصل السياسة عن الدين.

فموضوعنا حول الدولة المدنية، تم طرح ضرورة فك الارتباط بين الدين والمذهب والطائفية وبعد الاطلاع على المناظرة بين بوصندل وكاظم في جريدة الوسط وتحت عنوان بوصندل (فصل المنبر) علمانية ستكهرب البحرين، وكاظم مدنية. وقبل ان ندخل في حوار مع بوصندل وجماعته المنبر الاسلامي الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في البحرين. لدينا هنا ملاحظة أولى وهي ان بوصندل هنا يستخدم التهديد المبطن للدولة والسلطة والنظام عبر ما يذكره ( فصل المنبر الديني عن الجمعيات السياسية هي مشروع علماني ( وستتكهرب البحرين بسببه ) ، ولكنه يحاول ان بتفادى مباشرة الطرح والتهديد والوعيد ( للبحرين ) بجملة ( لذلك أطالب ( ولاة الامر ) في البحرين بان يعاد النظر في بعض القوانيين حيث الواجب استشارة ( علماء الشريعة ) وبالذات المجلس الأعلى للشئون الاسلامية في القوانيين ذات الصِّلة ( وعدم ) استشارتهم يعد ( تهميشا ) لمؤسسات رسمية وتجاوز للهدف الذي أنشئت من اجله ) ففي الوقت الذي يطلب من ( ولاة الامر ) في البحرين ( استشارة – من الشوري ) وإلا فان عدم استشارتهم يعد ( تهميشا لهم ) وهنا يحاول بوصندل ان يقحم المجلس الأعلى للشئون الاسلامية في صراع مع الدولة ؟! وبعودة لموضوعنا حول الدولة المدنية هنا سنناقش بوصندل من خلال إجابته على سؤال جريدة الوسط. السؤال للنائب السابق بوصندل هل نفهم من حديثك هذا ان لا اشكالية لديك ازاء مفهوم الدولة المدنية؟ بوصندل: أبدا فالإسلام (دولة مدنية) وهي تختلف عن (الدولة العلمانية) حيث تضع هذه الاخيرة خطا بين (السماء والأرض)). هنا ينطلق بوصندل من طبيعة فهمه هو للعلمانية بانها ضد الاسلام ؟! وهنا بوصندل لا يوضح لنا ماذا يقصد (بالإسلام) فلم يعرف الاسلام (الدولة السياسية) والإسلام المعني هنا (الاسلام الدين) لا الاسلام التاريخ او الاسلام الحضارة وهذا امر بديهي لأنه ليس من وظيفة الدين انشاء دولة سياسية والإسلام شانه في ذلك شان سائر الأديان السامية التي سبقته فالنصوص المقدسة سكتت عنها ولم تشر مجرد إشارة عابرة الي كيفية انشاء الدولة او تنظيم الحكم وهذا مرجعه الي انها لم تكن من ضمن المهام. ولكن ماذا عن دولة المدينة المنورة؟ هنا يجيب المفكر الراحل خليل عبد الكريم (بأن الرسول انشا (دولة دينية) كما فعل الرسل والذين ترأسوا دولا مثل داوود وسليمان عليهما السلام) هنا سنقتبس من المفكر المصري الراحل خليل عبد الكريم من كتابه (الاسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية) الصادر من دار سينا للنشر.  

الفرق كبير بين الدولة الدينية والدولة السياسية. وقبل ان نتطرق الي الفروق التي يحددها المفكر خليل عبد الكريم بين هاتين الدولتين سنحاول ان نبين، لماذا اختار خليل عبد الكريم الدولة السياسية مقابل الدولة الدينية ولم يستخدم المدنية؟ ذلك ان أصل كلمة (سياسة) وباللغة الانجليزية(politics) هو الكلمة الإغريقية(polis) وهي اسم مدينة -دولة إغريقية قديمة، انطلقت منها كما يقال الممارسات التي اصبحت تعرف باسم (السياسة). وهكذا فان معني الكلمة ارتبط منذ البداية بفكرة (الدولة) وبأشكال التنظيم الاجتماعي. وبالتالي فان حديث المفكر خليل عبد الكريم السياسي سينصب على مفهوم (الدولة) وتنظيم المجتمع فيها ومن يحكمها. فكما يذكر خليل عبد الكريم

١-الدولة الدينية يختار (رأسها) الله، بينما الدولة السياسية ينتخب الشعب او الحزب (رئيسها) (أهل الحل والعقد بلغة السلف)، او (يرث) الملك عن ابيه الحكم.

٢-الدولة الدينية يقف على قمتها (رسول) يوحي اليه من قبل (الله)، والدولة السياسية يحكمها بشر عاديون.

٣-الدولة الدينية يظل (رئيسها) طيلة حياته على اتصال بالسماء في كل وقت بالنهار او الليل في السفر او الحضر. بينما علاقة (رأس) الدولة السياسية بالسماء منقطعة. فلا وحي ينزل عليه وصلته (بالله) كأي مخلوق اخر بخالقه. (لا كما يفهمه بوصندل كما ذكر في المناظرة التالي: في أية دولة إسلامية قدوتنا هو النبي (ص) لذلك نبدأ من القدوة الذي يشرع احكام الدين، فالنبي كان (رئيس الدولة) وكان (خطيب) الجمعة وكان (قائد) الجيش، فما المانع من الجمع بين كل ذلك؟) هل ما يرمي اليه هنا بوصندل هو علاقة من التماثل بين النبي وبين من يراه لانتزاع رئاسة الدولة والخطابة وقيادة الجيش فهذا هو الخطاب الغير معلن في العلنية ولكنه موجود في الباطن ولأنه نموذج تمثل في حكم الاخوان المسلمين بعد ثورة يناير في مصر؟! ويؤكده بعبارات (فما المانع من الجمع بين كل ذلك. ويضع بعدها علامة استفهام؟ والان بعد هذه الجملة الاعتراضية نرجع للنقطة.

٤-في الدولة الدينية (رأس) الدولة يبقي محروسا من (السماء) بواسطة جنود ربه -الذين لا يعلمهم الا هو -لذلك نزلت أية (والله يعصمك من الناس) ومن هنا صرف الرسول (ص) حرسه مكتفيا بحراسه جند الله له وقال لمن كان يحرسه من الصحابة (ض) (انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله). اما (رأس) الدولة السياسية فلا يستغني عن حرسه، وإذا غفل عن ذلك تعرض للاغتيال من أحد المحكومين كما فعل ابو لؤلؤة المجوسي مع الفاروق عمر بن الخطاب (ض) وَعَبَد الرحمان بن ملجم مع علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.

ه-في الدولة الدينية توالي (السماء) (رئيسها) بالمشورة في كل معضلة صغيرة او كبيرة، والذكر الحكيم يقص علينا العديد من ذلك وهناك العديد من يدعم ذلك من ذلك نكتفي بمثل واحد ورد في سورة المجادلة عندما جاءت خولة بنت ثعلبة الي الرسول الأعظم محمد (ص) تسأله عن (الظهار) وتشتكي ما فعله زوجها بها. تقول ام المؤمنين السيدة عائشة (ض) فما برحت (خولة ان غادرت حجرة عائشة) حتى نزل جِبْرِيل (س) بهذه الآيات (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الي الله). اذن وحي السماء مع (رأس) الدولة الدينية في كل نازلة تعرض له سواء اجتماعية (مسالة احوال شخصية كالظهار) او قضية مدنية / جنائية الخ. اما (رأس الدولة السياسية فهو يعتمد في حل ما يصادفه من مشكلات على عقله وتفكيره وعلى الوزراء والمستشارين والخبراء وذوي الاختصاص المحيطين به

٦-في الدولة الدينية مدد السماء لا ينقطع عن (رئيسها) فتري الله يسخر له الجبال والطير ويلين له الحديد (داوود -ص) ويعلمه منطق (اللغة) الطير ويحشر له ألجن والانس ويسخر له الريح العاصفة والشياطين الغواصين (سليمان -س-) وأرسل الله كتيبة مسلحة من الملائكة بقيادة جِبْرِيل (س) في غزوة بدر الكبرى لتحارب مع رسوله الأعظم محمد (ص) ومع المسلمين (ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، بلي ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا، يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين). في حين ان (رأس) الدولة السياسية لا تقدم (السماء) له أية مساعدة: مثل الملائكة او الجن او الشياطين او الرياح او الطير الخ إنما عليه ان يعتمد على ملكاته وقدرات شعبه. (اما بوصندل فيري الامر على هذه الشاكلة (الاسلام دولة مدنية، وهي تختلف عن الدولة العلمانية حيث تضع هذه الاخيرة (خطا) بين (السماء والأرض) ؟!

٧-طاعة (رأس) الدولة الدينية (فرض) ديني (وما اتاكم الرسول فَخُذُوه وما نَهَاكُم عنه فَانتَهُوا) بل ان هذه (الطاعة) هي محك الإيمان (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). بينما ليس الامر كذلك في الدولة السياسية اذ لا صلة بين طاعة المحكوم للحاكم فيها وبين إيمانه وعصيانه إياه لا يقدح في دينه.

٨-المعارضون (لرأس الدولة الدينية اما (كفار) مصيرهم جهنم او (منافقون) في الدرك الأسفل من النار. اما المعارضون في الدولة السياسية فقد يعرضون أنفسهم لعقاب (دنيوي) فحسب يصل احيانا الي حد التصفية الجسدية إنما لا شان له (بالعقاب او الجزاء) بعقيدتهم (الدينية) فعلي سبيل المثال: الصحابي الجليل سعد بن عبادة سيد الخزرج (ض) لم يبايع الصديق أباً بكر ولا الفاروق عمر بن الخطاب (ض) عنهما واستمر طوال حياته معارضا لهما ولا يصلي بصلاتهما ولا يجمع بجمعتهما ولا يفيض بإفاضتهما، وظل كذلك الي ان قتلته (الجن !!!!) في الشام ولم يجرؤ أحد على ان يدعي بانه (كفر او نافق).

٩-(رأس) الدولة الدينية معه (كتاب أوحي به اليه) فقد نزل علي الرسول الأعظم محمد القرآن، وقال الحق تبارك وتعالي (وأتينا داوود زبورا) و (ورث سليمان داوود) وفي (الكتاب المقدس) توجد (أمثال سليمان بن داوود ملك اسرائيل) بلغت واحداً وثلاثين إصحاحا و (ونشيد الإنشاد الذي لسليمان) وإصحاحاته ثمانية. هذه الكتب المنزلة تشد من (ازر رأس الدولة) وتعززه وتمنحه (القداسة) وتوقع في نفوس محكومية (الخضوع والتسليم) وهي قداسة (لا تنتقل) الي غيره من البشر العاديين مهما بلغ (شأنهم). اما في الدولة السياسية فلا (ينزل) على (رئيسها) كتاب مقدس، وسلطته تنبع من ثقة المحكومين فيه وبيعتهم له (انتخابهم إياه) والدستور الذي يحكم به هو من صنع (شعبه) وإرادته، فالشعب هو مصدر السلطات او من صنع عصبته او من شوكته وقوته ان كان من الطغاة المستبدين والذين يحكمون بالحديد والنار.

١٠- الكتاب المقدس الذي انزله الله ، علي ( رأس ) الدولة الدينية ( خالد ) لا يتغير حرف منه حتي تزول الدنيا ، كل ما فيه حق وصدق ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، يتسم بالتعالي ، ( ازلي)لا يعتريه ( التغيير ) ولا يقبل ( التبديل ) او ( التحوير ) حتي ( رأس ) الدولة الدينية ذاته لا يستطيع ان يضيف اليه او يحذف منه شيئا ولكنه يقبل ( التأويل ) ويتسع ( للتفسير ) ، اما ( رأس ) الدولة السياسية فان الدستور الذي صنعه الشعب والذي يتعين عليه احترامه – مالم يكن ( دكتاتورا ) – هنا الدستور معرض ( للصواب والخطأ ) وفيه ( الحق والباطل ) وتجوز عليه ( الإضافة والحذف ) و ( التحوير والتغيير والإحلال والتجديد ) لأنه مرتبط بمصالح الناس المتجددة دوما والمتطورة أبدا ولا يعرف ( القداسة ) ولا ( التعالي ) ويتسم ( بالتوقيت ) فهو يجهل ( الأزلية ) ولا يطمح الي ( الابدية ) ، متحرك متطور لان الحياة نهر متدفق وهو يحاول ان يواكب هذا الجريان والسيرورة ويتم ( تغييره ) بمعرفة الشعب الذي اصدره عن طواعية واختيار او عن طريق الحاكم المستبد او ( المصلح ) اذا أجبرته الظروف علي ذلك او رأي في ذلك مصلحة له في الفرق بين الدولة الدينية والدولة السياسية . (رأس الدولة) الدينية الذي يعينه هو الله ومن ثم فلا يحق للمحكومين (عزله) او (الحد من سلطاته) التي منحها له الرب لان ما يبرمه الرب يستحيل ان ينقضه المربوب، اما (رأس) الدولة السياسية فان جماهير الشعب هي التي (تحد من سلطاته) وان (تعزله) ان حاد عن الخط الذي رسمته له او خرج عن الدستور الذي ارتضته وقد يتم ذلك بالطرق الديمقراطية او بالعنف والثورة إذا كان الحاكم طاغية.

١٢-(رأس) الدولة الدينية مدة رئاسته غير محدودة الا بأجله فوفاته هي التي تنهيها اما (رأس) الدولة السياسية فرئاسته (موقوتة) ورهن بمشيئة الشعب الذي انتخبه وهو الذي يعين له في الدستور المدة التي يظل فيها ومحظور عليه ان يتعداها ارتفع شانه او سما قدره اما الحاكم المستبد فان جماهير الشعب هي التي تقوم بتغيره. هذه هي الفروق بين الدولتين الدينية والسياسية وهي تدل دلالة قاطعة على ان الدولة الدينية (نوع خاص من انواع الدول) اي منحصر في نظام معين من نظم الحكم اختص به الله -عدد محددا من رسله (ص) لا يجوز ان يتعداهم لغيرهم.                          

الخلاصة بانتقال الرسول الأعظم ( ص) الي الرفيق الأعلى بعد ان بلغ الرسالة وادي الأمانة ونصح الأمة ، انتهي هذا النوع من الدول وانقطع هذا الشكل من أشكال الحكم في تاريخ البشرية ، وأصبح من ( حق ) الناس ان ينشئوا ( دولهم السياسية ) التي تتوافق مع ظروفهم ومتطلبات حياتهم وموجبات مجتمعهم مهتدين في ذلك بعقولهم اذ بلغت البشرية رشدها ولم تعد في حاجة الي القوي الخفية الماورائية وفوق المنطقية لتوجههم او ترسم لهم معالم طريقهم ، ولكن حدث في تاريخ الاسلام وغيره من الأديان ان عمد بعض الحكام الي ان ( يسبغ ) على ( دولته ) السمة الدينية ليتمتع بالمزايا التي كانت لرؤساء ( الدولة الدينية ) التي هي ( منحة ) من الله ومن أهمها ( العصمة والقداسة ) وذلك لإيقاع ( الرهبة ) في قلوب محكوميتهم ( ولإخضاعهم ) بسلطات الدين ولوسم ( المعارضين ) لحكمهم ( بالمروق والالحاد ) وخلع صفة الاسلام عنهم ولإطلاق صفات ( الفتنة ) و ( الخروج عن الاسلام ) علي الحركات التي ينشئونها ففي المرحلة الراهنة هناك فئة من الدول والحكومات ( نضيف هنا حكم دولة الملالي الطائفية في ايران ) تتمسح بالدِّين وتضفي على نفسها وعلى رؤسائها ألقابا ذات صبغة دينية ( لتوهم ) عامة الشعب انها ( تدافع ) عن الدين وتتولي ( حراسته ) ولم يقتصر الامر عليها وحدها بل ان جماعات التي تنسب نفسها الي الاسلام تسلك ذات النهج وتؤكد ان دعوتها إنما تتخذ من ( القران ) دستورا وتنسب الحاكمية التي تطمح اليها الي ( الله ) ( ونضيف من مثل دولة الخلافة الاسلامية والإخوان المسلمين عندما رفعوا شعار دستورنا هو القران ) ولا تنسبه الي نفسها ، متجاوزة ان الحاكمية لله لم تتحقق الا في الدولة الدينية والتي كان الوحي يلازمها . وانه انقطع (وحي) السماء بوفاة خاتم الأنبياء والرسل محمد (ص) وليس كما يفهمه بوصندل ان الدولة العلمانية تضع خطا بين السماء والأرض ؟! فكيف يتسنى إثبات ان ما يصدر من (الحاكم) في ظل مبدا الحاكمية لله) هو يمثل إرادة الله وحكمه. فبعد انتهاء الدولة الدينية، يكون القول بمبدأ الحاكمية لله والذي لابد ان يباشره أناس عاديون غير صحيح ويعتريه البطلان من كافة مناحيه. فقد اثبت التاريخ انه عندما تسربل (رأس الدولة) بعباءة الدين يجنح الي الطغيان ويميل الي الاستبداد ولا يسمح بكلمة معارضة ويرمي من يتفوه بها بتهم (الكفر والموروق والعصيان). وذلك سيؤدي لا محالة الي قيام (دولة ثيوقراطية استبدادية لا تسمح بوجود ادني قدر من المعارضة. هذه هي خلاصة رأي المفكر الراحل خليل عبد الكريم في الفرق الكبير بين الدولة الدينية والدولة السياسية.          

لماذا العودة لطرح (الدولة المدنية) في هذا التوقيت من قبل الجمعيات السياسية (الوفاق، وعد، المنبر، التجمع الخ)؟ فهل توصلت هذه الجمعيات الي قناعة فكرية وسياسية بفشل مشروع (الدولة الثيوقراطية) او بمشروع الدولة العلمانية؟ ام ان خلف الأكمة ما ورائها؟ وهل توصلت هذه الجمعيات وعبر مراجعة نقدية جذرية الي ان الأسبقية للديمقراطية كحقوق وحريات وكنظام حكم ومؤسسات في ظل المشروع الاصلاحي وتحت مظلة ميثاق العمل الوطني؟ ام انها تعارض الدولة العلمانية في المطلق، وليس في النسبي اي ان تعارض الدولة العلمانية عندما تصادر الديمقراطية؟ كمثال دولة حزب البعث في سوريا التي تدعي العلمانية ضد المعارضة السورية؟ وما هي اداة التغيير هل هي (الحكومة التوافقية) والتي سوف تولد من رحم (الديمقراطية التوافقية) ذات المحاصصة الطائفية؟ كمشروع يحاول ان يلتف حول (ثورتها ثورة ١٤ فبراير) وهل هي بصدد نزع فتيل الاشتعال عن استقطاب دولة علمانية، دولة دينية، دولة حكم رجال الدين، لتقترح مصطلح (دولة مدنية) على اعتبار تعامل المجتمع في البحرين مع القانون المدني والمعاملات المدنية والقانون الشرعي والمحاكم الشرعية؟ وهل سوف يتم حظر الاستخدام او الاستغلال المسيء للدين والمعتقدات الروحية بقصد الاستغلال السياسي؟ وكيف تري العلاقة بين الدين والسياسة؟ هل ستصدر قانون بعدم جواز اي جمعية سياسية ان تؤسس على اساس ديني او مذهبي، والاعتراف بان العلاقة بين الدين والسياسة تؤثر مباشرة على عملية بناء وحدة الشعب الوطنية. إدراكا لحقيقة الوضع المذهبي والطائفي في البلاد وخطورة استغلاله دينيا وبالتالي سياسيا؟ وان الدين هو مصدر للقيم الروحية والأخلاقية التي تؤسس التسامح والتعايش السلمي والعدل. وإدراكا لفظاعة انتهاكات الأنظمة الثيوقراطية ومنها دولة الملالي الطائفية في إيران او دولة الخلافة الاسلامية او دول المحاصصة الطائفية في العراق لبنان الخ لحقوق الانسان والابادة الجماعية والتطهير علي اساس طائفي باستغلالها للدين وباسم الجهاد زورا.

في ظل الدولة المدنية المنشودة لَيْس المطلوب هو فك العلاقة بين الدين والسياسة فقط، بل فك الارتباط بين الدين والمذهب وبالتالي الطائفية. ولكي نفهم أهمية هذا المطلب فلا بد ان نبين وجوه التفارق والاختلاف بين (الدين والمذهب)، فأبرز هذه الوجوه:

١-فردية الدين، وجماعية المذهب او طائفته، اذ الإيمان شان فردي وجواني يتعلق بالوجدان والضمير، وغير قابل للملاحظة والقياس.

٢-كونية الدين وحصرية المذهب، ولا نقول خصوصيته اذ لا خاص بلا عام، والمذاهب يتربع كل منها على عرش العام، سواء بالغلبة والقهر، او بالمغلوبية والمظلومية، كل منها هو (المذهب القويم) و (الملة الناجية).

٣-كلية الدين وفقا للكلية الاجتماعية والإنسانية، وجزئية المذهب.

٤-روحانية الدين، ومادية المذهب.

٥-انفتاح الدين وسيولته، او انسيابية، وانغلاق المذهب الطائفة وجموده.

٦-عدم حاجة الدين الي عصبية طبيعية يقوم عليها وبها، في حين لا يقوم المذهب الطائفية الا على عصبية، ولا يتقوى الا بها.

٧-الدين دافع قوي الي السلام، والمذهب الطائفية دافع قوي الي النزاع والحرب والارهاب.

٨-الدين يولد المحبة والوئام، والمذهب الطائفية يولد الكراهية والاحتراب.

٩-الدين لا يتعين الا في الضمير والوجدان، اما المذهب الطائفية فيتعين في الغلبة والمغلوبية، والظلم والمظلومية.

١٠-الدين يحي (الروح الإنساني)، والمذهب الطائفية يهدره ويبدده.

١١-الدين غير قابل (للتسيس) و (التحزيب) اما المذهب الطائفية فملازم (للتسيس) و (التحزيب) في الماضي والحاضر.

١٢-الدين لا يباع ولا يشتري، ولا يوظف، ولا يستثمر، وليس له اي خطاب او دعوة، اما المذهب الطائفية فيباع ويشتري، في سوق المصالح، الانتهازية والمنافقة ويوظف ويستثمر وينتج خطابات فقهية وأصولية وسياسية ما انزل الله بها من سلطان، وينسج حول نفسه شرنقة أيدلوجية وظيفتها الاساسية ان لم يقل الوحيدة، هي تسويغ التسلط والاستئثار والاستبداد وتبريرها ويضاف الي الوجوه السابقة.

١٣ -الدين دين كل عصر وزمان، لا يحتاج الي عصرنة وتحديث، بحكم طبيعة المتدين وقابليته للتحسن والتطور والتغير، ولا يحتاج الي إصلاح. اما المذهب والطائفية فيتلون مع كل عصر، وينساق مع كل ريح، سواء (الدفعة التي حصلت عليها الجمعيات الطائفية المذهبية السياسية مع انطلاقة المشروع الاصلاحي، او رياح ما سمي بالربيع العربي والتي نزعت فيه هذه الجمعيات سواء الشعبوي المغامر فيها او الاتجاه المتطرف في الجمعيات الطائفية السياسية) ويحتاج في كل عصر وزمان الي عصرنة وتزمين (توقيتهم الان في طرح شعار الدولة المدنية الديمقراطية يقوم بها من تلقائه والي إصلاح يقوم به (المصلحون) فينشئون مذاهب جديدة، كالإصلاح اللوثري.

١٤-الدين إيمان وتقوي، والمذهب عصبية وتعصب، فمن شأن اي مذهب ان يمذهب المقدس، ويحتكر الله.

١٥ -الدين لا يبالي باختلاف النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لأنه مرتبط بنظام الأشياء ونواميس الكون، ومتصل بنبضها الحي، اما المذاهب والطائفية فلا تقبل نظاما غير نظامها، ولا شرعية غير شرعيتها، ولا منهجا غير منهجها، وكراهية الاخر والتنكر لإنسانيته وانكار حقوقه هي نظامها وشرعيتها ومنهجها.

١٦-والدين، اخيراً، وحدة (الماهية والوجود)، أيا كان مستوي إدراك هذه الوحدة، فهو لا يكفر، ولا يتزندق، ولا يلحد، والمذاهب كلها تكفيرية (سنية / شيعية)، تفصل (الماهية عن الوجود) فتحكم على الاخر المختلف بالشرك والكفر والزندقة والالحاد، لمجرد انه مختلف، كل مذهب هو المذهب القويم والملة الناجية، وقسطاط الحق والعدل، وما عداه زور وبهتان. الدين بسيط وانساني بساطة المبدأ الاخلاقي وإنسانيته، اما المذاهب الطائفية فبني مؤسسية مركبة ومعقدة ومتسقة اصولا وفروعا حسب وظائفها الدنيوية، ومن أهمها احتلال العالم الداخلي للفرد وازهاق (روحه الإنساني) كما يراه ايريك فروم، لتذليله وكبح جموح وتليين عريكته لسلطة الملالي ورجال الدين وتازيل عبوديته او تبعيته وعجزه وتواكله. ومن هنا لا تكون مواطنة الا بنقد الطائفية المذهبية وتفنيدها والافتكاك من ربقتها. وهذا لا يقتضي بطبيعة الحال ان يتخلى الافراد عن شرطهم الديني، ولا ان تتخلي الجماعات والمجتمعات كذلك. فالإلحاد (الفارغ) شقيق العدمية وقرين الارتياب، يتجلى في إنكار (الروح الإنساني) الذي يسري في الدين، والقابل لان يتحقق في الحياة الواقعية للجماعة الانسانية، في شكل العلاقة ما بين الدولة المدنية والديمقراطية، هل من الممكن ان نضع العلاقة في شكل دولة مدنية / نظام مدني ديمقراطي تعددي؟ وهل إذا انطلقنا من هكذا شكل نكون قريبين لواقع التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية في البحرين؟ ذلك ان هناك طبقات متعددة وذات مصالح متعددة وعلى غرارها تنشأ جمعيات متعددة لتعبر عن الطبقات والمصالح المتعددة والتي تضع برنامج سياسي ونظام أساسي ينبني ويدافع عن هذه الطبقات ومصالحها وهذا سوف ينعكس في تبلور جمعيات يمين -وسط -يسار. هذا فيما يخص (التعددية المدنية) ولكن ما هو المحتوي الديمقراطي هنا؟ هذا يحيلنا الي سبر غور كلمة (الديمقراطية) والتي هي مشتقة من كلمتين هما (ديموس) و (كراتي)، الأولي تعني (عامة الشعب) والثانية تعني (حكم)، وبالتالي تعني كلمة (ديمقراطية) (حكم عامة الشعب) هنا نجد ان كل الجمعيات في البحرين لم تهتم بتحديد من هو (الشعب) وممن يتكون؟ وبالتالي ماذا تعني ممارسة الشعب للسلطة؟ وبما ان غالبية القضايا المصيرية المتعلقة بالتغيير الاجتماعي كانت وما زالت ترتبط بمفهوم الديمقراطية الذي تتبناه اي جمعية سياسية. فان الامر هنا لا يتعلق بمجرد كونه اشكالية فكرية؟، بل في البحرين هو في قلب اللعبة الأيدلوجية وضحية للتحيز الطائفي السياسي المذهبي! ومن هنا فان ما تطرحه بعض الجمعيات من شعار (الدولة المدنية الديمقراطية) يكتسب معانٍ (طائفية) تتناسب وأهواء هذه الجمعيات التي تلجأ الي استخدامها. فمع انطلاقة المشروع الاصلاحي في البحرين فان جانب من الطيف السياسي كان عنده مصطلح (الديمقراطية) ينطوي على مزيج من المحتوي السياسي والاجتماعي. ولكن منذ كارثة الدوار أصبح مرتبط بمفهوم الحكم والحكومة وتحت غطاء (الازمة الدستورية) وبالتالي كان مصطلحا سياسيا، وبالذات عند الجمعيات الطائفية السياسية، ولم يستخدم للتعبير عن المحتوي الاجتماعي للنظام، بل عن أشكال خاصة (طائفية) واجراءات خاصة (طائفية)، وبالنظر في كيفية قيام إجراءاته الطائفية بعكس تلك القاعدة ومشيئتها. وهنا فان مفهوم كلمة الشعب يقصد بها الطوائف والقبائل الما دون مدنية ووطنية، هنا بعد كارثة الدوار انتقل مؤشر المحتوي الاجتماعي للنظام حيث كانت (الديمقراطية) تقترب من المعني مع مفهوم المساواة الاجتماعية او المساواة بشكل عام دون ان تفقد توجهها الخاص بإضفاء شيء من الإبهام والغموض على الأهداف الاجتماعية وشكل الحكومة التي من المفترض ان تحقق تلك الأهداف.                          

في ظل الوضع الحالي فان كل من يطرح شعار (الدولة المدنية الديمقراطية) لا بد له ان يعي مدي إمكانية تطبيق هذا الشعار علي ارض الواقع. فالجماعات الطائفية المذهبية المغلقة والمحاجزة (الشيعية / السنية) هي مناهضة بالتساوي للديمقراطية وحرية الفرد وحقوق الانسان، ومناهضة للوطن والوطنية، ومناهضة للمواطنة والتشارك الحر في الحياة العامة، وعقبة في طريق الاندماج الاجتماعي، بحكم طائفيتها ومذاهبها الدنيوية المادوية، والملازمة للاستبداد والتسلط، ولان مبادئها هي التفرقة، والتفاضل والتفاصل، والولاء والبراء، واحتكار الحقيقة والدين ؟! هذه المذاهب التي أفسدت حياة الناس الروحية. فمثلا المذاهب المسيحية لم تتحول الي مذاهب ديمقراطية، في البلدان الأوربية، بل الديمقراطية هي ما أعاد هذه المذاهب الي نصابها وعين مجالها في المجتمع المدني. عقائد جمعية وقيما ورموزا جمعية ومؤسسات خاضعة للقانون. لا تنتج من علاقاتها الداخلية والخارجية اي نتيجة (سياسية) تتعارض وعمومية الدولة المدنية وحيادها الإيجابي ازاء عقائد مواطنيها وميولهم واتجاهاتهم. وهذه الخطوة التي لم يقم بها النظام او المشروع الاصلاحي اي إصلاح المؤسسة الدينية في البحرين بل ترك لهذه الطوائف ومذاهبها ان تستغل الدين وتجيره مذهبيا وطائفيا وتمسسه في الحياة السياسية لكي يأخذ شكل جمعيات سياسية (جمعية الوفاق الاسلامية، جمعية المنبر الاسلامي) وهي الان تقوم بالخطوة المتأخرة وهي إغلاق جمعية الوفاق الاسلامية الطائفية والجمعيات الدعوية الغطاء الطائفي المذهبي لها (التوعية، الرسالة) وهناك في الضفة الآخرى جمعية المنبر الاسلامي وغطائه الدعوي جمعية الإصلاح الخ. ففي الدولة المدنية تلعب الديمقراطية دور اعادة الطابع الروحي والاخلاقي للدين، اي تعيده الي ما كان عليه، قبل ان يصير عصبية للطائفة ومذهب لسلطة الجمعيات السياسية، عبر الارتباط بين العقيدة والسلطة. ذلك ان في النظام المدني الديمقراطي التعددي والذي يستمد شرعيته من (الشعب) وليس من (الطوائف)، فلا يحتاج الي اي تبرير مذهبي او طائفي او اي شرعية مفارقة ومتعالية. الديمقراطية هنا تستمد قيمتها وشرعيتها وتبريرها من ذاتها اي من الشعب (ديموس) الذي هو حقيقة نظام الحكم، فلا تحتاج الي توظيف الدين والتلاعب بالمقدس، ولا الي توظيف اي عنصر من عناصر رأس المال الرمزي لأي من الجماعات او الطوائف، هذه المقاربة تذهب مباشرة، بخط مستقيم، الي معارضة فكرة التسامح المذهبي، ولا نقول الديني، لان الدين مناف للتعصب. كما تذهب مباشرة الي معارضة حوار (المذاهب) المسمى (حوار الأديان)، لان خطاب التسامح والحوار المذهبي الذي لم يسفر عن اي نتيجة إيجابية، لأنه هو أحد خطابات المذهبية السياسية والسياسة المذهبية، او أحد خطابات ما يسمي (تسيس الدين)

المرجع: كتاب ( من الرعوية الى المواطنة ) للكاتب جاد الكريم جباعي