أتذكر جيداً عندما دخلت علينا جليساً بجمعنا في (سند) وبدأت تنثر علينا وعظك وتسدي لنا النصح والنصيحة وتمدنا بسحرك ككاهن يتربع على أدخنة السياسة…
في ذلك اليوم قلت ناصحاً الجلساء «لا تتركوه – وغيّروه – وعدّلوه…!!» كنت تعني المنبر التقدمي فأجابك الجمع «الخير فيك وفي من حولك»، ومضت الأيام وإذا بك على نقيض أمسك تجالس مجموعة أخرى تنشد فيهم ولادة الجديد والخط الثالث. وعندما شاركتكم بحضوري في مجلسكم كنت أنت يا صديقي قد قطعت شوطاً مع المجموعة تحفر فيهم وتحّفزهم نحو انطلاق الجديد وتحثهم على المبادرة والمضي قُدماً… فسبحان مغير الأحوال!! فكل يوم لك موعظة تناقض الأخرى.
أنت تحسست المجموعة وبحثت في أغواري عن حقيقتي بين سجال وجدال فلم تشكك حينها في وطنيتي ولا في وطنية المجموعة ولم تعثر على طائفيتي بعبقريتك وشرعت تمدح فيَّ حتى الثمالة التي أحرجت تواضعي وأثارت استغرابي!! فقد أفردت مقالاً تكيل المدح والتعظيم لشخصي وتبارك خروجي من المنبر المنزلق نحو الإسلام السياسي متباكياً على تاريخه وفكره الذي انحرف… حسناً ذاك كان بالأمس القريب الذي لا تبعد مسافاته الزمنية عن اليوم الذي خرجت فيه علينا لتسرد علينا قصة الوعي وسرده في الباطن والظاهر وتهاجم فيها مجموعة التغيير الديمقراطي وعبر أكثر من مقالة لك تكيل لهم التهم وتصفهم بالطائفيين المتهورين وأصحاب اللون الواحد.
ولقد آثرت أن أرد على مقالتك المتجنية والمتخبطة خارج ملموس الموضوعية عبر الهاتف من باب احترام رأيك وشخصك إلا أنك لم ترتضَ ذلك وثارت حفيظتك وانقلب مزاجك!! وفلت عقالك بعيداً عن الحجة والبرهان، وتناصحت مع نفسك لتطل علينا بمقالة أخرى تتوغل فيها في هجمتك على مجموعة التغيير الديمقراطي وتخصني بالاسم وبقدرة قادر تتحول من مادحٍ إلى قادحٍ يجر التهم تلو الأخرى مشككاً في وطنيتنا ونقائنا جاعلاً من نفسك علامة في الغيب وبطون الظواهر ومهندساً ممنهجاً في بناء الأحزاب!! خيراً ففي كل الأحوال فقد أفلس قلمك فسعيت تبحث لك عن سجال وإثارة للغبار من حولك، ولكأنك لم تجالس المجموعة ولا تعرفها وقد اكتشفت فجأة وأنت تحتسي فنجان الصباح بأننا طائفيون وغير وطنيين ونجمع طائفة ضد طائفة، ولعمري ولكأنك تخاطبنا بلسان غيرك ونيابةً عنه…!! لتفتح حمم تهجمك علينا ويكون (غازي) قرباناً لذلك والذي أحببته بقلبك فخانك عقلك فيه…
فيا صديقي وعزيزي إسحاق اتهاماتك لي أو للمجموعة (الكريمة) بالطائفية لكوننا محتسبين على طائفة دون غيرها فأنت أول العارفين بأن ذلك واقع موضوعي لا يد لنا فيه وبأننا لم نتربَ على الطائفية ولم نتشربها وكل العيب أن نتهم الناس بالطائفية لمجرد أنهم في حسابات الطائفة ومن ضمن نسيج مجتمعنا وتلاوين وطننا الجامع فلا أحد منا كان له خيار في اختيار طائفته وعلينا أن نفرق بكل وعي وحدية بين الطائفة والطائفية التي هي ممارسة وموقف وفكر ومنهجية إقصائية للآخر… ولا ريب بأننا نقف جميعاً ضد الطائفي أياً كانت طائفته، ومن يحمل فكراً وطنياً أو يسارياً أو ليبرالياً لا يقيّم الأشخاص بدياناتهم وطوائفهم وإلا انتفى عنه ذاك الفكر الذي يتبناه.
قد لا يحق لي الحديث عن المجموعة الكريمة كما أسميتها لأنني أحدهم ولكن لم أُخوّل بتمثيلهم، وإنما عن شخصي أقول لك وبكل تواضع ودون أن (أفجع صدري) على حد تعبيرك!! بأنني من جيل حقبة السبعينات الساخنة والذي عبّر دوماً شكلهم عن مضمونهم فلم يتربوا ويتغذوا على الطائفية وحملوا فكرهم من بين صفوف شعبهم ووطنهم ورضعوا من فكر ومبادئ جبهة التحرير مبادئ سامية ووطنية ومواقف صلبة لا تتلبس بالانتهازية والطائفية ولا تخضع لمحكوميتها… فذاك هو مخزون باطني وظاهري وفائي لوطني وشعبي والذي تشربت به بين صفوف أخوتي العمال في نضالهم من أجل غدٍ أفضل، دون شعارات طنانة ومزايدات بنياشين (المنجل والمطرقة) التي يبهرك بريقها لتضعها لمن تشاء وتنزعها عمن تشاء!! ولحسبي أن رفاقي بالمجموعة سجل نضالهم يفوقني بكثير فأنا أكثرهم تواضعاً وأنت يا صديقي إن كنت اليوم تملك أو غداً الدليل على طائفيتنا دون تنجيم فهات به وأعلن عنه وبرهنه لنا بالملموس.
أما أن تقذف بالاتهامات جزافاً لتتسلى بنا مادةً لمقالك فهذا لا يجوز وتلك ستكون كارثة لتاريخك وسجلك السياسي وأما براغيث اتهاماتك التي تحشو أنفاسك فهي غير مستغربة عليك فقد درجت دوماً على اتهام الآخرين ويتذكر لك الجميع يوم أن خونت أحد رموز جبهة التحرير (رحمه الله) وطعنت في سمعته وتاريخه لتركب الموجة وتهاتر هذياناً.
واليوم فها أنت كما أنت لم تبارح مكانك فتشير وتتهم مجموعتنا بأنها تحت رعاية جهة مطعونة في سمعتها!! إذاً فتمالك شجاعتك وأعلن عن تلك الجهة وضع النقاط على الحروف دون طلاسم فسنكون لك من الشاكرين.
إن مجموعة التغيير الديمقراطي قد عرّفت بنفسها وكيانها شكلاً ومضوناً ولا يوجد في ذلك التعريف ما يشي بطائفيتها ولم تمنع هذه المجموعة أحداً من أي طائفة كريمة كانت من كانت في أن ينضم إليها أو يشارك في بناء طريقها الذي يراد له أن يكون خطاً ثالث بعيداً عن استقطاب الإسلام السياسي الطائفي والذي بات يتحكم بالمشهد السياسي ويجر ويلاته على شعبنا، فلا تخف علينا يا أخي العزيز من الشاكل والتشاكل فربما يصعب عليك التفريق بشكل ملموس وموضوعي بين الوطني والطائفي إنما نحن فقد علمتنا التجربة والخبرة المتواضعة أن نفرق بين كل الألوان ومن هم في لون الطائفة أو محكومية الطائفية أم ألوان الانتهازية السياسية، وإذا ما فشلنا فسنتعلم من فشلنا ولن يكون ذلك نهاية العالم والفشل الحقيقي وكل الفشل هو أن نخشى من التعبير عن مواقفنا بوضوح ولا نملك الشجاعة في مواجهة واقعنا وتحمل مسؤليتنا التاريخية والوطنية في مواجهة الإسلام السياسي الطائفي وكف عن تخويننا فنحن لسنا مناخاً للأطماع الخارجية!! بل منار لوحدة شعبنا وسيادة وطننا، والجدلية المادية والتاريخية التي تنظر فيها وتتلاعب في تفسيرها لا يوجد في قاموسها مكاناً للطائفية وهي تدخل في جدلية الشكل والمضمون والظاهرة وجوهرها وليس مفردة الباطن!! فهذه مفردة أخرجتها من قاموسك فلتعلم أخي إسحاق أنه كان خيراً لنا بأننا لم نتنادَ ونقول لك تعال ودلنا ولو فعلنا ذلك لكانت تلك هي الطامة الكبرى.