العمالة الأجنبية وحلم الفردوس النفطي

مرَّ على تاريخ أقطار الخليج العربي ما يقرب من 100 عام على هجرة العمالة الأجنبية أو بصورة أدق على استقبال تلك الاقطار لها وستكون البحرين نموذجنا المباشر لتلك العمالة الوافدة التي عرفت بشكل ملحوظ في حقبة الثلاثينات من القرن المنصرم مع اكتشاف النفط ثم انكمشت بصورة تقريبية نتيجة الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 فالركود الاقتصادي تسبب في تراجع الطلب على العمالة الأجنبية غير أن القفزة تبدأ فورًا نحو الإعمار والتنمية حال توقف مدافع الحرب.

ومنذ العقود الثلاثة (1945 – 1974) تعرجت بين الصعود والهبوط سوق العمل والاحتياجات الماسة الضرورية للأيدي العاملة الأجنبية بدرجات محدودة بحيث لم نجد لتلك العمالة ملامح مؤثرة على الهوية الوطنية ولا على التركيبة الديمغرافية بصورة مفزعة. وحالما نالت البحرين استقلالها وتطورت بعد سنوات قليلة من الاستقلال وحرب أكتوبر حتى تقافزت أسعار النفط بصورة خيالية فانتعشت خزائن حكومات أقطار الخليج وتفجرت المشاريع التحديثية وتقاطرت الاستثمارات الأجنبية والمالية لتضخ العوائد النفطية مجددًا في مجالات عالمية وأصبحت أقطار الخليج على الخارطة العالمية مثار الاهتمام والعناية للشركات الأجنبية. في تلك الدورة التنموية المتسارعة انخرط الاهتمام الحكومي والقطاع الخاص بمشاريع البنية التحتية وتطوير أجهزة الدولة فنشط ضمن تلك الدورة القطاع الخاص في مجالات الإنشاء والتعمير فشهدت المنطقة أسواق عامرة ومولات ومدن حديثة وارتبطت ثقافة التسوق بالسياحة فتحولت المنطقة الى نقطة جذب عالمي هذا الفردوس النفطي الجديد بدت وتيرة التنمية فيه مختلفة ومتباينة من عقد الى عقد آخر حسب تأرجح واستقرار أسعار النفط فقد تلاشت مرحلة الطفرة النفطية كالحم فيما ظلت معدلات أسعار النفط معقولة متوازنة ما بين عوائدها ومشاريع الدولة والمجتمع دون أن يغيب شعور القلق المستمر لاهتزاز وخلل تلك العلاقة ما بين الاستقرار الداخلي والخارجي والطلب على النفط وأسعاره المتوازنة بين الدول المستهلكة والمنتجة. ظل برميل النفط قريبًا من مشاعل الحروب والصراعات المجاورة التي كان لها عظيم الأثر على خطط وحراك التنمية في المنطقة.

لم تعرف البحرين مثل غيرها من بين أقطار الخليج الأخرى اختلالاً مرعبًا او مخيفًا بين حجم السكان وحجم قوة العمالة الأجنبية التي وجدناها في وتائر متسارعة تقفز بلا توقف من رقم حتى آخر لتدخل البلاد في وضع ومشهد درامي فلم تكن فترة الربع قرن (1975 – 2000) إلا فترة عاصفة بأحداث تاريخية كبرى «كالثورة الايرانية» حرب العراق وايران، «غزو الكويت»، انهيار الاتحاد السوفيتي، وانهيار المعسكر الشرقي «ولادة نظام عالمي جديد آحادي القطبية» غير أن النقلة النوعية لتاريخ البحرين هو جسر الملك فهد وما رافقه من متغيرات طوبوغرافية، حيث يتحول البحر المجال الجغرافي الحيوي الوحيد لإعادة تخطيط بنية المدن الجديدة المتسعة في الفردوس النفطي. رغم ذلك ظل حلم الفردوس النفطي جذّابًا طالما تتدفق في شرايينه رائحة الذهب الأسود وخزائنه عامرة والذي أتاح وجودها ولادة مشاريع تنموية صناعية عديدة كانت بالضرورة تستدعي تضخم واتساع قطاع المقاولات والانشاء دون توقف (2000 – 2020).

 لن نتوقف بتصنيف واسع لتركيب وتراتبية المهن داخل العمالة الوافدة، فهي بالضرورة مهن متعددة دونية للغاية ومنها من صعد سلم الثراء الفاحش في الفردوس النفطي فهي بحاجة لدراسة معمقة خلال العقود الأخيرة فيما موضوعنا يسلط الضوء على «صعاليك المجتمع» او بما يمكن تسميتهم بحثالة البروليتاريا الخليجية إن جاز التعبير التي تسربت من سوق العمل وتم التلاعب بمصيرها المظلم لدرجة باتت ليلاً تفتش في صناديق القمامات عن فضلات فائضة في مجتمع الرفاهية! هذه العمالة المتضخمة المتسربة والتي تتقاذفها السوق السوداء واللاشرعية بعدما انتهت قانونية الاقامة وتملص الوكيل واختفاء العناوين والعناصر المثيرة للمهيجات الاقتصادية والسياسية مع السفارات وأرباب العمل فقد تبخر حلم الفردوس النفطي من أدمغة ومشاعر تلك العمالة البائسة وباتت في الواقع الراهن عرضة لفيروس الكورونا في مساكنها العمالية التعيسة.

المصدر، صحيفة الأيام البحرينية