كانت الحشودُ الرجاليةُ والنسائية تمشي معاً لتحرير البلدان العربية من الاستعمار، ثم انفردَ الرجالُ بالسلطة، وأعادوا (الحريمَ) إلى البيوت!
الجميعُ كان يردد: (يسقط الاستعمار)، والاستعمارُ نفسهُ ساعدَ بعضَ الشيء النساءَ للتحرر من عبودية الرجال! ولم ترفعْ النساءُ مع شعارِ يسقط الاستعمار شعار يسقطُ حكمُ الرجالِ الدكتاتوري كذلك، لأن وعيهن كان محدوداً تابعاً للذكور، فضاعتْ الفرصةُ منهن لتشكيلِ مجتمعٍ متقدم يتصدى بشكلٍ جذري ودائم للاستعمار وليس مثل هذه المجتمعات العربية الذكورية التي كرستْ نضالَها في السيطرةِ على النساء والانحناء للاستعمارِ بمختلفِ أشكالهِ القديمة والجديدة!
وجاءت الحركاتُ النهضوية التحديثية لتساعدَ النساءَ على بعضِ أشكال التقدم، لكنها لم تخضْ المعركة إلى نهايتها، وغازلتْ الجماعاتِ الدينيةَ والسياسية المحافظة، فتدهورت هي الأخرى عن تحديثاتها القشوريةِ وصار الرجالُ فيها كما كان الرجال في الخيام قادةَ إماء وعبيدا!
قادتنا شعاراتُ الدينيين الملتهمين لقشور للدينِ ومطامع الدنيا، إلى توسعِ كلِ أشكالِ استعباد المسلمين، ولم يبقَ شعبٌ في الدنيا لم يطمعْ فينا، ولم يَدخلْ بحميرهِ في بلداننا.
هم ذكورٌ متخلفون مرعوبون من الجنسِ والحريمِ زادونا استعمارا وضعةً للنساء وقيادتهن لما هو غير الفضيلة والمساواة والقوة والشموخ والتفتح والشجاعة، إلى العالم الباطن، عالم الظلال.
جعلوا كلَ شعوبِ الأرض تأتي إلينا لتشتغل، وتلتهم أرزاقَ نسائنا، وليظللن هن في الغرفِ الخلفية، يشتغلنَ بغزلِ خيوطِ الخراف، وتربية الأطفال المتخلفين المدللين المشاغبين الكسالى!
جعلوا نساءَ العالم تأتي لتخطف لقمةَ العيش من أفواهِ نسائنا، وزعموا إن هذا هو الدين!
لم تعد ثمة أمة لا تستعمر جزءًا فينا، ولا تستولي على دخل منا، من أقصى الشرق مروراً بمجاهل إفريقيا السوداء إلى قوى المحيط الأطلسي.
لم تفطن حشودُ النساء إلى سقوط عوالم الدكتاتوريات في العالم، وهي عوالم الدكتاتوريات السياسية الذكورية، كالاشتراكية الحكومية البوليسية، والدول الدينية التي ألبستْ شهوات الرجال ملابسَ الدين والحكم، والدول الغربية التي حولتْ النساءَ إلى دمى تجارية وأدوات للبيع الجنسي في المتاجر وأجهزة البث الفضائي والأشرطة السوداء!
لم تفطن أغلبيةَ النساء إلى ثوراتِ الديمقراطية والحرية التي تعصفُ بالعالم، متشبثةً بهياكلها السوداء وأكياس تعبئة المصانع الذكورية التي تدبغُها وتجمعُ أجزاءَها ثم تغطيها وتعلبها وتصدرها منزوعةَ الجرأة مخيطةَ اللسانِ مرعوبة الجنان.
ليس لها صوت في البيت ولا صوت في الانتخابات، وبعد فهي لا تزال تؤمنُ بتفوق الدماغ الذكوري، رغم أن الأبحاث العلمية أكدت أنه لا يختلف عن أدمغة النساء، وأزالت المصانع والتقنيات عضلات الرجال وجعلتهما – المرأة والرجل – الديمقراطيةُ الحديثةُ متساويين أمام القانون في أغلب الدول التي تحترم الكائن المُسّمى (إنسان) وهو مصطلحٌ للرجل والمرأة، فلا يوجد مصطلحٌ يُسمى (إنسانة)، وأكرمتها اللغةُ العربيةُ بميزةٍ خاصة وأعطتها نونَ النسوةِ تشريفاً لها.
وأضافت دكتاتوريةُ الرجالِ لدينا مشكلاتٍ كارثيةً أخرى مثل غزو الأجانب لنا في الأعمال بينما النساء الوطنيات يتفرجن على المسلسلات في البيوت أو يسمعن الأغاني المبتذلة!
وقد حولوا نساءنا إلى كائناتٍ من ورقٍ شفاف، لا تصمد لنسمات الحداثة، أو للعمل الفندقي أو العمل في المصانع، تعبيراً عن زمن الإماء والحريم الذي انتهى كونياً، وكونها قاصرةً لا تستطيع أن تدافع عن نفسها بقوة واقتدار!