الانا والاخر، مواطن / أجنبي

كثير مما يكتب وينشر على التويتر او الواتس اب او الانستغرام او تك توك والموجه سواء من خارج البحرين او من البحرين اول ما يلاحظ عليه ان الطرح الذي يتحول فيه مركز التركيز على (الذات وعلاقته بالأخر) هو اخر ما يفكر به هؤلاء. وهو اصرار على صورة متابعة الذات البحرينية؟ وفي كثير من بعضها تتناول صورة البحريني لدى الاخر اي ما يقوله الاخر عن البحرين وعن البحريني. والسؤال هنا كيف يرى البحريني الاخرين؟ وهذا يعكس جانب مهم يهمله كل من لا يرى هذه العلاقة الجدلية بين الذات والاخر. وهذا يتعلق بالثقافة السائدة في المجتمع من زاوية النظر الى هذه العلاقة الجدلية  فالمسألة فيمن يكتب ويبدي رايه في سواء عبر العالم المرئي او المكتوب او العالم الافتراضي مسألة ان لديه كفاءة علمية او مسألة محاولة ضبط وانضباط لهذه الظاهرة (الاخر)، وانما هي، تمثل أساساً، مسألة ثقافية ونشدد على كلمة ثقافية وكل من يحاول الخروج – او ما يبدو خروجاً – عن موضوع الهوية (البحرينية) يكون وضعه امراً صعباً ووضعاً غير مقبول؟! ان الميل في البحرين الى موضوع الهوية او الذاتية (البحرينية) والذي يمتد بشكل ما في اختيار اخر (قريب) في داخل الوطن سواء جزء من الاسرة او القبيلة او الطائفة الخ. اي في اختيار (آخريه تداخلية)، إن صح التعبير فالكل يبحث عن صورته في داخل البحرين والبحريني وان ما يشد النظر اليه هو فقط (الاخر الجواني). أن اقتران الذات البحريني بالآخر يشير بدءاً – الي (جدلية) بينهما. بينما المشروع الذي يبقى قائماً هو (البناء النظري لهذه الجدلية) وهو مشروع لا تكفي الآراء السطحية والاحكام السطحية والمواقف السطحية بمفاهيم ومقولات او المقاربات السائدة في المجتمع، حيث أن التفكير النظري حول جدلية الذات والاخر أو بناء (الآخرية) واختراع الاخر يبقى مشروعاً مطروحاً أمام المثقف اليساري او امام اي مثقف بحريني، ويتطلب جهداً اطول في تحليل هذه الظاهرة. وليس التوقف، هنا، عند المسألة النظرية هو الآخرية) للتذكير بفراغ ملحوظ لدى كثير من يسجل موقفاً او حكماً على الاخرين وانما للقول بإن الجهد النظري، وهو غير الجهد الذي يرجع الي مقاطع فيديو او تويتر او واتس اب او فيس بوك (ما يسمي بالجهد المرجعي). اي الجهد النظري هو الذي يساعد (المثقف) في معناه الايجابي، على تحويل موضوعه الي موضوع سوسيولوجيا. اي الى علم الاجتماع، اي الى ربط التمثلات (والظواهر) ربطاً مبرراً بالبنية الاجتماعية في البحرين.

بديهي إن صورة الاخر سواء كان بحريني او من اي من الجنسيات الآخرى انها ليست (الأخر). صورة الآخر بناء في المخيال (المخيلة) وفي الخطاب. الصورة ليست الواقع، حتى وأن كان الصراع حولها من رهانات الواقع. ولأنها كذلك فهي اختراع. (ان الأنا الذي لا يوجد الاخر بدونه هو اختراع تاريخي (او ظاهرة تاريخية)، متأخره نسبياً، لارتباطها باكتشاف الوعي بالذات. لأنه قبل ذلك كان هناك (آخر النحن)، وكان البحريني ينظر اليه من داخل القبيلة او الطائفية او المذهب والتي كلها تمثل محيط وعيه. (آخر النحن) هذا سابق، اذاً لاكتشاف الوعي (بالآخر)، وهو يؤدي في التجربة البحرينية الى الصراع والتناحر والتعارض عبر صراعات قبلية وطائفية كما حدث في كارثة الدوار في ٢٠١١ ولا زال يتمحور في الاستقطاب وتمحور كل طائفة على ذاتها. حيث امتد (آخر النحن) فيما اتخذه الآخر (العدو) على شكل فتنة طائفية وشرخ طائفي بعد أن كان على شكل حزازات طائفية. وهذا يوضح أن هناك تاريخ (عداوة) في كل (ثقافة). على ان اختراع الاخر يرتبط بالتحولات التي جرت في العالم وفي البحرين وبما وفرته من الخطاب حول الاختلاف (الثقافي). ولما كان الخطاب حول الاخر هو، أساساً خطاب حول الاختلاف، فأن التساؤل فيه ضروري حول (الأنا) أيضاً، ذلك ان هذا الخطاب سواء عبر العالم المرئي او المقروء او في العالم الافتراضي، لا يقيم علاقة بين حدين متقابلين (الانا /والاخر)، وانما علاقة بين أخر(وانا) متكلمة عن هذا الأخر. وتناول (الاختلاف) بين البحريني والاخر لا ينفي الجدلية بين الذات (البحريني) والاخر (الاجانب) ولا الى جوهرة الهوية (بحريني اصيل) كما يحدث في خطاب سواء القبلية او الطائفية في البحرين مما يؤدي الي (نزعة انشطارية) حيث يركز الكثير من البحرينيين وبشكل مفرط على الهوية والاصل والفصل واللقب الخ. وهذا كله يحيل الى ان هناك تراتب مجتمعي حيث يربط الاصل بالوجاهة والمكانة الاجتماعية والثروة والتسمية وهذه اي التسمية هي ذو حدين واحد يكرس الاصل والنقاء اما الحد الثاني فهو يكرس الدونية والمسخ (الاجنبي كلب حقير يأتي لكي يسرق وظائف البحريني والعربي جلف يريد ان يهيمن على البحرين الخ من تسميات ولقد كانت هذه المقاربة للأخر، من خلال تسميته، فرصة لتصفية بعض الحسابات او بعض القهر الذي يعانيه البحريني من تردي وضعه المعيشي مع ما يسمي (تحليل المضمون) بأن البحريني يدعي معرفة ماذا يريد الاخر وماذا يفعل الاخر وماذا ينوي القيام به الاخر الخ. وهو نوع مما يسمي التصنيف الشعبي. ولكن الأخر يبقي عدوانياً ومعتدي، بدرجة اولى عندما ينظر له هؤلاء الذي يصدرون خطابهم عبر توتر او فيس بوك او واتس اب او تك توك. إذا لا توجد علاقة بالأخر الا على قاعدة (غالب او مغلوب)

ترتسم الحدود العدائية داخل المجتمع الواحد، حيث يظهر الأخر (الجواني)، فتبدو الذات الجماعية للبعض وكأنها في انقسام وانشطار، والتي نجدها عند الجماعات الاسلاموية ليتبين أن النزعة التطهيرية، بما فيها من تأكيد لهوية مطلقة استعلائية بين (دار الاسلام) و (دار الحرب) الى داخل المجتمع البحريني، وقد طورته الجمعيات السياسية الاسلام السياسي سواء الاصولي منها او الجهادي الى (ثقافة الموت) سواء عبر خطاب الجهاد ضد (جاهلية المجتمع البحريني) والدولة والسلطة التي تقف خلفه او العلمانيين الذين يقفون خلفه. لذلك فأن ما تسميه وما طرحته من شعار بعد انهيار مشروع الدوار من قبل جمعيات الاسلام السياسي (دولة مدنية ديمقراطية)؟ هو أنه يقف بفاعلية ضد توسيع حرية الراي المختلف معهم. فقد خلقوا سلطة جديدة يستعمل فيها اسلحة التكفير والردة على كل من يختلف معهم وهذا شاهدناه من تكفير جماعة السفارة وغيرهم واستخدموا هذا السلاح أيضاً في اثناء الانتخابات عندما كانو يشاركون فيها ضد مرشحي المنبر التقدمي بأنهم شيوعيون هذا ما كانت تروج له وسائل اعلامهم والكتب التي تصدرها هذه الجمعيات.

بين الانا والأخر مسافات متنوعة، وهي لا تخلوا من (متوسطات) مختلفة بين الطرفين. فإذا اخترنا (المواطنة) (كتوسط اجتماعي) بين المواطن والاجنبي. فالمواطنة كانتماء ضيق، كانت ولا تزال في حالات كثيرة عائقاً دون قبول الاجنبي في البحرين وكما نشاهده بالعين المجردة أيضاً لدى الدول الاوربية وشعوبها كل يوم من الموقف من المهاجرين، فما بالك بالنازحين، أنه يبين كيف أن (تهديد) الاجنبي يؤدي الي (التمييز) بين الأنا كمواطن والانا كإنسان. وهو يعني لدى اوروبا وحتى هنا في البحرين أن التطابق بين المواطنة والانسانية ليس امراً مفروغا منه بعد. فهم لم يتجاوزون تعريف أنفسهم كمواطني مجتمع سياسي مشترك، يتجاوز هوياتهم القبيلية والطائفية وحتى القومية؟

في العلاقة بين البحريني والاجنبي فأن هذه العلاقة لم تتجاوز الانتماء الضيق في اتجاه التفاعل مع الأخر من مثل تخطي عراقيل (التنميط) الذي تخضع له الافكار والاحكام المسبقة من مثل (سوري او عراقي جلف او تسمية الفلسطيني (فلسطن) او (يمني مجنس يستغل جواز سفر البحريني ويشوه سمعة البحرين والبحرينيين) او (الجالية الهندية خطرة على المجتمع وتنافس البحريني في الوظائف) الخ من تنميط وهذا أيضاً ينسحب على البحرينيين (بحريني مجنس) (بحريني اصيل) الخ من تنميط. أن هذا التنميط وما ينتجه من مسبقات هو مصدر رئيسي للنزاع ولانعدام التسامح مع الاخرين، وهذا التنميط يستفحل عندما تعمد الايديولوجيا سواء من السلطة او المعارضة الى استغلال البعد الثقافي على أنه لا يمكن تخطي هذا التنميط الا عندما يحصل (الوعي) باننا صرنا نحمل عن الاخر افكاراً واحكاماً منمطة وأن علينا الحذر من الوقوع في هذا الفخ. لذلك فتجاوز المسبقات لا تكفي فيه النيات الحسنة، لذلك فأن المهم هنا ان نفرق بين صورة الذات (البحريني) وصورة الاخر (الاجنبي) في قابليتها للتغيير ان الحالة البحرينية تبين أن صورة الذات الاصلية للبحريني خاصية ثابته من خاصيات الثقافة السياسية في حين أن صورة الاخر تبقي ملتبسة وخاضعة أكثر لتأثير العوامل والظروف (وهنا حدث ولا حرج في النظر الي الاخر بأنه سوف يخرب القيم البحرينية والثقافة والاخلاق ويعتدي على البحريني ويخرب البيئة الخ). لكن اليس من الطريف أن نكتشف أن رؤيتنا للأخر وعلاقتنا به ينسجها الزمن؟ الزمن بما يحمله من عبء، هو (أخر) له اسياد وله عبيد (الزمن غلاب) او (قلاب) ذلك ان زمن الخمسينيات والستينيات والسبعينات اي ما قبل الدولة الحديثة يختلف عن زمن الحاضر الذي اخذ نزعة استهلاكية حداثية وظهرت معه هذه النظرة الدونية والمرضية للآخر في قطاعات عدة ومنها قطاع الخدمات سواء المنزلية او البلدية الخ. ولكن (كما أن المرء لا يمكنه أن يكون حراً عندما يدوس حرية الأخرين، كذلك لا يمكنه أن يكون سيد زمنه عندما يفتك بزمن الاخرين).

عندما يتم النظر داخل المجتمع البحريني تكتسب هذه النظرة مضموناً اجتماعيا. أكثر تحديداً، تتضح فيه التراتبية والانقسامية وتتنوع فيه اشكال الصراع وآلياته بين البحرينيين، وهنا يتم اختيار الأخر(المحلي)كل طرف يرفض الاخر بدرجة أو بأخرى. هنا يتوسط الأخر (الاجنبي) انقسام الذات الجماعية دون أن يصبح الاخر (الاجنبي) طرفاً حقيقياً في النزاع المحلي. وهنا ينظر الى الكادر الاجنبي الماهر والمتعلم في الشركات والمؤسسات الحكومية من منظور موقف ثقافي رافض لحضور هذا الكادر المتعلم التقني، غير أنه يكمن وراء هذا الموقف الثقافي والرافض نزاع محلي وهو نزاع حول المواقع والمراتب والسلطة والقوة والثروة في القطاع العام والخاص، كل يريد حصته في القطاعين، مما يدعو الي التفكير في أن (الاجانب) ليسوا في هذا النزاع، الا لعبة داخل صراع يتجاوز، بما له من اتساع وتعقد، العلاقة ذات المغزى في المجتمع. بين البحريني والاجنبي. فالبحرينيين هم سجناء بنية نزاعيه داخلية يظهرون ضمنها وكأنهم المستهدفون، هم يستخدمون الاجانب ك (الوسيط) الذي تحتاج القوى المتنازعة الى اخرته في اعادة بناء التراتب والمواقع والسلطة والقوة والثروة وحصتها في كل منها. هنا في البحرين فإن الذوات المحلية والتي تطالب بالمراتب والمواقع والسلطة والقوة والثروة يقوم تمايزها على التفارق الطائفي (سني / شيعي) والتخارج الثقافي، لقد تفارقت صورت الاخرين في مخيلة البحريني الى صورة السني الذي يحظى بالمراتب والمواقع لأنه موالي للسلطة والشيعي الذي لا يحظى بالمثل وهو المعارض؟ وليس كما كان يحدث في السابق مثلاً في الخمسينيات حيث كانت منها صور اخرى يحدد مسافاتها نوع من (الالتحام الطائفي) في النحن العليا حيث كان الاجماع مثلاً في الهيئة التنفيذية العليا، على أن هذا (الالتحام الطائفي) ليس مطلقاً ولا غير منقطع اذ هو عرضة للتناقض وعدم قدرته على التوحد والتوحيد في التجربة الحالية من المشروع الاصلاحي وخصوصاً في السماح لتشكيل جمعيات سياسية طائفية منقسمة بين شيعية وسنية. يبقى تحول العيش المشترك زمن (السلم)الى رفض متبادل زمن (الحرب) كما شاهدناه بالعين المجردة زمن الدوار / الفاتح وكارثته على المجتمع. باعتبار ان الطوائف وحدات ثقافية ذات امتداد تاريخي كل يدعي انه يمثل الحق، وبذلك فأن زمن السلم في البحرين هو زمن الرفض المضمر الذي لا يتوقف فيه رفض الطوائف بعضها لبعض. وهو رفض علني زمن (الحرب) (أن عدتم عدنا) حيث يتعرى المكبوت الطائفي. لذلك قام الغيتو الطائفي وحدد فضاءه وهويته على اساس طائفي وكذلك آليات استقلاله، هنا تظهر الدولة كمنقذ. لأنها فوق الطوائف.

المرجع: كتاب، صورة الاخر العربي ناظراً ومنظوراً اليه. مركز دراسات الوحدة العربية.