في الخروج من العصر الوسيط، وفي التكون الحديث، شكلت الظروفُ الموضوعيةُ لتوحدِ السكان في جزر البحرين أساسَ الوطنية، فالتكوينان الاجتماعيان أهلُ الريف والقبائل الساكنة حديثاً النائيان عن بعضهما مؤقتاً تقارباً عبر نمو المدن والأسواق والمعامل والإدارة.
الاختلافُ المذهبي المعبر عن سيرورة كل قسم في حراكهِ التاريخي الاجتماعي المنفصل لم يكن قادراً على إنتاج عمل سياسي مشترك. الاختلاف المذهبي غائرٌ في العصر الوسيط وبفهم الإسلام المحدود وفي تشكيلة اجتماعية اقتصادية مغايرة للعصر.
هذان التكوينان اصطدما بوجود الاستعمار والثقافة الحديثة والعجز عن تشكيلِ موقفٍ موحد وطني، فاصطدما بسرعة الأحداث وهيمنة الأجنبي على الإدارة وعلى الإنتاج الرئيسي. ولهذا فإن الشكل القبلي من جهة، والشكل المذهبي من جهة أخرى كانا عاجزين عن الفعل السياسي الاجتماعي.
في ذلك الحين من بدايات القرن العشرين لم تكن الدول العربية الإسلامية ذات حضور مباشر، وكانت الفئاتُ الوسطى التجارية والإدارية المحلية تنمو باتساع، وعمل مثقفون على بث ثقافة جديدة لا تنتمي الى التكوينين القبلي والطائفي، عبر عناصر من التنوير والقومية العربية وتجلى ذلك في أسماء التجمعات والأندية: النور والنهضة والوحدة والشعلة والبحرين. ثم اتسع نطاق التأثير عبر الصحف النادرة التي ظهرت: البحرين، صوت البحرين، القافلة والميزان وغيرها.
النخب التي ظهرت أبعدتْ المذهبيتين السنية والشيعية عن العمل السياسي وانحفر ذلك في التكوينات التجارية والعمالية والبؤر التنظيمية السياسية، وأخذت هذه الأشكال الجنينية التنظيمية والفكرية توسع قواعدها السكانية.
بين نخب الأندية والمسارح في الثلاثينيات والتجمعات الجماهيرية في الخمسينيات فارق كبير ونوعي، حيث تمازجت التكوينات الحضرية والريفية والمدنية الحديثة لتصيغ الشكل الحديث الأولي للشعب البحريني.
الأشكال الفكرية السياسية التي ظهرت بها الحركة السياسية أخذت عناصرها من الحركة الوطنية والحركة القومية والماركسية، وتدفقت تأثيراتها على مراكز الانتاج والحياة العامة.
انتقلت التأثيرات من الحياة الثقافة كالمجلات والصحف إلى شركة النفط كبؤرة رئيسية للانتاج والحياة العامة والتطور السياسي، فقد جذبت شركة النفط كل شرايين المجتمع إلى خلاياها وضخت فيها الطاقة، وأدت إلى تغيير شبكة الحياة القديمة وطراز المدن وأشكال الوعي المرتبطة بالانتاج القديم الزراعي المتواري عن الحياة العامة.
وُجد قادة من الأندية الثقافية والبؤر السياسية الفكرية داخل شركة النفط وغيرها، ونقلوا مطالب الحياة السياسية إليها، ووحدوا الحراكَ بين قوى الانتاج وقوى الوعي.
ظهر ذلك في ربط المطالب العامة كإنشاءِ الحياة البرلمانية بتغيير ظروف العمال وتوزيع الفوائض النفطية بشكل وطني عادل. وقد انغمرت الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية في مجرى مشترك تحولي.
عبّر ذلك عن بداية الخروج من العصر الإقطاعي، الطائفي، المحافظ، عبر تكون الشخصية الوطنية، وبداية مساواة الرجال والنساء، وصعود الأشكال الديمقراطية المبكرة، وحراك المدن والريف لأهداف سياسية مشتركة، وبروز البحرين كبلد مستقل غير متواشج مع بلدان أخرى.
وهذا كله أدى إلى زخم الحياة السياسية والاجتماعية فيما بعد.
فيما عكست الاتجاهات المذهبية السياسية التطور في العقود الأخيرة عبر العودة الى الوراء وتفكيك إنجازات التقدم عبر الرجوع الى عالم الطوائف وحراكه وإضفاء لمسات محافظة على العلاقات العائلية وأشكال الوعي بحيث غدا ذلك كله توجهاً للخروج من عصر الحداثة والعودة الى الحياة التقليدية.