كان العالم امام نموذجين يتم وصفهم بالرأسمالية – الاشتراكية، ضمن الخطاب الايديولوجي الدعائي للأجهزة الرسمية، فدولة الرفاه الاجتماعي او دولة الرعاية الاجتماعية في الغرب لا تمثل نموذجاً مثالياً للرأسمالية. ولا الاشتراكية تمثل اي تصور من قريب او بعيد. للمشروع الاشتراكي المبني على استعادة السوق كأداة للتوزيع وحافز للإنتاج وكل هذا لا زال مثار جدل. هذا الجدل يتعلق بدور الدولة عامة، والدولة القومية خاصة بعد انهيار الاشتراكية واختفاء معالم الرأسمالية التقليدية. في عصر المجتمع الاستهلاكي والثورة المعلوماتية. مع تشكل نمط حديث يتبلور يطلق عليه (الاداراتية). هو الذي يسيطر على احوال المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فأي مجتمع حديث في هذا العصر، يحتاج الى (ادارة عليا تستخدم تقانة عليا) تحكمه وتحكم العالم الغربي والعالم كله من ورائه والتي تشكل على اساسها في الناحية الاقتصادية ما يسمى بأسياد العالم الجدد. في هذا النمط ليس هناك مجال لنخبة حاكمة تقليدية، انما هناك مديرون يمكن استبدالهم عبر المؤسسات التشريعية البرلمانية ومجالس الشيوخ في اي وقت، وهم يسيطرون عندما يكونون في مناصبهم فقط. اما لدينا تظهر الدولة التسلطية البيروقراطية وكأنها العنصر الحاسم في هذه المعادلة، الفرق بين النموذجين هو ان القوى الاجتماعية (مفهوم القوى الاجتماعية كجماعات سياسية مصلحية فاعلة) يفترض وجود توزيع ضمني للقوة الاجتماعية (مصادرها واشكالها) بحيث تمتلك هذه الجماعات انصبة متفاوتة من (القوة) بشكل مواز لإمكانية وصولها الى مصادر القوة (ما يسمى بالاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة والثروة) حيث ان محور علاقات القوة هو الحكم والسلطة في المجتمع، فأن الصراعات والانقسامات بين القوى الاجتماعية تتجه نحو المحور نفسه. كما انها ليست منظمة بشكل دقيق كجماعات المصالح او جماعات الضغط كما هو في الغرب، وهي ليست رسمية، وهي جماعات تحتل مركزاً وسطاً وتربطها مصالح مشتركة تعبر عنها بمطالب سياسية واضحة بشكل رئيسي. وتكون تكتلات سياسية توازي التركيب الطبقي مرة او التوزيع المهني تارة اخرى او التقسيم القبلي والطائفي في ظروف اخرى، جامعة فئات من طبقات مختلفة في بعض الحالات او من طوائف في حالات اخرى. وتمثل نواة التنظيم التضامني الذي تقتضيه سياسات الدولة التسلطية، وكيف تتحول القوى الاجتماعية في ظل الدولة البيروقراطية التسلطية الى تضامنيات تعد امتداد لسلطة الدولة في المجتمع. وتعيد صياغة نفسها في شكل تضامنيات، ويدور محور الصراع في هذا النمط التضامني كأداة مثلى في الضبط الاجتماعي. وهو نمط تضامني يعتبر القبلية والطائفية، تضامنية، العلاقات فيها خارج التنظيمات المجتمعية الآخرى او موازية لها، مثل النقابات والجمعيات السياسية والروابط المهنية والدينية لإن المؤسسات السياسية في المجتمع تفتقر الى التحديد الدستوري والى التوصيف القانوني الذي يتطلبه النمط الاداراتي في الغرب اما في النمط (الاداراتية) تفقد الدولة اهميتها مقابل جماع المصالح المنظمة ومنها ( كالتجمع الصناعي العسكري الاستخباراتي الخ)، في النمط التضامني الذي لا يفترض الخضوع لنظام رأسمالي او اشتراكي، وهو في الحقيقة خليط بينهما (وسوف نفسر ذلك لاحقاً)، تقوم شبكة العلاقات الاجتماعية على اساس تقليدي غير رسمي. وتعترف الدولة او النخبة الحاكمة بممثلين التضامنيات المختلفة وترى في سلطتهم امتداد لسلطة النخبة الحاكمة، وليس بشكل مستقل عنها، كما في النمط التضامني (الاداراتية) التقليدي في الغرب. وتوجه جميع المنافع والمكاسب والمرافق من خلال هؤلاء الممثلين الى اعضاء التضامنيات المختلفة وهنا يدخل في الحسبان علاقات التبادل الدقيق في المنافع
والسؤال الان اي منهج يجب ان يتم توظيفه في فهم هذا المجتمع؟
المنهج الاقرب للتحليل والتعرف الى البناء الاجتماعي في دول الخليج العربي هو المنهج التاريخي المقارن المستمد من ماركس، والذي يعتبر التحليل البنائي العلائقي (network analysis)، الذي يقوم على افتراض ان البناء الاجتماعي في نهاية الامر شبكات متصلة ومتواصلة من العلاقات الاجتماعية في مختلف ميادين الحياة، في السوق، في السياسية، في الاتجاهات النفسية، الخ، هنا وحدة التحليل الاساسية هي القوى الاجتماعية (social forces)، التي تمثل كل منها شبكة علائقية في فترة زمنية معينه، ودينامية متحركة في الوقت نفسه كما هي القبلية السياسية والطائفية السياسية. وليس معنى ذلك هو حصر خيارات المواطن السلوكية بحكم موقعه في هذه الشبكات العلائقية، انما معناه ان معطيات السلوك الاساسية تقع وتحدث في داخل هذه الشبكات القبلية – الطائفية، ولذلك، فتحديد الخيارات السلوكية مستمد من الواقع (كما هو في المجتمع) وليس هناك ما يمنع في اي وقت من الاوقات، تبعاً للأوضاع المحيطة بالأحداث وتراكماتها، من ان تتجه هذه الخيارات السلوكية نحو التفجر كما حدث في كارثة ٢٠١١ او ان تتغير في حال كانت القوى الاجتماعية قوى وطنية او تكون حركات اجتماعية. عندما تبدأ قيادة او (نخبة) قوة اجتماعية هامشيه بمحاولة اختراق التسلط وتفشل، ستقوم بالمحاولة من جديد. وكلما فشلت يزيد معدل السخط لدى افراد هذه القوة الهامشية، حتى تتحول هذه القوة الى جماعة وتيار وتوجه يميل الي التغيير ويشكل حركة اجتماعية تمثل ضغطاً نحو التغيير. أن المتطلب الاساسي في التحليل البنائي المقارن هو تاريخيته، والتوصيف الدقيق لهذا المتطلب هو النشاط (الحراك السياسي) والذي نتعارف على وصفه بالتحقيب والذي يتبلور عادة كل عشر سنوات. فلكي نتعرف على قوى اجتماعية معينة لا بد ان نحدد الفترة التاريخية التي نتكلم عنها كخطوة اولى. اما الخطوة الثانية فهي توضيح كيف ان هذه الحقبة متميزة عن غيرها من الحقب على افتراض ان في كل حقبة، ينوجد البناء الاجتماعي الذي يحكم الشبكة العلائقية (التوازن النسبي بين القوى الاجتماعية مثلاً). ان مفاهيم مثل نمط الاستبداد الابوي او الاستبداد الشرقي والاقطاع والاقطاعية هذا ما يتصل بالتاريخ الماضي لدول الخليج العربي فهي ليست مفاهيم دقيقة أبداً إذا ما اريد بها تحليل المجتمع الخليجي العربي. وتمتد هذه المشكلة الى الحاضر فيما يتعلق بمفاهيم تحاول مقاربة التاريخ الراهن، مثل الرأسمالية والاشتراكية، والديمقراطية الليبرالية والاستبدادية التسلطية. وكذلك من نوع الاستبدادية والدكتاتورية والاوتوقراطية (حكم الفرد) والشمولية والتسلطية. او الاسلوب الذي نتناول فيه مفاهيم من نوع القوة والسلطة والدولة والحكومة والنظام يسود قدر غير قليل من اللبس والغموض معظم هذه المصطلحات او المفاهيم، ذلك ان هذه المفاهيم تدخل اللغة اليومية التي يستعملها عامة المثقفين فتظهر وكأنها مترادفات او ذات معان متشابهة، وانه من الممكن استبدال الواحدة بالاخرى وهذا غير صحيح سنناقش بعض المفاهيم التي لها صلة بموضوعنا لاحقاً
يعتبر مصطلح القوة الاجتماعية (social power)، والذي يستعمل للدلالة على مقدرة شخص او مجموعة اشخاص على تحوير سلوك الاخرين وتعديله لتحقيق نتائج مقصودة او متوقعة، حتى ولو كان ذلك خلافاً لرغبتهم او رغم مقاومتهم، من خصائص علاقات القوة (التي تقوم في مختلف مجالات الحياة كعملية اجتماعية دينامية. اي متحركة: أولاً الاتساع إذا كان عدد الاشخاص المطلوب تعديل سلوكهم كبيراً. ثانياً الشمول إذا كان الشخص المالك للقوة يملك بدائل او افعالاً كثيرة لتعديل سلوك الاخرين. ثالثاً؛ التعمق إذا كان المالك للقوة يغلو في تعديل سلوك الاخرين دون ان يفقد انصياعهم لرغبته او مجاراتهم له.
للقوة الاجتماعية مصاحباتها: كالنفوذ.، والجاه، والامتياز. اما مصادر القوة الاجتماعية فهي: القوة المستمدة من التنظيم الاجتماعي (القوة المنظمة) كما (البيروقراطية المركزية سواء للحكومة او الجمعيات السياسية) وهي موضوع الورقة التي نكتبها. والقوة المستمدة من الترتيبات القبلية الطائفية، والقوة المستمدة من ملكية الموارد المادية كما في الثروة وامتلاك راس امال. اما اشكال القوة الاجتماعية فهي أولاً القهر (orce) او القوة الجبرية التي يمكن ان تكون نفسية او مادية – عنيفة او غير عنيفة. ثانياً الهيمنة عن طريق التلاعب بالأشخاص او الموارد او عن طريق الاقناع. ثالثاً السلطة وهي القوة التي تأخذ شكل اصدار الاوامر والنواهي والفتوى وتطلب بالإذعان والانصياع لها بحيث تنجح في جعل الاخرين يلتزمون بها.
ظهور البيروقراطية: ان التوظيف (الاستخدام) يظهر بأن الموظفين (المستخدمين) المدفوعي الاجر تاريخياً كان اغلبيتهم من البحرينيين الذين يعملون في القطاع العام وكذلك يعملون في القطاع الخاص. وهذه النقطة لا شك في انها تستحق الوقوف عندها. فالتوظيف (الاستخدام) في القطاع العام حيث تكون الدولة هي المستخدم الوحيد الاكبر. فما هو السبب الذي كان يؤدي الى حجم هذا التوظيف الحكومي؟ تاريخياً ان الزيادة في التوظيف الحكومي كان مخططاً لها في الاصل، ولكن ليس حصراً، بل لكي تستوعب، ومن ثم يتم التحكم بها سياسياً، ومن ثم لتعيد استقرار السكان الذين في غير مواقعهم مهنياً، فالذين هم في غير مواقعهم مهنياً، قد أصبحوا عمالاً صناعيين او عمالاً عادين. وكذلك كانت بيروقراطية القطاع الخاص أيضاً في زيادة حكماً بكبر حجم الشركات والمؤسسات، ويلاحظ هنا ان عدد كبير من القوة العاملة يعملون في بيروقراطيات كبيرة، وفي بيروقراطيات متوسطة ذلك ان ظهور البيروقراطية يستلزم أولاً توحيداً قياسياً للمهمات المهنية، وذلك تصنيف هرمي للطبقات ثانياً كفاءات اساسية في شكل مكسب علمي عادة ثالثاً توحيداً قياسياً للمكافأت المادية وبشكل اساسي، كدخل شهري مستمد من اداء هذه المهمات المهنية. رابعاً خلقاً لنوع من نموذج او مثال لتسلسل هرمي لتوزيع السلطة متعلق بالمهن اي التقسيم الوظيفي للعمل الذي يستخدم كقاعدة لتكوين الطبقات. ان هيمنة البيروقراطية يؤدي على الارجح، الى تقييد الحركة الشخصية، ذلك ان الحركة البيروقراطية تسير عادة في قنوات وتخضع لمتطلبات التسلسل الهرمي الشكلية الصارمة.
تطور البيروقراطية المركزية على الرغم من الدعوات الكثيرة للإصلاح الاداري والمالي، ولمحاربة الفساد الاداري والمالي وتأسيس ديوان الرقابة المالية والادارية وحجم الفساد الاداري والمالي الذي يتم كشفه من قبل هذه التقارير في الواقع. وخاصة فيما يتعلق بمساوئ. البيروقراطية الحكومية وتعقيدها للأشياء وروتينها المعطل للعمل الخ، فإننا قلما نسمع من الحكومة او مجلسي الشورى والنواب اقتراحات محددة او برامج موضوعية للإصلاح الاداري والمالي علاوة على عدم محاسبة هؤلاء المفسدين سواء في الجانب الاداري او المالي على العلن؟ وعلاوة على ان نسبة كبيرة من الذين يتكلمون على قضية الاصلاح الاداري او المالي، ليس لديهم تقييم علمي دقيق لحجم البيروقراطية الحكومية الفعلي ولدرجة توسع تدخلها في حياة المواطنين اليومية والمعيشية والتي تردت الى وضع خطير في الآونة الاخيرة، ودرجة استحواذ البيروقراطية الحكومية على مجريات الامور في السياسة والاقتصاد والمجتمع. اول ما يتبادر الى ذهن الناس، عندما يتم الكلام عن البيروقراطية الحكومية، هو عدد العاملين في الحكومة ونسبتهم الى مجموع القوي العاملة، وهذا المقياس وان كان صحيحاً، الا انه مقياس ثانوي جزئي، لا يعطي الا جزءاً محدوداً من الحجم الفعلي للقطاع العام. فالقطاع العام الحكومي يتكون من هؤلاء، ويتكون كذلك من كل الذين يعتمدون في معاشهم ومعيشتهم بشكل رئيسي على الحكومة، ويشمل هؤلاء بالإضافة الى العاملين في الحكومة كل الذين يتلقون مساعدات من الحكومة مثل الارامل، كل المستفيدين من برامج الضمان الاجتماعي كالمتقاعدين وهم الان موضوع الساعة في حديث المواطنين، وكذلك من الطلبة الذين هم في سن العمل ولكن لا يعملون (بدل بطالة)، ومن كل الذين يعتمدون في معاشهم على المقاولات الحكومية او التوريد للحكومة لمؤسساتها ومصالحها. وكذلك كل الذين يعتمدون في عملهم على مرافق الحكومة ومن المستفيدين من برامج الاسكان الحكومي والقروض الحكومية والدعم للتموين، وحتى كل المستفيدين من الخدمات العامة التي توفرها الحكومة بأقل سعر من الكلفة ….. الخ
بيروقراطية الحكومة كما ذكرنا يعتمد عليها تقريباً كل فئات المجتمع، وإذا أردنا ان نعرف الحجم الفعلي للقطاع العام ودرجة تدخل الحكومة في معاش ومعيشة المواطنين وارزاقهم لاتضح لدينا انها تشمل المجتمع كله ومن المستحيل تقديرها كمياً واولى هذه الفئات التي يتكون منها القطاع العام هي اعداد العاملين في الحكومة والتي تؤكد ان هناك اعداد كبيرة من القوى العاملة البحرينية تعمل في الحكومة ومعنى هذا بعبارة اخرى هو ان الحكومة هي أكبر رب عمل في البلاد، في مجتمع يفترض انه رأسمالية ذو اقتصاد حر. وتاريخياً والى الان كان هذا هو الوضع على هذه الشاكلة. والسؤال هو اين تعمل هذه الاعداد الكبيرة من الموظفين والمستخدمين والعمال في الجهاز الحكومي؟ وهذه هي المعضلة التي واجهت الحكومة في السنوات الأخيرة وطرحت بعض ما كانت تراه حلول لها من مثل برنامج التسيير الذاتي والتقاعد الاختياري والذي تمت من خلاله سحب قوة عاملة كبيرة ذات خبرة في كل المؤسسات الحكومية للتخلص من بند الاجور والرواتب الذي كان يثقل كاهل الميزانية ولمحاولة سد ثغرة البطالة خصوصاً في المهن العالية اطباء مهندسين مدرسين الخ ليتم اعادة توظيفهم في هذه المؤسسات وهي وزارة التربية والصحة والمواصلات والبلدية والكهرباء والاشغال وغيرها من الوزارات السيادية كالداخلية الخ. وهذه الجهات الحكومية تستحوذ على نسبة كبيرة من اعداد العاملين في الحكومة. كان هناك سؤال مطروح امام من يضع السياسات، عما إذا كانت الوزارات والمصالح الحكومية في حاجة الى هذه الاعداد الكبيرة من العاملين؟ وهي القضية التي انشغلت بها الحكومة ضمن ما ذكرناه من وضع حلول سريعة ومنها التقاعد الاختياري وبرنامج التسيير الذاتي الذي يطبق بالتدريج في المستشفيات والمراكز الصحية. وهي قضية ليس من السهل الاجابة عن مدى صحتها من دون دراسة ميدانية لنوعية الاعمال الحكومية ومستوى الاداء والعلاقة بين الجهد والعائد فيها؟ ومنها ان هناك نسباً وتناسب بين اعداد الفنيين (الاطباء، المدرسين المهندسين الخ) والاداريين والجهاز الاداري المساند لهم والذي كان يمثل مشكلة كبيرة ذلك انه في تلك الوزارات وبالذات الخدمية لم يتم الالتزام به ؟حيث كانت اعداد المدرسين واعداد الجهاز الاداري المساند في وزارة التربية، كان واضحاً انه ليس هناك تناسب بينهم فالجهاز الاداري المساند كان له حصة الاسد في التوظيف وكذلك ينطبق على وزارة الصحة فأن اعداد الاطباء والصيادلة والممرضين (الفنيين) لا يتناسب مع اعداد العاملين في الجهاز الاداري وتفوق على اعداد (الاطباء والصيادلة والممرضين)، ومعني ذلك انه ليس هناك تناسب بين اعداد الجهازين الفني والاداري المساند في اكبر وزارتين في الحكومة، ولا بد من ان حالة مشابهة او الوضع نفسه قائم في الوزارات الآخرى. ذلك ان فئة العاملين في الحكومة، الذين يتكون منهم القطاع العام ان عددهم الفعلي لا يقتصر على هؤلاء فهناك اعداد العاملين في الوزارات السيادية او عائلات يتلقون مساعدات حكومية ضمن برنامج مساعدات وزارة الشئون ورعاية المسنين والاحداث ويضاف لهم المتقاعدين والمستحقين من المدنيين والذين يعملون في الوزارات السيادية الذين يتلقون رواتب تقاعدية من مؤسسة التأمينات الاجتماعية، بالإضافة كما ذكرنا الطلبة الدين هم في سن العمل ولكن لا يعملون، اما لتلقيهم مساعدات حكومية، او لانهم يتعلمون ويتدربون مجانياً تنفق عليه الحكومة (مثال تمكين). اذن كل هؤلاء يتوقف عيشهم ومعيشتهم على سياسة الانفاق الحكومي مما يلقي العب الثقيل على بند الرواتب والاجور؟
ان بيروقراطية الحكومة تمتد ليس فقط في القطاع العام بل أيضاً في القطاع الخاص الذين يعتمدون في معاشهم ومعيشتهم على المناقصات الحكومية او على التوريد الى الحكومة او توفير خدمات الى القطاع الحكومي العام؟ وهم يعملون في قطاعات من مثل التشييد والبناء، تجارة الجملة والتجزئة، الصناعات التحويلية، الخدمات، التمويل والعقار النقل والمواصلات، وقطاعات اخرى. مع ان العمالة البحرينية الى حد ما قليلة في هذه القطاعات والعدد الاكبر يكون في قطاع التموين والتامين والعقار بينما يقل في قطاعات دينامية من مثل حركة كالتشييد والبناء والتجارة والصناعات التحويلية. ان هذا القطاع الخاص لم يسلم من تمدد اخطبوط البيروقراطية الحكومية وتوسع نطاق ملكيتها فقد توسعت ملكية الحكومة في القطاع الخاص وتدخلت الحكومة في ظل الازمات المالية كواسطة خير او كمنقذ عبر شراء اسهم المتضررين من هذه الشركات او انقذت بعض الشركات الخاسرة نتيجة الادارات الفاسدة فيها، وهي بدلاً من ان تضخها مجدداً في سوق الاوراق المالية عندما يتحسن الوضع الاقتصادي، احتفظت بها لتوسع من نطاق ملكيتها لاسهم اكبر الشركات المساهمة والمسجلة في سوق الاوراق المالية ومن هذه الشركات التي شاركت فيها الحكومة اي الشركات المساهمة والمقفلة، المالية (البنكية) ، الصناعية، النقل والخدمات، العقارية، المقفلة. اذاً فأن القطاع الحكومي العام في بلد رأسمالي ذي اقتصاد حر يملك نسبةً كبيرة من الشركات المساهمة الكبرى المسجلة في سوق الاوراق المالية ويسيطر عليها. وهكذا فأن سيطرت الحكومة على القطاع الاهلي الخاص، لا تقتصر على الاهمية الكبيرة للإنفاق الحكومي على مجمل الوضع الاقتصادي، ولا على كون الدولة اكبر رب عمل وانما على الملكية الفعلية من كبريات شركات القطاع الخاص من حيث راس المال ومن حيث توظيف القوى العاملة ومن حيث المساهمة في الناتج المحلي (القومي)، ولا يقتصر القطاع الحكومي العام على هذا فقط بل يشمل جميع المستفيدين من الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة او تلك التي تبيعها الحكومة باقل من سعر التكلفة مثلاً في مجال الاسكان الكثير من المواطنين الذين استفادوا من برنامج الاسكان الحكومي (حتى لو تم ذلك عبر مساهمة مبلغ (المارشال الخليجي)، وكذلك المستفيدين من برنامج القروض العقارية، والمستفيدين من برنامج قروض التوسعة والترميم اما عدد المستفيدين من الخدمات العامة الآخرى، التي تبيعها الحكومة بأقل من سعر التكلفة فهي تشمل جميع المواطنين وهذه الخدمات سواء المتصل بأسعار الدعم الحكومي للسلع الغذائية الرئيسية (التموين) او ما كان متصلاً بالخدمات البلدية والبريد والهاتف والعالم الافتراضي والخدمات الامنية ووسائل الاعلام الخ فجميع هذه الخدمات، تعتبر عنصراً اساسياً في الحياة العصرية لعامة السكان وعنصر توفير في القطاع الخاص والمؤسسات الصناعية الاهلية. ولذلك فأية تغييرات في مدى توفر هذه الخدمات، او نوعيتها، او في الانفاق الحكومي الذي يمول هذه الخدمات، كما هو الحاصل الان في البحرين ستكون لها نتائج مباشرة على حياة المواطنين وارزاقهم ومعاشهم ومعيشتهم وطموحاتهم.
اذاً من كل ما ذكر من تسلط البيروقراطية الحكومية في القطاعين العام والخاص وتحكمها بحياة الناس ومعاشهم ومعيشتهم وطموحاتهم يظهر لنا الحجم الفعلي للقطاع الحكومي، وكثير هي الوعود بالإصلاح ولكن لا نرى اي شيء من هذه الوعود يتحقق على مستوى الواقع؟ فمجرد تقليص اعداد الموظفين والمستخدمين والعمال والفنيين من العاملين في الحكومة ومنها (التقاعد الاختياري)، لا يؤثر كثيراً، في طبيعة عمل القطاع الحكومي العام. لأن الفئات المكونة للقطاع الحكومي العام، لا تقتصر على هؤلاء، بل تشمل الفئات التالية: ١- العاملون في الحكومة من القوى العاملة.
٢- الذين يعتمدون في معاشهم على الحكومة بصورة مباشرة.
٣- الذين يعتمدون في معاشهم على مناقصات الحكومة بشكل رئيسي.
٤- الذين يبيعون عملهم للحكومة من الحرفيبن والعمال المهرة.
٥- المتأثرون بسيطرة الحكومة على شركات القطاع الخاص والمشترك ٦-
المستفيدون من برنامج الاسكان الحكومي والقروض العقارية.
٧- المستفيدون من الخدمات العامة إذا باعتها الحكومة بأقل من سعر الكلفة.
اذاً قضية الاصلاح الاداري والمالي لن تقتصر في النهاية على اعداد العاملين في الحكومة، ولا على حقيقة ان الجهاز الحكومي بروتينه ومحسوبيته وتعقيده الزائد عن الحد، يمثل عائقاً للعمل وقاتلاً لروح الابتكار والخلق، وانما بالإضافة الي ذلك، سترتكز تلك قضية الاصلاح الاداري والمالي على مبادئ وفلسفات تحكم التوازن بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص في حياة المواطنين. فتوسع القطاع الحكومي العام على حساب القطاع الخاص، وتوسع صلاحيات الحكومة ودرجة سيطرتها على الاقتصاد والمجتمع قد وصلا حداً أصبح من الصعب معه تمييز النظام الاقتصادي السائد وتحديد ملامحه الخاصة. فقد اضطلع القطاع الحكومي العام بشكل متزايد بأعباء ومهمات هي تاريخياً وتقليدياً خارج نطاق السياسات الحكومية. فهي ميدان القطاع الخاص. وعندما يقال القطاع الخاص لا يقصد قطاع الشركات الرأسمالية الخاصة فقط، بل بالإضافة الى ذلك وفوق كل ذلك والاهم هو قطاع الهيئات والمنظمات الاهلية التي تمثل الجمهور المستفيدين او عامة المواطنين بصورة مباشرة. وهكذا فأن قضية الاصلاح الاداري والمالي هي، في الحقيقة قضية الخلاص الاداري من هذه البيروقراطية الحكومية المتضخمة. وإذا ما خدمت هذه البيروقراطية الحكومية وظائف مفيدة في السابق من توفير عمل للمواطنين الذين تضرروا بسبب الاقتصاد النفطي، الى كونها وسيلة (لتوزيع الدخل القومي) عبر الوظيفة. فأن هذه الوظائف قد توقفت عن ان تكون مفيدة، واصبحت السيطرة الحكومية على الاقتصاد عائقاً في وجه تطور الاقتصاد والمجتمع ونموهما ضمن إطار عصر الثورة العلمية التكنولوجية والادارة (المؤسسات العقلانية) اي عقلية المؤسسة بدل عقلية الرئيس المدير؟ ولذلك فأن قضية الاصلاح الاداري والمالي هي قضية يتوقف عليها الكثير من الامور بالغة الاثر في حياة الناس وفي معاشهم ومعيشتهم المتردية، لذلك فهي قضية اهم من ان تترك للبيروقراطيين وحدهم.