تهدف هذه الورقة الى الخروج بملخص لواقعنا البحريني وتصور ورؤية ما للتغيير لإنتاج مشروع لليسار التقدمي قريب للواقع وبديل لما نعيشه اليوم ، وتأتي هذه الورقة في ذروه حادة من ذرى الصراع السياسي في البحرين تطلبا للسلطة ليس غير وبالخطاب الطائفي – القبلي المسعور والاستقواء بالخارج القريب والبعيد ، وتأتي هذ الورقة في هذا الوقت المأزوم ، بالذات لليسار عموما ولليسار التقدمي خصوصا لاقتحام معاقل الفكر الطائفي والفكر اليساري المغامر المتكلسين وعلى كشف القناع عن أضاليل خطابه وبطلان منطقه وتهافت مقولاته وشعاراته ومخاطر مراميه ، ولذلك أتى عنوان الورقة المسئولية الوطنية والتاريخية لليسار التقدمي وهو موضوع الساعة.
كما يقال أن هناك جمعية وهناك جمعية وطنية أو هناك جمعية وطنية وهناك جمعية وطنية ديمقراطية مثلما هناك انتخابات وهناك انتخابات ديمقراطية وفيما يخص موضوعنا فهناك يسارية “يسراوية ” وهناك يسار تقدمي ولتوضيح ذلك سوف نناقش أولاً حسب ما يطرحه معجم الماركسية التقدمي مفهوم “يسراوية”
- يسارية “يسراوية” : تعني اليسراوية بالمعنى الدقيق للعبارة نزعة متجددة في الحركة الشيوعية عبر منظمات مميزة بتصلبها وتشددها المذهبي “وإراديتها” ترفض رفضاً قاطعاً الدخول إلى البرلمانات والنقابات كما ترفض أي اتفاق مع الحركات الأخرى وتدعو إلى تحقيق ثورة مباشرة.
- تستعمل اليسراوية بمعناها الواسع عند الحديث عن كل رفض جذري للنظام الاجتماعي القائم وعن كل نزعة ثورية تهدف إلى اتخاذ إجراءات كبرى جذرية وفورية – هذا الاحتجاج الثوري المتطرف والذي انتشر باكراً في بعض تيارات طوباوية وفوضوية ولدى أصحاب نزعة الإرهاب المنظم على حد سواء قد شهد انتعاشه جديدة هامة في الستينات من هذا القرن بفضل تلك الثورة الأيديولوجية لدى الشباب ولهذه اليسراوية السياسية والثقافية في الوقت نفسه روابط معقدة بالماركسية فهي اما أنها تدعي العودة إلى الروح الأصلية للماركسية وأما أنها تفسرها بمثابة وصاية وهيمنة على العمال والطبقة الشعبية أو ترى أنها قد تجاوزها التاريخ باعتبار أن الطبقة العاملة لم تعد تلعب دوراً ثورياً. وتتضمن سيرة ماركس و أنجلز السياسية نقداً لاذعاً لسلوك سياسي هو من قبيل ما سيسمى “باليسراوية”
- وصف أنجلس ذلك الهوس الذي تملك المهاجرين سنة 1848 بتكوين فيالق ثورية لتحرير أوطانهم بأنه “صبيانية ثورية”
- ماركس: أن الأقلية تستعيض عن التحليل النقدي بوجهة نظر دوغمائية وعن التحليل المادي بوجهة نظر مثالية “فالإرادة والإرادة” وحدها هي محرك الثورة حسب رأيها وليست الظروف الواقعية . أن تعاملكم مع البروليتاريا هو تماماً مثل تعامل “الشعبويون” مع الشعب حيث جعلوا من هذه الكلمة نوعاً من الأسطورة المقدسة.
- ماركس: “طبع لا سال من البداية تحريضية بطابع عمل الملة الدينية” ثم أضاف قائلاً “أنه وقع في الخطأ نفسه الذي ارتكبه بردون فهذا الأخير بدل ان يبحث عن أرضية عمل تحريضية في واقع حركة “الطبقات” أراد أن يوجه هذه الحركة حسب وصفه من الوصفات “العقائدية” ويضيف كارل ماركس باكوينن في المجلس العام للأممية الأولى بكونهم “طائفيين محترفين”
- أنجلس: أن بلانكينا يشتركون مع الباكونيون في كونهم يريدون أن يمثلوا النزعة الأكثر تقدماً وتطرفاً بل انهم يفوقونهم “وفيما يتعلق بالصيغ الفضفاضة الجوفاء” إذ أن غايتهم هي الوصول إلى الهدف دون المرور بمراحل انتقالية وعبر عقد اتفاقيات مع هذا الطرف أو ذاك لكن “من السخف والبلاهة” أن نجعل من قلة الصبر “مبدأ نظرياً”
- كما انتقد ماركس التبسيط الكاريكاتوري لأفكاره من قبل هذا الاتجاه حيث قال عنهم بأنهم نجحوا في تحويل نظريتنا إلى معتقد دغمائي متحجر لجماعة أرثوذكسية.
- لقد وصم ماركس و أنجلز هذه اليسارية “بالروح الفئوية والدوغمائية والإرادية وبتحريض أبطال الجملة الثورية الساعين إلى فرقعة الحزب وتفكيكه بسبب مناوراتهم و”دسائسهم” حيث قال ماركس “نحن لا نحقد على “موست” لا لجملته الثورية للغاية ولكننا نؤاخذه على خلوها من أي مضمون ثوري وعلى اقتصاره على صنع الجملة الثورية”
- كان لينين وهو أكثر من درس اليسراوية فقد كان لينين من جهة يحتقر هؤلاء الذين يرفضون “العمل العادي التافه” ويكتفون “بتحيين اللحظات الكبرى دون أن يعرفوا كيف يجمعون القوى التي تصنع الأحداث الكبرى ” وكان من جهة أخرى يواجه نزعة متطرفة معادية للعمل العلني القانوني وللنضال داخل البرلمان.
- غير أن لينين كان يتأرجح بين أمرين في تحديد ماهية الراديكالية والتطرف المسلم بأنهما يمثلان مواقف خاطئة ولكن هل هما يشكلان مواقف دائمة موضوعية لها قاعدة “طبقية” أم أنها مجرد أقنعة ومواقف مصطنعة “وولوع بالشعارات الحماسية” وهي أمور تغطي التخاذل عند أول نزال جدي! وهنا حرص لينين على التميز بين نزعة المغامرة الإجرامية عند قادة الحزب وبين التفاؤل المجنح الذي يجر الجماهير في بعض الأحيان لاقتحام السماء. وتم تطبيق ذلك في ثورة (1905) وليس (1917) حيث استند إلى مقالة ماركس في شهر (9-1871) أن الانتفاضة عمل جنوني، إلا أنه عندما انتفضت الجماهير أراد السير معها ليتعلم وإياها في وقت واحد في خضم الصراع ولم “ينتصب” أمامها ليقدم لها دروساً بيروقراطية. وشن لينين هجوماً ضد “الجملة الثورية” أي “تكرار الشعارات الثورية ذاتها بدون اعتبار الظروف الموضوعية والوضع المناسب ونضيف نحن “الوضع الثوري” والتي هي مضمونها مجرد “مشاعر وابتهالات وغضب وسخط”
- ولا يوجد تعريف دغمائي جاهز ولا وصفة صالحة لكل الحالات للتعرف على اليسراوية ما دام لابد من تحليل ومعرفة الظروف التي يكون فيها “الوفاق” أمر لا مناص منه والظروف التي يكون فيها “الوفاق” أمراً غير مقبول بالمرة.
- وبما أن الماركسية لا ترفض رفضاً مسبقاً أي شكل من أشكال النضال لإخضاعه بصورة أفضل للأوضاع التاريخية الملموسة فإننا نفهم كيف أن شعارات كانت مقبولة بالأمس يتواصل الدفاع عنها في ظرف متجدد. غير أن تكرار شعار وقع تجاوزه لا يحيي أبداً الشروط التي تمخض عنها. فعندما اشتدت هجومات “شيوعي اليسراوية” رأى لينين أن هؤلاء “تمكنت من نفوسهم تمكناً شديداً نفسية المثقف البورجوازي الصغير الذي استشاط غيضاً بسبب انحداره اجتماعيا فأصبح متعجرفاً ومتبجاً” فرأى أن القاعدة الطبقية لليسراوية تكمن في شرعية البورجوازية المفلسة “صغار أرباب العمل والملاكين المفلسين” “أن البورجوازي الصغير ” الساخط على فظائع الرأسمالية هو ظاهرة اجتماعية خاصة بجميع البلدان الرأسمالية شأنه شأن “الفوضوية”
- أن التفسير اللينيني لليسراوية يعود بنا إذاً إلى واقعين مختلفين فمن ناحية لا يمكن لحزب برمته في الفترات التاريخية المعقدة والمتقلبة حيث تتغير المواقف بسرعة شديدة أن يتابع إيقاع التعديلات السياسية المحتملة وأن يحافظ على تماسك صفوفه عندما يقتضي الوضع “المراوغة والانسحاب” ومن ناحية أخرى نجد أن شريحة دنيا من البرجوازية أفلست فجأة وبشكل فظيع تؤثر في منظمات اليسار وفي قطاعات من الماركسية بحيث تصبح جميعها تحمل معها العيوب السياسية والنفسية لهذه الشريحة من انقسامات وعدم استقرار وعدم قدرة على الحزم والاتحاد والانضباط أن التجاذب الشديد بين هذين القطبين يكشف لنا معضلة مزدوجة.
- استحالة تقدير خطر اليسراوية يأخذ لينين مأخذ الجد الصورة المجازية حول المرض الطفولي “الذي يمر بدون خطر إذ يستعيد الجسم بعد عافيته ويصبح أكثر قوة” ولكنه يرى أنه إذا “كان خطأ الدوغمائية في الوقت الراهن هو ألف مرة أقل خطورة من دوغمائية اليمين” فذلك يعود لسبب وحيد فقط وهو أن الشيوعية اليسراوية هي نزعة حديثة التكوين والنشأة” ويضيف “أن خطأ اليسراوية هو مجرد خطأ وهو ليس خطأ وهو ليس خطيراً ويسهل تصويبه ولكنه يكتب بعد ذلك قائلاً “أن أعظم خطر يمكن أن يواجه ثوري حقيقي ولعله الخطر الوحيد هو أن يزايد وأن يغفل عن حدود وشروط التطبيق الناجع والملائم للمناهج الثورية.
- أحيت اليسراوية حسب مواطن ظهورها وظروفها وحسب النزعات المهيمنة فيها أشكالاً من التعبير مثل “الإضراب العام والاعتصامات الاجتماعات المفتوحة ومعارك الشوارع – الدعاية-التحريض-وتكوين شبكات من المجموعات المنتاوية في المصانع والأحياء والمقاومة السلبية أو الإرهاب”.
- إننا الآن أمام ضرورة تبرير وجود اليسار نفسه من جديد بعد الانهيارات والهزائم بالذات في قوى اليسار التقدمي نتيجة لأحداث 14 فبراير الكارثية وما أدت آلية من إحباط عام شل الفكر والعمل عند أوساط واسعة من قوى اليسار بشكل عام والتقدمي بشكل خاص وكذلك أوجد الإحباط العام لدى الجماهير و استقطابها وقسّمها ضمن إطار ما عرف “بالشرخ الطائفي”
- المطلوب الآن أولاً تبرير وجود اليسار كقوة سياسية “مميزة” عن غيرها من قوى “الإسلام السياسي الطائفي (سني/شيعي) والقوى الأخرى ما يسمى بالتيار الوطني – الديمقراطي أو الجمعيات المسماة بالليبرالية أو الفئة والتيار الشعبوي المغامر الطائفي الديني…إلخ وكل ذلك يجب أن يبنى على قاعدة التناقضات سواء تلك الناتجة من تناقضات وتصادمات المصالح بين القوى الاجتماعية والسياسية الداخلية سواء في المجتمع أم الدولة ونخبها وكيف يجري التفاعل بينها والاحتمالات الناشئة عن مثل هكذا تفاعل سواء كان عبر التصادم والتناحر أم عبر التوافق والحوار.
- يتعلق بتبرير “الأهداف المميزة” التي يسعى اليسار إلى تحقيقها تبريراً منطقياً عملياً موضوعياً مع تبيان أشكال وأساليب تحقيق ذلك والمراحل المتدرجة في هذه العملية السياسية الاجتماعية بحيث لا يتم حرق المراحل كما حدث في أحداث 14 فبراير والانتقال إلى مفهوم “الثورة” مباشرة.
- هذا الطموح هو وحده الذي يمّكن قوى اليسار وتياراته التقدمية عبر توحيد جهودها على أساس “طوعي ديمقراطي” حيث يؤدي إلى تخفيف ومن ثم إزالة آثار الاستقطاب والانقسام والتشرذم ولشلليه ويزيل أيضاً آثار الإحباط الذي يشل النشاط السياسي للجماهير أو يدفعها إلى الفوضى والمغامرة وبالتالي يهيئ الظروف تدريجياً لبناء “الكتلة الشعبية الوطنية” التاريخية وليس “الكتلة الطائفية أو الكتلة القبيلة” التي بمقدورها أي “الكتلة الشعبية الوطنية التاريخية” إجراء التغيير الديمقراطي المفترض والمنشود. بدقة ورسم نهج التعاطي السياسي معه بصورة مرنة لخدمة مسيرة التقدم الوطني الديمقراطي في البحرين.
- أن بناء يسار تقدمي يتطلب أن نفهم بصورة موضوعية طبيعية العالم الذي نعيش فيه والمجتمع والدولة الذي يحتوينا وندرك مضمون الحضارة السائدة في هذا العالم وهنا يجب الانتباه إلى أهمية العوامل الموضوعية وعدم تعظيم دور العوامل الذاتية على حسابها مما يخرج التحليل السياسي والاستنتاجات التي تبني عليه عن الدقة والموضوعية وأثر ذلك في النهج العملي المفترض أن تأخذه قوى اليسار التقدمي وعدم التبرير لسياسات متطرفة عشوائية مغامرة أن دخولنا عصر العولمة أحدث متمايزات اجتماعية وسياسية أدت إلى تضارب المصالح والمواقف وهذا هو العنصر الجديد الذي ينبغي دراسته وتحديده مما أدى إلى مواقف وشعارات يطلقها البعض من كافة “الطبقات” ومن يمثلها سواءً التي تريد التغيير أو التي تعيق مما انصب على الصعيد العملي في الاتجاه المعاكس لمتطلبات الممارسة المتوافقة مع القوانين الموضوعية للتطور وخصوصاً لدى قوى التغيير التي انطلقت بدوافع وأسباب ذاتية كما حدث لما يسمى “بالتيار الوطني الديمقراطي” في البحرين حيث تجلت مواقفه ما قبل أحداث 14 فبراير أو إثنائها أو بعدها في اتجاهات مغامرة وفوضوية أضفت على التغيير ومواقفه وشعاراته (شحنة ما فوق ثورية) مما أبطل عملية التغيير وأجهضته أو العكس صحيح عبر أطروحات تبرر التكيف مع الواقع القائم وتجّمله كل هذا أدى إلى نتائج خطيرة على الحركة السياسية التقدمية في البحرين.
- هذا يعني في الممارسة العملية ضرورة دراسة الأوضاع في جميع الميادين واستنتاج معادلات التوازن والتناقض بين قوى المجتمع المعني والذي سنفرد له ورقة خاصة تحت مسمى “المشروع الإصلاحي والديمقراطية غير المؤكدة”. هنا نقدر أن نحدد سمات (النظام الديمقراطي المفترض أو المنشود) في ظروف المجتمع القائمة فعلاً ويتحدد الدور الذي يمكن أن تقوم به والشعارات المتدرجة التي ترفع في كل ميدان من ميادين التغيير والوسائل السياسية الجماهيرية لتحقيقها في مسيرة تعزيز وتعميق مضمون هذه السمات “الديمقراطية” بصورة متصاعدة.
- هذا العمل شرط أساسي لبناء اليسار التقدمي وإدراك هذا اليسار لتفاصيل هذه التظاهرات في المجتمع المعين وليس برفع شعار عام عن (بناء الدولة الديمقراطية) دون تحديد سمات ملموسة لها كما لو أن هذا الشعار هو وصفه صالحة لجميع المجتمعات ومثل هذه المقاربة تجعل شعار قوى اليسار ووسائل عمله أكثر دقة في الإستجابة لمتطلبات التطور وأكثر انفتاحا ومرونة مع القوى والفئات السياسية والاجتماعية ذات المصلحة ولو بدرجات متباينة في عملية بناء هذه (الدولة الديمقراطية المفترضة) وانفتاح قوى اليسار للعمل في الحياة السياسية وتوسيع إمكانات التعاون مع القوى الاجتماعية والسياسية الأخرى التي تقف مع “التقدم” وليس مع “التخلف” كقوى الإسلام السياسي الطائفي /سني/شيعي/ أو الفئة الشعبوية المغامرة أو الحلف الطبقي المتشكل “من العقاريين والكمبرادور والبورجوازية المالية والبورجوازية البيروقراطية” مع من يقف معهم من النخب الحاكمة المتشددة.
- ويجب التأكيد هنا بأن ليس لأحد أن يدعي أن كلمته هي “الفصل” في موضوع المشروع “البرنامج” العتيد لقوى اليسار ذلك لهذا المشروع “البرنامج” ماضياً في التجربة البحرينية منذ الخمسينات فيها الإيجابي وفيها السلبي وتقييم الحالتين لم يرسى بعد حتى الآن على قاعدة موضوعية سليمة والمفروض أن يكون له “مستقبل” لم تتبلور مبررات ولادته على نحو متكامل مقنع بعد، بل ما زال يتخبط في اجتهادات متضاربة وعكست أحداث 14 فبراير إلى الآن ذلك بشكل جلي وصارخ.
- يجب على اليسار التقدمي أن يضع هذا “المشروع – البرنامج” وتوظيفه في خدمة ورشة النقاش الكبيرة التي يجب فتحها ولا يجوز تأخيرها أكثر مما تأخرت حيث أن وضع مثل هذا المشروع “البرنامج” الذي يجب أن يتبلور عبر كل الآراء والرؤى والاجتهادات الفكرية والسياسية وحتى التنظيمية التي تطرحها قوى اليسار والديمقراطيون عموماً في هذه المرحلة الراهنة التي تم فيها تفتيت قوى اليسار التقدمي بشكل عام كنتيجة لأحداث 14 فبراير، وتم تعميق الشرخ الطائفي على حساب الوحدة الوطنية وأهدافها الوطنية الكبرى وفقدان الشعب الثقة بقواه ومكوناته وقدراته، وأهمية العمل المشترك وانتعاش الاتجاهات الأكثر تطرفاً في الإسلام السياسي، واهتمام الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية تحسباً من الأخطار الخارجية والتوترات الداخلية، وضعف الجبهة الداخلية المرتكزة على وحدة الشعب وليس المؤسسات الرسمية وحدها وتراجع العملية الديمقراطية ومنسوب الحريات ووقوع الجماهير الشعبية في فخاخ المؤسسات الإعلامية بكل ألوانها وأشكالها كجبهة حرب جديدة لم تتوقف وما زالت مستمرة.
- الآن بات من الضروري وأكثر جدوى طرح هذا “المشروع – البرنامج” من أي وقت مضى وذلك من أجل بلورة ملامح اليسار التقدمي وخطة عمله “المستقبلية” والهدف هو عبر جهد مشترك للوصول إلى “الحقيقة” على صعيد الفكر وإلى التقارب العملي على صعيد الممارسة.
- والسؤال الآن على أي أساس سيبني اليسار التقدمي من الناحية الفكرية؟ يجب أن يستند هذا البناء لليسار التقدمي على “الفكر الجدلي النقدي” “الجدل المادي – الجدل التاريخي” وليس على أساس رؤى وآراء ما يسمى “بالزعامات” أو “الأمناء” في ما يسمى “بالتيار الوطني الديمقراطي” وفرض رؤاها ومواقفها وشعاراتها على هذا اليسار التقدمي أو تأثيره بما تفرضه أو يفرضه ما يسمى “بالرموز” أو المرجعيات الدينية الطائفية عبر فتاويها التي تمارس نوع من الوصاية وتطلب الإذعان لها.
- إن العودة إلى الجدل المادي والتاريخي يجب أن يكون بصيغة “تجديدية” تفرضها متغيرات العصر والتحولات الجارية سواء في البحرين أو دول مجلس التعاون الخليجي أو المنطقة العربية أو التحولات في العالم عموماً، وهذه الصيغة التجديدية هي المهمة الأولية التي ينبغي بلورتها بالنقاش الجماعي بين قوى اليسار، حيث بات العالم “الكوكب – الأرض” يفرض نفسه كوحدة تحليل رئيسية لفهم وإدراك الأحداث المحلية.
- هذا هو اليسار التقدمي الذي يجب الكلام عنه الآن فالجدل المادي والتاريخي هو نظرية “منهجية” لفهم وتفسير التطور الاجتماعي عموماً فيه نستطيع أن نحدد المعالم الأساسية لمجتمعنا ونحدد في ضوء ذلك طبيعة التطور الموضوعي لمجتمعنا ومراحل هذا التطور الموضوعي وشعاراته وسبل تحقيقها بصورة واقعية عبر تحديد دقيق لمهمة اليسار التقدمي ولأهدافه الممكنة التحقيق التي تبني على أساس دراسة متغيرات الواقع ومستجداته في أساسياته وصياغة الاستنتاجات الجديدة على أساس ذلك، وتحديد طبيعة المهام التي نواجهها ومن هنا الأخذ بهذا المعيار العام الذي ما زال صالحاً ومطلوباً لتحديد مضمون هذه الأهداف والشعارات والمراحل لتحقيقها من “موقع اليسار التقدمي” وهو الأهم لأن كثير من الجمعيات السياسية ترفع الشعارات والأهداف العامة من “ناحية الشكل” ذاتها في حين أن ذلك لا يعني “التطابق” حكماً في مضامينها.
- أن هذا التمايز المطلوب “مبدئياً” في مشروع وبرنامج اليسار التقدمي الذي ينبغي أن يتجلى في استراتيجيته وتكتيكه الخاصين لا يعني التصادم التناحري مع برامج ومشاريع القوى السياسية والاجتماعية (الديمقراطية – القومية) بالذات التي ترفع الأهداف والشعارات العامة ذاتها، أنما هو ضرورة لتحديد “الحقل السياسي” والأفق السياسي لحركة قوى اليسار التقدمي بدقة علمية ومرونة في الممارسة من جهة لوضع قواعد التعاطي والتعامل والتعاون أو التنسيق أو الإئتلاف أو التحالف مع سائر القوى (الديمقراطية – القومية) أي إعادة “الروح للعمل المشترك” بين هذه المكونات الذي مزقته قوى الإسلام السياسي (سني/ شيعي) وهيمنت عليه وسيطرت عليه ليخدم أجندتها “الطائفية السياسية المذهبية” ومن جهة أخرى لسد الطريق أمام أي “انحراف” ذي طابع ذاتي كما هو حادث في أثناء الأحداث الأخيرة “14 فبراير” حتى الآن الذي جاء كرد فعل “للأحداث” الانفجارات السياسية التي جرت وكيف تعاملت اتجاهات أو مجموعات أو أفراد في الاتجاه اليسراوية معها في كل الجمعيات المسماة “بالتيار الوطني – الديمقراطي”
- مثال إذا ما أخذنا الشعار العام المتشابه الذي يطرحه العديد من القوى السياسية منذ بداية انطلاقة المشروع الإصلاحي عن (بناء الدولة الديمقراطية أو النظام الديمقراطي المفترض) فإن ذلك لا يعني بالضرورة إعطاء المضمون ذاته من قبل هذه القوى “للنظام الديمقراطي المنشود” أو الدولة الديمقراطية المنشودة “المدنية العصرية” ، فالمسألة تبقى نسبية وفق المصالح السياسية والاجتماعية للقوى المختلفة لذا تبقى مسألة بناء “النظام الديمقراطي” مسألة صراعية لا على المستوى الاستراتيجي وحسب بل على المستوى التكتيكي، فمن المفترض أن تسعى قوى اليسار التقدمي إلى تعميق وتوسيع المضمون الديمقراطي للدولة الديمقراطية المفترضة وعبر فضحها لأجندة كل القوى “المعيقة” للوصول إلى هذه الأهداف سواء في ضفة الإسلام السياسي الطائفي/سني/ شيعي أو الاتجاه الشعبوي المغامر الطائفي الديني والذي يسميه عباس بوصفوان قوى “الممانعة” على طريقة قوى الممانعة في دولة الملالي الطائفية “إيران- سوريا – حزب الله” حيث تمعن في الشعب السوري وتعطينا فهم أوضح لمفهوم “الممانعة” أو الاتجاه اليسراوية فيما يسمى بالجمعيات “التيار الوطني – الديمقراطي” أو الحلف الطبقي الضمني المشكل من “طبقة العقاريين – الكمبرادوية البورجوازية التابعة – البورجوازية المالية– المصرفية – البورجوازية البيروقراطية في المناصب العليا مع من يقف ورائهم من المتشددين في النخبة الحاكمة.
- ومن جهة أخرى في التلاقي مع أطروحات الاتجاهات أو المجموعات أو الأفراد في القوى “القومية – الديمقراطية” أو الليبرالية المدافعة عن عملية التغيير في اتجاه إقامة “النظام الديمقراطي المنشود”
- وليس كما كان يحدث وحدث في 14 فبراير وما قبلها من انقطاع بين الالتزام “المبدئي” ومنهجية المعالجة أي الطريقة التي يحترم فيها بدقة اختلاف المراحل واختلاف الشروط التاريخية فكان المطلوب هو فهم ووعي هذه الشروط والظروف الخاصة بشكل وجوهر الدولة والمجتمع في البحرين والذي سوف نناقشه لاحقاً وليس طرح مواقف أو مقترحات أو مهام يتم استيحائها من الخارج أو من العام الدارج في الجو السياسي السائد فحتى لو كان كما تدعي هذه القوى سواء الإسلام السياسي (سني/ شيعي) أو اليسراوية في الجمعيات المسماة “بالتيار الوطني – الديمقراطي” بأن شعارها صحيحاً من حيث صياغته العامة إلا أنه لا يحمل بصورة متكاملة ومتوافقة ودقيقة مع جميع السمات المحددة التي يتطلبها الوضع الموضوعي “لبنية المجتمع الاقتصادية – الاجتماعية – السياسية” وبعدم فهم ذلك يكون من الصعب ومن المتعذر إذا كان من المستحيل تحديد المراحل بموضوعية بصفاتها وبآليات تنابعها ويصبح من الصعب والمتعذر تحديد أساليب التغيير الملائمة لتحقيق “التقدم” والتغيير بالدقة المطلوبة وهنا تبرز الصعوبات في تعبئة الجماهير ذوي المصلحة في هذا التغيير.
- ولكن ما هي الشروط التاريخية التي تحدد “المضمون” الأساسي للأهداف؟
- كان من المفترض على اليسار التقدمي التركيز بصورة أساسية على التغيرات والتبدلات في مجمل الشروط “الاقتصادية – الاجتماعية – السياسية – الثقافية – الحقوقية” وأن يصوغ هذا اليسار التقدمي في ضوء تلك المهام وأساليب التغيير المناسبة لتحقيقها، وأن عدم القيام بهذه المهمة الصعبة لا يسمح لهذا اليسار استنادا إلى مقولة أننا في أيام “الربيع العربي” وأنه أصبح من اللازم أن نقرر من حيث المبدأ “ذاتياً” “شخصياً – فردياً” أو (إرادياً) مهام وبرنامج اليسار في هذه “اللحظة الثورية”.
- وبدخولنا في هذه الأزمة التي سميت (بثورة شباب 14 فبراير) والذي لايزال حتى الآن يعتبرها الإسلام السياسي “الشيعي” والفئة الشعبوية المغامرة الطائفية الدينية واليسارية في جمعيات التيار الوطني – الديمقراطي لازالت مستمرة “هنا الوهم”.
- ولكن ما هي معايير اليسار التقدمي لقياس طبيعة هذه الأزمة وكيف يجب عليه أن يحدد الموقف الموضوعي منها؟ لأن اليسار التقدمي من المفترض أن يكون عمله السياسي مبني على مشروعه وبرنامجه ونظامه الأساسي وهذا المشروع والبرنامج يفرض التزامات فكرية وسياسية وتنظيمية “متميزة” وبدونه لا يسمى يسار تقدمي ولا يمكن أن يخرج من “أزمته” ومن أهم هذه الالتزامات هو البدء بتقييم نقدي مبدئي صريح علني لجميع الانحرافات الفكرية والممارسات السياسية والتنظيمية الخاطئة سواء التي حدثت قبل 14 فبراير أم أثنائها أم بعدها والمرتكز على مبدأ (المركزية-الديمقراطية) وتأكيدها على مبدأ (النقد – والنقد الذاتي) ومن ثم توضيح الصعوبات الفكرية – السياسية – التنظيمية – المعنوية – والعزلة التي تواجه القوى الديمقراطية بشكل عام واليسار التقدمي بشكل خاص وباستخدام المنهجية الماركسية تحديداً.
- الاهتمام الجدي على مستوى الأفراد والجماعات لليسار التقدمي على الانكباب لدراسة الظاهرات الجديدة النوعية في نظام العلاقات الرأسمالية العالمية “العولمة” وآلية فعلها عالمياً وانعكاس ذلك على البحرين، فهذه الدراسة النظرية الشاملة “لإعادة التأسيس” ضرورة لابد منها فبدون هذا العمل النظري وتكامله في سياق عملية مستمرة لامجال لإقامة وجود سياسي لقوى اليسار التقدمي وليس كما جرى وحدث تم الاعتماد على استخلاص التوجهات السياسية (كرد فعل) للانفجارات السياسية المفاجئة أو كما كان يطرح من سرعة تطور الأحداث والزخم الجماهيري الحادث عنها وبالتالي عدم القدرة على قراءته سياسياً بل اللحاق به! وهذا يعّبر عن التشوش والإرباك وعدم وضوح الرؤية ، وبالتالي الخط السياسي حيث كان الجانب البراغماتي واضح هنا ومن ثم الوقوع في المستنقع الطائفي على قاعدة (رد الفعل) على الأحداث الجارية وحدها وتحت حجة مقولة “عدم الانعزال عن الجماهير” مهما كانت النتيجة وكارثيتها. إن الحذر والتردد إزاء الوعي “النظري” في صفوف اليسار عامة في اتساع ويتم عزو هذه الظاهرة السلبية إلى موجة الإحباط العام لدى اليسار بعد الانهيار للتجربة الاشتراكية وانعكاساتها على قوى اليسار واستعجال بعض اليساريين للخروج من “الأزمة” دون تهيئة عوامل النهوض الفكرية – السياسية – التنظيمية – المعنوية اللازمة وهذا ما كان يلحظ على الجمعيات المسماة “بالتيار الوطني – الديمقراطي” ونخص منها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حيث كان العزوف عن المشاركة في “التثقيف النظري والفكري والسياسي” من خلال اللجان الفاعلة فيه وبالذات في لجانها الأكثر أهمية “اللجنة السياسية – لجنة إعداد الكادر” المهتمين بالجانب “النظري – السياسي” وهذا ما أوجد النقص الأساسي في الأعمال التمهيدية (النظرية – السياسية) والتي تبنى على أساس تحليل وتشخيص وفهم الواقع البحريني “خصوصية التجربة البحرينية” مما انعكس كارثياً على أفراد وجماعات في المنبر التقدمي وحركة دخولهم الحراك السياسي في أحداث 14 فبراير تحت حجة التثقيف وترشيد الخطاب في الشارع والدوار !! حيث انتصب أمامها ليقدم لها دروسا بيروقراطية عبر التثقيف في الدوار أو ترشيد النهج السياسي كما طـُرح في مسودة تقييم الأحداث الصادرة عن المنبر التقدمي.
- ما أدى أو حال دون تحقيق بناء “النموذج” “المثال” الجديد لهذا اليسار التقدمي كمشروع وبرنامج وكحركة حيث تم التحرر من هكذا مشروع – برنامج عن طريق مشروع – برنامج آخر “تحت مسمى الربيع العربي” الطارئ الذي قام بالإعداد له وشارك فيه التيار الشعبوي المغامر الطائفي الديني والذي التحق به الإسلام السياسي الشيعي والذي لايزال يحمل تبعات التحاقه هذا، تفككا وانقساما.
- كل هذا يطرح أهمية بلورة فهم “نظري جماعي” لقوى اليسار التقدمي للواقع البحريني منذ انطلاقة المشروع الإصلاحي وليس الانطلاق من نقطة 14 فبراير الذي يريدنا الإسلام السياسي والفئة الشعبوية المغامرة أو الانطلاق من نقطة قانون السلامة الوطنية كما تطرحه بعض النخب الحاكمة المتشددة. مما يؤدي إلى تجزئة المرحلة وتحقيبها. بل يجب النظر إلى أن هذه التجربة “المشروع الإصلاحي” هو عملية صيرورة تاريخية في سياق أيديولوجي وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وحقوقي فيه الإيجابي وفيه السلبي، فيه المتشدد وفيه المعتدل والتركيز من خلال دراسة هذه التجربة على قانون الصراع الطبقي وليس الطائفي القبلي. هذا سيتم كما ذكر دراسته بشكل مفصل في ورقة المشروع الإصلاحي والديمقراطية غير المؤكدة.
- ما يطرح على اليسار مهمة التكامل والتقارب على أساس هذا الفهم وليس الهروب من حل الأزمة التي تقصف (بقوى اليسار وخصوصا فيما يسمى بجمعيات التيار الوطني الديمقراطي) عن طريق المناشدة والمجاملة وعفى الله عما سلف أو توجيه اللوم والعتب أو استخدام النعوت من سب وشتم “البذائة الأيدولوجية” “عميل، خائن، موالي،….إلخ” ذلك أن التلاؤم أو التطابق بين “الحدث” والمواقف المستنتجة منه لا يبقى ثابتاً بحكم تطور “الحدث” موضوعياً حيث تتم المقارنات الشكلية للسمات وأوجه التشابه الخارجية بين أحداث وظاهرات تاريخية واجتماعية ولدتها شروط اقتصادية – سياسية – ثقافية – حقوقية – في بلدان أخرى عربية أو عالمية مختلفة جوهرياً من حيث طبيعتها ومختلفة عن شروط وواقع البحرين الداخلية.
- وهذا ما أدى إلى الكارثة وإلى الفشل والإحباط و صاحبته “كوارث” إنسانية فردية وجماعية والأهم من ذلك أنها قوضت الجهود لبناء اليسار التقدمي على أسس وطنية ديمقراطية سليمة.
- أن محاربة هذا الانحراف بطبيعتيه يتفشى في صفوف اليسار بصورة “عفوية” نتيجة الفعل المتداخل للأيديولوجيات المختلفة التي تدعمها “القبلية السياسية – والطائفية السياسية المذهبية” المتمرسة في المجتمع والتي طفحت في أحداث 14 فبراير وضغطت على عقول الناس وأحدثت الشرخ الطائفي المدمر.
المهمة الأساسية لليسار التقدمي “إدخال الجماهير إلى الفعل السياسي”
- من حيث وجهة النظر الاستراتيجية والتكتيكية ينبغي أن يكون تقييمنا وموقفنا مختلفين عن المرحلة التي يمر بها “النظام” وفق مرحلة النهوض مثال بداية انطلاقة المشروع الإصلاحي والإجماع على وثيقة الميثاق الوطني أو مرحلة التباطؤ والتراجع الذي حدث في المشروع الإصلاحي والركود والعجز الذي أصابه وعدم تعزز الديمقراطية السياسية – والاقتصادية – والاجتماعية – والثقافية والحقوقية، ومن هي القوى الاجتماعية التي تقف وراء ذلك؟
- إذاً ما تفرضه الواقعية السياسية الموضوعية واعترافنا بالمراحل له علاقة بالمستقبل “برنامج ومشروع اليسار التقدمي وبأسلوب عمل هذا اليسار وخصوصاً بكيفية تفاعل اليسار التقدمي مع الجماهير بوضعها الحالي بطبيعة ومستوى وعيها السياسي الذي وصلت إليه عبر تجربتيها الإيجابية والسلبية مع النظام وليس الدخول في حراك سياسي فوضوي مغامر بسقف مفتوح كما حدث في أحداث 14 فبراير حيث اختطف الحراك من قِبل الفئة الشعبوية المغامرة الطائفية والإسلام السياسي (الشيعي – السني) والقبلية السياسية ، والذي دخل عليه أيضاً اليسار المغامر، هذا الوضع هو الذي قاد ويقود إلى الإحباط واليأس والاستقطاب الذي سيطر على مشاعر ومزاج الجماهير والذي أدى نزوعها للميل نحو الإرهاب.
- كيف علينا التعامل مع هذا الوضع؟
كلنا يعرف أن شعبنا بكل فئاته المهنية والاجتماعية وطوائفه وأطيافه السياسية بشكل عام مع وجود شواذ هنا وهناك كانوا في أوج الحماسة مع انطلاقة المشروع الإصلاحي والانفتاح السياسي وعودة المنفيين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتبيض السجون وإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة وجود هامش من الحريات السياسية وتشكيل الجمعيات السياسية والنقابات العمالية والجمعيات المهنية والدخول في التجربة البرلمانية الوليدة عبر مجلس النواب والمجالس البلدية المنتخبة والسير في مرحلة استيفاء “شروط” المملكة الدستورية حيث شهدت هذه المرحلة صعود ونشاط جماهيري كبير وأُعطيت هذه الجماهير الهامش في التحرك عبر أشكال عدة للتعبير عن مطالبها كالمسيرات والتظاهرات والاعتصامات وحتى الإضراب وتحققت إنجازات وطنية وديمقراطية لا يجوز التقليل من شأنها نتيجة المساهمة الجماهيرية الواسعة في الحياة السياسية، وهنا لابد من ذكر المعوقات التي وقفت حجر عثرة أمام تكريس وتعزيز هذه الإنجازات التي جاءت سريعة وشوشت وأربكت قوى التغيير وخصوصاً الفاعلين السياسيين المعتدلين امام التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمشروع الإصلاحي وأعاقتها عن كيفية تحديد الطبيعة “الطبقية” للسياسات الاقتصادية – والاجتماعية ومدى انحيازها “للقوى الاجتماعية” “للحلف الطبقي” المشكل من “العقاريين – الكومبرادورية– البورجوازية المالية – البورجوازية البيروقراطية” الذي للأسف تعزز في مسيرة المشروع الإصلاحي وتحريفه من الداخل وشكل قاعدة النظام الاقتصادي والسياسي ولنأخذ هنا كل شريحة منها وبشكل مبسط لنرى دورها المعيق هنا.
- العقاريون: أن سياسات الاستملاك والتي تم ضخ مبالغ كبيرة فيها ذهبت الحصة الكبرى لصالح (أقلية من الملاكين) وفي مقابل تنقيع فئة العقاريين أصبح كثير من المواطنين غير قادرين على شراء قسائم السكن نتيجة لارتفاع أسعارها وكذلك ازداد عدد طوابير الانتظار للحصول على السكن اللائق من وزارة الإسكان.
- هذه العملية لم تتم عفواً وإنما هي نابعة من القوانين الموضوعية للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية الحالية وإن كانت هذه القوانين غير واضحة أمام المواطنين العاديين إلا أنه حققت هدفين أساسيين:
- جرّدت المواطنين من حقوقهم الطبيعية في الحصول على الأراضي اللازمة للسكن، هذه الأراضي التي من المفترض أن تكون حقوق المواطنين تجاهها متساوية
- تم تملك أراضي كثيرة وأفضلها موقعاً بطرق غير واضحة وملتوية بأسعار متدنية وبعد ذلك يتم طرح بعضها للاستملاك من قِبل الدولة وبهذه الطريقة دخل عنصر المضاربة في بيع وشراء الأراضي وقد حصل العقاريون الجدد على الكثير من الأموال من وراء هذه العملية التي تبدو ظاهرياً وكأنها مجرد بيع إلا أن الحقيقة تتمثل في شراء الأراضي لا لغرض الانتفاع بها فحسب وإنما لبيعها ثانية بمبالغ متزايدة باستمرار وخاصة في حالة استملاكها من قِبل الدولة، يقابل ذلك في الجانب الآخر غض النظر عن حقوق المواطنين تجاه هذه الأراضي ومحاصرة وتدمير صغار الملاكين الذين يضطرون لبيع أراضيهم لمواجهة تكاليف وأعباء الحياة المعيشية المتصاعدة.
- والنتيجة هنا لهذه العملية هي احتكار الأراضي وانعكاس ذلك بدوره على إيجارات الشقق والمساكن عامة بالارتفاع المستمر.
- أدت هذه السياسة إلى إثراء “الملاكين العقارين الجدد” وتقوية مركزهم الاقتصادي والاجتماعي وكسب ولائهم كركيزة للقوة المتنفذة في النظام وأصبح المواطنون العاديون والمجردون من حق التملك يعتمدون على الحكومة في الحصول على السكن وينتظرون دورهم في طوابير مذلة ومهينة وتصل بالنسبة لذوي الدخل المحدود سنوات عدة وتبدو الحكومة هنا وكأنها تتكرم على هؤلاء المواطنين وتطلب منهم الولاء !! وفي البحرين كما في بعض دول الخليج تؤجر الحكومة الكثير من الشقق بإيجارات ليس لها مثيل في أي دولة حتى وإن بقيت هذه الشقق خالية وبدلاً من اتخاذ الإجراءات المناسبة لتحديد الإيجارات تدفع الحكومة “بدلات إيجار” للمواطنين الذين تنطبق عليهم مواصفات معينة وهي في الحقيقة لا تعدو كونها معونة أخرى “للعقاريين” والنتيجة هنا إعادة تدمير وضخ أموال الدولة للعقاريين.
- من تقرير ديوان الرقابة المالية لعام (2009)
أشار تقرير ديوان الرقابة المالية إلى أن شركة البحرين للإستثمار العقاري “أدامة” لم تقم بتوريد المحصلة للعقارات المملوكة والمؤجرة من قِبل وزارة المالية عن السنوات الثلاث من 2007 إلى 2009 والتي بلغ مجموعها 521 ألف دينار إلى الحساب العمومي لوزارة المالية، كما تبين تخويل وزارة المالية للشركة بالاحتفاظ بإيرادات الإيجارات بالكامل لأتعابها عن إدارة تلك العقارات، وقال الديوان أنه من غير المعقول أن تكون أتعاب إدارة العقارات قيمة إيجاراتها بالكامل، كما أن القانون ينص على أنه لا يجوز تغطية مصروف معين من المصروفات العامة إلا بقانون.
- وانتقد التقرير وجود 62 عقاراً من أصل 78 أحيلت ملكيتها للشركة هي في الواقع عقارات مؤجرة بإيجارات متدنية ولمدة طويلة تزيد على خمس سنوات ولا يحق للشركة إخلاء تلك العقارات أو الزيادة في قيمة إيجارها قبل انتهاء مدتها، إضافة إلى قيامها بعمليات استثمارية لا تتطابق مع الأغراض الواردة في عقد تأسيسها حيث قامت بتمويل بناء وتطوير مبنى إداري بديوان رئيس مجلس الوزراء بمبلغ 10 ملايين دينار تقريباً وشراء عقارين في بروكسل وجنيف لحساب وزارة الخارجية بتكلفة بلغت 7.3 مليون دينار، كما انتقد التقرير ضعف الإيجارات حيث ارتفع رصيد الإيجارات المتأخرة في نهاية 2009 إلى 102 مليون دينار تتراوح أعمارها بين أربعة أشهر وسنتين.
- وفيما يتعلق بمشروع البيوت الآيلة للسقوط بوزارة البلديات قال التقرير أن الإنجازات التي حققها المشروع خلال السنوات الثلاث الماضية تعد متواضعة إذا ما قورنت بالمبالغ المصروفة والفترة المنقضية، حيث بلغت تكاليف المشروع للفترة من يونيو 2007 حتى سبتمبر 2009 بمبلغ 16 مليون دينار لهدم 590 بيتاً وإعادة بناء 326 بيتاً منها 81 بيتاً قيد الإنشاء وتوقع التقرير أن تصل المبالغ المتوقع إنفاقها على المشروع في السنوات القادمة حوالي 48 مليون دينار لإعادة بناء 10121 بيتاً.
- أما في حلبة البحرين لسباق السيارات حيث كان رأس مال الشركة يبلغ 75 مليون دينار ورصد ديوان الرقابة مخالفة بقيام شركة حلبة البحرين الدولية في يناير 2009 ببيع الأرض والمباني والموجودات الثابتة الملحقة بها إلى وزارة المالية بمبلغ 62.5 مليون دينار ثم قامت باستئجار تلك الأصول من الوزارة لمدة 90 سنة بقيمة إيجاريه تبلغ دينار واحد سنوياً.
- وقد أتى في تقرير ديوان الرقابة بأن أحد المقاولين موظف في الوزارة حيث أن الوزارة تعاملت بمبلغ 29 ألف دينار مع أحد المقاولين وكان قبل إحالته على التقاعد في 2003 يعمل موظفاً ببلدية المحافظة الجنوبية وقد تم إعادة توظيفه في 2008 بنفس المحافظة.
- وقد جاء أيضاً في التقرير مخالفات بالجملة في مشروع تنمية المدن والقرى بناء إضافات جديدة في بيوت الإسكان وصرف بدل إيجار لأسر غير مستحقة، فقد وصل المبلغ لدفع بدل إيجار لأسر ليس لبيوت قيد الترميم وتقديم مساعدات للأسر المتضررة من الحرائق إلى 80% من المبلغ المخصص لبدل الإيجار واقتصرت هذه المساعدات على محافظة المحرق والمحافظة الشمالية والوسطى.
- وفي المقابلة مع نائب الأمين العام للمنبر التقدمي في جريدة الأيام في 28 يوليو 2012 قال أن قيمة المشاريع العقارية المتعثرة قاربت 878 مليون دولار والقضايا العقارية تقارب 60% من إجمالي النزاعات أمام القضاء البحريني، المفارقة أن ممثلي هذين القطاعين يطالبون الدولة بالتعويض على حساب المال العام ومديونيتنا ارتفعت إلى 24% من ناتجنا الإجمالي المحلي وتتصاعد بوتيرة كبيرة.
- النتيجة هنا أنه أصبحت الأراضي أداة لاستنزاف ميزانية الدولة ، وبالتالي الأموال العامة ومقدرات الشعب البحريني من جهة وتجريد المواطن العادي كعضو في المجتمع من حقه في الأصول الاجتماعية العامة وأهمها “الأرض” وهنا عندما يأخذ بالاعتبار “مصالح كبار الملاكين” وعلى حساب المصالح العامة للشعب البحريني أدى إلى جعل (الأرض) عنصر (مضاربة) أثرت من خلاله “فئة” محدودة من الملاكين العقاريين الجدد.
الكمبرادور: وهو المؤشر الثاني لانحياز السياسات الاقتصادية والاجتماعية هو دعم القطاع التجاري وعدم وضع أية قيود على استيراد السلع الضريبية الجمركية والتي تبلغ ( 5% )
- إن التطور السريع بعد ظهور النفط أدى إلى تحول عدد كبير من التجار إلى طبقة “كمبرادور” أي أصبحوا مجرد (وكلاء) للشركات والدول الأجنبية لإستيراد وإعادة تصدير البضائع المختلفة وتحولت هذه الطبقة إلى ركيزة أخرى للنظام السائد، وقد إنهالت على هذه الفئة الأموال الكثيرة نتيجة لتزايد القوة الشرائية وغياب الرقابة على الأسعار والإنفتاح على الدول الرأسمالية، وأخذ رأس المال يتراكم بمقادير متزايدة إلى التوسع في المحلات التجارية وشبكات التوزيع السلعي الواسعة فقامت وشيدت وأنشأت المجمعات التجارية الضخمة وفي المقابل إكتملت سمات البورجوازية الكومبرادورية التي استفادت من تزايد القوة الشرائية والحصول على الصفقات الحكومية المربحة.
- والحقيقة أن البرجوازية الكمبرادوية تواجهها عدة تحديات الآن ، وخاصة بعد أحداث 14 فبراير منها انخفاض تجارة إعادة التصدير والذي أخذت هذا الدور دول في المنطقة وتراجع القوة الشرائية محلياً عما كانت عليه في بداية المشروع الإصلاحي وللأسف فإن هذه “الطبقة” لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية إلا بمقدار ما تشكل البحرين لها سوقاً واسعة لتصريف السلع الأجنبية وهي متحفزه ومتلهفة الآن وعينها على مشروع “المارشال الخليجي” ليحل لها أزمتها.
البرجوازية المالية:
أما البرجوازية المالية المصرفية التي نمت بسرعة حتى تم تسمية البحرين بالنسبة لدول المنطقة بالمركز المالي في فترة السبعينات لكثرة وجود بنوك الأفشور التي كانت ترحل البتر ودولار للخارج والتي لم تحاول الحكومة استيعابها في مشروعات منتجة وتطورت هذه البرجوازية مع تطور الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية وظهور الشركات المساهمة ونظراً لطبيعة رأس المال الخاص الذي يسعى إلى الكسب السريع ويتحاشى الاستثمارات الصناعية البعيدة المدى فقد أدت هذه السياسة إلى إغراق الأسواق في حمى المضاربات سواء بالعقارات والأراضي والأسهم والأوراق المالية المختلفة وفي سياق المضاربات كانت تنساب الأموال إلى الخارج ويدمر جزء منها في الاستهلاك “الاستعراضي” وجزء آخر من خلال قنوات التنقيع في الإنفاق الحكومي المتأتي من أموال الريع وامتيازات الإدارات العليا، هنا كانت التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي من خلال توظيف الفائض النفطي في تلك الدول إضافة إلى رأس المال الخاص.
- إن البورجوازية المالية أخذت تفرض مصالحها بقوة على السياسية الاقتصادية للحكومة وتطور من خلالها سوق الأوراق المالية التي كانت وضيفته أساساً تتركز في لملمة مدخرات المجتمع وتكديسها بيد القلة.
البرجوازية المالية – المصرفية:
- انتقد تقرير ديوان الرقابة المالية عدداً من إجراءات بنك البحرين للتنمية أبرزها منح قروض جديدة لمقترضين متعثرين في سداد قروض ما تزال قائمة دون توضيح أسباب ومبررات ذلك، وهو الأمر الذي يعكس عدم دراسة البنك للتاريخ الائتماني للمقترضين، إضافة إلى وجود بعض القصور في عملية دراسة وتقييم بعض طلبات القروض الأمر الذي يزيد من مخاطر عدم قدرة المقترضين على السداد وبالتالي يعرّض البنك إلى خسارة أمواله، مشيراً إلى غياب مستندات وبيانات جوهرية لدراسة طلبات القروض وضارباً بعض الأمثلة من بينها قرض في العام 2007 بمبلغ 180,000 دينار دون مطالبة المقترض بتقديم دراسة جدوى، ثم منح نفس العميل قرض إضافي بمبلغ 200,000 دينار بعد عامين وأيضاً دون المطالبة بتقديم دراسة جدوى.
- كما أشار التقرير أيضاً إلى ملاحظة عدم حصول البنك على تقييم محايد للأصول المراد تمويل شرائها وكذلك عدم اكتمال البيانات في استمارات دراسة وتقييم طلبات القروض وكذلك أشار التقرير إلى عدم توافر آلية لقياس مدى تحقق الأهداف التي منح القرض من أجلها حيث لاحظ التقرير أنه لا يوجد ما يُلزم المستفيدين من القروض بتنفيذ الشروط المحددة من قِبل البنك إضافة إلى عدم وجود آلية لمتابعة العملاء خلال مدة القرض للتحقق من المساهمة في زيادة الصادرات البحرينية.
- وفيما يخص قروض الثروة الزراعية والسمكية نبه التقرير إلى أن البنك يقوم بتقديم قروض لتمويل الثروة الزراعية والسمكية دون أن يتم تحميل المقترضين بأية فوائد على تلك القروض وإنما تتحمل وزارة المالية التكاليف التخويلية والتشغيلية على تلك القروض بينما لا توجد اتفاقية أو مذكرة تفاهم معتمدة فيما بين البنك ووزارة المالية تحدد تفاصيل وطبيعة تلك التكاليف
- هنا اندمجت مع البورجوازية المالية أطراف من العقاريين والكمبرادور وتشكل “الحلف الطبقي” ويشكل نشاط البورجوازية المالية الأكثر تطفلاً على الاقتصاد الوطني فأنشطتها لا تولد دخولاً ولا تساهم بشيء في تطوير الجهاز الإنتاجي في البحرين وإنما تعتمد هذه الأنشطة كلياً على السمسرة والمضاربات والاستحواذ المكشوف على ثروة المجتمع.
ويترافق النشاط الأكثر تطفلاً بأشكال من الوعي الاجتماعي الأكثر رجعية كالقبلية والطائفية وضيق الأفق الإقليمي والقومي أي صيانة وتعايش مختلف العناصر المتناقضة للبيئة الاجتماعية المشوهة مما يعرقل تقدم الصيرورة الاجتماعية ولهذا لم يكن عفواً ظهور وتقوية الاتجاهات الدينية فيما عرف بفترة “الصحوة الإسلامية” منذ أوائل السبعينات والتي انبعثت ملاحظه إلى السطح خلال المشروع الإصلاحي ، وشكلت تنظيماتها العلنية، الإسلام السياسي – يلصق كلمة “إسلامية” في بداية أو وسط أو نهاية كل جمعية ! وأصبحت البنوك أيضاً يُلصق بها “إسلامية” وإذاً أصبح الرأسمال المالي أساس الرجعية السياسية والإسلام السياسي وحتى التقليدي منها.
- إن هذا القطاع المالي في الدول الرأسمالية وأهم مؤسساته البنوك ، تقوم بوظيفة تحويل الرأسمال النقدي المعطل إلى رأسمال فعال أي إلى رأسمال يجلب ربحاً أنه يجمع مختلف الموارد المالية ويضعها تحت تصرف طبقة الرأسماليين ، ولكن ما حدث في البحرين وبقية دول الخليج ، فإن الظروف التي انطلق منها النشاط المالي جعلت منه أخطبوطاً يلتهم إيرادات النفط ومدخرات المجتمع (المال العام) بلا حدود ، فضلاً عن كونه مرتبطاً بالرأسمال الاحتكاري العالمي.
البرجوازية البيروقراطية:
تنامت في خط مواز البورجوازية البيروقراطية التي تقتات على مائدة الجهاز الحكومي والذي أصبح أيضاً وسيلة للتمتع بالامتيازات الاجتماعية والمادية قد أثرت الإدارات العليا في تلك الأجهزة بطرق وأساليب متنوعة لضمان ولائهم وحرصهم على استمرار الوضع الراهن.
بالنسبة للبرجوازية البيروقراطية فما جاء في ديوان الرقابة المالية:
- 17 جهة حكومية تخالف المادة 38 من الموازنة العامة
10 ملايين دينار مصروفات 2008 تم تحميلها في حساب 2009
- الدفاع تتجاوز مصروفاتها بـ 405 مليون حيث بلغ إجمالي المصروفات المتكررة الفعلية بنهاية عام 2009 مبلغ (29101630951) دينار متجاوزة بذلك ميزانية المصروفات المتكررة المتوفرة لنفس السنة البالغة (286,518,000) دينار بمبلغ (406450901) دينار
- الخارجية غياب الوكيل المساعد ومستحقاته لم تتوقف
- (640,714) دينار تكلفة المهام الخارجية خلال 4 سنوات تحت عنوان الرقابة المالية يرصد حزمة من مخالفات على المجالس البلدية. وكمثال “لوحظ قيام بعض المجالس البلدية بالصرف على أنشطة وفعاليات خارجة عن اختصاصات المجالس مثل تكريم الطلبة المتفوقين والإعلاميين والصحافيين والمتقاعدين وتمويل أنشطة رياضية وترفيهية وحملات تبرع بالدعم والمساهمة في الزواج الجماعي ودعم أنشطة دينية مثل حملات العمرة ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، إضافة إلى أن المجالس البلدية تدفع المبالغ لتلك الجهات دون أن تطلب منها تقديم أية مستندات تؤكد إقامة الفعالية وأوجه صرف المبالغ، الأمر الذي يسمح لتلك الجهات باستخدام المبالغ في الأغراض غير المخصصة لها.
- وبأن أعضاء المجالس البلدية لوحظ أنه تـُصرف لهم تذاكر سفر على الدرجة الأولى ومخصصات بنسبة 50% فوق تعويضات السفر اليومي
- وأشار التقرير إلى أن عدد مهمات المجالس البلدية بلغ 226 مهمة تضمنت 504 مشاركاً منهم 449 عضواً و55 موظفاً من موظفي المجالس البلدية خلال الأربع سنوات الأخيرة بتكلفة إجمالية بلغت 740,714 دينار. وقس على ذلك ما تفعله البورجوازية البيروقراطية في بقية المؤسسات
هنا يتم الربط بين أصحاب المراكز العليا في هذا الجهاز الذي هو أداة (للحلف الطبقي) الثلاثي (العقاريون – الكمبرادور – الماليون) وهنا يبرز التناقض الرئيسي في البحرين بين هذا الحلف الطبقي من جهة وجماهير الطبقة العاملة البحرينية وكل العاملين بالأجر والبورجوازية الصغيرة والرأسمالية الوطنية القليلة العدد نتيجة للنظام الرأسمالي المشوه في البحرين والمنطقة.
هذه هي الركائز الأساسية للنظام الاقتصادي والاجتماعي “التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية” وهي التي أعاقت تطور المشروع الإصلاحي في اتجاه الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، ولكن ينبغي أن لا نفهم أن السياسية الاقتصادية هي انعكاس مباشر لمصالح القوى الطبقية السابقة فقط فلابد من الأخذ بعين الاعتبار نضالات الشعب البحريني وقواه الوطنية الممتدة من فترة الخمسينات إلى الآن والتي أتت في الخمسينات “بهيئة الاتحاد الوطني” وفي السبعينات كتراكم هذه السبعينات بالدستور والمجلس الوطني، وفترة التسعينات عبر التراكم الذي حدث منذ أحل المجلس الوطني وعبر العرائض النخبوية – الشعبية – النسائية من نتائجه أتى بالمشروع الإصلاحي والانفتاح السياسي وهامش كبير من الحريات العامة ….إلخ. هذا فضلاً عن أنه يجب النظر بأن مصالح الحلف الطبقي متناقضة وإذا كانت هذه التناقضات قد ظلت كامنة لفترة ما، فقد كان لابد من بروزها على السطح كما حدث ما قبل أحداث 14 فبراير أو بعدها، إضافة إلى أن الحكومة الممثلة للقوى الاجتماعية المسيطرة لاتزال قادرة على إتباع أسلوب الترويض والضغط والمحاصرة على كل من يريد أن يخرج من هذه العباءة وحتى أن تستخدم أسلوب المواجهة معه فإذا كانت الحكومة قد قامت بتوزيع عشوائي خلال هذه الفترة للدخل والثروة وبدون الاسترشاد بأية خطة أو تصور واضح رغم كثرة المؤتمرات والندوات فإن القوانين الموضوعية كانت تعمل باتجاه تمركز رأس المال بيد القلة فضلاً عن أن طبيعة التركيبة الطبقية للسلطة تجعل هذا الشكل من التوزيع هو الأفضل بالنسبة لها. وكما كان يحدث في دول الخليج الأخرى حيث قامت الأنظمة “بنشر الغنى” على المستوى الاستهلاكي كبديل لتطور “القوى المنتجة” المحلية أي أنه تهيأت إلى حد ما لكثير من الفئات الاجتماعية فرص الترقي وهو ما يُطلق عليه “الحراك الاجتماعي” ولكن الحقيقة تقول أن الغنى يولد الفقر وإذا كانت هذه العملية لم تتبلور لفترة بسبب طبيعة الدخل والثروة في بعض بلدان الخليج إلا أنها لابد وأن تتبلور في المدى البعيد في حال الاستمرار في السياسات الاقتصادية والاجتماعية كما هو عليه الحال إلى تركز الفقر أي شموله وإلى ظهور المهمشين الذين يكونون عادة شرارة لانطلاق احتجاجات اجتماعية. وهنا يكمن الخطر وهذا ما ينبغي أن يكون في مشروع وبرنامج اليسار التقدمي أن يدرك هذه الحقيقة وأن يتصدى للتوجهات السياسية الاقتصادية الاجتماعية الراهنة ويقوم بتوعية وتهيئة الجماهير من أجل التغيير الاجتماعي – السياسي وبشكل شرعي – قانوني – سلمي.
- إن جوهر العملية وهو أن سياسة توزيع الدخل كانت منحازة تماماً لمصالح القوى المسيطرة “الحلف الطبقي” وأنه خلال عملية التطور التي ارتبطت بمصالح القلة على حساب الغالبية أدت إلى تكدس الثروات في جانب، وظهور وقائع ملموسة للمعاناة بين المواطنين العاديين وخاصة الطبقة العاملة وكل من يعملون بالأجر.
- إن عجز البرلمان سواء 2002، 2006، 2010 يكمن أن من هيمن عليه هو من كان معبر عن “الحلف الطبقي” وهو الإسلام السياسي في 2002، والسني + الشيعي + القبلي + ما يسمى بالمستقلين في 2006 ، 2010. حيث لم تستطيع المعارضة الوطنية الديمقراطية من إيصال ممثليها لقبة البرلمان ليفتحوا ملفات “الحلف الطبقي” ومن كان يقف ورائه من جديد وتعريتها أمام الرأي العام مما سيكشف المستور ويمنع اللعب بمصير البلاد والعباد، والتي ستشدد الضغوط الشعبية لكي يتبنى النظام سياسة وطنية بديلة وبالتالي لا يمكن للمواطن أن يتخذ موقفاً حيادياً تجاه ما يجري من أحداث تمس مستقبله ومستقبل أولاده ومصير البلاد.
- وهنا يجب أن نلاحظ بأن هناك تناقضات بين أطراف هذا الحلف الطبقي ولكنها تناقضات ثانوية لأنها ضمن هذا الحلف الطبقي نفسه أي أن تكون فئة من هذه الفئات الاجتماعية المتنفذة تحاول أن يكون شكل التطور الاقتصادي في ظل المشروع الإصلاحي مرتبطاً بالدرجة الأولى بنشاطها هي لتعزز بذلك دورها ونفوذها ومن هنا تكمن الأهمية بأخذ الاحتمالات لفهم طبيعة ودور كل منها وبالتالي تحديد الموقف الطبقي – الوطني منها.
- فالعقاريون والكمبرادور لا يجدون مبرراً لتخصيص المزيد من الأموال من الاحتياطي العام لحل أزمة “البورجوازية المالية” التي يمثل نشاطها امتدادا هامشياً للرأسمالية العالمية التي ترتبط معها بمصالح مشتركة فالكمبرادور “البورجوازية التجارية” أكثر اهتماما بالسوق المحلية من البورجوازية المالية وهو لايزال يحتفظ بشيء ما من النفس “الوطني” عام بالنظر إليها من زاوية أن بعض مصالحه تتعلق بالعمل على رفع القوة الشرائية بشكل عام تستفيد منه عامة فئات المجتمع وهذا ما يجعل “البورجوازية التجارية التقليدية” عادة من غير المعارضين لرفع مرتبات وأجور العاملين بأجر والطبقة العاملة أو على الأقل أن تقف “البورجوازية التجارية ” موقفاً حذراً تجاه سياسة الحكومة التي تستهدف تركيز الثروة بنسبة أكبر لدى “البورجوازية المالية” و “العقارية” كما أن رأس مال “البورجوازية التجارية” متوطن أكثر داخل البلد ومن ثم فإن نشاطاته الاقتصادية تدفعه للاهتمام بالأوضاع المحلية وتضعه في موقف معارض لترحيل المزيد من رؤوس الأموال إلى الخارج إضافة أن كثير من التجار يقومون بأنشطة أخرى “كمقاولين” لتنفيذ بعض المشاريع، ومشاريع تتعلق بصناعة وتجميع بعض السلع والتعبئة والتغليف أو فيما يتعلق بالمواد الغذائية والمشروبات والمواد الإنشائية وهذا ما يميزهم عن “العقاريين والماليين”
- مع ملاحظة أن نشاط العقاريين والبورجوازية المالية وتداخل مصالحهم أقرب إلى بعضهم البعض باعتبار أن نشاطهم أكثر تطفلاً وتعتمد على الريوع من “ريع” سواء الريع العقاري الذي تتمشى سياسة الاستملاكات معه أو الريع المالي الذي يتعزز أكثر من خلال مساعدة البنوك ومحاولة إنقاذ الشركات والتي أغلبها شركات عقارية وهم بالتالي “طبقات” ريعية ولا تهمهم إلا السياسات التي تعزز النشاط الريعي وحتى بالنسبة لرأس المال الإقراضي التي تقدمه البنوك. فإنه موجه أيضاً لتمويل النشاط العقاري و المضاربي وحتى القروض الشخصية تستخدم في النشاط المضاربي.
- ومما أعاق المشروع الإصلاحي هو أن بعض من النخب الحاكمة تحاول أن ترعى المصالح بعيدة المدى “للتشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية” وتحاول التوفيق بين مصالح الفئات المتصارعة والذي قد يتعارض مع المصالح الآنية لهذه الفئة أو تلك من الحلف الطبقي وقد تنحاز هذه السياسية لفئة معينة دون الأخرى.
- وهنا دور اليسار التقدمي من فهم هذه التناقضات أولاً ومن ثم وضع التصور أو الرؤية أو الموقف بأن لا يكون حل تناقضات الحلف الطبقي على حساب المال العام ومقدرات الشعب.
- إذاً فإن القوى المعيقة للمشروع الإصلاحي سارت بالتطور الاقتصادي في العقد الأول من الألفية لصالح فئات اجتماعية معينة مما أدى إلى زيادة نفوذها وثقلها السياسي فقد قادت السياسة الاقتصادية القائمة على إثراء القلة على حساب الأكثرية إلى تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد “طفيلي” استهلاكي إلى جانب خاصيته التقليدية أنه اقتصاد ريعي ، ومنها أتى مسمى “الدولة الريعية” فالريع هو الدخل الذي يتولد للأفراد وغير مرتبط بعمل إنتاجي أو عمل مفيد اجتماعيا أو الذي يحصل عليه صاحبه دون بذل جهد عمل مباشر مثلاً فالجزء الأكبر من عائدات النفط عبارة عن ريع والدخول الناتجة عن ارتفاع أسعار الأراضي ومدفوعات الاستملاكات وإيجارات السكن عبارة عن ريع وأن ضعف العلاقة بين الجهد والعائد في الاقتصاد بشكل عام وخاصة القطاع الحكومي وقطاع الخدمات بشكل عام فإن جزء كبير مما يسمى رواتب وأجور لا يقابله جهد متكافئ ولهذا يغلب عليه الطابع الريعي حتى أسعار الفائدة الثابتة على الأرصدة المالية سواء في البنوك المحلية أو الأجنبية تعتبر ريع هي الأخرى وتأتي أخيراً المضاربات في سوق الأسهم لتشكل ظاهرة أخرى من مظاهر الريع والنتيجة أن من يستحوذ على هذا الريع فئة محدودة وهي الفئة المسيطرة اقتصاديا وسياسياً ويوزع الباقي على “الطبقة المستفيدة” أما الطبقة العاملة وكل من يعملون بالأجر فلا ينالون سوى (قيمة قوة عملهم).
- أما بالنسبة لقضية الديمقراطية ، فإن الفئات الريعية الطفيلية المتنامية في المجتمع ، وهي الفئات التي ضعفت صلتها بالإنتاج وتثرى دون جهد (كالحلف الطبقي) هي أكثر الفئات محافظة ، لأنها تخشى التغيير وتفزع من كل حدث يمكن أن يمس مصالحها ووضعها الحالي أنها تحمل روح العداء للديمقراطية وضد الانفتاح على الجماهير أو إقامة الفرصة لها للتغيير، وهي التي كانت أحد المعوقات المهمة للمشروع الإصلاحي وخصوصاً تعزيز الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية ، وذلك بعكس الدور الذي لعبته البورجوازية الوطنية “التجارية” في الخمسينات حيث شكلت جزء من حركة المعارضة الوطنية السياسية وتعاطفت مع تطلع الشعب البحريني في الحرية والديمقراطية، بينما لا نجد اليوم دعوات لمزيد من الديمقراطية والحرية من قِبل أصحاب رؤوس الأموال ، وليس صدفة أنه مع تنامي الفئات الطفيلية والريعية يزداد التضييق على نشاط القوى الوطنية – الديمقراطية ويتم فتح الباب أمام الإسلام السياسي (سني / شيعي) ليمارس تأثيره في تضليل الجماهير حيث شهد المجتمع حركة ارتداد ونكوص إلى الوراء سياسياً واجتماعيا وثقافياً. أن هذه الشراكة ما بين الحلف الطبقي والإسلام السياسي (سني/ شيعي) جعلت من التقدم والديمقراطية هو في احسن الأحوال موقف اللامبالاة إن لم يكن موقف عدائي.
- ولكن هل هذه البنية المشوهة اقتصاديا واجتماعيا تتجه نحو التبلور أي أنه أصبح هناك فرز طبقي أكثر وضوحاً وما هو المؤشر لهذا التفاوت الطبقي وهل هناك انحياز من الحكومة لمصالح الحلف الطبقي مع الإسلام السياسي والذي مثـّل وعبّر عنه البرلمان 2010 الذي هيمن عليه الإسلام السياسي/سني/شيعي وما عرف بالمستقلين مما شكل الأرضية ضد التوجه الوطني الديمقراطي وبالذات الطبيعة الريعية لدخول هذه الفئات سواء الريع العقاري، والريع المالي أو الاستحواذ على جزء كبير من ريع النفط.
- حدث هناك تبلور في الجانب الآخر أي ظهور فئات واسعة من العاملين بالأجر أو اتساع الطبقة العاملة سواء الصناعي منها أو الخدمي والذين لا يملكون إلا بيع قوة عملهم، وهنا تجدر الإشارة بأنه رغم أن هذه التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية لا تفرز عدد كبير جداً من الطبقة العاملة الصناعية لكي تشكل الطبقة الأساسية إلا أن أهمية الطبقة العاملة لا تقاس بحجمها فقط، وإنما بموقفها في نظام الإنتاج الاجتماعي وبمدى تنظيمها ودرجة تسيسها وهذه المهمة الملقاة على عاتق اليسار التقدمي.
- أن بروز هذا التناقض الذي برز وخصوصاً في السنوات الأخيرة من المشروع الإصلاحي الذي فتح المجال لحرية التعبير كان يظهر على شكل مسيرات – تظاهرات – اعتصامات – إضرابات مرخصة ومعلن عنها ومخطر عنها. ولكن هذا الحراك السياسي كانت تقوده قوى غير متجانسة وحرّفت حراكه الاجتماعي – السياسي نحو حراك طائفي سياسي ومذهبي حيث هيمن على الحراك الوطني كما هيمن على البرلمان. تم استبدال دور الدين كأيديولوجيا محل “الوعي الطبقي” مثلما استخدمه أيضاً الحلف الطبقي الذي وجد في الدين “كأيديولوجية” مناسبة لها لمحاولة حرف الصراع الاجتماعي – السياسي في البحرين وهذا يبين بأن القوى الاجتماعية أو الفئات التي ضعفت صلتها بالإنتاج وتثرى دون جهد هي أكثر الفئات رجعية ومحافظة لأنها تخشى التغيير وتفزع من كل حدث يمكن أن يمس بمصالحها ووضعها الحالي، فإذا كان الأساس الموضوعي يُفسر ما ينتج من بنية فوقية مثل الأيديولوجيا والنظام السياسي والقانوني فإن هذا البناء الفوقي يعمل بدوره على ترسيخ الأساس الموضوعي والمادي الذي يكفل استمرار التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية الراهنة، وهنا يكمن دور الإسلام السياسي (سني/ شيعي) حيث يجد في (الأيديولوجيا الدينية الطائفية المذهبية) أداة للتطويع الطبقي نتيجة لوجود التدين العفوي لدى الطبقة العاملة والعاملين بالأجر وعند عامة الشعب ، في الوقت الذي ترسخت الطبقات الريعية نتيجة للقدرات المادية التي توفرت لها من إيرادات النفط وانتشرت معها كالفطر البنوك والمصارف الإسلامية ، حيث كانت نشاطاتها العملية وتركيبتها الاجتماعية تؤكد أنه ممثل لأكثر عناصر رأس المال “رجعية” ويتجسد من خلالها التحالف بين الإسلام السياسي والحلف الطبقي ، حيث اتجهت رؤوس الأموال نحو التركز والتمركز في المؤسسات والشركات والبنوك سواء الخاصة أو التي تشارك فيها الحكومة والتي يغلب على نشاطها طابع المضاربات والسمسرة كوسيلة “للاستحواذ” على المدخرات الوطنية سواء لدى الأفراد أو الحكومة.
وجاءت أحداث 14 فبراير لتقوم بالقطع مع كل ذلك وليس التقاطع مع هذه التجربة ” المشروع الاصلاحي ” ولتدخلنا في المجهول وتجر معها الجماهير وقواها السياسية الى الكارثة.
هنا من البديهي أن نستنتج بأن لا نهوض لعملية سياسية تقدمية في المستقبل إذا لم نهيئ الشروط التي تساعد على عودة الجماهير الى المساهمة في النشاط السياسي ، وان يكون ذلك هدفا لنا وأن نكون المحور الذي ينبني عليه كل البرنامج السياسي لليسار التقدمي وكل الخطط التطبيقية لهذا البرنامج وليس كما هو حادث الآن من نشاط “جماهيري” أو نشاط “لجمعيات سياسية” فوضوي مغامر مطأفن ومذهبي (شيعي / سني) وهو بالضرورة مرتبك نظريا ومشوش ومتذبذب سياسيا ومشلول تنظيميا .
فالقضية إذن ليست اختلافا من حيث اللغة ومن حيث المقولات ، بل هي أساسا خلاف في طريقة التفكير في رؤية التراتبية الموضوعية لفعل العوامل المحركة للعملية السياسية – الاجتماعية وطريقة التفاعل بينها في مسارح مكانية مختلفة وشروط زمانية مختلفة لكي لا نضيع الهدف المقصود “الانتقال أو التحول الديمقراطي وبناء النظام الديمقراطي المفترض” وهو هدف آني ومستقبلي في الظرف السياسي مكانا وزمانا وعدم استخدام هذه القضية في تبرير استراتيجية باسم التغيير لا تخرج عن كونها مجرد افتراضات عامه حددتها تقديرات “ذاتيه” كما حدث في 14 فبراير ، بدون الاستناد وتأمين الدراسات العلمية المعمقة والشاملة التي من المفترض أن تكون ضرورية لصياغة وتبرير مثل هذه الاستراتيجية “القضية” .
مثال المسألة النفطية :
إن أهمية قطاع النفط لا تنحصر في الرقم الاحصائي لمساهمته في الاقتصاد الوطني ، وإنما في اعتماد نمو القطاعات الأخرى على هذا القطاع وإن انخفاض مساهمة النفط في الناتج الوطني يعني انخفاضا عاما في مستوى النشاط الاقتصادي مع النظر بأن علاقة قطاع النفط مع بقية الاقتصاد الوطني هي وحيدة الجانب وليست متبادلة ، أي إن بقية القطاعات الاقتصادية لا تؤثر على القطاع النفطي الذي تتحكم فيه عوامل خارجية ، مما يعني عدم اندماج قطاع النفط مع بقية القطاعات الاقتصادية ، وإن العلاقة هي علاقه تمويليه تتمثل في ضخ المزيد من الاموال في الاقتصاد الوطني من خلال ميزانية الدولة والسيولة النقدية الناتجة عنه، وكان من المطلوب في ظل المشروع الاصلاحي البدء في تغيير هذه العلاقة إذا ما تم تصنيع نسبه معقولة من النفط الخام ، وفي هذه الحالة سيرتبط قطاع النفط مع بقية القطاعات الأخرى من خلال الاجور والإنتاجية وزيادة فرص العمل مما يمكن العمالة البحرينية لصناعة استخدام النفط والغاز والبتروكيماويات . تاريخيا حققت عملية استخراج النفط ومرافق تصدير النفط تطورات سريعة معتمده على التكنولوجيا الحديثة والخبرات الفنية الوافدة ، وكذلك رأس المال الوافد نتيجة لظروف المجتمع “في الخمسينات والستينات” المتأخرة آنذاك وبالإمكانيات المحدودة “ديمغرافيا واقتصاديا” ولذلك ارتبط تطور عملية استخراج النفط باقتصاديات الدول المتقدمة ، إلا أن ايرادات النفط وليس صناعة النفط ترتب عليها نمو واسع للقطاعات الخدمية والاجتماعية وكذلك قطاعات البنية الاساسية والتشييد والبناء ، وقامت الى جانب عملية استخراج النفط بعض الصناعات ، مثل تكرير البترول وتكرير المياه لسد حاجات السوق المحلية ، ولم تبدأ الصناعات البتروكيماوية إلا في فتره متأخرة نسبيا ، كما أنها لم تشهد تطورات هامه تضعها كقاعدة واسعه وان توافرت لها المقومات الاساسية نسبيا ، بل إن الاولوية كانت للقطاعات الخدمية ولرأس المال الاجتماعي “كالكهرباء والمياه والغاز والنقل والطرق والجسور والمطار والموانئ وشبكات الاتصال الواسعة” والتي حظي فيها قطاع الانشاء والتشييد “النشاط العقاري” بنصيب الأسد ، وكذلك الأنشطة المالية المرتبطة بالإيرادات من النفط “البتر ودولار”.
برزت هنا الحلقة المفقودة في البحرين وكل دول مجلس التعاون الخليجي ، وهي بعدم قدرتهم على الانتاج المباشر للسلع والخيرات المادية ، أي قاعدة إنتاجيه (صناعيه) تضمن التقدم الاجتماعي والاقتصادي إلى جانب الاعتماد على الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والإنتاجية تقوم على أساس “استيراد” القوى البشرية حيث تشكل نسبه عالية من التركيبة السكانية وحيث كانت الجهود تتم خارج سياق العمل والتعبئة من أجل “التنمية” بل تم التوجه إلى الاستهلاك المتعيش أكثر منه عملية تكوين قوى منتجه. هذا هو المستوى الاقتصادي، ولكن على المستوى السياسي الذي له علاقة بموضوعنا نطرح هنا السؤال التالي:
هل يعيق النفط الديمقراطية ؟ حيث طرح هذا السؤال في مقاله لمايكل روس في كتاب “النفط والاستبداد” الاقتصاد السياسي للدولة الريعية.
- إن بعض الحكومات تنزع إلى أن تكون أكثر ديمقراطية كلما ارتفعت المداخيل ، أما حيث يرجع ارتفاع المداخيل إلى الثروة النفطية ، فإن الأثر الديمقراطي كما يقول علماء السياسية يميل إلى التقلص أو التلاشي.
- هل يتسم النفط فعلا بخصائص مناوئة للديمقراطية’؟ وما الذي يفسر مثل هذه التأثيرات السلبية ؟
- إن مقولة أن النفط يعيق الديمقراطية لم تحظ بكبير اهتمام خارج دائرة الباحثين المختصين بالشرق الأوسط.
والسؤال الآن هل هذه المقولة صحيحة أصلا ؟ “لعنة الموارد”
مثلا : فإن كل حكومات “الشرق الأوسط تسلطيه منذ نيل الاستقلال وقد كانت مستعمره من قبل ذلك ، كما يوجد تأثير الإسلام السياسي فيها “العامل الديني” ولكن هل للنفط تأثير سلبي مستديم على الديمقراطية ؟ وهل يشكل النفط عقبه بوجه الديمقراطية في الشرق الأوسط وحده أم أنه يشكل عقبه بوجهها في أي مكان يوجد فيه مصدرون للنفط ، وهل هي موجوده فقط في الشرق الأوسط “البعد الجغرافي” ، وهل إن النفط هو وحده الذي يتميز بخصائص مناوئة للديمقراطية ولا نجدها في سلعة أخرى ؟
إذا كان النفط يتسم فعلا بتأثيرات مناوئة للديمقراطية، فما هي الآلية السببية ؟ هنا توجد ثلاث احتمالات :
- مفعول الريعية : ويعني ذلك أن الحكومات الثرية بالموارد سوف تستخدم الاعفاء من الضرائب (أو تدني الضرائب) والمحسوبية والتمصلح والتنفيع ، لتخفيف المطالبة بإخضاعها للمحاسبة الصارمة.
- مفعول القمع : حيث يقال إن ثروات النفط تعيق بناء الديمقراطية عبر تمكين الحكومات من زيادة الانفاق على الأمن الداخلي .
- مفعول التحديث : حيث أن “النمو” المعتمد على تصدير النفط يخفق في تحقيق التغييرات الاجتماعية والثقافية المقضية إلى نشوء وترسيخ حكم ديمقراطي.
مفهوم “الدولة الريعية”
- أي إن الدولة تستمد شطرا كبيرا من مداخيلها من ريوع خارجية ، إن أكثر من نصف إيرادات الحكومة يتأتى في الغالب من بيع النفط وهنا يوجد احتمالان:
- إن ثروة النفط تجعل الدولة المالكة لهذه الثروة أقل ديمقراطية.
- إن الثروة النفطية تتسبب في سوء عمل الحكومة في مجال التنمية الاقتصادية.
مثلا “هانتيجتون” يكتب “إن تيار الديمقراطية قد يتجاوز الشرق الأوسط نظرا لأن العديد من دول هذه المنطقة يعتمد اعتمادا مفرطا على صادرات النفط التي تعزز سيطرة بيروقراطية الدولة”
والسؤال الآن فيما يخص النفط يعيق الديمقراطية في:
- هل هناك ترابط احصائي صحيح بين النفط والتسلطية بعد الأخذ في الاعتبار المسببات الأخرى حقها من التمحيص ؟
- إذا كان النفط يحبط الديمقراطية ، فما هي الآلية السببية التي يتحقق من خلالها هذا الاحباط ؟
إن النفط مولد للريع ، وإن الريع يقع بيد الدولة عن طريق ضرائب التصدير وضرائب الشركات والمؤسسات الحكومية المنتجة ، وإن استخراج النفط يتطلب استخدام قوة عمل صغيرة نسبيا.
الآليات السببية هناك (3) آليات سببية من شأنها أن تفسر الصلة المفترضة بين صادرات النفط ونشوء الحكم التسلطي ، كما ذكرت سابقا “مفعول الريعية” “مفعول القمع” “مفعول التحديث”.
والآن لنأخذ كل احتمال على حده.
أولا : مفعول الريعية : إن الحكومات تستخدم عائدات النفط لتخفيف الضغوط الاجتماعية التي يمكن لها بخلاف ذلك أن تؤدي الى تزايد المطالبات بمحاسبة الحكومة محاسبة أشد ويحصل ذلك عن طريق:
- تأثير الضرائب حيث إن الحكومة إذ تتوفر على ايرادات كافية من مبيعات النفط لا تعود بحاجة الى فرض ضرائب باهظة أو لا تعود بحاجة لفرض أي ضرائب على الاطلاق ، مقابل ذلك سيخفف ميل السكان الى المطالبة بمحاسبة الحكومة ناهيك عن المطالبة بأن يمثلوا في هذه الحكومة.
- تأثير الانفاق ، حيث أن الثروة النفطية تفضي الى زيادة الانفاق على المحسوبية (الاتباع والمحاسبي والزبائن) مما يخفف أو يسكت الاعتراضات الكامنة التي تسعي الى إقامة الديمقراطية.
- تأثير تشكيل الفئات الاجتماعية ، حيث أن ايرادات النفط تمنح الحكومات أموالا كافية تستطيع بواسطتها أن تمنع تشكيل فئات وشرائح اجتماعية (مستقله) عن الدولة ، وميالة بالتالي الى المطالبة بالحقوق السياسية ، حيث أن الدول النفطية تعيق تشكيل شرائح اجتماعية مستقله وهي تعيق بذلك شرطا ضروريا من شروط نشوء الديمقراطية ، وكذلك بأن تعمل على إعاقة تشكل رأس المال الاجتماعي أي المؤسسات المدنية التي تقف فوق الأسرة ودون الدولة ، يميل الى تعزيز الطابع الديمقراطي للحكم ، حيث أن الحكومات عرقلت تشكل الرأس مال الاجتماعي وأعاقت بالتالي الانتقال الى الديمقراطية ، حيث أن عدم تشكل طبقة بورجوازية صناعية محليه إعاقة عمليا بفعل المشاريع الاقتصادية للدولة وعلاقتها بالرأس مال العالمي ، حيث قامت الحكومة بنزع التوجهات السياسية للسكان وقامت بالتدمير المتعمد للمؤسسات المدنية المستقلة في جانب وإقامة مؤسسات “التضامنيات” شبكات “الثقة” تخدم الاغراض السياسية للدولة في جانب آخر.
ثانيا : مفعول القمع : أي زيادة الانفاق على الأمن الداخلي وكبح التطلعات الديمقراطية للسكان ، حيث أن الحكومة التسلطية مستعده لا لتسلح نفسها على أحسن وجه فقط بإزاء الضغط الشعبي ، ذلك أن زيادة الثروة النفطية قد تشعل نزاعا طائفيا مذهبيا أو إقليميا فترد الحكومة على ذلك بزيادة قدرتها العسكرية ، وهنا يتم تقليص الديمقراطية ، عدا عن ترشيح كفة نشوب “نزاعات أهلية”.
ثالثا : مفعول التحديث : حيث أن الديمقراطية تنشأ عن جمله من التغيرات الاجتماعية الثقافية كالتخصص المهني ، والتمدين أي الانتقال الى المدن وارتفاع مستويات التعليم التي تنشأ بدورها عن التطور الاقتصادي، حيث يودي الى ارتفاع مستويات الثقافة مما ينتج جمهورا واعيا أقدر على التنظيم والتواصل والتسامح. تزايد التخصص المهني الذي يزج قوة العمل في القطاع الثاني (الصناعة الحديثة) بادئ الأمر ثم ينقلها الى القطاع الثالث (الخدمات) إن هذه التغيرات تنتج قوة عمل تتسم باستقلال ذاتي وتعتاد على التفكير لنفسها بالوظيفة وتتمتع بمهارات متخصصه تعينها على امتلاك قوة تساوميه بوجه النخب. فإذا كان التطور الاقتصادي قد عجز عن توليد مثل هذه التغيرات الثقافية والاجتماعية ، فأنه لن يفضي الى الديمقراطية.
والسؤال هنا : هل يرجع الترابط بين التطور الاقتصادي والديمقراطية ينشأ تلقائيا عن مجرد الثراء ، فإن الدولة النفطية ينبغي أن تكون مثالا نموذجا للديمقراطية ، بمعنى إذا لم يؤد النمو القائم على الثروة النفطية الى رفع مستويات التعليم بدرجة عالية والى تعميق التخصص المهني بدرجة أعظم فإن هذا النمو سيفشل لا محاله في تحقيق الديمقراطية ، وهنا ينبغي الانتباه الى أن مؤثر التحديث لا يعمل على غرار مؤثر الريعية أو مؤثر القمع ، ذلك إن مفعول التحديث لا يجري من خلال الدولة ، فهو آليه اجتماعيه وليس آليه سياسية.
الخلاصة : إن مؤثر (الريعية – القمع – التحديث) متداخله يغذي بعضها بعضا وينحصر مؤثر الريعية في استخدام الحكومة (التدابير المالية) لإبقاء السكان خامدين سياسيا ، أما مؤثر القمع فيركز في استخدام الحكومة (للقوة) للإبقاء على السكان خامدين سياسيا ، فيحين أن مؤثر التحديث يتجه الى العوامل الاجتماعية “التضامنيات – شبكات الثقة” التي تحافظ على خمود السكان.
مثال آخر “مفهوم الطاقة الاستيعابية المحدودة لدول الخليج العربي ومنها البحرين”
- أن عملية التنمية ذات أبعاد اجتماعيه وسياسية ولا يمكن أن تحدث عفوا دون إجراء تغييرات جذرية تمس بنية وهيكل “التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية” السائدة. فهذه الدول لم تتمكن من تحقيق التنمية المنشودة والتي تتمثل في قيام جهاز إنتاجي متطور وعماله بحرينية “خليجية” ماهره ومنتجه ، أي تطوير قوى الانتاج المادية والبشرية ، حيث كان النصيب للقطاعات الخدمية المرتبطة بالنشاط الاستهلاكي وحتى المستويات من الدخل والفوائض النفطية ليست متولده من عمليه إنتاجيه تستند الى مستوى متطور للقوى المنتجة.
- هنا تم استخدام مفهوم (الطاقة الاستيعابية المحدودة) وكأنه قدر طبيعي ومسلمه بديهيه خارجه عن نظام معين للإنتاج وبالتالي يجردون هذه الظاهرة من محتواها الاجتماعي والسياسي لكي لا توضح هذه العلاقة بطبيعة التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية السائدة وأثرها على شكل استخدام رأس المال لأن عكس ذلك هو إن كسر (الطاقة الاستيعابية المحدودة ) يكون بزيادة الاستثمار والتنمية ، كما هو حادث في الدول الأخرى المتقدمة ، حيث اصبحت الطاقة الاستيعابية غير محدودة ، وهنا دور الرأس مال المعولمة ومؤسساته الاحتكارية المختلفة وشركاته المتعددة الجنسية والتي تحدد أشكال توظيفه وأين يوظف وأن ما سمي بالفورة النفطية قد أدت الى بروز وتنمية قوى اجتماعيه “الاسلام السياسي و القبلية السياسية” بالتحالف مع الحلف الطبقي المشكل من “الملاكين العقاريين الكبار ، الكومبرادورية التجارية ، البورجوازية المالية المصرفية والبورجوازية البيروقراطية في المراكز الإدارية العليا” حيث وضعت هذه الدول كسوق استهلاكيه لامتصاص فائض الإنتاج في الدول الرأسمالية المتطورة لكي تحل أزمة فيض الإنتاج الدورية في الاقتصاد العالمي الرأسمالي.
- إن عدم القيام بأي جهد مخطط لاستثمار مواردنا في الأنشطة المنتجة والحيوية التي تعزز قدرة الاقتصاد المحلي على مواجهة الأزمات الدورية في الدول الرأسمالية ، حيث كان الكلام يدور حول تقلبات أسعار النفط “الطاقة الاستيعاب المحدودة” “وضيق السوق المحلي” ونقض الأيدي العاملة الفنية البحرينية وقلة الموارد الطبيعية الأخرى .
- في الجانب الآخر كانت الدوائر الاقتصادية الغربية تتفاوض وتناور من تحت الطاولة بهدف تحويل الأموال السائلة النفطية (البتر ودولار) الى الخارج وبالتالي تصبح جزء من مدخرات تلك الدول وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية التي شرعت أيام ريغان (1980) بوضع برنامج واسع لتجديد (المجمع الصناعي العسكري – الاستخباراتي).
- وتم التركيز ضمن السياسة الاقتصادية على تنشيط الاقتصاد ، وهو ما يعني تنشيط قطاعات التجارة والخدمات والقطاع العقاري بدل الاهتمام بالاقتصاد المنتج (الصناعي منه) لأنه في عدم وجود هذا الاقتصاد المنتج ستولد الأزمات باستمرار ، ففي ظل غياب الاقتصاد المنتج لا توجد حلول لهذه الأزمات ، والذي حدث في منتصف المشروع الاصلاحي ، حيث رفع المسئولون شعارات التقشف وتقليص قوة العمل ورفع الدعم عن المواد الغذائية وزيادة أسعار البنزين لتوفير الملايين من الدنانير لميزانية الدولة لسبب واحد ووحيد وهو أزمة النفط العالمية أو الأزمة العامة التي هزت الدول الرأسمالية العالمية ، وهذه الشعارات هي نفسها التي يرفعها صندوق النقد الدولي والذي تحركت القوى السياسية وقتها بمسيرات ضد مثل هذه السياسات.
- ذلك أن ضخ المزيد من السيولة النقدية للميزانية لا يعني أكثر من تكديس المزيد من “الحديد والكونكريت” في القطاع العقاري أو ترحيل مزيد من رؤوس الأموال الى الخارج.
- أما محاولة تنشيط القطاع التجاري “التصريف السلعي” فلن يؤدي إلا الى زيادة الاستيراد وبالتالي لن يكون له أثر على حفز الاستثمارات المحلية.
- تخفيض قيمة العملة لن يؤدي الى زيادة الصادرات ، وبالتالي تنشيط القطاع المنتج للسلع التصديرية ، لأن ليس هناك ما تنتجه للتصدير غير النفط والألومنيوم الخام وبعض منتجات البتروكيماويات ، وهو خارج السيطرة السياسية الاقتصادية المحلية وتقليص قوة العمل والأجور ورفع الدعم لن يكون له أي مفعول على تشجيع القطاع الخاص المنتج لضآلة حجم هذا القطاع.
- السبب أن هذه السياسة الاقتصادية لم تحدث تأثيرات وتغيرات مطلوبة على الاقتصاد لأنها لم تفكر كيف تبني وتخلق اقتصادا منتجا مستقلا يتمشى مع ما تؤكده باستمرار من أنها دول متحرره مستقله ، حتى أصبحنا لا نستطيع تقرير مصير اقتصادنا وأن اقتصادنا ما هو إلا “مجموعة أسواق” والاهتمام منصب على تصريف أكبر كميه من البضائع المكدسة في عنابر وكلاء الاستيراد والموردين.
- في المستوى السياسي تتحدد المسألة الوطنية كمشكله هامه ، سواء بمعنى السعي لتحقيق الاستقلال الوطني ليس بمعناه السياسي فقط “نشوء الدولة الوطنية” ، بل بمعناه الاقتصادي أيضا ، أي التخلص من عبء الهيمنة الإمبريالية الموجودة ولكن ليس في صيغة الاستعمار القديم ، بل بفعل حدود النظام العالمي “العولمة” المؤسس لنظام التبعية أي الموجود بفعل السيطرة الاقتصادية ، أو بمعنى التوحيد الوطني وتشكل الدولة الوطنية “خصوصا” المشكلة من طوائف ومذاهب ، والمسألة هذه مطروحة بمعنى “الهوية” أي نشوء الصيغة السياسية الموافقة للطابع الوطني ، الدولة الوطنية المستقلة ، ليس بالمعنى السياسي فقط بل بالمعنى الاقتصادي السياسي “الدولة الوطنية” المتمحورة على الذات ” المواطن”.
مثال آخر “مسألة البطالة أو الفقر”.
- فيما يتعلق بالبطالة والفقر الذي يستغله الإسلام السياسي تحت مسمى “التمييز الطائفي” ، ففيما يتعلق بأنواع الفقر الذي يهدد الجماهير الشعبية أو الذي تعاني منه فعلا ، فهو ليس شرطا في تبلور البنيه الاقتصادية والاجتماعية ، وإن كان أحد إفرازاتها ، بل يجب التركيز بأن أحد أهم مظاهر تبلور البنيه الاقتصادية والاجتماعية هي زيادة عدد الذين يعتمدون أساسا على “العمل بأجر” أو بمرتب واعتماد معيشتهم على هذا المصدر من الدخل. أن الفرز الحقيقي ليس كما يطرحه الاسلام السياسي (سني/شيعي) أو شعبوي طائفي أو ديني مغامر أو يسراوية بأنها فرز للناس بين (أغنياء – فقراء) وأنه مرتبط على أساس طائفي ، وإنما الفرز الحقيقي هو مدى علاقة الفئات الاجتماعية المختلفة تجاه وسائل الإنتاج (الملكية الخاصة) ومكانها في التقسيم الاجتماعي للعمل “علاقات الانتاج” حيث يكون الفرز هنا هو تزايد الفئات الاجتماعية التي تعتمد على (الأجور) وفي المقابل تحدد الفئات الاجتماعية التي تعتمد على أشكال أخرى من الدخول (كريع العقارات – الريع المالي – الكمبرادور التجاري والبورجوازية البيروقراطية في المراكز العليا) والأخطر هنا والذي حدث في أحداث 14 فبراير هو استغلال هذا الجانب (البطالة – الفقر – التهميش) والايحاء بأن أنتشاره بين الناس هو الذي يولد وضعا ثوريا.
إن أهم “أنواع الفقر” هو ذلك الذي ينتج عن الفجوة التي تتزايد باستمرار بين مقدار اهلاك واهتراء “قوة العمل” من ناحيه و “الأجر” الذي يحصل عليه العامل أو العاملين بالأجر من ناحية أخرى ، وذلك بسبب قانون التراكم الرأسمالي ، قانون فائض القيمة (المطلق أو النسبي) حيث يقاس اهتراء قوة العمل بزيادة الإنتاجية والتي ارتفعت عما كانت عليه في السابق ، بينما لم ترتفع (أجور) العاملين إلا بمقدار ضئيل قياسا الى ارتفاع الانتاجية ، هذه الفجوة تتسع باستمرار ، وهذا النوع من الفقر هو الذي يعتبر مؤشرا لمدى تبلور البنية الاقتصادية – الاجتماعية ، وعندما يربط الفقر بأنه مؤدي الى حدوث “ثورة اجتماعيه” يعكس الحقيقة التي تقول : إن الفقر بحد ذاته يؤدي الى حدوث (هزات اجتماعية) ولكن ليس بالضرورة أن يتولد عن هذه الهزات “ثورة حقيقية” باتجاه نظام آخر.
إن تعزيز “التغيير الاجتماعي وبالتالي الديمقراطي يتعزز بأتساع حركة الطبقة العاملة وكل من يعملون بأجر ، فموقف الطبقة العاملة وكل من يعمل بأجر لا يتولد عن فقرها وإنما عن مدى استغلالها ، كما أن دورها يتحدد بموقفها في النظام الانتاجي ومدى تواجدها في المراكز الأساسية للاقتصاد ، إضافة الى أن ظروف الانتاج المتطور يضفي طابع اجتماعيا على العمل ويولد روح “الانضباط والتنظيم الجماعي” عبر من يعبر عنها من جمعيات ونقابات ، مما يجعلها الطبقة الرائدة على توجيه التغير الاجتماعي نحو بناء النظام الديمقراطي المنشود والمفترض ، وهذا (وعي) واقعي ينطلق من أبسط فكرة في الماركسية وهو أن العامل يرى أن كثير من مشاكله متأتيه من صاحب العمل ومن يحميه من هذا الاحساس يقيم العامل بنائه “الفكري” مما يدفعه لمحاولة تغيير الوضع القائم ، كما أن تعزيز التغير الاجتماعي – السياسي من الخطأ الفادح ربطه بمدى الفقر والبؤس ، فهذا (التغيير) يتعزز كما هو معروف كلما تطورت قوى الانتاج ودخلت في تناقض وصراع مع علاقات الانتاج السائدة .
ومن الملاحظ فيما يخص البحرين وبقية دول الخليج العربي بأن تمركز رأس المال قد سبق تمركز الانتاج ، اي قيام مؤسسات إنتاجيه ضخمه بينما نجد في الدول الرأسمالية أن تمركز الانتاج يظهر أولا ومن ثم يتبعه أو يترافق معه تمركز رأس المال ثانيا .
ومن الملاحظ بأن البحرين وبقية دول الخليج العربي أصبحت تشكل حلقة في النظام الرأسمالي العالمي ولذلك نجد أننا لا نواجه القوى الاجتماعية “الحلف الطبقي” على المستوى المحلي ، حيث أن تبعية “الحلف الطبقي” يضفي عليها ملامح الفئات الرأسمالية ، وهذا هو الأساس لظهور علاقات رأسمالية في البحرين حتى في ظل غياب برجوازية رأسمالية متطورة (برجوازية صناعية) ، حيث توجد الشراكة الطبقية بين البرجوازيات المحلية ورأس المال الاحتكاري العالمي ، أي تجمع يجمع رأس المال المصرفي والمؤسساتي المالية المختلفة ورأس المال التجاري والعقاري ورأس المال الاحتكاري العالمي ، إن هذا الحلف تتمركز بيده أكبر نسبة من رأس المال العامل سواء في القطاع المالي أو التجاري أو العقاري ، أي أن النشاط الاقتصادي في هذه القطاعات يرتبط بالقرارات التي يتخذها هذا الحلف والذي يملك القدرة على تحديد نمط التطور الاقتصادي بأكمله والشيء الأساس هنا هو أن تكون القرارات الأساسية مقصورة على هذه الشريحة الاقتصادية الاجتماعية مع بعض من النخب الحاكمة الضيقة والتي لديها القدرة على تقرير مصير النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
أما بخصوص ( الرشوة الاجتماعية )/ التي يقبل عليها (الفقراء – المهمّشين ) سواء عبر شراء (أصواتهم) في الانتخابات عن طريق استخدام المال السياسي أو شراء (ولائهم) عبر استخدام الصناديق الخيرية أو طرح كبونات شراء من التي يملكها الإسلام السياسي (سني/ شيعي) أو (الحلف الطبقي) فإنها قد أخذت هذه الصفة نتيجة لتدني مستوى الوعي “العفوية” لدى قطاع كبير من الشعب وليس لدعاوي الإسلام السياسي عبر استخدام مفهوم “الإحسان” وانتشار مفهوم “الصحوة الإسلامية” لدى الميسرون أو التجار …إلخ سواء في الطرف الإسلام السياسي السني – أو الشيعي الذي ترافق مع ظهور هذه الظاهرة “الصحوة” نتيجة للسيطرة و الهيمنة للرجعية السياسية والطبقات الريعية والطفيلية حيث يترافق النشاط الأكثر تطفلاً بأشكال من الوعي الاجتماعي الأكثر (طائفية – مذهبية سياسية وقبلية سياسية + الحلف الطبقي) وبالتالي أدى إلى ضيق الأفق (للوعي الطبقي) وبالتالي الوطني والقومي، حيث أعاق هذا النهج درجة تقدم الصيرورة الاجتماعية سواء قبل المشروع الإصلاحي أم في أثنائه والذي تفجر في أحداث 14 فبراير ولهذا لم يكن عفواً ظهور وتقوية الاتجاهات الدينية “العامل الديني” “الإسلام السياسي” فيما عرف بـ (الصحوة الإسلامية) منذ السبعينات وإلى الآن في البحرين وبقية دول الخليج العربي فالعلاقة واضحة تماماً بين التطورات في البنية الاقتصادية – الاجتماعية وهيمنة وسيطرة القوى الاجتماعية الممثلة (للحلف الطبقي) وتكديس الثروات وإيرادات النفط بيدها وبين بروز “الإسلام السياسي” واتساع نفوذه بين عامة الناس .
- مثال آخر “حول البديل لقوة العمل الوطنية”
- حيث تم الاعتماد الكبير على قوة العمل الوافدة في مختلف النشاطات الاقتصادية المنتجة والخدمية (كبديل) وليس (كمكمل) لقوة العمل الوطنية، المشكلة هنا ليست تواجد قوة العمل الوافدة وإنما عدم الرفع اللازم أو (تجميد وعزل) قوة العمل الوطنية عن المجالات المنتجة المحدودة وعدم توسيع تلك القوة الوطنية العاملة في هذا المجال (المنتج الصناعي) سواء عبر قوة العمل الوافدة أم البحرينية.
- هنا ينبغي الدقة في طرح مقولة “الأيدي العاملة الوافدة – الأجنبية” والتي تخضع لأبشع أشكال الاستغلال والابتزاز، فليس مجرد تواجد قوة العمل “الأجنبية” – “الوافدة” ملاحظة هنا يمكن أن نسميهم “ضيوف على البحرين” هي السبب في أن تصبح قوة العمل الوطنية مُخلـّفة؟! أو القول أن العمالة الوافدة تأخذ وظائف وفرص العمل من البحرينيين أو تستولي على الموارد المالية وترّحلها خارج البحرين….إلخ. واستخدام هذا الملف في حرف أنظار الجماهير أو المجتمع عن المشكلة الأساسية عن السبب الحقيقي وهو أن السياسة الاقتصادية المتبعة لم تأخذ في اعتبارها كيف تجعل الأولى “العمالة الوافدة” مكملة للثانية “العمالة الوطنية البحرينية” وذلك عندما يقتضي توسيع النشاط الاقتصادي مع فتح المجال أمام الأيدي العاملة الوافدة كما حدث منذ الخمسينات لغاية الآن وعندما تكون الموارد الاقتصادية من الوفرة بحيث تستدعي زيادة عدد السكان وبالتالي قوة العمل باستمرار سواء الوافدة أو المحلية مع الأخذ في الاعتبار أن توسع قطاع الخدمات قد ضاعف من الحاجة إلى العمالة الوافدة حيث أن هذا القطاع يحتاج إلى نسبة من العمل إلى رأس المال أكبر مما يحتاجه القطاع الإنتاجي مثلاً حيث نجد أن الجهاز الحكومي يمتص وحده حوالي 50% من إجمالي قوة العمل ويشّكل البحرينيين نسبة عالية منه وتقل هذه النسبة في القطاعات الأخرى وبالذات المتعلقة “بالإنتاج الصناعي” وذلك نتيجة أن السياسة الاقتصادية لم تجتذب العمالة الوافدة المنتجة بقدر ما اجتذبت العمالة الوافدة للقطاعات الخدمية وللأغراض غير المنتجة.
- هنا تم تهميش قوة العمل الوطنية حيث تم التركيز على توفير الأيدي العاملة الرخيصة وخاصة للقطاع الخاص للشركات التي تستثمر في قطاع التشييد والإنشاء وغيرها مما يؤدي إلى الاستغلال البشع لها حيث تم في البداية استجلاب العمالة الإيرانية – الهندية وخلال السنوات الأخيرة فتح المجال رحباً أمام العمالة الآسيوية من الفلبين وتايلند وبنغلادش وبعض الدول الأفريقية – ولم يكن هذا التوجه معزولاً عن الأهداف السياسية والاقتصادية للقوى الاجتماعية المسيطرة فهو يحقق هدف عدم قيام قوة عمل متجانسة اجتماعيا وثقافياً وهو يضعف بدوره من مركزها التنافسي تجاه أرباب العمل بما يحقق الهدف الآخر وهو استثمارها الطبقي إلى أقصى حد خاصة وإن تجديد قوة العمل للوافدين الجدد منخفضة بالنسبة للمقاييس المحلية حيث يحرص أغلبهم على العيش عند مستوى الكفاف وفي أماكن أشبه “بالفيتو، الكانتونات” وعند مستوى الكفاف في سبيل توفير بعض المدخرات لأسرته أو أقربائه في بلاده.
- لكن ما هو هدف رأس المال الرجعي والطفيلي المؤسلم والقبلي السياسي؟
- هو تغييب قوة العمل الوطنية عن النشاطات المنتجة وتكديسها في وظائف شكلية أدت إلى تهميشها وعدم تطور قدراتها العملية مقابل ضمان بقائها غير فعالة وعاجزة على مستوى النشاط النقابي والاجتماعي السياسي وعبر اختراقها من قِبل النظام أو الإسلام السياسي
- الإبقاء على تغريب أو “أجنبة” أو “الكراهية والحقد” أو “الخوف من” قوة العمل الوافدة وضمان خضوعها لشتى أشكال الاستغلال والابتزاز المعيشي والاجتماعي والسياسي عن طريق استبدالها أو إمكانية استبدالها بموجات من العمالة الوافدة باستمرار واستخدامها في الأزمات في ضرب وحدة الطبقة العاملة أو كبش فداء للصراع (الطائفي – القبلي) للتنفيس من حدة وحجم هذا الصراع أو لتفريغ المكبوت الموجود لدى هذا الانقسام الطائفي والغبن الذي تعاني منه وتفريغه على العمالة الوافدة كما حدث عندنا في أحداث 14 فبراير ؟!
- المحافظة على الجهاز البيروقراطي الذي تقف على قمته البرجوازية البيروقراطية حيث يتفشى فيه الفساد الإداري والمالي عبر علاقة بالمعزب – الزبون وعبر المحسوبية والرشوة والاستحواذ على (فائض القيمة) عبر سياسة التنفيع (نفعني وأنفعك) وعبر داء التمصلح هنا عبر شبكات الثقة الاجتماعية “التضامنيات” سواء الرسمية أو غير الرسمية إلى جانب فئة من البيروقراطية “العربية” المستفيدة من هكذا سياسات، وعبر طابور من الخبراء والمستشارين الأجانب.
الذي يستخدم كعازل حقيقي بين قوة العمل الوطنية والممارسة الفعلية في الجهاز الوظيفي الحكومي المتضخم أصلاً، وهنا يتم إبعاد “العناصر الوطنية” عن أن تقوم بدور فعّال في إدارة وتسيير الجهاز الحكومي وتتضح هذه السياسة بصورة أوضح في مؤسسات القطاع العام التي تعمل على أسس تجارية، حيث تلجأ بعض المؤسسات إلى المقاولين وتعهد لهم القيام بتسيير العمليات الإنتاجية والتشغيلية حيث يلجأ هؤلاء المقاولون إلى التعاقد وإحلال عمالة محل أخرى ليس الهدف منه تسيير العمل بل هو الربح من استغلال أيضاً عماله حتى لو جاءت لتحل محل عمالة أخرى.
- وتترسخ ظاهرة التواطؤ التنفيعي بين قمة الجهاز البيروقراطي ومما يسمى بالخبراء والمستشارين الغربيين أو العرب أو الآسيويون حيث أن في مراكز اتخاذ القرار يكثر الخبراء والمستشارون من الدول الغربية وخاصة في مؤسسات استثمار المال العام والقطاع المالي والمصرفي أي فيما يتعلق بكيفية استخدام وتوظيف الأموال حيث توجه إلى السوق الرأسمالية العالمية، ويتم الاعتماد هنا على تقاريرهم واستشاراتهم في التخطيط وفي المسائل والمشكلات التربوية والسكانية والاقتصادية – والاجتماعية – الثقافية – الحقوقية وحتى الأمنية وهذه التقارير كما هو معروف تكلفت أموال طائلة حيث أن ما يهم هو عدم تناقص أو تعارض التطور الحادث مع مصالح الدولة الرأسمالية.
البورجوازية الموحدة تفكك الطبقة العاملة
- الطبقة العاملة الصناعية قطاع صغير الحجم ومتقلص اجتماعيا وإن كان من بين “الطبقات العاملة” الأخرى هو الأكثر قدرة على قيادة “التغيير الاجتماعي”.
- (الطبقات) العاملة وإن كانت توحدها مصالح مشتركة في أجور أعلى وساعات عمل أقل وأسعار أرخص وفي التحرر حتى النهاية من عبودية العمل المأجور إلا أنها تتباين في وعيها وفي إمكانياتها على التغيير وقدرتها على التغيير وفي علاقتها بإنتاج “القيمة المضاعفة” وفي طبيعة عملها وعلاقته مع رأس المال وهذا يخلق تناقضات بين الطبقات البروليتارية نفسها ويعمل على تفتيتها.
- الطبقات البورجوازية تستمد وجودها واستمرارها وهيمنتها الاجتماعية من قدرتها العالية على تفكيك الطبقات العاملة بشتى السبل وتحويلها لمجرد أفراد معزولين عن بعضهم البعض حتى يسهل عليها استغلالهم وقهرهم وتضليلهم، كما تواصل مقاومتها لأي جهود لتوحيد الطبقات العاملة “للوعي لذاتها” وفهم تناقضها الجوهري بأنه ضد الطبقات البورجوازية ومن يحميها ومن يخدمها في هذا الاستغلال والقهر والتضليل والتزييف والتجهيل وهنا يأتي دور الإسلام السياسي ليزيف وعيها ويخمده ويخدره سواء على مستوى الوعي لذاتها أو على مستوى وحدة العمل أو الدولة حيث يقسمها وستقطبها طائفياً ومذهبياً وهي تسعى لنزع الأسلحة التي تملكها الطبقات العاملة وهي “وحدتها ووعيها” بمصالحها الطبقية المشتركة حيث يستغلها الإسلام السياسي في أجندته السياسية- الطائفية – المذهبية .
- أما بالنسبة للطبقات البورجوازية (الحلف الطبقي) تتعمد أن تعطي العمال أجور غير متساوية على نفس الإنتاجية فتتفاوت الأجور على نفس الإنتاجية بين عمال القطاع الحكومي وعمال القطاع الخاص وبين العاملات والعاملين وبين العمال المؤقتين والعمال الدائمين وبين العمال الوافدين والعمال المحليين، مما يضعف من فرص توحد الطبقة العاملة ككل في مواجهة (الحلف الطبقي) ككل سواء على النطاق المحلي أو على نطاق الصناعة الواحدة أو على نطاق وحدة العمل الواحدة. العمال الأعلى دخلاً يجدون أنفسهم في وضع عمل أفضل من العمال الأقل دخلاً مما لا يدفعهم للتضامن مع العمال الأقل دخلاً في نضالهم من أجل تحسين شروط حياتهم وعملهم بل أنهم قد يكافحون من أجل الإبقاء على أوضاعهم المتميزة في مواجهة أصحاب الأجور الأقل وقد يتقاعسون عن التضامن مع العمال الآخرين من أجل تحسين شروط عملهم خوفاً على وضعهم المتميز من الضياع وخوفاً من أن يلحقهم التدهور لمستوى العمال الأقل دخلاً بدلاً من توجيهه ضد أصحاب العمل، ويتبنى العمال الأقل دخلاً الحلم الفردي بالانتقال للقطاعات ووحدات العمل الأكثر ارتفاعا في الأجور بدلاً من التغيير الجماعي من أجل تحسين شروط عملهم ورفع أجورهم لمستوى أعلى وفي النهاية يعجز كل العمال سواء الأعلى أجراً منهم أو الأقل أجراً على توحيد مواقفهم ونضالهم من أجل تحسين شروط حياتهم وعملهم ذلك أن هذا التفاوت في الأجور يضعف قدرتهم معاً على المساومة الجماعية.
- تفرق البورجوازية “الحلف الطبقي” بين الطبقات العاملة على أساس المؤهل الدراسي فتعتبر أن كل الحاصلين على مؤهلات دراسية عالية ليسوا عمالاً بل هم “مثقفون” وتميز هؤلاء المتعلمين سواء في ما يحصلون عليه من أجور وامتيازات نقدية وعينية وتضفي عليهم وسائل الإعلام والثقافة والتعليم الإحساس بالتفوق، الأمر الذي يشبع غرورهم الإنساني ويضخم من ذواتهم وتفتح لهم فرصة الصعود والترقي إلى “الطبقات البيروقراطية” في الإدارة مما يعزلهم عن الاندماج في الطبقات العمالية، والحقيقة أن وضعهم باعتبارهم طبقة متميزة عن باقي الطبقات العمالية في التقسيم الاجتماعي غير متسق مع معيار العلاقة بمصادر السلطة المادية كمعيار علمي لهذا التقسيم فنحن نعتبر كل مالك رأسمالي سواء كان أمياً أم حاصل أعلى الشهادات الدراسية، ولا نقسم الرأسماليين وفق شهاداتهم الدراسية حيث توحدهم مصالح مشتركة فلماذا نفرق بين العمال إذاً حسب درجة تأهلهم العلمي رغم أن لهم مصالح مشتركة أيضاً إلا إذا كان هذا بغرض تفتيت الطبقات البروليتارية.
- المشكلة هنا التي تواجه أصحاب هذا المنطق في التميز بين العمال بناء على المؤهل الدراسي أن كل هؤلاء المجردين من السيطرة على السلطة المادية والمضطرين لبيع قوة عملهم مقابل أجور للدولة أو المؤسسات الرأسمالية والذين يمارسون البحث العلمي والتطوير التقني والتصميمات والبرمجيات والهندسة عموماً “كمهنة” يشاركون بنصيب يتزايد باطراد في خلق “القيمة المضافة” في رأس المال المكثف “القيمة الفكرية المضافة” وهم لا يحصلون في النهاية مهما بلغت أجورهم ومستوى معيشتهم من ارتفاع إلا على جزء ضئيل من تلك “القيمة” مثلهم مثل عمال الإنتاج وفي ظل شروط وظروف عمل لا يتحكمون فيها مثلما يشعر باقي العمال سوى أنهم قد يتميزون أحياناً عن العمال العاديين بالإشباع الروحي الذي يضفيه الإبداع على المبدعين في مجال البحث العلمي.
- أن تصاعد دور التصميم والاختراع في خلق “القيمة المضافة” لو استمر بنفس المعدل فإن العمال من غير ذوي المؤهلات الدراسية يضمحل دورهم في خلق “القيمة المضافة” في المستقبل القريب، فإذا كان هذا هو حال الباحثين والمصممين والمخترعين والمهندسين والفنيين فما البال بالآلاف من ذوي المؤهلات الدراسية العالية أو المتدنية الذين يخضعون لظروف وشروط عمل أدنى بكثير عن الباحثين والمصممين والمخترعين.
- هنا يجب التميز بين العمال المتعلمين وبين “المثقفين” كفئة اجتماعية لا تنطبق عليها معايير الطبقة الاجتماعية حيث أن أفرادها ينقسمون بين شتى طبقات المجتمع وفقاً لمصادر دخلهم ومواقفهم وأفكارهم وممارساتهم العملية كأفراد، وهي فئة اجتماعية يتحدد دورها الاجتماعي في إنتاج وإعادة إنتاج وتبادل وتوزيع أشكال الوعي الاجتماعي من فنون وأدأب وأفكار.
- أن ما يربك ويشوش عملية صراع العمل – رأس المال هو أن الطبقات العاملة تنقسم فيما يتعلق بدرجة استقرارها في العمل إلى قسمين الأول هم “المستقرون – المثبتون” في أعمالهم بفضل مؤهلاتهم ومهاراتهم وخبراتهم في العمل والتي تعطيهم قدرة أعلى على التفاوض مع أصحاب العمل لفرض شروط أفضل للعمل ويسمح لهم هذا الاستقرار بالتنظيم في نقابات وجمعيات سياسية والثاني يتكون من غير “المستقرين غير المثبتين” في العمل الذين يعملون بشكل مؤقت وذلك لضعف مؤهلاتهم ومهاراتهم وخبراتهم في العمل أو لوضعهم كعمالة وافدة، فضلاً عن العاطلين عن العمل والعاملين في القطاع غير الرسمي والقطاع غير المنظم وعمال اليومية والعمالة الموسمية وهؤلاء جمعياً قدرتهم على التفاوض والمساومة مع أصحاب العمل أدنى من عمال القسم الأول حيث لا تسمح لهم أوضاعهم غير المستقرة بالتنظيم في نقابات او الانضمام إلى الجمعيات السياسية وإذا كان الأول بحالة من ثقل اقتصادي يملك قدراً من النفوذ السياسي والاجتماعي ومن القدرة على التفاوض والمساومة فإن القسم الثاني يتضاءل ثقلة الاقتصادي ويضمحل نفوذه السياسي الاجتماعي وبالتالي التفاوضي – التساومي.
- مع تفحص هذا الطرح وهو أن الطبقة العاملة الصناعية الآن تتعامل مع “التكنولوجيا” الدائمة التطور التي تتطلب تعلماً مستمراً وتلمس بنفسها أوضاع “السوق الرأسمالي المعولمة” مما يساعدها على فهمه وبناء على ذلك فإنها لابد وأن تكتسب مهارات عقلية “تشكيل وعي” تتيح لها اكتساب “الوعي لذاتها” الطبقة والتحرر على نحو أسهل من باقي الطبقات العاملة الأخرى من تأثير الطبقات المهيمنة وأيديولوجيتها الدينية أو البورجوازية فسوف يلمسون بأنفسهم مدى القهر والاستغلال والتضليل الواقع عليهم وأنها من ينتج معظم الثروة الاجتماعية المادية وبالتالي يؤكد ثقلها ونفوذها الاجتماعي.
- ولكن مع الأخذ بهذا العامل الموضوعي حيث قلت كثافة العمال بالنسبة “للوحدة الإنتاجية” ولم يعد عمال الصناعة يشكلون الغالبية السكانية وازدادت أنماط ومغريات “العزلة الاجتماعية” بين الناس التي وفرتها فيضانات وسائل “التسلية الحديثة” والعوالم الافتراضية التي يوفرها الحاسوب والإنترنت والتلفزيون والموبيلات، مما زاد من ضعف احتكاك الناس ونقل الخبرات فيما بينهم بشكل مباشر كما كان يحدث سابقاً سواء في الشارع – الحي – القهاوي الشعبية – الأندية الرياضية ..إلخ. وفي مقابل تناقص الطبقة العاملة المستغلة ازدادت أعداد المتعطلون عن العمل والبروليتاريا الرثة، وهو لم يصبح من الصعب على البورجوازية توفير بعض ضروريات الحياة لهم في حدها الأدنى وتضاعف العاملون في الحكومة والعاملون في القطاعات الخدمية وهو ما أدى إلى ازدياد فقدان البروليتاريا الصناعية لقدرتها الثورية ونفوذها الاجتماعي.
مثال مسألة اختلال التركيبة السكانية:
هنا يتم وضع قوة العمل الوطنية بالضد من قوة العمل الوافدة والهدف من ذلك إضعاف أواصر الوحدة والتقارب بينهما والذي يلعب هذا الدور ويزكيه ويعززه هو التحالف الضمني الغير معلن بين الإسلام السياسي (سني/ شيعي) والتحالف الطبقي مع بعض النخب الحاكمة.
- وهنا يجب الحذر من استخدام مفهوم اختلال التركيبة السكانية والنفخ فيه حيث لا يصح طرح مفهوم الاختلال بين البشر حيثما تواجدوا مهما كانت أصولهم وانحداراتهم ودياناتهم وعقائدهم والذهاب إلى الرؤية (العنصرية – البغيضة) ونتناسى جذور هذه المشكلة التي تولدت من سياسة العمالة والتشغيل وليس لمشكلة “كثرة الجنسيات” في البحرين حيث يتم تجاهل الجذور “الطبقية” للسياسات والتي توّلد باستمرار الأزمات المختلفة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بجميع جوانبه.
- هنا يجب النظر إلى أهمية أن تتطور العلاقة بين العمالة الوطنية والوافدة باتجاه التكامل والاندماج ووضع حدود للانقسام والاستقطاب بين الأيدي العاملة البحرينية والوافدة وخاصة التي تعمل في مجال التنمية الصناعية عبر استقطاب المهارات اللازمة لهذا القطاع كما هو حاصل بالنسبة للقطاع العقاري والمالي مثلاً.
- إن ما نشاهده على أرض الواقع هو سياسة تميز اجتماعي – سياسي ضد العمالة الوافدة حيث أنه في الوقت الذي اقتضت فيه مصالح “الحلف الطبقي” الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة فإنها تستفز المجتمع ضدها أي “العمالة الوافدة” لتحرير شروط استغلالها للوافدين وترك هذه المهمة للإسلام السياسي الطائفي بضفتيه (سني/ شيعي) وجمعياتها السياسية بما فيها الجمعيات المسماة “بالتيار الوطني الديمقراطي” من استغلال هذا الملف (اختلال التركيبة السكانية) وكأن كثرة الجنسيات سواء كانت عربية أو أجنبية هي المسؤولة عن هذا الواقع المأزوم بينما الحقيقة أن السياسة السكانية لم يكن هدفها خلق مجتمع وعمالة متجانسة اجتماعيا وسياسياً بل الهدف هو عبر عدم إمكانها من التقارب والاندماج بين طرفي قوة العمل (البحرينية – الوافدة)
- ذلك أن تغيير نمط توزيع (قوة العمل) المنتجة بين القطاع الحكومي والخاص يواجه بمعارضة شديدة من قِبل أرباب العمل لأن الأيدي العاملة الوافدة أرخص وأبعد عن التنظيم النقابي وبالتالي أضعف في الدفاع عن حقوقها من خلال التنظيمات النقابية الموجودة في البحرين أو الارتباط بالاتجاهات السياسية الوطنية – الديمقراطية ومن ذلك نجد أن القطاع الخاص يتجه أكثر نحو العمالة الأسيوية لأنها أكثر غربة وانعزالا عن الوضع الاجتماعي والسياسي ومجرده من إمكانية المقاومة للاستغلال الممارس ضدها حيث توضع تحت الابتزاز المستمر عن طريق انتهاج أسلوب العمالة المتغيرة فكل مشروع أو قطاع يجلب “قوة العمل” الخاصة به ولا يوفر لها سوى تجديد “قوة عملها” ويتم الاستغناء عنها في أي لحظة وإبعادها عن البلد ويستفرد هنا رب العمل بهذه العمالة دون رقابة جادة من الدولة لتحديد حقوق هذه العمالة سواء من ناحية الأجور أو السلامة المهنية أو ضد ابتزازها ولا حتى تطبيق القوانين المعمول بها بحزم مثل ساعات العمل، وتتخذ أساليب تعسفية تجاه الإضرابات التي تلجأ لها هذه العمالة في المطالبة بحقوقها حيث كما نرى بأن رب العمل لا يصرف رواتب ومعاشات لمدة شهور؟!.
مثال آخر مسألة العولمة:
- جاءت العولمة بخطاب أو “مذهب العولمة” بدق الناقوس بقرب زوال الدولة القومية بوصفها شكلاً بالياً ضيقاً لتنظيم الجماعات وإدارة شؤونها، وإننا نعيش منذ الثمانينات الانتقال من الاقتصاد القومي إلى الاقتصاد “الكوني” ومن نظام الدول القومية إلى النظام ما بعد “القومي” أو ما فوق “القومي” أو ما يسمى “الكوني”
- إذاً فالدولة القومية تؤلف الإطار الأساسي أو قل المعيار الجوهري لتحديد ماهية العولمة، فمفهوم “العولمة” تنمحي فيه أية معالم لأية حدود (سياسية) أو تخوم (ثقافية) خلافاً لمصطلح السابق “العالمية” أو “الأممية” فكان الانتقال من (الدولة – الأمة) إلى (العالم) (دول – أمم) أي عالم مؤلف من وحدات هي “الدولة” وأن “الدولة” هي وحدة تتطابق فيها الحدود (الثقافية) “للجماعة” المسماة (أمة) مع الحدود (السياسية) للدولة.
- هنا نرى أن الأمم تتحدد بمعيار (الإدارة السياسية للعيش المشترك) أو بمعيار (الثقافة المتجانسة) أو ما يعرف بالمجانسة
- بالنسبة للمفكرين لم ينظروا جدياً إلى الدولة الجديدة “الدولة القومية” إلا باعتبارها (لحظة انتقالية) تفضي إما إلى دولة (عالمية) أو “كيان عالمي” من نوع ما:
- في البداية تم إرساء نظاماً عالمياً قوامه تعميم الدولة القومية كشكل (أولى للتنظيم الاجتماعي – السياسي – الاقتصادي – الثقافي – الحقوقي – العسكري) وذلك عبر نظم اتصال مركبة.
- نظم اتصال مادية من سكك حديد، سفن بخارية، خطوط تلغراف فككت “عزلة الجماعات المنعزلة”
- نظم اتصال ثقافية كالصحيفة – الرواية حيث أن الصحيفة خلقت هياكل وركائز متينة بشتى مكونات المجال “القومي” أما الرواية فخلقت مجالاً ثقافياً متجانساً وموحداً
- تحولت النزعات “القومية” إلى حركات حضرية جماهيرية
- اتخذت العالمية في هذه الحقبة شكل انتشار وتعميم الشكل “القومي” في العالم كله أي كان النظام العالمي نظاماً مؤلفاً من دول “قومية” وكان هذا النظام يدفع باستمرار ويشجع باتجاه تأسيس هذه (الوحدات) مثلما كانت هذه “الوحدات الأولية” كانت ترسخ “النظام العالمي” من حيث كونه نظام “علائق” تقوم فيه الدولة مقام “فرد” في مجتمع ما (فرد) يتمتع بحقوق التمثيل والتصرف، والتملك
- الدولة القومية “كفرد” حامل للسيادة، هنا نواجه الخصوصية (الدولة) والعمومية (النظام العالمي) كوجهين متكاملين – متضافرين يقوي أحدهما الآخر وصولاً إلى نقطة لابد بعدها من تجاوز الشكل الكلاسيكي للأثنين معاً.
- لقد أطلق عصر الرأسمالية الصناعية بما فيه من اختلالات اجتماعية وعالمية ثلاثة استجابات متباينة.
الفردية “تمجيد الفرد” – الجماعية ” تمجيد الجماعة” – الدولية “تمجيد الدولة”
وثلاث تيارت أيديولوجية “الفردية” : الليبرالية – الجماعية – الاشتراكية – الدولية – الفاشية
- كان النظام العالمي يولد الاختلال تلو الآخر وكان توازنه القلق يدفع باتجاهين متضادين (الانزواء والحمائية) أو (المزيد من العالمية)
- كانت الدولة القومية تدفع النظام العالمي مثلما كان النظام العالمي يدفع الدولة القومية إلى المزيد والمزيد من المؤسسات فوق القومية على كل الصعد مثل المؤسسات العسكرية فوق القومية (الأطلس – الناتو) والمؤسسات السياسية فوق القومية (هيئة الأمم المتحدة – مؤتمر عدم الانحياز – جامعة الدول العربية – قمة الدول الإسلامية – قمة البلدان السبعة الكبار) أو المؤسسات الحقوقية فوق القومية (محكمة العدل الدولية – محكمة العدل الأوروبية) والمنظمات الاقتصادية فوق القومية (السوق الأوربية – صندوق النقد الدولي – البنك الدولي)
- اشتد منطق “العالمية” بتطور السوق العالمي وانفتاح المبادلات والتجارة الدولية وأسواق المال “البورصات” على مصراعيها مثلما اشتد الإتراب ومخاطر اندلاع الدمار الشامل وتطور نظم الاتصال الحديثة بحيث أعطت زخماً هائلاً لهذا الدفق حيث حلت الطائرات – السيارات – التلفزيون والهاتف المتنقل والأقمار الصناعية والعالم الافتراضي محل سلاحف السفن البخارية – والتلغراف، لتقلص رقعة العالم وتحوله إلى حقل مكتظ، منضغط وجاء ابتداع نظم العسكرة الحديثة بتحوله إلى مفهوم التجمع “الصناعي العسكري – الاستخباراتي” ليجهز على الطابع الموضوعي للحرب “من التموضع” “الرقعة الجغرافية للحرب” ويحولها إلى حروب (كونية) في عصر القنبلة النووية والصواريخ العابرة للقارات وطائرات التجسس الذكية والطيارة من دون طيار التي تحرك عبر المحيطات.
- هذا الزخم هو الذي حول وهيأ للانتقال من لحظة العالمية أو “الدولية” كنظام “للعلائق” بين دول “قومية” إلى لحظة “الكونية” أو “العولمة” كل العمليات “الاقتصادية – الاجتماعية – الثقافية – الحقوقية” التي تجري خارج سيطرة الدول “القومية” بوصفها وحدة للتحكم، إن بدء هذه العمليات بالخروج من الإطار “القومي” إلى إطار يتجاوزها هو الذي حتم ابتداع مفهوم العولمة “الكونية” “الكوكبية” والذي قام بذلك هو أسواق المال “في المجال الاقتصادي” وعمليات “الثورة الإلكترونية” قاما بتجاوز الدولة “القومية”
- وهنا تأتي آثار العولمة حيث ينبئ خروج قوى السوق عن مجال سيطرة “الدولة” واقترابه أو سعيه للاقتراب من وضع ذاتي “التنظيم” عن تزايد سيطرة النخب التكنوقراطية “أسياد العالم الجديد” وجموعها ونشأت مفارقة مستحكمة، فالنخب السياسية المفوضة – المخولة على أساس الانتخاب لن يعود بوسعها أن تتحكم بسير العمليات (المعولمة) (الكونية) في حين أن النخب التكنوقراطية، الاقتصادية غير المنتخبة، تتحكم بهذا السير، هذا التضاد يطرح على بساط المسألة قيمة ومعنى قواعد “الديمقراطية” من حيث حرية الاختيار، والقرار، والمساومة والمساءلة، والضغط، والتغيير في إطار النظام السياسي – الحقوقي الراهن أي يطرح مشكلة من يحكم!! هل هي سلطة (سياسية) منتخبة لا تقرر أم سلطة (اقتصادية) غير منتخبة تحسم وتقرر؟
- والأثر الثاني هو أن الدولة القومية تشهد انفصال “المواطنة” عن الانتماء القومي، فالعولمة بحكم منطقها أفضت على مدى القرن العشرين كله إلى حركة هائلة للسكان غيرت وجه المجتمعات المتقدمة وأضفت عليها طابع بنية متعددة الثقافات كل هذا أفضى إلى انفصال “المواطنة” كحق مكتسب (بالإقامة والعمل) عن الانتماء الثقافي الاثني كحق موروث وهو ينطوي على نزاع بين البنية الثقافية المتجانسة الموحدة والبنية متعددة الثقافات.
- والأثر الثالث هو تغير النزعة القومية فقد برزت مع العولمة نزعات انفتاح ترى إلى القومية كشيء ينتمي إلى الماضي أو ميول انغلاق “قومي” محافظ أو يساري أو حتى ديني أصولي (مسيحي أوروبي أو إسلامي).
- والأثر الرابع هو تغير بنية المجتمع “الصناعي” الرأسمالي النمو الهائل لقطاع “الخدمات” نمو صناعة الثقافة مما أدى إلى الاضمحلال النسبي للطبقة العاملة، الاتساع الهائل للفئات الوسطى مما أدى إلى خفوت الفوارق بين الاشتراكية الديمقراطية والليبرالية وتضاءل الهامش النقدي لليسار الماركسي وضمور قوى النقابات أنشأ تحولاً في نمط الحركات الاجتماعية وإلى تطعيم النزعات الجماعية بالفردية الليبرالية وتطعيم الليبرالية بالنزعات الجماعية موصلاً هذه التيارات إلى ما يشبه “التقارب الوسطي” وإلى التحول من الهويات السياسية الكلية (الطبقة – الأمة) إلى هويات سياسية تتمحور حول القضايا “البيئية – الأنثوية – الحريات المدنية – التعليم – الجريمة – الفقر – حقوق “الإنسان – الأسرة”.
- والأثر الخامس في العلاقات الدولية حيث تغيرت بنية العلائق بين الدول في إطار النظام العالمي أن العولمة قد قوضت النظام السياسي الاقتصادي – العسكري السابق وتدفع في اتجاه آخر رغم أن مصالح الوضع الجديد لم تتبلور بعد.
- الأثر السادس في النظام الثقافي العالمي حيث احتدم التوتر الثقافي على نطاق كوني حيث تتباين “الثقافة” من حيث أطرها التنظيمية إلى ثلاث مستويات، ما دون “قومي” و”قومي” وما فوق “قومي” أن نظم الاتصال والوعي المكثف بتنوع العالم وحتى مختلف المكونات “الثقافية” لأي إطار في التعبير عن الذات دفع كل الجماعات المحتشدة في الأطر السياسية للدولة “القومية” إلى الاندفاع إلى المسرح العالمي، ومثلما أن “الثقافة القومية” كثقافة عليا قسرية حطمت “عزلة الجماعات الصغيرة – المغلقة ودمجتها” فإن “العولمة” تحطم بدورها “عزلة الدولة القومية” في اتجاهين، اتجاه الانفتاح على رموز ثقافة كونية واتجاه تشظي الوحدة الصوانية للثقافة القومية ويذكي هذا الوضع نزعات قومية ثقافية جديدة في احتدام النزعة الثقافية القومية ويرغمها أن تجري في إطار جديد لم يعد بالوسع التقوقع أو الانسحاب منه أمام نظم الاتصال الإلكترونية التي تلج كل زوايا المعمورة وتتميز بعض هذه “النزعات” باحتجاج دفاعي (الأصولية الإسلامية – المسيحية) هي احدى صوره حيث يفتقر هذا الاحتجاج إلى أي وضوح أو رؤية مستقبلية ويمثل بالتالي صرخة الخاسرين.
- ظاهرة “العولمة” تحمل تناقض بين الوعد الإنساني الذي تحمله وبين شكل تمظهرها الحالي:
- العولمة تعكس التقدم الكبير الذي بلغته سيرورة توحيد العالم وبات الفصل بين “داخل” و “خارج” عند تحليل الديناميات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تشهدها المجتمعات أمراً صعباً.
- العولمة ثورة للاتصالات والمعلومات غيرت صلة الإنسان بالمكان وبات العالم أو “الكوكب” يفرض نفسه كوحدة تحليل رئيسية لفهم وإدراك الأحداث المحلية.
- طرأ تحول على مفهوم الزمن الذي لم يصبح علمياً فحسب يمحو المسافات والحدود الجغرافية بل أصبح قصير وقصير جداً.
- الخلق والإبداع الإنسانيين القائمين على استغلال العلم وتوظيف المعرفة في الإنتاج لم يعد لها حدود، والدخول في عصر الإنسان السوبرمان.
- والوهم هنا المشروع بحلم قيام عالم جديد تحل فيه كل مشكلات العالم الخطيرة التي يواجهها النوع الإنساني ويتحقق فيه تقدم الحضارة الإنسانية.
- إن العولمة بشكل تمظهرها الحالي، سياسياً واقتصاديا وثقافياً على مستوى الجوهر ليست في الحقيقة سوى شكل جديد (ظاهرة) من أشكال (ظواهر) السيطرة والهيمنة.
- كيف يتم ذلك؟ أي السيطرة و الهيمنة.
السيطرة المالية:
- مفهوم استعمار السوق، هذه السوق التي لا يحركها سوى البحث عن الربح ومعاظمته ولا تضبطها أية قيود ولا تخضع لأي تخطيط.
- تأخذ السيطرة أشكال “ظواهر” مالية وتكنولوجية في “الأساس” تتمثل في تفاقم مشكلة المديونية الخارجية يعاني منها 80 بلداً.
- ظاهرة انتقال رؤوس الأموال من “الجنوب” إلى “الشمال” تحت ظاهرة “شكل” خدمة الدّين الخارجي.
- تهميش عدد كبير من بلدان العالم في نظام التجارة العالمية حيث تمركزت حول أقطاب الرأسمالية الثلاثة.
- خفض أسعار المواد الخام.
السيطرة والهيمنة التكنولوجية:
- بروز تقسيم جديد للعمل على النطاق العالمي حيث يتحكم عدد قليل من البلدان بالتكنولوجيا المتقدمة.
- حرمان القسم الأعظم من الشعوب والأمم من الاستفادة من نتائج البحث العلمي المتقدم وتوظيفها في تطوير الإنتاج ووسائله.
- مجال تكنولوجيا الإعلام حين ظهر بأن ما سمي بـ أوتستراد الإعلام التي صورت بوصفها تعبيراً عن تقدم حاسم في ميدان تقاسم المعرفة لم تكن سوى أداة إضافية للسيطرة، سيطرة الشمال على جزء كبير من الجنوب – سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على شركائها ومنافسيها في الشمال نفسه.
- ما هي عوامل هذه السيطرة والهيمنة، المالية والتكنولوجية؟
- الإمبراطورات الاقتصادية التي برزت في عالم المال والتجارة والإعلام تحت شعار “كل السلطة للأسواق” تنقل أموالها بسرعة الضوء قاذفة فوق الحدود والدول، وغير عابئة بالنتائج الاجتماعية الخطيرة التي تترتب على سياساتها.
- ظهور مفهوم “أسياد العالم الجدد”
إن ثورة الاتصالات وتعميم المعلوماتية على معظم قطاعات الإنتاج والخدمات قد أحدثا انقلابا في نظام العالم لاسيما في نظام عالم المال وخلقا عبادة جديدة هي عبادة السوق فالتبادل الفوري للمعطيات، والمعلومات عن سوق الأموال يتم على مدار 24 ساعة وصارت البورصات المالية المرتبطة فيما بينها تعمل دون توقف يحركها عدد ضئيل من المختصين يمثلون “أسياد السوق” ويستطيع الواحد بحركة بسيطة أو كلمة أن يتسبب في ارتفاع قيمة العملات أو في انهيار البورصات.
- أدى تشابك الأسواق المالية وعولمة رؤوس الأموال إلى تدويل الاستثمارات واختفاء الطابع القومي لرأس المال.
- البضائع صارت تفقد صيغتها القومية وبات من الصعب نسبها إلى جنسية محددة.
- الجهاز الإنتاجي الذي يوزع عملياته على أكثر من موقع أخذ يستغل أكثر فأكثر عن موطنه الأصلي.
- اندفاع المؤسسات المالية الكبيرة والشركات متعددة الجنسية على طريق الاستقلال عن الدول باتت للقرار الاقتصادي صبغة عالمية وصار يخرج إلى حد كبير عن نطاق تحكم الدول القومية.
- تبرز العولمة بوصفها حرباً تجارية ومالية قاسية تزيد من حدة الاستقطاب وتؤدي إلى تعميق الهوة في مستوى التطور بين بلدان الجنوب وبلدان الشمال، وإلى مفاقمة المشكلات الاجتماعية في بلدان الجنوب والشمال على السواء.
في بلدان الجنوب: تتسع البلدان الخاضعة لوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لمساحات الفقر وتتضاعف معدلات التضخم وتلجأ السلطات الحاكمة إلى فرض التقشف على الموازنات وضغط الأجور وتصفية وبيع مؤسسات قطاع الدولة، وخفض النفقات الاجتماعية ولاسيما في مجال الصحة والتعليم.
في بلدان الشمال: تتفاقم ظاهرة البطالة خصوصاً في صفوف الشباب ويتوسع حجم فئات المهمشين وتنامي الفوارق في المداخيل بشكل كبير وتصبح دولة الرفاة من ذكريات الأمس.
- ما هو شكل “ظاهرة” هذه الايدلوجيا؟
بدأت من الولايات المتحدة الأمريكية، وتحولت إلى أن تحملها نخبة كونية متجانسة تسعى إلى:
- تنميط العادات والثقافات وطرائق العيش على نمط واحد.
- تختزل الحريات إلى “حرية التعبير التجاري” وحقوق المواطن إلى حق التمتع بسيادة المستهلك.
- تشيع خطاباً يعتبر إن التاريخ قد انتهى وإن حاجة الإنسان للنضال من أجل التغيير قد انتفت وما على الإنسان سوى أن يتكيف باعتبار إن الوضع القائم هو سقف التطلع الإنساني وأنه لم يعد هناك خيار سياسي وخيار اجتماعي سوى خيار الرأسمالية القائمة.
- التنافس هو القوة الحقيقية المحركة للتاريخ.
- السوق هي التي يجب أن تحكم وما على الحكومة سوى أن تدير.
- الدور الذي كانت تضطلع به الدولة فيمكن أن تضطلع به اعتبارا من الآن شبكات عالمية تتشكل من منظمات خيرية وتطوعية.
- استفاد مروجو هذه الايدلوجيا من أزمة الأيدولوجيات والمشاريع التحررية التي حملت للإنسان وعداً بالتغيير لكنها أخفقت فخلقت اليأس والإحباط.
- الاستفادة من التطور الذي طرأ على تكنولوجيا الاتصال ومن ظاهرة الانتقال من حضارة الكتاب إلى حضارة التلفزيون وهي الظاهرة التي جعلت من التلفزيون منبعاً أساسياً للمعرفة. اليوم فرضت الأخبار المصورة تصورا مختلفاً كلياً للإعلام الذي صار يجعل الإنسان شاهد على الحدث ليس إلا. وبروز الوهم الخادع بأن المشاهدة (التلفزيون) تعني “الفهم والإدراك”.
- أدى طغيان الصورة وضعف قيمة الكلمة إلى دخول الصحافة المكتوبة نتيجة تأخرها عن مواكبة الحدث في أزمة هوية تجلت في تراجع توزيعها.
- – أدى طغيان الصورة إلى تغير العلاقة بينها وبين الصوت، مزواجة الموسيقى والفيديو، انتشار الفيديو كليب، غيرا التوازن بين الأغنية وصورة المغني، فبينما كانت الصورة في الماضي ملحقة بالموسيقى باتت الموسيقى اليوم هي خدمة الصورة التي هي بدورها في خدمة حملة إعلانية للتسويق التجاري.
- – الثقافة مهددة بالخضوع إلى قواعد سوق البضائع فالإعلانات التجارية باتت تطغى على كل وسائل الإعلام والاتصال بما فيها شبكة الإنترنت. وأصبحت الثقافة الأمريكية هي المسيطرة عالمياً في المجال السمعي والبصري.
- – إن خطر السيطرة على الجماعة الثقافية العالمية والذي نجم عن “استعمار السوق” الذي تتمظهر به العولمة أثار ردود أفعال عديدة وشجع على تنامي الأصوليات الدينية والقومية وعلى تصاعد دعوات الانكفاء والتقوقع على الذات والاحتماء بالهويات وقد أصاب هذا حتى البلدان الرأسمالية حيث صار الناس يشككون في جدوى التقدم التكنولوجي وتغيره أن هدفه البحث عن الربحية التجارية فقط وهو مولد لكل الأزمات وتلجأ إلى أشكال لا عقلانية من التفكير وإلى ممارسات غيبية أو إلى جنة “المخدرات والكحول”
- في أوربا 40 مليون من المواطنين يترددون سنوياً على منجمين ومشعوذين يدعون القدرة على الشفاء من الأمراض.
- تتزايد أعداد المنتسبين إلى الطوائف الظلامية وإلى الحركات الخلاصية التي تبشر بقرب ظهور “المخلص” الأتباع أوربا 300 ألف.
الولايات المتحدة الأمريكية ينمو نفوذ الحركات اليمينية المتطرفة الداعية إلى النقاء العنصري والمليشيات المسلحة والتحول “الغرب” نحو ديانات وفلسفات الشرق.
مسألة الثورة التقنية وآثارها على التحولات الاجتماعية:
- إن عصر الرأسمالية المعولمة “الكوكبية” في القرن الحالي ارتبط بقوة مع الثورة التقنية في مجالات الحاسوب والاتصالات والإنترنت والأتمتة والأثر الاجتماعي هنا انعكس على عدد الأيدي العاملة في القطاعات الصناعية راح يتضاءل بسرعة حتى بلغ 14% من إجمالي الأيدي العاملة في إنجلترا بلد الثورة الصناعية الأولى وبلغ في الولايات المتحدة أقل من 20% من إجمالي القوى العاملة مقارنة ب25% في عام 1970 وحدث ذلك في بقية الدول الأوروبية. وفي مصر كبلد متوسط النمو انخفض من 40% في السبعينات إلى 27% في بداية القرن الواحد والعشرين.
- هذا يعني تخلفاً كارثياً وفقاً لمفاهيم الاقتصاد التقليدي، إلا أن العكس هو الصحيح، فتقلص العاملين في قطاع الصناعة في دول المركز لا يعني ضعفاً بل يعني مزيداً من القوة الاقتصادية وذلك لأن الثورة التكنولوجية الجديدة أدت إلى أن تحل الآلات محل الأيدي العاملة البشرية، بحيث انحسرت هذه الأيدي، بينما ارتفع الإنتاج الصناعي نفسه وفاضت السلع على الاحتياجات البشرية، وتحولت الصناعات في المركز من صناعات كثيفة العمالة وهي صناعات القرن التاسع عشر والعشرين مثل صناعة الحديد والصلب والإسمنت والغزل والنسيج والسيارات والأجهزة المنزلية التي رحلت لدول شبه المحيط كالصين إلى صناعات كثيفة المعرفة وكثيفة الرأسمال مثل الإلكترونيات والأدوية والآلات والنانو تكنولوجي والهندسة الوراثية.
- فإنتاج برنامج تشغيلي للكومبيوتر (مثل ويندوز) يعود على الاقتصاد بأرباح مضاعفة عشرات المرات من إنتاج القرص المدمج الذي يسجل عليه البرنامج نفسه وذلك لأن البرامج أمر معقد ويحتاج إلى كثير من الجهد الذهني الأكثر إرهاقاً من الجهد العضلي وكثير من وقت العمل الاجتماعي لكتابة تلك البرامج التي هي أوامر تشغيل وليست رص معلومات، بينما تصنيع القرص نفسه أمر سهل ربما لا يحتاج سوى لضغطة على زر ماكينة إنتاجية وينعكس ذلك بوضوح في السعر فالقرص الفارغ يكلف أقل من دينار بينما يكلف القرص الذي يحمل برنامج “ويندوز” نحو بضعة عشرات من الدنانير والشيء نفسه ينطبق على الغسالة الأوتوماتيكية، فإنتاج الغسالة في حد ذاته لا يعني شيئاً من دون برنامج التشغيل الخاص بها ومن ناحية أخرى فإنتاج الألة المؤتمتة التي صنع بها القرص إنتاج تقني عالي يظل من نصيب (المركز) وأن تكلفة البرامج التي أصبحت موجودة تقريباً في كل أجهزة الاستهلاك مثل السيارات والمكيفات كما في كل آلات الإنتاج ومعداته التي تنتج سلع الاستهلاك أعلى كثيراً من تكلفة إنتاج الأجهزة والآلات نفسها وبالتالي فإن أجور المبرمجين أعلى بكثير من أجور عمال تشغيل الآلات والمعدات لأن التكلفة الاجتماعية لإنتاج مبرمج أعلى بكثير من التكلفة الاجتماعية لتشغيل عامل تشغيل ماكينات مع ملاحظة أن “السوفت وير” لابد له من بروسيور يباشر تنفيذ أوامره وهي صناعة عالية التقنية بدورها ومن ثم يصنع البروسيور في دول المركز لا في دول المحيط أما صناعة باقي الأجزاء الميكانيكية والكهربائية فينتج أحياناً في دول شبه المحيط في حين يترك تجميع الأجهزة نفسها إلى دول المحيط ومثال آخر على تأثير الثورة التقنية في أحداث التحولات الاجتماعية هو مثل تجميع النصوص لطباعتها فقديماً كان تجميع صفحات الكتب يتم بشكل يدوي يشارك فيه أكثر من عامل في عمل شاق أما الآن فيتم تجميع الكتاب أو الصحيفة بكل صفحاتها باستخدام الكومبيوتر الشخصي المحمل عليه برامج النشر المكتبي وبرامج الكتابة والرسم المختلفة ويتم تصحيح النص أكثر من مرة بسهولة ويساعد في هذا برامج الكتابة نفسها بجهد عقلي وعضلي أقل بمراحل من جهد التجميع اليدوي وبواسطة عامل واحد ويرسل الكتاب أو الصحيفة إلى المطبعة كنص رقمي على أسطوانة مدمجة ليدخلها العامل إلى آلة الطباعة مبرمجة بدورها هي الأخرى ليخرج كتاب مجلد أو صحيفة كاملة دون أن يمسها بشر وهذه عمليات كان يقوم بها عدة عمال من قبل.
- انتقال الصناعات التي لا تحتاج لمهارات عالية من دول المركز إلى الدول شبه المحيطة تطلب توسع عدد الوظائف التي تتطلب مهارات عالية في المركز وانخفاض في الطلب على العمالة غير الماهرة في تلك البلاد المركزية وكان هذا سبباً في انتقال شركات عالمية ضخمة إلى المحيط وشبه المحيط، تلك الفروع والصناعات المعتمدة على العمالة غير الماهرة وضعيفة الإنتاج والأكثر استخداما لعضلاتها من عقولها، بالإضافة لكونها أيدي عاملة رخيصة مقارنة بأجور العمالة في المركز فلقد بلغت قيمة إنتاج الصين الصناعية في عام 2005 نحو 700 مليار دولار أي نصف ما أنتجته الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من أن عدد العمال الصناعيين في الصين يبلغ 6 أضعاف عددهم في الولايات المتحدة والسبب أن إنتاجية العامل الأمريكي تعادل 12 ضعفاً إنتاجية نظيره الصيني والفضل في ذلك يعود للتقنيات الحديثة المتوافرة للعامل الأمريكي والتي لا تتوافر للعامل الصيني علاوة على أن الأيدي العاملة في المركز تعيد تأهيل نفسها باستمرار وبسرعة لمواكبة الثورة المعرفية والتكنولوجية الحديثة ومن جهة أخرى فأن هناك سبب آخر لتحول الأيدي العاملة من الصناعة إلى الخدمات هو أن السلع يمكن بسهولة إنتاجها عبر الآلات المؤتمتة بينما الخدمات الطبية والتعليمية والمالية تحتاج إلى الأيدي والعقول البشرية، ولكن الفارق التقليدي الحاد بين قطاعي الصناعة والخدمات قد يتلاشى تدريجياً مع تطور التكنولوجيا نفسها، فنصف العاملين في القطاع الصناعي في الولايات المتحدة اليوم يعملون في التصميم الهندسي والبرمجة وفي الإدارة والتسويق ولكن لأنهم يعملون في مصانع فإن الإحصاءات الرسمية تعدهم ضمن القطاع الصناعي بينما يحسبهم الاقتصاديون ضمن قطاع الخدمات.
- ما سبق الحديث عنه هو التقنيات المستخدمة اقتصاديا فعلاً وما أحدثته من تحولات اجتماعية أمام آفاق التطور العلمي والتكنولوجي في المستقبل القريب فإنها سوف تنقل البشر المرتبطين بالثورة العلمية – التقنية إلى آفاق تتجاوز كل ما يحسبه البعض خالد في علاقات ونظم اجتماعية وبالعودة إلى موضوعنا الأساسي.
- ولكن ما الذي يعيق هذه المهمة “لليسار التقدمي” المرتبط بإدخال الجماهير إلى الفعل السياسي؟
أولاً: إن الوضع السياسي والاجتماعي الذي نشأ بعد أحداث 14 فبراير ودخولنا في قانون السلامة الوطنية وتحول النزاع إلى مواجهات بين الاتجاهات المتشددة والمتصلبة في كل من “المعارضة” و”النخب الحاكمة” أو ما يسمى “الحالة الأمنية” أدى إلى أن تستولي على فئات كثيرة من الشعب “الغرائز” و “المشاعر” كالكره، الحقد، الانتقام كل حسب طائفته في ظل تعزز الشرخ الطائفي في المجتمع بدلاً من العقل والعقلانية.
ثانياً: سيادة “الوعي الزائف” الذي رسّخته “القبلية السياسية” والطائفية السياسية والشعبوية المغامرة الطائفية واليساروية المغامرة والحلف الطبقي عبر التأثير الأيديولوجي لها باستخدام الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والعالم الافتراضي والذي اتخذ في الفترة الأخيرة تعبير الحرب الإعلامية “حرب الكل ضد الكل” بين أبناء الشعب الواحد التي أججتها هذه (القوى الرجعية). إذاً هذا “الوعي الزائف” هو الذي أعاق ومنع الجماهير من انفتاح وعيها الطبقي – الوطني وعن مساهمتها في العملية السياسية والذي لم تعره الاتجاهات المعتدلة في المعارضة والنخب الحاكمة الأهمية القصوى مع انطلاقة المشروع الإصلاحي بل تركت له الحبل على القارب لكي يصول ويسيطر ويهيمن أي هذا “الوعي الزائف” خدمة لمصالحها “الإسلام السياسي + الحلف الطبقي + النخب المتشددة في النظام”
- إن الخطوة الأساسية المتعلقة باليسار التقدمي لإنجاز هذه المهمة “إدخال الجماهير في الفعل السياسي هي التوصل إلى صياغة برنامج “مشروع” عبر مسك “المسائل الأساسية” كما طرحت سابقاً على شكل “أمثلة” بجدية يأخذ في الاعتبار مستجدات العصر كافة ويحدد خصائص وسمات مجتمعنا البحريني بتطوره الخاص وبتأثره الكبير بمستجدات العصر التي تشكل المتغيرات في الرأسمالية المعولمة المعاصرة قوتها وموجهتها الأساسية.
- فهذا البرنامج “المشروع” الذي يحدد استراتيجية قوى اليسار التقدمي وتكتيكها بصورة واقعية ومنفتحة على المستقبل وتستجيب لمصالح وطموحات الجماهير يؤمن التحولات التدريجية من “الوعي الزائف” الذي يخدع الجماهير إلى “الوعي الطبقي” و “الوعي الوطني – الديمقراطي” في سياق عملية تغيرية ميدانية لها في الوقت نفسه صفة تربوية وتعليمية وتدريبية تجعل الجماهير قوة فعل سياسي لها استقلالها تبعدها “تحررها” من خطر العودة إلى لعب دور “قوة مساندة” للمرجعيات والزعامات سواء الدينية المذهبية واليساروية أو ما يسمى (بالرموز) ؟! الشعبوية المغامرة الفوضوية أو للحلف الطبقي ومن يقف معه من النخب الحاكمة المتشددة.
- وفيما يخص الجمعيات السياسية فإن مضمون الشعارات والبرامج التي ينبغي التوقف عندها نقدياً لتقدير فيما إذا كانت ملائمة للمرحلة السياسية التي تمر بها البحرين “مثال الشعار العام لمؤتمر المنبر الديمقراطي التقدمي السادس “تحقيق الملكية الدستورية”؟!
- يجب فتح الآفاق للتعاون الأرحب بين اليسار التقدمي ومختلف الاتجاهات من التيارات (الوطنية – القومية) لتحقيق الأهداف والطموحات (الوطنية – الديمقراطية) التي تشكل فعلاً أساساً لإعادة النهوض من جديد ولإعادة الحياة ونبضها للقوى الحية في المجتمع البحريني وليس للقوى الميتة الغير منتجة (الإسلام السياسي + الشعبوية المغامرة واليسارية أو الحلف الطبقي مع من يقف معه من النخب الحاكمة)
- ويجب عدم حصر الخلافات التي نشبت أو التي سوف تنشب بين اليسار التقدمي وباقي القوى “الوطنية – القومية” بالعوامل الذاتية وإخفاء العناصر الأساسية التي هي وراء الصراع والتي تحّركها مجمل التناقضات السياسية التي تعّبر عن المصالح المتضاربة للقوى الداخلية والخارجية مما يخّلف هذا التضارب في المصالح من استقطاب على الصعيد الشعبي مع عدم القدرة وبل مع عدم الرغبة عند العديد من الأطراف على تسوية داخلية لتخفيف التضارب في المصالح بين الأطراف وذلك بسبب تخلف “البيئة السياسية” بصورة عامة وانعدام التقاليد الديمقراطية في التعامل السياسي سواء داخل الجمعيات السياسية أو فيما بينها كما أظهرتها أحداث 14 فبراير على السطح بشكل صارخ أو انعدام هذه التقاليد الديمقراطية على صعيد النظام.
- والسؤال هنا عن من هو “اليسار التقدمي” الذي نتحدث عنه هنا؟ وما هي طبيعة مهماته بالملموس؟ وما هي سمات وطبيعة التغيير الديمقراطي المنشود؟
- مواصفات اليسار الجديد الذي يجب أن يبني والذي يقوم مبدئياً على أساس المنهجية الماركسية عن التطور السياسي الاجتماعي عامة وهذه القناعة لا تتناقض مع دور (اليسار التقدمي) في العمل من أجل التغيير الديمقراطي في البحرين هذا التغيير الذي بطبيعته السياسية – الاجتماعية يبقي المجتمع في الإطار الرأسمالي الذي تحدده “الشروط الموضوعية” التي لا يمكن “لليساري” تجاهلها بهذا المعنى يكون اليساري التقدمي “ديمقراطياً” بسمات خاصة تميزه عن سائر الديمقراطيين لأن “استراتيجيته تبقى منفتحة على “التقدم” المستدام على المستقبل، بمعنى أن ليس هناك سقف سياسي أو طبقي في هذه “الاستراتيجية يعوق العمل ليعّمق النهج الديمقراطي وإعادة إنتاجه في جميع مجالات حياة المجتمع والدولة، إذاً هو مشروع مبادرة وصراع دائمين لدفع حركة “التقدم” استنادا إلى قوى المجتمع “طبقاته” التي تتجاوب مصالحها بصورة دائمة مع “التقدم”
- في الجانب “التكتيكي” يجب على اليسار التقدمي أن يأخذ بقضية “الاحتمالات” أو “السيناريوهات” بجدية ففي سياق العملية السياسية والاجتماعية “ظاهرات” واقعية توّلدها العوامل المتعددة المختلفة التي تؤثر وتضع “الحدث السياسي” أو الحدث “الاجتماعي” باعتباره المحصلة العامة التي هي نتيجة “التوليفة” التي يولدها تفاعل تلك “القوى” المؤثرة في لحظة أو مرحلة معينة مثال “أحداث 14 فبراير”
- هذه الحقيقة تفرض على أي قوة سياسية وخاصة على “اليسار التقدمي” أن تحدد في ضوء متابعتها “للوضع السياسي والاجتماعي” العام أكبر عدد من “الاحتمالات” الممكنة الحدوث كمرحلة أولى وأن لا تضع (أسهمها في سلة واحدة) كما حدث مع ما يسمى (بالتيار الوطني الديمقراطي” في أحداث 14 فبراير، وأن يرسم اليسار التقدمي الخطوط العامة لممارسته إزاء كل من هذه “الاحتمالات” كمرحلة ثانية خلافاً لهذا المنطق للتعاطي السياسي وبترك الأمور لما تفاجئنا به “الانفجارات السياسية” الآنية أو مقولة أن الأحداث السياسية المتسارعة تسبقنا، كل هذا يفقد اليسار التقدمي الحضور النشط على ساحة الفعل السياسي والاجتماعي وإلى (التفتت التنظيمي” كما هو حادث الآن في جسد اليسار.
- لفهم مسألة العلاقة بين الإستراتيجيا / تكتيك يجب أن نفهم العلاقة الجدلية “الديالكتيكية” بينهما أي عدم فصل الاستراتيجية عن التكتيك وأخذ أحدهما بمعزل عن الآخر.
مثال : هناك طرح يقول أن مجال اهتمام “الإستراتيجيا” هو القوى الأساسية للتغيير وكذلك قواها الاحتياطية وهي تتغير كلما مر التغيير من مرحلة إلى أخرى حتى وأن بقيت هي نفسها “القوى الأساسية” دون تغيير من حيث الجوهر طوال مرحلة معينة.
- وفي مجال “التكتيك هو يستند إلى (مرحلة) معينة من التغيير فهو يمكن أن يتبدل عدة مرات حسب حالات المد والجزر التي تمر بها المرحلة وحسب حالات نهوضها أو تراجعها
- وهذا الفصل وجدناه عند ما يسمى بالتيار الوطني – الديمقراطي (وعد – التجمع القومي) منذ بداية انطلاقة المشروع الإصلاحي
- هذا الرأي أو الطرح يطرح مسألة نظرية وينطوي من جهة أخرى في الممارسة على خطورة سياسية أفلا يعرضنا مثل هذا الإلحاح الشديد على الفصل التام بين (الإستراتيجيا – التكتيك) إلى خطر سياسي مهما كان على أساس أنه تكتيك (مثلاً جمعية العمل الوطني – التجمع القومي وحركة دخولهم في تحالف مع الإسلام السياسي ) “التحالف الرباعي” في الموقف من انتخابات (2002) والتجمع السداسي بدخول جمعية المنبر التقدمي وبقية الجمعيات مع الإسلام السياسي في انتخابات (2006) وأيضاً بحركة دخولهم في احتجاجات 14 فبراير الكارثية.
- لم تقم هذه المقابلة بين الإستراتيجيا – التكتيك إلا بحسم مسألة “نظرية سياسية جوهرية” دون أن تقدم حلاً لها.
- فما هي بالتحديد العلاقة التي يمكن أن تقوم بين الصراع الطبقي بوجه عام (وليس الطائفي السياسي منه) وصحة موقف ما في وقت معيين؟
- هنا يجب التأكيد على الفرق بين التكتيك الذي يستند إلى اتخاذ قرارات على المدى القصير وبين “المبادئ” السياسية الأساسية التي تخص التيار الوطني – الديمقراطي العقلاني التقدمي
- هنا يرتبط أي تغير من أجل أية مسألة مطروحة “مثال احتجاجات 14 فبراير” ربطاً لا ينفصم مع الأهداف الجوهرية هذا الطرح السياسي يرتبط بنقد مختلف أشكال النزاعات الفوضوية – المغامرة أو الاتجاهات المتطرفة (للإسلام السياسي الشيعي / السني) التي تجسدت في حركة احتجاجات 14 فبراير.
- هنا يجب أن يقتصر “تكتيك” الجمعية السياسية (جمعيات التيار الوطني – الديمقراطي) على تطبيق “المبادئ” العامة “للتكتيك” “الديمقراطي – الوطني” وليس “الطائفي السياسي أو الشعبوي المغامر الطائفي” على تلك الحالة الخاصة، ولكن لا يجوز إطلاقاً تغيير أسس ذلك (التكتيك) ولا تحريك “مركزه” الأصلي هنا بمعنى كل من يقف ضد الانتقال الديمقراطي ويعيق تطوره من قوى الإسلام السياسي الطائفي أو الحلف الطبقي والنخب المتشددة في الحكم.
- ويجب التأكيد بأنه لا يمكن التوصل إلى إطفاق ما إلا إذا تمفصلت المواقف السياسية القصيرة المدى مع المبادئ الأساسية أي بما هو موجود أو غير موجود في البرامج السياسية والأنظمة الداخلية في جمعيات ما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي”
- أن إعداد قرارات “تكتيكية صحيحة” غير مغامرة – فوضوية – شعبوية – طائفية – عنيفة” يرتدي أهمية بالغة بالنسبة لجمعية سياسية وطنية – ديمقراطية تريد قيادة الجماهير بروح “ديمقراطية” “وطنية” بحيث لا تجرها الأحداث وراءها
- أن التثبت من صحة “تكتيكنا” من زاوية “المبادئ” والدروس المستخلصة من كامل تجربة الحركة الوطنية البحرانية ضروري لكل من يسعى حقيقة لتحضير “وحدة” (الإستراتيجيا – تكتيك) للوحدة المستقبلية لمجمل التيار الوطني الديمقراطي بشكل عام والتقدمي منه بشكل خاص.
- يجب أيضاً الوقوف ضد الجمود العقائدي “المبدأ هو الكل” وضد الانتهازية “السياسية هي التأقلم مع الظروف”
- ليس من الممكن تطبيق “عمل يومي” يتصف بالصبغة الوطنية – الديمقراطية إذا لم نتعلم كيف نعّدل شكله وذلك لتكيفه مع خصائص كل لحظة تاريخية جديدة تواجهنا.
- إن الأمر يتعلق بالإمساك بطرفي السلسلة أي النظرية والظروف الخاصة ولكن كيف يتم تكيف النظرية مع الظروف وفيما تتمثل بالضبط هذه الظروف؟ وفيما يتمثل نمط التكيف هذا؟
- تحدد النظرية بصفة عامة “التصادم” بين المرحلة الانتقالية من الدولة التسلطية “مروراً بالمشروع الإصلاحي” والمشروع السياسي الذي يدعو إلى التغيير للانتقال الديمقراطي ومن ثم تشكيل النظام الديمقراطي المفترض أو المنشود.
- كما تقدم هذه النظرية عناصر تعريف بهذا المشروع السياسي الذي يطرح التغيير وخصوصاً بالنسبة لليسار التقدمي آخذاً في الاعتبار أن المجتمع البحريني لا يضم فقط طبقات عاملة بورجوازية صغيرة ، طبقات وسطى أو تجار ليبراليين فقط بل أن المجتمع مقسم ومستقطب بشكل طائفي سياسي وقبلي سياسي، ويتمثل دور التكتيك في كشف وسد الفجوات القائمة بين رؤية نظرية للمجتمع (أي التصادم بين اتجاهين) والمجتمع كما هو في الواقع.
- إن الاتفاق بين اليسار التقدمي وبقية الجمعيات (وطنية – ديمقراطية – قومية) يمكن بل يجب أن يحصل على أساس كشف هذه التغيرات مما يؤدي إلى وحدة التكتيك.
- إن وحدة التكتيك لليسار التقدمي مع (القوى الوطنية – القومية) لا يسعى إلى طمس كل تنوع “تعدد” ولا إلى إلغاء كل الفروقات بينها لأن ذلك في الوقت الراهن هو أضغاث أحلام بل يسعى هذا اليسار التقدمي في شكل مشروعه السياسي إلى تطبيق (المبادئ) الأساسية والقيم الديمقراطية تطبيقاً يعدل بصفة سليمة. هذه المبادئ كلما تعلق الأمر بالمسائل التفصيلية لنبحث لندرس لنكشف ولنمسك بما هو (وطني – ديمقراطي) خاص بصفة مميزة فيما يتعلق بالطريقة المشخصة التي نتناول بها كل مشكلة على حده وليس البحث والكشف عن ما هو (طائفي سياسي وقبلي سياسي) والتمسك به.
- إن وحدة التكتيك كما تراها وعد وأيضاً في فترة أحداث 14 فبراير (التجمع القومي – والمنبر التقدمي) لا توجد إلا على مستوى الخطاب النظري!! إذ لم توجد أية وحدة تكتيكية على مستوى الواقع لأن هذه الوحدة لو تحققت سوف تقلق الإسلام السياسي / شيعي/ سني والحلف الطبقي مع النخب المتشددة في النظام.
- في هذه الظروف يمكن لخطأ يبدو لأول وهلة “غير ذي شأن” كفهم جمعية وعد للتكتيك بتحالفها مع الإسلام السياسي الشيعي والذي انجرت خلفه أيضاً جمعية التجمع القومي والمنبر التقدمي في أحداث 14 فبراير حيث أسفر عن أوخم العواقب، وينبغي للمرء أن يكون قصير النظر حين يعتبر الجدال بين الجمعيات أو الفرق والتحديد الدقيق للظروف الصغيرة “في البداية طبعاً” أمراً في غير أوانه أو لا داعي له فعلى توطد هذه الجمعيات على قاعدة الإئتلاف الوطني – الديمقراطي قد يتوقف مستقبل “العملية الديمقراطية” في البحرين.
- إن الإخفاقات المؤقتة التي كانت تحدث قبل أحداث 14 فبراير بالنسبة لما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” لم تكن أكثر من نصف مصيبة فتجربة التغيير والمهارة التنظيمية أمران يكتسبان اكتسابا والمهم أن يرغب المرء في تربية نفسه على الصفات المطلوبة “الوطنية – الديمقراطية” وأن يعي النواقص وهو ما يعادل في العمل “التغيري” أكثر من نصف إصلاح الخطأ ولكن نصف المصيبة يغدو مصيبة كاملة كما حدث في أحداث 14 فبراير الكارثية عندما تتجه الأنظار في داخل “التيار – الوطني – الديمقراطي” إلى العفوية وتقديسها؟!
- هذا هو تحطيماً تاماً “للوعي” من قبل “العفوية” من قبل عفوية الجماهير أولاً وللأسف ما يسمى (بالتيار الوطني – الديمقراطي) الذين أغرتهم مقولة بأن الوضع جاهز للثورة وأن إسقاط النظام أصبح إمكانية أو لنقل حتمية؟!
- إن تحطيم الوعي من قـِبل العفوية في الجمعيات السياسية قد حدث كذلك بشكل عفوي عن طريق عزل “الأقلية” التي كانت ترى عكس ذلك أي أنه لا يوجد وضع ثوري.
- إن كل تقديس لعفوية الجماهير، كل انتقاص من دور “العنصر الوعي” في داخل “التيار الوطني – الديمقراطي” يعني سواء أراد المنتقص أم لم يرد فليس ذلك أقل أهمية من تقوية نفوذ الأيديولوجية الدينية المسيسة للطائفة المذهبية في الحركة الجماهيرية وفي الجمعيات “التيار – الوطني – الديمقراطي”
- ولكن ما هي الكيفية لفهم “تحديد مهام” هذه الحركة الجماهيرية الاحتجاجية؟
- كان أمام (التيار الوطني – الديمقراطي) خياران:
- أما بمعنى تقديس عفوية هذه الحركة أي يجعل ما يسمى “التيار الوطني – الديمقراطي” مجرد “خادم” لهذه الحركة الجماهيرية والتي يقودها حتى من قـبل حدوثها التيار الشعبوي المغامر ممثلاً في جمعيات “حق – وفاء – أحرار البحرين – مركز البحرين لحقوق الإنسان” والذي لحق به الاتجاه المتطرف في الإسلام السياسي الشيعي العلني “الوفاق – أمل – الإخاء”
- أما بمعنى أن الحركة “الاحتجاجية” الجماهيرية تفرض علينا مهام جديدة – نظرية – سياسية – وتنظيمية تطرح علينا أن نقوم نحن بتوجيهها باستقلالية تامة عن التيار الشعبوي المغامر + الإسلام السياسي.
- هنا تبدو المسألة وكأن هذه الحركة الاحتجاجية تخلصنا من ضرورة الإدراك الواضح لما تطرحه علينا من مهام ومن ضرورة القيام بهذه المهام وهي مهمة تغير بقايا “الحكم المطلق” الذي لاتزال تركته باقية في ظل المشروع الإصلاحي كمهمة أولى للحركة الجماهيرية.
- وأن الإئتلاف من أجل الجمهورية – ائتلاف 14 فبراير – وجمعية ولاية الفقيه واليسار المغامر قد هبطوا بهذه المهمة إلى مستوى التغيير من أجل أقرب المطالب السياسية “إسقاط النظام” وبوسيلة التعبير عن طريق العنف وعبر شعار “الحركة هي كل شيء الهدف النهائي هو لا شيء”
- ولكن هل يجب على اليسار التقدمي أن يعمل لوحده من دون تنسيق أو تحالف مع الجمعيات السياسية الأخرى؟
- لا غنى لليسار التقدمي عن سياسة التحالفات وخصوصاً لما يتعلق الأمر بالتغيير من أجل الديمقراطية فحين لا يعوّل إلا على نفسه يكون بمثابة من يرتل منفرداً مرثاه لسببين:
- يعود الأول إلى أصوله التي تتألف من “جميع طبقات الشعب”
- ويرجع الثاني إلى وظيفتها المتمثلة في الدفاع عن “الأغلبية” العظمى من “المواطنين” فالديمقراطيون يساندون كل حركة تغيير تحاول أن تغير النظام الاجتماعي السياسي القائم للأفضل أما اليسار التقدمي يجب أن يسعى إلى كسب دور “الطليعة” من خلال قدرته على حسن اجتذاب وتنظيم أوسع الجماهير الشعبية وهذا ما تحاول الوفاق + الحلف الطبقي + النخب المتشددة من النظام إبعادنا عنه. إن اليسار التقدمي لا يستطيع تحقيق التغيير إلا إذا تمكن من جعل أغلبية الشعب إلى جانبه، أن كل تحالف على المستوى العام محدد بأمرين هما نمط الإنتاج والطبقة أو الطبقات المسيطرة والمهيمنة في وقت معين والثاني هو ميزان القوى الخاص بظرف معين وهنا تجدر الإشارة إلى أن البنية المشوهة اقتصاديا واجتماعيا تتجه نحو التبلور أي أنه يمكن أن يقال أن هناك فرز طبقي أصبح أكثر وضوحاً وأهم مؤشراته التعاون الطبقي والانحياز الذي حدث من النظام لمصالح “القلة” حيث نجد الحلف الطبقي “العقاريون – الكمبرادور – البورجوازية المالية – البورجوازية البيروقراطية) مع قوى الإسلام السياسي (سني / شيعي) بدأت تتحدد سماتها حيث يمكن أن نلمس أرضية مشتركة لهذه الفئات ووقوفها ضد تعزيز المشروع الإصلاحي ومحاولة إعاقته إضافة إلى المتشددين في النخب الحاكمة وهو ما يشكل أساس “تحالفها” ضد التوجه الوطني الديمقراطي وبالذات “الطبيعة الريعية” لدخول هذه الفئات سواء الريع العقاري أو الريع المالي أو الاستحواذ على جزء كبير من ريع البترول من جانب البورجوازية البيروقراطية في المراكز العليا، بالإضافة إلى أن هناك تبلور في الجانب الآخر أي ظهور فئات “طبقات” واسعة من العاملين بالأجر أو الطبقة العاملة سواء الصناعي منها أو الخدمي والذين لا يملكون إلا “بيع قوة عملهم” وبرز هذا التناقض على شكل صراع طبقي وأخذ أشكال عدة من التعبير خصوصاً مع فتح المشروع الإصلاحي المجال للتعبير كان يظهر هذا الصراع بشكل مسيرات وتظاهرات واعتصامات وإضرابات كحراك سياسي في الشارع البحريني ولكن هذا الحراك السياسي دخلت عليه وقادته قوى غير متجانسة وحرّفت حراكه “الاجتماعي – السياسي” نحو الحراك الطائفي المذهبي عبر تحالفات أعاقت تطور المشروع الإصلاحي منذ انطلاقته كالتحالف الرباعي (2002) ومن ثم التحالف السداسي في السنوات التي تلته وهيمنت عليه الطائفية السياسية (سنية – شيعية) وجمعياتها السياسية ووظفته لخدمة أجندتها الطائفية الدينية – المذهبية.
- هناك عدة أنواع من التحالفات وتسمى بالتكتيكية أو “سياسية” أو “المؤقتة” هذه التحالفات تعقد فيما بين تشكيلات سياسية أو شرائح اجتماعية حول هدف ظرفي ولمدة محددة مثلاً “الوحدة الوطنية” هنا ينبثق مبدأ استراتيجي وتكتيكي يجعل من اليسار التقدمي محور حشد لكل الطبقات والشرائح الاجتماعية والتيارات والاتجاهات والمجموعات وحتى الأفراد “المواطنين” التي لديها موقف من التقسيم والاستقطاب الطائفي المذهبي الذي أحدثته قوى الإسلام السياسي (سني / شيعي) والحلف الطبقي مع بعض من النخب المتشددة في الحكم.
- هنا يجب على اليسار التقدمي أن يكون هو الرافعة وهو المنادي بوحدة الشعب البحريني، أن تحقيق هذا الهدف “وحدة الشعب البحريني” لا يفترض “تجميعاً” ضخماً للشعب وحسب وإنما أيضاً رفع مستوى الشعب السياسي إلى مستوى هذه “الوحدة الوطنية”
- إن شعبنا محتاج الآن لهذه “التسوية التاريخية” الملقاة على عاتق اليسار التقدمي يستجيب لقلقه وهواجسه وتعايشه الاجتماعي الذي مزقته قوى الإسلام السياسي + الحلف الطبقي + النخب المتشددة في النظام.
- إن الذين يخافون من هكذا تحالف حتى مع عناصر غير موثوقة هم أولئك الذين لا يثقون بأنفسهم فلا تستطيع أي جمعية سياسية فما بالك باليسار التقدمي أن تستمر على قيد الحياة دون هكذا تحالف وخصوصاً أمام هكذا هدف وهو “الوحدة الوطنية”
- قد يلائم مصطلح استراتيجية التحالفات التي تكون متوسطة أو بعيدة الأمد بين اليسار التقدمي والقوى الديمقراطية – القومية وفق برنامج محدد وتكون غايته هي التغيير من أجل بناء النظام الديمقراطي المرتقب أو المنشود، أن الانتقال إلى بناء نظام ديمقراطي يعطي الأولوية لتحالفات تكون أكثر انسجاما للقوى الوطنية – الديمقراطية المحركة لهذه المرحلة وفك الارتباط مع القوى غير وطنية والغير ديمقراطية والتي تحمل مشروع مناقض لبناء الدولة الديمقراطية المفترضة.
- هناك من يطرح فيما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” أن فك الارتباط مع جمعية الوفاق سوف يضعفنا؟ لماذا لأنها الجمعية السياسية الأكبر؟!
- هنا يجب استبعاد هذا الوهم على إدراك الوضعية المعينة للتفاوض بين ما يسمى “بالمعارضة” والحكم ووضعية التناقضات الداخلية لكل معسكر بحيث لا يعني ضعف أحد المعسكرين أوتوماتيكياً – القوة والتلاحم لدى المعسكر الآخر ومن قال أن (الوفاق) تختلف في سياستيها عن الحلف الطبقي أو النخب المتشددة في الحكم فهي تلعب نفس اللعبة السياسية وتستعمل مفهوم “الجمعيات السياسية المعارضة” كغطاء دعائي وإعلامي فقط لإخفاء طابعها الطائفي السياسي.
- هنا يتم إخضاع النظرية والممارسة السياسية (لصالح نظرة حسابية صرفه للقوى المتقابلة وفي الاتجاه نفسه تماثل تحليل “ميزان القوى” مع أشكال المجابهة المباشرة “معسكر ضد معسكر”
- جرامشى “يجب التخلي عن أنموذج المعركة بين معسكرين لصالح فكرة “المواقع المتشابكة والمعقدة” وعن أنموذج سيطرة طبقة ما أخرى لصالح فكرة “الكتلة الممسكة بالسلطة” وعن أنموذج النظام الواحد الذي يتم بموجبه توزيع ميزان القوى على “طبقة سائدة وطبقة مسودة”
- أن تقييم ميزان القوى بمظهره التناقضي، لا يمكن اعتباره عملية منظمة في إطار جدول معين يمكن الاعتماد عليه بل أنه عملية متأرجحة تكون فيها مختلف القوى المتصارعة مشتبكة في علاقة متحركة “ديناميكية” وليست “ستاتيكية “ساكنة” وينبغي تقييمها في إطار تلك الحركة فقط.
- فالذين يطرحون “أخذ ميزان القوى بعين الاعتبار” ويضفون عليها “قدسية” أشبه بصيغة سحرية تلعب دور كلمة الفصل والتي تعتبر كل قرار سياسي بفك الارتباط مع الإسلام السياسي شيعي أو سني وكل محاولة سياسية كفراً، واستخدمت هذه الجملة “أخذ ميزان القوى بعين الاعتبار للجم الإمكانات السياسية الأهم وهو استقلالية التيار الوطني – الديمقراطي وهنا يكمن الخطأ الفادح على صعيد الأفق السياسي لأن هذه الرؤية لا تعدو أن تكون طريقة لإخضاع الأمر الممكن إلى الأمر الواقع “ضرورة التواجد للإسلام السياسي الشيعي ذو الكثرة العددية” وبسبب أيضاً في نطاق الأمر الواقع لا في نطاق ما هو مطروح للإنجاز وهو البديل الوطني – الديمقراطي.
- أنه ما بعد أحداث 14 فبراير وما بعد قانون السلامة الوطنية بدأ يتشكل وضع جديد بخلق مجتمع مدني مغاير لما كان عليه في السابق سواء في الجمعيات المهنية أو النقابات العمالية أو حتى مؤسسات الدولة، أما بالنسبة للجمعيات السياسية سواء “التحالف الخماسي – وعد – الوفاق – التجمع القومي – الإخاء – التجمع القومي الوطني” وبحل جمعية العمل الإسلامي، وحيث بدأ يتسم عمل هذه الجمعيات بتدرج من العلنية إلى شبه العلنية أو النصف سرية أو السرية وفي الضفة الأخرى جمعية المنبر الإسلامي – الأصالة – تجمع الوحدة الوطنية …..إلخ.
- إن هذا الوضع يضع أمام التيار التقدمي إعادة فرز لكل القوى الوطنية – الديمقراطية – أو القومية أو الليبرالية ليتشكل منها هذا البديل الوطني – الديمقراطي ومن ثم توسيعه ليشمل النخب الاجتماعية أو بما يسمى بمجموعات الضغط وشخصيات ديمقراطية لإعطاء الشعب البحريني أداة توحيد “البديل الوطني – الديمقراطي” وذلك عبر الممارسة والجدال النظري الذي سيخلقه سواء في داخل هذا البديل الوطني الديمقراطي أو على صعيد الجماهير “الكتلة التاريخية الوطنية”
- أنه رغم الخلافات “التي لا مفر منها تقريباً حول المفاهيم، النظرية والآليات التي سوف تواجهنا في أثناء الإعداد لهذا البديل الوطني – الديمقراطي فإن “العمل المشترك” وتبادل الآراء الذي سوف يكون سهلاً بفضل وجود جمعيات وطنية ديمقراطية ذات هياكل ديمقراطية وبفضل النقاشات المباشرة في الندوات أو المؤتمرات سوف يولد بالتأكيد شيئاً فشيئاً البرنامج السياسي المتكامل والمشترك خصوصاً بوجود واقع موضوعي لدى كثير من كوادر جمعيات ما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” بأهمية وجود مثل هذا الكيان الجامع.
- إن الظروف الحالية تطرح علينا أهمية وجود هذا البديل الوطني – الديمقراطي بمثابة هيكل للتغيير ومنضبط قادر على المبادرة بالهجوم في الساحة السياسية، وحيث أن البديل الوطني – الديمقراطي لا يمكنه مواجهة “الإسلام السياسي (شيعي / سني ) أو الحلف الطبقي أو النخب المتشددة في الحكم على أساس وطني – طبقي إلا إذا انتظمت قوى التغيير الحية هي نفسها في هذا البديل الوطني – الديمقراطي.
- إن أي خطوة للأمام وأي تقدم حقيقي كمهمة تشكيل البديل الوطني – الديمقراطي أهم بكثير من التشرذم والانقسام والعزلة التي يعاني منها اليسار التقدمي أو القوى الديمقراطية الوطنية بشكل عام وأهم من التنسيق هنا وهناك على ملفات بعينها وحوادث بعينها توّلدها الانفجارات السياسية المفاجئة.
- إذا قال لنا كوادر أو قيادات في ما يسمى بالتيار الوطني – الديمقراطي بأن ظروفهم لا تسمح لهم بالانضمام في هذا البديل الوطني – الديمقراطي فهل نكتفي باتفاق للعمل معهم ضد كما يطرحون “العدو المشترك” وأن لا نطالب أو نفتعل برامج ومشاريع مبدئية وأنه يمكن أن نرجئ ذلك للوقت الذي تنضج فيه مثل هذه البرامج والمشاريع عبر الممارسة الطويلة المشتركة، فلو أعلنا لهم من البداية أننا لا نقبل أية مساومة على “المبادئ” فإنهم يضطرون كما هو حادث الآن بالاكتفاء بمخطط تنظيمي وتنسيق عبر عمل لحظي وقتي ويوضع تحت يافطة “العمل المشترك” كالندوات التي تعقد مرة في جمعية وعد ومرة في المنبر التقدمي، بذلك نكون قد منحناهم الفرصة بأن يتقدموا لنا محملين بتفويض نقر بأنفسنا أن له مفعولاً إجبارياً ونستسلم لإرادة قوم هم في حاجة إلينا ونحن في حاجة إليهم. إن التجمع الذي تريدنا هذه الكوادر أو القيادات أن نكون فيه هو هيكل فضفاض خليط غير منسجم متناقض بصورة صارخة بين الوطني – الديمقراطي والطائفي السياسي!
- ماركس: من وقت إلى آخر ينتصر العمال لكن انتصارهم هو إلى حين والنتيجة الحقة لنضالاتهم ليست في النجاح المباشر بل في الاتحاد، اتحاد العمال المتعاظم باستمرار والحال لابد من “الرابط” لجعل النضالات المحلية والمتعددة ذات الطابع الواحد في كل مكان “تتمركز في نضال وطني في نضال طبقي حيث أن كل نضال طبقي هو نضال سياسي.
- بالنسبة للجمعيات الوطنية – الديمقراطية فإن ما تحققه كل جمعية سياسية وطنية – ديمقراطية من نجاح على انفراد شيء جيد والنتيجة الحقة للتغيرات التي ينجزونها ليست في النجاح المباشر بل في اتحاد هذه الجمعيات الوطنية الديمقراطية المتعاظم باستمرار والحال أنه لابد من وجود الرابط “البديل الوطني – الديمقراطي” والاتجاه إلى تشكيل “الكتلة التاريخية” بجعل عملية التغيير المحلية والمتعددة ذات الطابع الواحد في كل مكان تتمركز في “تغيير وطني – ديمقراطي” وتغيير “طبقي” وليس (طائفي سياسي) حيث أن كل تغيير طبقي هو تغيير سياسي
- يجب أن يتشكل هذا البديل الوطني – الديمقراطي بدل المزاحمة والتنافس فيما بين الجمعيات الوطنية – الديمقراطية والذي يستغله الإسلام السياسي شيعي – سني والحلف الطبقي والنخب المتشددة في النظام ، فيجب أن ينهض هذا البديل الوطني – الديمقراطي ويتشكل أقوى وأمتن وأشد بأساً وتأثيراً في الحياة السياسية في البحرين.
- هنا سوف يتكثف البديل الوطني – الديمقراطي – وفي خضم عملية التغيير مع القوى المعيقة للتحول الديمقراطي التي ذكرت سابقاً وتتحول كل جمعية منفردة في “حد ذاتها” إلى ائتلاف واسع وطني – ديمقراطي “لذاتها” ويتحول هذا البديل الوطني – الديمقراطي إلى أداة فاعلة في التاريخ في هذه اللحظة وذلك بوعي حاسم يسمح لها بخلق “أداة هيمنة في المجتمع المدني” تمكنها من فرض نفسها كقوة مستقلة تغيرية حاسمة، مع ملاحظة أن هذا البديل الوطني – الديمقراطي هو بناء تاريخي يبقى محكوماً بالظروف وفي تطور دائم منذ لحظة ميلاده.
- إذاً التصور لهذا البديل الوطني وزيادة الوعي به يجب أن يكون الهدف الأساسي في هذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي بالنسبة لليسار التقدمي لجعل هذا البديل الوطني – الديمقراطي وعاء تنصهر فيه النظرية والممارسة بدل الانخراط في تجمعات فاشلة.
- في هذه الفترة الراهنة يمثل الصراع ضد الإسلام السياسي “سني / شيعي” من بلوغ “الوحدة” وحدة التعددية ذات الأفكار والرؤى المتشاركة المبنية على أساس الديمقراطية والوحدة هنا تمثل غاية الصراع وسوف تكتب الحياة للوحدة إذا ما عملنا على تحقيقها بالحوار الفكري – السياسي وسوف تهلك إذا ما عملنا على إنجازها بتقديم التنازلات أمام القوى المعيقة للديمقراطية
- إن ضبط معالم الوحدة وتحديد غايتها ينبعان من تحديد التناقض الرئيسي للمرحلة الحالية وهو وأد الطائفية السياسية والقبلية السياسية كانتماء وولاء وكتقييم للنسيج الوطني والصراع ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحلف الطبقي ومن معه من النخب المتشددة في النظام والتركيز على مبدأ المواطنة كمبدأ أساسي في الديمقراطية من حيث الولاء والانتماء وكحقوق وواجبات وكمشاركة سياسية والذي من خلاله سيتغير التناقض الرئيسي لينقل إلى تناقض آخر يطرح مهمة أخرى.
- وكمثال سنطرح تجربة الحزب الشيوعي الإيطالي هنا (المساومة التاريخية) (تسوية).
- المساومة التاريخية وهي سياسة الشيوعيين الإيطاليين المتبناة سنة 1973-1974 على أثر مراجعة نقدية للوضع العالمي بعد الانقلاب في الشيلي بهدف ربط “استراتيجيا الإصلاحات” ذات الأصل التولياتي بصفة أكثر عضوية باستراتيجيات التحالفات الموسعة وقد برز هذا المصطلح في مقالات الأمين العام للحزب (أثريكوبرينغوير) فقد حدد هذه الاستراتيجية بأنها “لقاء بين التيارات الشعبية الكبرى في الحياة الإيطالية من شيوعيين وكاثوليك” فنحن هنا بصدد تحالفات واسعة جداً أخص خصائصها أنها تكتيكية واستراتيجية وعضوية في آن واحد. إلا أن التوازنات فيها معرضة باستمرار للاختلال في أي لحظة نتيجة انفجار التناقضات الاجتماعية التي تتكثف في صلبها.
- هذا المصطلح الذي ظهر في الحقيقة عقب استراتيجيا “الكتلة التاريخية” أثار على الفور عدة تحفظات وانتقادات حتى في داخل الحزب الشيوعي الإيطالي ذاته.
- ويرتكز نهج المساومة التاريخية المنتسب “للإرث” الشيوعي من غرامشي إلى تولياتي الذي اعتبر دائماً “المسألة الكاثوليكية” والوحدة مع الكتل الكاثوليكية أحد الشروط الأساسية لأية هيمنة على المبادئ التالية:
- بعد فشل حركة الوحدة الشعبية في التشيلي، وبالنسبة إلى إيطاليا فأنه لا يمكن حكم بلد رأسمالي متطور بـ51% من الأصوات وبمجرد تحالف اليسار فقط ومن هنا تأتي ضرورة إيجاد تحالفات اجتماعية أوسع بين الكتل الشعبية الثلاث: الكاثوليكية السياسية “الدينية” والاشتراكية والشيوعية، هذه الوحدة التي ستمكن أيضاً من ضم الطبقات الوسطى إلى حركة تحول ديمقراطي.
- في هذا التحالف يجب “توريط” “الديمقراطية” المسيحية تاريخياً “كحزب” بجرها إلى “مشروع ديمقراطي وحدوي” الأمر الذي من شأنه أن يمنع إمكانية قيام كتلة رجعية يمينية محتملة، وهو ما نفترض كذلك حسب أحد التحاليل الضعيفة داخل الحزب الشيوعي الإيطالي ولم يحصل عليه “إجماع” أن تكون “الديمقراطية المسيحية” “قابلة للتغيير” وأنها ليست مجرد حزب يبحث عن السلطة وممثلاً لمصالح الرأسماليين بل هو “حزب شعبي” ! متجذر في منظمات جماهيرية وتخترقه “المطالب الديمقراطية” الكبرى! ومن هنا أتى الاقتراح الشيوعي في أيار مايو 1976 الذي ينادي بـ “حكومة الوحدة الوطنية” لمجابهة وضعية خطيرة نتيجة الأزمة الاقتصادية وموجة العنف والإرهاب.
- في إطار هذه الأزمة الرأسمالية المرتبطة بتحول العلاقات بين الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية المتقدمة والعالم الثالث في نضاله من أجل الاستقلال الاقتصادي والسياسي فإن استراتيجيا الخروج من الأزمة لابد لها من أن تمس بنموذج التطور الإنتاجي غير العادل وأن تغيره.
- بإتباع “بديل ديمقراطي” “بدل اليسار” لتجنب “التصدع” أي انشقاق البلاد إلى قوتين يكون قاضياً بالنسبة إلى الديمقراطية، فإن المساومة التاريخية لم تطرح على أنها مجرد تكتيك يضمن الاتفاق بين قيادات الأحزاب بل كاستراتيجي لتحالفات واسعة تسمح بتدعيم الديمقراطية والطبقة العاملة وبفتح السبيل لاشتراكية تعددية فعلاً في إطار أوروبي.
- ومن هنا قام الحزب الشيوعي الإيطالي بتجربة “النقابات الوحدوية” كالوحدة النقابية الإيطالية بين 1970-1980 التي وحدّت عضوياً مختلف النقابات ذات الاتجاه (الشيوعي – الاشتراكي – الكاثوليكي) والتي فشلت فشلاً ذريعاً وانتكست.
- من الناحية السياسية والعملية يبدو أن النجاح الذي أحرزه الحزب الشيوعي في انتخابات يونيو 1976 (إذ حصل على 34,4% من الأصوات و227 نائباً )جاء مؤكداً لحقيقة سياسة مساومة تاريخية غيرت موازين القوى لصالح الحزب الشيوعي الإيطالي ولاقت نوعاً من الاهتمام والصدى عند “الديمقراطية المسيحية” إلا أن تنامي أعمال العنف والاستفراد الفوقي الحكومي جداً ، “دون الانتماء مباشرة إلى حكومة الوحدة الوطنية من قِبل حزب المسيحية للمساومة التاريخية، ثم إقامة البرهان من خلال الوقائع على أن “الديمقراطية المسيحية” تحتل فعلاً الدولة احتلالا كلياً وغير ديمقراطي وعبر الفضائح والصدمة السياسية العميقة، كل هذه العوامل أنهت “سياسة التضامن الوطني” و “الجمهورية التصالحية” التي طالما انتقدها اليسار.
- وفي الواقع فإن الاستفراد الحكومي من قِبل حزب المسيحية للمساومة التاريخية الذي كان يعني بالنسبة إلى البعض نقداً حقيقياً وشاملاً لأسلوب حكم “الديمقراطية المسيحية” وبالنسبة إلى البعض الآخر مجرد تحالف مع هذه “الديمقراطية المسيحية” أثار أزمة فعلية في التوجه السياسي للحزب الشيوعي الإيطالي أعادت التحفظات أو العداوات السابقة. هذه الأزمة التي كانت قوية داخل القاعدة العمالية بالذات وعند الشباب والمثقفين رافقت عودة الحزب الشيوعي الإيطالي إلى المعارضة مع النقد الذاتي لكامل السياسة التي فككت “حزب النضالات” لحساب “حزب الحكم” وحده واندرجت آنذاك داخل الإطار الأوسع للشيوعية الأوروبية.
- ففي الجانب التكتيكي يجب على اليسار التقدمي أن يأخذ بقضية “الاحتمالات” بجدية ففي سياق العملية السياسية والاجتماعية ظاهرات واقعية تولدها العوامل المتعددة المختلفة التي تؤثر وتصنع “الحدث السياسي” باعتباره المحصلة العامة التي هي نتيجة “التوليفة” التي يولدها تفاعل “القوى” المؤثرة في لحظة أو مرحلة معينة مثال “أحداث 14 فبراير” هذه الحقيقة تفرض على أي قوة سياسية وخاصة على “اليسار التقدمي” أن تحدد في ضوء متابعتها للوضع السياسي والاجتماعي العام أكبر عدد من “الاحتمالات” الممكنة كمرحلة أولى ” ولا تضع كل أسهمها في سلة واحدة ولا تربط نفسها بمرجعية واحدة (جمعية لولاية الفقيه) كما تربط بعض الدول عملتها بعملة واحدة (كالدولار مثلا ً)كما حدث عندنا لما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” في الأحداث الكارثية (14 فبراير) وأن يرسم اليسار التقدمي الخطوط العامة لممارسته إزاء كل من هذه الاحتمالات كمرحلة ثانية خلافاً لهذا المنطق للتعاطي السياسي وبترك الأمور “لما تفاجئنا به الانفجارات السياسية الآنية أو أن الأحداث المتسارعة تسبقنا، كل هذا يفقد اليسار التقدمي الحضور النشط على ساحة الفعل السياسي والاجتماعي وإلى التفتت التنظيمي، كما هو حادث الآن في جسد اليسار.
- والسؤال الأن هل يوجد قاسم مشترك بين مكونات ما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” وهل هناك “رؤية” واحدة للتغيير بين هذه المكونات؟ وهل التغير في هذه المكونات يدفع في اتجاه معالجة “أزمة الوجود” التي يعانيها اليسار الذي ما زال مستعص على الحل؟ وما مدى استجابة البرنامج السياسي والنظام الأساسي لهذه المكونات، لهذه المواصفات ولهذه الأهداف؟
- إن فشل هذا التيار المسمى (بالوطني الديمقراطي) يكمن في التناول غير “الأيديولوجي” للقضايا والظواهر الاجتماعية – السياسية الموجودة على أرض الواقع البحريني، بمعنى الاكتفاء بالتأثير الحسي المباشر “للحدث” أو “الظاهرة” الاجتماعية السياسية، وبناء الموقف كرد فعل عليه كما ذكر نائب الأمين العام في جمعية وعد “رضي الموسوي” في جريدة الوسط بتاريخ 14 أكتوبر 2012 “عندما يسيل الدم فهناك قانون طبيعي يقول أن لكل فعل رد فعل مساوياً له في المقدار ومضاداً له في الاتجاه؟! أو ليخبرنا أحد إن كان هذا القانون لا ينطبق عليه” إن بناء الموقف هنا دون محاولة كشف الصلات الموضوعية العميقة فعند إجابته على السؤال “ولكن في الوقت الذي تحّملون فيه الحكومة مسألة إزهاق الأرواح على حد تعبيرك فإن الحكومة تحّملكم مسئولية العنف في الشارع وكل طرف بات يبرر موقفه بأنه رد فعل على فعل الطرف الآخر” أجاب بأنه الحراك السياسي “السلمي” بدأ التخطيط لمحاولة حرفه لكي لا يكون كذلك، ومن هو الذي خطط لمحاولة حرفه في وجهة نظرك؟ “الإجابة جاهزة” هناك تخطيط من أياد خفية محسوبة على الحكومة ولم يرى الجانب الآخر من السؤال وهو الذي طرح في مسودة تقييم الأحداث التي صاغها المنبر التقدمي “هذه الفرصة أعاقتها عوامل عدة في مقدمتها “الخط التصعيدي” لبعض الفئات المنخرطة في هذا التحرك والتي طرحت في مرحلة لاحقة من شعارات “إسقاط النظام” التي تبناها ما عرف بـ “الإئتلاف من أجل الجمهورية” وبتأكيد التقييم بأنه جرى اختطاف “التحرك” ودفة مساره في اتجاهات تصعيدية وظهور مخاوف في الشارع السني مما ولد الاصطفاف الطائفي بين الدوار وجامع الفاتح.
- هنا كما أكدنا لم تتم محاولة كشف الصلات الموضوعية العميقة فيما بينها عبر “التجريد النظري” والفكري واستخدام المنهجية العملية لكشف آلية حركتها كردة فعل على الأحداث فقد أدى هذا الواقع أن تكون برامج وممارسة ما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” كما لو أنها مستوحاه بصورة بسيطة مما يحدث في البحرين “حالياً، آنياً ” مباشرة” دون أن يفتح ذلك إمكان تصور رؤية أو تقدير احتمالات التطور المستقبلي الممكنة التي بدونها لا يمكن أن يقدم نهج سياسي جدي لأي طرف أو جمعية وخاصة بالنسبة لما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” الذي دخل فجأة في أحداث 14 فبراير لأن الجانب الوطني هنا يحّتم عليه الدخول خاصة في هذه “اللحظة الثورية” وإلا أنه سوف ينعزل عن “الجماهير” الثائرة؟!
- هنا تم “تعويم الأيديولوجيا” أو “انتهاء عصر الأيديولوجيا” ولنقتبس هنا مما قاله نائب الأمين العام لوعد “رضي الموسوي” “كان المرحوم عبدالرحمن النعيمي قد وعى له مبكراً وقدم وثيقة في سجنه في دمشق في العام 1990 بالتزامن مع سقوط دول الكتلة الاشتراكية تناولت مسألة تعويم الأيديولوجية”
- ونعتقد بأن المستقبل ليس للتطرف من أي جهة وليس “الأيديولوجيا” التي عومناها منذ أكثر من 22 عاماً “ووصلنا إلى خلاصة العمل السياسي في البحرين يجب أن يكون على مبدئين أساسين وهما مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية”
” ونحن في جمعية وعد من بيننا المتدين وغير المتدين ، المحجبة وغير المحجبة، والسني والشيعي ؟! ونعتقد بأننا بهذا التكوين نلتقي على مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية.
إذاً هناك “رفيقات” محجبات متدينات وهناك “رفيقات غير محجبات وعلمانيات” ؟!
وهناك “رفاق” سنة وهناك رفاق شيعة؟!
- وهنا نائب الأمين العام لوعد يعكس ما كان يقوله أمينه العام “إبراهيم شريف + فاضل عباس ” لا نريد الاصطفاف على أسس أيديولوجية ونحن في وعد لا نرى مثل هذه الإصطفافات ونحن ضد أي “ائتلاف سيقوم على أسس أيديولوجية ويكرر “نرفض التحالف الديمقراطي إذا نشأ على جثة “السداسي”
- أولاً نرى هناك المنطق الصوري بما أن أعضاء الجمعية هم من المتدينين وغير المتدينين وبما أنهم يوجد فيهم السني والشيعي فيتطابق معهم من الناحية الحقوقية “مسألة حقوق هؤلاء وهي المهمة الملقاة على عاتق الجمعية وكأن هؤلاء المتدينين لا توجد لهم جمعيات تسمى بالإسلام السياسي في الجانب السني + الشيعي وتضاف لهم جمعية جديدة مع تغيير الاسم وهي جمعية العمل الوطني الإسلامية (الشيعية – السنية) وبالنسبة لغير المحجبات العلمانيات جمعية العمل الوطني العلمانية. وهنا يكون الصراع السياسي بين من يريد أسلمة المجتمع والدولة وبين من يريد علمنة الدولة وفصل الدين عن السياسة وفصل السياسة عن الدين وهو أكبر خطر محدق بالديمقراطية.
مسألة أيديولوجية :
- كلمة أيدولوجية (وأيديولوجيون) نحتها “دستون دوطراس” سنة (1796) عندما قطع مع علم النفس العقلاني للدولة على أن “الأيديولوجي” = “علم الأفكار”
- تبنى كل من “كارل ماركس وأنجلر” الذي أطلع سنة (1844) على كتاب العناصر لـ (دستون) لفظ “أيديولوجية” الذي أعاد من جديد حرصهما على معرفة الأصول من أجل إرجاع “الأفكار” “علم الأفكار” إلى جذورها.
- الفكر هو كل منتوج الدماغ والأيديولوجيا هي “الوعي” إذاً الفكر أيديولوجيا والأيديولوجيا فكر مع ملاحظة أن الأيديولوجيا كما الفكر يمكن أن تكون زائفة أو تكون حقيقة والفلسفة كما الدين، كما السياسية (فكر) وهي ذاتها أيديولوجيا مع اختلاف في “طرق البحث” بين الفلسفة والدين والفلسفة والسياسة والدين والسياسة و(الفكر) ليس محايداً كما الأيديولوجيا
- الأيديولوجيا والواقع:
عند المثالية الفلسفية: تعني الأيديولوجية المعرفة التأملية النظرية التي تعتقد أن “الأفكار” تقود العالم أو أن “الفكرة تصنع التاريخ” وبهذا فإن الأيديولوجية هي “اللاواقع” أو “اللا تاريخي”
عند الجدل المادي : أن العلاقة الفكرية بين البشر خاضعة لعلاقاتهم المادية (الأيديولوجية) مكونة من انعكاسات وأصداء لمسار حياة البشر المتحقق وليس للأيديولوجية تاريخ ولا تطور بالانفصال عن تاريخ العلاقات المادية، إن كل “فكر” نتاج فكري مشروط بالعلاقات المادية ويتحول معها. ماركس: حيث ينتهي التأمل النظري في الحياة المتحققة يبدأ تحليل النشاط العملي تحليل مسار تطور حياة البشر العملية وتنقطع عبارات “الوعي” الجوفاء وتحل محلها معرفة متحققة.
وللأيديولوجيا هنا معنيان: سلبي وهو “الوعي الزائف” وإيجابي وهو “الوعي المطابق” والأساس هنا هو “الواقع” (فالزائف) هو الوعي “المفارق” للواقع، مقلوبه و “المطابق” هو المعبر عن “انعكاسه”
- وهذان المعنيان يتحددان في إطار الصراع الطبقي، حيث يبدو الوعي المطابق “للطائفية السياسية” ولأيديولوجيتها المذهبية زائفاً حينما يُعتنق من قِبل الطبقة العاملة أو الطبقات الوسطى أو الجمعيات المسماة “بالتيار الوطني – الديمقراطي” وهنا تبرز نسبية التحديد وهذا ما حدث خلال الأحداث الأخيرة 14 فبراير حيث تم الفصل بين مسألة تحقيق “التغيير” والذي قادته التيارات الشعبوية الطائفية الدينية – واليسار المغامر والاتجاه المتطرف في الإسلام السياسي الشيعي/ السني (ومسألة الصراع الطبقي) مع الحلف الطبقي + النخب المتشددة ضد الطبقة العاملة وكل من يعملون بأجر مع من المفترض جمعياتها “الوطنية الديمقراطية” هنا تم تغليب التغير الذي قادته قوى التخلف مع مشروعها سواء الجمهورية الإسلامية أو دولة ولاية الفقيه أو في الضفة الأخرى دولة الخلافة الغير معلنة أو المعلن عنها على “الصراع الطبقي” مما أظهر الأيديولوجيا التقدمية الحديثة كنظرية “كفكر” “غير طبقي محايد طبقياً” كمقابل للأيديولوجيا التي ترادف “التضليل” و”الزيف”
- كان من المطلوب أن يكون الفكر “النظرية” “الوعي” منحازاً طبقياً بالقياس إلى “الصراع الطبقي” وليس “الطائفي – القبلي” في الواقع البحريني، حيث ليس هناك موقف “فوق الطبقات” أو “بينها” لأن المنطق يقول أن تجاوز “التحيز الطبقي” هو موقف “طبقي”
- وتم هنا عدم الالتفات إلى أن الأيديولوجيا هي أحد مكونات (البناء الفوقي) للمجتمع الذي يعّبر ويعكس فكرياً تناقضات (البناء التحتي) وحركيته وعلى وجه الخصوص التناقض الأساسي أو الرئيسي فيه وعن أي من القوى تعبر هذه “الأيديولوجيا”
- فتم خلط الأوراق هنا بين القوى التي تدعو إلى التغيير والقوى التي تقف حجر عثرة أمام هذا التغيير.
- ولعل كما ذكر نائب الأمين العام لجمعية وعد “وليس للأيديولوجيا التي عومناها من 22 عاماً والتي قدمها المرحوم عبدالرحمن النعيمي في وثيقه في العام 1990 بالتزامن مع سقوط دول الكتلة الاشتراكية حيث تناولت مسألة تعويم الأيديولوجيا” كان سببها هيمنة وسيطرة الرؤية الستالينية على تلك التجارب وأبعدت المفهوم العلمي للأيديولوجيا عن ممارستها، حيث أخذت العلاقة “أفكار مسيطرة/ طبقة مسيطرة” على ظاهر اللفظ حيث أصبحت هذه العلاقة لدى المجتمعات الاشتراكية “مبدأ تنظيمياً” وما ترتب على ذلك من تلقين أيديولوجي كما حدث لدى الأحزاب والحركات التحررية في كثير من بقاع العالم وظهر ذلك في دور التعليم الحزبي وفي إرساء التعليم “الماركسي – اللينيني” من وجهة الاندفاعية المتحكمة بإنتاج “الإنسان الجديد” إلى إعطاء العوامل الأيديولوجية دوراً متميزاً “انظر” “الثورة الثقافية” الصينية أو “ثورات الزوتشي الثلاث” وليس تقديس الشخصية الذي ظهر في هذا البلد أو ذاك محض صدفة ولكنه نتيجة نظام معين وعلى الجملة فإن خطر أدلجة الماركسية من قبل الستالينية كما لمسه لابريولا أصبح متأكداً، وهنا ينقلب العلم إلى “عقيدة” بل إلى تعليم ديني وليس إلى منهجية ويصح ذلك منذ اللحظة التي يطرأ فيها تحول في تحليل موازين القوى الذي وقعت فيه كل من جمعية وعد – التجمع القومي – المنبر التقدمي التي رأت بأن هناك وضع ثوري ولا مرد له ويتحول هذا التحليل إلى أوامر وشعارات وكأن الأمر قد استفحل عندما مارست “المركزية – الديمقراطية” مثل مفتاح نظام آلي حيث تقرر “الإطارات كل شيء” “اللجان المركزية + المكتب السياسي” وحيث تكون هذه الجمعيات دائماً على حق.
- وهنا تحت شعار “تعويم الأيديولوجيا” يتم التبرير وبطريقة غير واعية أو واعية “للأيديولوجيا الدينية الطائفية المذهبية” تزييف وتضليل الوعي، فحسب طرح نائب الأمين العام لوعد “نحن ندّعي أننا جزء من التيار الوطني الديمقراطي وهذا لا يعني أن الآخرين ليسوا “وطنيين” فتيار “الإسلام السياسي” تمثله جمعيات سياسية “وطنية” أيضاً.
هنا نائب الأمين العام لوعد يغض الطرف عن مفهوم مصطلح “الإسلام السياسي” في البحرين يأخذ شكل إسلام سياسي سني وإسلام سياسي شيعي وأن كل جمعيات الإسلام السياسي لا تعّبر إلا عن طائفة في المجتمع “الطائفية السياسية” ومن هنا تفقد “وطنتيها”
- ويمكن تعليل ذلك بفقدان الأسس والدعائم “الأيديولوجية” والفكرية التي من المفترض أن تميز ما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” حيث فقد أو تضائل فيها “الإجماع” على الأهداف (الوطنية – الديمقراطية) والذي يدّعيه نائب الأمين العام بأنه امتداد “لحركة الهيئة” حيث يغفل هنا عن كل ما كـُتب عن هذه الحركة التنويرية والتي لم تحركها “الطائفية السياسية” بل كانت بالضد من تعزيزها في الحراك السياسي في تلك الفترة وتم وأد “الفتنة الطائفية” وكان هذا أكبر إنجاز حققته تلك الحركة على المستوى الوطني وعلى عكس ما فعلته جمعية وعد والتجمع القومي والمنبر التقدمي بوقوعها في المستنقع الطائفي الديني المذهبي الظلامي حيث تحول الانتماء من “الأمة” إلى الجماعات المحلية المناطقية والطائفية وأصبح هو العنصر الدينامي المحرك لها.
- كما يستنتج نائب الأمين العام لوعد بروز ظاهرة الإسلام السياسي بعد عدة ضربات وكانت آخرها ضربة (1986) التي أنهكت اليسار ولم يمعن النظر إلى أن بعث الإسلام السياسي (سني/ شيعي) قد جرى منذ فترة السبعينات من قِبل بعض النخب الحاكمة وسماحها للعمل في الدولة والمجتمع وليس عفواً بعثها تحت مسمى “الصحوة – الإسلامية” ولم ينبثق بشكل مفاجئ وهذا تم طرحه بشكل مفصل في ورقة الإسلام السياسي والديمقراطية نموذج جمعية الوفاق، كما يطرح أيضاً نائب الأمين العام ذلك “وبالتوازي برز الإسلام السياسي الشيعي بعد انتصار “الثورة الإيرانية” وهذا يفسر بروز “القوى السياسية الإسلامية الشيعية في 1979 وهي الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين وامتدادها الآن جمعية “أمل” وفي التسعينات حركة أحرار البحرين وامتدادها جمعية الوفاق؟!!
- هنا لم يعّمق ما يسمى (بالتيار الوطني – الديمقراطي) قراءته للواقع بأن البناء الاجتماعي في البحرين في نهاية الأمر ما هو إلا شبكات متصلة ومتواصلة من “العلاقات الاجتماعية” في مختلف الميادين في السوق، السياسية في الاتجاهات النفسية في علاقات القرابة إلخ.
- هنا وحدة التحليل الأساسية هي “القوى الاجتماعية” وليست “متدينات وغير متدينات ومحجبات وغير محجبات أو سنة أو شيعة أو حقوق أفراد أو جماعات (الحريات الخاصة، الحريات العامة)
- ويجب النظر إلى أن وحدة التحليل الأساسية “القوى الاجتماعية” التي تمثل كل منها شبكة علائقية في فترة زمنية معينة ودينامية متحركة في نفس الوقت إن ما كان خافياً عن نائب الأمين العام لوعد ولغيره في ما يسمى بالجمعيات “الوطنية الديمقراطية” هو أن (القوى الاجتماعية) تعيد صياغة نفسها وتتكيف في شكل “تضامنيات” “شبكات ثقة” وهذا ما يخص التجربة البحرينية تأخذ مكان “التنظيمات” “القرابية، القبلية، الطائفية، الأثنية = التقليدية وتظهر مكانها التضامنيات “القبلية السياسية، الطائفية السياسية (الإسلام السياسي (شيعي/ سني) ” هاتان التضامنيات هي التكيف الجديد والذي يحاول نائب الأمين العام لوعد وغيره بنزعه عنها. إن مصطلح “الطائفية السياسية” وهو نمط تضامني يعتبر الطائفة “تضامنية” العلاقات فيها خارجة عن التنظيمات المجتمعية الأخرى أو موازية لها مثل “النقابات والجمعيات المهنية وحتى الجمعيات السياسية ما يسمى بالتيار الوطني – الديمقراطي لأن المؤسسات السياسية في مجتمعنا تفتقر إلى التحديد الدستوري وإلى التوصيف القانوني، انظر مثلاً قانون الجمعيات السياسية وما ورد في وثيقة الميثاق الوطني من عدم السماح لتشكيل جمعيات على أساس طائفي ولم يُفعل.
- وهنا يتم تغيير المسميات من الإسلام السياسي الطائفي (شيعي/ سني) إلى القوى الدينية أو إلى مسمى المعارضة الشيعية أو السنية وخارج هؤلاء تم التصنيف كما يطرحه حزب الله في لبنان إلى “موالاه – ومعارضة” وبتقسيم لوحة السياسة ولوحة المجتمع وكأنها تبدو خالية من التناقضات والصراع الطبقي بين القوى الاجتماعية وخصوصاً أثناء اللوحة الخادعة التي تشكلت في أحداث 14 فبراير
- وكان من المهم أن يكون برنامج اليسار التقدمي أن يحدد توجه العام نهجاً وأهدافاً وأن يحدد ممارساته التكتيكية بأن يستند على اكتشاف ومعرفة “القانون العام الموضوعي الذي يحكم تطور المجتمع والدولة في البحرين وأن يرى محصلة تدخل “العولمة الرأسمالية” في توجهها الاستراتيجي تجاه البحرين وتفاعلها مع جملة التناقضات السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية .
- وما تفسحه هذه التناقضات من مجال لتدخل القوى الخارجية الدولية – والإقليمية، حيث هيمنت على الحياة السياسية ظاهرة العولمة التي أفرزتها ظاهرة المعلوماتية أو مجتمع المعلومات والثورة التقنية في الإدارة وتدفق المعلومات عبر الميديا – وسائل الإعلام المعولمة ، وهنا تكمن أهمية تأصيل فهم حداثة – التخلف لدى قوى الإسلام السياسي وما يسمى بالتيار الوطني الديمقراطي على أنه التأخر والإرتكاس في إدراك أن العولمة تمثل حقبة جديدة تعني الهندسة الاجتماعية أي في إعادة تنظيم الاقتصاد والمجتمع بما يتناسب مع هذه الحقبة من التطور الاقتصادي والتقني – العسكري – الاستخباراتي – الثقافي – النفسي – ترافق الهندسة الاجتماعية هندسة تاريخية يقوم فيها الطرف المهيمن بإعادة تفسير التاريخ أو تزويره حسب منظورات ثقافته.
- إذاً ثقافة التخلف تنتج منظورات وتفسيرات ترزح تحت عبئ التأخر والارتكاس تنزاح بين جلد الذات إلى الانغلاق على الذات في تعصب طائفي سلفي مضاد وهو يمثل أيضاً هندسة تاريخية هي هندسة المهيمن عليه أو الطرف الضعيف.
- في إطار هذا التطور الموضوعي يتحدد التوجه التقدمي لنهج اليسار في التعاطي مع الظاهرات والأحداث التي يوّلدها هذا القانون على الصعيد التكتيكي وعلى الصعيد الاستراتيجي “التقدمي الديمقراطي” ووفق ما ينتجه هذا القانون من إمكانيات واقعية وما يتطلبها من “تمرحل”
– خطأ عدم التمييز بين “طبيعة” الدولة و”وظيفتها” أي مفهوم الدولة (كأداة إدارة) أو “كأداة قهر طبقي” حيث تم الفصل هنا بينهما لدى ما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” مع عدم الأخذ في الاعتبار بأن بلادنا ناشئة على قاعدة “توليفات – شبكات ثقة – تضامنيات” اجتماعية – سياسية تنخر فيها “القبلية السياسية والطائفية السياسية” وذلك كما ذكرنا سابقاً بسبب عدم تبلور وتكامل “الفرز الطبقي” فيها بصورة واضحة كما في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، ولكن هذا لا يمنع من أن هذه “التوليفات – شبكات الثقة – التضامنيات” الاجتماعية – السياسية تـُعّبر عن الطبقات سواء الفئات السائدة أو المسيطرة أو المستفيدة أو في الجانب الآخر الطبقات المستغلة.
- إن الوظيفة العامة للدولة “كأداة إدارة” مقيدة وخاضعة أيضاً بطبيعتها ومداها للطبيعة الطبقية “كأداة قهر طبقي” للدولة، فلن تمارس الدولة “الاستقلالية” إزاء القوى الاجتماعية والقوى السياسية المعبرة عنها أو التي تقف ضدها مع النظر أنه يمكن توسيع مدى التنازلات بالضغط السياسي على الدولة في مجال “وظيفتها العامة” كأداة إدارة لمصلحة قوى التغيير الديمقراطي رغم الطبيعة الطبقية للدولة “كأداة قهر طبقي” فدرجة الكبح أو تحقيق مجالات الحركة الأوسع والمكاسب لمصلحة الجماهير في إطار النظام إنما يخضعان لموازين القوى السياسية والاجتماعية في البحرين وحتى الدولة “الديمقراطية المفترضة” ستكون طبقية الطبيعة والوظيفة بحكم تمثيلها للطبقات والفئات الاجتماعية التي تنشد التغيير الديمقراطي والتي من المفترض أن تمثل أغلبية المواطنين على أساس مبدأ “المواطنة”.
- دون هذه النظرة الشمولية ولحركية الواقع الموضوعي الملموس ثمة خطر كبير لارتكاب الأخطاء التكتيكية وحسب، بل للوقوع في احتمال “الانحراف” الاستراتيجي أيضاً كما حدث لما يسمى (بالتيار الوطني – الديمقراطي) في أحداث 14 فبراير.
3- مسألة العنف:
- بالنظر إلى قضية “العنف” أو “اللاعنف” في العمل السياسي، ليس للعنف مفهوماً معيناً أنه “ممارسة” ملازمة للعلاقات الاجتماعية تعبر عن أشكال عديدة تتخذها هذه العلاقات.
- فدهرنج يرى في “العنف السياسي المباشر العنصر الأولي” للتاريخ وبالتالي يجعل من “الوضعيات السياسية” السبب الحاسم للحالة الاقتصادية.
- يرد عليه إنجلز في كتابه “أنتي دوهرنج” بقوله أن هذا المثال الذي أورده “دوهرنج” يدل على “أن العنف ليس سوى الوسيلة بينما الإفادة الاقتصادية هي الغاية ويعطي أنجلز مثال على ذلك “لم تظهر الملكية الخاصة” كثمرة للسرقة بل بالعكس وفي أي مكان برزت فيه كانت الملكية الخاصة ناتجة عن تغيير علاقات الإنتاج والتبادل وهذا ما يخدم تزايد الإنتاج وتطور التبادل والتجارة، فهناك إذاً أسباب اقتصادية ولا يلعب العنف هنا أي دور أبداً، كما حدث في الصراع بين البورجوازية والإقطاعية “الصناعة ضد الملكية العقارية، الاقتصاد النقدي ضد الاقتصاد الطبيعي”
- هنا يتم مقابلة العنف بالاقتصاد = القوة إذاً هي عامل اقتصادي ويؤكد عليه إنجلز بقوله “ليس العنف نفسه “أي سلطة الدولة” هو أيضاً قوة اقتصادية وهو هنا ضد فكرة دوهرنج والقائلة أن العنف هو محرك التاريخ وهو عالم الصخب والغضب أو أن العدوانية هي الفضيلة الأولى، كل هذا أدى بماركس وأنجلز إلى اتخاذ المواقف الأيديولوجية الأكثر تشدد أو حزماً في وجه المدافعين عن العنف الفوضوي سواء كانوا طوباويين أو فوضويين كما وقفا بنفس الحزم ضد نزعة تحطيم الآلات وضد العفوية – الإنتفاضية ذلك أن العنف الأكثر مباشرة لا يعبر فقط عن نفسه بل عما يوّلده من ظروف والذي يأخذ شكل انتشار ظاهرة الإرهاب.
- بينما يخضع “العنف الثوري” إلى ثلاثة جوانب يأخذ بعين الاعتبار “ميزان القوى القائم والظروف أو الأزمة” و “الشروط الموضوعية للوضع الثوري”.
- يتعلق بإيجاد الرد المناسب للمقهورين في مواجهة علاقات الاستغلال ابتداء من تكوين الطليعة “الحزب” إلى مختلف أشكال النضال ويضيف كارل ماركس على أنه إذا كان لا يمكن لـ “سلاح النقد” أن يعوض “نقد السلاح” فإن النظرية مع ذلك “قوة مادية عندما تستحوذ على لب الجماهير، ويؤكد إنجلز في عام 1845 “كلما اكتسب العمال الإنجليز أفكاراً اشتراكية أكثر فأكثر أدركوا أن غضبهم الشديد غير ذي جدوى وأن هذا الغضب لا يؤدي إلى نتيجة تـُذكر ما دام باقياً على مستوى “العنف” الذي هو عليه الآن المتسم بالوحشية والفضاضة” ويبرز “الوعي” هنا كعامل لا يقل ضرورة على الظروف “المادية المحضة”
- ويتعلق بالغاية أن العنف لا يرمي ألبته إلى ضرب من ضروب التنفيس عن الغضب بل هدفه إحداث التغيير السياسي بل يقتضي بالذات إلغاء العنف الحادث عن الصراع الطبقي.
- أن أسوأ عنف ليس هو بالضرورة الأشد ضراوة والأكثر سلاحاً ودموية بل هو العنف المؤسساتي مثل العنف الموجود في المصنع أو حتى في المدرسة والعائلة
- إن العنف مهما كانت الأهداف المبتغاة منه لا يقود هذا التوجه في آخر المطاف إلا إلى “التدمير” تدمير الذات وتدمير المجتمع وتدمير الأهداف الوطنية الكبرى في ضوء هذا الواقع لا يمكن الركون إلى هكذا أسلوب “وحيد” ، معيار من هو “العدو” وعلى أساس قضية واحدة فتحديد “العدو” لا يحدد إلا التوجه العام للتغيير أما وسائله وأساليبه فتتحدد بالجدوى المادية العلمية بحساب موازين القوى المادية في ساحة “المواجهة” السياسية والميدانية الفعلية ففي الشروط العامة في البحرين التي ألمحنا إلى بعض معالمها يتبين أننا أمام مرحلة انتقال وتغيير طويلة المدى ولسنا أمام “معركة” واحدة حاسمة “ثورة شباب 14 فبراير” وبالتالي فإن من الخطأ البين بل والخطير أن يدعي بعضهم أن طريق الخلاص الوحيد تأييد أطروحاتهم وبرنامجهم ومشروعهم “لإسقاط النظام” وتشكيل دولة ولاية الفقيه أو الجمهورية الإسلامية أو دولة الخلافة طريقاً وحيداً بل العمل على تغيير ميزان القوى بحيث يتم استعادة “المبادرة” لتحقيق أهداف إيجابية على الصعيد الداخلي كالدفع في اتجاه الدولة الديمقراطية المفترضة دولة القانون والمؤسسات، وبتحويل الجماهير المساندة سواء للإسلام السياسي (سني/ شيعي) أو للقبلية السياسية أو للتيار الشعبوي الطائفي المغامر أو اليسراوية المغامرة التي شقت الصف الوطني وأحدثت الشرخ الطائفي إلى كتلة تاريخية واعية منظمة قادرة على صنع تاريخها وتاريخ وطنها وأي محاولة لحرق المراحل بطرح شعارات “فوق ثورية” واللجوء إلى العنف لا يبررها الواقع الموضوعي ولا توازن القوى إنما هي وليدة استراتيجية أخرى لا علاقة لها بالتغيير الحقيقي والأهداف الحقيقية لشعبنا أو أنها وليدة اليأس والإحباط وانسداد الأفق لديها كالقول بالتهديد والوعيد بأننا لم نستخدم سوى نصف السلمية أو شعار “اسحقوهم” أو بما يطرح من عسكرة الثورة !! وبصرف النظر عن الدوافع والمشاعر والعاطفة التي أخذت شكل انفجارات سياسية عنيفة وفي الجانب الآخر جاءت مطالبات ما يسمى “بالتيار الوطني – الديمقراطي” في أحداث 14 فبراير وإثنائها وبعدها حتى الآن بمواصفات جداً عامة ناتجة عن رد فعل ذاتي بسيط ومباشر على الجاري من الأحداث والذي جاء جزء منه كانعكاس ميكانيكي لما يحدث في دول عربية وما سمي بالربيع العربي وشعارها العام “الشعب يريد” دون أن يكون لها دور مستقل “قيادي” لتترجم ما هو موجود في برنامجها السياسي ونظامها الأساسي “شرعيتها” الذي خرقت كل بنوده واتجهت إلى الكرنفال السياسي في الدوار لترشد وتثقف الجماهير هناك!! حيث ضاع هذا الاتجاه في التيار الوطني – الديمقراطي وسقط في المستنقع الطائفي الديني المذهبي الذي كان يحمل تبعاته ونتائجه السياسية الاتجاه المتطرف في اٌسلام السياسي الشيعي والفئة الشعبوية المغامرة الطائفية.
- كل ذلك جرى دون الاهتمام بالشروط المادية “الواقعية” ولا بالتناقضات بكل أنواعها كشرط لا غنى عنه للتفتيش عن وسائل المعالجة الناجعة، فالتغيير لا يحصل “بالتمنيات والشعارات الثورجية ولا بالجمل الثورية ولا بالدعوات بل بالوسائل المادية.
- إن مهمة البرنامج السياسي لليسار التقدمي أن يدلل على هذه الوسائل وأن يحدد السبل لتهيئة هذه القوى للقيام بمهمة التغيير.
- ولكن ما هي الأولوية لهذا المشروع – البرنامج المفترض لليسار التقدمي؟
المسألة الوطنية
إن هذه المسألة تشكل المحور الأساسي لما تعانيه البحرين في اللحظة الراهنة من صعوبات في الحياة العامة لكل مكونات المجتمع البحريني وللقوى السياسية الفاعلة وأيضاً للنخب الحاكمة وبالذات لليسار التقدمي وبالتالي فإن طريق الخلاص وضمان التقدم المستقبلي يتوقف على درجة وعمق المعالجة السليمة لها.
- فمن الملاحظ أن القوى التي أعاقت تطور المشروع الإصلاحي أبان الفترة السابقة (كالقبلية السياسية – الطائفية السياسية والشعبوية الطائفية المغامرة والحلف الطبقي والتي أضيف لها الاتجاه المغامر في ما يسمى بالتيار الوطني – الديمقراطي) قد أوصلت البلاد إلى النتيجة المنطقية لسياساتهم وهو إحداث الشرخ الطائفي – والفتنة الطائفية وبدأت في الآونة الأخيرة بعض الاتجاهات المتطرفة في الإسلام السياسي بنقل حل المسألة الوطنية خارج البحرين بمحاولة تدويل هذا الملف وداخلياً هيمنة المسألة الأمنية عبر المواجهة والتحدي في الشارع أو بتصوير العملية بأن هناك خطر خارجي يهدد سيادة البحرين من دول خليجية!!
- هذا الاختزال الرهيب لمضمون وفحوى هذه المسألة الوطنية لا يمكن أن يقدم لا على الصعيد الاستراتيجي وحدة بل حتى على الصعيد التكتيكي أيضاً مادة أو قاعدة لتوجه سياسي عملي واضح المعالم لأي قوى سياسية فاعلة في الساحة البحرينية وخاصة لليسار المثقل بالانقسامات والشللي والتشرذم الناتج عن تراكم الأخطاء السابقة والحديثة التي ارتكبت في أحداث 14 فبراير بالذات، وضغط الوضع العام الجديد الذي نشأ بعد أحدث 14 فبراير وبعد قانون السلامة الوطنية إلى الآن.
- يجب التأكيد هنا بأن المسألة الوطنية هي تأمين سبل التطور العام السليم – التقدمي للمجتمع بكل مكوناته وأطيافه السياسية على جميع الأصعدة السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي – الثقافي – الحقوقي عبر تعزيز مفهوم ومبدأ المواطنة وتفعيله الولاء والانتماء في الكيان المعنوي المسمى “الدولة” وعبر صهر وإدماج “المواطن” فيما يسمى بالشخصية الوطنية وبالتأكيد ثانياً على أهمية الحقوق والواجبات للمواطن ومن ثم تأتي مسألة المشاركة السياسية للمواطن في صناعة القرار عبر السلطات التشريعية – القضائية – التنفيذية، ومن المهم هنا عدم حرق المراحل والقفز مباشرة إلى السلطة التنفيذية.
- والموقف الوطني من الخطر الخارجي ينبغي أن يفهم كونه تدخلات وضغوطات سياسية ويفرض سبل للتطور معينة على البحرين بوسائل الابتزاز الدبلوماسية والسياسية والضغوط أو “الإغراءات” الاقتصادية أو بتنظيم الاستفزازات وتحريك عوامل عدم الاستقرار بتأجيج الخلافات والتناقضات الداخلية على أنواعها (القبلية – الطائفية – العائلية) كل هذه الأمور تدخل في صلب المسألة الوطنية.
- إن عدم تناول القضية الوطنية بشموليتها والتعامل معها بجزء من مكوناتها “بمواجهة الخطر الخارجي – المعالجة الأمنية – نقل ملف البحرين للخارج – الحرب الإعلامية المفتوحة بين كل الأطراف الفاعلة في الحراك السياسي” فقط ومهما كانت أهمية هذه الأجزاء بنظر الفاعلين فيها لا يعني فقط نقصاً وقصوراً “كمياً” بل أنه يفتح ثغرات خطيرة في هذه “المواجهة – التحدي” فسواء قامت بذلك بوعي أو بدون وعي فإن ذلك من جهة كمن يزكي نهج القوى العالمية والإقليمية أو الداخلية “المتطرفة” التي لا تتلاءم مع المتطلبات المهمة للمسألة الوطنية بمعناها الشمولي.
- إن عدم الالتفات إلى جميع هذه المحاذير يحمل بذور إضاعة الموقف السياسي المميز لليسار التقدمي ذلك لأن أمامه عملية تحويل سياسي – اجتماعي – (وطني – ديمقراطي) لها طابع نوعي بمعنى ما. وهذا يتطلب من برنامج اليسار التقدمي أن يحدد لا الخطوات الإصلاحية المباشرة بل بالدفع بالمطالبة برقابة المجتمع المدني على الدولة تسهم في تسديد وظيفة القوانين في اتجاه تأمين الحريات العامة من جهة وتأمين الشروط الديمقراطية لممارستها ومن غير الصحيح تبرير وشرعنة رقابة الدولة على المجتمع كما هو حادث الآن سواء عندنا أو لدى الدول المتقدمة لأن ذلك يعني واقعياً إعطاء “السلطة التنفيذية” هذا الحق وهي في حقيقتها (أقلية تمثيلية) منتدبة من المفترض لفترة محددة لإدارة الحكم وهذا ينسجم مع المبدأ الذي يتطلب التمييز بين “الدولة” و “السلطة” هذه التي يضعها الإسلام السياسي بشقيه (سني / شيعي) كأولوية للوصول لها “السلطة” والذي يطالب بنظام التمثيل بالحصص على الطريقة اللبنانية والعراقية.
- إن مبدأ التنوع خلافاً هنا لأطروحة المجتمع الفيسفائي الممزق (أو التعبير الطائفي – القبلي عنه) يمكن أن يكون مصدر قوة وحيوية بشرط أن يستبعد منه البعد السياسي الذي يدعو إلى الانفصال والانقسام، فقضية الأقليات أو الأغلبية سواء كانت أثنية أو مذهبية ليست بالضرورة عنصر تجزئة وتمزيق أو سيطرة أو هيمنة إذا ما خلت من البعد السياسي الانقسامي الطائفي.
- ذلك لأن المجتمع المدني هو كل ثابت تتبلور مصلحته العامة كمحصلة لموازين القوى السياسية والاجتماعية المتفاعلة المتداخلة بهذا المعنى تكون مصلحة المجتمع العامة ذا طبيعة موضوعية تبرر حقه في الرقابة على الدولة.
- إن يحدد برنامج اليسار التقدمي إلى جانب ذلك طبيعة ومواصفات الدولة الديمقراطية المفترضة والهدف والطريق للتغيير الديمقراطي للوصول إليها كأساليب التغيير وكتدرج في مراحل التطور وكقوى اجتماعية ينبغي أن تهيأ سياسياً وتنظيمياً لتحقيق ذلك.
- إن برنامج اليسار التقدمي يجب أن يبنى على مستويين في ضوء التحليل العام للعوامل الرئيسية التي تحكم التطور العالمي في هذه الحقبة من الزمن التي لها تأثيرها المباشر في تحديد مسار التطور الداخلي في كل بلد وبدرجات متفاوتة وفق الخصائص السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل منها وبالتفاعل معها وهذا ما يسمى “الظروف التاريخية” التي يجب أخذها في الاعتبار في أي تحليل أو في أي تقرير يضعه اليسار التقدمي.
- في المستوى الأول يتركز المسعى للتغيير على توسيع وتقوية تأثير القوى الديمقراطية واليسارية التقدمية بالذات في الحياة السياسية العامة في البلاد لتحقيق الإصلاحات الديمقراطية المتدرجة في جميع ميادين حياة المجتمع والدولة بالأساليب الديمقراطية وفق خطة عمل علمية استنادا إلى قوة الجماهير بإشراكها بصورة متزايدة في التغيير عبر المطالب والإصلاحات العامة.
- في المستوى الثاني تحضير الشروط الملائمة عبر التغيير في المستوى الأول والتراكمات الإصلاحية التي تحققت لإجراء التغيير الذي يجب أن يعني إجراء تغيير في طبيعة السلطة بوصول تحالف القوى الديمقراطية واليسارية التقدمية ومنظمات المجتمع المدني إلى المشاركة الفعلية في الدولة بالأساليب الديمقراطية عبر مؤسسات الديمقراطية وقيمها ومبادئها وبتدرج تحدده شروط الحياة السياسية الداخلية وشروط علاقات البلد مع المحيط الخليجي والإقليمي والعالمي وبالدرجة الأولى عبر الانتخابات الديمقراطية وبسائر وسائل الضغط السياسي الجماهيري غير العنيف.
- وفي إطار هذين المستويين اللذين يشكلان معياراً لا لتحديد النهج العام للوضع الذي يوصل إلى استراتيجية قوى اليسار التقدمي فقط بل أنهما يحددان الخطوات التكتيكية لبلورة المواقف التفصيلية والمباشرة إزاء تطورات الأحداث الجارية والمواقف الآنية التي تتخذها سواء قوى الإسلام السياسي (سني/ شيعي) أو التيار الشعبوي المغامر أو الاتجاه اليساروي المغامر في ما يسمى “التيار الوطني – الديمقراطي” بما فيها النخب المتشددة في الحكومة والحلف الطبقي.
- هنا تكمن مهمة اليسار التقدمي في صياغة وتحديد برنامج لليسار التقدمي حيث يتطلب ذلك تصوراً ورؤية نظرية وسياسية وتنظيمية للتطور الموضوعي للمجتمع في احتمالاته المختلفة والبناء على هذا الفهم خطة عمل اليسار التقدمي ولو بتوجهات عامة يتقرر بموجبها إلى درجة كبيرة من الصحة والدقة التدابير والمواقف التفصيلية الملموسة في الحياة السياسية اليومية هذا التصور النظري – السياسي – التنظيمي يجب بلورته عبر الحوارات والنقاشات فيما بين الكتل السياسية في اليسار التقدمي لخلق القناعة المشتركة للنهج العام لليسار التقدمي فبدون هذه القناعة تضيع مسألة صياغة برنامج اليسار التقدمي فيما بين التصورات والاجتهادات الخاصة المختلفة والمتضاربة.
- وهذه السُبل هي التي تسمح بالخروج من الشعاراتية ومن الذاتية – الفردية والإرادوية التي تطلق دون تبرير نظري لضرورتها وتحديد إمكانيات تحقيقها وهذا يتطلب عمل لضرورتها وتحديد إمكانيات تحقيقها وهذا يتطلب عمل جماعي مكثف وطويل المدى وعليها أن تعالج ما خلفته أحداث 14 فبراير من شرخ طائفي الذي مزق الوحدة الوطنية والذي أدى إلى حالة الإحباط العامة في الوسط الجماهيري.
- مع توضيح الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة من الإحباط العام، فالإحباط لا يؤدي إلى انكفاء الجماهير عن التغيير وحسب وهذا بحد ذاته عامل سلبي أمام جهود اليسار التقدمي، بل أن الإحباط يفتح المجالات لتوجه الجماهير كما حدث في أثناء أحداث 14 فبراير وإلى الآن أن تتوجه في مسارات خطيرة ومناقضة لبناء الحركة الجماهيرية الديمقراطية ومضرة بها كتوجهها نحو الفئة الشعبوية المغامرة أو اليسراوية المغامرة أو التيار المتطرف في الإسلام السياسي (سني / شيعي) التي استغلت استياء الجماهير واحتجاجها المرافق لعدم وضوح آفاق المستقبل للمشروع الإصلاحي لتوجهها في الخط الخاطئ بصورة لا تقدر فيه بشكل صحيح الإمكانيات الواقعية للتغيير ما أدى إلى وقوع الجماهير في الإحباط وأصبحت هذه الجماهير ضحية تيارات عدمية، متطرفة، فوضوية، مغامرة تغلف مشاريعها (الطائفية – القبلية) بأردية وطنية حيث جرّت هذه الجماهير إلى مستنقع العنف وتم إيهامها بأنه الأسلوب الوحيد الذي يحسم التناقض والصراع على السلطة.
المراجع التي استندت عليها هذه الورقة :
المراجع الأساسية:
- كيف السبيل “نحو نهضة جديدة لليسار” مناقشة أطروحات كريم مروه النظرية والسياسية للكاتب غسان الرفاعي “دار الانتشار العربي”.
- الاقتصاد الكويتي (طفيليه واحتلال) للكاتب محمد سلمان غانم “دار الانتشار العربي”.
المراجع الأخرى :
- معجم الماركسية النقدي المعد من قبل جيرار بن سوسان – جورج لابيكا “دار الفارابي”.
- في جذور الأزمة الاقتصادية العالمية (العمل رأس المال والدولة) للكاتب سامح سعيد عبود “مركز المحروسة”.
- آراء في فقه التخلف (العرب والغرب في عصر العولمة) للكاتب خلدون النقيب “دار الساقي”.
- ما بعد الماركسية؟ للكاتب فالح عبدالجبار “دار الفارابي”.
- النفط والاستبداد والاقتصاد السياسي للدولة الريعية للكتاب “مجموعة من المؤلفين (مايكل روس) “معهد الدراسات الاستراتيجية”.
- من هيجل إلى ماركس – التصور المادي للتاريخ للكاتب / سلامه كيله “دار التنوير”.
- بارديغما لفهم عالم اليوم ، للكاتب ألان تورين “المنظمة العربية للترجمة” (توزيع مركز دراسات الوحدة العربية).
- تقرير ديوان الرقابة المالية لسنة 2009 (جريدة الأيام).