حوار حول ندوة منتدى المنبر التقدمي والتي جاءت تحت عنوان مواقف ومحطات في الوحدة الوطنية. من الملاحظ ان المنبر التقدمي يقوم بمحاولة الاقتراب وملامسة مفهوم (الوحدة الوطنية) في الآونة الاخيرة،
ولكن لماذا جاء عنوان الندوة مواقف، محطات؟ ولماذا لم يركز المنبر التقدمي على الموقف والمحطة الاخيرة احداث ١٤ فبراير ٢٠١١؟ حتى انه لم يقم حتى بملامستها (ورقة المنتدى فاضل نائب الأمين العام للمنبر) ان تحدد مفهوم الوحدة الوطنية في كل مرة يستعاد فيها الي مجال التداول النظري، تعبيرا عن الحاجة الي تجاوز اوضاع قائمة (الشرخ الطائفي) (هيمنة الجمعيات الطائفية السياسية)، بعاملين أساسين التحولات الاجتماعية السياسية والتطور الحاصل او المتحقق على الصعيد المحلي والاقليمي والعالمي والتي نتجت عن تداعيات الانقلاب الفاشل الذي شارك فيه المنبر التقدمي سواء كالفاعل او ملحق تابع له. وما آل اليه ما سمي بالربيع العربي عبر عملية الفوضى الخلاقة بحروب العصبيات الطائفية المذهبية المسيّسة وعبر اصطفاف دول العالم مع هذا الطرف او ذاك. اي انه في هذا الوقت لم يعد ممكنا فيه الفصل بين هاذين الصعيدين. اما العامل الثاني هو تطور الفكر النظري في مجال الفلسفة بوجه عام، وفي مجال علم الاجتماع والنظرية السياسية بوجه خاص. فهل انطلق المنبر التقدمي من كل هذا؟ ذلك ان اي استعادة لهذا المفهوم (الوحدة الوطنية) هي اعادة بناء وتجديد او بسط وإنماء تمليهما الحاجة الي حل المعضلة او القضية الاساسية (الشرخ الطائفي) وبالتالي السير في عملية التقدم. فالوحدة الوطنية كمفهوم وواقعا بات قضية ملحة تحتاجه البحرين، والذي ما زالت مهمة تحقيقه او استعادته بعد كارثة الدوار على جدول اعمال كل الوطنيين والتقدميين والديمقراطيين، بما هو الصيغة الأكثر تحديدا للشعب. بدل الصيغة التي عملت بها ما تسمي بالمعارضة وهي الانقسام والاستقطاب الطائفي (المعارضة الشيعية / المعارضة السنية) (المعارضة / الموالاة) (المظلومية / الظالم) (جمعيات إسلامية / جمعيات علمانية). فهل كان المنبر التقدمي في هذه الندوة يحاول استعادة هذا المفهوم (الوحدة الوطنية) الى التداول كأداة تحليل وقيمة معيارية، وتعبيرا عن الحاجة الي الإصلاح في المشروع الاصلاحي وتجديده في الوقت ذاته، حين بلغ الصراع بين القوي التي حاولت الانقلاب على هذا المشروع الاصلاحي وميثاق العمل الوطني والدولة التي تحتوي هذا المشروع وهذا الميثاق حدا لم يعد معه سوي حذف أحدهما؟ ان هذه الاستعادة تطرح من جديد علاقة المجتمع بالدولة وعلاقة (الشعب) بالدولة التي يفترض ان تكون شكل وجوده السياسي وتحديده الذاتي وتعبيرا عن فاعليته لا استلابا لها في حال نجح مشروع الانقلاب الفاشل. هل تم مقاربة هذا في الندوة؟ اي انها تطرح على الفكر النظري اولا قضية العلاقة الجدلية بين الوجود الاجتماعي وشكله السياسي المغترب، للكشف عن عوامل الاغتراب والتخارج واعادة بناء هذه العلاقة مع الانزلاق والانحراف او الانزياح الطائفي السياسي الذي استبدل الطائفية السياسية بالمجتمع المدني. هذه حزمة من المسائل التي لم يراها او لم يوليها الفكر السياسي الذي كان حاضرا في الندوة.
المشروع وهذا الميثاق، حدا لم يعد ممكنا معه سوي حذف أحدهما. ان هذه الاستعادة تطرح من جديد علاقة المجتمع بالدولة وعلاقة (الشعب) بالدولة التي يفترض ان تكون شكل وجوده السياسي وتحديده الذاتي وتعبيرا عن فاعليته، لا استلابا له (في حال نجح مشروع الانقلاب الفاشل). فهل تم مقاربة هذا في هذه الندوة؟ اي انها تطرح على الفكر النظري اولا قضية العلاقة الجدلية بين الوجود الاجتماعي وشكله السياسي المغترب وذلك للكشف عن عوامل الاغتراب والتخارج ومن ثم اعادة بناء هذه العلاقة مع الانزلاق والانحراف او الانزياح من جمعيات المعارضة الطائفية الشيعية او ما يسمي التيار الوطني الديمقراطي ومن ضمنهم المنبر التقدمي للانحراف الطائفي السياسي الذي استبدل (الطائفية السياسية) بالمجتمع المدني. هذه حزمة من المسائل التي لم يراها او غض الطرف عنها عمدا ولم يوليها الفكر السياسي الذي كان حاضرا في الندوة. وخصوصا لدي قيادات وأعضاء المنبر
اشكالية الوطني في الخطاب السياسي انفرد الخطاب السياسي في منتدى المنبر التقدمي في ندوة الوحدة الوطنية مواقف ومحطات وفي خطاب النخب الثقافية والسياسية في التباس وتشوش واضطراب وارتباك سواء المنتديين او جمهور الندوة عند طرحهم مفهوم الوطني والوطنية ودخلوا فيما يشبه الثرثرة حول من هو وطني ومن هو غير وطني ؟! دون الدخول الي تعريف من هو الوطني. ما عدا المتشدد فؤاد سيادي فالوطني عنده هو من وقف مع (المظلومية) ؟!! اي مع الحراك السياسي الطائفي بامتياز في حراك ١٤ فبراير ٢٠١١ اي وقف مع الطائفية السياسية وجمعياتها الطائفية السياسية والفئة الشعبوية الطائفية المغامرة. الوطني في اللغة نسبة الي الوطن او اسم منسوب الي الوطن، والوطنية مصدر صناعي يدل على شعور الفرد بالانتماء الي الوطن، ويحيل الي عاطفة حب الوطن والتعلق به والدفاع عنه والعمل في سبيل منعته وقوته واستقلاله وتقدمه، وعلى الحنين اليه. والوطن في العربية اسم يدل على مكان الإقامة ، قبل ان تتطور دلالته الي الرقعة الجغرافية التي تقوم عليها الدولة التي قوامها ارض وشعب وسلطة سياسية وعلاقات جدلية بين هذه العناصر بما هي عناصر جملة حية وتتجلي هذه العلاقات بصورة خاصة في القانون العام او النظام العام ونظام الحكم ومن ثم فان مفهومي ( الوطن والوطنية ) مفهومان حديثان لا تزال دلالة كل منهما ملتبسة وبالذات في احداث ٢٠١١ بالطائفية ونزعة الانتماء الحصري لها حتي لتكاد الوطنية تعادل النزعة الطائفية من جهة وبمفهوم الدولة المدنية الديمقراطية كما تطرحها هذه الجمعيات وكذلك جمعية الوفاق الطائفية السياسية وهي في جوهرها ( دولة المحاصصة الطائفية ) وديمقراطيتها هي ( الديمقراطية التوافقية ) وفي هذا الحال تتعادل النزعة الوطنية والنزعة الطائفية وهذا الالتباس يتجلى وتجلى بوضوح في تلاقي الممارسة العملية الطائفية والأيدلوجية الطائفية لا سيما حين يستأثر الاسلام السياسي الشيعي والجمعيات التي لحقت به في الحراك السياسي في ٢٠١١ والذي سمي في الاعلام بحراك المعارضة الشيعية والذي احتكر لنفسه الحقيقة والوطنية وبنفيها عن الاخرين وهذ كان جوهر الخطاب السياسي ل فؤاد سيادي
نحن إذا أزاء مفهومين يحددان مجالين في الفكر والممارسة هاذين المفهومين هما الطائفية والوطنية والمجالان الاثنان التي تحددها هما دولة المحاصصة الطائفية ونموذجها العراقي والدولة الوطنية. دولة المحاصصة الطائفية تتصف بالانغلاق على الذات والتبعية للخارج (هنا إيران) بوصفها حجر الزاوية في الاستراتيجية عمل الايرانية في العالم العربي، وكذلك في استراتيجية عمل الإمبريالية في العالم العربي. هذا التكيف يعني تعميق الاندماج في ذلك النظام والإندراج في استراتيجيته ونظام أمنها الطائفي وهو ما يعمق الهوة باطراد بين الدولة والمجتمع والذي يفرض ان تكون دولة المحاصصة الطائفية دولة استبداد محدث واستلاب لفاعلية مجتمعها وشعبها. لذلك لا يزال العالم العربي جزءاً أساسيا من منطقة الشرق الأوسط الجديد في استراتيجيات ايران والدول الكبرى وموضوعًا مطاوعا لإرادتها ولم يتحول بعد الي ذات حرة ومستقلة تقف ازاء الخارج موقف الند المكافئ وسبب ذلك ان الكتل الطائفية والأحزاب الطائفية الحاكمة وبطانتها من ايران وبقية الدول الكبرى تشاركها مشاركة التابع الذليل في نهب ثروات أوطانها وقوة عمل شعوبها ( قد تكفي هنا عملية الفساد عند هذه الطغم الطائفية المذهبية ومقارنة أرصدتها في الخارج بمديونية دولها للخارج ، وتلك الارصدة الهاربة والمهربة والمديونية الخارجية خلاصة مكثفة ( لسياساتها الوطنية ولعلاقاتها بأوطانها ومواطنيها ) هذه الدولة دولة المحاصصة الطائفية هي مشروع الدوار وهي الواقع القائم بالفعل في اذهان النخب المثقفة والسياسية الموجودة في منتدي المنبر التقدمي . والدولة الوطنية التي هي خارج هذا المنتدى هي الممكن او الموجودة (بالقوة) والتي تحتاج للوحدة الوطنية لكي تتحول الي الموجودة (بالفعل). حيث ان سمتا الدولة الوطنية المنشودة الرئيسيتان هما التعبير عن الكلية الاجتماعية في الداخل والاستقلال ازاء الخارج.
وبمقدار ما تكون تعبيرا فعليا عن الكلية الاجتماعية وعن نزوعها الي الحرية والاستقلال والتقدم تنمو فيها (الميول الوحدوية الوطنية التكاملية) التي تلبي الحاجة الي الحرية والاستقلال والتقدم. ومن ثم فان الأساس الطبيعي الذي تقوم عليه هو الفرد / المواطن، بصفته ذاتا حرة وفاعلة او منتجة ومسئولة ومقدماتها الضروريتان هما العائلة (الاسرة الحديثة) والمجتمع المدني، وتجريد عموميتها هو القانون الذي مضمونه الحق ومعياره العدالة، ومشروعها وسيادتها تستمدان من شعبها لا من عقيدة سماوية ولا من مرجعية دينية، فالشعب في هذه الدولة الوطنية المنشودة هو المصدر الوحيد للشرعية والسيادة والمصدر الوحيد لجميع السلطات. العلاقة النوعية التي تميز الدولة الوطنية عن دولة المحاصصة الطائفية المنشودة عند الاسلام السياسي الطائفي وجمعياته السياسية والذين انجرفوا خلفهم من جمعيات تسمى وطنية ديمقراطية ومنهم المنبر التقدمي في الوضع البحريني هي المواطنة، وتعني الموافقة او التوافق والمشاركة والاعتماد المتبادل، لان كل مواطن يقوم بوظيفة ضرورية للأخرين. المواطنة علاقة او رابطة حديثة ذات محتوي اجتماعي اقتصادي وسياسي وثقافي وأخلاقي، تتعدي العلاقات والروابط والعصبيات الطائفية والمذهبية التي ما قبل الوطنية والمدنية وتقوم المواطنة بإزاء هذه التحديدات الذاتية (الطائفية المذهبية) تحديدا اخر يكون موضوعيا يشمل سائر أفراد المجتمع والدولة في البحرين أي في كيان وطني واحد.
لماذا كان الأشكال الوطني هو المتغير الذي لم يجد اجماع عليه في هذه الندوة وهو من هو الوطني؟ ذلك راجع الى ان مفهوم الوطني هو واحد من المفاهيم والتي هي اسماء العالم ومفاتيح معرفته، يحمل كل منها فضلا عن دلالته اللغوية والاصطلاحية، تاريخه الخاص، والذي حاولت جمعية المنبر على لسان نائب الأمين العام للشئون التنظيمية في ورقته ان تقسمه الي محطات ومواقف انتهى هذا التاريخ عند نهاية التسعينيات ؟! حيث جاءت هذه المحطات مشفوعة بشحنة أيدلوجية مصدرها الاتساق والخطابات التي اندرج فيها واكتسب من كل محطة او من كل نسق او خطاب دلالة خاصة غلبت عليه في حين من الأحيان، فلا يكاد يعرف الا بها وكذلك فعلت ارتجالية عضو جمعية وعد سيادي. هنا تقتضي الموضوعية تحرير المفهوم من شباك الأيدلوجية، وإعادته الي ميدان التاريخ. ففي هذا الميدان فقط يفصح عن طابعه الواقعي وقيمته المعيارية، وعن دلالاته المعرفية والنفسية والأخلاقية. مثلما يفعل الكاتب بدر عبد الملك عندما يتناول تاريخ حركة القوميين العرب في البحرين. ويبدو ان المثقفين والسياسيين في ندوة المنبر التقدمي والذين سواء يزينون المفاهيم ويُقدسونها (كالعصبية الوطنية) او يقبحونها ويدنسوها كما يفعل سيادي إنما ينطلقون من رؤية (ذاتية وسكونيه)، لا من رؤية واقعية وتاريخية. وهنا يجب تحرير اللغة من بعديها المقدس والمدنس وَمِمَّا علق بها من الشحنات العاطفية جراء محاولات السيطرة عليها كشرط لازم لتحرير الفكر الذي يحاول ان يبحث في جذرها الوطني. فجميع مفردات اللغة قيم معرفية ودلالية متساوية. وليس بوسع أحد ان يحكم على هذا المفهوم او ذاك الا في نطاق النسق او الخطاب الذي يندرج فيه اي في نطاق شبكة العلاقات التي ينتظم فيها فيؤدي وظيفة خاصة لدى متكلم معين في شروط وملابسات معينة. هذه الشبكة، بما تنطوي عليه من علاقات ضرورية ومن مواضعات العقل العملي وتسوياته وتواطؤاته ومحايلاته والتي شهدنا منها الكثير في هذه الندوة، هي التي تحدد دلالاته ودواعي استعماله وتعين وظائفه الإجرائية والمعرفية والنفسية والسياسية والأخلاقية. ذلك ان الخطاب السياسي ذو بنية عقلية / روحية او ذهنية / نفسية، وعلائقية. هنا بات من الضروري تمييز العلاقات الضرورية التي تحدد المفهوم في كل نسق على حدة كيما يمكن استعماله في نسق جديد ورؤية جديدة وإلا كنّا في النسخ والمحاكاة والتقليد الأعمى. كما حدث في ندوة المنبر التقدمي.
ان أكثر المفاهيم غموضا والتباسا هي ما يظنه هؤلاء المثقفين والسياسيين انه من قبيل البديهيات كالوحدة الوطنية او الوطني او الوطنية او الوطن او الدولة الوطنية، ولا سيما حين تندرج في نسق ايدلوجي دغمائي (جامد) وساكن، تري كل شيء بطريقة إسمنتية حيث يأخذ قالب إسمنتي ل (ثوابت وطنية) او (ثوابت طائفية) او (ثوابت دينية) متحجرة، ليس لها أي وظيفة سوي تقنيع النزعات الحصرية. فمن أبشع النزعات الحصرية وهو ما ذكرناه سابقا مارسته (العصبيات الطائفية المذهبية) حيال المواطنين الذي لا ينتسبون الي جمعيات طائفية سياسية مذهبية والذين لا يؤيدونهم ناهيك عمن يعارضهم. وللأسف حدث هذا في جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي ؟!
صفة وموصوف والوحدة مبتدأ يبحث عن خبر، هو الوطنية لا يزال مجهول عند الجمعيات السياسية ومنها المنبر التقدمي، بالرغم من انها كلها ترفع شعار الوطنية، ففيه أقوال تتخبط في عماء المجهول بعد كارثة الدوار. يفترض المنطق الجدلي هنا ان الصفة تتعين وكل تعين هو نفي ( على حسب قانون نفي النفي الجدلي ) اي من المفترض ان الجمعيات السياسية بعد انكشاف مشروع الدوار ان تكون قد وصلت الي نتيجة واضحة وهو ان هذا المشروع والقوى السياسية التي قادته قد احدث الشرخ الطائفي وهو نابذ للوحدة ولم يتمكن من احداث التغيير في البحرين وأصبحت الحاجة الملحة هي ان يتم تجاوزه هذا هو التعارض الذي يرقى الى جدل الديالكتيك ، ومن ثم فان من طبيعة الصفة ( الوحدة ) ان تساعدنا على معرفة الموصوف ( الوطنية ) لا في مفهومه فحسب بل في واقعه الفعلي . اي لماذا اختفى هذا المفهوم (الوطني -الوطنية) من الساحة السياسية منذ انطلاقة احداث ٢٠١١. وهذا ما لم يراه هؤلاء المثقفين والسياسيين في هذه الندوة محطات ومواقف في الوحدة الوطنية، مما أدي الي ان تكون الصفة (الوحدة) تزيد الموصوف (الوطنية) غموضا وإبهاما. ففي اي الميادين او الدوارات أخفقت الوحدة الوطنية وفي أيها لم تخفق هل في دوار مجلس التعاون ام في تجمع وحدة الفاتح؟ هذه حزمة من الاسئلة لا تستنفذ في اجابة واحدة. ولكن المسألة لم توضع بعد وضعا سويا فعن اي وطنية نتحدث؟
كان من المفترض ان هذه الجمعيات السياسية وبعد انكشاف مشروع الدوار الفاشل ، ان تكون قد توصلت الي نتيجة واضحة وهو ان هذا المشروع والقوي السياسية الطائفية المذهبية التي قادته ومن انجرف خلفها من تيار شعبوي يساري مغامر والتي قادت الوطن في اتجاه الشرخ الطائفي والفتنة الطائفية وان هذا المشروع هو نابذ ( للوطنية ) بحكم ان الجمعيات او العصبيات الطائفية المذهبية هي تمثل من الناحية التنظيمية والسياسية ما قبل ( الوطنية ) وما قبل ( المدنية ) من هنا هي لم تتمكن من احداث التغيير الوطني في المشروع الاصلاحي او في مشروعها الطائفي بامتياز . وان تكون هذه الجمعيات وبالذات المسماة الوطنية الديمقراطية قد تبلور لديها وعي بان الحاجة او المهمة الملحة الان هي ان يتم تجاوز هذا التناقض الذي يرقى الي جدل الديالكتيك، ومن ثم فان من طبيعة الصفة (الوطنية) ان تساعدنا على معرفة الموصوف (الوحدة) لا في مفهومه فحسب بل في واقعه الفعلي.
لماذا اختفي هذا المفهوم (الوحدة) من الساحة السياسية ومن الاتحادات العمالية والنقابات العمالية الخ ما قبل وبعد احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ وحتى الان؟ وهذا مالم يحاول او مالم يراه ويريده هؤلاء المثقفين والسياسيين في ندوة المنبر التقدمي محطات ومواقف في الوحدة الوطنية، مما أدي الي ان تكون الصفة (الوطنية) تزيد الموصوف (الوحدة) غموضا وإبهاما.
ان الحوار في ندوة المنبر التقدمي قد انصب حول التركيز على الوطنية بالتركيز على صفة واحدة فيها ضمن إطار ما يسمي بالتفكير او العقل الاحادي من مثل الاخفاق الوطني / التقدم الوطني، الوحدة الوطنية / التجزئة الوطنية، الخ. هنا تطغي الوطنية (ذات المحتوي العصبوي) على الوحدة حتى لتغدو هي الموضوع لا المحمول، فتغيب الوحدة في سديم مجهول، وينجم عن ذلك ان تنسب السلبيات والظاهرات غير المستحبة الى الفكرة التي هي الوطنية، لعل هذه الطريقة في التفكير اي التفكير في صفة الوطنية على انها ذات وفي المحمولات الوحدة على انها موضوع وما ينتجه من رؤى وتصورات عند المنتديين في الندوة هي العامل الرئيس في جميع الإخفاقات او التشوهات التي يميل المتحدثين في الندوة في الحديث عنها بالجملة بغض النظر عن الاختلاف في شكل طرحها. وكمثال عندما نتحدث عن الأمة العربية تفرض علينا الصفة (العربية) ان نتجاهل واقع ان الأمة مفهوم حديث يحيل على كينونة اجتماعية محددة في الزمان والمكان هي المجتمع الحديث، المجتمع المدني الذي هو التجسيد الواقعي للأمة لا مجتمع الملل والطوائف والعشائر والجهات والمناطق، وأنها اي الأمة تتعين سياسيا في الدولة الوطنية، وما لم تتعين على هذا النحو في المجتمع المدني والدولة الوطنية ستظل (فكرة في الذهن) هذا هو الجدل المادي في فهم الأمة العربية كما هو الجدل المادي في فهم الوحدة الوطنية. بدل ان ننطلق كما ذكر أحد المتداخلين الأمين العام السابق للمنبر حسن مدن من اننا ولدنا في مجتمع منقسم مذهبيا (هنا ينطلق من ان المذهب يمثل هوية ؟!) ونحن لا يد لنا فيه ومن الممكن ان يكون إيجابيا او مدمرا ؟! .
وهناك في الندوة من ينطلق من الوحدة الوطنية بانها موجودة وصلبة وهي (واقعة موضوعية)، وبمعزل عن تعين هذه الواقعة حاضراً. ان من يطرح هذا لم يذهب بِنَا في الزمان والمكان (بالرغم من ان عنوان الندوة محطات ومواقف في الوحدة الوطنية) وكيف اننا تاريخيا كنّا ننطلق من النقطة ذاتها (الوحدة الوطنية) ولماذا نعود اليها الان لننطلق منها من جديد. ولم يطرح التسائل او المشكلة بانها تكمن هنا اي في عدم تعيين هذه (الواقعة الموضوعية: الوحدة الوطنية) بما هي واقعة كلية غير موجودة سوى في ذهن هؤلاء المثقفين والسياسيين ؟!. المشكلة هنا تكمن في التفارق والتنابذ بين فكرة الوحدة الوطنية الموجودة في (ذهن) هؤلاء وعدم تعينها اي عدم تطابق الواقع العياني (الشرخ الطائفي) مع فكرة الوحدة الوطنية.
الوطنية كينونة اجتماعية في البحرين وتاريخها، والكينونة لحظة فحسب من لحظات الصيرورة. ومن ثم فانه لا يمكن مقاربة مفهوم او مقولة الوطنية مقاربة عقلانية الا بوضعها تحت مقولة الشكل الوطني ومبدأ التشكل الوطني الذي هو نفسه منطق الصيرورة التاريخية منطق الصيرورة في المشروع الاصلاحي والذي مهدت له وثيقة العمل الوطني وهنا يصبح (الشكل الوطني) في مغزاه الأكثر عينية هو العقل والعقلانية بوصفه معرفة نظرية، و (المضمون الوطني) في مغزاه الأكثر عينية هو الماهية الجوهرية للواقع الذي تشكل او تعين في المشروع الاصلاحي في ظل الانفراج السياسي والهامش الديمقراطي. هذا الأساس المنطقي للمفهوم المادي للوحدة الوطنية، والذي ننطلق منه لا يبني على اساس اعتباطي (كالورقة المرتجلة لسيادي) ولا بالوقوف عند محطة (التسعينيات في ورقة الحليبي) بل هو اساس واقعي تشكل في الفرصة التاريخية (المشروع الاصلاحي) والذي تم هدره من قبل كل الفاعلين السياسيين وبالذات فيما يسمي بالمعارضة لا يمكن التجرد منه الا في خيال وذهن هؤلاء المثقفين والسياسيين في هذه الندوة. لقد تشكل البحرينيين في مملكة دستورية اي أولئك البحرينيين هم الافراد الفعليون، نشاطهم وشروط وجودهم المادية سواء الشروط التي وجدوها أمامهم (التركة الثقيلة للدولة التسلطية) بداية التشكل السياسي للإسلام الطائفي السياسي، الظهور في العلن لجمعيات هي امتداد للتيار اليساري والقومي الخ. ام تلك الشروط التي يخلقونها بفعل نشاطهم بالذات. ومع بداية تخلق جنين المجتمع المدني. وكنا مع بداية تَخَلَّق مجتمع مدني، بتشكل البحرينيين على هذا النحو كان من الممكن ان يصيروا (امة) و (شعب) بقدر ما يمكن ان يصير لهم دولة وطنية منشودة حقا وفعلا وهذا تقدم كبير، لأنه انطلاقا من هنا يمكن ان يندمجوا وان ينصهروا وان يتعاونوا ويتضامنوا والمهم ان يتحدوا وطنيا، وحيث ان الدولة الوطنية هي تعبيرا عن الإرادة العامة، فان فكرة (الوحدة الوطنية) تحتاج الي ان يعاد النظر لها او بناؤها على مبدا الإرادة العامة وليس التوافق بين جناحين او تيارين طائفيين سياسيين ؟! او على مبدا إرادة نخبة او جمعية او رموز او مراجع دينية طائفية تستغل الدين او جمعيات شعبوية مغامرة.
اي انها تحتاج الي ان يعاد بناؤها من منظور واقعي اولا ومن منظور ديمقراطي ثانيا، ومن منظور سياسي، لا من منظور ايدلوجي ثالثا.
للانعطاف الي الوحدة الوطنية، سياسيا تبدأ بالانعطاف من العالم الوهمي الذي عاشت فيه الجمعيات السياسية منذ ان تم تسليم دفة العملية السياسية في المشروع الاصلاحي للجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين وقيام التعاون او التنسيق في بداية انطلاقة المشروع الاصلاحي والتحالف معها في احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ ومن ثم اعطائها الغطاء السياسي بعد حل جمعية الوفاق الطائفية السياسية. هذا هو الوهم الذي راهنت عليه جمعيات ما يسمى بالتيار الوطني الديمقراطي ومنها جمعية المنبر التقدمي. الانعطاف هنا يكون عبر الانتقال من المساندة والدعم المبني على اساس طائفي مذهبي اي (العالم الوهمي) الي عالم الانسان الواقعي (المواطن) والانشغال به والاشتغال فيه بدل الانشغال بالطائفية والاشتغال بها. للأسف هذا الذي حدث بعد ان تم تعديل قانون الجمعيات السياسية بضغط من الجمعيات على الحكم بان يغير الانشغال بالسياسية الي الاشتغال بها ؟!. الانعطاف المراد به هنا هو بالخروج من شرنقة الأيدلوجية الطائفية المذهبية والانعطاف الي الواقع القائم بالفعل والذي تشكل بعد تداعيات احداث الدوار. المطلوب هنا والان من هذا التيار المسمى بالوطني الديمقراطي. ولنأخذ بعض الجمل التي طرحت في الندوة (لكي يتم عبور المرحلة الصعبة) (اعادة قضايانا الي إطارها الوطني) (الاستحقاق هو وطني سياسي) (تفسير مشترك لمعني الوطنية) (لم شمل الصف الوطني) (هاجس الوحدة الوطنية) (كيف ننمي ثقافة الوحدة الوطنية عند الأجيال) الخ. هنا في هذه الندوة فَلَو كان التفكير او العاطفة او أية صورة تبدت بها صور الوعي الذاتي عند هؤلاء المثقفين والسياسيين والتي تنظر الي الحاضر على انه شيء باطل (سيادي النظام قام بغدر سياسي، المشروع الاصلاحي هو المشروع الإفسادي، نحن نتغنى بالمشروع الاصلاحي وهو مرحلة أخطر مما كان في اثناء قانون ومحكمة أمن الدولة ؟!) وهي تسعي الي تجاوزه بمنظار حكمة كما يدعي هؤلاء المثقفين والسياسيين في الندوة اعلى من حكمة العقل ذاته فإنها تجد نفسها في فراغ. وتكون هذه الصور باطلة، لأنها قائمة في الحاضر ذاته بحسب تعبير هيغل. ولكن الواقع بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية موار ومتغير، بحكم تعارضاته الملازمة فهو واقع تناقضي، جدلي، وإمكاني واحتمالي وعنيد في الوقت ذاته، وليس فيه من حتمي سوي ما تحقق بالفعل. هنا لا ينفع شعار سيادي في هذه اللحظة او الظرف السياسي (اشتدي يا أزمة تنفرجي). فهو أصبح غير قادر على إشعال فتيل أزمة جديدة لأنه لا يوجد لها وضع ثوري كما كان لا يوجد وضع ثوري في احداث ١٤ فبراير ٢٠١١.
يا أزمة تنفرجي ؟!) فهو لا يستطيع ان يشعل فتيل الثورة لأنه لا يوجد وضع ثوري كما كان الحال في احداث ١٤ فبراير ٢٠١١. ولذلك لا يمكن ان تتطابق الأهداف او المشروع الذي يتوخاه سيادي والنتائج التي يريد ان يحققها. الفعل السياسي خاصة اقل الأفعال موثوقية في بلوغ النتائج المرجوة منه والاهداف المنشودة من خلاله. ومن ثم لا زالت هناك عند هذا التيار المسمى الوطني الديمقراطي نزعة التطرف والمغامرة وان حاولت ان تتخفى في ثنايا مداخلات المنتديين في ورقة المنبر وخطبة سيادي من على منبر المنبر التقدمي ؟!. السياسة العقلانية هي العمل على ما هو ممكن لا على ما هو واجب. وهو ما يقتضي اعادة صورة الوحدة الوطنية او اعادة صورة العالم الواقعي في الذهن والكشف عما ينطوي عليه من تعارضات واحتمالات. وهذا كان موجود الي حد ما في مداخلات الذين سماهم سيادي الموالاة في الندوة سواء كما قسمهم الي شرفاء او غير شرفاء. مثلا موقفهم من الحكومة المنتخبة. وهم قد عبروا عن رأيهم حتى ولو كان مع النظام. ولم نجد هذا عند المثقفين والسياسيين الذين يمثلون ما يسمى التيار الوطني الديمقراطي ؟! بل وجدنا عندهم حسب هيغل (وإذا استطاعت نظرية ما ان تجاوز العالم الواقع فعلا، وان تبني المثل الاعلى للعالم على نحو ما ينبغي ان يكون عليه، فان هذا العالم يكون له وجود من غير شك ولكن في راس صاحب النظرية (في راس سيادي) فحسب على هيئة عنصر لا قوام له) كانت الثورة الموهومة (ثورة شباب ١٤ فبراير في ٢٠١١). العقل هو عقل العالم بما هو عليه وبما يمكن ان يكون عليه لا بما يحب ان يكون عليه، كما تريده وتراه المرجعيات الدينية او الزعماء او الرموز في الجمعيات التي تسمي نفسها وطنية ديمقراطية ؟!
التعاونيات كأداة تحرر وتقدم. يشير المفكر الامريكي جيريمي ريفكن في إحدى محاضراته الى الثورة القادمة ويشخصها في ثلاثة تطورات تحصل على الصعيد العالمي وهي ثورة في الاتصالات، وثورة في الطاقة، وثورة في المواصلات. اما الشكل التنظيمي او الاقتصادي سيكون هو (الاقتصاد التشاركي) وهو الوليد الجديد الذي يخرج من رحم الرأسمالية، وسيكون هو المهيمن في العقود القادمة. كالتجاوز للرأسمالية . على اساس ان هناك ثلاث أشكال من الملكية ( الملكية الخاصة ، الملكية العامة ، الملكية التشاركية او التعاونية ) يقابلها ( القطاع العام ، القطاع الخاص ، القطاع التعاوني ) ولكن لماذا هذا الاقتصاد التشاركي او التعاوني بالذات هو المرشح للصدارة في العقود القادمة ؟
هنا لا مناص من إقامة الحد على الوعي الأيدلوجي والذي تمثل من خلال الخطاب السياسي سواء المنتديين او جمهور ندوة منتدى المنبر (مواقف ومحطات في الوحدة الوطنية) والاعتراف بواقعية التجربة التي حدثت في فبراير ٢٠١١ حين سعت الفئة الشعبوية الطائفية المغامرة (ائتلاف ١٤ فبراير) في تعبئة وحشد وتسيس الطائفة في مسيرات ومظاهرات واعتصمت في دوار مجلس التعاون، وجرت خلفها جمعيات الاسلام السياسي العلنية الوفاق، العمل، الاخاء الخ، وكذلك فعلت مع جمعية المنبر التقدمي وجمعية وعد والتجمع. وأحرقت الغالي والنفيس لدي جماهير الطائفة في سبيل اهدافهم وهو انتزاع السلطة السياسية الائتلاف من اجل الجمهورية تحت شعار باقون حتى يسقط النظام. ان عدم بلوغهم هذه الأهداف او هذا الهدف (انتزاع السلطة) عن طريق العنف والارهاب ومن ثم احداث الشرخ الطائفي، مما انعكس مباشرة على الجمعيات المسماة بالتيار الوطني الديمقراطي ومنها جمعية المنبر التقدمي والتي دخلت في الانقسام والتفتت ومن ثم الانشقاق. هنا لم تكن المشكلة في الواقع وعناده وممانعته ولا في المطالَب والتي سميت بالمشروعة في بداية الحراك الطائفي السياسي في الدوار، ولا في الوحدة الوطنية التي بدأ المنبر التقدمي بمحاولة تسويقها كطوق نجاة له من ان يقبل على التلاشي ؟!. بل في الوعي الذي يوجه العمل السياسي والفكري والتنظيمي في هذه الجمعيات ومنها المنبر التقدمي وفي الانقسام العمودي الحاد الطائفي الذي حدث في المجتمع عامةً والبني الأيدلوجية والسياسية خاصة. هنا من الواجب السياسي والاخلاقي نقد هذه المحاولة من المنبر والتي تهدف الي القفز على هذا التناقض الحاد الذي أوجدته مثل تلك السياسات المغامرة بالناس. فهذه الجمعية تعيش الان أزمة وجود تتمثل في عدم قدرتها على توحيد أعضائها على خطاب سياسي متفق عليه ويلقي الاجماع علاوة على العزوف الحاد عنها من قبل أعضائها او حتى جمهور الجمعيات الأخرى. وهذا ما شخصه عدد الحضور لهذه الندوة ؟! فهل هناك إمكانية في البحرين لاستعادة الوحدة الوطنية او اعادة بنائها على نحو يجعلها تعبيرا عن ( كلية المجتمع ) وتجريدا لعموميته وتعبيرا عن إرادة الشعب الحرة وعن سيادته على نفسه لا ( وحدة ) لجزء من المجتمع مبنية على اساس طائفي مذهبي تقوم على الاكراه والقمع والاقصاء واستباحة الاخر على الهوية وتدمير قوي الانتاج كما هو الحال اليوم في العراق وهو النموذج المنشود لدي الاسلام السياسي الشيعي في البحرين .
اليوم في العراق ( دولة المحاصصة الطائفية ) وهيمنة المليشيات الطائفية المسلحة ( الحشد الشعبي ) وهي النموذج او الدولة المنشودة في البحرين . كما بينا سابقا ان دولة المحاصصة الطائفية المنشودة في البحرين التي هذه صفاتها لا تستطيع ان تكون الا دولة استبدادية تسلطية تستمد مشروعيتها من أوهامها الذاتية ، ومن وظيفة سياسية إقليمية تعمق تبعيتها لإيران ، لا من المجتمع الذي يفترض انها دولته ، ولا من وظائفها الاجتماعية والإنسانية ولذك نعارضها بالمشروع الاصلاحي والدولة الوطنية المنشودة بخلاف الاوهام الطائفية السائدة ورهاناتها الذاتية عند جمعيات الاسلام السياسي بضفتيه وجمعيات ما يسمى بالتيار الوطني الديمقراطي ، ذلك ان الدولة الوطنية شرط ضروري للوحدة الوطنية وليس العكس . وكذلك يجب عدم النظر الى المشروع الوحدوي الوطني بعد التجربة التي مرت بها البحرين من تأسيس جمعيات طائفية سياسية وجمعيات يسارية غير ديمقراطية ، الا على انه مشروع ديمقراطي يعبر عن الإرادة الموضوعية للشعب . وهذه الإرادة الموضوعية ليست سوي المشروع الاصلاحي والدولة الوطنية المنشودة والتي انصرف الفكر السياسي في البحرين عن الانشغال بها والاشتغال فيها ولم يري فيها سوي عقبة في طريق دولة المحاصصة الطائفية المنشودة وتجب ازالتها ؟! فلا زالت هذه الجمعيات والطائفية السياسية تشيح عن الدولة القائمة بالفعل ولا تمنحها اي مشروعية وتنتمي روحيا وثقافيا الي دولة المحاصصة الطائفية، هي المعادل الاخلاقي الذاتي للدولة القائمة التي يرفضونها، وكما لاحظنا في الندوة يساورهم ياس مطلق من إمكانية إصلاحها كما هو موجود في خطاب سيادي، وغيره من المتداخلين في الندوة.
ان جوهر الخطاب في ندوة الوحدة الوطنية محطات ومواقف يبني على هذه الفرضية التي جاءت على لسان حال الأمين العام السابق للمنبر حسن مدن (المجتمع منقسم مذهبيا (لم يقل ايضا طائفيا) وعندما يجري توظيفه سياسيا يشعل التمزق والفتنه) و (الانزلاق نحو الفتنه الطائفية) و (الإرادة السياسية إذا توفرت الأطراف المقررة) و (تحيد البحرين عن محيطها على قاعدة المطالَب السياسية) و (من يعول على تطورات الإقليم هو واهم) و (يأكل من رصيد الوحدة الوطنية) الخ. الأيدلوجية الطائفية تقول ان البحرينيين هم شعب واحد في طائفتين (شيعية / سنية) وفي احداث ١٤ فبراير فان المعارضة الشيعية هي من تمثل الشعب!، (الاغلبية الشيعية والأقلية السنية) مما يعني ان إحدى هاتين الطائفتين يجب ان تزول (كما هو حادث الان في العراق وسوريا!) او ان إحدى هاتين الطائفتين يجب ان تذوب في الأخرى او ان تتبع لها. بصرف النظر عن ارادتها لكي تستقيم الأمور في البحرين. فالدولة بالتعريف ارض وشعب وسلطة سياسية. في حين لم يثمر الحراك الطائفي بامتياز في احداث ١٤ فبراير سوي عن تشويه العلاقة بين الطائفتين. هنا فان فكرة الوحدة الوطنية تصبح في خبر كان، وليس فقط كما ذكر حسن مدن (يأكل من رصيد الوحدة الوطنية) اذن فهذه الفكرة الوحدة الوطنية من هذا المنطلق الأيدلوجي الطائفي لا تزال متناقضة مع فكرة الحرية (الإرادة الكلية الاجتماعية) والتحرر من هيمنة وسيطرة الجمعيات الطائفية السياسية ومراجعها الدينية في الضفتين هو الذي سيمهد الارضيّة بإزالة هذا التناقض. فلا يمكن ان تكون الوحدة الوطنية الا تعبيرا عن الإرادة الحرة للشعب (وليس الطوائف المسيّسة)، والارادة الحرة لأي شعب إنما تتجلي في الدولة الوطنية الديمقراطية والذي يمهد لها هو ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي والذين هما من انتاج الشعب نفسه. وهي الدولة التي تشارك (جميع القوي الاجتماعية) و (ليس الطوائف) في تحديد خياراتها واتجاهات تطورها، والرهان ينعقد على هذه الخيارات اي على حرية الشعب وارادته، لا على إرادة الجمعيات الطائفية السياسية او ارادة ما يسمي بالجمعيات الوطنية الديمقراطية (كما يريد فاضل الحليبي نائب الأمين العام للشئون التنظيمية في المنبر التقدمي (القوي الوطنية الديمقراطية هي وحدها تستطيع الاطلاع بهذه المهمة الوحدة الوطنية مهمة النهوض بهذا الدور التاريخي)) ولا على ارادة مرجع ديني ملهم ؟!
ديني ملهم ومقدس. هنا والي الان لم تأخذ هذه الجمعية المنبر التقدمي العبر والدروس من تجربة الثورة الموهومة في ١٤ فبراير ٢٠١١، وبأنها لم تكون معبر عن محصلة القوى الاجتماعية بل محصلة القوى الطائفية هي التي اتخذت قرار الشرخ الطائفي والذي مثل الانقسام والاستقطاب الطائفي الحاد في المجتمع وبالتالي لم يفض الي الوحدة الوطنية، بل عمق الهوة بين الطائفتين وعزز الانقسام بشكل حاد. لقد ان الاوان لنقل المشروع الوحدوي الوطني الممكن والواجب من حقل الأيدلوجية الطائفية السياسية المتهافتة وشعاراتها الفارغة ولكن الخطيرة على السلم الأهلي الي حقل السياسة اي الي حقل الإرادة الحرة للشعب، من اجل وطن حر وشعب سعيد
ان اي مبادرة تطرح او اي مشروع يطرح من اجل اعادة اللحمة الوطنية والتماسك الصلب الوطني يجب ان ينطلق من التكامل الوطني، فهو الأساس الموضوعي لأي مبادرة او مشروع وحدوي وطني غير قابل للانتكاس بسهولة. فليس هناك في بحرين اليوم اكثر وهما وأكثر تنغيصا لحياة المواطن او الفرد من هيمنة الجمعيات الطائفية السياسية والمراجع الدينية والزعماء والرموز في الجمعيات الأخرى (المأزمين والمأزومين) والذي يقومون بإقامة الوحدة الوطنية في الشعارات والندوات من مثل ندوة المنبر التقدمي ويتناسون ان هذه الشعارات عن الوحدة الوطنية يحب ان تقوم في الواقع . وللواقع منطقه وقوانينه التي لا يمكن ان تحل محلها اي أرادة ذاتية متمثلة في اي جمعية سياسية، لن تكون الوحدة الوطنية الا نتيجة أنسنه المجتمع وعلمانيته وعقلانيته وديمقراطيته بالتزامن مع نمو قواه المنتجة وقيام دولته الوطنية ومن ثم مسالة الوحدة الوطنية اليوم هي بالضبط مسالة الأنسنة والعلمانية والعقلانية والديمقراطية قبل ان تكون اي شيء اخر. ولم يعود النموذج الإيراني او العراقي او الموجود في لبنان قابل لمحاكاته في التجربة البحرينية. هنا السياسة وليست الايدلوجيا هي الكفيلة بدفع المشروع الوطني الوحدوي الي الامام فالسياسة ( علاقات موضوعية ) وهي كما عرفها ماركس ( اقتصاد مكثف ) ومن ثم في هذا المشروع لا يمكن الرهان على السياسة اكثر من الاقتصاد ولا على الثقافة اكثر من السياسة الا حين تمضي السياسة في طريق بناء الوحدة الوطنية والدولة الوطنية الديمقراطية وفي جميع الأحوال لا يمكن الرهان على الإرادة الذاتية للجمعيات الطائفية السياسية ومراجعها الدينية ولا على ما يسمي بالقوى الوطنية الديمقراطية وزعمائها، كما يريد نائب الامين العام للمنبر التقدمي فاضل الحليبي . ان يخصه بها! .
ولم يعد من الجائز ايضا ان يعلق مشروع اعادة الوحدة الوطنية او الدولة الوطنية على حسم الصراع (معارضة / سلطة) ولا على حسم الصراع الإقليمي في المطلق، لان بناء وحدة وطنية وبناء دولة وطنية حقا وفعلا في البحرين هو شرط ضروري لتعديل ميزان القوي الوطنية بالضد من القوي الطائفية والحلف الطبقي وانجاز تسوية تاريخية تضع حدا لهيمنة الحلف الطبقي والجمعيات الطائفية السياسية على المشروع الوحدوي الوطني. وللطابع الاستبدادي والاستغلالي لتلك القوي للمشروع الوحدوي الوطني. فالصراع الوطني ضد تلك القوي لم يعد حسمه ممكنا الا بتحصين المجتمع والدولة من تلك القوى وتحريرها من هيمنة تلك القوى ألما قبل وطنية ومدنية. ان مستقبل بلادنا منوط بالتعايش الاجتماعي السلمي لا بالحروب الطائفية المذهبية والكراهية والحقد الطائفيين، ولا باستغلال الانسان لأخيه الانسان بل يتوقف على التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي تحرزه الدولة الوطنية. والاهم هنا هو احترام الإرادة الحرة للشعب. لا إرادات أشخاص او رموز او مرجعيات والتي تُمارس الوصاية والفتاوي وتطلب الاذعان لها او تتحدث باسم الشعب من غير ان يقوم هذا الشعب بتقويضها والتحدث باسمه تحت حجة المعارضة الشيعية او (القوي الوطنية الديمقراطية) والتي تمركز الصراع على شكل (معارضة / سلطة) او باسم أيدلوجية طائفية مذهبية -دينية لا ترى في البحرين غير شارع سني وشارع شيعي او وقف سني ووقف شيعي.
ما من شك في ان هناك عوامل ذاتية وموضوعية تدفع في اتجاه الوحدة الوطنية بدت تتبلور وان ببطء في الوقت الراهن جزء منها يتبدى في المزاج العام للناس وفي مزاج أعضاء ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي بشكل خاص وهو ضرورة الخروج من الحالة الطائفية المذهبية والشعبوية. بالرغم من التأخر التاريخي بوجه عام والاستبداد السياسي بوجه خاص لا يزالان عقبتين رئيسييتين تعترضان هذه السيرورة (الوحدة الوطنية) التي لا تتوقف عند تداعيات الدوار كما بينت المحطات التي مرت بها البحرين وكما بينت التجربة على (الإرادة السياسية للشعب) الا بقدر ما تكون هذه ارادة عامة، لا ارادة جمعية طائفية سياسية او جمعية شعبوية ولا ارادة طليعة ثورجية ولا ارادة مرجع ديني او قائد كارزمي. السيرورة الوحدوية الوطنية في تعينها الواقعي هي بالأحرى سيرورة نمو الميول العقلانية والعلمانية والديمقراطية في المشروع الاصلاحي وصيرورتها خيارات نهائية للقوي الاجتماعية الحديثة بعيدا عن القوي الطائفية المذهبية. القوي الاجتماعية التي تنجز قطيعة معرفية وثقافية وسياسية واخلاقية مع الاستبداد الطائفي المذهبي الديني وجمعياته الطائفية السياسية ومع الاستبداد السياسي على السواء، وهما صنوان بتغذى كل منها من الاخر ويغذية. ومن ثم فان الوحدة الوطنية ممكنة، ولكنها ليست حتمية باي معني من المعاني، حتى حينما يدرك الشعب أهميتها وفائدتها، فان مثل هذا الإدراك على أهميته، لا يغير قوانين الواقع التي تسري في المشروع الاصلاحي، فلا يمكن للوعي الذاتي والارادة الذاتية ان يحلا محل القوانين الموضوعية.
منطقيا وتاريخيا الوحدة (الوطنية) ليست نقيضا جدليا للتجزئة والانقسام والاستقطاب الطائفي (السني / الشيعي) المحدث في البحرين، بل هي النقيض الجدلي للتعدد والاختلاف والتعارض و (نقص الاندماج الوطني) في البحرين. والوحدة (الوطنية) هي من ثم هوية الاختلاف، وهو مالم يدركه الفكر الطائفي حتى يومنا، التفتت والتناثر والتحاجز الاجتماعي وتشظي الحقل الثقافي والسياسي أقدم من الشرخ الطائفي الذي حدث في احداث ١٤ فبراير الكارثية ٢٠١١، بل هي التي جعلت هذا الانقسام والاستقطاب الحاد (الشرخ الطائفي) ممكن، وخصوصا عند المنبر التقدمي. وجمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي. الوحدة (الوطنية) افتراض نظري وفكرة مجردة فحسب، تتعين واقعيا في العلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية، ويتحدد مصيرها بحركة التعارضات الاجتماعية واتجاه تطورها، العلاقات الاجتماعية والتعارضات التي تعينها وتتحدد بها هي التي تجعل الوحدة (الوطنية) ممكنة او غير ممكنة في الحالة البحرينية ذلك إذا أردنا الانطلاق من الواقع لا من اوهام الفكر الطائفي او اوهام من كانوا منتديين في ندوة المنبر التقدمي، والأيدلوجية الطائفية. ذلك ان العلاقات والبني الطائفية والمذهبية والجهوية والمناطقية الخ هذه التي تم الانطلاق منها في ندوة المنبر التقدمي محطات ومواقف في الوحدة الوطنية، كل هذا لا يفضي الي الوحدة (الوطنية) من هنا جاء عنوان موضوعنا المنبر التقدمي وأزمته الوطنية. فهذه العلاقات والبني ونقيضها هي تجليات الإرادة العامة في واقعها الفعلي، الإرادة الموضوعية و(الظروف الموضوعية) لا الإرادة الذاتية لأي جمعية طائفية او مرجعية دينية او رموز شعبوية، او زعماء وقيادات لجمعيات تسمي بالوطنية الديمقراطية الخ. فالإرادة لا تحل محل القانون، بل ان كل ما تستطيع فعله هو اكتشاف القانون في الواقع المعطى وهو المشروع الاصلاحي والعمل بمقتضاه.
ان اي محاولة لعرقلة المشروع الوحدوي الوطني ومشروع الدولة الوطنية والذي يمر عبر المشروع الاصلاحي في البحرين باسم ديمقراطية توافقية تنتج عنها محاصصة طائفية تأخذ شكل دولة المحاصصة الطائفية، او باسم التحالف من اجل الجمهورية او باسم دولة ولاية الفقيه / دولة الخلافة الاسلامية، او بمحاولة اضفاء اي صفة من صفات الرموز والزعماء على الدولة التي لا يمكن ان توصف سوى بالعمومية لان العمومية هي ماهيتها وجوهرها بوصفها تجريد المجتمع المدني وليس الطائفي السياسي ، إن هذه العرقلة للمشروع الوحدوي الوطني وللمشروع الاصلاحي الحامل له والذي تمثلت فيما يسمى ثورة شباب ١٤ فبراير او احداث ١٤ فبراير ٢٠١١، وانخراط ومشاركة المنبر التقدمي فيها بشكل فاعل، انما هي صبت الماء في طاحونة الطائفية السياسية وجمعياتها الطائفية السياسية وهو ما أدي الي احداث الشرخ الطائفي في المجتمع وادي الي الفوضى والكراهية والحقد او ( حرب الكل على الكل ) والذي فتح الملف ونمى القابلية للاختراق الخارجي الإقليمي ممثلا في دولة حكم الملالي الطائفية في ايران او تدخل القوي الإمبريالية ؟! . في ضوء ما تم طرحه من أوراق او مداخلات في ندوة المنبر التقدمي يبدو الحديث في الوحدة الوطنية ناهيك عن الديمقراطية، نوعا من اللعب في الوقت الضائع! لأنه لا زال ينطلق من المظلومية ذات البعد الطائفي المذهبي، ولا زال ينظر للمجتمع والدولة من المنظار التقسيمي الطائفي (شيعي / سني). ولم ينطلق من الاعتراف بإنسانية البحريني وتساوي الجميع في الكرامة الانسانية. ولم يتأسس على مشروع تحقيق الذات الانسانية للمواطن البحريني والمجتمع.
فقد تم تقسيم المواطن الي ضفتين او وجهين (موالاة / معارضة) و (شرفاء / لا شرفاء) و (مظلوم / ظالم) و (سني / شيعي) و (طالب شيعي ذكي يحصل على ٩٠ بالمئة لا يحصل على البعثة / طالب سني غبي يملك ٦٠ بالمئة يحصل على البعثة) و (تمييز سني / الشيعي) او (الوطني / غير الوطني) الخ. هنا غاب عن هؤلاء المنتديين ان ( الانسانية ) هي اساس الوطنية التي يراد استعادتها او بنائها او المنشودة ورافعتها ومحتواها والضمانة الاخلاقية لعدم تحولها الي نزوع فاشي في البحرين وهذا هو السيناريو المرشح لدي الجمعيات المسماة بالوطنية والديمقراطية للأسف او مرض اليسار الطفولي والذي تولد عن أمراض الوطنية الموروثة من التسعينيات والتي وضعت أسسها كما ذكر نائب الامين العام للمنبر فاضل الحليبي ( عندما وضعت الارضيّة للتلاقي بين القوي الوطنية الديمقراطية والتيار او الاسلام السياسي ) هنا دخلت هذه القوي الوطنية الديمقراطية وفي هذا الوقت الراهن بالذات في التعامل مع ( الوطنية كالعصبية سياسية حديثة ) تحاول ان تعصب الجسم الاجتماعي بالقوة وتشد أجزاءه بعضها الي بعض بالقوة وتحاول ان تحشد قواه لنصرة ( المظلوم ) وإيقاع الأذى ب ( الظالم ) ويتم تقسيم المجتمع الي عالمين الخير / الشر او محور الخير ومحور الشر . المنبر التقدمي يفتح ملف الوحدة الوطنية من منطلق الوطنية العصبية السياسية الحديثة التي لا تصنع واقعا سياسيا حديثا من تلقاء نفسها. فكرة الوحدة الوطنية شيء وممارستها شيء اخر (الممارسة اساس النظرية) وميدان اختبارها، والحكم في شرعيتها الفكرية والعملية، الفكر لا ينتج الواقع، ولكنه شرط ضروري من شروط تغييره، ولا سيما حين يكون الفكر حرا، نقديا ومستقبليا. هنا تتعين مسئولية القوي الوطنية والديمقراطية العقلانية، وضرورة قيام جمعية سياسية جديدة ذات طابع وطني عمومي، تضع الوحدة الوطنية وقيمها وشروط تحققها في صلب عملها الفكري والسياسي، والوحدة الوطنية هدفا رئيسيا في هذه المرحلة من أهدافها، وتتعين مسئولية المثقفين والسياسيين في تأسيسها واحد إرهاصاتها هي جمعية التغيير الديمقراطي (تحت التأسيس)