احتفل العالم في اليوم الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة’ فبدت رائحة العطور في القاعات تذكرني برائحة العرق الذي سكبته عاملات النسيج في نيويورك من عام 1857’ من اجل انتزاع حقهن في العمل لمدة عشر ساعات بعد ان كن يشتغلن لأكثر من ستة عشر ساعة في ظروف قاسية للغاية’ ومع رائحة عرق النساء في العالم وعطر النساء الرائع اليوم في قاعات الاحتفالات المتنوعة في فنادق الخمسة نجوم والجمعيات السياسية المطحونة’ يرتدين النساء ملابسهن الزاهية ويرقصن فرحا بانتصارهن لما حققنه خلال المائة عام’ إذ تم سنة 1910 انتزاع الحق باحتفاء النساء بيوم عالمي’ فصارت خطوات الألف ميل حقيقة دامغة بعد إضراب عاملات النسيج في معـــقل
الرأسـمـالية الكــبيرة القــادمة لكــوكبنا’ ومسافة اقرب بقليل هي المئوية لهذا العام 1910- ’2010 ’ وبين رائحة عرق النساء العاملات في مصنع الحياة ورائحة العطر الباريسي اليـوم ’ يرفعن ولا زلن النساء رايات ’’ النضال ’’ في كل بقاع العــالم وعلى كل المستويات والأنشطة’ من اجل تعزيز حقوقهن وانتزاع حقوق لم تنجز ومســلـوبة حتى هذه اللحظة’ فليس أوضاع النساء في العالم واحدة وليس وعيهن بمستوى ودرجة واحدة في صيغته وحركته السياسية والنسوية’ ففي الوقت الذي تناضل النساء في بقاع فقيرة من اجل تطعيم لأطفالهن وقطرة ماء لمطابخهن وكسوة متواضعة يتدثرن بهــا’ فان الحــركة النسائية في الغرب المتطور بلغت مطالبها وحقوقها سقفا عاليا بعد ان صرن هناك يتقلدن ارفع المناصب في الدولة والبرلمان والمؤسسات كافة’ غير ان الحركة النسائية مفعمة بحماسها ولن تتوقف من اجل مواقع أوسع وارفع في المجتمع’ حيث لا تتوقف طرقات المطارق أبدا ولا يتوقف عطرهن الفواح عن انتشاره في فضاء الحياة.
لم تكن كلارا زيتيكن’ النائمة في قبرها بسلام تدرك ان التاريخ سينصفها لاحقا ويجعلها تمثالا من الرمزية والدلالة لكل نساء العالم. نساء كثيرات مع زيتيكين مثل كروزا لكسمبورغ وكولنتاي وكوربسكايا وغيرهن الكثيرات انخرطن في الحركة الثورية الناهضة من القرن التاسع عشر’ حينما بدأت الحركة العمالية والمجتمعية ترفع راياتها من اجل حقوقها وقضاياها.
القضية في بلدنا تبدو أصعب من زمن زيتيكن’ فهناك جذور استبدادية مجتمعية’ حيث النساء يقفن ضد النساء والرجال تمتلكهم ذهنية رجعية تغرق في الظلام’ وتردد مقولات عفا عليها الزمن’ بتقليل مكانة ودور المرأة وقدرتها على العطاء والقيادة’ في هذا اليوم وفي هذه اللحظة من 8 مارس تغيب عنا نحن ’’مريم’’ التي كانت معجونة من طينة 8 مارس’ فـقد كرسـت بصـمتـهــا ومواقـفها كل شبابها وحياتها من اجل قضية المرأة والوطــن’ في مثل هذا اليوم تغيب عنا امرأة من طينة روزا ومن معدن كلارا ومن صلب كروبسكايا’ فكل الأسماء كانت مسكونة في قلبها ودمها وحياتها.
مريم التي قالت وداعا للأحبة’ تركت بريقها خلفها في كل ملامح من ملامح الأشكال النسائية المقاتلة من اجل الحرية’ يكون أبرزها الثامن من مارس’ فهو بيتها الجميل وذاكرتها الأبدية. تغيب مريم عن الثامن من مـارس هــذا الـعام’ ولكـنـهـا لن تـغـيــب عن مــارس الأبدي’ الذي حفرته كل نساء العالم على جــذوع أشجار غابات الحرية والإنسان. فهل تخون كل النساء أنفســهــن في معركة الانتخابات القادمة ولا يمنحن أصواتهن لنساء أكثر استحقاقا من رجال صعدوا بالخطأ مقعدا نيابيا؟ بحجة الشرعية الذكورية والانتقاص من النصف المكمل والمشروع والدستوري في بلدنا.
من أقصوا المرأة عن حقوقها الكاملة والمتساوية هم أنفسهم الذين يستجدونها بصوتها في صناديق الاقتراع’ غير أنهم في قاعات المجلس النيابي ينسون حقوقها وقضاياها ووحدتها من اجل أحوال شخصية واحدة وموحدة’ حيث للنساء قضية نضالية ومطلبية وحقوقية واحدة ولا يمكن تقسيم إرادتها وحركتها النسائية بتلك السكاكين الخائنة. المرأة في الثامن مارس صارت تنطلق في هذه الاحتفالية بشعارات جديدة ودفعة أقوى ورؤية أوسع للموجات المائية المندفعة في النهر’ نهر النساء القادم شئنا أم أبينا فحركة التاريخ – وان تعطلت وتعثرت – فانها في نهاية المطاف تتحرك في الاتجاه الصاعد والمتقدم. هل نعيد للنساء شعار زيتيكين القديم ’’يا نساء العالم اتحدن’’ يا نساء البحرين اتحدن’’ أم نقول بأكثر من ذلك يا نساء البحرين لا تتوقفن عن المسيرة المستمرة لزيتيكين ورفيقاتها في كل بقاع العالم. ومن اجل كل ’’مريم’’ من عجينة الثامن من مارس نرفع راية المجد لكل النساء’ ونحيي طموحهن وحقوقهن العادلة’ فمن أصوات نساء النسيج وآلاتهن في نيويورك تصحوا المنامة كل عام لتستنشق عطرها وفرادتها وخصوصيتها الخليجية’ حيث النساء الأوائل من دلمون المعاصرة قلن الكثير وخلال أكثر من ستة عقود عملن من اجل المرأة’ حين كانت المرأة سجينة لكل الأشياء’ وحبيسة لكل القيم الظلامية’ بينما اليوم نراها تقاتل من اجل كل شيء يمس حقوقها وكرامتها’ من قاعات المحاكم حتى قاعات الدراسة والمؤسسات والمجتمع.
تبقى المسيرة طويلة لم تنهها زيتيكن بعد فهناك صفحات متبقية لم تقرأ من كتاب المرأة ’فإذا لم تستطيع انجازه زيتيكن هناك ولم تنجزه مريمنا هنا ’ فان على النساء ’ نساء الحرية أن يواصلن حمل الراية حتى الرمق الأخير’ فلكل ساحة من الحياة معركتها اليومية الدؤوبة’ المستمرة’ الصعبة والمملة’ ولكنها حتما ستنجز برنامجها الذي تم تعطيله زمنا طويلا. هل أقول لكل النساء أسعدتن صباحا بماء الورد والرازجي في ربيعكن’ فللحروف رونقها الوردي قبل الأحمر وللقلب حرارته قبل الكلام.