تأنيث الطبيعة تأثير العوامل المادية – بيئية – نفسية.

على مستوى السلوك الاجتماعي فإن خصائص الذكورة والانوثة هي مفاهيم (ثقافية – حضارية) ودرجة الوضوح فيها ليست عالية أيضاً فالدراسات التي جرت على القردة الاقزام (البنوبوزا) تظهر ان انماط سلوكها الاجتماعي تمثل تحدياً صارخاً للنموذج التطوري المبني (في حالة البشر) على هيمنة الرجل على المرأة في مجتمع الصيد وجمع الثمار يتميز بإقامة السلاح واستعمال العنف، واللجوء الى الحرب في الفصل بين المنازعات – وكلها خصائص عدوانية ذكورية – هذا النموذج التطوري يعتبر أن تطور الانسان والحضارة قد مر بشكل اجباري في هذه المرحلة ؟ بينما في مجتمع قردة البونوبوز.، الذي لم يكن معروفاً حتى وقت قريب، يستعاض عن العنف والعدوانية بممارسة الجنس كطريقة للتنفيس عن التوتر والتعويض عن التنافس في هذا المجتمع الذي تسيطر فيه الاناث على توزيع الغذاء، والقائم على المساواة في بنائه الاجتماعي، يكاد العنف والعدوانية فيه يكونان غير معروفين. قد يعترض البعض ويقول ان المجتمع الانساني يفترق عن بقية الثدييات العليا، هي وجود مؤسسة العائلة التي تتولى رعاية الابناء وتربيتهم. الا ان هذه المؤسسة التي لعبت هذا الدور الاستثنائي تشهد فترات انحسار واسعة من حيث اهميتها، ومن حيث وظائفها، ومن حيث انتظام العلاقات فيها تحت ضغط المجتمع المدني الصناعي المتحضر، وانتشار ظاهرة ممارسة الجنس الترفيهي والسياحي المتصلة بالحراك الجغرافي والاجتماعي علاوة على انتشار المثلية، وانتشار موانع الحمل، التي تساهم في انتشار الاستروجينز. الهرمون الانثوي في الطبيعة، وهي التي تساهم في ظاهرة أنثنه. (او تأنيث) الطبيعة. تظهر الدراسات الميدانية وجود علاقة بين التغيرات التي بدأت تظهر على السلوك الجنسي للرجال والنساء، وعلى المظاهر السلوكية المستجدة الأخرى، وبين بعض المتغيرات البيئية: كالتلوث الناتج من انتشار انواع من الهرمونات الانثوية الصناعية المسماة استروجينز.، في الدورة النزوية الشهرية، والتلوث الكيميائي عامة، بما في ذلك مثبتات الون، والمواد الحافظة للأغذية، والمواد المصنوعة من البلاستيك، والمبيدات الحشرية، والادوية. هناك ادلة واضحة على تغيرات حديثة في الخصائص التشريحية والسلوكية للحياة الحيوانية في البرية مثلاً ٨٠ بالمئة من التماسيح الذكور في بحيرة ابوكا (في فلوريدا)، تولد بأعضاء تناسلية غاية في الصغر، وبنسب عالية من الهرمونات الانثوية الاستروجينز.
نكمل امثلة على عملية تأنيث او أنثنه الطبيعة

  • يتحير العلماء في بروز مظاهر الانوثة على طيور النورس، ربما بسبب تعرضها لمادة الدي دي تي، بحيث اصبحوا يجبرون الاناث على حضانة البيض في الاعشاش خلافاً للعادة حيث الذي يحضن البيض هو الذكر.
  • في بعض انواع الاسماك مثل سمك التروته النهري اكتسب خصائص (خنثوية) (اي يمتلك اعضاء ذكورية وانثوية معاً وذلك خلافاً للعادة وهناك انواع من الطيور مثل سكوتس قد ضمرت اعضائها الذكرية تماماً
  • بالنسبة للبشر هناك ادلة تشير الي أن تعداد الحيوانات المنوية في انخفاض مستمر فهي اقل بنسبة الربع كما كانت عليه قبل عشرين عاماً، وهناك دراسة دانمركية انهم لاحظوا بشكل لافت، ان عدداً متزايداً من الاطفال يولدون بخصية معلقة اي ليست في مكانها في الخصية. وقد وجد علماء اخرون على مواد (alkylphenols phthtes bisphenol) وجميعها تحتوي على الهرمونات الانثوية الاستروجينز بدرجة محدودة انها موجودة في البازلاء المعلبة، وفي حليب الاطفال الصناعي، واغذية الاطفال المعلبة. وفي انكلترا كان يقال ان هناك مواد كيمياوية في حليب الاطفال الصناعي تؤدي الي تبديل الجنس مما دفع السلطات الى النفي ولكن طلبت بتوخي الدقة اي ليس هناك ادلة كافية للنفي القطعي او التأييد الفعلي. وهناك دراسات مفصلة عن ظاهرة العجز الجنسي بين الذين يعانون التوتر المفرط، وبخاصة بين المهاجرين من العمال الجدد الذي لا يتوافقون مع بيئاتهم الجديدة. وما الاحتفال بظهور الفياغرا الا دليل على مدى انتشار ظاهرة العجز الجنسي. والذي شاهد فيلم عادل الامام النوم في العسل سوف يرى كيف ناقش مخرج الفيلم وبشكل كوميدي هذه الظاهرة ولكنه لم يتوفق بتوضيح الاسباب وراء هذه الظاهرة والتي اعادها الى طلب الذين أصابوا بوباء العجز الجنسي الخروج من المدن والذهاب الى الصحراء لممارسة الجنس كعلاج لظاهرة العجز الجنسي ولكن بعد توضيح في الفلم انه لا الاديان ولا المشعوذين ولا السلطة التنفيذية او التشريعية كانت قادرة على الحل لذلك قاد عادل الامام مظاهرة تحت شعار (اه اه) وهي الصرخة التي جرت كل الذين يعانون من عجز جنسي ليصرخوا في وجه الدولة وفي وجه قوات الشغب، و اه هي قمة الالم الذي بات يعانيه من اصيب بهذه الحالة.
    ويرى روبرت سابولكسي. المتخصص في الجهاز العصبي توضيح كيف ان المتغيرات البيئة تلعب دوراً كبيراً لم يكن واضح في السابق في التحكم بمعدلات هرمونات الذكورة التسترون والمظاهر السلوكية التي تترتب على هذا التحكم وتوضح الدراسة العلاقة الحميمية بين نظام الغذاء وبعض المظاهر السلوكية كمعدلات التوتر والامراض المتصلة به عندما تأخذ الدول بنظام الغذاء الغربي مثلا. ذا المعدلات العالية في الدهون والاملاح، وبخاصة الاغذية السريعة او جاهزة التحضير.
    يثير برايان ماسترز في الأوبزرفر. اللندنية تساؤلاً غاية في الاهمية، وهو أنه حتى الحالات التي يظهر فيها الرجال صفات انثوية، عند المثليين جنسياً مثلاً، فليس هناك ضمان بأن هؤلاء سوف يميلون في سلوكهم العام نحو الوداعة، او طلب رضى الاخرين، او الى الحس الجمالي (هذه كلها علاقات حب ومودة وود) بل على العكس من ذلك، فقد اظهرت الدراسات المتأخرة أن اغلب مدمني الاجرام، الذين شغلوا الراي العام امداً طويلاً (من امثال اندرو كيونانن. المتهم بقتل مصمم الازياء فرزاتشي واخرين غيره) كانوا مهوسين بالجنس، ويمارسونه بعنف دموي استثنائي، يشمل التعذيب والتشويه والتمثيل بجثث ضحاياهم، وكأنهم بذلك يحتجون، لأسباب ليست واضحة، على الجنس ضد الجنس، وليس احتفالاً بالاستمتاع به. ويذهب البروفسور دايموند الذي يرفض الاعتقاد ان الذي يفصل بين الذكورة والانوثة هو الفروق البيولوجية، التي يزعم علماء الاحياء التطورية انها ثابتة لا تتغير ويذهب الى ابعد من مجرد رفض هذا الاعتقاد، الى حد الزعم ان قدرة البشر على التعديل والتغيير في وظائفهم البيولوجية هي التي كانت القوة الدافعة للتطور الانساني. فليس دماغ الانسان، ولا انتصاب قامته، هما اللذان جعلاه، يتسلق شجرة التطور، وانما بعض خصائص حياته الجنسية هي التي ميزته عن بقية الثديات، مثل القدرة على ممارسة الجنس في اي وقت (وليس لديه وقت معين للتزاوج كبقية الكائنات) وكذلك لدى الانسان الدورة (النزوية الشهرية) التي تستمر نصف عمر المرآة، والتي ما زال العلم الحديث لم يفك تفسيرها وحدوثها ويؤكد البروفسور دايموند الادلة على فرضياته من سلالات الثديات التي يقوم فيها الذكر برعاية الابناء وليس الأنثى، ويلاحظ أنه حتى بين الثديات العليا يمكن للذكور أن يصبحوا اكثر امومة، ويستنتج من هذه الادلة استنتاجاً جزئياً بالقول إن الذكور حتى من البشر قادرون على توفير او فرز الحليب وارضاع الابناء مثل السجناء الذكور في معسكرات الاعتقال اثناء الحرب العالمية الثانية كبرت اثداؤهم بشكل غير اعتيادي وادرت اثداء بعضهم الحليب. والنتيجة لدى البرفسور هي ان التطور لا يسير بشكل خطي او بشكل واع، وانما بتحولات رئيسية وتراجعات كبيرة في الخصائص التشريحية والوظائف البيولوجية، كما تنعكس في السلوك الاجتماعي للحيوان وفي فصائل النباتات. وربط اطروحات البرفسور هو ما يحدث الان من التقانة الحديثة اصبحت قادرة في ايامنا هذه على احداث هذه التغيرات البيولوجية (وما يترتب عليها من مظاهر سلوكية)، بمجرد اعطاء حقنة من توليفة مدروسة من الهرمونات، او بأساليب متعددة من الهندسة الوراثية.
    الخلاصة:
    أولاً: إن اغلب الادلة الحديثة تضع النموذج التطوري للجنس البشري موضع تساؤل، وبخاصة حول هيمنة الرجل الذكر، واعتبار أن الميل الى العنف والعدوانية هو جزء من الطبيعة الانسانية، فارتفاع معدل هرمونات التسترون الذكوري ليس دليلاً كافياً او ضرورياً للسلوك العدواني.
    ثانياً: ان الفصل بين الذكورة (الرجولة) والانوثة، هو مفهوم (ثقافي حضاري) وليس مستمداً من وظائف تشريحية او خصائص بيولوجية ثابته لا تتغير. بل إن هناك ادلة من مجتمعات ثدييه اخرى، تظهر ان تداخل وظائف الجنسين والغياب النسبي للعدوانية التي تقود الى العنف الدموي، امران محتملان وممكنان.
    ثالثاً: ان المؤثرات البيئية، وبخاصة تلك الناجمة عن التلوث البيئي الكيمائي. قد بلغت حداً يدعو الى قرع ناقوس الخطر. فهذه المؤثرات بدأت تتعدى حدود التغيرات في انماط السلوك الجنسي والاجتماعي عامة، الى خطر احداث تحولات في التركيب الجيني للبشر. ويضاف اليها بطبيعة الحال مخاطر الهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي التي لا يمكن تقدير عواقبها في الوقت الحاضر بسبب ضعف معلوماتنا بشأن العواقب.
    رابعاً: ان ادعاءات المتحمسين لحماية البيئة عن وجود مؤامرة كيماوية تقودها شركات صناعة الادوية والكيماويات وشركات الهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي يجب ان لا تدفعنا الى التراخي الكيماوي حسب ادعاءات فرضية (GAIA)، التي تبشر بالاعتقاد ان الارض من حيث امتلاكها نظاماً بيئياً، قادرة على اعادة التوازن لقواها، وإننا قادرون على علاج كل المشكلات المستجدة.
    خامساً: الابتعاد عن الحكم المسبق على الظواهر الجديدة الجنسية من مثل المثليين من مثل الحكم عليهم منظور ديني كرميهم من اماكن عليا او قتلهم او اقصائهم من المجتمع وان يكون الراي العلمي هو المرجع في تفسير هذه الظاهرة فقط.

المرجع: كتاب خلدون النقيب اراء في فقه التخلف