تطور سلطة فئة الملالي والبورجوازية الصغيرة في المشروع الاصلاحي

من الناحية الكلاسيكية تنعت (البورجوازيةالصغيرة) بالتناقض بين الفكر والممارسة، بين النظرية والتطبيق. هل يمكن الاتفاق مع هذا النعت؟

في تجربة فئة الملالي والبورجوازية الصغيرة في البحرين رأينا ان الممارسة منسجمة الي حد بعيد مع الفكر الذي انطلقت منه او الذي استندت اليه اي ماهو موجود في البرنامج السياسي والنظام الداخلي للجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين وكذلك ماهو موجود في بعض الجمعيات التيار الوطني الديمقراطي (وعد المنحلة) فقد أوضحت التجربة منذ انطلاقة المشروع الاصلاحي وخصوصاً في احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ ان الفكر والممارسة – تابع للمصالح الطبقية لتلك الفئة وتلك الطبقية البورجوازية الصغيرة. مع ان هذه المصالح الطبقية متذبذبة. هذا التذبذب راجع الي كوّن البورجوازية الصغيرة لما تقوم بدور  المعارضة السياسية هي تتذبذب بين الطبقتين الرأسمالية والطبقة العاملة ، مثلها كمثل أية طبقة متوسطة تجد قواسم مشتركة مع الطبقات التحتية كما مع الطبقة الفوقية ، كما حدث عندنا في البحرين حيث مدت هذه الجمعيات الطائفية السياسية أذرعها في المصانع والمعامل وفِي التنظيمات النقابية وكذلك مدت أذرعها في الجمعيات السياسية ( وعد ، المنبر ، التجمع ) المعبرة عن الطبقة العاملة ، وكذلك ما قبل  وبعد احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ مدت أذرعها الي البورجوازية التجارية والبيروقراطية . هذا التذبذب هو من طبيعة فكرية وسياسية، نظرية وعملية، في ان واحد. حيث تتميز اي طبقة وسطي بتشرذمها أكثر من غيرها من الطبقات الاجتماعية، وبالتالي ظهور الخلافات والتناقضات ضمنها أكثرمما لدي الطبقات الآخرى وهذا بان بشكل واضح بعد انهيار مشروع الدوار وبعد حل جمعية الوفاق وجمعية وعد وغيرها من جمعيات الاسلام السياسي الطائفي. هذا يعكس ان مصالحها الطبقية تتراوحً بين مصالح الطبقات الدنيا ومصالح الطبقات العليا علاوة على اجندتها نحو الاستحواذ على السلطة السياسية في البلاد (مشروع الدوار). كيف جرت الأمور علي ارض الواقع؟ من المعلوم ان السلطة الطبقية هي سلطة أقلية على لأكثرية؟ المسالة المطروحة هنا كيف تمكنت هذه الجمعيات الطائفية السياسة وحاضنتها البورجوازية الصغيرة ان تصل لتقوم بهذا الحراك السياسي في احداث ١٤ فبراير ٢٠١١؟ وان تحشد وتعبئة كل هذه الجماهير حولها إذا كانت بالخصائص المذكورة آنفاً من تذبذب وتشرذم وتنازع؟ عندما فكرت تلك الجمعيات الطائفية السياسية وجمعيات التيار الوطني الديمقراطي بأحداث (ثورة) او انتفاضة، او حدث سمي بعد ذلك بالحراك السياسي في ٢٠١١، حاولت هذه الجمعيات السياسية وفئة الملالي الطائفية والبورجوازية الصغيرة ان تطرح حلها للمسألة البحرينية. انطلاقاً من ان فئة الملالي والبورجوازية الصغيرة طرحت خطاباً سياسياً بحكم مكانتها الهامة التي تعززت وتبلورت في اثناء المشروع الاصلاحي ، وبمكانتها في عملية الانتاج الاجتماعي ، وتناقض مصالحها مع من هو ممسك بالمشروع الاصلاحي ووعيها السياسي الذي تبلور أيضاً في تراكمات هذه المرحلة حيث كانت لها الحصة الكبرى في الغنائم سواء في البرلمان ١٨ نائب وهيمنتها علي الاتحاد العام للعمال وكثير من النقابات الآخرى وكذلك في الجمعيات المهنية وعززت كوادرها في المؤسسات المختلفة للدولة حيث استطاعت ان تنظم نفسها بشكل جيد . وأخيراً استخدامها للبعد الطائفي السياسي. تكون هذه فئة الملالي والطبقة البورجوازية الصغيرة بفعل تلك العوامل طرحت نفسها بأنها هي المهيئة تاريخا في هذه اللحظة التاريخية او الفرصة التاريخية للقيام بهذه (الثورة)أكثر من غيرها لتحقيق المطالَب (المشروعة؟!). وصدرت خطاباً دعائيا بأنها تنبري للقيام بتحقيق تلك المطالَب وتلك الثورة في سبيل المجتمع ككل ؟! وبالتالي باسم الطبقات الأخرى وبمناصرتها. مما أوجد وعياً مزيفاً مفاده ان مصالح فئة الملالي والطبقة البورجوازية الصغيرة تكون في هذه اللحظة التاريخية الي حد كبير مع مصالح مجموع السكان لان حراكها موجه بالدرجة الأولي ضد مصالح من يمسك بالمشروع الاصلاحي؟ هذا هو ما أربك جمعيات التيار الوطني الديمقراطي وخصوصاً جمعية المنبر التقدمي.مما أوجد هذا الخطاب (ان الثورة التي تقودها الفئة الثائرة، لا تقوم بها وحدها، بل بالتعاون مع طبقات (هنا الطبقة العاملة) وفئات اخرى وبعد تحييد طبقات (هنا التجار الشيعة بالذات؟) وفئات في الطبقة الوسطي والتكنوقراط وبعض من البورجوازية البيروقراطية. حيث ساهمت الطبقة العاملة والتجار والبيروقراطية والوسطى واعطت الزخم لفئة الملالي والبورجوازية الصغيرة القائدة لهذا الحراك؟ كان سلاح الدعاية والتحريض والتجييش والتعبئة يحظى بالمقام الاول في علاقة فئة الملالي والبورجوازية الصغيرة مع الطبقة التحتية(الطبقةالعاملة) المتحالفة معها عبر الجمعيات المعبرة عنها جمعيات التيار الوطني الديمقراطي، وذلك عبر الشعارات الثورية التي رفعت في الدوار (باقون حتى يسقط النظام). كانت الشعارات مكشوفة لدى الديمقراطيين الوطنيين العقلانيين حيث توزعت بين شعارات تعبر عن مصالح فئة الملالي والطبقة البورجوازية الصغيرة وهي ذات طابع طائفي بامتياز فهي شعارات خاصة ، وشعارات اخرى تتبني مصالح الطبقات الحليفة لعبت دور السلاح الأيدلوجي للوقوف امام وصم هذا الحراك بانه طائفي تقوده  جمعيات طائفية سياسية شيعية ( شعار اخوان سنة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه ) وصادرت شعارات اليسار وحتي الاغنية الوطنية لجبهة التحرير طريقنا انت تدري شوكاً ووعر عسير أعطتها الصبغة السياسية لهذا الحراك الطائفي بامتياز .

ان فئة الملالي والطبقة البورجوازية الصغيرة عندما تطرح نفسهاكـ مصلحة او كمؤسسة اجتماعية في حراكها السياسي او في البرلمان فإنها تطرحها على أساس انها (فكرةعامة) و (مصلحةعامة) فكيف تستطيع مصلحة ما او فكرة ما ان تطرح نفسها فوق الأفكار وفوق المصالح وفوق الطبقات اي تطرح نفسها انها تمثل الإرادة الشعبية العامة؟ هذا يكون عادة قبل استلام السلطة او استلاب السلطة لها. وفِي الحقيقة من السهل نسبياً ان تطرح فئة الملالي والبورجوازية الصغيرة شعاراتها وان تتقدم بمطالب، طالما كانت هي تقود الحراك السياسي فأن تحقيق الشعارات والاستجابة لهذه المطالَب سيكون على حساب الطبقة العاملة وجمعياتها السياسية، وطالما ان فئة الملالي وبورجوازيتها الطارحة لهذه الشعارات المتطرفة غير مضطرة بالتالي لاستعداء الطبقة العاملة التي ستدفع الثمن او الكلفة السياسية ل جمعياتها السياسية (المنبر، وعد، التجمع). فلم تقدم فئة الملالي وبورجوازيتها اي تنازلات تذكر للطبقة العاملة والجمعيات المعبرة عنها سواء قبل احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ (عندما سحقت الوفاق مرشحي المنبر في الدوائر المغلقة) او حتى في احداث ١٤ فبراير الكارثية. ان  تنفذ الحلف الطبقي في المشروع الاصلاحي ، من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتباطؤ والتراجع الذي أصاب المشروع الاصلاحي اضافة إلي عدة ملفات أخرى كانت تستغلها فئة الملالي والبورجوازية الصغيرة ، هي بالذات التي أظهرت شعارات فئة الملالي وبورجوازيتها الصغيرة وقتذاك كشعارات ( ثورية ) وهي التي أظهرت تلك الجمعيات كمعارضة سياسية ، والتي استغلت واقع الانفجارات السياسية التي حدثت مع ما سمي بالربيع العربي ، وصول احزاب الاسلام السياسي الي السلطة واحتدام الصراع مع من يمسك بالمشروع الاصلاحي ، وبالتالي الحاجة الماسة إلى ( حلفاء ) من اليسار والتركيز علي العناصر الراديكالية في جمعيات اليسار وبالذات في القيادات المهيمنة ، ولكن بعد انهيار مشروع الدوار  حدثت بعض  التنازلات من فئة الملالي وبورجوازيتها حتي وصل الامر الي إيهام الجمعيات اليسارية وطبقتها العاملة بان هذا الحراك يتبنى ( فكرهم ) من الناحية الموضوعية ، كان هناك حقاً ولو لفترة قصيرة ( النقاط السبع لولي العهد ) احتمال تاريخي لتحول ما لو ان ( العامل الذاتي ) اي استقلالية الجمعيات المسماة بالتيار الوطني الديمقراطي قامت  بلعب  دوراً مستقلا وفكت  ارتباطها مع فئة الملالي وبورجوازيتها وجمعياتها السياسية . كل ما قدمته فئة الملالي وجمعياتها بعد انهيار مشروع الدوار لتلك الجمعيات تبنت مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية كطوق نجاة (تقيةسياسية)، اي من ناحية الشكل دولة مدنية ديمقراطية، اما في الجوهر دولة المحاصصة الطائفية. هذا حدث لان جمعيات الاسلام السياسي الطائفية التي تستغل الدين وجدت نفسها بين نارين نار من هم ممسكين بالمشروع الاصلاحي فوق. ونار الحليف تحت عندئذ لا يكفي سلاح التصعيد والدعاية والتبرير ولا بد من استخدام سلاح (الإصلاح) وذلك بإجراء التغيرات على الخطاب السياسي والحراك السياسي

التي تحاول ان تبقيها على الوجود السياسي وبحيث لا تضرها من مثل انها مع ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي والدولة المدنية، حيث تظهر وكأنها تغييرات لصالح الطبقة العاملة وجمعياتها السياسية. كانت هذه لحظة تاريخية للجمعيات المسماة الوطنية الديمقراطية مع الطبقة العاملة بالتوحد وفك الارتباط مع الاسلام السياسي.

إذن مع تداعيات كارثة الدوار وبقدر ما تسيطر  فئة الملالي وبورجوازيتها الصغيرة علي الحراك حتي بعد الانهيار ، تستخدم مع الطبقات التحتية ( الطبقة العاملة ) سلاح الدعاية والتبرير للأخطاء الكارثية التي ارتكبت وكذلك تستخدم سلاح الاصلاحي التنفيسي والشكلي استخداماً مناسباً ، بالمثل نهجت جمعية المنبر التقدمي نفس السيناريو عبر طرحها ( وثيقة المراجعة النقدية ) فينشرون أيديولوجياتهم ويموهون مصالحهم الخاصة عبر التغيرات في بعض مراكز  القوى وبعض الإنجازات المطلوبة ، وهذا الذي مكنها من الاحتفاظ بالسلطة سواء داخل هذه الجمعيات ام في الحراك السياسي دون اللجوء الى العنف المباشر والذي قد يؤدي استخدامه الي الفرقة النهائية مع حلفاء الامس ، في الوقت ليس من الحكمة إظهار الوجه الطبقي على حقيقته. لم تسمح الظروف الموضوعية لفئة الملالي وبورجوازيتها لكي تنتقل الي السيناريو الاخر، اي لم تستتب الأمور وتتمركز نخبة فئة الملالي وبورجوازيتها على قمة الهرم الطبقي كما حدث في تجربة العراق وتبتعد مصالحها عن مصالح عامة الشعب والطبقات الشعبية وتتقارب مع مصالح رأسماليتها التقليدية المفياوية في الداخل والخارج عندها يصبح -ولو بصورة غير معلنة -أصدقاء الامس التحتيون (الطبقة العاملة وجمعياتها المعبرة عنها) أعداء الْيَوْمَ. كما حدث في التسعينيات مع لجنة العريضة -لجنةالمبادرة، او في انتخابات ٢٠١٠، عندئذ يأخذ سلاح القمع المادي المقام الاول دون منازع كما حدث في الثورة الإيرانية عندما هيمنت فئة الملالي وبورجوازيتها على السلطة. في نفس الوقت لا يبقي من الأيدلوجيا المعلنة (المظلومية) سوى الديماغوجيا، ويجري تدعيمها باستغلال الدين والملالي. شأن اي طبقة تريد الحفاظ على أوضاعها القائمة، اما سلاح الإصلاحات فينقلب الي نهج إغوائي مناسب لعمليات النهب والهدر والفساد ولاجتذاب النفوس والذمم بما فيه كسب قيادات الطبقات التحتية ومناسب لإعادة طبقة المجتمع الذي سيُصبِح في نهاية هذه المرحلة ذَا هرم منتفخ الوسط، اي بورجوازياً صغيراً، وبعد عملية اعادة التكوين الطبقي سوف تتخلي فيها الطبقة الجديدة عن شعاراتها الثورية القديمة، ابتداء بالمقتبسة (الدول المدنية الديمقراطية والشراكة المجتمعية) او الخاصة الاتحاد من اجل الجمهورية. وتتبني ايدولوجيا جديدة تتناسب مع او ضاع النهب للمال العام والفساد المالي والاداري، ذلك لأنها ستقطع صلتها بأصلها البورجوازي الصغير، ناهيك عن حليفها الكادح والفقير كل الحراك السياسي من قبل فئة الملالي وبورجوازيتها هو محاولة جر الطبقة العاملة الي مواقفها وأجندتها السياسية تاركة جمعيات التيار الوطني الديمقراطي تتخبط في قراراتها وتتفتت وتتشرذم تنظيمياً بالطبع هذا يعني رمي تاريخ هذه الجمعيات في مزبلة التاريخ.