جدل السلطة والمعارضة من منظور مختلف

في ظل الواقع السياسي الراهن والذي آلت اليه الحياة والحركة السياسية الى هذا الجمود والتشظي والتشرذم. تبرز أهمية الحوار من منظور مختلف للسلطة والمعارضة عما ساد في الفترة الماضية او ما كان يسمي حوار او صراع السلطة والمعارضة حيث ساد المنظور الاحادي لجدل السلطة المعارضة، اما شر او خير اما اسود او ابيض وتم النظر الى السياسة من منظور سطحي، شكلي، من دون الدخول في حوار سواء بين السلطة والمعارضة او بين الجمعيات المعارضة لكي يتم انتاج حقائق جديدة ليست في صالح اي من المتحاورين، بل لهم جميعاً في ظل العمل العلني.

وكان سيكون مدخل ضروري الى السياسة في أحد اهم معانيها وهي نفي العنف، او نفي الحرب خارج المدينة، او خارج الدولة بما هي اي الدولة تعبير سياسي عن وحدة المجتمع. بالنظر الى ان السياسة تنعقد عليها وحدة المجتمع والدولة ووحدة الحكم والشعب (هنا تلاقي الإرادة الملكية مع إرادة الشعب) ووحدة السلطة والمعارضة، وكذلك وحدة المعارضة أيضاً، وهنا يتم التأكيد ان منظور الوحدة المعنية هي وحدة (جدلية، تناقضية) هي هوية التعدد والاختلاف والتعارض (من معارضة) السياسة هي المعنى الذي تنعقد عليه وحدة للمجال السياسي المجتمعي لأنها تعبير عما هو عام ومشترك بين جميع المواطنين وجميع الفئات والطبقات الاجتماعية والتعبير العياني عن الواقع الذي تبلور مع المشروع الاصلاحي.

حيث كان ينظر من قبل القوى العقلانية الديمقراطية ان هناك بوادر لمجتمع يتبلور فيه اندماج وطني اجتماعي، هو وحدة تشكل مجال سياسي سوف تتجابه فيه وتتقاطع تيارات واتجاهات مختلفة ومتخالفة. ففي مثل هذا المجال السياسي الموحد تقوم (الوحدة الجدلية بين السلطة والمعارضة). هذه الوحدة والتي للأسف لم تقر او تعترف بها أطراف متشددة سواء في السلطة ام المعارضة واستهجنها. سياسيوها ومعظم مثقفيها خصوصاً في الندوات او التجمعات في بداية بلورة المشروع الاصلاحي. وهي اي الوحدة الجدلية بين السلطة والمعارضة كان من المفترض ان تفضي الى الاستقرار السياسي الفعلي والى التداول السلمي للسلطة (حتى ولو كانت السلطة التشريعية) ذلك ان الاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة (هنا التشريعية) برلمان ومجالس بلدية هي من اهم المداخل السياسية الى التقدم في المشروع الاصلاحي. لعله من المستحيل ان يتم تداول سلمي للسلطة (هنا التشريعية) ما لم تكن هناك وحدة جدلية بين السلطة والمعارضة.

بعكس السلطة السياسية هناك البديل هو السلطة الاستبدادية سواء كانت في السلطة او المعارضة ومصيرها هو تدمير وحدة المجال السياسي المجتمعي والروابط المدنية المجتمعية الحديثة ومن ثم تدمر نفسها، فليس بوسع (السلطة السياسية) ان تنفي المعارضة من دون ان تنفي ذاتها، ومن دون ان تنفي صفتها (سلطة سياسية) وكذلك المعارضة لا يمكن ان تنفي السلطة من دون ان تنفي صفتها كمعارضة. وليس بوسع الدولة ان تنفي المجتمع من دون ان تنفي ذاتها وصفتها دولة أيضاً. الدولة الاستبدادية او المعارضة الاستبدادية هي اي شيء اخر سوي السلطة السياسية او المعارضة السياسية.

لقد انبرى كثير من آمن بالمشروع الاصلاحي من القوي او الاتجاهات العقلانية الديمقراطية وخصوصاً بعد الانفجار الكارثي في ٢٠١١، لمعارضة الحرب بالسياسة فكل الصراع الذي أنبنى. علي تشكيلات طائفية سياسية أنبنى على الحرب ، فالحرب ليست امتداد للسياسة بوسائل اخري كما يزعم كلاودوفيتس ، بل هي نكوص الي البدائية والتوحش ، يقسم المجتمع الي غالب ومغلوب ، هنا يحاول المغلوب والذي يفتقر الى عناصر القوة الفعلية فانه يصطنع عناصر قوة وهمية ليست في الواقع سوى الانكسار والإحباط ، ذلك انه ليس الانقلاب ومحاولة اغتصاب السلطة سوى حرب على المجتمع وانتهاك لمجاله السياسي ، حرب وانتهاك يؤولان بالضرورة الى احتكار المجال السياسي شرطاً لاحتكار الثروة والقوة ، أيا كان الاسم الذي اطلق سواء الحراك السياسي او جمهورية إسلامية او ثورة او انتفاضة الخ على هذا الانقلاب. وأيا كانت الذريعة التي يتذرع بها الانقلابين كالربيع العربي او تحقيق مطالب مشروعة الخ.

والسؤال المهم والراهن هو كيف يمكن تلافي النتائج الكارثية، التي نجمت عن منطق القوة والغلبة والانقلاب، اي منطق الحرب؟ فالكل في سفينة واحدة، والعلاقة بين السلطة والمعارضة تعبر، في كل مكان وزمان، عن مستوي الحياة السياسية وعن خصائص المجال السياسي للمجتمع ومن ثم عن درجة تقدمه وارتقائه فالتخارج بين السلطة والمعارضة كما كان الحال عندنا ينم على مجال سياسي مغلق، او هكذا كانت تريده المعارضة المتطرفة لكي تتطابق حدوده مع حدود السلطة في لحظتها الأمنية، في حين ينم التداخل والتجادل. على مجال سياسي مفتوح تتطابق حدوده مع حدود المجتمع، فالمجال السياسي المفتوح يتوفر على توازن فعال بين السلطة والمعارضة بين القوى الجاذبة الي المركز والقوى النابذة عنه. وهذه القوى تشبه في فعلها القوى المتعاكسة التي تبقي وتر القوس مشدوداً؛ لان كلاً منها جاذبة ونابذة في الوقت ذاته. في حين يتسم المجال السياسي المغلق باختلال التوازن الفعال بين السلطة والمعارضة اي بين هذه القوى؛ فإما ان تغلب فيه عوامل الجذب الى المركز فيمتص قوة المجتمع ويكثفها في بؤرة معتمة فتتحول الى ما يشبه الثقب الاسود في فضاء السياسة، وإما ان تغلب فيه عوامل النبذ فيتشظى ويتناثر مبدداً ما امتصه من الاندفاعات القوية للمشروع الاصلاحي من انفراج سياسي وهامش ديمقراطي ووحدة وطنية، ذلك لان القوى المتعارضة او المتعاكسة تغدو وحيدة الاتجاه وعديمة التوازن وهذا ما يفسر شلل الحياة السياسية في الوقت الراهن وفي جميع الانساق المغلقة. ويلقي الضوء أيضاً على آليات الاستقطاب الإقليمية هنا التدخل السافر. لإيران في الشأن الداخلي البحريني وكذلك الدولي ولا سيما آليات الاختراق ونشر القلاقل والتوتر عبر وكلاء محليين حيث يتم تحويل الجمعيات الى استطالات لهذه القوى الإقليمية والدولية، والى أدوات لسياساتها، او لعناصر في استراتيجيتها الإقليمية والدولية.


مع تبلور الانغلاق السياسي بعد ان كان هناك انفراج سياسي دخلنا في النسق السياسي المغلق بين السلطة والمعارضة مما أنتج خطابات سياسية مغلقة ولا عقلانية تقف على طرفي نقيض اما الولاء المطلق او العداوة المطلقة، اما الرفض المطلق او القبول المطلق، وليس ثمة من مساحة (للاختيار) ذلك ان الاختيار هو من اهم صور الحرية، الرفض المطلق وخصوصًا مما يسمى بالمعارضة للسلطة هو تعبير سلبي عن الحرية كما تدعي هذه المعارضة بانها ممنوعة من حرية التعبير فمثل هذا التعبير يفترض من وجهة نظر تلك المعارضة المتطرفة حرية مطلقة وعالماً نقياً من كل وجهة نظر سلبية متطرفة بعكس التعبير او الاختيار الإيجابي فهو يقوم على إدراك النسبي والممكن والاحتمالي. والاقتناع العقلي بانه لا يمكن استئصال الشر من العالم فالشر هو ما يعرف به الخير وهذا ما حدث عندنا عندما اختارت المعارضة الاختيار بما هو إيجابي عن الحرية كما كانت تدعي ولم تضع في الحسبان بانه من الممكن ان يكون خاطئاً.، بل انه من الممكن انه يخطئ المرة تلو المرة حين يقطع الصلة الضرورية بين النسبي والمطلق (الإصلاح / الثورة) بين جزئية الواقع العياني بما فيه من مطالب ومصالح مشروعة الى كليته مطلب إسقاط النظام حيث أعلن النسبي مطلقاً والجزئي كلياً كما توهمت المعارضة. هذه الخطابات المغلقة لا تنظر الى الحرب عل انها استمرار للسياسة او امتداد لها فحسب ، بل تنظر الي السياسة ذاتها علي انها حرب تحكمها قاعدة من لم يكن معنا فهو ضدنا ( الولاء والعداوة ) مما يوصل السلطة لان تري ان المعارضة عدواً يجب الاجهاز عليه وأخذه دوماً على حين غرة ، ويوصلها الي انه لا مكان للمعارضة الا السجن او النفي بل توصلها الى ان تذهب الى ان كل من لا يواليها هو عدو محتمل ، فتتسم علاقتها بالمعارضة بالريبة والتوجس والشك وبعدم الثقة ، فالمعارضة لا ترى في السلطة سوي شر يجب استئصاله ويتم إيصال خطاب السلطة والمعارضة وكأنهما في حالة توافق ؟.

على بقاء الوضع كما هو عليه اذ ان القول بأن النظام كله سليم مثل القول بأن النظام كله فاسد كما تدعي المعارضة وتنشأ هنا اشكالية هذا الخطابين الضدين في انه لا تكمن في عدم إمكانية التقاء القائلين بهما وفي عدم إمكانية الحوار بينهم، لأنهم على طرفي نقيض فقط. بل تكمن أساساً في ان اصحاب ان النظام كله سليم لا يرون في النظام شيئاً يحتاج الى الإصلاح، وأصحاب ان النظام كله فاسد لا يرون فيه شيئاً يمكن ان يصلح. أولئك غارقون في إيجابية خالصة قطعت كل علاقة بين النسبي والمطلق واقامت نسبياً مطلقاً وهؤلاء غارقون في سلبية خالصة، ونصل الى معادلة ان الطرفان معاً سلبيان ازاء الإصلاح الديمقراطي الممكن والواجب والوقوف حجر عثرة امام تقدم الصيرورة في المشروع الاصلاحي. ينتج عن هذا ثلاث حقائق أساسية أولها انها نتاج مجال سياسي مغلق والثانية : انها نتاج مجال سياسي متشظ ومتناثر سببه الجمعيات الطائفية السياسية السنية والشيعية وجمعيات اليسار المتطرف وصراعهم مع السلطة لا مركز له ولا نقطة توازن والثالثة : انها نتاج رؤية طائفية – استبدادية تدعمها جمعيات طائفية الى السياسة والى المجتمع والدولة والإنسان والوقائع التي تشير اليها هذه الحقائق هو وصولنا الي هذا التخارج الحادث في الوقت الراهن بين السلطة والمعارضة وشلل الحياة السياسية ، وإمكانية الرجوع الى العنف والتوتر الأمني ؟ حيث لا تريد ان تعترف هذه المعارضة بان اللجوء الى الحرب السياسية والانسياق الى السياسية المغلقة بانها بالضرورة مولدة للعنف بحكم طبيعتها ذاتها وكما تبين بان هذه المعارضة عندما لا تتمكن من ممارسته على السلطة فهي تمارسه على الاخر. سواء كان اتجاه او تيار مختلف عن نهجها في الجمعية السياسية وهذا رأيناه بالعين المجردة في كل الجمعيات سواء الدينية او التي تدعي العلمانية، لان الأنساق. المغلقة مغلقة على (ذات) حصرية على شلل وفئات حصرية تنفي، اي تطرد الاخر من دائرة رؤيتها، ولا تعترف بالتعدد والاختلاف والتعارض في بنيتها التنظيمية.
والان هل من الممكن العودة الى نفس التأسيس للمعارضة ولعلاقتها مع السلطة من نقطة بداية الانفراج السياسي والهامش الديمقراطي مع بداية بلورة المشروع الاصلاحي؟ ان المطلوب الان اعادة تأسيس مفهوم المعارضة كمدخل الى اعادة تأسيس مفهوم السلطة السياسية في نطاق جديد وهو جدلية المجتمع المدني والدولة السياسية وليس جدلية المجتمع المقسم طائفياً ودولة المحاصصة الطائفية انطلاقاً من ان السلطة والمعارضة معاً تنتميان الى مجال سياسي مشترك هو المجال الذي ينتجه المجتمع بكل فئاته وطبقاته، ويعبر عن فاعليته السياسية الحرة الواعية والهادفة بعكس ما حدث حيث تشظي المجال السياسي الى جمعيات ونقابات ومنظمات اخذت طابعاً طائفياً حيث بات هناك مصالح لكل طائفة ضمن إطار حصص طائفية سواء في البرلمان او في منظمات المجتمع المدني وهذا المجال هو تعبير عياني عن افتراق المصالح الطائفية المسيّسة عن المصلحة العامة الوطنية وصولاً الي عدم توافق الفئات والجمعيات السياسية المختلفة على ما هي المصلحة العامة جعلها تتخبط في مناخ صراعي او ركودي كما هو الحادث الان يحول دون ارتقاء الجماعات والطوائف الى مستوي المجتمع المتدامج، والذي يسمى المجتمع المدني ومن ثم المجتمع السياسي، والتشظي. الذي حدث للمجال السياسي في الفترة السابقة والشلل الحادث فيه الان يدل دلالة قاطعة على ان اللاشعور السياسي لدى كل الذين دخلوا في اللعبة السياسية والذين انتهكوا قواعدها وما تم الاتفاق عليه ما يزال قائم فيهم مبدأ الطائفة، الغنيمة، العقيدة.


لقد فوتت الجمعيات السياسية فرصة استمراريتها في صيرورة المشروع الاصلاحي، وتم حل بعضها وهي التي كانت تتغني بجملة المملكة الدستورية على غرار الممالك الدستورية الغربية هنا (شكلياً) دون ان تعي هذه الجمعيات بان السلطة السياسية بحصر المعنى لا تستمد شرعيتها من اي مصدر أقوى واهم من شرعية المعارضة. فليس السلطة والمعارضة تعبيرين متكاملين عن المجال السياسي المجتمعي فحسب، بل هما قطبان جدليان في وحدة تناقضية يحمل كل منهما إمكانية ان يصير الاخر. فالمعارضة هي معارضة بالفعل وسلطة قوة. والسلطة هي سلطة بالفعل ومعارضة بالقوة. وجدلهما هذا هو جدل الصيرورة الاجتماعية في المشروع الاصلاحي ذاته. جدل تعارضاته الملازمة وقد اتخذت شكلاً سياسياً سلمياً متمدناً يكاد لا يلحظ فيه العنصر الطائفي الاجتماعي والى حد ما الطبقي المباشر. وهذا يؤكد ان الصيغة التي توافق عليها الشعب والمجتمع (صيغة الانتقال الى المشروع الاصلاحي وتحت مظلة وثيقة العمل الوطني) اي الصيغة السياسية إنما هي تحديدات المجتمع الذاتية واحد أشكال وجوده، فالسياسة في أحد اهم معانيها هي تعبير غير مباشر عن المتعارضات الفئوية والطبقية (وليس الطائفية) في نطاق وحدة المجتمع والدولة وتحت سيادة القانون. وكلما انفكت سواء المعارضة او السلطة عن المصلحة العامة الوطنية اتسعت الهوة بين المعارضة والسلطة او بين من يمثل الشعب والشعب ذاته عندها تشكك المعارضة في شرعية السلطة وتحاول ان توهم العالم بانها شرعية (غزو) وان المعارضة هي التي تمثل الشرعية الثورية. والإرادة الشعبية؟! كل هذا بات دليلاً قاطعاً على اختلال العلاقة بين السلطة والمعارضة وبالتالي عن الشعب وعن انفكاك مصالح المعارضة عن الشعب الذي تدعي انها الممثل الشرعي والوحيد له والمعبر عن مصلحته؟
إذا كانت السلطة السياسية تتحدد سلباً وايجاباً بالشعب (الشعب مصدر السلطات)، فأن المعارضة تتحدد بالسلطة ذاتها (السلطة كأداة إدارة وكأداة قمع) وبالتالي تحمل نفس خصائصها، وإلا لما جاز كما ذكرنا سابقاً وصف المعارضة سلطة قوة (هنا لما تكون خارج السلطة) كما شوهد في بعض التجارب فأن السلطة الاستبدادية تنتج معارضة استبدادية اي على صورتها ومثالها. مع اختلاف في درجة الاستبداد كما نشاهده في الوقت الراهن في التجربة العراقية حيث المعارضة المليشاوية الاستبدادية المتوحشة في قمع الشعب العراقي. كانعكاس للسلطة التشريعية الاستبدادية التي تحكم العراق لذلك يتعين على المعارضة ان تنجز أولاً قطيعة معرفية، منهجية، فكرية وسياسية واخلاقية مع عالم الاستبداد ومنطقه وفكره وسياساته وأخلاقه، ويتعين عليها من ثم ان تنتج او ان تنشئ تصوراً حديثاً عن العالم وعن المجتمع والإنسان والديمقراطية لا يحمل اي شكل من أشكال الاستبداد ، ولا يسمح بإعادة إنتاجه في الجمعية السياسية ، ذلك ان خروج الجمعية السياسية من عالم الاستبداد يقتضي تحولاً جذرياً في الوعي والممارسة وان يكون مناوئاً للعنف بجميع صوره وأشكاله ودرجاته ، وهذا للأسف لم يحدث حتى الان في كل الجمعيات السياسية سواء كانت دينية او علمانية . في البحرين كان من المأمول في تجربة المشروع الاصلاحي ان تتشكل قناعة عند السلطة والمعارضة (ان قوة السلطة في المجالين الداخلي والخارجي، من قوة المعارضة، وضعف السلطة من ضعف المعارضة وإضعافها، لا كما فهمت المعارضة ان إضعاف السلطة وسحب الشرعية الداخلية والخارجية عنها حيث سقطت الجمعيات في هذا الامتحان ازاء القوى الخارجية، واستخدام هذه القوة في التحريض على السلطة واستخدام منظمات حقوق الانسان. وتسيسها لصالح مشروع المعارضة بانت بانها ليست في جميع الأحوال سوى (قوة) وهمية. متناسية هذه المعارضة ان مصدر القوة الفعلية للسلطة والمعارضة معاً هو المثلث الجدلي (الوطن، والقانون، والحرية) المثلث الذي إذا فقد أحد أضلاعه (القانون) فقد كيانه ومعناه او جوهره، ذلك ان ضعف المعارضة هو قوة السلطة الوهمية، وقوة المعارضة هي قوة السلطة الفعلية، بخلاف ما يعتقده الًوعي الزائف.


المرجعية الواقعية المشتركة لكل من السلطة والمعارضة ، على السواء هي المصلحة العامة ، الوطنية وتحت مظلة ومرجعية وثيقة العمل الوطني السياسية وغياب هذه المرجعية عند المعارضة/ السلطة في وعيهما يعني حلول مرجعيات ايدلوجية وخصوصا لدى المعارضة الدينية او التي تدعي العلمانية محل المرجعية الواقعية وظهر هذا الغياب بجلاء في الرؤية التي قلصت حدود الوطن وحدود الدولة في الطائفية او الطائفة وربما حدود المنطقة حتى تتطابق مع الرؤية الطائفية وجعلها امر مسلم به من مثل حزب الله في لبنان او المليشيات الشيعية في العراق . ويتم النظر هنا الى الواقع والى المجتمع على انهما مادة هامدة او موضوع ميت لإرادة مراجع وزعماء وأمناء هذه الجمعيات السياسية.
لقد فرطت المعارضة في كل الحقوق التي اكتسبتها من السلطة والدولة (حق تشكيل الجمعيات السياسية والنقابية والمنظمات الشبابية والنسائية) حق التظاهر والاعتصام الخ. من حقوق حيث أساءت هذه المعارضة وذلك عبر الاستخدام المتطرف لها وارتكبت حماقات مثلاً استقالة أعضاء الوفاق من مجلس النواب واستخدام العنف في التعبير عن الرأي الخ. ولم تستطيع ان تفرق بين الحقوق ذلك ان حقوق (المواطنين) هي واجبات الدولة. وحقوق (المعارضة) هي واجبات السلطة، هنا تم إلغاء الجدل حيث ألغت المعارضة السلطة تحت شعار (باقون حتى يسقط النظام ومعه السلطة) واعطت المجال للسلطة لاستخدام ما تسميه المعارضة الحل الأمني متناسية هذه المعارضة ان قوام الدولة والسلطة الممسكة بزمامها هو (القانون) ما يعني أيضاً امن الدولة والنظام من التوترات الأمنية وللتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي البحريني، وكذلك السهر على حسن تطبيق القانون فهما اي الدولة والسلطة تعبيران مباشران عن الكلية العينية، كلية المجتمع والشعب، وليس كلية الطائفة؟!. والقانون لا يقوم الا على قاعدة الحقوق وهذه تنتمي الى دائرة الموضوعية. اما الواجبات فتنتمي الى دائرة الذاتية. القانون لا يعني بالواجبات لأنها جزء من الحياة الاخلاقية الفردية والاجتماعية ومبدؤه هو الحرية او الإباحة وقد استغلت المعارضة هذه الحرية اسوء استغلال مثلاً بإعلانها الإضراب العام والعصيان المدني الخ. مما جعل السلطة ان تطبق قانون السلامة الوطنية وتفك الاعتصام في الدوار. ذلك ان الحرية مثلاً حرية التعبير والتظاهر والاعتصام الخ. تتطلب مسئولية من يستخدم هذه الوسائل في التعبير بحيث لا تخرج على القانون.


لا يمكن الحديث عن علاقة سليمة بين السلطة والمعارضة وعن وحدة جدلية بينهما قبل الحديث عن (وحدة المعارضة) ذاتها ذلك ان غياب وحدة المعارضة هو من اهم العوامل التي تعيق وحدة السلطة والمعارضة او تحول دونهما وهنا حدث ولا حرج عن مفهوم وحدة المعارضة عندنا في البحرين فرغم التنسيق او التعاون الشكلي بين الجمعيات السياسية الا ان ما يعيق هذه الوحدة بين المعارضة هو الاصطفاف الطائفي (شيعي / سني) وحيث نجحت الجمعيات الطائفية السياسية في ضرب وحدة المعارضة عبر تفكيك الجمعيات اليسارية او انجراف تلك الجمعيات وقبولها لكي تكون ذيل الجمعيات الطائفية. متناسية هذه الجمعيات اليسارية المعارضة ان قوام وحدة المعارضة على ان ما بين أحزابها وتنظيماتها الاجتماعية (الطبقية وليست الطائفية) الملازمة للكينونة الاجتماعية، هو توافقها او اتفاقها على ما هي المصلحة العامة الوطنية هنا وليست المصلحة الطائفية؟! هذا أولاً. والتزامها مبادئ الحرية والعدالة والمساواة ثانياً واعتراف كل منها بالآخر وبحقوقه وحريته ثالثاً. لا ان يفوض امين عام الوفاق بالتحدث نيابة عن كل الجمعيات المشاركة في الدوار على طاولة الحوار حيث فقدت الجمعيات اليسارية شرعيتها وشخصيتها الاعتبارية وفقدت استقلاليتها. وكذلك اعتراف كل منها اعترافاً مبدئياً ونهائياً بانه جزء من المجتمع يتحدد به ولا يحدده كما حدث عندنا حيث انقسمت المعارضة الى معارضة شيعية تدعي انها تمثل كل المجتمع وهي الأغلبية بالضد من معارضة سنية تدعي هي الأخرى تمثيل المجتمع. هنا غابت وحدة المعارضة على الأسس التي تعبر عن وحدة المجال السياسي للمجتمع وتطلق جدله الداخلي او تاريخه الداخلي ضمن إطار الصيرورة في المشروع الاصلاحي بإعادة انتاج تعارضاته. في المجال السياسي والعمل على حلها دائماً بالطرق السياسية السلمية بعيداً عن العنف.


لقد تم احتكار المجال السياسي منذ ان تبلور المشروع الاصلاحي في البحرين من قبل السلطة وكذلك المعارضة، حيث لم تصل لا السلطة ولا المعارضة الى الاعتراف معاً بأن السياسية فاعلية اجتماعية ومجتمعية لا فاعلية للسلطة فحسب ولا فاعلية للجمعيات السياسية حيث تم احتكار التحدث (الاشتغال والانشغال) بالسياسية على السلطة والمعارضة بحيث ظلت السياسية حبيسة الغرف المغلقة ولم تعد هي مرآة المجتمع ووعي بكل البنية الاجتماعية والاقتصادية للواقع وانطواء كلية الواقع ووحدته الجدلية علي التعدد والاختلاف والتعارض بحيث يكون ذلك مدخل لفهم الواقع والتأثير وبالتالي التغيير فيه، واعتراف بأن السياسة بما هي مشاركة إيجابية في الشأن العام، هي حق من حقوق المواطن وما لم يكن الامر كذلك فلا مشروعية لأي جمعية سياسية ولا مشروعية لأي سلطة وهذا الاعتراف هو الشرط الضروري لإنتاج مجال سياسي مشترك تتحقق فيه وحدة المعارضة من جهة ووحدة السلطة والمعارضة من الجهة الأخرى. وهنا لا يقصد بوحدة المعارضة ما كان يسمي التنسيق والتعاون بين الجمعيات السياسية (التجمع الرباعي او التجمع السداسي) او التحالفات السياسية الأيدلوجية. في احداث ٢٠١١ التحالف بين الاسلام السياسي الشيعي والجمعيات اليسارية او التقارب السياسي الأيدلوجي بين وعد والوفاق او ائتلاف ١٤ فبراير، فهذه وتلك نتاج ظروف عارضة وعابرة (ما سمي بالربيع العربي) وربما كانت مصادرة على الوحدة الفعلية وعلى الحرية. فالحرية بوصفها وعي الضرورة وموضوعية الإرادة وحرية الاختيار في الوقت ذاته هي اساس الوحدة الفعلية. وهنا يجب التفريق بإن هناك تعدد وتعدداً، هناك تعدد هو قوام وحدة المجتمع ووحدة مجاله السياسي، وتعدد هنا (طائفي سياسي) هو نتاج تذمر. المجتمع وتشظي. مجاله السياسي ومظهر من مظاهر الاستقطاب والانقسام الطائفي الذي احدثته الجمعيات الطائفية السياسية، وللأسف فأن التعدد عندنا هو من النوع الثاني، وهو تعدد يطرح جملة من المشكلات النظرية والعملية لم تتصدي لها الجمعيات السياسية بالمراجعة والنقد الذاتي اي لم ينشغل بها الفكر السياسي الي هذه اللحظة بكل اسف.


تشظي المجال السياسي عندنا نسقان مترابطان من الأسباب يتصل النسق الاول بالتأخر والتباطؤ الذي حدث في المشروع الاصلاحي بوجه عام تأخر تجلى في صلابة البنى والتشكيلات والعلاقات الاجتماعية المغلقة والمتجاوزة الطائفية ما قبل المدنية والوطنية والتي سيست وتم مأسستها في جمعيات سياسية وكثفت عبر المجال السياسي والايدلوجي فتحولت الجمعيات السياسية الحديثة التكوين الى طوائف سياسية او علمانية مستبدة مغلقة ومتحجرة ومتنابذة.، كل واحد منها هو (الملة الناحية). ويتصل النسق الثاني بتدمير الفئات والطبقات الحديثة، وانهيار الفئات الوسطى التي تؤلف اكثرية الشعب خاصة نتيجة عدم تطور بنى الانتاج الاجتماعي سواء الاقتصادي منها او السياسي او الثقافي وفي نفس الوقت تم في الجمعيات السياسية إقصاء الأقلية وطردها من تلك الجمعيات او فضلت تلك الأقلية الاستقالة حيث تم احتكار السلطة والقوة من قبل الشلل الممسكة بالسلطة. لان من المهم ان يكون هناك منظور اخر للعلاقة بين السلطة والمعارضة يقطع مع كل التجربة السابقة من اجل الوطن والقانون والحرية.

المرجع: كتاب قضايا النهضة للكاتب، جاد الكريم جباعي