حول مقال عبيدلي العبيدلي والذي جاء تحت عنوان مشروع التيار المدني أطلاله أولى سريعة. بين الشعار وخارطة الطريق التي يريدها عبيدلي والواقع.
من اللافت للنظر انه في الفترة الأخيرة منى سنة ٢٠١٥ ان نشاهد ونرى ونسمع ترديدا لمفاهيم من مثل (الوثيقة المشروع) كوثيقة المنامة ومشروع التيار المدني الحضاري والشراكة الوطنية والدولة المدنية الديمقراطية الخ. ومحاولة إبرازها كمخرج للمأزق الذي دخلت فيه كل الجمعيات السياسية في البحرين، وهي المحاولة البائسة والتي تعكس مدى الاحباط، يرافقه التشوش والإرباك والاضطراب فيمن يهيمن على هذه الجمعيات. علاوة على محاولة اعادة نفس المواقف السابقة ولكن هذه المرة بقناع مزيف جديد. وها هو عبيدلي يحاول ان يسوق لهذه المواقف وان كان من منطلق مختلف ولكنه يَصْب في الأخير في نفس هذه المواقف، لكي يعيدنا الي المربع الاول. فبعد ان يعطي المشروعية لهذه المبادرة، والتي كشف عنها الأمين العام لجمعية وعد رضي الموسوي/ وهي تشكيل التيار الوطني الديمقراطي او جمعية توحد الجمعيات الثلاث: المنبر، ووعد والتجمع. فهو كما يتحدث في المقال هو (مشروع جاد وجديد، وهذا المشروع الرائد؟ ما هو الجديد فيه (توحيد جهود الجمعيات التي “تتميز” برامجها السياسية وانتماءاتها الفكرية عن الجمعيات السياسية الاسلامية). والسؤال الآن هل هذا صحيح؟ أي تميزٍ للخط السياسي والانتماء الفكري أصبح ملموسا في الواقع؟! كل المؤشرات والتي نتجت عن المؤتمرات التي تم عقدها في تلك الجمعيات تقول ان البرامج السياسية والانتماءات الفكرية اصبحت متماهية مع الجمعيات الطائفية السياسية ومنها مؤتمر عد الذي رفع شعار عدم علمانية الدولة وعدم فصل الدين عن السياسة او الدولة. والمنبر رفع شعاراً عاماً من اجل الحل الساسي الشامل من مثل أسلحة الدمار الشامل؟! وقس عليه موقف التجمع. هذا اولا اما ثانيا فعبيدلي هنا يضع طرفين واحد إسلامي والآخر متميز سياسيا وفكريا؟ هنا يضفي الطابع الديني (الاسلامي) والذي تحتكره الجمعيات الطائفية السياسية وآخر جمعيات متميزة سياسيا وفكريا ولم يضع (علمانية) ولكن المحصلة تقول ان هناك نزاع ما بين العلمانية والإسلام .
خارطة الطريق التي يحاول ان يرسمها عبيدلي لهذه الجمعيات والتي يحاول من خلالها اعادة انتاج الجمعيات الطائفية السياسية في الواقع السياسي وان يكون هذا التيار المدني هو الغطاء السياسي له.
يقوم عبيدلي برسم خارطة طريق لآلية عمل هذا المشروع اي مشروع التيار المدني وذلك عبر طرح جملة من الأسئلة او القضايا او التحديات وهي:
١- (من الذي سيقود هذا المشروع؟).
٢-(كيف سيجري التعاطي مع المشكلات التي ولدتها تداعيات الاحداث؟) يقصد هنا احداث ١٤ فبراير الكارثية.
٣-(ما هو الموقف من جمعيات الاسلام السياسي وعلي وجه التحديد جمعية الوفاق؟).
٤-(ماهي العلاقة مع تلك الغالبية الصامتة؟).
سوف نناقش هذه الأسئلة او القضايا او التحديات كل على حدة مع محاولة الربط بينها. فمن سيقود هذا المشروع. ففي مقال عبيدلي العبيدلي (المشروع الذي كشف عنه هو الأمين العام لجمعية “وعد” رضي الموسوي) (الاشادة بهذه الخطوة التي تنفرد بها وعد) والسؤال هنا لماذا وعد؟
الاحتمالات هنا كالتالي اما ان الوفاق تحاول وبمكر ان توحي للمجتمع وللرأي العام بأن هذه الجمعيات باتت تحضي باستقلاليتها وبالتالي توقف النقد الموجه لهذه الجمعيات بأنها جمعيات ذيلية للوفاق ومرتهنة لخطها السياسي وبالذات الى كوادر هذه الجمعيات، مع ابقاء صانعي القرار في هذه الجمعيات تحت مظلة الوفاق، وخير حليف للوفاق هو جمعية وعد لكي يتم تجميع الجمعيات المقسمة والمفتتة تحت مظلة تسمي التيار الوطني الديمقراطي او جمعية تتسمي بنفس الاسم، الاحتمال الاخر ان هذه الجمعيات والتي بات أعضاؤها يعدون على الاصابع والتي أُنهكت في صراع سواء داخلي او مع الدولة فوجدت ان لا خيار لها سوي ان تتوحد تحت مظلة واحدة لكيلا تتلاشي! فهذا السيناريو هو الذي يراه عبيدلي العبيدلي ويطرح التحديات التي سوف تواجهه. عبر قوله (التعقيدات ستكون “تنظيمية” قبل السياسية والفكرية) وكأن هذه الجمعيات فعلا تحترم نظامها الأساسي؟! فمنذ احداث ١٤ فبراير وهذه الجمعيات لا تطبق ما هو موجود في برنامجها الأساسي اي التنظيمي فمن يصنع الخيارات ويتخذ القرارات هم (القيادة) او لنقل حلقة او شلة في القيادة والاخرون هم فقط منفذون بدون اي نقاش اي (نفذ ثم ناقش) ففي هذه الجمعيات الديمقراطية الداخلية مغيبة! ولا توجد اي تعقيدات هنا، لا تنظيمه ولا سياسية ولا فكرية فلو وجدت هذه التعقيدات (الاختلافات) لما وصلت تلك الجمعيات الي ما وصلت اليه من انحراف عن نهجها وفكرها وبالتالي عن خطها السياسي الوطني الديمقراطي! فهي منذ انطلاقة احداث ١٤ فبراير وهي في تحالف مع بعضها ومع الجمعيات الطائفية السياسية وهذا بعكس ما يراه عبيدلي من انها تطرح الان موضوع (الوحدة) اي وحدة هذا التيار؟! وهو يحاول هنا ان يرجع (الصعاب امام هذا التيار المدني “الارث التاريخي”) (وليس المقصود هنا ذلك التنصل الإعلامي العلني إنما اقتلاع تلك الترسبات التي حالت دون وحدة التيار في الفترة الماضية البعيدة كي لا تلغي بضلالها القاتمة على المشروع في مراحله المبكرة من حياته) هذا الكلام كان من المفترض البوح به قبل ان تتشكل جمعية العمل الوطني وقبل ان تفرخ جمعية وعد وجمعية المنبر. هذا كلام يأتي في الوقت الضائع؟! وليس فيه أية جرأة او شجاعة ؟!
والان سوف نناقش القضية الثانية وهي (كيف سيجري التعاطي مع المشكلات التي ولدتها تداعيات الاحداث) هو يقصد تداعيات احداث ١٤ فبراير وهو في نفس الوقت الذي يطرح فيه هذا التساؤل لا يقدم اي تشخيص للمشكلات التي ولدتها تداعيات الاحداث، كنتائجها السياسية وانعكاساتها المدمرة على الواقع السياسي البحريني وهي:
اولا تعميق الشرخ الطائفي على حساب الوحدة الوطنية وأهدافها الوطنية الكبرى.
ثانيا فقدان الشعب الثقة بقواه ومكوناته وقدراته واهمية العمل المشترك.
ثالثا ضعف الجبهة الداخلية المرتكزة على وحدة الشعب وليس المؤسسات الرسمية وحدها.
رابعا انتعاش الاتجاهات الأكثر تطرفا في الاسلام السياسي واهتمام الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية تحسبا للاخطار الخارجية والتوترات الداخلية.
خامسا تفتيت قوى اليسار بشكل أعمق والقوي الديمقراطية الوطنية بشكل عام.
سادسا تراجع العملية الديمقراطية ومنسوب الحريات ووقوع الجماهير الشعبية في فخاخ المؤسسات الإعلامية بكل الوانها وأشكالها كجبهة حرب جديدة لم تتوقف ومازالت مستمرة.
فالنقطة الخامسة هي ماله علاقة بمشروع التيار الديمقراطي المدني وليس فقط مشروع -كما يذكره عبيدلي العبيدلي- تيار مدني؟ ولكن لماذا لم يشخص العبيدلي هذه التداعيات؟ هل لأنها معروفة سلفا؟ ام انه خوف من ان يصطدم بالقضية الثالثة (وهو الموقف من جمعيات الاسلام السياسي وعلي وجه التحديد جمعية الوفاق) فهذه الجملة هي التي صاغها في مقاله وكان جوابه على هذا التساؤل (ليس المطلوب منا قطع حبل السرة مع هذه الجمعيات) والمقصود هنا هي جمعية الوفاق ؟! وهو يربط الموقف من هذه الجمعيات بنجاح المشروع (مشروع التيار المدني) فكل من يريد قطع حبل السرة يعني بالنسبة له زرع بذرة العداء؟! وفيه وأد للمشروع وهو ما يزال في المهد طريا ولم يشتد عوده وكل ما هو مطلوب من تلك الجمعيات هو (تأطير تلك العلاقة لكي تتحدد المسافات الصحيحة التي تميز تيار عن التيار الاخر؟! وسنناقش هنا ضمن مسارين الاول مفهوم (حبل السرة) ثانيا (تأطير) فحبل السرة كما هو معروف يربط الطفل عبر المشيمة بالأم وهنا الام طبعا هي الوفاق والطفل هم الجمعيات التي تدعي الوطنية والديمقراطية فالطفل هنا يعتمد اعتمادا كليا علي الام بالنسبة لوجوده في الحياة. وهذا هو حال هذه الجمعيات التي رهنت تنظيماتها لجمعية الوفاق. اما بالنسبة للتأطير فسيكون السؤال هو من سوف يأطر من او كما يذكر لينين (من سوف يأكل من) والاجابة كما يقول عبيد العبيدلي لا تحتاج الي (أستذة) فمن وجهة نظر الواقع باتت معروفه ونتائجها أصبحت واضحة كوضوح الشمس، ولا ينكره الا الذين تواطؤوا مع جمعية الوفاق الطائفية السياسية سواء كان على مستوي ما يسمي بالقيادات او الكوادر في تلك الجمعيات او من هم خارجها من مثقفين؟ والذين لا يعترفون بإفرادية الواقع ومشروعية الاختلاف والمغايرة وتواطؤهم على عدم الاعتراف بحرية الفرد وحقوق الانسان تحت إغواء (المشروع المدني) او (المشروعية الثورية) والاهداف الكبرى من مثل ما يقوله عبيدلي العبيدلي (يخدم المشروع الوطني العام) ؟! علاوة على ان عبيدلي العبيدلي يذكرنا بما طرحه الوفاقي خليل المرزوق من (الشراكة الوطنية) بين الشيعة والسنة ؟! فهو هنا يقسم الجمعيات اولا بين جمعيات وطنية ديمقراطية وجمعيات طائفية سياسية وهي الوفاق هنا بالاسم يضيف لهم مكون اخر الا وهم الجمعيات الطائفية السنية ؟! هو يكرر ويعزز نفس الانقسام والاستقطاب الطائفي والذي اظهرته الي السطح احداث ١٤ فبراير ؟! فكما ذكر الشيخ عبد اللطيف المحمود في مقاله حيث قسم القوى الي ثلاث هي (النظام والشيعة وأهل السنة) فعبيدلي يذكر في مقاله (من غير السليم استمرار العلاقات بين الجمعيات السياسية وجمعيات الاسلام السياسي السني كي تطوي صفحة الجفاء الماضي) ؟! لا نعرف متي سيكف هؤلاء السياسيين او المثقفين عن النفخ في الطوائف وإبرازها كتضامنيات موازية للسلطة والطلب منها ان تلعب دورا سياسيا في الحياة السياسية. اي متي يتم وقف تسيس الطائفة وطأفنة السياسة؟
والان نأتي للقضية المهمة والاخيرة في خارطة الطريق التي رسمها عبيدلي للجمعيات السياسية الوطنية والديمقراطية وهي كما يكتب عبيدلي (العلاقة مع تلك الغالبية الصامتة التي فضلت الابتعاد ولم تولها الجمعيات وهي في غمرة انشغالاتها المتلاحقة الاهتمام الذي تستحقه وتحتضن البوتقة التي (يخلد) في استراحتها تلك الغالبية الصامتة التي هي الآخرين وهم بحاجة الى من يخاطبها من جانب وتقع على عاتقها مسئولية تحديد الدور الإيجابي الذي تفتقد ان في وسعها ممارسته من جانب اخر.) هنا عبيدلي لأول مرة في مقاله يلامس التحدي المهم والمهمة الرئيسية للتيار الديمقراطي الوطني العقلاني والتقدمي ولكنه يلامسها فقط من دون ان يعمل الفكر والتفكير فيها بل يوجد مبررات لها وهي من مثل ما يذكره (ومن الطبيعي ان تكون هذه القضية هي الأكثر تعقيدا والتي تحتاج الي الكثير من الصبر والفهم من الطرفين) اي من قبل الجمعيات الوطنية الديمقراطية والكتلة الصامتة؟ ومن هنا كما يذكر العبيدلي (نحن سوف نواصل ونثير نقاشا بات العمل الوطني في أمس الحاجة له ففي المنعطفات الحادة من تاريخ الشعوب ليس هناك من وسيلة أفضل من النقاش الجاد المسئول بين الأطراف ذات العلاقة من اجل اجتياز ذلك المنعطف في أسرع وقت وبأفضل النتائج وبأقل التضحيات) ومن هنا ايضا فان القضية الأهم والتي تأخذ الصدارة في اي خارطة للطريق توضع للتيار الوطني الديمقراطي العقلاني التقدمي هي هذه القضية والتي يؤجلها العبيدلي للأخير ؟! والتي أفردنا له عنوانا مهما في ورقة ( المسئولية الوطنية – التاريخية واليسار التقدمي ) والتي هي منشورة علي موقع التغيير الديمقراطي الخاص بجمعية التغيير الديمقراطي ( تحت التأسيس ) وتحت عنوان ( المهمة الاساسية لليسار التقدمي – ادخال الجماهير الي الفعل السياسي ) وقد جاء في تلك الورقة ( ان ما تفرضه الواقعية السياسية الموضوعية واعترافا بالمراحل له علاقة بالمستقبل وهو برنامج ومشروع اليسار التقدمي ) ومنه ايضا مشروع التيار الديمقراطي المدني وبإسلوب عمل هذا اليسار وخصوصا بكيفية تفاعل اليسار التقدمي مع الجماهير في وضعها الحالي وبطبيعة ومستوي وعيها السياسي الذي وصلت اليه عبر تجربتها الإيجابية او السلبية مع النظام وليس الدخول في حراك سياسي فوضوي مغامر بسقف مفتوح كما حدث في احداث ١٤ فبراير الكارثية والتي يُسميها البيان الأخير ( النهضة المباركة في ١٤ فبراير ) حيث اختطف الحراك من الفئة الشعوبية الطائفية المغامرة والإسلام السياسي الشيعي والذي دخل عليه ايضا اليسار المغامر هذا الوضع هو الذي قاد الي الاحباط واليأس الذي سيطر علي مشاعر ومزاج الجماهير والذي أدى الي نزوعها للميل الى العنف والارهاب والذي خلق كما يذكر عبيدلي الكتلة الصامتة. ان الخطوة الاساسية المتعلقة باليسار التقدمي لإنجاز هذه المهمة ( ادخال الجماهير في الفعل السياسي ) هي التوصل الي صياغة برنامج ( مشروع ) ديمقراطي مدني فهذا المشروع الذي يحدد استراتيجية قوى اليسار التقدمي وتكتيكها بصورة واقعية ومنفتحة على المستقبل وتستجيب لمصالح وطموحات الجماهير والتي تؤمن التحولات التدريجية من الوعي الزائف والذي أوجدته الجمعيات الطائفية السياسية والذي تم من خلاله خداع الجماهير وأبعدها عن فهم الوعي الطبقي و الوعي الوطني الديمقراطي وان يتم ذاك في سياق عملية تغيرية ميدانية لها في الوقت نفسه صفة تربوية وتعليمية وتدريبية تجعل الجماهير ( الكتلة الصامتة ) قوة فعل سياسي لها استقلالها وتبعدها ( تحررها ) من خطر العودة الي لعب دور ( قوة مساندة ) للمرجعيات والرموز والزعماء في كل الجمعيات وبالذات الجمعيات الطائفية السياسية كجمعية الوفاق .