كثير من المراقبين للمشهد السياسي في البحرين اصابهم الارباك من دور اليسار البحريني في
ما سمي بحراك او انتفاضة او ثورة فبراير ٢٠١١، وخصوصاً مع الانهيار والفشل الذي حدث لما سمي (الحراك، الانتفاضة، الثورة)، والذي اذن لتلاشي اليسار، حيث بان وكأنه مرتبط بتلك التجربة وكان له دور مساند لها. لهذا اندفعت اتجاهات يسارية او حتى جمعيات يسارية الى الهرب بعيداً الى التلون بألوان جديدة سواء الديمقراطية الموصولة بالليبرالية وهي حتى لا تفقه ماهي (الليبرالية)، بعد ان تلطخت باللون الطائفي الفاقع في تلك الاحداث والتي تم تفريغها كلياً من طابعها الطبقي / الوطني؟ ودخل هذا اليسار في انكسار حاد واحباط حاد ويأس حاد؟ والان بعد هذا الانهيار، من الممكن ان نتناول المسألة برؤية، كما يمكن ان نعيد صياغة معنى اليسار الذي ساد في تلك الفترة والذي أربك كل المراقبين في شأن اليسار البحريني. لكي لا يبقى بدون معنى، نتيجة الاختلاط وفوضى الافكار التي باتت توضع في شأن هذا اليسار سواء كان تقصداً او جهلاً. حيث نجد بأن النظر لا زال ينطلق من (الشكل)، اي من التسمية او تاريخ هذا اليسار وليس من التحديد الواضح بمعنى اليسار واليساري لقد كانت جبهة التحرير – الوطني يسارية وكذلك الجبهة الشعبية يسارية، لكن بعد ان تغيرت الاسماء في المشروع الاصلاحي ب جمعية المنبر التقدمي او جمعية العمل الوطني هل هي لا زالت هذه الجمعيات يسارية؟ او في اليسار؟ وهل يكفي انها كانت في السابق يسارية لكي تظل كذلك؟ (ليس مهماً ما يقوله الفرد عن ذاته المهم ما هو في الواقع) وهي جملة تضع الحد بين الادعاء والواقع، بين من يعتقد بأنه يساري واليسار في الواقع، اي في الممارسة. بمعني ان كل هذه التسميات لا معنى لها فهي (شكل) (اي التسمية)، لكن عما تعبر في الواقع؟ فيجب تحديد الاساس الذي يجعلنا نطلق تعبير اليسار واليساري على اتجاه او فرد. حيث ليس بالضرورة ان يتطابق الشكل مع المضمون، وفي كثير من الاحيان يكون الشكل غطاء للمضمون كما حدث ل جمعية المنبر التقدمي وجمعية العمل الوطني في تلك الاحداث وذلك للتغطية على مضمون ذلك الحراك الطائفي بامتياز؟ وبالتالي فإن المحدد لليسار واليساري هو المضمون بالتحديد، والشكل هو المبرز / الموضح / المموه عليه فالتقدمية التي يستخدما المنبر التقدمي والعمل الوطني الديمقراطي التي تستخدمها جمعية العمل الوطني تخفي كونها كانت تسير في ركاب (المعارضة الشيعية)، من اجل ان تتحقق عبر التعمية على الشارع السياسي، ولهذا يمكن ان تتسمى بما هو يعاكسها، ويمكن ان تطرح في صيغة مموهة تخفيها. وهو الامر الذي يفرض الغوص في (المساومة والتسوية بين ما يسمى التيار الوطني الديمقراطي والجمعيات الطائفية السياسية) اي في طبيعة المصالح من اعد لهذه التسوية التي اضرت باليسار واليساري ايما ضرر؟ وهنا كان من المفترض كشف هذا التمويه ورفع الغطاء عن التعمية. بمعنى ان الامر يفترض الانتقال من الشكل / التحديد الشكل الى المضمون / الى ما هي هذه المصالح والغايات والسياسيات التي بلورت هذه التسوية والمساومة بين هاذين الضدين؟ ولهذا لا يجب ان نصنف على اساس التسميات او الادعاءات بل يجب ان نحدد أولاً معني اليسار في الواقع قبل ان نحدد من هو اليساري.
اليسار سياسة تتعلق بواقع معين وهو هنا المشروع الاصلاحي المتعثر وليس اليسار قيمة فيه بذاته، وهو يتعلق بالميل لتحقيق التطور في المشروع الاصلاحي، وكما لاحظنا في احداث الكارثة في ٢٠١١، ان اليسار كان حراكه في تلك الفترة منطلق من انه يجب تحقيق التطور الجذري دون ان ينحكم لرؤية ايديولوجية او انتماء طبقي، ولا زال المنبر التقدمي الي اليوم
وعبر بياناته التي يصدرها مع كوكتيل مما تبقى من جمعيات (سياسية؟!) يتبنى نفس سياسة التنسيق والتعاون والتحالف الصيغة التي هدمت صرح المنبر التقدمي وابعدته عن هويته اليسارية، ولهذا فهو غير كاف بذاته بل يجب ان يتحدد أكثر عبر تلمس الاساس الطبقي والرؤية الايديولوجية، ذلك ان الميل لتحقيق التطور يمكن ان يكون من مصلحة طبقة او عدد من الطبقات، فما بالك ان احداث الكارثة ٢٠١١ كانت تنطلق من مصلحة طوائف وجمعيات طائفية ؟!، كما انه ربما يكون لأيديولوجيات مختلفة كل له رؤية مختلفة لتحقيق التطور وحتى ان تكون بالضد ما يراه اليسار؟! وبالتالي فإذا كان من الضروري عدم التوقف عند التسمية (اليساري – التقدمي) او الادعاء بها، يجب كذلك ان يجري تلمس الاساس الطبقي والرؤية الايديولوجية، فليس من يسار دون اساس طبقي ورؤية ايديولوجية، وبالتالي ليس من رؤية سياسية دون اساس طبقي ورؤية ايديولوجية. ذلك ان المهمات والمطالب التي يطرحها الواقع من اجل تحقيق التطور فيه هي التي تحدد معنى اليسار وليس العكس؟ لكنه يجب النظر الى ان هذه المهمات والمطالب تخضع بالأساس لمصالح الطبقات وتنحكم. لرؤيتها الايديولوجية. فبالنسبة لليسار يعني التطور تجاوز البنى القائمة التقليدية سواء الطائفي منها او التقليدي (ما يسميه خلدون النقيب (التضامنيات القبلية والتضامنيات الطائفية) وما يسميه جاد الكريم جباعي (بالعصبيات الطائفية والعصبيات القبلية) علاوة على التقليدية ونصف الحداثية كما يصفه محمد الغانم الكويتي بالحلف الطبقي الضمني (العقارين الجدد، وملاك العقارات، والبورجوازية (وسماسرة التجار) والبورجوازية المالية والبورجوازية البيروقراطية في المراكز العليا). والتي تنشط في القطاعات الهامشية (او المكملة) في الاقتصاد، مثل التجارة والخدمات والمال والسياحة، وتبتعد عن النشاط المنتج وهي قد تنفذت سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في المشروع الاصلاحي وكانت حجرة عثرة في تطوره. وهو الوضع الذي حافظ على البنى التقليدية (الطائفية السياسية والقبلية السياسية وما ينتج عنهم من عصبيات)، في المستوى الاجتماعي (العلاقات ما قبل الرأسمالية) وفي الوعي، وأنشأ بنية قابلة (للاستبداد) تطابق مصالح الحلف الضمني الطبقي؟ ان كل هذا الفسيفساء في القوى التي تطرح مطالبها ومهماتها ترى التغيير من زاوية نظرها فقط، وكذلك فإن الميل لبناء الصناعة وتطوير الاقتصادات الأخرى تميل أكثر من طبقة لتحقيقها بغض النظر عن انسجامها مع ذلك التغيير الى النهاية. ولهذا فأن اليسار يعني تغيير الوضع لمصلحة تحقيق المطالب والمهمات المطروحة على ارض الواقع وهي (مطالب ومهمات مجتمعية) تتعلق ببناء القوى المنتجة وتحقيق الحداثة في البنى وفي الوعي، وانتصار العلمنة والدمقرطة، وتحقيق مفهوم (الامة البحرينية) بعيداً عما يفكك هذه الامة كالطائفية السياسية والقبلية السياسية. اذن فأن اليسار يعني بناء المجتمع المدني الحديث بمجمل عناصره وليس ما شهدناه في المشروع الاصلاحي من مجتمع مدني اخترقته وخطفته (الطائفية السياسية والقبلية السياسية).
هل من الممكن ان نقول بأن الفئات والطبقات الشعبية هي اليسار؟ لأنها تسعى الى الاصلاحات والى تحقيق التطور في المشروع الاصلاحي، وسوف تكون كل تمثيلاتها السياسية يسارية؟ هنا يجب ملاحظة بأن عمق التغيير وممكنات تحقيق الاصلاح والتطور في المشروع الاصلاحي بمعناه الشامل يرتبط بالطبقات او بالطبقة التي تقود التغيير، وتحاول ان تكون هي القوة المسيطرة. فكما اوضحت تجربة المشروع الاصلاحي ان الفئة (الدينية) الملالي ورجال الدين وجمعياتها السياسية والتي لحقت بها الجمعيات اليسارية ان تصبح هي القوة المسيطرة لأنها هي من كانت تقود مشروع الانقلاب على الاصلاح وحتى عائلات تجارية كانت تقف خلفهم في تلك الاحداث فإن قيادة هذه الفئات وانتصارها حتى لما يكون جزئياً سوف يميل لمشروع ظلامي قرو وسطي، ويفضي حتماً الي ميل يميني استبدادي شامل يقود الى العودة الي مشروع الدولة الثيوقراطية لان انتصارها حتى لو كان جزئي (المشاركة او الوصول للسلطة التنفيذية والتشريعية)، سوف يفتح لتحقيق مصالح فئة رجال الدين الملالي مما يدفعها الى التخلي عن مجمل المشروع التغييري الوطني لأنها تصارع النخب الحاكمة من اجل مصالحها الخاصة ولأنها فئة ملالي ورجال دين (سواء كانت شيعية او سنية طائفية) وهذا ما لاحظناه في تجربة كل من العراق، لبنان، اليمن، سوريا. وحتى لو حللنا من الجانب الطبقي فهي طبقة بالمعنى العريض اي انها مكونة من فئات وطبقات متعددة ومتنوعة المهن، تسكنها حاجة عميقة للتملك والاستحواذ الذي يفرض تجاوز طابعها المهني ويصبح الامتياز انها ذات طابع ديني / سياسي مهم لكي تكون هي صاحبة السلطة والقوة والثروة و (الغنيمة)، وهو الامر الذي يجعلها تستفيد من اول فرصة لمراكمة الرأسمال في يدها بغض النظر عن مشروعها وما تطرحه مما تقول انها مطالب واصلاحات مشروعة وفي الصالح العام؟! هذه السلطة التي كانت تطرحها كصيغة في اثناء الحوار مع النخب الحاكمة وتقول انها حرمت منها لمدة طويلة وليست قناعة فعلية لما طرحته دولة مدنية ديمقراطية بعد انهيار مشروع الدوار، وكانت تريد ان تتبع كل الخطوات التي تجعلها في السلطة للتحول الى ناهب للثروات الوطنية كما هي التجربة في العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن. وسوف تكون النتيجة ان فئة رجال الدين (الملالي) هي التي استحوذت على السلطة من هذه الطبقات والفئات وتركت موقع اليسار (كما كان هو الوهم التي جرت به الجمعيات اليسارية في الحراك السياسي في ٢٠١١) مع ملاحظة انه في اي لحظة سوف يتم فيها الدعوة لانفراج سياسي وهامش ديمقراطي في اللحظة الراهنة فإنها سوف تكرر نفس المسار ذاته عبر تحول فئات جديدة منها للمطالبة بالسلطة. من هنا يمكن ابداء الملاحظة حول من سيقود ويسيطر على الحركة المجتمعية وحراكها السياسي، وايضاً التنبيه الى ان تحويل اليسارية الى اساس تحديد وتقييم هو امر خاطئ، كما فعلت الجمعيات (اليسارية في البحرين) حيث طرحت بأن هذا الحراك سوف يكون يسارياً عبر المشاركة الفعالة فيه (وهذا اتضح انه وهم)، لان اليسار انطلق من المساواة بين قوى طبقية مختلفة كما ادعى هذا اليسار بانها متوافقة وتتقاطع معهم على الميل العام من التغيير في المشروع الإصلاحي؟ بمعنى ان اليسارية هي تعبير دلالي وليست اساس تقييم، هذا التقييم الذي يخضع بالضرورة للأساس الطبقي والرؤية الايديولوجية. اليسارية اذن هي توصيف لطابع قوى، ولكن تحديد وضع هذه القوى يخضع لدراسة اساسها الطبقي (فئة الملالي – رجال الدين سواء كان شيعي او سني) ورؤيتها الايديولوجية وبالتالي لتصورها السياسي لهذه الجمعيات الطائفية السياسية وذلك عبر قراءة نقدية لبرنامجها السياسي ونظامها الداخلي.
بالرغم من التاريخ الطويل لليسار في البحرين والذي تبلور في حراك سياسي وفكري وتنظيمي سري في فترة ما قبل المشروع الاصلاحي، والذي تبلور في المشروع الاصلاحي عبر جمعيات يسارية او سميت تيار وطني ديمقراطي بالرغم من ورود مسمى الاشتراكية في بعض برامج هذه الجمعيات؟ ولا شك في ان عمق الجانب الطبقي والتي تتشكل منه هذه الجمعيات سواء الفئات الوسطي او البورجوازية الصغيرة والذي انحكمت اليه هذه الطبقة بالرغم من وجود الطبقة العاملة كمكون فيها الا ان هيمنة الفئات الوسطى والبورجوازية الصغيرة والذي يحكمها يجعلها تميل الي التعميم، وبالتالي تحل مصطلح اليسار محل التحديد الطبقي / الايديولوجي وهذا كان ملاحظ بشكل فاقع في جمعية وعد والتجمع القومي والى حد ما في المنبر التقدمي. والذي أحل الاشتراكية كتصور عام محل مصالح كل طبقة وبالتالي فرض مفهومه (الاشتراكي) محل مفهوم المنهجية العلمية لها كما فعلت البورجوازية الصغيرة في كل من سوريا ومصر الخ، وهي هنا في كل ذلك تسعى الى التغطية على التمايز وحتى (التناقض) بينها وبين الفئات والطبقات الشعبية من خلال فرض هذه التسمية (الاشتراكية) التي تجعلها بلا اساس طبقي او رؤية ايديولوجية. تحت شعار تأجيل الاختلافات والتركيز على الاهداف دون الايديولوجية. كما فعلت جمعية وعد والتجمع القومي وحتى المنبر التقدمي ذلك وهي تكرس ايديولوجية النخب والشلل العصبية فيها على حساب الفئات والطبقات الشعبية وعلى المنهجية العلمية الجدل المادي، وهي هنا تسعي لان يكون السياسي هو الاساس دون الايديولوجي او الطبقي وفق المنظور الذي وضعته في ممارستها السياسية، وبالتالي فهي هنا تؤطره بمنظورها الايديولوجي وتفرض مصلحتها (مصلحة النخب والشلل) كونها تفرض ذاتها كقوة مهيمنة في جمعياتها سواء قبل الحل او بعدها. فاليسارية بالنسبة لها تتحدد بحدود مصالحها ومنظورها. وهي تعمل على قطع تمايز العمال وثلم. منظورهم الأيديولوجي (وهذا كان واضحاً للعيان في احداث الكارثة ٢٠١١ من اجل ان تتكرس هيمنتها الايديولوجية على مجمل الحراك السياسي لكي تتكرس هيمنتها السياسية في صراعها مع النخب الحاكمة. هذا الميل الذي حدث لكل الجمعيات السياسية في البحرين ارتبط بالتركيز على السياسي، اي على (الاهداف المشتركة) كما كانت تسميها وحتى البينات الاخيرة المنبر التقدمي مع جمعيات الاسلام السياسي السني التي صدرت قبل اسبوع تركز على طرح هذا الشعار (الاهداف المشتركة)، لكي تهرب من التركيز على طرح المطالب والمهمات التي تركز على الطبقي / الايديولوجي. وبالتالي يصبح التركيز على الهدف هو الاساس الذي يبنى العمل السياسي على اساسه دون تلمس المنظور الطبقي الايديولوجي الذي يحكم تحقيق هذا الهدف؟! كما فعلت سابقاً مع الاسلام السياسي الشيعي؟! إذا كان ميل البورجوازية الصغيرة وهذه النخب والشلل هذا (طبيعياً) لأنه يخدم مصالحها في الاخير، فأن الازمة تظهر عندما يميل اليساري والذي يتبنى المنهجية العلمية (الجدل المادي) الى هذا التعميم، وينطلق من (السياسي) في تحديد العلاقات والتنسيق والتعاون والتحالف والرؤى. انه هنا يكون شكلياً يؤسس على المنطق الصوري (خير / شر) وليس على المنهجية العلمية. لكنه في ذلك يعيد انتاج الوعي البورجوازي الصغير ووعي النخب والشلل وللأسف اخيراً الوعي الطائفي؟! ولا ينتج منظور الطبقة العاملة وكل من يعمل باجر او الفئات والطبقات الشعبية، انه بالتالي برجوازي صغير ونخب متعصبة وشلل تنخر في الجمعية ولم يتملك المنهجية العلمية التي يدعيها رغم توهمه انه (اشتراكي) او (يساري) او (تيار وطني ديمقراطي) فهذه مسألة مفصلية في المنهجية العلمية، حيث يجب الانتقال من الشكل الى المضمون، ومما يقول الفرد عن ذاته الي ما هو في الواقع وهذا التميز ليس ممكناً دون وعي بالمنهجية العلمية (الجدل المادي والتاريخي) وتمثل هذه المنهجية في الواقع.
من يرى في المنهجية العلمية ببعدها الجدلي المادي والتاريخي ومن منظور اليسار فأنه يسعى من اجل تحقيق صيرورة التطور في المشروع الاصلاحي المتعثر، رغم انه لا يتوقف عند هذا الحد لأنه يهدف الى تحقيق العدالة والانصاف والتوزيع العادل للثروة وعن طريق الحراك السلمي الديمقراطي من اجل النظام الديمقراطي المنشود، وهو معني بالتحالف مع الطبقة الوسطي المدنية والبورجوازية الصغيرة المدنية والطبقة العاملة المدنية وبالتالي مع الطبقات الشعبية المدنية. ولكن يجب ان يبلور منظوره الطبقي الايديولوجي الفكري (النظري) فمن غير نظرية للتغيير لا توجد حركة للتغيير، لكي يستطيع أولاً تحديد التوافق والتمايز عن البورجوازية الصغيرة والطبقة الوسطى والطبقات الشعبية العفوية، ثانياً التحول ليكون هو من (يقود) هذا الحراك من اجل ان يقود تحقيق الاهداف والمطالب والتطور في صيرورة المشروع الاصلاحي، وهذه كلها لا تستطيع تلك الطبقات وحتى جمعياتها سواء الاسلام السياسي بشقية الشيعي / السني، كما راينا بالعين المجردة خلال سنوات عمر المشروع الاصلاحي، وثالثاً من اجل استيفاء شروط المملكة الدستورية، حالما تتحقق تلك الاهداف وتلك المطالب. وهنا لكي لا يقع هذا اليسار في نفس المطب الذي وقع فيه من قبل يجب ان يميز بين ضرورة التعاون والتنسيق والتحالف او ما يسمي (المساومة والتسوية) التي تقتضي التوافق والتقاطع على الاهداف السياسية والمطالب الاقتصادية والمجتمعية المتردية، وبين منظوره الشامل الذي يجب ان يكون واضحاً وان لا يفرط فيه بحجة الانعزال عن الاخر او لم يحن الوقت لفك الارتباط بتلك الجمعيات الخ ، والا يتحسس من (القوى الآخرى عنه او من نقدها بأنه يحاول ان يقسم المعارضة على اساس فكري وايدلوجي، فكل تلك الجمعيات مبنية على اساس ايديولوجي حتى لو ادعت غير ذلك ، لان البديل هو ضياع منظور هذا اليسار وتسرب منظور القوى الآخرى اليه كما شاهدناه على العيان منذ بداية المشروع الاصلاحي، ومن ثم سيطرتها عليه وتهميشه وتقسيمة وجعل كوادره ان تنعزل وتعزف عنه وتخلق فيه الشللية وتلغي دور الاقلية المعارضة فيه وجرها الى الانشقاق عنه وطرح بديل اخر له. انه صاحب منظور منهجية علميه ترتكز على الجدل المادي والتاريخي ومن ثم يساري بحكم البرنامج السياسي والنظام الداخلي الذي يتبناه، لا ان يلقي به في سلة المهملات كما فعلت الجمعيات التي تدعي اليسارية في احداث الكارثة٢٠١١ وحتى الان، بمعني ان المنهجية العلمية والجدل المادي والتاريخي سمة اصيلة واليسارية سمة متحولة، لأنه أساساً يعبر عن الفئات والطبقات الشعبية وبالأخص الطبقة العاملة والتي تتحقق مصالحها واهدافها ومطالبها عبر تحقيقها تلك الاهداف والمطالب المتغيرة بتغير الواقع. حيث لن يظل يسارياً في حال توقفه عن الفعل حال تحقيق بعض المطالب وبعض الاهداف ودفاعه عن عما يسود رغم ان الواقع يفرض تغيير الذي ساد في ظل صيرورة التطور في المشروع الاصلاحي ، بمعني ان تحقيقه الاهداف والمطالب التي تعبر عن اليسار في لحظة معينة لا يستنفذ دوره ( الوطني التغييري ) ما دام يعبر عن مصلحة الفئات والطبقات الشعبية وخصوصاً الطبقة العاملة تسعى الى استمرار المطالبة بالتغيير في صيرورة المشروع الاصلاحي ، ولهذا فان اليسار ( كذات ) هو بما يعبر عنه طبقياً وفكرياً وايديولوجيا ونظرياً ، وليس بما هو سياسياً ، حيث المطالب والاهداف متغيرة على ضوء صيرورة التطور في المشروع الاصلاحي وعلى ضوء تحققها في صيرورة المشروع الاصلاحي ،
اليساري الذي يرى في المنهجية العلمية والجدل المادي منطلقاً لمشروع مجتمعي وهذا المشروع ينطلق من اصلاح ومن ثمة تغيير ما هو قائم للأفضل وليس من يتكيف فقط مع ما هو قائم ، او يعتقد بأنه يمكن تجاوز ما هو قائم عبر خطوات تدريجية بطيئة في المشروع الاصلاحي ، انه هنا يركز على قانون التناقض الذي يؤسس له الجدل المادي ، حيث يكون التغيير ضرورة من اجل الصيرورة في المشروع الاصلاحي فعوضاً عن التطور في المشروع الاصلاحي هذا لا يعني انها ترى الاصلاحية بل تنشد أيضاً التغيير ( الحركة من اجل التغيير والديمقراطية ) ، اي تؤسس لتغيير ما هو قائم وليس اصلاحه فقط وعلى امل ضمن منظور بعيد المدى مع ان هذا التصور يتنافى مع الصيرورة ومع تناقضات الواقع ولهذا يتنافى مع المنهجية العلمية والجدل المادي التي تنطلق من مفهوم الصيرورة القائمة على مبدئي التناقض ، وفي تطوير التناقض عبر التراكم الكمي في المشروع الاصلاحي من اجل تحقيق التغيير النوعي الذي يضع النفي ضمن امكانياته لكي تسير الصيرورة وتتقدم . الواقع سوف يظل يفرض التناقضات ودور اليساري الذي يرى في المنهجية العلمية والجدل المادي ان يعمل على تطوير هذه التناقضات استناداً لمطالب الفئات والطبقات الشعبية من اجل الامساك بالتناقض الرئيسي ، وليس من مهمته ان يموه على التناقضات او يتجاهل ضرورة ان يشحنها بدفعة وعي وتنظيم تفضي الى تطور فعل الفئات والطبقات الشعبية والتى تردى وضع معيشتها ، ليس هذا اليسار المطروح من هذا المنظور هو من يخترع التناقضات بل ان ميل الطبقات المسيطرة والطبقات المستفيدة والمسئولة عن هذا التردي المعيشي الذي وصلت له الفئات والطبقات الشعبية هو الذي يؤسس لوجودها هذه اولية في فهم الواقع ومن ثم تحديد الموقع الطبقي لهذا اليسار وللدور الطبقي الذي يجب ان يلعبه . ورغم ان اليساري الذي ينطلق من هذا المنظور لا يتجاهل الاصلاحات وهو يقف مع الفئات والطبقات الشعبية من اجل تحقيق مطالبها وحقوقها ومن اجل الديمقراطية ومن اجل تحسينات حالة الوضع المعيشي المتردي فأنه يؤسس على ان مصلحة الفئات والطبقات الشعبية ومصلحة التطور في المشروع الاصلاحي المجتمعي ، لا تتحقق الا بأن يقف موقف حاسم مع هذه المطالب الى المدى الذي يذهب بها الى التغيير فالإصلاحات هنا هي مرحلة تدريبية لتطوير فعل هذه الطبقات الشعبية وليس عبر ايهام الطبقات الشعبية انها نهاية الطريق او يمكن ان بعض الاصلاحات تهدئ من التناقض الرئيسي ، وتجعلهم يقبلون ما هو قائم . المطالب الاصلاحية هي تكتيك من اجل كشف مدى جدية الحكم في الاصلاح والتغيير، اما ان يتحول الى استراتيجية فهو ما يعني ان النخب الحاكمة سوف تمارس نفس السياسات وتكيف وضع الطبقات الشعبية بما يجعلهم يقبلون بالواقع انه تنفيس للتناقض والاحتقان الطبقي وتأخير لنضج وعي الفئات والطبقات الشعبية
لقد انطلق اليسار منذ احداث ٢٠١١ من اعتقاد بأن (دوره ليقود الحركة المجتمعية لم يحن بعد) وان التاريخ قد وضعه خلف قوى اصولية وجهادية (الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي) وخلف الحلف الطبقي التابع للرأسمالية، وعليه ان يلتزم منطق التاريخ؟! كيف يمكن ان يكون يسارياً، بالتالي، هو يلهث من اجل التنسيق والتعاون والتحالف مع هذه القوى؟ او يقبل بفتاتها. او يظن بأنه يقدم بطولة وهو بالكاد يطالب بالديمقراطية تحت مظلة الاسلام السياسي او تحسين الاجور او دعوة البورجوازية لتلطيف استغلالها؟ واي وهم هو ذاك الذي يجعل اليساري يرى بأن عليه الانتظار وان يكون في اخر عربة تجرها قاطرة الاسلام السياسي وان دوره لم يحن بعد؟ هل من قدرية أكثر من ذلك؟ وهل من جبرية أفظع من ذلك؟ وهم يدعون بما تطرحه المنهجية العلمية بأن الفلاسفة جهدوا من اجل تفسير العالم بينما مهمتهم هي تغييره؟ الواقع هو من يحتوي التناقضات لأنها من صلبه ومن هنا كانت ماديته، ومن هنا يأتي الانتقال من التفسير الى التغيير انطلاقاً من الصيرورة في المشروع الاصلاحي، وليس من خلال اوهام اليساري او اوهام الاسلام السياسي او اوهام الحلف الطبقي او نزعات البورجوازية الصغيرة. والواقع كما شاهدنا من خلال مرحلة المشروع الاصلاحي لا يقبل الانتظار (من هم اصدقاء الشعب ومن هم اعداءه) ولا يخضع لرؤى. الاسلام السياسي او الحلف الطبقي ولا لنزق. بورجوازي صغير، او لمصالحهم الضيقة، كل هذا شاهدناه عندما انفجر الصراع لكي يعيدنا الى الوراء مئات السنين كما حدث للشعب العراقي واللبناني واليمني والسوري والسوداني كما هو حادث الان ولم يتحقق التغيير، هنا لان اليساري لم يشحذ فكره الجدلي المادي كأداة من اجل فهم الواقع وتحديد اليات تغييره. انه الذي يمتلك الوعي الذي يسمح بفهم الصيرورة الواقعية، وفهم الاليات التي تفضي الى تطوير المشروع الاصلاحي.
في الفترة الاخيرة ومع انتخابات ٢٠٢٢ كيف كان عمل اليسار في ظل موازين القوى الجديدة؟ وكيف مارس هذا اليسار السياسة؟ لقد انطلق هذا اليسار من ان السياسة هي تكتيك التكيف مع ميزان القوى القائم، حيث يجري الانطلاق من قبول (الامر الواقع) والرضا عما تقدمه النخب الحاكمة وفق ميزان القوى الجديد الذي تبلور. ولكن السياسة التي يمارسها هذا اليسار هنا تكيفية، محدودة (الخيال) و (المطامح)، ولحظية. لهذا نلحظ الميل المستمر لدى هذا اليسار لقياس ميزان القوى القائم ورسم السياسة على حجمه. وهذا اليسار ينطلق من انه أصبح ضعيف ومهمش وليس بموازاة الاخر بيت الحكم، وهو يجري رسم الاهداف الممكنة في هذه اللحظة وعلى ضوء ميزان القوى القائم هذا. لتكون اهداف متواضعة، جزئية او مجزأة. القصد هنا بأنه إذا كانت سياسة هذا اليسار هي (رؤية) تتضمن دور واهداف تخص الطبقات الاجتماعية الشعبية والتي تردى وضعها الاجتماعي والمعيشي كثيراً في الآونة الاخيرة. و (تكتيك) يشتمل اليات تحقيق هذا الدور والاهداف انطلاقاً من المقدرة على تطوير القوى الذاتية لهذا اليسار لكي يكسب الطبقات الشعبية والتي تردى وضعها المعيشي، إذا كانت هذه سياسة اليسار سنلمس بأن الدور والاهداف لا تتحدد انطلاقاً من رؤية لطبيعة المعارضة، ليكون نشاطها هو من اجل كسب الطبقات الشعبية. بل ان الدور والاهداف تتحدد انطلاقاً من (ميزان القوى) اي من كون اليسار هو في أضعف حالاته لكي يخوض هذه المعارضة مع النظام، حيث ان هذا اليسار أصبح يتكون من (نخبة) ان لم نقل (شلل) مهما اتسعت فهي محدودة، ذلك لأنها ابتعدت منذ فترة طويله عن كوادرها واعضائها وعن هذه الطبقات الشعبية اي انها لم تستطيع التواصل مع الطبقات الشعبية. وبالتالي اصبحت غير قادرة على تطوير نشاطها وتحول كونها معارضة من الشكل (السياسي) اي ذاك الخاص (بالنخبة / الشلة) السياسية الى شكله المجتمعي. حيث تشارك الطبقات الشعبية. هنا سيكون الدور والاهداف (قزمة) وتكون المطامح متواضعة، وهو الامر الذي يعزز من نخبوية هذه (النخبة / الشلة) ومن ضعفها وهامشيتها، لتندفع أكثر الي تقزيم الدور والاهداف أكثر، وهكذا في صيرورة لا تقود سوى الى التلاشي بعد ان يتلاشى الدور وتتلاشى الاهداف. الذي يحكم هذا المنطق هو ان السياسة هي فن الممكن (وهنا تبدأ الانتهازية)، حيث يقاس الممكن على ضوء وضع اللحظة التي تتسم هنا باختلال ميزان القوى. هذا هو منطق هذا اليسار في تجربته الحالية في نشاطه البرلماني. ولكن هذا المنطق سوف يوضع امام المحك مع زيادة تردي الوضع المعيشي للطبقات الشعبية، هنا تحكم اللعبة البرلمانية معارضة تقوم على التنافس وعلى الكسب الممكن، ولكن في حال زاد الاحتقان وسوء تردي الحالة المعيشية للطبقات الشعبية، يجب ان ينطلق هذا اليسار من منطق اخر لا يقوم على اللحظة ويتجاهل تردي الوضع المعيشي؟ ان المسألة الاساس هنا هي ان الرؤية التي تطرحها هذه (النخب / الشلة) لم تتشكل من (وعي ذاتي)، ولم تتشكل على ضوء دراسة مستفيضة للواقع وبالتالي لم تستطيع تحديد الدور والاهداف المناطة بها التي تلمس تردي الوضع المعيشي للطبقات الشعبية؟ بينما كان من المفترض ان لا يتحدد الدور والاهداف على ضوء ميزان القوى الراهن رغم ان اشكال المعارضة تتحدد على ضوء ذلك، بل انها تتحدد على اساس مصالح الطبقات الشعبية (الكتلة الشعبية) التي (تحلم) في ان تتحقق مطالبها وتحس بضرورة تحقيقها، لان هذه الكتلة الشعبية هي من تعاني من تردي الاوضاع المعيشية، وهي كما نرى ونسمع ونشاهد في العالم الافتراضي تعبر عن هذا الهم والكابوس في (تحركات عفوية ورسائل عفوية) وتعيش احتقاناً. وترى بالعين المجردة ان (النخب) لا تطرح الاهداف والمطالب التي تمسها وتعبر عن مصالحها من قبل هذه (النخب)، ما لم يفهم هذا اليسار ان تحديد الاهداف هو سابق لقياس ميزان القوى، حيث انه بعد تداعيات ازمة كارثة ٢٠١١ لا بد ان يكون الميزان مختلاً لان القوى التي شاركت في الانقلاب ارتكبت حماقات واحدة منها استقالتها من البرلمان مما اودي بها الى الياس والاحباط والى خمود نشاط الطبقات الشعبية وانعزالها عن الجمعيات السياسية. لكن تردي الوضع المعيشي الذي شهدته هذه الطبقات الشعبية في الآونة الاخيرة تقوم على الاحساس بهذا التردي ورد فعل عفوي دون مقدرة على وضع رؤية وتكتيك او استراتيجية رغم وضوح هذا التردي في الوضع المعيشي.
ان النظرة التي تنطلق من ان السياسية هي فن الممكن تنطلق أساساً من (المستوى السياسي) لطبيعة المعارضة او الصراع، ولهذا اول ما تلمس كما نرى من رؤية اليسار بعد تداعي كارثة الدوار هو ميزان القوى، وبالتالي كما هو حادث الان من حراك سياسي على ضوء ذلك. وهو نفس التكتيك الذي اتبعته جمعيات ما يسمي باليسار ضمن إطار حراكها السياسي في المشروع الاصلاحي في ٢٠١١ حيث كانت ترى ان ميزان القوى هو لصالح جمعيات الاسلام السياسي ومن يقود الحراك هو الاسلام السياسي وتبلورت كل اجتماعات المكتب السياسي او اللجنة المركزية وتمحورت حول تعزيز ان ميزان القوى هو لصالح الاسلام السياسي وبالذات جمعية الوفاق الطائفية وكما شاهدنا كيف فوض هذا اليسار امين عام الوفاق بالحديث بالنيابة عنهم مع بيت الحكم. إذاً فإن سياسة الممكن تركز على ميزان القوى، وبالتالي تحدد الممكن الان على ضوء ذلك. وكما شاهدنا انه في المستوى السياسي سيبقى ميزان القوى هو لمصلحة الوفاق قبل ان يتم حلها والان هو لمصلحة النخب الحاكمة لان الفاعلين السياسيين بشكل عام أصبحوا قلة، وسوف يبقون كذلك لان الطبقات الشعبية كما نشاهد حتى الان لا تميل الى الفعل السياسي المباشر، بالرغم انها تطرح مطالب ولا تخوض صراعات طبقية مطلبية حتى الان، بالرغم من التردي الواضح للوضع المعيشي. بينما تملك النخب الحاكمة كتلة كبيرة من البيروقراطية في كل المؤسسات بما فيه السلطة التشريعية البرلمان وبالتالي فأن تطبيق مقولة ان السياسة هي فن الممكن سوف يعني بالضرورة القبول بأقل القليل وفي البرلمان طرح ما يعتقد بأن النخب الحاكمة يمكن ان تتنازل عنه. وهي الوضعية التي تجعل الدور والاهداف التي تطرحها هذه النخبة من اليسار لا تلبي جزءاً ضئيلاً مما يطرحه (الحس السليم) لدى الطبقات الشعبية، اي ذلك المتعلق بتردي وضعها المعيشي المباشر. بمعني ان الميل التكيفي (العقلاني) الذي تصفه النخب / الشلل اليسارية، والذي يميل الى فقط الاصلاح لبعض البنى وليس تغيرها لان ميزان القوى لا يسمح بذلك كما ترى الان. بعد ان رفعت السقف في احداث الكارثة ٢٠١١ الى الوقوف خلف شعار اسقاط النظام، ان هذه السياسة فن الممكن تصبح في تناقض مع ميل الطبقات الشعبية والتي يفرض عليها تردي وضعها المعيشي الى رفع الصوت ضد المؤسسات وبخاصة ضد السلطة التشريعية والتي هي وسيط بين هذه الطبقات الشعبية والحكم وان كانت هذه الطبقات الشعبية لا تملك تكتيك واستراتيجية خاصة بذلك، وحيث تميل هذه الطبقات الشعبية الى التعلق بالقوى التي تطالب بتحقيق مطالبها والاهداف التي تنشدها لكي تعمل فرملة لمزيد من تردي اوضاعها المعيشية. وهذا التناقض سوف يزيد من تهميش النخبة اليسارية دون ان يكون تكيفها، وتكون (عقلانيتها) معنيا لها في تطوير قواها، على العكس من ذلك كما ترى تسلسل الاحداث في البرلمان فهي تسير نحو الضعف أكثر فأكثر، ودون ان تلقي اي تنازل من النخب الحاكمة وهنا تكون (العقلانية) انطلاقاً من ان السياسة هي فن الممكن هي المدخل لفشل ذريع اخر بعد فشل مشروع دوار مجلس التعاون، حيث تبقي هذه النخبة تكرر مطالبها دون جدوى.
ان فهم مسألة الممكن في هذه المرحلة الراهنة تحتاج الي وقفه، حيث انها تتحدد في الراهن فقط، فيما هو ممكن الان، وليس انطلاقاً من نظرة أعمق تنطلق من وعي تناقضات الواقع ومن التردي الحاد في المستوى المعيشي، وبالتالي البحث في الممكنات فيه، وبالتالي رؤية ابعاد المعارضة الواقعية وما يمكن ان تنتجه من موازين قوى على ضوء فعل المعارضة. بمعنى ما هي ممكنات تطور الصراع الطبقي (او الوطني)؟ وبالتالي تطور المعارضة؟ وكيف تتحول الحركة المجتمعية الى قوة فاعلة فيه؟ اي يمكن ان تنهض الطبقات الشعبية بعد ان نخرت فيها الطائفية السياسية والقبلية السياسية وعبر فعل (النخب) في البرلمان للحد من هذا التدهور المريع في الاوضاع المعيشية وايضاً تخل في ميزان القوى القائم؟ هنا سنلمس الفارق بين النظرة السكونيه اللحظية والنظرة الجدلية، بين رؤية المعارضة اليسارية ورؤية الصراع من واقع سكوني راهن، وبين رؤيته كصيرورة تفترض الفعل السياسي من اجل ان يميل ميزان القوى عبر الوقوف مع الطبقات الشعبية من اجل وقف تردي الحالة المعيشية، فهذا وحده الذي يعدل في ميزان القوي بالتدرج وبالتالي تحقيق المطالب والاهداف الاساسية وليس تلك التي تحدث على ضوء ميزان قوى مختل. وبالتالي فإذا كان المنطق الذي يحكم هذا الفهم للسياسة هو منطق سكوني لحظي، وشكلي، فإنه كذلك لا ينطلق من الفعل / النشاط اي المعارضة الفعلية من وقف تردي الحالة المعيشية، بل ينطلق من السياسة بمعناها الشكلي، اي الحراك في المستوي السياسي اللحظي فقط، دون اهتمام لتفعيل كل المطالب والاهداف. فالسياسة هنا عند هذه النخب اليسارية وفي هذه اللحظة الراهنة هي (النشاط السياسي) الذي هو حراك النخب اليسارية عبر بياناتها وتصريحاتها ومطالباتها وانتقاداتها. السياسة كما عودتنا دائماً هنا هو راي الجمعية اليسارية في الاحداث، ومطالباته النخب الحاكمة، وفي إطار ذلك يأتي طرح مطالب واهداف الطبقات الشعبية وهذه النخب اليسارية تنتظر ان تزحف لها الجموع لدعمها في هذه المطالب والتي يعتقد هذا اليسار بأنها (بسيطة)؟ إذا يمكن النخب الحاكمة ان تقبل بها؟ هذه هي السياسة التي هي فن الممكن والتي تتبناها هذه النخب اليسارية (الشلل) وهنا كما نرى سوف يزداد اختلال ميزان القوى لان هذه النخب اليسارية سوف تضعف أكثر بدل ان تقوى، وسوف تشعر بالهامشية أكثر فأكثر، وهو ما يفرض التراجع أكثر فأكثر عن المطالب والاهداف التي طرحها (مع بدء تردي الوضع المعيشي للطبقات الشعبية) والتي طرحها كتعبير عن ميزان القوى في لحظة لم تعد قائمة وهكذا سوف تظل هذه النخب / الشلل) تدور في حلقة مفرغة. السياسة هي فن الممكن الذي ينبني على الارتباط بصوت واحتجاج الطبقات الشعبية من هذا الوضع المعيشي المتردي ومطالبها الملحة الانية والمتوسطة المدى والمستقبلية ودفع هذا الارتباط الى ان يفرض ذاته كقوة حقيقية في الواقع. حينها تفرض مطالب واهداف هذه الطبقات الشعبية التي هي امر ممكن. انها بالتحديد هي تفعيل حراك الاغلبية، لكي تنظم صوتها واحتجاجاتها ولتأخذ الرؤية والاهداف والمطالب والذي يؤسسان لتراكم فعلى في المشروع الاصلاحي. اما الممكن الراهن فهو مطلب من لا يود ان يخوض المعارضة، ويستعجل الوصول الي التهدئة والهدوء، ليحافظ على كرسيه في البرلمان وهذه سمات البورجوازية الصغيرة و (الانتهازية) التي تود الربح دون مجهود حقيقي ليكون هو هدفها من الوصول الى البرلمان.