يبدو ان صعود هذا اليمين المتطرف بأحزابها اليمينة وكأنه حدث مدوي في الدول الاوربية والاتحاد الاوربي، وكثر الحديث والتحليل السياسي لسبب صعود هذا اليمين المتطرف على أكثر من بلد اوروبي وبالذات في فرنسا والمانيا وكذلك في النمسا الخ، فبعض المحللين باتو ينظرون لهذا الصعود المفاجئ لهذا اليمين المتطرف ويعظمه. وصل لتسميته بأنه (اليمين الجديد) لسحب صفة المتطرف عنه؟! والبعض يرد السبب ان الطبقات الفقيرة هي الحاضنة الشعبية لهذا اليمين المتطرف والبعض يرد ان السبب هو فقدان الهوية الوطنية والقومية للدول الاوربية من مثل حزب لوبان حيث ان الاحزاب اليمينة المتطرفة هي احزاب قومية. وهي تتبني برنامج ترامب في شعاره امريكا اولاً وهنا أوروبا اولاً، وان هذه الاحزاب اليمينة المتطرفة ترتبط بعلاقة جيدة بالإمبريالية الروسية وهي بالضد من الصين التي تغزو اسواق اروبا الخ. فهل سوف تحدث مواجهة تاريخية بين اليمين المتطرف واليسار وحزب الخضر ذلك ان الاحزاب اليسارية في فرنسا بدأت بتشكيل تحالف مع الحزب الاشتراكي والشيوعي والخضر لمواجهة هذا الصعود على المستوي الاوربي عامة وفي فرنسا خاصة. هذا اليمين المتطرف يحمل في جنينه (الوجه الودود للفاشية) (الجديدة) والذي يسميه أحد المحللين العرب (باليمين الجديد)؟ فعندما نسترجع احداث القرن الذي مضي نضطر الي التساؤل: هل يمكن لشعوب اوروبا ان تنتج مخلوقاً بهذه البشاعة، يقتات على الحقد، ويتغذى بالخوف من الاخر، ولا يستطيع العيش من دون حرب وعنف ودماء؟ فيتبادر الي الذهن صورة موسوليني او هتلر او فرانكو. ولكن اليمين المتطرف(الفاشي) أعمق جذوراً، في تراث القرن العشرين، من صور هؤلاء القادة. كيف يكون ذلك؟ حتى نكون على بينة من هذا اليمين المتطرف هذا المخلوق الذي يتربص بحضارة القرن الواحد والعشرين الحالية، علينا ان نميزه عن تلك المخلوقات العجيبة التي تعيش في ردهات لا وعينا الجمعي او ثناياه. فاليمين المتطرف القومي(الفاشي) هو اولاً ايديولوجيا، او اسلوب في التفكير يوجه السلوك، تتبناه حركات اجتماعية وتؤمن به ومن هنا مصدره الشعبوي، لذلك نسمع ان حزب ماري لوبان يعبر عن الطبقات الفقيرة لأنها الاقل وعياً بين الشعب ومن السهل تعبئتها وكسب اصواتها عبر استخدام الاخر(المهاجرين) هم السبب في ضياع الهوية الفرنسية؟! فهذه الاحزاب اليمينية تعتمد وتؤمن: 1- التمايز العنصري وتفوق عنصر المتكلم على ما عداه 2- ذوبان الفرد في الامة حتى الانمحاق 3- قدسية الدولة، وضرورة الخضوع الأعمى لها لكونها تجسد وعي الامة وارادتها 4- ان العنف المقدس وقيم العسكريتارية هنا دين الدولة وديدنها.
التعريف اليمين المتطرف ذو النزعة القومية العنصرية( الفاشية) قد ينطبق على حركات واحزاب وافكار يتبناها كثيرون ، من اقصي اليمين الي اليمين الي وسط اليمين وكما شاهدنا اليوم تحالف الحزب الجمهوري اليميني مع اليمين المتطرف بقيادة ماري لوبان في فرنسا لخوض انتخابات الجمعية العمومية التي دعا لها ماكرون والتي حسبت عليه بانه يغامر بهذه الخطوة اعتماداً على ان هناك تحالف اليسار مع حزبه والمكون من الحزب الشيوعي والاشتراكي وفرنسا الأبية وحزب مليشيون اقصي اليسار ، وهذا من الممكن مده الي بقية الدول الاوربية ما عدا الدول الاسكندنافية فهي يسارية الطابع . من هنا صعوبة التفريق بين الحركات القومية ذات النزعة القومجية (العنصرية / الفاشية)، او الاصولية (بمختلف اشكالها)، والفاشية. فقد امتزجت هذه الحركات واختلطت افكارها منذ القرن العشرين ونشاهدها الان في القرن الواحد والعشرين. وما(الفاشية) في النهاية إلا (اصولية متطرفة)، وهنا يكون السؤال هل انتهت الفاشية ام انها اخذت تتلون بوجه وقناع جديد؟ خصوصاً بعد ان هيمنت وازدهرت(الليبرالية) في اوروبا في الغرب بعد الحروب التي التهمتها في السابق؟ بالطبع لا، فالظواهر الاجتماعية بعامة، والسياسية بخاصة وهو ما نشاهده اليوم هي مثل المحاربين القدماء (لا يموتون وانما يتوارون في الظلال)، فها هي الفاشية الجديدة ضمن اليمين المتطرف تصعد في رحم الرأسمالية الغربية. ولكن ما الجديد في فاشية (اليمين المتطرف) في عصر التقانة والثورة العلمية التكنولوجية وثورة المعلومات والاستهلاك المتعي؟ وبماذا تختلف عن الفاشية القديمة؟ الفرق كما نشاهده اليوم بارز في فرنسا بين وجه لوبان ووجه ابنته ماري لوبان الذي يصعد حالياً على المشهد في الاعلام المرئي والمسموع وفي العالم الاجتماعي الافتراضي والشارع السياسي الافتراضي، فاذا صلح الاب لان يكون رمزاً لليمين المتطرف (الفاشي القديم) صلحت ابنته لأن تكون رمزاً لليمين المتطرف (بوجه لعنصري الفاشي الجديد)، فهي تبرز الي نور وسائل الاعلام، ومكاتب الساسة المحترمين، وصالونات سيدات المجتمع. ويتبعها ساندرا موسوليني في ايطاليا، واليمين الايديولوجي المسيحي في بريطانيا وامريكا، والقوميين الروس والاصوليين والقومجيين العرب – وبالطبع محور المقاومة والممانعة المزيف المكون من دولة الملالي إيران ومليشياتها، كل هؤلاء يمثلون حركات اجتماعية وسياسية ومذهبية وطائفية لا يوحدها الانتماء الي طبقة اجتماعية كما يدعي اليمين المتطرف بان مرشحه في فرنسا لرئاسة الوزراء هو شاب من أصل ايطالي وكان من الطبقة العاملة. ولا امة، الا في الظاهر، وانما يوحدها الانتماء الي طائفة او الي (قبيلة المتكلم اليمينية العنصرية) وعصبية جماعته، فالمليشيات التي تتبني الفاشية الجديدة هي في النهاية(قبائل) وإذا صح وصف الفاشية بالجدة، فيصح وصف(القبيلة) ايضاً بالجدة ايضاً، سواء بسواء. والسؤال هو كيف يمكن التعامل مع هذا اليمين المتطرف او الفاشية الجديدة ذات الوجه والقناع(الودود) الذي يطل علينا في المجتمعات الاوربية والعربية من وسائل الاعلام؟ كيف نهدئ من روع النفس هذه التي تؤرقها كوابيس الماضي وامساخ التراث؟ فالفاشية او اليمين المتطرف في الغرب وكذلك المليشيات عند العرب لن تحل مشاكل الامم في عملية جراحية معقمة، كما تصورها الميديا – وسائل الاعلام، وانما هو وقود الصراع المحتدم في الوقت الراهن في داخل العوالم والحضارات.
المفارقة المهمة في صعود اليمين المتطرف في اوروبا هي محاولة العودة الي لعب دور التيار القومي العنصري في الوقت الذي تضمحل فيه الدولة – القومية ، الاساس الذي يقوم عليه نظام العلاقات بين الدول ، وبدل ان تتحول( الامم الاوربية) ومن خلال مجتمعها المدني لتكون هي البديل لهذا الاضمحلال كما كانت تراه الماركسية ، تتحول هذه الامم او المجتمع المدني الي قبائل ومليشيات ، وازداد وتيرة التمييز العنصري والتمييز المضاد في داخل( الامة) او المجتمع المدني كما هو الحادث مع المهاجرين الي اوروبا ، وكما في الولايات المتحدة حيث التمييز العنصري ضد السود من قبل اليمين المتطرف في امريكا وهذا يغذي التمييز ضد البيض وبالعكس . وبالنظر الي التجربة الفرنسية / الماكرونية، فقد برز توجه ديمقراطي شعبي احتجاجي ضمن ما سمي بتظاهرات السترات الصفر العمالية ضد قوانين التقاعد والضمانات الاجتماعية الخ والتي قابلتها السلطات الماكرونية بالقمع. وبالتالي فأن صعود هذا اليمين المتطرف او الفاشية الجديدة فهي تسعر في رعبها اللاواعي من الاخر ومن الحرية، اوزار الصراع الراهن والمواجهة مع المجتمع المدني حيث التقط اليسار الفرنسي هذه اللحظة وشكل تحالف باسم (الجبهة الشعبية) مكونة من حزب الخضر(البيئة) والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وفرنسا الابية، في الوقت الذي تم عزل رئيس الحزب الجمهوري اليميني من منصبة من قبل اللجنة المركزية للحزب والذي ذهب هذا الرئيس الي القضاء لكي يسقط قرار عزله والذي نجح فيه. ذلك لأنه قرر التحالف مع حزب اليمين المتطرف لماري لوبان. ان اليمين المتطرف سواء كان في فرنسا او المانيا الدولتين المهمتين في اوروبا أصبح هذا اليمين يتكئ على فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الاوربية. وهذا يعني بأن العالم ذاهب الي جولة جديدة من الصراع على مستوي العالم تكون الفاشية الجديدة الرابح الاكبر فيه. اوروبا التي مثلت (حكمة الغرب) في القرن العشرين القصير، هي الان على مفترق طرق فهي وهي تعيش هذا الصعود لليمين المتطرف والذي يدعوا لعودة التحالف مع اليمين القومي العنصري الروسي وبالتالي تقف موقف المؤيد لغزو روسيا لأوكرانيا. مما جعل برنامج الجبهة الشعبية في فرنسا يسجل موقف بانه يقف مع اوكرانيا في صد الغزو الروسي لها. في الوقت الذي يرسم اليمين المتطرف الاوربي سياساته الاقتصادية لصالح سياسة اقتصادية(اتحادية) يهيمن عليها اليمين المتطرف والقبائل (الفاشية الجديدة) الفرنسية والالمانية الخ. هذا الارتباك وتغيير موازين القوي في اوروبا سوف يدفع بأوروبا الي الانشغال بشئونها الداخلية في ظل وضع عالمي ودولي من الصراعات والحروب اولاً وبخاصة في اوروبا (غزو روسيا لأوكرانيا) او الحروب العسكريتارية في افريقيا او الحرب في منطقة الشرق الاوسط بين إسرائيل وحماس والمحور المزيف الذي ترتبط وتتحالف به مع إيران، في ظل ايضاً صعود اليمين المتطرف العنصري في اسرائيل بقيادة نتنياهو وبن غفير وسموترج، والذي يقابله ايضاً يمين ديني متطرف اصولي من الاخوان المسلمين حماس بقيادة السنوار ومحمد ضيف. مما يعني بان هذا الصعود اليمين في كل مناطق العالم سوف يجر اوروبا وبقية دول العالم الي حافة الهاوية فنحن أصبحنا الان في مرحلة الرأسمالية العارية العنصرية المتوحشة. بعد ان كانت هناك الرأسمالية المسئولة.
المرجع: كتاب، آراء في فقه التخلف العرب والغرب في عصر العولمة. لـ الدكتور خلدون النقيب