لفهم الصراعات العالمية الراهنة يجب البحث في ماهية الامبريالية وماهيتها اليوم؟ وما هي طبيعة الازمة التي تعيشها؟ وكيف يجري التصارع بين الإمبرياليات من اجل اعادة اقتسام العالم.
وضمن إطار الصراع الامبريالي الحالي بين روسيا والصين وامريكا واليابان واروبا يجب محاولة الكشف عن طبيعة او النمط الرأسمالي سواء في روسيا او الإمبرياليات الأخرى ذلك ان النمط الرأسمالي في روسيا هو نمط امبريالي كما اوضحنا ذلك سابقاً لأنه يقوم على تشكل الاحتكارات سواء النفطية – الغازية او العسكرية صناعة الاسلحة او البنكية (المالية)، وهو الامر الذي يفرض محاولة الهيمنة والبحث عن الاسواق والجغرافيا الجيو سياسية ونهب الدول المجاورة ولكن في الحالة الروسية هذه المرة عبر الاحتلال المباشر لدولة اخرى هي اوكرانيا، اي عبر الضغط والعنف والتدخل العسكري المباشر تحت مبررات ازاحة النازية الجديدة؟! وهي هنا تحاول ان تشكل عالم مستقطب بين مراكز وأطراف كما فعلت الإمبرياليات الأخرى في مرحلتها الاولي، وخصوصاً هنا بالنسبة لروسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً) اي هذه المرة ليس بشكله الاقتصادي اي الهيمنة الاقتصادية بل بشكله الاستعماري. هنا دخلت كل من روسيا والصين الدولتين اللتين تطورتا في إطار الاشتراكية، لكنهما تحولتا الي الرأسمالية وتسعيان للسيطرة مما ولد نقاش كبير عند النخب المثقفة يدور حول هل ان الخلافات بين هاتين الدولتين وامريكا الامبريالية واروبا واليابان هي نتاج ميلهما اي روسيا والصين (التحرري) و (الاستقلالي) عن السيطرة الامبريالية وخروج عن قانون القيمة الزائدة المعولمة؟ اما انها خلافات هي نتاج تنافس وصراع امبريالي إمبريالي؟ هنا فان مفهوم الامبريالية عند روسيا يربط بمفهوم الاستعمار، اي ان الامبريالية الروسية تعني الاستعمار لدولة مجاورة اوكرانيا حيث ميل الرأسمالية المافياوية الروسية لاحتلال بلدان اخرى واستغلالها.
الامبريالية تعرف بتكوينها الداخلي بالأساس وكل دور خارجي (غزو او ضغط او عنف) هو امتداد لذلك وهنا هي عودة الامبريالية الروسية الي المرحلة الاولي من الامبريالية ولكن في صورتها المتوحشة او كما سماها ماركس صورتها البائسة عندما تحدث عن النكوص التاريخي اي عودة الي السيطرة المباشرة (الاحتلال) وليس الهيمنة الاقتصادية ومحاولة تشكيل علاقة (مركز – أطراف) بما يجعل الاطراف تابعة للمركز (موسكو) ان تجاهل الطابع الامبريالي لدى النخب المثقفة في فهم الصراعات العالمية وطبيعتها ولد لديها فهم اخر ومنطلق من مفهوم الممانعة والمقاومة بدل ان تكون صراعاً بين إمبرياليات ستكون صراعاً ضد الامبريالية العالمية ذات القطب الواحد من قبل (بورجوازيات مستقلة) كأنه من الممكن ان تكون هناك (بورجوازية مستقلة) خارج النمط الرأسمالي ككل او في تضاد تناحري معه ادى دخول روسيا في الصراعات العالمية أولاً في سوريا والان غزوها ل اوكرانيا حول طابعها الامبريالي. وكما نقرا في مقال فوزيه رشيد اليوم الولايات المتحدة تتجه نحو الجحيم. وكان كل الامر في هذا المقال يتعلق باعتبار ان امريكا هي (مركز العالم) وهي التي تمسك بقانون القيمة المعولمة، وبالتالي فأن اختلاف روسيا معها هو انشقاق عن الامبريالية، واستقلال عن قانون القيمة المعولمة وكذلك استقلال عن الدولار بمعني ان كل اختلاف في هذا المجال يؤسس كما ترى النخب المثقفة اليساراوية لنشوء طرف معاكس او قطب معاكس، يريد التحرر من امريكا الذاهبة للجحيم؟! ولا نعرف ماذا يقصد (بالجحيم)! وكذلك كما ترى ويرى بعض النخب المثقفة التي تريد هزيمة الامبريالية الامريكية وهذه افكار متهافتة. فهي تعبر عن شكلية مفرطة لا تليق باليساري وتنتج عن توهم فظ يريد التخلص من الامبريالية الامريكية، بالتالي ولأنه توهم يقع في حبائل إمبريالية أخرى تسمي الإمبريالية الروسية.
تلك النخب المثقفة لم تسأل نفسها الان ما هو وضع روسيا في (العالم المعاصر)؟ كان الموقف الاولي لدى بعض النخب المثقفة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ترى ان روسيا اصبحت بلد رأسمالي منهار، بعد ان جرى تعميم سريع لاقتصاد السوق (عبر اقتصاد الصدمة) ونهب كل ملكية الدولة التي كانت تعد ملكاً عاماً من قبل الالوغارشيه (اقلية المليارديرات) وهي فئات اصبحت مافياويه نشأت من داخل السلطة في الغالب وهي التي اجتمع معها بوتن اول كتله (اقتصادية – سياسية) اتحاد رجال الاعمال في اول يوم من الغزو بعد صدور العقوبات الاقتصادية؟ لنعود مرة ثانية لفكرة النخب المثقفة كان رأيها ان روسيا اصبحت توضع في مصاف البلدان التي خضعت لليبرالية المتوحشة التي فرضتها العولمة، وانخرطت في النظام المالي منها سويفت العالمي الذي فرضته العولمة، ولكن بعد ظهور (التنازع) الامريكي الروسي عالميا وبالذات بعد غزو روسيا ل اوكرانيا اختلف الامر، واختفت الرؤية لوضع روسيا. ولا شك في ان سوء فهم الامبريالية لدى هذه النخب المثقفة فرض (المناكفة) هنا. لدى هذه النخب المثقفة الان روسيا لا تزال هي الاتحاد السوفيتي وخصوصا ان الجنود الروس لازال البعض منهم يضع شعار المنجل والمطرقة على خوذته وكذلك بعض الاعلام التي عليها منجل ومطرقه على الدبابات الروسية وان سياستها مبنية انطلاقاً من كونها نظاماً اشتراكياً. وهناك من يسميها دولة صاعدة ودولة بازغة وقطب جديد رغم انها تطورت منذ زمن بعيد، واصبحت دوله صناعية حديثه في ظل الاشتراكية. هذا الموقف لدى النخب المثقفة ينطلق مما هو سياسي، اي من طبيعة التموضعات الدولية، فيحاول رفض تسمية إمبريالية روسية واعطاء اسم بازغة او صاعده او قطب جديد كون روسيا تظهر في (صدام) مع (الثالوث الامبريالي) رغم ان صدامها هو في الغالب مع امريكا، او انها تحاول منافسة امريكا في السياسات الجغرافيا السياسية العالمية وخصوصاً الدول المجاورة لها. ليبدو ان العالم ينقسم من جديد بين امريكا واروبا من جهة وروسيا / الصين، كما كان في السابق بين الاتحاد السوفيتي وامريكا والغرب؟!
انطلاقاً من النقطة التي انتهينا منها وهي (ليبدو ان العالم ينقسم من جديد بين امريكا والرأسمالية القديمة (اوروبا) من جهة وروسيا والصين وبعض البلدان كما تسمي البازغة (بريكس) من جهة اخرى) ولكن ما هي طبيعة هذا الانقسام؟ هل هو ذاته الانقسام القديم بين البلدان الرأسمالية والبلدان الاشتراكية؟ كما يرى بعض المثقفين وخصوصا ذوي التوجه الستاليني؟ لا شك ان تصدر روسيا كطرف (مضاد) لأمريكا يعطي هذا الايحاء كما تتحدث القيادات العسكرية الروسية بان الصراع ليس بين روسيا واكرانيا بل بين روسيا وامريكا، لكن فقط حين النظر الشكلي والعابر وحين اعتبار امريكا والرأسمالية القديمة هي الامبريالية دون ملاحظة امكانية نشوء إمبرياليات. جديدة، والانطلاق من تكريس هذه البديهية كمطلق لا يمكن تجاوزه. ولم تسال هذه النخب المثقفة نفسها هذا السؤال الملح وهو هل الصراع بين الامبريالية الامريكية الاوربية واليابان مع الدول المسماة (بازغة او صاعدة او مضادة او قطب جديد) روسيا والصين بالذات هو صراع ضد الامبريالية من اجل تشكيل نمط عالمي جديد اخر؟ او انه صراع بين رأسماليات يريد كل منها تكريس سيطرته ونفوذه وحصد الاسواق والمزيد منها والهيمنة على الدول الاخرى وهنا اكرانيا كمثال؟ هؤلاء المثقفون يتناسون بأن الرأسمالية في تكوينها (الاصلي) هي امبريالية حال انها تحسم سيطرتها قومياً (وهذا ما تحاوله الامبريالية الروسية الان مع اوكرانيا وتحاول ضم الدنباسك ولوهانسك ومرسوم وماريوبل واديسا تحت حجة الناطقين بالروسية كما فعلت مع جزيرة القرم) تنزع مباشرة الى التوسع العالمي حيث ان فترة ٣٠ سنه الماضية تم السيطرة الرأسمالية على روسيا وخصوصاً في فترة الاولغارشية الروسية اي سيطرت قوميا على ما سمي بالاتحاد الروسي
فليس من الممكن ان تتطور الصناعة وتستقر دون ان تحظى بأسواق كبيره، وليس من الممكن للرأسمال ان يظل منحصراً في السوق القومي الروسي
لهذا سيكون كل صراع بين رأسمالية ناشئة (او صاعدة او بازغة او مضادة) واخرى قديمة هو صراع بين إمبرياليات لإعادة تقاسم الاسواق، واعادة ترتيب السيطرة العالمية. هو ميل الرأسمالية (الصاعدة والبازغة والمضادة) الى ان تسيطر على اسواق، وتحظى باحتكار و (استعمار كما هو حادث الان في اوكرانيا) مناطق المواد الاولية لكي تستطيع التطور والمنافسة مع الإمبرياليات الاخرى.
روسيا تحولت من الاشتراكية الي الرأسمالية في العقد الاخير من القرن العشرين، ان ضعف صادرات روسيا عند مقارنتها مع الصين التي تغرق العالم بصناعاتها. يدفع الى القول بانها اي روسيا ليست امبريالية، حيث ان الامبريالية تتسم بتصدير السلع والرأسمال، وتتقاسم العالم كأسواق من اجل ذلك. لكن ما يجرى تجاهله هو ان تكون الامبريالية هو أولاً بناء داخلي، ليكون التصدير حاجة ضرورية وحاسمه وهو ما نشاهده الان من خلال غزو واستعمار روسيا ل اوكرانيا حين تكون هناك صعوبات نتيجة سيطرة إمبرياليات. اخرى على الاسواق، تميل وتنزع هنا روسيا الى العنف والاحتلال من اجل الحصول على اسواق. لقد حاولت الامبريالية الامريكية تهميش روسيا وتحويلها الى رأسمالية عالم ثالثية. اي رأسمالية تابعة، وعمل يلتسن على ان تصبح رأسمالية ريعية (نفطية – غازية) تعتمد على تصدير النفط والغاز. ولكن فرض تطور روسيا الصناعي والعلمي الذي تحقق خلال المرحلة الاشتراكية ان تصبح رأسمالية مثل الرأسماليات القديمة (اي رأسمالية صناعية) لهذا تسعي روسيا الى ان تجد اسواقاً لصناعاتها (العسكرية خصوصاً) والتي اتخذت من سوريا والان اوكرانيا محل اختبار واستعراض لأحدث ما توصلت له ترسانتها العسكرية في البر والبحر والجو وصواريخها الفرط للصوت وكاليبر الخ. وبالتالي ان توجد مناطق نفوذ وسيطرة واستعمار، لقد اعيد تشكيل الاقتصاد الروسي في مرحلة بوتين على اساس رأسمالي حديث وباتت تطلعات روسيا بوتن معنية ب (التوسع العالمي وهذه المرة من اروبا عبر احتلال اوكرانيا) لكي يتسق تطورها بدل ان تنهار رأسماليتها نتيجة ضيق السوق الروسي علاوة على ان روسيا منذ انهيار الاشتراكية انحكمت لفئات مافياوية عملت على فرض النمط الرأسمالي، ولقد باعت (القطاع العام) بأبخس الاثمان لكي تتشكل رأسمالية مافياوية من جديد (من عدم) الاوليغارشية. ومن ثم مالت هذه الرأسمالية لإعادة صياغة الاقتصاد عبر الدولة التي فرضت ايقاع التطور الرأسمالي الصناعي، رغم استمرار اعتمادها على تصدير النفط والغاز وهذا ما يفرض عليها هنا صراعات عالمية كذلك كما نشاهدها الان عبر حرب الطاقة ما بين روسيا واروبا ومحاولة ابتزاز الغرب بقطع الغاز والنفط والتلويح بورقة استخدام النفط كسلاح. هذه ليست دولة (بازغة او صاعدة او قطب جديد) وليست بلداً (تحررياً) او (معاديا للإمبريالية) بل هي بلد امبريالي يحاول المنافسة (بلغة العبث بالنار وتدمير المدن ودكها بالصواريخ والدبابات والمدفعية الثقيلة وجعل شعبها نازح ومهجر) ذلك لكي تكتمل رأسماليتها يجب ان تصبح امبريالية وكما قلنا ليس عبر الهيمنة الاقتصادية بل الاستعمار المباشر اي ان تسعي الي السيطرة والنهب والاستحواذ على الاسواق بالقوة.
الان تبدو روسيا لبعض اليساريين ولمن يتبنون خطاب الممانعة والمقاومة كداعم للتحرر والتطور والوقوف في وجه دولة الاستكبار امريكا وليجري اعتبار انها حليف (موثوق به)، رغم انها تزحف للسيطرة على الاسواق والمواد الاولية. فقد أطلق بوتين في الفترة الاخيرة تصريحات حول تحرير السوق تؤكد على انه يكرر دعوات الليبرالية الامبريالية التي حاولت فرض العولمة عبر التحرير الكامل للأسواق. وحتى علاقات روسيا مع سورية منذ ١٩٩٢ توضح الطابع الرأسمالي الذي يحكمه، حيث اصبحت لا تقوم الا على اساس رأسمالي. وهو الامر الذي يحكم علاقتها مع إيران، حيث تدافع عنها دولياً مقابل الحصول على عقود تجارية وهذا ما تفعله الان في سوريا وكذلك اوكرانيا حيث ان تدخلها العسكري سيتحول الي مكاسب اقتصادية للشركات الروسية.
النخب المثقفة الحالية لا تزال تعيش (الوعي) ذاته الذي حكم (نخباً) في الثلث الاول من القرن العشرين، رغم كل التحولات التي حدثت منذ تلك الفترة في الفكر والثقافة والسياسة حيث كانت ترى العالم من منظور سياسوي ينطلق من التموضعات التي يتكون العالم على اساسها. فلاننا ضد الامبريالية القديمة لا نرى بأن امبريالية جديدة تتشكل، وأنها تسعي للسيطرة والهيمنة (مستغلة السمعة التي كانت للاتحاد السوفيتي الاشتراكي) وترى هذه النخب ان العالم يسير نحو تموضع جديد يتجاوز الاحادية الامريكية والهيمنة الشاملة للإمبرياليات القديمة، ولا ترى الوجه الاخر بتشكل إمبرياليات جديدة (روسيا – الصين) وسينتج عنها اعادة صياغة العالم ولكن لا ترى هذه النخب انه سيكون في إطار امبريالي.
لهذا لا ترى هذه النخب التكوين الاقتصادي لروسيا (الجديدة) وكذلك (للصين الجديدة) الذي يشير الى تشكل نظام رأسمالي على أنقاض الاشتراكية، وان المافيا الاولغارشية. التي نهبت (القطاع العام) باتت رأسمالية تريد نهب العالم، وان قوتها واستقرارها متوقفان على السيطرة على الاسواق، هذه صيرورة لا يمكن تجاوزها في إطار التكوين الرأسمالي. وهذا التشكل الرأسمالي لا يمكن ان يكون الا تشكلاً إمبريالياً. وهذا امر روسيا بعد ان تطورت في ظل الاشتراكية وتحولت الي الرأسمالية.
إذا روسيا اصبحت امبريالية هذا ما يجب الانتباه له ويؤسس عليه فهم الصراعات العالمية الراهنة لكن نجد ان هناك من يجادل فيعطي مفهوم الامبريالية معني سياسياً حتى يتم وصم روسيا وحربها على اوكرانيا بعد سجال وجدال بأن روسيا ليست امبريالية هذا هو وضع الكثير من اليساريين الذين اسستهم الستالينية. السوفيتية او الذين ظلوا خاضعين ل وعي قومي بعد اعتناقهم الاشتراكية او الذين يتبنون خطاب محور الممانعة والمقاومة، هنا يجب تفكيك هذا المنطق الذي يحكم النظر عند هؤلاء وتناول الامبريالية بشكل اوسع، وايضاً تناول الوضع العالمي والتناقضات التى تنخر فيه. والسؤال الذي ننطلق منه في تفكيك منطق هؤلاء هو (هل روسيا امبريالية)؟ يحلو لدى بعض اليساريين بإطلاق اوصاف عديدة عليها منها ان روسيا (رأسمالية قومية مستقلة) او (رأسمالية غير امبريالية) ، ان الحوار الان مفيد حول الامبريالية التي يتشوه مفهومها على ضوء غزوها ل اوكرانيا ولمحاولة الهرب من كون روسيا امبريالية لأنها تقف من وجهة نظر محور الممانعة والمقاومة في صف النظام السوري الوطني والمعادي للامبريالية (حسب اليسار الممانع بمجمله) وتقف ضد الناتو الإمبرياليات العالمية الاخرى في ملف حربها ضد اوكرانيا ، وهذا ليس بغريب فقد كانت روسيا تعيش في الظل وتتحول الي امبريالية بهدوء ولم يلتفت الى وضع روسيا ولم يثره وسمها بالإمبريالية قبل تدخلها في سوريا وكذلك غزوها ل اوكرانيا بل كل المنظور السياسي لدي هذا اليسار او خطاب الممانعة والمقاومة يفهم ان الإمبرياليات العالمية ويساويها بالاستعمار وهذا موقف هزيل في فهم الامبريالية ولهذا ينحكم هذا اليسار لمنظور (وطني) بعيداً عن كل منظور طبقي؟! وحتي من هذا المنظور لم يرى هذا اليسار ان تعزز (الميل القومي في فترة بوتين) فرض الاندفاع للسيطرة من اجل مصالح الطغم التي حكمت وكانت ولا زالت طغم رأسمالية وطابعها مالي وهي استفادت من الازمة المالية التي حدثت سنة ٢٠٠٨ في الولايات المتحدة ودول اخرى وبدأت تتطلع روسيا الي الخارج وكما فعلت في سوريا تفعل الان في اوكرانيا اي كل ما تقوم به الان هو حرب امبريالية ضد الشعب السوري وضد الشعب الاوكراني بالتالي كان دورها السوري والاوكراني هو التمثيل الفعلي لطابعها الامبريالي فهي قد ضمت من قبل ابخازيا واوستينيا. الجنوبية والقرم، وهذه كلها سياسات امبريالية بالمعني الاحتلالي وهي علاقة تناظر القمع والاستغلال من قبل القوي للضعيف.
لقد تشكلت في مرحلة بوتين الرأسمالية الاحتكارات(قومياً) والتي باتت تتخذ شكل الرأسمالي المالي (اي احتكارات الصناعة والبنوك) ليصل الى الاثار التي يفرضها هذا التشكل من حيث تصدير السلع والرأسمال ، وتقاسم العالم ، اي ان تصدير الرأسمال وتقاسم العالم هنا نتاج التشكل الاحتكاري للرأسمالية ومن هذا المنطلق يتم تحديد كون الرأسمالية الروسية باتت امبريالية اي ان الامبريالية هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار ، فهذا التكوين هو الذي يعطي الامبريالية سمات (تنافس عدد من الدول الكبري في النزوع الي السيطرة والهيمنة والتدخل العسكري . وليس كما ترى بعض النخب المثقفة اليسارية ان تضمن تصدير راس المال في مسيرته هو وجود الاستعمار كمرحلة تقدم للسيطرة الرأسمالية على العالم او اتخاذ الاستعمار شكلاً جديداً بالاقتصاد والتبادل المتكافئ. وهذا الحديث يظهر لتبرير تحديد ان (الاستعمار يشكل الارضية التي تقام عليها الامبريالية بينما الصحيح ان الاحتكار هو (الارضية التي تقام عليها الامبريالية ذلك ان الاحتكار هو أعمق اساس اقتصادي للإمبريالية) وبالتالي ليكون تشكل الاحتكارات هو الذي فرض هذا الشكل من تقاسم العالم بين الاحتكارات والصراع من اجل تقاسم العالم بين الدول الامبريالية، لذلك لفهم طبيعة الصراعات العالمية يجب فهم طابع الدولة وهنا روسيا وذلك بدراسة تكوينها الاقتصادي الداخلي. حيث ينطلق هذا اليسار الستاليني من نفي كون روسيا امبريالية عبر اطروحة إذا اتفقنا بأن الاستعمار يشكل الارضية التي تقام عليها الامبريالية، فهو شرط لا ينطبق على روسيا ولا سيما ان الدول المحيطة بها ومن ضمنها اوكرانيا والتي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق وهي يجب ان تكون ضمن الاتحاد الروسي، وليست مستعمرات ولا احتلال لها؟! كما ان روسيا هو المعتدى عليها من قبل حلف الناتو وبالتالي فان روسيا لا تقاسم ولا تقاتل الإمبرياليات الاخرى الغربية وخصوصاً امريكا على اقتسام العالم طالما هي لا تستعمر دول او امماً اخرى؟! النص يحكم على روسيا بانها ليست امبريالية كونها (لا تستعمر امماً اخرى) ويستثني ذلك دول الاتحاد السوفيتي السابق، بالضبط لأنها (تستعمر) هناك كما في ابخازيا واوستينيا الجنوبية والقرم والان أوكرانيا عبر تدخلها العسكري واحتلالها مدن مهمة وضمها اليها ووضع رجالاتها على كامل المؤسسات في تلك المدن من مثل ماريوبل. الخ. ولكن هذه المرة ليس كما فعلت روسيا الامبريالية في احتلالها ل سوريا، كما كانت تنظر النخب اليسارية المثقفة باستعانة دوله اي سوريا بحليف؟! انه ليس استعماراً، بالتالي روسيا ليست امبريالية هذه المرة تبرر روسيا لاحتلالها ل أوكرانيا. بانها ستحرر الاوكرانييون من حكم النازية الجديد؟!
لابد من التحليل الملموس لوضع روسيا اليوم والراهن انطلاقاً من الجدل المادي الذي يفرض تحليل التكوين الاقتصادي والايديولوجية التي يفرضها كما ذكر وزير الخارجية لافروف من ان هتلر اصوله يهودية مع ربطها ب بالرئيس زلينسكي. بأنه اصوله يهودي كما ذكر الساسة الروس في وقت سابق بأصول لينين اليهودية. وبأن هتلر كان نازي وكذلك ينطبق على الرئيس زلينسكي بأنه نازي؟! وهنا تستخدم الدعاية الروسية الطابع الأيدلوجي وكذلك الديني في تمويه غزوها ل اوكرانيا والسياسيات التي يدفع اليها لكي يخفي الطابع الامبريالي الروسي من وراء عملية الغزو بالضبط نتيجة التكوين الاقتصادي الذي تشكل خلال عقدين بعد انهيار الاشتراكية، والذي فرض تحكم الاحتكارات والمافيا بالدولة الروسية التي بات بوتين هو المعبر عنها مما ولد لديه هوس القوة وهنا دخل في المأزق وادخل معه الاليغارشية. واحتكاراتها ومافياتها في ازمه الامر الذي سوف يدفعها الي هوس القوة ، والسعي للسيطرة والاحتلال، والذي مهد لذلك هو تراخي الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية ازاء ضم شبه جزيرة القرم عام ٠١٤ ، ولو لا ارخاء الحبل لبوتين في سوريا وليبيا وغيرها لكان من الصعب ان يتجرأ بوتن على غزو اوكرانيا ، بالرغم من الطابع الامبريالي الذي يوسم الرأسمالية الروسية، وكذلك ان صفقة الكيمياوي (الاسلحة الكيميائية التي استخدمت في سوريا) بين بوتين وباراك اوباما وكيري ولافروف هي الجريمة التي وضعت حجر الاساس ومهدت لغزو اوكرانيا
الامبريالية هي تكوين داخلي أولاً يقوم على سيادة الاحتكارات، هكذا بالضبط، وهذا التكوين يدفع بالضرورة الي التمدد الخارجي، حيث الحاجة الي الاسواق والمواد الاولية والسيطرة على المناطق الاستراتيجية في إطار صراع عالمي بين الامبرياليات هذه ضرورة من اجل تطور الاقتصاد المحلي وتوسع الاحتكارات وهو ما لا يتم سوى عبر نهب الشعوب. هنا لا تفيد الايديولوجيا التي يستخدمها لافروف ولا استغلال البعد الديني اليهودي ولا تاريخ النازية ولا الجغرافيا ان هذه الدول كانت جزء من الاتحاد السوفيتي ، لان حاجة الاحتكارات لمراكمة الرأسمال تفرض التوسع وهو بالنسبة لها اهم من كل النضالات الاجتماعية والفكرية والوجدانية والاخلاقية التي تدعيها روسيا لتبرير غزوها ل اوكرانيا بانها ستحرر الشعب الاوكراني من النازية الجديدة وانها اي روسيا ضد الظلم والعبودية الطبقية والعرقية والدينية ، فالربح هو (القيمة العليا) الأخلاقية والوجدانية والفكرية لهذه الاحتكارات لقد تشكل النظام الجديد في روسيا بعد انهيار الاشتراكية من مافيات نهبت (الملكية) التي كان مفترضاً انها للشعب، واحتكرتها. وسرقت اموال الشعب لكي تؤسس احتكاراتها، ولا تزال تمارس النهب والسرقة. اذن قام النظام الجديد (الصاعد البازغ اللقب الجديد) في روسيا على النهب أصلاً لكي يتشكل رأسماليا، ويتبلور كإمبريالية.
هنا توصلنا الى ان ما يسمي النظام الجديد في روسيا تشكل رأسماليا ويتبلور إمبرياليا. في هذه الوضعية يصبح دورها الخارجي هو دور من اجل السيطرة وفرض الهيمنة والضم وكما نرى الان الاحتلال. هذا ما تم لمسه في سياستها ضد جورجيا وحالياً ضد اوكرانيا وقبل ذلك سوريا وما ظهر للعيان من تطوير دورها العسكري والتهديد النووي عبر وضع صواريخها النووية في حالة استنفار وكذلك التهديد بحرب عالمية ثالثة؟! وغير ذلك. هل إذا أتي ذلك كمواجهة للإمبريالية الامريكية يعني ان روسيا على حق؟ اليسار الممانع وكذلك محور الممانعة والمقاومة يعتبر ان امريكا هي المعتدية بشكل مطلق، وان روسيا تقف في وجهها، ليصل هذا اليسار الممانع الي انه لا يجوز المساواة بين روسيا وامريكا، رغم تراكم ومركزة وتركيز الرأسمال في روسيا وامريكا. ما يتجاهله هذا اليسار الممانع هنا هو انه لاي اسباب تقوم روسيا بمواجهة امريكا؟ هل من اجل الدفاع (ضد الظلم) ولمصلحة الامم والشعوب؟ اليسار الممانع يميل الي ذلك، او ان كل تحليله، وسرده التاريخي قائم لتبرير ذلك. لهذا يكون الغزو الروسي ل اوكرانيا وقبله ل سوريا تحت حجة منع سقوط النظام السوري وحالياً في اوكرانيا لاجتثاث النازية الجديدة المدعومة من امريكا هو (مواجهة) لأمريكا ومن يحاول ان يعري تلك السياسية يصبح يقف مع امريكا ضد روسيا ولا يعتقد هذا اليسار الممانع بأن ذلك هو عودة لصراع الإمبرياليات من اجل تقاسم العالم مِن جديد بعد ان باتت كل من روسيا والصين امبرياليتان. وباتت امريكا في تراجع ومجمل النظام الرأسمالي يعيش ازمة مستعصية وهذا ما بات يوضحه الروس أنفسهم. ككل اليسار الممانع الذي شيطن امريكا (اي خرج عن التحليل العلمي لبنيتها وطابعها وازماتها) فإن هذا اليسار الممانع يجد كل من (تصارع) معها (ثورياً) بالتحديد وتقدمياً وبالتالي وفق عكس ميكانيكي يجري توصيف كل مختلف معها بكل الصفات، وهو عكس ميكانيكي لأنه ينطلق من موقف (نظري) ويقوم على فهم صوري، يقسم العالم الي خير مطلق وشر مطلق، لهذا ان امريكا هي الشر المطلق، وبالتالي ستكون روسيا حتماً هي الخير المطلق، ما دامت تتصارع معها. ولو حاولنا الانطلاق من هذا المنطلق لدراسة الحرب الاولي والثانية العالمية، سنكون في الحالين مع المانيا لأنها كانت ضد الامبريالية المستعمرة انجلترا، ستكون المانيا محور الخير؟! هذا اليسار الممانع لا يعرف بأن كل ظاهرة تشتمل على تناقضات متعددة بعضها من (اليمين) وبعضها من اليسار، اي بعضها رجعي وبعضها تقدمي. وهذا وذاك ليس واحداً، بل هما متناقضان بالضرورة فليس كل من يتناقض مع اسرائيل ثوري وتقدمي، كذلك اليمين الاوربي المتطرف يقف الآن ضد (الامبريالية) لكنه رجعي ومعاد لتقدم الشعوب (وهو يدعم روسيا) هنا ليس كل تناقض مع (عدو) يصب في مصلحة الشعوب ومنها العربية، فالرأسماليات. طالما تناقضت ، لكنها تناقضت حول السيطرة على الشعوب ونهبها ، والان ضمن اطار غزو روسيا ل اوكرانيا يعود التناقض بين رأسماليات من اجل السيطرة والنهب ، ولهذا لا يجب ان نعد ان من يواجه امريكا الامبريالية ات من اجل انقاذنا من الامبريالية ، بل هو من اجل النهب ومن يعود الي الاتفاقيات التي وقعت بين النظام السوري وروسيا في ٢٠١٢ سوف يلمس كيف تحل روسيا محل امريكا التي كانت تسيطر على حقول النفط ، وتركيا التي حصلت على مشاريع هائلة من نظام الاسد ، اي كيف تصبح روسيا هي الناهب للاقتصاد السوري وكيف سوف تصبح الناهب للاقتصاد الاوكراني سواء للمناطق التي احتلتها وتحاول ان تضمها او التي تريد ان تحتلها وستفرض هنا أيضاً اتفاقات امبريالية بامتياز .
امريكا وروسيا والصراع الامبريالي على اوكرانيا لقد استحوذ غزو روسيا ل اوكرانيا على اهتمام كبير من منظور انه يشير الي عودة الحرب الباردة او الي حرب عالمية ثالثة؟ وعودة انقسام العالم الي قطبين. وخصوصا وان روسيا بعد ان ضمت القرم تحتل الان شرق اوكرانيا وبالتالي تعمل على تفكيك اوكرانيا للسيطرة على شرقه. واندفعت امريكا لفرض عقوبات قاسية ومدمرة للاقتصاد الروسي. وإذا كانت روسيا تظهر وحيدة في الصراع بالرغم من وقوف الامبريالية الصينية الي حد ما خلفها، فأن امريكا في تألف وتحالف مع اوروبا واليابان لدعم مقاومة الشعب الاوكراني لغزو روسيا لها. هل هي بالتالي عودة للحرب الباردة او لبداية حرب عالمية ثالثة؟ ام هو صراع على النفوذ في سبيل تقاسم العالم وفق ميزان القوي الجديدة الامبريالية؟ لا بد من الاشارة ان روسيا تمارس سياسة القضم والضم والتفكيك والاحتلال من اجل السيطرة في اوكرانيا ، فقد ضمت القرم وها هي تغزو شرق اوكرانيا وتحاول ان توجد جمهوريات مستقلة عبر الاستفتاء ملحقة بالاتحاد الروسي لكي توسع روسيا من وجودها البحري في العالم من البحر المتوسط حيث لها قاعدة في بحرية (صغيرة) في طرطوس السورية وتطرح اقامة قاعدة اخرى في قبرص وثالثة في مصر ورابعة في السودان وصولاً الي فيتنام وحتي تايلاند ، الي امريكا اللاتينية (فنزويلا) وفي هذه الوضعية تصبح اهمية شرق اوكرانيا المستعمره ذا اهمية مهمة فهي المركز لكل هذا النشاط البحري . كما ان اوكرانيا مهمة للإمبريالية الروسية لأنها طريق الوصول الي اوروبا وضمن ذلك تأتي اهمية انابيب الغاز الضرورية للاقتصاد الروسي ولكن اهمية انابيب الغاز ايضاً ل اوروبا وهي جزء تاريخي لا يمكن الاستغناء عنه لتطور روسيا ذاته. وما يساعد على ذلك وجود جالية روسية كبيرة، اضافة الي ميل الشرق لروسيا عكس الغرب الذي يميل للارتباط بأوروبا وهذا ما طرح سيناريو تفكيك اوكرانيا الي شرق تابع لروسيا وغرب تابع ل اوروبا
روسيا بالتالي تفرض مصالحها واستعمارها بالقوة على اوكرانيا ، وتعمل على اجهاض تطلعات الشعب الاوكراني الذي غالبيته يرى بأن مستقبله مرتبط بالعلاقة مع الغرب اوروبا ، رغم ان هذا هو طموح سيبدو وهماً لان اوروبا لا تفعل هي الأخرى سوى النهب كما مارست في اوروبا الشرقية التي لم يصبح وضعها افضل بعد الانضمام الي الاتحاد الاوربي او الشراكة مع اوروبا ولم يتم وضع خطة مارشال لتحديث الاقتصاد في تلك الدول كما فعلت اوروبا وامريكا مع النمور الاسيوية حيث كان هناك في تلك الفترة صراع وحرب باردة في تلك المنطقة مع الاتحاد السوفيتي. لكن ليس من خيار لدي اوكرانيا سوي تجريب هذا الوهم، لان الشعب لم يتوصل الي خيار بديل ككل شعوب اوروبا الشرقية.
المشكلة الأسوأ بعد غزو روسيا ل اوكرانيا ، هي ان مصالح الشعب الاوكراني ستخضع للتقاسم العالمي الذي يجري الان بين الإمبرياليات ، والذي شجع روسيا على الاقدام على غزو اوكرانيا ان الوضع العالمي ما قبل غزو روسيا ل اوكرانيا شجع روسيا على التمادي والسعي لفرض شروطها وما سمته بالمهمات العسكرية الخاصة تحت شعار تجريد اوكرانيا من السلاح وضرب للبنية التحتية سواء العسكرية او المدنية واجتثاث النازية وكان في اعتقادها ان فرض شروطها ومنها الاستسلام لها ستقبل في الاخير ، معتمدة على التناقضات بين اوروبا وامريكا وارتباط مصالح دول بعينها ب روسيا ففي اوروبا نجد المانيا كانت تقيم علاقة متينه مع روسيا وهي معنية باستمرار هذه العلاقة التي تخدم مصالح شركاتها واعتمادها على النفط والغاز الروسي ٤٠ بالمئة ، والمانيا هي المركز المؤثر في اوروبا وكذلك الموقف الفرنسي الذي قام ب رحلات مكوكية بين فرنسا وروسيا تحاول ان تحقق شيء اخر نتيجة مصالحها في اوكرانيا واعتمدت روسيا انه لا امريكا ولا فرنسا تقدر ان تؤثر في الموقف الالماني لكن طريق المفاوضات سواء بين روسيا او الدول الاوربية او مع اوكرانيا قد اقفل تحت حجة ان روسيا الى الان لم تحقق الهدف النهائي من غزوها ل اوكرانيا وكذلك قبل غزو روسيا ل اوكرانيا ورغم حماس امريكا ل (فرض عقوبات اقتصادية) على روسيا وتهديد اوباما الفارغ فإن امريكا في تلك الفترة لم تكن في وارد تصعيد الصراع ضد روسيا على العكس فقد كانت السياسة الامريكية في ظل الوضع العالمي في تلك الفترة تريد (علاقة وثيقة مع روسيا) ولهذا سوف تعمل على التوصل الى حل مرض هو ما تريده روسيا ، اي يبقى القرم بيد روسيا وتصبح اوكرانيا فيدرالية بين شرق وغرب وتشكل حكومة تميل الي الحيادية او الي تحقيق التوازن في علاقاتها بين اوروبا وروسيا، وبالتالي تكون جسر وصل، وليس قطيعة ، ولا شك في ان هذا لا يلبي طموحات القسم الاعظم من الشعب الاوكراني ويؤسس لدولة هشة ، مسيطر عليها من كل من روسيا واوروبا ويلغي سيادتها على اراضيها ، ف الامبريالية الروسية تريد اسواقاً ، وسيطرة على مواقع استراتيجية ككل الإمبرياليات ، هذه النظرة هي التي تحكم علاقتها بأوكرانيا والان هي تلتهمها عبر غزو وحشي وهمجي لقد كانت سياسات الامبريالية الامريكية ضمن اطار الاستراتيجية الدفاعية الجديدة في٢٠١٢ التي اصدرها اوباما كانت الأولوية الى اسيا والمحيط الهادي ، نتيجة الاستنتاج بان الصين الامبريالية باتت هي الخطر الرئيسي ، مما جعل الحاجة الي روسيا امراً لا بد منه من جهة لكسر كل امكانية لتحالف روسي صيني ومن جهة ثانية لفرض الحصار حول الصين مما ارخى اليد الامريكية لروسيا في مناطق عديده سوريه كانت المكان الاول الذي قررت امريكا ان تدعم السيطرة الروسية عليها وربما تقبل بتوسعها في الشرق الاوسط الغير نفطي ( اي دول الخليج العربي ) مما اوحى لروسيا ان امريكا ليست في وضع الهجوم ، بل في وضع التراجع . وهذا ما فتح شهية روسيا بوتين لغزو اوكرانيا.
الامبريالية الروسية وهوس القوة والتوسع. تبدو روسيا متوترة الان في تعاملها العالمي ، وتميل الي التهديد بالسلاح النووي واستعراض اخر صاروخ نووي ذو التكنولوجيا العالية الدقة والسرعة ليقدم في استعراضها العسكري في ٩ من ايار تحاول اظهار قدرات طائراتها وصواريخها لكي تخيف الاخر لكن من ثم لتوسيع سوق السلاح لإقناع زبائن جدد بالركض لشراء هذا السلاح الفتاك حيث تميل الى استخدام القوة لفرض مصالحا وتوسعها واحتلالها واستعمارها ، وهي بذلك تدفع الامور نحو التصعيد في وضع عالمي للتو خارج من جائحة كورونا وارتدادات هذه الجائحة على الاقتصاد العالمي كل هذا يمكن ان يقود الى حرب كما هي الان في احتلال اوكرانيا فهي تشتبك مع اروبا اولا وامريكا ثانياً بتدخلها العسكري المتوحش الهمجي ، وهي لا تريد ان تتراجع عن هذه الحرب الوحشية بل زادت من تواجدها العسكري في اوكرانيا كما فعلت في سوريا حيث وسعت القاعدة البحرية في طرطوس واقامت قاعدة جويه في اللاذقية حيث ارسلت صواريخ اس ٤٠٠ المضادة للطائرات والتي تطال سوريا كلها وكذلك فعلت مع تركيا عبر صفقة صواريخ اس ٤٠٠ واطراف البحر المتوسط كما سيطرت على قاعدة الضبعة ، ثم مطار الشعيرات ، وكما تفعل في ليبيا ومالي عبر شركتها العسكرية الفاغنر. كانت روسيا بوتين تعمل في المرحلة الاولى على السيطرة على محيطها السابق (اي بلدان الاتحاد السوفيتي السابق) لهذا تدخلت في ابخازيا واستونيا الجنوبية، وقمعت بعنف تمرد الشيشان. وكان واضحاً ميلها العنيف في الحسم، دون اعتبار لأية قيمة انسانية. وها هي الان تستخدم المجموعات الشيشانية المسلحة العنيفة في حرب المدن الاوكرانية والمشهورة بتوحشها. وتتبع سياسة الحرب المحروقة في المدن التي احتلتها ماريوبل. وخرسون. الخ من مدن تعيد ذاكرة اوروبا لما كانت تفعله النازية حين تحتل أحد البلدان الاوربية لا شك انها تتصرف بعنجهية ولكن بتوتر كذلك ان سياق السياسة الروسية يوضح الميل والنزعة العميقة من اجل تعزيز قدرات الجيش الروسي بشكل كبير، والدفع نحو توسع الوجود العسكري في العالم كما تفعل الان في أوكرانيا. هذا السلوك وهذه الوحشية والهمجية، وهوس القوة التي تحكم روسيا هي نتاج أزمتها فما هي ازمة روسيا؟ هذا ما يجب فهمه لأنه جذر كل ما نشاهده بالصوت والصورة الحية في اوكرانيا من ممارسة عنجهية ووحشية. ظهر ذلك لدى المانيا، حين تطورت صناعياً متأخرة عن الدول الاوربية الأخرى، فوجدت انه قد جرى تقاسم العالم ولم يبق ما تحتله. لهذا اندفعت نحو التسلح وشكلت تحالفاً عالمياً خاض الحرب العالمية الاولي، وهو ما حدث معها ايضاً بعد ان خرجت مهزومة، ومذلة، من هذه الحرب، حيث فرض ذلك سيطرة هتلر على الحكم، وحشد الشعب لحرب جديدة، لقد ادت الازمة التي تعيشها البورجوازية الالمانية الي قبول ميل نازي كان يمثله (الحزب الاشتراكي الالماني) حزب هتلر، الذي سيطر على الحكم بالانتخاب، واسس اقتصاداً دوليا.، لعبت الدولة دوراً محورياً فيه. وقادته عنجهية القوة الي خوض حرب ضد (العالم كله) اي ضد الدول الرأسمالية، والاتحاد السوفيتي، عنجهية وتوحش كانت تشي بالضعف الداخلي قادت الي ذلك، لهذا هزم.
ان سلوك الامبريالية الروسية الوحشي والهمجي والعنجهي. وهوس القوة كما ذكرنا هو نتاج أزمتها وكان سبب هذه الازمة هي ان تطور روسيا صناعياً جاء متأخرا عن الدول الاوربية وشبهنا روسيا بألمانيا عندما وجدت بأنه قد جرى تقاسم العالم ولم يبقى شيء لتحتله. روسيا تعاني من وضع مشابه، رغم اختلاف الظروف وحيث انتهي الاستعمار المباشر، ولكن بات العالم مسيطراً عليه عبر التنافس واحتكار الاسواق من قبل الرأسمالية القديمة (امريكا اوروبا اليابان) ومن قبل الصين واصبحت تبعية الطبقة المسيطرة في الدول الطرفية هي الاساس في تحقيق السيطرة على الاسواق. مدعوماً ذلك كله بقوة امريكا ال (خارقة) اي المتفوقة بشكل كبير. لقد صيغت الاطراف بشكل تبعي منذ انهيار (نظم التحرر الوطني) لتكمل ما كانت تسيطر عليه الدول الامبريالية القديمة. ولتبسط سيطرتها على مناطق واسعة في الجنوب وتعزز ذلك بانهيار النظم الاشتراكية والسيطرة على بلدان اوروبا الشرقية، وجرت محاولة السيطرة على روسيا ذاتها. وعملت الامبريالية الامريكية على فرض هيمنة القطب الواحد بفعل تفوقها العسكري المطلق، وبالتالي باتت معنية بالسيطرة على اسواق العالم. هذا الامر كان يعني منع توسع روسيا، وافشالها في التنافس العالمي، هذا الامر بالتحديد كان يدفع روسيا الي (التوتر) حيث باتت تشعر رأسماليتها، والدولة الروسية عموماً، بما كانت تسميه (بالحصار الامبريالي) في وضع تحتاج فيه الي التوسع واكتساب (مناطق نفوذ) واسواق لتصدير اسلحتها التي باتت تنافس الاسلحة الامريكية وكذلك تبحث عن اسواق تقبل سلعها، التي لا تستطيع المنافسة دون منافس، وذلك لا يتحقق الا عبر السيطرة المباشرة واحتكار الاسواق. وتبلور هذا الشعور بالحصار بعد العقوبات الامريكية الاوربية عليها بعد ضم القرم، حيث زادت العقوبات من ازمة اقتصادها، بعد وقف تصدير الغاز الي أوربا في تلك الفترة، وفرض عقوبات على بنوك وشركات وشخصيات مقربة من بوتن ومن ثم لحقها انهيار سعر النفط بشكل كبير. هذه العقوبات في تلك الفترة جعلت الهوس الروسي بالحصار (حقيقة) واقعة، وفعلاً عملياً. هذا الوضع كان يفرض التوتر والميل (الفاشي) والعنف من اجل السيطرة لدى الامبريالية الروسية، ان شعور الرأسمالية الروسية، والدولة الرأسمالية الروسية بالحصار يفرض ذلك كله ويفرض أكثر من ذلك كما هي الحرب والغزو الذي تشنه على اوكرانيا (وليس بسبب ان اوكرانيا ستصبح نووية مهددة لروسيا كما تبرر له روسيا). المشكلة التي تعيشها روسيا كذلك تتمثل في ان سلعها ليست منافسة في الاسواق العالمية، بعكس وضع الصين. وفيما عدا السلاح ليس لديها ما ينافس السلع الرأسمالية، حتى في داخل روسيا. وهذه ازمة اخرى تعيشها روسيا، وتدفعها الي ان تميل الي السيطرة المباشرة من اجل فرض سلعها بالقوة! فهي ترى انه وان اوجدت نظماً (متحالفة) معها، لا تجد ان ذلك يكفي لكي تنافس في الاسواق، لهذا تميل الى السيطرة العسكرية المباشرة ومحاولة احتكار اسواق بالقوة، بعكس الصين التي تنافس بقوة (خارقة) نتيجة رخص سلعها. هذا الامر يدفع روسيا الامبريالية الى ان تميل الى القوة، لكي تضمن السيطرة المباشرة، وتفرض سلعها بقوة سيطرتها كما تفعل في لوهانسك ودينسك. الاوكرانيتين حيث تفرض حتى عملتها الروبل بالقوة على المناطق التي تحتلها. ولان النفط والغاز هو مصدر دخلها الاساسي نجدها تندفع لكي تحتكر السوق العالمي، من خلال السيطرة على المناطق التي يمكن ان تكون مصدر تصدير الغاز خصوصاً، وكما هو الحادث الان حيث تكون اوروبا مضطرة لاستيراد الغاز والنفط الروسي، واحتلال روسيا لسوريا مفصلياً هنا ايضاً لأنها الطريق لتصدير الغاز الخليجي القطري ، الي اوروبا. وحتى تصدير الغاز الايراني حليفها الراهن. وهذا ما كان قد جرى الاتفاق عليه بين كلً من قطر وإيران وسورية سنة ٢٠١٠ حيث تقرر حينها مد خط انابيب الغاز من قطر وإيران الى الساحل السوري لتصديرها الى أوربا.
ان روسيا الامبريالية باتت تعاني وتعيش ازمة كبيرة لأنها باتت امبريالية تريد الاسواق كما ذكرنا في لحظة اكتمال سيطرة الامبريالية القديمة على السوق العالمي. لقد حاولت الحفاظ على (حصتها) في العراق ما قبل غزو العراق للكويت لكن امريكا بعد ان غزت العراق الكويت وتدخلت بقرار من دول مجلس التعاون لطرد العراق من الكويت خسرت روسيا (حصتها)، وحاولت روسيا الحفاظ على حصتها في ليبيا، فجرى اللعب عليها لتخسرها. وهي تري ان الإمبرياليات القديمة (تأمرت) عليها في اوكرانيا اثناء الثورة البرتقالية فأطاحت بحليفها الوثيق هناك. وهي تمنعها من بيع السلاح عبر تهديد مثل ما حصل مع تركيا والمنظومة الدفاعية اس ٣٠٠. او اغراء الدول التي تحاول ذلك. وبالتالي باتت تنطلق روسيا الامبريالية من ان (الغرب) يتأمر عليها ويريد تدميرها وهو ما ركزت عليه في دعايتها وخطابها الأيدلوجي لغزوها ل اوكرانيا، وبالتالي باتت تنطلق من ان (الغرب) يتأمر عليها، ويريد حصارها وتدميرها. هوس المؤامرة هو الذي يحدد السياسية الروسية الان، وهو يدفعها للتورط في صراعات من مثل الحرب على اوكرانيا ليس من امل في كسبها. وهذا السيناريو سوف يورطها أكثر ويستنزفها. ويجعلها تغوص في المستنقع الاوكراني في نفس الوقت تلعب العقوبات الاقتصادية دورا في انهيار الاقتصاد الروسي الذي تم تحقيقه في الفترة السابقة وبالتالي يمكن ان يدفها الي حافة الهاوية. هنا تغامر روسيا كما غامرت المانيا هتلر عندما توهمت واستغلت روسيا الانسحاب الامريكي من ( الشرق الاوسط ) وكذلك من افغانستان وسحب بعض من المنظومة الدفاعية صواريخ باتريوت من دول مجلس التعاون ورات روسيا في مثل هكذا سياسات سوف يؤدي الي عدم ميل امريكا للتدخل العسكري الكثيف ولا حتي دعم اي دولة عسكرياً ستحاول روسيا ان تشن حرب عليها مثل اوكرانيا وانها سوف تتدخل في حديقتها الخلفية الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي سواء الاحتكاك معها او حصارها او غزوها لكي لا تتفاقم الحرب الي حرب عالمية ولكن من يضمن ذلك ؟ هذا مالم يكن في الحسبان ف دول مثل بولندا وبلغاريا وغيرها جزء من الحلف الاطلسي. وبالتالي فأي صدام معها يدفع الي صدام حتمي مع دول الحلف اي ليس مع اوروبا بل مع الامبريالية الامريكية. وهذا سوف يعمق وضع روسيا المتأزم وحاجتها العميقة للتوسع فأزمة روسيا الامبريالية عميقة، وليس من (تفوق) لديها سوى السلاح، ولهذا نجدها تعلن وتستخدم اسلحتها (الاكثر تفوقاً)، وتندفع نحو استخدام جيشها البري والبحري والجوي وتقوم باستعراض عسكري هذه المرة على الارض عبر إطلاق الصواريخ الفتاكة من غواصاتها من البحر. ليبدو ان ليس لديها سوى (العضلات)، وهذا ما يغرقها في هوس القوة ويغريها بأن توسع هذه الحرب الى ابعد من اوكرانيا، ويقود بالتالي الي تصاعد الاحتكاك مع الإمبرياليات الأخرى. إذا كانت روسيا يلتسن قد سلمت امرها ل(الغرب)، فانخرطت بلا تردد في النظام الاقتصادي العالمي الرأسمالي الذي حاول ابتلاعها، وباتت جزء من النظام المالي الدولي، فقد اخذ فلاديمير بوتن طريقاً ينطلق من تاريخ روسيا ومن تطورها الذي تحقق في المرحلة الاشتراكية اي التطور الصناعي واعتماداً على احتياطها من النفط والغاز من اجل ان تصبح روسيا هي (زعيمة العالم) بعد شعورها بضعف امريكا وتراجعها العالمي (هذا هو الوهم) وهذا كان في جوهر اول خطاب القاه بوتن بعد غزوه ل اوكرانيا. انه كممثل لبيروقراطية دولة عريقة، ولصناعة السلاح وكذلك للطقم. المالية التي نهبت الاقتصاد السوفيتي، يتقدم من اجل ذلك. ولا شك ان نزقه وهمجيته وعنجهية واستبداده هما التلخيص لازمة روسيا، التي لم تعد اشتراكية ولكنها بعد ان باتت رأسمالية ظهر انها عاجزة عن تحقيق (امبرياليتها) نتيجة هيمنة الامبريالية القديمة على الاسواق، وتشكيل بني طرفية لا خيار لديها سوي التبعية للإمبرياليات القديمة ولعدم قدرة روسيا على المنافسة في سوق مفتوح.
إذاً الخلاصة عند صانع السياسة في روسيا لكي تخرج البورجوازية الروسية من مأزقها الاقتصادي، ولكي تنافس (على القمة) وهو ما جعلها (الخطر المحتمل) كما هي الاحداث الان على الامبريالية الامريكية. بالتالي فلكي تخرج البورجوازية الروسية من مأزقها الاقتصادي، ولكي تتطور روسيا اقتصادياً، يجب ان تكون مهيمنة عالمياً، محتكرة للأسواق او فارضة ذلك كما نرى الان عبر قوتها العسكرية. هذا الامر كان وراء زيادة التسلح وتضخيم الجيش وترسانته العسكرية الحديثة، واستعراض القوة عبر قدرتها على تدمير المدن والبنية التحتية في اوكرانيا وقبلها سوريا. لقد اصبحت ميزانية الدولة الروسية تخضع لاحتياجات. الجيش، وبات التطور العسكري يحظى باهتمام جنرالاته والحلقة الضيقة حول بوتين، وايضاً التقدم نحو السيطرة خارج الاتحاد الروسي والحديقة الخلفية لما كان يسمي الاتحاد السوفيتي السابق وهي الخطوة الاولى التي باتت تشغل ذهنية بوتن في مجال يسعي من اجل السيطرة حتى وان تحقق ذلك في احتلال كل اوكرانيا وما خلف حدودها، وذلك كله يدفع نحو تأزم الوضع العالمي، وربما الاندفاع نحو صدام دولي. إذاً روسيا مريضة وعلاجها يعتمد على تغيير النظام ككل، فليس من الممكن ان تشفى دون (تجاوز رأسماليتها المافياوية، لان ذلك وحده هو الذي يمنع اندفاعها الهوسى للسيطرة والاحتلال، وبالتالي الصدام مع الإمبرياليات القديمة، بينما (تجاوز الرأسمالية)؟ يفتح على صراع عالمي مختلف، في وضع تعاني الرأسمالية فيه من (ازمة) على ضوء سيطرة النشاط المالي وهيمنة الطغم المالية فيها وهذا ما نعني به الامبريالية في مرحلتها المالية ك طور في نمط الانتاج الرأسمالي الراهن لكي تنخرط روسيا في موجة الاحتجاجات والصدامات ضد العولمة وضد الرأسمالية المتوحشة بدل ان تصارع روسيا الطغم المالية من اجل السيطرة والاحتلال؟ ولكن هذا من قبيل الخيال او التمني لدي اليسار الممانع في مثل هكذا تصرف يظهر الطابع الامبريالي بشكل واضح، ويبين ان روسيا بدأت الهجوم والحرب من اجل الحصول على امتيازات وتحقيق مصالحها، ككل قوة امبريالية تحاول السيطرة بعد ان تتشكل داخلياً، وهذا في الماضي ما كان يثير الحروب، كما حدث مع المانيا وايطاليا واليابان الدول التي خاضت حربين عالميتين من اجل السيطرة على الاسواق. هل هذا السيناريو هو الذي يتكرر الان؟ او يحدث الان؟ لا شك ان الوضع مختلف فالحروب العالمية الراهنة في ظل التوازنات العالمية تكاد تكون مستحيلة، وكما نشاهد عبر خريطة العالم وبالذات في العالم العربي ان هناك حرب او حروب (بالوكالة) اي ان تقوم روسيا بدعم قوى على الارض تقاتل النظام كما تفعل الان في اوكرانيا حيث أعلن بوتن في موسكو عن الاعتراف بالجمهوريتين الدنباسك ولوهانسك. الانفصاليتين في بداية الحرب ومن ثم انطلق لاحتلال مدن مثل ماريوبل. وخرسون. الخ اي دخل في حرب مباشرة وليس فقط عبر الحرب بالوكالة، وكذلك تفعل امريكا والدول الاوربية حيث تدعم حرب بالوكالة والتي لا تريد سيطرة روسية على كامل تراب اوكرانيا وهي تقدم اسلحة متطورة وحديثة (سلاح أكثر تطوراً) من الاسلحة السوفيتية القديمة ل اوكرانيا وفرض أقصى العقوبات على روسيا لكي تشل الاقتصاد الداعم للألة العسكرية بعكس ما حدث في سوريا حيث أطلقت يد العنان للروس فيها، في كل الاحوال تغرق الان روسيا في حرب صعبة لأنها في اوروبا وليست في الشرق الاوسط؟ المنظور (الكلاسيكي) الذي يحكم اليسار الممانع ومحور المقاومة والممانعة يظهر وكأننا لا نزال نعيش الحرب الباردة والكثير من اليسار الممانع يتمني ان ترجع هذه الحرب الباردة؟! وحتى لا يقرأ المرحلة الراهنة التي بدأت أثر انفجار الازمة المالية سنة ٢٠٠٨ اي أثر على تحليل الوضع الدولي والصراعات الراهنة العالمية وتلمس التغيرات التي تحصل فيه ولهذا لا يزال هذا اليسار الممانع يعيش في تاريخ الحرب الباردة، حيث لازال ينقسم العالم الي المنظومة الامبريالية، وعلى راسها امريكا والمنظومة الاشتراكية وعلى راسها الاتحاد السوفيتي، الامر الذي يظهر واضحاً في كل ما يصدر من تحليلات ورؤى ومواقف؟! روسيا اليوم باتت تتصرف كقوة امبريالية تريد حصتها في التقاسم العالمي الجديد. وهي تعرف ازمة امريكا ومشكلاتها، لهذا فأن توسعها في الشرق الاوسط وافريقيا والان في حربها على دولة ذات سيادة اوكرانيا في اوروبا تفرض ايقاع جديد، ربما يذكر ب (الحرب الباردة)، ولكنه هذه المرة يعبر عن تنافس امبريالي. روسيا باتت تريد السيطرة، والاستحواذ على الاسواق، وتحقيق مصالح طغمها. المالية. الصراع هنا هو صراع إمبرياليات. بين رأسماليات، بين طغم مالية يريد كل منها ان يسيطر، ويستحوذ على الحصة الاكبر. روسيا هنا ليست الاتحاد السوفيتي الذي دعم (حركات التحرر) من اجل تقليص السوق الامبريالي واضعاف البلدان الامبريالية لكي (تنتصر الاشتراكية)، بل هي روسيا الامبريالية التي تريد الاسواق. وهي تحاول ان تضع نواة كما يحدث عبر ما يسمي بتشكل حلف مكون من لاتفيا واستونيا وبلاروسيا. حلف وارسو جديد؟! من اجل تشكيل محور عالمي يعمل جاهداً لمحاولة وراثة الثالوث الامبريالي القديم (امريكا واوروبا واليابان) ويصبح هو الامبريالية الجديدة؟! هذا ما يجب ان يعيه اليسار الممانع المتكهرب المغترب فكرياً واستراتيجياً عن الصراعات العالمية ويلحق به محور الممانعة والمقاومة؟ وان محاولة توسيع هذا الحلف ب الصين بالرغم من ان الصين ذاتها لا تطرح ذاتها قوة منافسة في المستوي السياسي او العسكري، لكنها تنتصر في التنافس الاقتصادي هي تستحوذ على كتلة نقدية هائلة من الدولار (٣ تريليون) وتوظف في سندات الخزينة بمبلغ معتبر (١،٥ تريليون دولار)، وسلعها تغزو العالم كله بما يجعلها (امبريالية تجارية) من الدرجة الاولي، لكنها كذلك تشتري شركات عالمية في مختلف بقاع الارض، وتوظف الرأسمال المتراكم في مختلف القارات. وباتت تتحول الى قوة عسكرية هائلة باتت معنية لإيجاد قواعد في العالم بدءاً من افريقيا (جيبوتي) وفي ذلك يظهر خطرها على امريكا ، خصوصاً انها تظهر التحالف مع روسيا سواء في مجلس الامن او في محاولة ايجاد بديل لاسواق الطاقة الروسية بعد فرض العقوبات الحادة على روسيا بعد غزوها ل اوكرانيا وكذلك محاولة مد هذا الحلف (مع البرازيل وجنوب افريقيا ، والهند وفنزويلا في امريكا اللاتينية) ، هذه الصراعات العالمية تدخل العالم في فوضى واضطراب والتحولات هي في مرحلة تبلور وتشكل ، لكن يجب ان يكون واضحاً ان امريكا لم تعد امريكا التي نعرفها وكذلك روسيا لم تعد هي الاتحاد السوفيتي الذي نعرفه ، وهذا امر مهم واساسي ، خصوصاً ان (الصورة النمطية) لها عند اليسار الممانع تتأسس على انها طرف في الحرب الباردة وقائدة (المعسكر الاشتراكي) وكذلك ل امريكا لا زالت (الصورة النمطية) لها تتأسس على انها الطرف الوحيد المسيطر بعيد انهيار الاشتراكية وانها تحبك المؤامرات ، وتتدخل في تفاصيل العالم كله . لكن منذ ازمة ٢٠٠٨ تغير الوضع وباتت امريكا تعمل على اعادة ترتيب وضعها العالمي، وهي تسعى لان تبقي قوة من القوى العالمية المهيمنة وقد دفع غزو روسيا ل اوكرانيا شحنة هائلة في قوة امريكا فهي تعيد الان تموضعها. ورسم سياساتها وتحالفاتها وتموضعها. العالمي ومركزة اهتمامها الي اوروبا والاتحاد الاوربي ولعب دور اساسي في حلف الناتو وتوسيعه ليضم دول جديدة منها فلندا والسويد بعد ان كان تمركز اهتمامها (وهو لازال) هو منطقة الباسفيك (اسيا والمحيط الهادي). ولهذا لا بد من رؤية سياساتها انطلاقاً من هذا الاساس، وليس كما يرى اليسار الممانع انها لاتزال تعيش في حرب باردة مع روسيا. هذه الصراعات لم تتبلور بعد والعالم الذي سوف تفرزه لم يتوضح بعد. وهذا يؤكد ان الرأسمالية كلها تعاني من ازمات اقتصادية بنيوية توضحت بعد غزو روسيا ل اوكرانيا وخصوصاً ما يتعلق بالطاقة والغذاء العالمي ولكن هذا لن يسمح بالسيطرة الامبريالية الروسية مهما كانت قوتها بالتالي لن نشهد وراثة امبريالية روسية اخرى بعد ان ورثت امريكا بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية بل سنشهد هزات وازمات اقتصادية تطال الدول الامبريالية وخصوصاً الامبريالية الروسية والصينية. العالم إذاً ينفتح على صراعات عالمية كبيرة.
تحولات المشهد العالمي لقد عممت فكرة الانتصار النهائي للرأسمالية كما طرحها فوكوياما وصراع الحضارات ل هنتنجتون الجانب الأيدلوجي هنا ولكن دخول الرأسماليات في ازمات صارت الحرب هي المنشط الممكن لتجاوز هذه الازمات ، كشكل من اشكال الصراع فيما بينها من اجل السيطرة على النفط والغاز والاسواق ، وبالتالي تعديل شروط التنافس عبر الاحتلال وعبر التنافس تحت الحرب بمختلف الاسلحة وهذا ما يؤشر عليه غزو روسيا ل أوكرانيا فمنذ الازمة التي تفجرت في سبتمبر ٢٠٠٨ والتي كشفت ان السيطرة على العالم وتحول العالم الي الرأسمالية لم ينهي الازمات السابقة بل عمقها حيث شهد العالم تعمقاً في الازمة في مستويات عدة منها توسع التراكم المالي وتركزه. وبالتالي تحوله الي كتلة هائلة شكلت تحولاً نوعياً في التكوين الاقتصادي الرأسمالي، لأنها باتت تنشط في قطاع غير منتج هو القطاع المالي، الذي عمم الفوضى المالية.
ورغم انفتاح الاسواق التي كانت مغلقة قبلاً، اي اسواق ما كان يسمي بالمنظومة الاشتراكية وهي اسواق هائلة الاتساع وهي التي يشهد العالم الان مسرح الاحداث الراهنة وهي الحرب الطاحنة بين الامبريالية الروسية والإمبرياليات الأخرى حيث تصبح المنافسة على هذه الاسواق أكثر حدة. هذه ظاهرة باتت تشغل بال الكثيرين وتستحق النظر، لان الوضع العالمي اظهر نشوء قوى اقتصادية جديدة باتت قادرة على المنافسة. فإذا كانت البلدان الرأسمالية العجوز وامريكا قد اعتقدت بأن انهيار الاشتراكية سوف يفتح لها اسواقاً جديدة باتساع الاتحاد السوفيتي والصين واوروبا الشرقية فقد اصبحت الصين مشكلة كبيرة على الصعد كلها، من تصدير السلع الي الاستحواذ على راس المال وروسيا باتت تتنافس على الطاقة وعلى قطاع تجارة السلاح، وإذا كانت الازمة المالية التي عصفت بالرأسماليات. وخصوصاً امريكا اضعفت من قوة وسيطرة هذه الرأسماليات فأن دخول لا عبين جدد كما روسيا والصين سوف يوجد وضعاً مختلفاً لا يسمح بالعودة الي ما كان قبل الازمة في ٢٠٠٨. هنا سنلمس بأن البلدان التي حققت التطور الصناعي والذي ورثته من الدولة الاشتراكية السابقة عليها هي التي باتت في موقع المنافسة والمزاحمة والاحتكار، ولهذا (تطورت) رأسمالية روسية تسعى الى ان تفرض روسيا كقوة عالمية مكافئة ل امريكا وهي تبحث عن التوسع والاسواق وهي تكشر عن انيابها في حربها ضد اوكرانيا وباتت تبحث عن حلف جديد يوازي حلف الناتو يدعم تفوقها وهي تقيم علاقات جملة من علاقات وتحالفات مع دول طرفية مثل إيران وفنزويلا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا. وبالتالي فروسيا بدأت تدخل المنافسة الحقيقة في السوق العالمي وان عبر حرب تشنها على اوكرانيا فهي باتت (مضطرة) الي التوسع كيما تتطور إمبرياليا. هذا الوضع يؤشر الي انزياح في وضع القوى الأقوى عالمياً، وبالتالي تبلور قوتين جديدتين امبرياليتين. هنا روسيا والصين، مع إمبرياليات تعيش ازمات.
هل تتجدد الرأسمالية عبر هذا التحول في المشهد العالمي؟ ربما توحي الصورة المرسومة بذلك او كما يرى ويريد اليسار الممانع العربي، لكن يجب ملاحظة ان امريكا مستمرة في هجومها وحربها العالمية، وهي مصممة على ان لا تنهيها قبل تكريس سيطرتها العالمية كقوة عسكرية واقتصادية مهيمنة، وكذلك روسيا تحاول بناء مجالها العالمي عبر التلويح بالقوة وبترسانتها العسكرية وهو ما تفعله الان عبر غزوها ل اوكرانيا. لهذا نشهد وضعاً عالمياً يتسم بعدم الاستقرار وبالتوازن الهش بين كتلتين في عالم يتسم بالفوضى والحروب والتهديد بحرب عالمية ثالثة والاستنفار النووي وبالفقر والتهميش والبطالة وازمة غذاء وطاقة لدول الاطراف وحتى لبعض دول المركز وسوف تستمر الازمة المالية نتيجة طابعها، لان الكتلة المالية المسببة باتت جزء عضوياً في الرأسمالية. كما ان فوضي الانتاج سوف تتفاقم بفعل هذا التوسع في الانتاج الصناعي الذي جاء كنتيجة لدخول بلدان رأسمالية جديدة ك روسيا والصين. العالم اذن ينفتح على صراعات كبيرة سوف تفرض صراع تناحري بين الامبريالية الروسية والصينية والإمبرياليات الاوربية والامريكية.
*المرجع: الامبريالية في مرحلتها المالية – حول الازمة المالية والطبيعة الجوهرية لنمط الانتاج الرأسمالي للكاتب الراحل سلامه كيله*