انطلق موقف جمعية التغيير الديمقراطي من واقع ملموس علي الارض وان كان قد تجاوز العقد الاول منذ انطلاقة المشروع الاصلاحي وتحت مظلة ميثاق العمل الوطني والذي اكتسب مشروعيته من الاستفتاء الذي جاء بنسبة التصويت على الميثاق ٩٨،٤ وهي أصوات الشعب التي ذهبت باختيارها لتصوت عليه حيث كان محل اجماع من كل القوي الاجتماعية
اي من قبل المجتمع المدني والذي بدا يتخلق شيئا فشيئا مع كل خطوة إيجابية كان يخطوها المشروع الاصلاحي ان هذا الإصلاح والتجديد في ذاك الوقت حين بلغ التعارض بين المجتمع والدولة التسلطية حدا لم يعد ممكنا معه سوي حذف احدهما ولكن هذه الاستعادة وبوثيقة سياسية ( ميثاق العمل الوطني ) طرحت من جديد علاقة المجتمع بالدولة اي هذه الدولة التي من المفترض ان تكون شكل الوجود السياسي للمجتمع وتحديده الذاتي وتعبيرا عن فاعليته لا استلابا لها وهذا هو ما تدركه جمعية التغيير الديمقراطي تحت التأسيس اي النظر الي قضية العلاقة الجدلية بين الوجود الاجتماعي وشكله السياسي المغترب وذلك من اجل الكشف عن عوامل الاغتراب وإعادة بناء هذه العلاقة بالتضاد مع الانحراف او الانزياح من قبل الحلف الطبقي الضمني الذي استبدل السوق بالمجتمع المدني او الانحراف والانزياح من قبل الجمعيات الطائفية السياسية المذهبية او ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي الشعبوي التي زادت الطين بله في حرف هذا الاغتراب الذي تحدثنا عنه . لعل التعارض بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي اي بين المجتمع المدني والدولة الوطنية والذي يدفعه بَعضُنَا الي درجة التخارج اي المطالبة بإخراج ( شكل الدولة الموجود حاليا ) وإحلال المجتمع المدني مكانها ؟! لكي لا تتدخل ايران
في الشأن البحريني وإلا فلا يوجد حل اخر . ان هذه الصيغة العامة للتعارض لا تعدو كونها الا الصيغة السياسية للتعارض بين الفرد الطبيعي المنساق خلف حاجاته و أنانية ورغباته وأهوائه ونزواته وغرائزه المختلف كل الاختلاف عن مفهوم المواطن الصالح الذي يتطلع الي الحرية والمساواة والعدالة ويتعلق بقيم الخير والتسامح والتعايش وحب الوطن هنا المواطن الذي نقصده ليس سوي الفرد الطبيعي وقد تحرر من روابطه الأولية الطائفية والقبلية اي انتماءاته ما قبل الوطنية واندرج في رحاب الكلية الاجتماعية الوطنية وهذا سبب اصرارنا علي استمرارية المشروع الاصلاحي وهذا علي ما نعتقد هو حنين هذا المواطن الي المكاسب التي تحققت له في الهامش الديمقراطي في ظل الانفراج السياسي ومن هنا يأتي دفاعه عن الوطن ضد التدخل الإيراني وضد تصدير الثورة المسلحة ؟! وهذا هو سر اصرار المواطن علي تعزيز مبدا المواطنة في ظل المشروع الاصلاحي تحقيقا لفرديته والمطالب بقانون يكون ضامنا وحيدا لحقوقه ومصالحه وليس بتدخل دولة اخري كإيران لكي تحقق له ذلك هنا تتكثف جميع محمولاته علي محور ( الوطنية ) التي ليس لها من تجسيد عياني سوي دولة المؤسسات والقانون هنا ومع احداث التراكم في ظل المشروع الاصلاحي فان علاقة المواطنة ستصبح هي العلاقة الاساسية التي تربط بين جميع أفراد المجتمع المدني والذين سيصبحون مواطنين احرار وذوات إنسانية فاعله والذين يلتقون في نقطة واحدة هي الدولة الوطنية .
ويقصد بالدولة الوطنية الدولة السياسية المنشودة في حال تراكمت التجربة الديمقراطية وتوسع الهامش الديمقراطي وتحول الانفراج السياسي الي تعزيز الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية عندها تعبر هذه الدولة السياسية عن الكلية الاجتماعية كدولة حق وقانون والتي يري فيها المواطنون جميعا وطنهم السياسي كموطن اعتزاز من الناحية الأدبية هذه الدولة التي تنبثق سلطتها السياسية عن الشعب بالانتخاب المباشر السري والنزيه علي أساس التمثيل النسبي بعيدا عن الانتخابات المسيّسة طائفيا او قبليا وعن تمثيل القوائم الإيمانية . كل ذلك يكون بمقتضي العلاقة الجدلية بين الحرية والقانون حيث يغدو القانون ضامنا رئيسيا للحرية وتغدو الحريات العامة مضمون القانون وتغدو الدولة من ثم مملكة الحرية بقدر ما يتعزز فيها حضور المجتمع المدني ولاسيما في السلطة التشريعية وعبر الانتخابات النزيهة والديمقراطية مرة بعد مرة سوف تتجه الدولة السياسية نحو النظام الديمقراطي هنا يكون المجتمع المدني قد تخلص من التنظيمات السياسية التي تعزز من الطائفية المسيّسة والقبلية المسيّسة والمناطقية والجهوية اي ما دون الوطنية ويصبح مجتمع مواطنين احرار ينتظمون في بني وتشكيلات وتنظيمات ضرورية كالطبقات الاجتماعية والفئات الاجتماعية او الجماعات المهنية واخري إرادية وطوعية كالجمعيات والأحزاب تؤلف جميعا نسيجا من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية تقوم علي مبدا المواطنة وعلى حرية الفرد وحقوق الانسان، هنا تصبح مؤسسات المجتمع المدني كافة مرنه ومفتوحة تتيح إمكانية الانتقال منها واليها بحسب إرادة الأفراد وليس بحسب إرادة المراجع الدينية والرموز والزعامات وعلي حسب إيقاع التطور الاجتماعي إذن هذه المؤسسات هي الأُطر المجتمعية التي تتخذ فيها الصراعات او التعارضات الاجتماعية صيغة سياسية وليس صيغة طائفية كما هو حادث الان عند الجمعيات الطائفية السياسية المذهبية او صيغة شعبوية كما هي عند ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي ؟! ان الرجوع الي الصيغة السياسية هي التي سوف تستبعد جميع أشكال سواء الكراهية او ما يسمي بالتمييز او المظلومية وجميع أشكال العنف والاقصاء والاستبعاد هنا يقوم المجتمع المدني بوظائف مكملة ومساعده لوظائف الدولة وتتعزز قيم المجتمع الحديث : الانسانية ، العقلانية ، العلمانية ، الديمقراطية واحترام قيمة العمل هنا الالية الوحيدة التي تعمل بها هذه القيم هي المنافسة الشريفة التي تقتضي الكفاءة والجدارة والنزاهة والشعور بالمسئولية وإيثار المصلحة العامة وحب الوطن والدفاع عنه ضد كل التدخلات الخارجية سواء جاءت من ايران الدولة الثيوقراطية التي يحكمها الملالي الطائفيين او غيرهم .
في البحرين تنبع ضرورة ان يدافع المجتمع المدني عن البحرين ضد كل أشكال التدخل الإيرانية في الشأن الوطني البحريني وايصال صوته عاليا سواء في الداخل او الخارج انطلاقا من ضرورة الاندماج الوطني واستعادة مفهوم المواطنة التي خفضت في البحرين الي مستوي سواء الولاء للنخب المتنفذة في الحلف الطبقي الضمني مع النخب المتشددة في الحكم او الولاء والانتماء للطائفة او القبلية المسيستين مما يعني الولاء للمرجعية او المرجع او الرمز في الجمعيات الغير علنية او الزعيم في الجمعيات العلنية اي الولاء الشخصي هنا بدل الولاء للمشروع الاصلاحي والذي يعمل تحت مظلة وثيقة ميثاق العمل الوطني والذي كان الكل متفق انه سيكون مع تعزيزه في الواقع البحريني سيتجه نحو الدولة الوطنية اي المملكة الدستورية ولكن لتنفذ تلك النخب وتلك الجمعيات وخصوصا مع كارثة احداث ١٤ فبراير في ٢٠١١ بدئنا نرجع الي مستوي الرعوية وتم تخفيض مفهوم الشعب الي مستوي ( الجماهير ) او الي مستوي الشارع السني والشارع الشيعي اي الى كتل سديمية وجموع غير منسجمة اي ما يسمي ( بالقطيع ) سواء أخذت بعدا طائفيا مسيسا شيعيا او سنيا هنا فان بعض هذه المبادرات التي صدرت عن المجتمع المدني في ادانة التدخلات الإيرانية ومنها موقف جمعية التغيير الديمقراطي كانت تنبع من ضرورة إطلاق الفاعلين في المجتمع سواء علي مستوي الانتاج او علي مستوي الإبداع والتي تلتف حول الوحدة الوطنية ضد اي تدخل خارجي ينتهك وحدة هذا الوطن والشعب هنا تستعيد هذه القوي الفاعلة في المجتمع المدني دورها التاريخي ومسئوليتها الوطنية وحقها وجدارتها في المنعطفات او اللحظات التاريخية المفصلية وكل هذا ينبع من موضوعية الواقع وان كان هذا الواقع هو واقع التعدد والاختلاف والتعارض ففي هذا تكمن وحدة المجتمع والدولة علي مبدا التوحد في الدفاع عن الوطن وعلي واقع ان كل فرد في المجتمع المدني إنما يقوم بوظيفة وطنية للأخرين وواقع ان كل واحدة من الفئات او الطبقات الاجتماعية ( وليس الطوائف المسيّسة المذهبية ) هي جزء من الكل الاجتماعي الوطني وتتحدد به ، المجتمع المدني منقسم الي فئات وطبقات ( وليس طوائف مسيسة ) لها مصالح مختلفة ومتعارضة علي المستوي الوطني اجل ولكن هذه المصالح لا تتحقق الا في نطاق الوحدة الوطنية والموقف الوطني الموحد ضد كل أشكال التدخلات الإيرانية وفي نطاق وحدة المجتمع والدولة.
منذ انطلاقة المشروع الاصلاحي وجدنا ان هناك في البحرين لدي كثير من الفاعلين السياسيين من كان ينظر للواقع السياسي الذي تَخَلَّق في ظل هذا المشروع واشهار العديد من الجمعيات السياسية سواء كانت طائفية سياسية او جمعيات سميت بالتيار الوطني الديمقراطي او نقابات عمالية واتحادات عمالية وجمعيات مهنية تم في البداية تزيف الوعي لدي المواطنين وذلك من اجل دمج الجمعيات السياسية الطائفية المذهبية لكي تتعزز في ذهنية المواطنين وإبرازها كرافعة للديمقراطية السياسية ؟!! كان لسان حال هؤلاء وخصوصا في جمعية وعد والي حد ما في المنبر والتجمع وبالرغم من ان وعد قد عومت الايدلوجيا وكما كانت تصرح بان التنسيق والتعاون والتحالف مع جمعيات الاسلام السياسي ( الجمعيات الطائفية السياسية المذهبية ) هو تكتيك مرحلي ؟! معها وان كل من يطرح الاصطفاف علي أساس ايدلوجي للتيار الوطني الديمقراطي فانه علي خطا ؟! ان هذه الصياغة تريد ان تقول ان المجتمع المدني يجمع ايجابيات أيدولوجيات ونظريات مختلفة في نظرتها للحكم ؟! حتي لو كانت تنتمي الي مراحل تاريخية مختلفة وحتي لو كانت قر ووسطية اي تنتمي للقرون الوسطي ؟! عندها أضفت هذه الجمعيات التي تدعي ( العلمانية ) طابعا ايديولوجيا صرفا ومعياريا خالصا علي مثل هذا التحالف والذي كانت الهيمنة فيه لصالح الجمعيات الطائفية المسيّسة وهذا ما عبرت عنه احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ في البحرين والذي احدث الشرخ الطائفي وفتت الوحدة الوطنية للمجتمع المدني ووضع الارضيّة المناسبة للتدخل الإيراني في البحرين ! . هنا تم تجاهل ان المفاهيم ( كالتكتيك ) او ( الايدلوجيا ) في حد ذاتها هي تجريدات بعدية للواقع وليس ادل علي ذلك هذا الواقع الذي نعيشه الان من كون المجتمع المدني ( صِمَام الأمان ) اصبح يجير ويستقطب ويقسم طائفيا ومذهبيا ؟! من قبل اتجاهات فكرية وسياسية مختلفة ومتخالفه ومتصارعة فالحلف الطبقي الضمني لا يرون في المجتمع المدني سوي انه نقيض للدولة ولا يَرَوْن في دعوته الي إصلاح المشروع الاصلاحي الا محاولة من هذا المجتمع المدني الي تقويض الدولة ؟ وأصبح لسان حالهم ان المجتمع المدني ليس سوي شبكة من الجمعيات ( في المطلق ) غير الحكومية والهويات ما قبل الوطنية متمفصل مع السوق التي يراد لها ان تحل محل الدولة الوطنية ؟! في حين يري الشعبويون في ما يسمي التيار الوطني الديمقراطي ان المجتمع المدني هو مجتمعا بورجوازيا رأسماليا بالمعني التحقير لهاتين الصفتين في مصفوفتهم ( الستالينية ) بينما تري القلة في اليسار التقدمي العقلاني يَرَوْن في المجتمع المدني تخطيا جدليا للمجتمع التقليدي المتأخر المنقسم طائفيا علي نفسه بشكل عمودي ويرون بان المجتمع الجماهيري وهو الذي كان النتاج لمجتمع الدولة التسلطية والذي ورثه المشروع الاصلاحي كتركة ثقيلة فتت في عضده وان هذا التحول في المجتمع المدني سيكون مدخلا ضروريا للحداثة والي الدولة الوطنية اذ لا توجد دولة وطنية ويتم الدفاع عنها ضد اي تدخلات خارجية حتي لو أتت من ايران بلا مجتمع مدني ولا مجتمع مدني بلا دولة وطنية وهما سيكونان المدخل للديمقراطية اي للدولة الوطنية الديمقراطية فقد بينت كل التجارب في العالم ان قوة الدولة الوطنية والدفاع عنها ضد كل من يريد التدخل فيها، سواء جاءت من ايران او من اي دولة آخري
المرجع: كتاب حداثة بلا حدود في حرية الفرد. الكاتب جاد الكريم الجباعي