بعيدا عن ما تواجهه البحرين الان من تحديات ومخاطر سواء في الداخل او الخارج وبالذات التحديات الأمنية وتداعيات احداث ١٤ فبراير . من الملاحظ انه كلما بدت الحاجة الي الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في البحرين تتصدر الواجهة بعض السيناريوهات او التوجهات الايدلوجية من قبل معسكرين
يحاولان القيام بمقاربة المشاكل التي تعترض هذا الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي فكما جاء في مقال محمد الغسرة فان مواجهة ، العجز المالي الحكومي طرح تفعيل الدراسة ؟! من خلال الإعلان عن الحكومة المصغرة وهو راجع الي اكتشاف عمليات الفساد والاحتيال الكبيرة فتشكيل هذه الحكومة المصغرة يهدف الي الحد من النزيف الناجم عن الفساد وتوجيه ايرادات الدولة لمستحقيها وجهات صرفها المقررة في الميزانية والحد من التضخم في الجهاز التنفيذي للدولة ، إلغاء العديد من العلاوات للمناصب التنفيذية وتعديل الأوضاع والنثريات الأخرى ، اعادة تنظيم للأجهزة الحكومية من خلال دمج بعض الوزارات وتصغير عدد الهيئات الحكومية بما يكفل خفض نفقات الإنفاق العام في الأمور التي يمكن الاستغناء عنها . ) وكان من الممكن ان يواصل هذا الكاتب في نفس السيناريو وهو بان يطرح النظر في مسالة فرض الضرائب وزيادة الرسوم كمحاولة لتعديل توزيع الدخل الوطني لصالح الفقراء ومحدودي الدخل . ومن الممكن ان يطرح هذا المعسكر ايضا مسالة ان الهدر في الموارد العامة مصدره ليس الخدمات التي تقدمها دولة الرعاية الاجتماعية وإنما عدم كفاءة برامج الرعاية الاجتماعية والهدر الذي تتحمل مسئوليته ثلاث اليات اولا التسلّح العبثي وهو الالية التي تحدثت عنه سوسن الشاعر في المقابلة الشهيرة التي اجريت معها في ظل احداث ١٤ فبراير مما عرضها للنقد من الاخرين ، ثانيا التوظيف العشوائي الذي يسبب التكدس في إعداد الموظفين ( البطالة المقنعة ) ، ثالثا الفساد الاداري والمالي والإثراء علي حساب الدولة في آلية الانتفاع والتنفيع مما يخلق ( الطبقة المستفيدة ) من السياسات الحكومية . هذا المعسكر يوحي بانه معني بتنمية مؤسسات المجتمع المدني اي بان يقوم المواطنين بالاعتماد علي أنفسهم قادرين علي تنظيم أنفسهم بشكل أفضل بدون تدخل حكومي في شئونهم الحياتية وان الإصلاح يبدأ بوقف الهدر الذي تسببه سياسات الإنفاق الحكومي والتي تبدو وكأنها رشوة وترضية للمواطنين بقصد شراء ولائهم . ومن الممكن ان يطالب هذا المعسكر بفرض ضوابط علي عولمة الاقتصاد والمجتمع لحماية الجماعات المتضررة او التي من المحتمل ان تتضرر . سنكمل لا حقا ما سوف يطرحه المعسكر او الاتجاه الاخر المضاد له وبعد ذلك سوف نوضح التداخل في آراء هاذين الاتجاهين او المعسكرين
اما الاتجاه الاخر او المعسكر الاخر فان طرحه لمسألة فرض الضرائب وزيادة الرسوم تنطلق من ان القصد من فرض الضرائب وزيادة الرسوم هو التخفيف من عبء بند الرواتب والاجور في الميزانية ، وبالتالي التخفيف من عبء الإنفاق الحكومي الخدمي ، باعتباره طريقة لمعالجة العجز في الموازنة . اما بالنسبة لمسألة الهدر فهم يطرحون او يعتقدون ان سبب الهدر في الموارد العامة هو ( اتكالية المواطنين ) علي سياسات الإنفاق الحكومي و ( التبذير ) و إساءة استعمال الخدمات التي تقدمها الدولة من دون ( الإحساس بالمسئولية ) وإنما علي العكس فان هم المواطنين هو اعتقادهم ان من حقهم ( التبذير ) لان هذه الخدمات تمثل حصتهم من الدخل الريعي المتأتي من صناعة النفط ومشتقاته علي أساس انه ثروة ( طبيعية ) موجودة من دون تعب او جهد وهذا نوع من الوهم لان هذه الثروة من الممكن ان تنبض . وبالتالي فأصحاب هذا التوجه يعتقدون بان سياسات الإنفاق الحكومي سواء في الاجور او الخدمات العامة التي تقدمها الدولة تمثل ( المعوق ) الأهم للنهوض الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي . والذي يريده هذا المعسكر او التوجه في الجوهر هو ( تصفية ) دولة الرعاية الاجتماعية وذلك عبر إطلاق ( قوي السوق ) من عقالها لكي يتم معالجة العجز الحكومي الذي ذكره محمد الغسرة في مقالته ويريدون ايضا تصفية القطاع العام بغض النظر عن وجود سياسات بديلة للتخفيف من اثار سياساتهم المقترحة ، كالبطالة السافرة وزيادة الفوارق الطبقية في الدخل . وينادي هذا التوجه بعولمة الاقتصاد والمجتمع ، بدون قيود ، فكما يقولون نحن مجبرون ولسنا مخيرين علي الاندماج في الاقتصاد والمجتمع العالميين . هنا من الممكن ان نطلق علي التوجه او المعسكر الاول ( توجه المجتمع المدني ) والثاني ( توجه آلية السوق ) هنا من الممكن ملاحظة ( التداخل ) في آراء التوجهين بخاصة فيما يتعلق بالدور السلبي ( للتدخل الحكومي ) في الاقتصاد والمجتمع والذي يقود الي الجمود والتعسف البيروقراطيين ومن الملاحظ ان هاذين التوجهين في البحرين لا ينتميان بشكل حدي الي اي من التوجهات من مثل التوجه الليبرالي او المحافظ او توجه اشتراكي او رأسمالي ، فنحن في عصر العولمة اختلطت عندنا التوجهات الايدلوجية فعلاوة علي الأيدولوجيات الطائفية المذهبية لم يتم الفرز علي أساس يمين / يسار فمن الممكن ان تجد في من يطرح توجه آلية السوق من ليبراليين كما تجد ما يسمي باليساريين او قوميين وحتي طائفين سياسيين كما هو موجود في النظام الأساسي لجمعية الوفاق التي تدعو لحرية السوق ؟! وقد تجد في التوجه الاخر المجتمع المدني أناس محافظين من القريبين للحكومة ويسارين قدامي من ذوي التوجه للمجتمع المدني .
فما هو الهدف او من سوف تستهدف هذه الحكومة المصغرة الموقتة في حال تم تشكيلها ؟ فهل فعلا تبلور لدي النخبة الحاكمة او من يهدف لتشكيل هذه الحكومة المصغرة هدف رئيسي من اجل إصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال التوصل الي صيغة وسط بين تعديل توزيع الدخل الوطني لصالح الفئات المحدودة الدخل من المواطنين ؟ كما جاء في القرار الملكي المفاجأ ( حفظا لمصالح الوطن والمواطنين ) وان يتم في نفس الوقت التخفيف من العجز في موازنة الدولة ؟ ( بما يؤدي الي الاستقرار المالي ) ؟ في هذه الحالة فان مهمة الحكومة المصغرة المقترحة هي وضع السياسات من اجل الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتي تستهدف ( الوقف ) او ( التخفيف ) من الهدر الذي تتعرض له موارد الدولة سواء من جهة المواطنين او من جهة الحكومة في الوقت نفسه . فهل يكفي بالنسبة للوقف او التخفيف ما طرح في مقال الغسرة ( الحد من التضخم في الجهاز التنفيذي في الدولة ، والغاء العديد من العلاوات للمناصب التنفيذية وتعديل أوضاعها والنثريات الأخرى ، اعادة تنظيم للأجهزة الحكومية من خلال دمج بعض الوزارات وتصغير عدد الهيئات الحكومية ) فهل هذه الالية المقترحة كافية من اجل الوصول الي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ؟ فكما يري كثير من الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين ان احدي الخطوات المهمة سواء في ( الوقف ) او ( التخفيف ) من الهدر الذي تتعرض له موارد الدولة هي علي المستوي المرحلي وايضاً الاستراتيجي ( ضبط الأسس المحاسبية ) التي تتحكم في طريقة إعداد ( الموازنة العامة ) للدولة من خلال اعادة النظر بصورة جذرية في طريقة إعداد ( الميزانية ) المتبعة حتي الان . من مثل عدم اعتماد اي بند في الميزانية بمبلغ اجمالي من دون ان يكون مشفوعا ببنود تفصيلية وان توضع ميزانية البرامج الخدمية في بنود محددة . وهذه مشار لها في مقال الغسرة ( ( وتوجيه ايرادات الدولة لمستحقيها وجهات صرفها المقررة في الميزانية ) ثم ان تطلب الحكومة المصغرة من مجلسي النواب والشوري للقيام بدور اكثر إيجابية في ( الرقابة ) علي اُسلوب تخصيص الاعتمادات حسب البرامج بما يتناسب مع البرنامج الحكومي المعلن والملزم دستوريا . وهذ احدي التعديلات التي تمت علي الدستور المعدل وهو بان يوافق البرلمان علي برنامج الحكومة اولا قبل إقراره . وان تتشكل الرؤية النافذة بان هذا البرنامج يتفق مع الأهداف المجتمعية لسياسات الإنفاق الحكومية فيجب علي مجلس النواب ان يتوقف عن لعب دور تابع او خامل يتلقى الأوامر من الجهات العليا او من محاولة اللعب علي الميزانيات الفرعية المستقلة وتعليق ميزانيات بعض المؤسسات سواء لأغراض انتخابية او شكلية شخصية ويقوم فقط بالبصم علي الموازنة العامة بسرعة خاطفة ، فمجلس النواب يمتلك إمكانيات كبيرة متاحة له لو أحسن التصرف بها فيستطيع هذا المجلس بواسطتها ان يحكم ( الرقابة والمحاسبة المالية والسياسية علي السياسة المالية للدولة ) هل يستطيع مجلس النواب ان يقوم بهذا الدور في هذا الظرف ؟ ام سيطلب منه من خلال الحكومة المصغرة ؟ هذا يلامس الوقف او التخفيف من الهدر الذي تتعرض له موارد الدولة من جهة الحكومة . سنناقش لاحقا الوقف او التخفيف من الهدر الذي تتعرض له موارد الدولة من جهة المواطنين وما هو رأي الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين في هذه المسالة.
منذ انطلاقة المشروع الاصلاحي دخلت الدولة والمجتمع في حوار يري بان هناك ارتباط بين سياسات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وسياسة الخصخصة فكان توجه الحلف الطبقي الضمني ( الملاكين العقاريين العقارين الجدد البورجوازية التجارية المحلية والمصرفية والمالية والبيروقراطية في المناصب العليا في الدولة مع نخب متصلبة في الحكم ) السياسة الي التخلي المتزامن عن القطاع العام وبيعه للقطاع الخاص ، والتخلي عن برامج دولة الرعاية الاجتماعية في الوقت نفسه . ومن الممكن ان يعاد طرح هذا التوجه في هذا الظرف في ظل الحديث عن حكومة مصغرة . وسوف يحاول مروجو هذا التوجه الي الإيحاء للناس بان البطالة السافرة التي ستنتج عن اتباع هذا الأسلوب او السياسة في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي هي امر حتمي ومنطقي ، فهل هذا الإيحاء صحيح ؟ فحسب آراء الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين فان لا سياسة الخصخصة ولا سياسات ( اعادة الهيكلة ) تؤدي حتما الي البطالة السافرة حسب الوصفة التقليدية للبنك الدولي . ويري هؤلاء الباحثين ان من يتصور ان الخصخصة تعني ان الدولة سوف ترمي المواطنين الموظفين ( الزائدين عن الحاجة ) في الشارع هو مخطئ في تصوره ، ذلك ان مبدا ( تكافؤ الفرص الذي ينص عليه الدستور ، لا يتطلب ان توفر الدولة وظيفة ( حكومية ) لكل مواطن ، ولكنه في نفس الوقت لا يعفي الحكومة من توفير ( فرص عمل ) في الاقتصاد الوطني في القطاعين العام والخاص . مما يتطلب الدفع بسياسة توظيف عقلانية تقوم علي أساس اتاحة ( الفرصة ) لكل مواطن قادر علي العمل وراغب في العمل من اجل الحصول علي وظيفة أينما كانت . وهذه السياسة التوظيفية لن تكون ممكنة في الأوضاع الحالية التي تمر بها البحرين مالم تتحقق بعض الشروط الضرورية
1- الحد من تأثير الاحتكارات المحلية العائلية الخانقة علي الاقتصاد الوطني
2- رفع القيود البيروقراطية عن حركة العاملين ، وعن فرص الاستثمار وعن الروح الانترابرنوية
3-اي تبني روحية المستثمرين الانترابرنور وثقافتهم والسماح لهم بالمنافسة في ميادين الخدمات والصناعات ذات الرأس مال المكثف المتصلة بالثورة العلمية التكنولوجية .
4- تفعيل ووضع خطط للتدريب وإعادة التأهيل تسمح للمواطنين بتغيير مسارهم المهني ، او الدخول في مهن جديدة .
هذا ما يراه هؤلاء الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين من متطلبات او شروط بتطبيق السياسات التوظيفية . وهنا من الممكن ان ينبري البعض في طرح موقف اعتراضي علي رأي هؤلاء الباحثين انطلاقا من ان ما كان يطرحه اليساريون لفترات طويلة من ضرورة اتباع سياسة التأميم والحد من هيمنة الاحتكارات الأجنبية علي مقدرات الدولة الوطنية التي دخلت في السابق في عملية صراع مع الرأسمال العالمي ؟ هنا كما يري ايضا الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين وينطلقون من تساءل كيف تتم عملية تقييم دور القطاع العام والقطاع الخاص ؟ وهنا يظهر مستويان للإجابة علي هذا التسائل اولا المستوي الأيدلوجي وهذا المستوي الخاص باليسار المتشدد الذي يصدر شعارات وجمل ثورية . والمستوي الاخر وهو المهم ( الواقع العملي ) والذي من خلاله تتم عملية تقييم دور القطاع العام والقطاع الخاص وهنا ايضا من الممكن ان يأتي اصحاب الدعوي بالتحول الي القطاع الخاص بنوع من ( التآمر ) وعنصر التآمر هنا هو في ( المسكوت عنه ) وليس في المصرح به ، والمسكوت عنه هنا هو ان صلب المشكلة في تقييم دور القطاع العام والقطاع الخاص في التنمية لا يكمن أساسا في الاعتبارات العملية وإنما في المنطلقات الايدلوجية فاغلب المعالجات تتم ضمن اطار ( حلقة مفرغة ) تعمل بالشكل التالي : تدخل الدولة الواسع في الاقتصاد – سببه عجز القطاع الخاص او احجامه عن الاستثمار الصناعي المنتج والمجدي للتنمية – القصد من تدخل الدولة تحقيق مبدا المساواة ، ضمان حد ادني من توزيع الدخل العادل بين القوي والطبقات الاجتماعية – انحراف هذا التدخل في التطبيق العملي مستهدفا التضييق علي الطبقات المالكة القديمة وأهمل الادارة الكفؤة للاقتصاد الوطني – أدي الي تسلط الدولة علي الاقتصاد والمجتمع – أصبحت الحرية السياسية والاقتصادية هي الضحية الأولي لهذا التدخل مما افشل التجربة الليبرالية – يدخل اصحاب الدعوة بالتحول الي القطاع الخاص ويعلنون بشكل تآمري واضح ان مبدا المساواة والتوزيع العادل للدخل الوطني ليس هو المستهدف – مبدا الحرية السياسية ( الحكومة الدستورية المنتخبة ) ( طبعا ليست هي الحكومة المنتخبة التي تطالب بها الوفاق او وعد ، المنبر ، التجمع ذات المحاصصة الطائفية ) والحريّة الاقتصادية ( اتاحة الفرصة للمنافسة والحصول علي الربح ) له الاولوية – التحول الي القطاع الخاص سوف يستقيم امر الاقتصاد وينصلح حال المجتمع . أين التآمر هنا من اصحاب هذه الدعوة والذين تجمعهم تضامنية او شبكة ثقة ( بيت التجار ) هنا هم لا يجرؤون علي التنكر لمبدأ المساواة والتكافؤ في توزيع الدخل الوطني ( العدالة النسبية في التوزيع ) علنا وصراحة فهم يسكتون عنه ولكنهم يدعون ضمنا ان هذا المبدأ يتنافى مع الكفاءة الاقتصادية وزيادة الإنتاجية . اما اصحاب دعوي الحفاظ علي القطاع العام لا يستطيعون ان ينكروا مواطن النقص والقصور في اُسلوب الاحتكارات الحكومية والطابع او الروح الانتقامي الذي شاب إجراءات تطبيقه ، ولكنهم يعتبرون ان هذه شرور لا بد منها في سبيل توفير حد ادني من المساواة والعدالة في توزيع الدخل الوطني وحماية الطبقات الضعيفة والفقيرة من جشع كبار الملاك وكبار التجار . والان هل من الممكن كسر هذه ( الحلقة المفرغة ) ؟.
هل من الممكن كسر الحلقة المفرغة في القضية الهامة في تقييم دور القطاع العام والقطاع الخاص في التنمية ؟ هنا سيكون رأي الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين مبني علي المستوي الأيدلوجي لكي يتم كسر هذه الدائرة التآمرية المفرغة بحيث يتم وضع الظاهرة ضمن إطارها التاريخي الضروري والتي تم عزلها عنه . فليست قضية سياسة التخصيص هي قضية ( عملية – فنية ) طارئة وعاجلة كما هي الحكومة المصغرة المفاجأة ، والتي سنناقش مسمياتها الأخرى لاحقا . فهذه القضية ( سياسة الخصخصة ) لا يمكن ان تفهم بشكل موضوعي من دون خلفيتها الايدلوجية – التاريخية الحقيقية . ان تعاظم تدخل الدولة في الاقتصاد قد اتبع منطقا تاريخيا نابعا من التطور الرأسمالي في ظل الدولة القومية مما تتطلب توسع بيروقراطية الدولة ( بيرو يعني مكتب قراط حكم ، اي حكم المكاتب ) وتطور الي حكم المؤسسات . اي الادارة الاقتصادية الحديثة المعتمدة علي التكنولوجيا المتطورة وهذا المنطق التاريخي سوف يشملنا ايضا كون البحرين تعتمد علي رأسمالية الدولة سواء كانت تسلطية او هي في مرحلة تحول ديمقراطي . وعدم توسع القطاع العام ( اي تدخل الدولة المباشر بشكل الاحتكارات الحكومية ) ليس معناه ضعف دور الدولة او ضالته في الاقتصاد . بل علي العكس ان دورها في ( تنسيق ) الاقتصاد و ( ادارته ) يجعلها الممول الرئيسي والمحفز الاول للقطاع الخاص والاقتصاد الوطني عموما ( هنا دور الدولة كوظيفة كأداة إدارة وليست الاداة الأخرى أي كأداة قهر طبقي ) فبقرطة الاقتصاد ظاهرة تاريخية عامة شملت كل دول العالم اقتضتها عملية تنسيق استعمال البنية التحتية للمجتمع . هذا اولا اما ثانيا فظهور القطاع العام ليس مرتبط بالاشتراكية كما هو موجود في اذهان كثير من الناس ، وليس له علاقة مباشرة بالاشتراكية ، لان تحقيق ( الاشتراكية ) بمعني التوزيع العادل للدخل الوطني بغير حرية سياسية واقتصادية لا ينفصلان . بعكس ما حدث في دول المعسكر الاشتراكي الشرقي وهو محاولة الوصول الي ( الاشتراكية ) عن طريق استعمال ( بيروقراطية الدولة المركزية ) ، فكان ان ظهر التطبيق ( البيروقراطي ) للاشتراكية والذي ضحي ( بالحرية السياسية والاقتصادية ) ولم يصل الي التوزيع العادل للدخل الوطني بدون ( قسر و قهر ) ان القصور الأعظم في التطبيق البيروقراطي للاشتراكية هو العمي الأيدلوجي عن رؤية العلاقة العضوية بين ( المساواة / الحرية ) لان الهاجس السياسي كان تصفية الطبقات المالكة القديمة ومجابهة الدول الإمبريالية المتربصة ولم يتم التركيز علي حسن إدارة الاقتصاد وجودته ونوعيته فتحول هاجس الأمن الي هلع وجودي وعسف سياسي . ثالثا ليس هناك تناقض بالضرورة بين تحقيق مبدأي ( المساواة / الحرية ) وبين كفاءة النظم الاقتصادية والسياسية ، حيث ان مستلزمات تحقيق هذين المبدأين ( المساواة / الحرية ) لا بد من ان تكمن في إيجاد صيغ لتحقيق ( التوازن ) بينهما بحيث لا يطغي احدهما علي الاخر اي لا يطغي مبدا المساواة باللجوء الي القسر او القهر بشكل التخطيط المركزي البيروقراطي وهيمنة الاحتكارات الحكومية ، علي مبدا الحرية . ولا يطغي مبدا الحرية حتي لا يصل الامر الي ( فوضي ) الاقتصاد والسوق مما يؤدي الي حدوث الأزمات والانهيارات الاقتصادية ، والتي تستغلها الاحتكارات الرأسمالية . والنموذج الذي طرحناه ( التجربة السويدية ) يمثل هذا التوازن بين ( المساواة / والحريّة ) والذي كان هو حصيلة لنوع من التواطؤ بين الطبقة العاملة والبورجوازية اي بين الطبقات والقوي الاجتماعية الرئيسة للتوصل الي معادلات من هذا التوازن . فليس ملازما للقطاع العام انه يمثل ١- التخلف الاداري وتسلط البيروقراطية السلبية علي اجهزة القطاع العام ٢- ارتفاع تكلفة الخدمة العامة بسبب تضخم الأجهزة الحكومية وانعدام المنافسة ٣- انخفاض الإنتاجية وتدنيها عن المستويات المقبولة ٤- عجز الادارة في هذه الأجهزة عن الابتكار والتجديد . ٥- محاولة تحقيق الأهداف الاجتماعية والسياسية ( توفير الخدمات العامة ) من دون النظر الي تكلفتها . ٦- تدخل الاعتبارات السياسية غير الاقتصادية في سياسات العمل ونظمه . هذه النقاط الست التي طرحتها احدي الباحثات . تظهر هذه المشاكل في القطاع العام عادة عندما يسود روح التسلط البيروقراطي للدولة ويتدخل في الاقتصاد والمجتمع . وتزول او تضعف عندما تتبع سياسات القطاع العام منطق تحقيق الديمقراطية الحقيقية في الاقتصاد والمجتمع وليس فقط في مجال السياسة وبشكل منعزل عن الاقتصاد والمجتمع .
- ( نظرة عامة ) .
- ( تصور عام ) .
قبل ان ننتقل ألي تركيبة القطاع الخاص في الدول العربية ومنها البحرين وماهي ملامحه الاساسية سنناقش مسالة فرض الضرائب كسياسة من قبل الدولة لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل الوطني . فهل سيتم تطبيق ( ضريبة الدخل التصاعدية ) ؟ وكيف سيتم استقطاع هذه الضريبة ؟ و ماهو الحد الافتراضي لهذه الضريبة ؟ وما هي المضامين السياسية لها ؟ فهل سيتم تحديد خط فاصل بين خط الفقر والدخل السنوي للأسرة ؟ مثلا الأسرة. مكونة من ( ٥ ) أفراد دخلها ( ستة آمن الأساس) في السنة اي ( ٥٠٠دينار في الشهر ) فهل ستحسب الضريبة من الدخل الرسمي المعلن للموظف ؟ ام من كشف الحساب في البنوك للتاجر او الذي يعمل لحسابه الخاص او للموظفين الذين يتحاسبون من تحت الطاولة ؟ وفي حال ارادت الدولة تطبيق الضريبة التصاعدية فهل ستقوم بتشكيل جهازا محاسبيا بيروقراطيا أمينا اي ممتنع ومحصن من الرشوة والواسطة ، وقادر علي اكتشاف جرائم التهرب الضريبي وملاحقته قضائيا ؟ وهل سوف يتقبل المواطنين هذه الفكرة فرض الضريبة من الأساس ؟ وخصوصا اذا تم فرض الضريبة علي التركات تعادل ٢٠ او ٣٠ او ٤٠ بالمئة من التركة تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص التي ينص عليها الدستور هنا هذه الضريبة تسمي ( الضريبة الإيجابية ) يقابلها ( الضريبة السلبية ) وهي ( الحل ) اذا كان القصد تعديل توزيع الدخل لصالح الفقراء ، اي ان تتبع الحكومةٌ سياسة ( الضريبة السلبية ) اي ان تدفع الحكومة نسبة من الضريبة توازي نسبة الضريبة الإيجابية ، الي الفقراء وذوي الدخل المحدود . فمن يعجز عن دفع الضريبة تدفع له الحكومة مبلغا نقديا يوازي نسبة عجزه عن الدفع ، وبذلك يتحقق قدر محدود من العدالة في توزيع الدخل . هذا السيناريو يكون في حال اقدمت الحكومة علي فرض الضرائب علي المواطنين . واذا ما انتقلنا من موضوع الضرائب الي مسالة زيادة الرسوم المفروضة علي الخدمات العامة او إلغاء الدعم عن بعض السلع ، فالعقيدة الرسمية سوف تبرر زيادة الرسوم ، علي اعتبار ضرورة ان يساهم المواطن في كلفة الخدمة او السلعة لتقوية احساسه بالمسئولية ؟ وان يساهم المواطن في تخفيف الاعباء المالية المترتبة علي كاهل الدولة ، وبخاصة في الحالات آلتي ينخفض فيها سعر البترول ( النفط ) عن حد افتراضي كما هو حادث الان ( ٤٢دولار ) للبرميل . فَلَو افترضنا ان هذا الكلام صحيح اي ان تكون الرسوم والتي ستفرض علي المواطنين موازية لكلفة انتاج السلع والخدمات ؟ هنا الكلفة عالية لا بسبب ( تقني او اقتصادي ) وإنما بسبب ( الهدر ) المتولد من البطالة المقنعة المتضخم من سياسة التوظيف والذي يؤدي الي تضخم بند الرواتب والاجور ، ومن الفساد وسوء الادارة وهذا مأتم الإشارة له من هدف تشكيل الحكومة المصغرة ( تهدف الي الحد من النزيف الناجم عن الفساد والحد من التضخم في الجهاز التنفيذي للدولة ، إلغاء العديد من العلاوات للمناصب التنفيذية وتعديل الأوضاع والنثريات ، دمج بعض الوزارات وتصغير عدد الهيئات الحكومية بما يكفل خفض الإنفاق العام ) هذا ما جاء في مقال الغسرة . هنا من غير المعقول ولا المنطقي الطلب من المواطنين دفع رسوم متضخمة موازية للكلفة المتضخمة فمن الممكن الطلب من المواطنين ان يدفعوا رسوما تغطي الكلفة الإجمالية الحقيقية ، ولكن ليست المتضخمة لأسباب لا تدخل في عملية الانتاج بل اسباب تعود للفساد المالي والاداري ؟! ولو افترضنا ان هذا المطلب يمكن تحقيقه من قبل الحكومة المصغرة فسوف نعود مرة ثانية الي المربع الاول مالم تحل القضية الأساس وهي اذا كانت الرسوم تغطي كلفة الخدمات العامة ، معززة بضرائب الدخل والتركات فأين سيذهب دخل الدولة الريعي المتأتي من النفط ؟؟؟ وماهي أوجه التصرف في هذه الثروة الوطنية ؟؟؟ وهل سيستمر إعطاء الحكومة حق التصرف بهذه الثروة الوطنية من دون مشاركة فعالة ومن دون رقابة مستمرة من المشرعين وقوي المجتمع المدني ؟؟ ذلك ان قوي المجتمع المدني من قوي سياسية حية وفاعلة وغير مسيسة طائفيا ومذهبيا تبحث عن المصلحة العامة وليس مصالح طائفية مسيسة ومنضمات نقابية وطنية غير مسيسة طائفيا وجمعيات مهنية غير مطأفنة وتكتلات مصلحية وجمعيات نفع عام والتي لازال دورها مهمل بل ما هو موجود علي الساحة السياسة من جمعيات تشكل عجلات معطلة في آلية اغلب مشاريع سياسات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي فمن غير المعقول ان تنجح مشاريع الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وسياساته المتقدمة بدون مساهمة المواطنين الذين تسعي هذه السياسات والمشاريع لتحسين مستوي معيشتهم وتخفف من اعباء الحياة المتزايدة عليهم .
وهنا نبدأ بسؤال ماذا نعني ( بالإصلاح ) من منظور التنمية المستدامة والمرتبط بالبعد الإنساني ؟ الإصلاح لا يتعلق كما يفهم الكثير من المواطنين ( بالفلس والدينار ) فقط ، وإنما يتعلق ، بشكل اكبر وأكثر أهمية وأشد حسما ، ( بمستقبل المواطنين ) بتوقع حاجاتهم الانسانية وإعمار بيئتهم ، وبالتخطيط للتوسع العمراني كالإسكان المبرمج وتوسع المدن ، وبالسعي الي التخفيف التدريجي من الفوارق في الدخل ، وبالحد من الاحتكاك والتصادم والتناحر الاجتماعي الطائفي ، وكذلك بإصلاح الجهاز الحكومي والحد من الفساد الاداري والمالي ، وبتخليص عقلية المجتمع من عقلية ( الاستنقاع ) و ( التنفيع ) السائدة والمرتبطة بالعلاقة بين ( المعزّب والزبون ) بين أفراد الطبقة المستفيدة من سياسات الحكومة المنحازة للحلف الطبقي الضمني . ان اي عملية إصلاح لا تستهدف معالجة هذه ( المعضلات الوطنية ) لن يكتب لها النجاح . خصوصا في ظل عقلية اتجاه معسكر آلية السوق السائدة وهي ان سياسات دولة الرعاية الاجتماعية كلها شر ، يجب تصفيتها وإطلاق العنان لآلية السوق المنظم لذاته . وهم الذين يحاولون ان يرفعوا شعار ( حكومة اقل اي مصغرة ) اي قطاع عام مهمته التنسيق وليس الانتاج او التدخل في آلية السوق . ويفوت هؤلاء ان المطلوب ليس حكومة اقل اي مصغرة ، وإنما ( حكومة أفضل ) اي حكومة كفؤة تعتمد علي ( الجمع ) بين آلية السوق وبين تنمية المجتمع المدني ودعم سياسات دولة الرعاية الاجتماعية .
ونبدأ بسؤال هل هناك ( بدائل ) تحتفظ بمميزات ( الملكية العامة ) لموارد البلاد وتوفير الخدمات الاساسية بسعر معقول للجميع ، ولا تفرط بمبدأ ( الحرية ) وروح المنافسة في تحفيز الاقتصاد والمجتمع ورفع كفاءة النظم الإنتاجية ؟؟ ان التحول الي القطاع الخاص هو احد هذه البدائل ولكن هذا القطاع الخاص عندنا لا ينبثق من العملية الإنتاجية والقوي المنتجة الاجتماعية وبالتالي يراكم الرأسمال كما تم في الدول الرأسمالية بل دائما يتخذ بناء علي قرار سياسي ، اضافة الي شلل القطاع الخاص والذي يرجع الي عدم مقدرته علي الدخول في المشاريع التنموية الكبرى بسبب ضخامة الاستثمارات التي تتطلبها ، وبالذات الصناعي منها والذي يعود لبطء العائد علي الرأسمال المستثمر فيها والبحث عن المشاريع التي تدر ربحا سريعا كالمشاريع العقارية العملاقة . وهنا عندنا برزت ظاهرة وهي ان قرار التوسع في القطاع العام اتخذ من فبل الدولة بسبب عجز القطاع الخاص او احجامه عن المشاركة في التنمية وان التحول الي القطاع الخاص المطروح الان هو قرار تتخذه الدولة بسبب عجز القطاع العام عن التكيف مع متطلبات التنمية والهدر الذي يحدثه في الموارد بسبب غياب روح المنافسة والحوافز المادية . ان قرار التحول الي القطاع الخاص وبقرار سياسي يتمثل حقيقة في خلق او توسيع نطاق ( الطبقة المستفيدة ) ؟ من نظام الحكم علي المستوي الأعلى والاهم ، اي ان عملية التحول هي في النهاية ( احتضان سياسي لطبقة من الأعيان والمنتفعين ) اما ما نراه من تحول قطاع واسع في البحرين من القوي العاملة الي اصحاب ( ورش ودكاكين وقطع غيار ومصانع صغيرة ) لإنتاج سلع استهلاكية فهذه كلها مظهر او ملمح لا قيمة حقيقة له في مجال التنمية . إذن فالعنصر الفاعل في عملية التحول الي القطاع الخاص هو الدولة وبيروقراطية الدولة المركزية في المناصب العليا وحتي لو تم تحويل بعض مشاريع القطاع العام وشركاته الي القطاع الخاص فان هذا لا يقدم ولا يأخر من الحقيقة الراسخة وهي ان قبضة هذه البيروقراطية المركزية للدولة المهيمنة علي الاقتصاد والمجتمع لن تضعف سواء بوجود التخطيط المركزي والذي من الممكن ان يصوغه صندوق النقد العالمي او البنك المركزي العالمي بشكله الشامل او الجزئي او عن طريق السلطات الواسعة لهذه البيروقراطية في التشريع للقطاع الخاص ومن ثم إطلاق عنانة خصوصا في الظرف الراهن من الازمة الاقتصادية والاجتماعية في البحرين . والسؤال هنا ماهي الملامح الاساسية لهذا القطاع الخاص المطلوب تعزيزه او تحويل ملكية موارد البلاد اليه ؟ احدي الباحثات قامت بالرد علي هذا التسائل الملمح الاول في هذا القطاع الخاص هو انه مكون بشكل رئيسي من شركات ( فردية ) وليس عبر تكتلات او كارتيلات الخ وهي لا تتبع النظم المحاسبية المتقدمة وتعاني من تخلف انظمتها الإدارية ، وكثيرا ما تتوقف هذه الشركات بوفاة المؤسس او تنحسر نشاطاتها بعد جيل او جيلين ماعدا شركات البيوتات التجارية الكبرى فهي لا زالت مستمرة . الملمح الثاني هو ضعف التراكم الرأسمالي في القطاع الخاص مقاسا بضعف مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي وفي تكوين راس المال الثابت الاجمالي ، وفي اعادة استثمار العائد والملمح الثالث هو محدودية فرص الاستثمار المجدي وعدم امكان توسع القطاع الخاص بدون دعم حكومي مباشر . والملمح الرابع وهو المهم هو ان القطاع الخاص لا يستطيع ان يقوم علي قدميه من دون دعم حكومي كامل من توفير القروض الميسرة ، الي تخصيص القسائم الصناعية ، الي الاعفاءات الجمركية ، وتقديم الخدمات الاساسية من كهرباء وماء وغاز ، واستعمال البني التحتية بأسعار رمزية ثم ان العمالة في هذا القطاع والتي تعمل لبعض الوقت وتشكل نسبة كبيرة من العاملين في القطاع الخاص هم في الحقيقة عاملون في القطاع العام ، وكثيرا ما يستغل المقاولون من الباطن والعمال المهرة في القطاع الخاص والذين يعملون لحسابهم مرافق القطاع العام في ادائهم لأعمالهم ؟! . فإذا كانت هذه هي الملامح الاساسية للقطاع الخاص وضالة دوره في الاقتصاد وطبيعة تكوينه الطفيلية ، فما الذي يدفع الدولة الي اعادة بعض شركات القطاع العام ومنشآته اليه ( القطاع الخاص ) ان لم يكن هذا القرار هو قرار سياسي بني علي اعتبارات ايدلوجية متحيزة تستهدف خلق ( طبقة ) مستفيدة من نظام الحكم لتوسع قاعدة النظام الاجتماعية من دون المساس بدور الدولة المهيمن في الاقتصاد والمجتمع .
ونبدأ بسؤال هل هناك بدائل لعدم كفاءة القطاع العام وللعودة الي القطاع الخاص الذي لا يملك المؤهلات اللازمة للقيام بدور القطاع العام ، بالإضافة الي ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الفوارق الطبقية المتأتية من عدم عدالة توزيع الدخل الوطني ونسف مبدا المساواة والعدالة الاجتماعية التي ستترتب علي مثل هكذا تحول ؟ ان الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين يقولون نعم توجد بدائل واهم هذه البدائل ما يسمي ( مشروع اشتراكية السوق ) اي تحقيق الاشتراكية الانسانية والعدالة الاجتماعية في ظل التحرر السياسي والاقتصادي لقرب المجتمع المبدعة . والسؤال هو من هو الحامل لهذا المشروع ؟ انه كما يقول الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين ( القطاع الأهلي والتعاوني ) كبديل للقطاع الخاص وهم ينطلقون هنا من واقع وهو تقييم القطاعين العام والخاص ( علي أساس كونهما آليتين للتنمية ) وان مسالة التحول من القطاع العام الي القطاع الخاص يجب ان لا توضع بشكل متقابلة حدية اي السوق مقابل التخطيط المركزي كما حدث في بعض تجارب دول العالم ، لان السوق لا يتعارض مع التخطيط المركزي اذا اريد بالسوق اداة لإعطاء مؤشرات لعناصر تكوين الأسعار واذا قصد بالتخطيط المركزي ( التنسيق ) بين مشاريع مملوكة ملكية عامة ولكن تدار بشكل مستقل عن بيروقراطية الدولة المركزية . ولكي نفهم ما كتبه محمد الغسرة ( ١٠ الف موظف عام يتحولون الي ( إدارة ذاتية ) بالمستشفيات الحكومية ) الالية العمل علي تهيئة المنظومة الصحية بشكل كامل كاستقلالية المستشفيات وتخصيص ميزانيات المستشفيات بنظام ( الميزانية الكلية ) كما ان المشروع يأخذ في الاعتبار وضع القوي البشرية العاملة في القطاع الصحي ودراسة أفضل الطرق لإعطائها صلاحيات اكبر في ادارتها بشكل مباشر كبديل للنظام المالي الاداري المركزي المعمول به وان بعض الدول أخذت فترة عقد من الزمن للتحول الي التسيير الذاتي او الخاص في هذا المجال . والمستشفيات العامة سوف تتغير ادارتها الي تسيير ذاتي ويشرف علي المستشفيات مجالس أمناء يقترحها المجلس الأعلى للصحة وتعينها الحكومة ويكون مجلس الأمناء هو الحافظ لدور المستشفى المجتمعي والصحي . اما النظام المقترح لإدارة الصحة الأولية في القطاع الحكومي من المؤمل ان يتركز علي تعيين مجلس إدارة ممثل لمجموعات المراكز الصحية يفاوض الصندوق الضمان لتحديد نصيب الفرد ولتحديد المبلغ المطلوب لإدارة المراكز الصحية الأولية للإشراف علي التزامه بدوره المجتمعي ) . هل هذا الإصلاح يقع ضمن هذا القطاع الثالث اي القطاع الأهلي التعاوني ام لا.
ان العنصر الهام الذي سوف يحدد مكان الإصلاح في المؤسسة الصحية في البحرين والمقترح من قبل المجلس الأعلى للصحة والذي يجب ان يحسم منذ البداية ، هو ( ملكية هذا المشروع ) بالرغم من ان هذا المشروع لا يدر عائد ولا يعكس الكلفة الاجتماعية الحقيقية للإنتاج كالخدمة الاساسية في الصحة فهذه بطبيعة الحال ستبقي في ( ملكية الدولة ) ، ولا يعني ذلك التدخل المباشر لجهاز الدولة البيروقراطي التعسفي في إدارة هذا المشروع وهذا ما يحاول المشروع المقدم من المجلس الأعلى للصحة بتفاديه ، وذلك بضمان الحدود الدنيا او المواصفات القياسية لنوعية الحياة الصحية المناسبة للسكان هذا هو المأمول ، ولا يمنع ايضا من ان يدخل كل من القطاع الأهلي ان وجد والقطاع الخاص مجال المنافسة كما هو في مسالة الضمان الصحي للبحرينيين او الوافدين ، بشرط الالتزام بهذه المواصفات القياسية والحدود الدنيا المقبولة في توفير الخدمات الصحية . ولكن ماذا عن المشاريع الأخرى الغير خدماتية كالصحة والتعليم والأمن . فليس من المحتم ولا هناك الزام بإعادة هذه المشاريع الي القطاع الخاص ، اذ من الممكن ان يملكها جمهور المنتجين ( العمال ، الموظفين وغيرهم ) او جمهور المستفيدين في مشاريع الخدمات كما هو مقرر في إصلاح المؤسسة الصحية وذلك بشكل ( شركات مساهمة ) مفتوحة تخضع ادارتها لجمعيات عمومية اي تنتخب انتخابا حرا فهذا ما يمكن تسميته ( القطاع الأهلي ) والذي يمكن ان يتوسع اكثر بتوسع القطاع التعاوني في المجتمع بشكل مواز . بهذه الطريقة يتم فتح المجال لأسلوب اللامركزية في الادارة ، ويتم حصر مجال التخطيط المركزي في مهمات التنسيق ، ويتم فتح المجال في الوقت نفسه امام هذه المشاريع للمنافسة في سوق لا يقصد منه ( الربح ) بحد ذاته وإنما يستهدف توليد مؤشرات تعكس الكلفة الاجتماعية للإنتاج ( كعنصر أساسي في تكوين أسعار السلع والخدمات ) . ولا يمنع من ان تدخل شركات القطاع الخاص ومشاريعه مجال المنافسة في هذه الميادين وفي طرح اسهم هذه الشركات والمشاريع للتداول بشرط وضع ضوابط حدود قصوي لتملك هذه الأسهم لضمان عدم تركزها في أيد محددة . وهنا نصل الي خلاصة اهمية هذا القطاع الثالث اي الأهلي او التعاوني وهو ان اللامركزية في الادارة وتوسيع القطاع الأهلي والتعاوني لضمان الملكية العامة لموارد البلاد مع ترك مجال المنافسة مفتوحا مع القطاع الخاص ، هذه كلها تهدف الي تحقيق غرضين مزدوجين : أولهما : ان تحرير الاقتصاد لا يمكن ان يتم من دون الحرية السياسية والضمانات الدستورية لحقوق المواطنين وواجباتهم وبذلك نكون قد ضمنا توزيعا عادلا نسبيا للدخل من دون ان نكون قد ضحينا بالحريات السياسية والمشاركة الشعبية في الحكم . ثانيهما : ان الديمقراطية في السياسة لا بد من ان تكون مرتبطة بدمقراطية الاقتصاد وإلا فالواحدة لا معني لها من دون الأخرى . ان هذا المشروع لا يمثل مفتاحا سحريا لكل معضلات التنمية في البحرين ، ولكن هذا المشروع يمثل بديلا يستحق بذل المزيد من الجهود في البحث والتدقيق لتطويره ، ومعالجة الصعوبات التي سيواجهها فهو أفضل من التأرجح بين بديلين ثبت بالتجربة الفنية والتقنية والايدلوجية الصعوبات والمشاكل التي نتجت عنهما ولا إنسانية نتائجهما وهما التطبيق البيروقراطي التسلطي المعتمد علي القطاع العام ، وتركز الثروة في أيد قليلة في القطاع الخاص وما يولده هذ الواقع من بطالة وعدم عدالة في توزيع الموارد والمنافع والسلع والخدمات .
المرجع: كتاب آراء في فقه التخلف العرب والغرب في عصر العولمة . للكاتب خلدون حسن النقيب .