دار هذا الحوار حول نقد ماركس للملكية الدستورية البروسية في المانيا كما نظر لها هيجل. والتي عدها هيجل نهاية لتطور الدول السابقة سواء كانت جمهورية او ملكية.
أولاً نقد ماركس للسلطة التنفيذية.
ينطلق هيجل في فلسفته من الفكرة المطلقة والتي تتعين (تتبلور) في الواقع بشكل تاريخي وهي تسمى المثالية الموضوعية. بينما ماركس ينطلق من الواقع (المادي) من الجدل المادي الجدل الذي طوره ماركس من جدل هيجل المثالي.
أولاً نقد ماركس للسلطة التنفيذية.
كما ينظر هيجل ان السلطة التنفيذية تختص بتنفيذ قرارات الملك، وهي تضم سلطتي القضاء والشرطة ومهمتها اخضاع الجزء للكل (الشعب للدولة)، وجعل المصلحة الكلية فوق الاهداف الجزئية، واختصاصها بهذه المهمة يرجع في نظر هيجل ان المحافظة على المصلحة العامة للدولة يقتضي رد المصالح الجزئية الخاصة الي المصلحة العامة واخضاعها لها. وهذا يتطلب كما يقول هيجل، المراقبة من السلطة التنفيذية، وممثلي السلطة الحكومية اي: الموظفين المدنيين، والسلطات الاعلى السلطة التشريعية او السلطة العليا الاكثر سمواً، والمتصلة مباشرة بالملك. بهذا كانت الغاية الاساسية، من وجود السلطة التنفيذية، هي الوساطة بين ثنائية المصالح الخاصة والعامة (مصالح الشعب ومصالح الدولة)، بل اخضاع المصالح الخاصة للمصالح العامة. ويذكر هيجل: المصالح الخاصة هي مصالح الافراد، في المجتمع المدني وهي بمعزل تام عن المصالح الكلية او العامة للدولة. وادارة المصالح الخاصة في يد النقابات التجارية والمهنية والبلديات وموظفيها، وعمل هؤلاء جميعاً هو رعاية الملكية الخاصة او المصالح الخاصة، وهذه المصالح الخاصة ينبغي ان تخضع للمصلحة العامة او للمصلحة العليا للدولة، ذلك ان الحفاظ على المصلحة العامة للدولة يقتضي رد الجزء للكل واخضاعه له. وهذا لا يتم الا من خلال ممثلي السلطة الحكومية العليا، والسلطة التنفيذية.
يرى ماركس ان هيجل عندما يقول ان السلطة التنفيذية هي خضوع الجزء للكل هيجل مقتنع بهذا استناداً الى مقولة التعميم، وهيجل يتمسك بهذه المقولة، ومقتنع بوجود مطابق او موافق لها، وبهذا يعطي هيجل منطقه حسا سياسياً
هيجل ينظر الى ان موظفو السلطة التنفيذية غير مؤهلين بطبيعتهم للقيام بهذه الوظائف، وانما اختيارهم يرجع الي سلطة العرش او الملك، بوصفه السلطة العليا للدولة. وهذا الاختيار يضمن للدولة قضاء حاجاتها، ويضمن لكل مواطن امكان الاندماج في طبقة الموظفين. بل ان وظائف الدولة التي يسندها الملك الي موظفي السلطات تشكل جزءاً من الجانب الموضوعي لسيادة العرش كذلك يرى هيجل ان خدمة الدولة تقتضي من الموظف التضحية بالحاجات الفردية والاهداف الذاتية، والدولة تمنح الفرد وتشبع حاجاته في انجاز الواجب ففي الواجب فقط تتحد المصلحة الخاصة بالمصلحة العامة، وهذا الاتحاد هو قوام مبدأ الدولة. وفيه تختفي الحاجة التي تدفع الي البحث عن اشباع المصالح الخاصة على حساب الواجب. وفي ممارسة السلطة العامة يجد الذين كلفوا بممارستها، حماية من اهواء الذين تضررت مصالحهم بانتمائهم للكي (اي للمملكة الدستورية) ويرى هيجل ان حماية الدولة والمحكومين، من عبث سلطات الموظفين التنفيذيين، يسنده هيجل مباشرة الى التنظيم الهرمي للسلطة التنفيذية، ويقوم من ناحية اخرى على الاعتراف بالبلديات والنقابات المهنية، ويمنع التعسف الفردي من التدخل في ممارسة السلطة الممنوحة للموظفين. ويضيف هيجل، انه لكي يصبح الاتزان والبعد عن الهوى ومرونة السلوك، عادة يتحلى بها الموظف المدني، يجب ان يكون هناك تربية اخلاقية وعقلية مباشرة، تعادل ما يوجد في الية العلوم المرتبطة بالإدارة حتى تختفي وجهات النظر الذاتية، ونعتاد على النظرات والمصالح العامة. ويشكل اعضاء السلطة التنفيذية، وموظفو الدولة، القسم الرئيسي من الطبقة الوسطى، حيث نجد في هذه الطبقة، الوعي الحقوقي والذكاء المتطور لجمهور الشعب. ان مؤسسات السيادة على الجانب الاعلى من الطبقة الوسطى، وحقوق النقابات على الجانب الأدنى منها، اي من الطبقة الوسطى يمنعان هذا الوعي وذاك الذكاء من ان يتخذا موقفاً منفصلاً عن السلطات العليا، او ان تصبح الثقافة والمواهب وسائل للتعسف والسيطرة ان الموظفين المدنيين، او اعضاء السلطة التنفيذية يشكلان الجزء الاعظم من الطبقة الوسطى. وهيجل يمتدح هذه الطبقة بوصفها عماد الدولة من حيث التعليم والذكاء.
يرى ماركس: ان ما يقوله هيجل، عن السلطة التنفيذية يصل بالدولة الهيجيلية الي نقطة العبودية، وإنها مجرد وصف بسيط لموقف تجريبي في مملكة التوظيف البروسي. وما قاله هيجل عن السلطة التنفيذية، لا يستحق ان يسمى تطوراً فلسفياً. ذلك ان السلطة التنفيذية ليست شيئاً عدا (الادارة) التي طورها هيجل بوصفها بيروقراطية، بوصفها سلطة خاصة، يتخذ منها هيجل نقطة اتصال، بين الجزئي والكلي (بين الشعب / الدولة) لأن هيجل ينطلق من الفصل بين الدولة والمجتمع المدني، الفصل بين المصالح الخاصة والعامة وقامت البيروقراطية على اساس هذا الفصل، لتزعم القضاء على تلك الثنائية.
ويرى ماركس: ان ما يذكره هيجل من ان الحفاظ على المصلحة الكلية للدولة وشرعيتها، يجري تقسيم العمل في السلطة التنفيذية، واختيار فرد معين بالنسبة لوظيفة مدنية هو امتياز من حق السلطة الملكية. والمهمة الرسمية للموظفين هي العمل والواجب والانجاز، لذلك تدفع لهم الدولة. والحماية ضد سوء تصرف واخطاء البيروقراطية تقوم جزئياً على النظام الهرمي والمسئولية، ومن ناحية اخرى سلطة البلديات والنقابات وانسانيتها، وهي نتيجة للتربية المباشرة للسلوك الفكري والاخلاقي والموظفون المدنيون هم الجزء الاكبر من الطبقة الوسطى، وحتى لا تصبح الطبقة الوسطى مثل الطبقة الأرستقراطية، يجعل هيجل السيادة في القمة، وحقوق النقابات في القاع. ان الطبقة الوسطي هي طبقة التعليم التى اعطاها هيجل وصفً وهي البيروقراطية.
والان كيف يرى هيجل العلاقة بين البيروقراطية المركزية للدولة والنقابات
يرى هيجل ان النقابات تنشأ كنتيجة للنزاع بين المصالح الخاصة والمصالح العامة في المجتمع المدني، وفي الوقت ذاته تتحول الروح (مضمون النقابة) (الفكرة المطلقة) داخل روح (جوهر) الدولة، طالما وأنها تجد في الدولة وسيلة لبلوغ غايتها الخاصة، وهذا هو سر وطنية المواطنين، بمعنى يعرفون الدولة بوصفها جوهرهم. لان الدولة هي التي تحمي وتصون مصالحهم الخاصة وسلطتهم وثرواتهم، ففي الروح (الجوهر) النقابية تقوم مباشرة نقطة اتصال الجزئي (النقابي) بالكلي (الدولة) وهنا من وجهة نظر هيجل يبدو تطابق بين مضمون البيروقراطية والنقابات ذلك ان هيجل يرى ان البيروقراطية افتراض مسبق للنقابات والبيروقراطية هي الصورة السياسية للنقابة، والنقالة هي الصورة المدنية او المادية للبيروقراطية. والبيروقراطية هي روح (جوهر) النقابة. والنقابة هي بيروقراطية المجتمع المدني وهي كذلك نقابة الدولة. ومن هنا يحصل التناقض بين ان البيروقراطية بوصفها المجتمع المدني للدولة في نفس الوقت هي مضادة للنقابات في المجتمع المدني، ومن هنا تدخل البيروقراطية في صراع ضد النقابات. ان (الفكرة المطلقة او العقل والروح) الذي يخلق النقابة في المجتمع المدني، يخلق مقابلها البيروقراطية في الدولة، وعندما تحارب البيروقراطية النقابة، فذلك لكي تخلق مكاناً لوجودها الخاص يميزها عن النقابة، وعندما تسعى لمساندة النقابة تسعى لإنقاذ فقط الروح (مضمون) النقابة والذي يمثل البيروقراطية اي جوهر البيروقراطية الخاص. هنا النقابة كلية متخيلة للمصلحة الخاصة او الجزئية. اذاً البيروقراطية مجتمع مغلق خاص داخل الدولة. البيروقراطية تريد النقابة بوصفها قوة متخيلة وتوهم الفرد النقابي انه يملك هذه القوة المتخيلة وأنها يمثل مصلحته الخاصة في تضاد او تعارض مع البيروقراطية وفي نفس الوقت تحاول ان تفكك وحدة العمال او الموظفين بحيث تستخدم البيروقراطية ضد النقابات الآخرى اي ضد المصالح الخاصة للآخرين. هنا البيروقراطية والنقابات لهم مضمون واحد اولية المصالح الخاصة كمصالح عامة وهنا ان النقابي والبيروقراطي يشتركان في عقلية واحدة، مضمونها مضاد للهدف الاجتماعي ان البيروقراطية بوصفها نقابة كاملة فإنها تمتاز عن النقابة من حيث ان النقابة تشبه البيروقراطية، او انها بيروقراطية غير مكتملة. البيروقراطية تختزل النقابة الى المظهر، اي تريد ان تفعل هذا ولكنها تريد هذا المظهر ليعتقد بوجودها ك بيروقراطية. ان البيروقراطية الحكومية هي الدولة التي صنعت نفسها في المجتمع المدني، هي الدولة بوصفها (صورية) وبسبب هذه الصورية تشكل ذاتها كقوة او سلطة حقيقية، ذات مضمون مادي وهي في الحقيقة وهم الدولة. هذا الوهم كما يرى ماركس، هو زعم الوحدة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة التي يقيمها هيجل في البيروقراطية، وهي وحدة خيالية متناقضة، طبقة البيروقراطية ليست طبقة كلية او عامة، بل هي طبقة مزيفه، والعمومية التي يصف هيجل بها البيروقراطية، هي متخيلة لا تحقق الوحدة الحقيقية بين المصلحة العامة والخاصة، لأن من شأن هذه الطبقة ان تحول الحياة العامة لخدمة مصالحها الخاصة. وهذا هو هدفها وغايتها الحقيقية.
والان كيف يرى هيجل وماركس، العلاقة بين البيروقراطية والدولة السياسية.
الغاية والهدف الحقيقي للبيروقراطية في راي ماركس، غاية مضادة للدولة وروح (جوهر) البيروقراطية هي الروح (الجوهر) الصورية للدولة والصورية هنا بمعنى الشكل من دون المضمون، وتؤكد البيروقراطية ذاتها بأن تكون الغاية والهدف النهائي للدولة، لأن البيروقراطية تجعل اهدافها الصورية (الشكلية) مضمونها. وفي كل مكان تدخل في صراع مع الاهداف الحقيقية، اهداف الدولة تحولت الى اهداف البيروقراطية، واهداف البيروقراطية تحولت في اهداف الدولة ومن هنا كان تأكيد ماركس على الدور الذي رسمه هيجل للبيروقراطية ليس حقيقياً، لأن الهدف الحقيقي للبيروقراطية ليس هو اقامة الوحدة الحقيقية بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. والبيروقراطية هي الدولة المتخيلة (وهم)، الي جانب الدولة الحقيقية، انها روح (جوهر) الدولة والنتيجة كل شيء له معنى مزدوج، معنى حقيقي ومعنى بيروقراطي. وجود البيروقراطية هو وجود الدولة، والوجود والروح العامة البيروقراطية هي السرية، والسرية تحفظ داخلياً بواسطة النظام الهرمي للبيروقراطية، وخارجياً بوصفها نقابة مغلقة. لهذا بالنسبة للبيروقراطية السلطة هي مبدأ معرفتها ووجودها وعبارة السلطة هو عقليتها او جوهرها. ولكن في قلب البيروقراطية هذه الروحانية (الجوهر) تتحول الي مادية، مادية الطاعة العمياء والثقة في السلطة. ونظراً لأن اهتمام الفرد البيروقراطي، هو تتبع المواقع العليا في بناء الوظائف تصبح غاية الدولة غايته الخاصة، وهو يعتبر الحياة الحقيقية مادية خالصة وبأقصى قدر ممكن. ولما كانت الحياة الحقيقية مادية، فهي تصبح موضوع الفعل البيروقراطي، لأن حياته موصوفة ومحددة له من قبل، وغاية البيروقراطي وهدفه خارجة عنه، حياته هي البيروقراطية حيث تعطيه الزهو والسلطة والترهيب، والدولة توجد فقط كقوى بيروقراطية متباينة تقوم على الخضوع والطاعة الخرساء. والمعرفة الحقيقية تبدو خالية من المضمون كما تبدو الحياة الحقيقية ميتة. لذلك يستخدم البيروقراطي الدولة الحقيقية بشكل (يسوعي) ولا يهم إذا كانت هذه اليسوعية واعية او غير واعية. البيروقراطية مادية فظة، إلا انها تبين روحانيتها في ادارتها إن تفعل كل شيء، اي جعل الارادة السبب الاول. هذا هو نقد ماركس للبيروقراطية، ينتهي فيه الى اعلان رؤيته وفكره الخاص نحو البيروقراطية والدولة، وان وجودهما لا يحقق سوى الوحدة الصورية (الشكلية) وليس الوحدة الحقيقية، بين المصالح العامة والمصالح الخاصة. وهنا نلخص اهم نقاط نقد ماركس للبيروقراطية: – السلطة التنفيذية عند هيجل، ما هي إلا وصف للبيروقراطية البروسية، بيروقراطية الطاعة العمياء الخرساء وعبادة السلطة ولذا فإن ما يقوله هيجل عن السلطة التنفيذية لا يستحق ان يسمى تطوراً فلسفياً.
– كون هيجل يفصل بين الدولة والمجتمع المدني هو امر واقع في الدولة الحديثة، وهو تعبير عن الفصل بين المصالح العامة والمصالح الخاصة، فقط اتخذ هيجل من البيروقراطية (وسيطاً) يزعم به الاتحاد بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، ليقضي على الثنائية والفصل ويقيم مبدأ وحدة الدولة.
– الظن ان البيروقراطية تحقق الاتحاد بين المصالح الخاصة والعامة فذلك وهم الدولة، فالبيروقراطية إنما تحول المصالح العامة والكلية لخدمة اهدافها الخاصة.
– البيروقراطية والنقابات ما هي ألا اشكال دستورية، تختلف في الشكل وتتحد في المضمون والهدف، وهو استغلال المصالح العامة لتحقيق مصالحها الخاصة (كما ذكر لينين بصدد التريديونيات (نقابات الدولة)
– البيروقراطية ليست طبقة كلية او عامة، إنما هي طبقة عامة مزيفة.
ثانياً: طبيعة السلطة التشريعية: يرى هيجل في السلطة التشريعية بوصفها كلية، ويشعر بعمل اللحظتين الاخيرتين: العنصر الملكي، لأن القرار الاعلى يرجع اليه، وبعمل السلطة الحكومية (السلطة التنفيذية) بوصفها من يداول من يستشار في الامر بفضل معرفتها الشخصية ونظرتها الاجمالية ذات المظاهر الجزئية مع مبادئها الواقعية المقررة تماماً ومعرفتها لحاجات السلطات العامة في الدولة واللحظة الاخيرة في السلطة التشريعية، هي عنصر المؤسسات (يقصد مؤسسات المجتمع المدني).
من تكوين السلطة التشريعية على هذا النحو يرى ماركس إذا كانت السلطة التشريعية هي الكل، اذاً الملك والسلطة التنفيذية يجب ان يكونا بناءاً على هذه اللحظات للسلطة التشريعية، والمؤسسات هي السلطة التشريعية في تميز واختلاف عن الملك والسلطة التنفيذية.
السلطة التشريعية عند هيجل تنظم جملة:
– مبدأ السيادة
– وكلاء او نواب مبدأ السيادة، اعضاء السلطة التنفيذية
– المؤسسات او نواب المجتمع المدني، ويأتي نوابها من مصدرين
أولاً: طبقة اصحاب الملكية العقارية، واختيار هذه الطبقة السياسي هو بالنشأة والميلاد، وليس بالانتخاب شانهم شان الملك، يملكون ارادة ترتكز على ذاتها، ومشاركتها في السلطة التشريعية حق وراثي لهذه الطبقة.
ثانياً: والجزء الثاني من عنصر التمثيل او المؤسسات يأتي اعضاؤه او نوابه من النقابات والبلديات كتعيين عن المجتمع المدني، المبعثر في ذرات فردية.
يرى ماركس ان ما يريده هيجل هنا هو ان يجمع بين نظام المؤسسات الوسيط، ولكن في المعنى الحديث للسلطة التشريعية، اذ هو يتصور المؤسسات في تجريدهم الحديث عن المجتمع المدني طالما ان مبعثهم هو النقابات والبلديات ثم يحدد هيجل المؤسسات مرة ثانية وفقاً للاختلاف او التميز الطبقي للمجتمع المدني، هنا ينوه ماركس الى ان ما يجب ان نلتفت اليه، ان هيجل هنا لا يجعل التمايز الطبقي المدني (محدداً للمجال السياسي)، بل يجعل التمايز الطبقي المدني يشكل وينشأ وفقاً (لحاجة المجال السياسي ذاته)
ضمن إطار وظيفة السلطة التشريعية يضع هيجل طبيعة لمجلسين:
مجلس النواب؛ وهو الدستور السياسي للمجتمع المدني بالمعنى الحديث.
٢- بينما مجلس الامراء (او مجلس الشيوخ او مجلس شورى): هو الدستور السياسي للمجتمع المدني بالمعني المناسب للمؤسسات.
ويرى ماركس؛ ان هنا يبدو التضاد بين مجلس الامراء ومجلس النواب، من حيث ان مجلس الامراء هو المؤسسة، هو مبدأ المجتمع المدني، بينما مجلس النواب، هو تحقيق الوجود السياسي (المجرد) للمجتمع المدني. لذلك فإنه لا يمثل (وجود)المجتمع المدني، بل يمثل (وجوده) السياسي (الشكلي) فقط.
هيجل لا يريد ان تكون الدولة السياسية (محددة)بالمجتمع المدني، بل على العكس هو يريد ان يكون المجتمع المدني (محدداً)بالدولة، ويأخذ هيجل بالمؤسسات فقط في شكلها (الوسطي) الا انه يعطيهم معنى مضاد (ليحددهم) بالدولة السياسية، فالمؤسسات بوصفها ممثلة للنقابات وللهيئات المجتمع المدني لن تكون كلية تجريبية (منفصله)، لذلك تحتاج السلطة التشريعية الى (توسط) داخل ذاتها، وهذا التوسط يأتي من المؤسسات، لأن في السلطة التشريعية تفقد المؤسسات مغزى (وجود) المجتمع المدني وتصبح عنصراً اولياً، (تصبح)المجتمع المدني للسلطة التشريعية، والسلطة التشريعية هي جملة الدولة السياسية، وبسبب هذا يظهر تناقض الدولة السياسية حيث تتصادم المبادئ المختلفة داخل الدولة السياسية، بين عنصر السيادة وعنصر المؤسسات، ولكن في الحقيقية تناقض الدولة السياسية والمجتمع المدني، هو تناقض ذاتي للدولة السياسية. ومن ثم فأن التناقض في السلطة التشريعية ليس إلا تناقض الدولة السياسية (المجردة) مع ذاتها.
والان ننتقل الى نقد ماركس لآراء هيجل في وظيفة السلطة التشريعية بعد ان انتهينا من موضوع طبيعة السلطة التشريعية
يقول هيجل ان المغزى الحقيقي (للمؤسسات) (والمنظمات المجتمعية) يكمن في حقيقة أنه من خلالها تدخل الدولة الوعي الذاتي للشعب، ويبدأ الشعب المشاركة في الدولة.
يعلق ماركس: ان هذه العبارة الاخيرة صحيحة تماماً، في المؤسسات يبدأ الشعب المشاركة في الدولة، كما ان الدولة تدخل الي الوعي الذاتي بوصفها شيء مضاد، ولكن كيف استطاع هيجل، أن يعبر بشكل ممكن عن هذه البداية بوصفها واقع كامل. ان هيجل يجعل السلطة التشريعية او المؤسسات مصطلحاً (وسطاً) لكل تناقضات الدولة الحديثة. حيث يعتبر هيجل المؤسسات (واسطة) او (توسط) بين الحكومة عموماً من ناحية والشعب المبعثر الى دوائر مختلفة وافراد، وتتطلب المؤسسات حس سياسي واداري للإحساس بالمصالح الفردية او مصالح الافراد والجماعات الخاصة. تسير المؤسسات في اتجاه الدولة بقدر ما تسير في اتجاه مصالح الدوائر ومصالح الافراد الخاصة، ويعني وضعهم هذا في الوقت ذاته (توسطاً) مشتركاً مع السلطة التنفيذية المنظمة. وهو (توسط) يجعل سلطة الامير لا تظهر بوصفها حد أقصى منعزلاً ولا بوصفها مجرد سيطرة او هوى، كما تجعل مصالح البلديات والنقابات والمنظمات المجتمع المدني والافراد لا تنعزل اطلاقاً، وفضلاً عن ذلك والاكثر اهمية تمنع الافراد من أن يبدو اتجاه الدولة بوصفهم (كتلاً متراصة) بوصفهم رأياً وادارة غير عضوية اي غير تابعة، بوصفهم قوى عظيمة في مواجهة الدولة.
ينظر هيجل للدولة والسلطة التنفيذية على انهما متطابقان، ولكن الامة مفتتة الى تجمعات خاصة، ومن هنا كان دور المؤسسات كعضو (وسط) بين الاثنين، ذلك ان المؤسسات هي المصطلح (الوسط)، الذي فيه المعنى الاساسي والاداري يلتقيا ليتحدا مع مزاج الافراد والتجمعات او الشعب، والمؤسسات هي التركيب او التأليف الاعلى بين الدولة والمجتمع المدني، والسؤال الان كيف (تتوسط) المؤسسات بين مزاجين متناقضين ليسا متطابقين؟ المؤسسات مطلوبة لحل التناقض القائم بين الدولة والمجتمع المدني في داخل الدولة، وفي نفس الوقت هي مطلوبة لحل هذا التناقض. ومغزى المؤسسات، كما يقول هيجل هو المشاركة مع السلطة التنفيذية المنظمة، انها المصطلح (الوسط). ان المؤسسات في راي ماركس هي ليست (وسطا) فقط بين الشعب والسلطة التنفيذية، بل هي تمنع أيضاً الانفصال التام عن سلطة العرش، هذا الانفصال الذي يبدو به العرش تسلطاً. وتمنع أيضاً انفصال المصالح الخاصة، فضلاً عن ذلك تمنع المؤسسات الافراد، من ان يبدو في شكل او مظهر (الكتلة) هذه الوظيفة (الوسطية) للمؤسسات بالتشارك مع قوة السلطة التنفيذية المنظمة في الدولة، التى فيها موقع المؤسسات، تمنع الافراد من ان يكونوا في مظهر (الكتلة). وتمنع من اكتساب راي وارادة ما غير منظمة، وتمنعهم من التجمد في حزب كامل القوة، في موقع مضاد الدولة المنظمة. ذلك ان الدولة المنظمة توجد خارج (التكتل). وحتى لا يكون موضوع المصالح الخاصة للأشخاص والنقابات ومنظمات المجتمع المدني فاصلاً ذاته عن الدولة ولكن بالأحرى كون الافراد ممنوعين من ان يكون لهم مظهر (الكتلة) او التجمع وممنوعين من اكتساب راي منظم وارادة ومن التجمع في حزب قوي في موقع مضاد للدولة وبالتأكيد يصبح هنا التناقض غير واضح بين المصلحة الخاصة والدولة.
يتساءل ماركس، ما الذي يجعل (المؤسسات) تبدو (وسطاً) او توسطاً، بين المصلحة الخاصة والدولة؟
إنه مجرد(انفصال) المصالح الخاصة للأشخاص والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، أو في الحقيقة توازن مصالحهم (المنفصلة) وتبريرها مع الدولة من خلال (المؤسسات) النقابات الافراد منظمات المجتمع المدني الخ.، بينما في الوقت ذاته الرأي عند هؤلاء غير المنظم اي الذي لم تقدر الدولة ان تضعه تحت سيطرتها وارادة الكتلة عند هؤلاء والتجمع مستخدمين ارادتهم ونشاطهم في خلق (مؤسسات منفصلة)، بينما الهدف من (المؤسسات ان تحفظ الدولة من التجمع غير المنظم والذي يتحول الى تكتل، وفي نفس الوقت فأن(انفصال) المصالح الخاصة الافراد والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وهذا الانفصال بوصفه (فعل سياسي) تنجز من خلاله هذه المصالح الخاصة درجة من درجات الكلي والكلي عند هيجل هو الدولة، العقل الروح الفكرة المطلقة. وأخيراً (المؤسسات) تتوسط ضد انفصال سلطة العرش بوصفها طرفاً، حتى لا تبدو سلطة العرش مجرد سيطرة وتعسف. وبهذه الطريقة تمتنع سلطة العرش عن ان تكون تطرفاً وتعسفاً بالفعل، فلا تكن وحيدة الجانب. كما (تتوسط) (المؤسسات) ضد (انفصال) المصالح الخاصة، بأن تجعل هذا (الفصل) بوصفه فعلاً سياسياً، كما أن (المؤسسات تتوسط) ضد انفصال سلطة العرش بوصفها طرفاً، كما تصبح (المؤسسات) ذاتها جزءاً من هذه السلطة. وتجعل السلطة التنفيذية طرفاً أيضاً، لهذا فإن كل تناقضات الدولة الحديثة تتقارب في (المؤسسات) ذلك أن (المؤسسات) (تتوسط) في كل اتجاه لأن (المؤسسات) من كل اتجاه سواء مع سلطة العرش او السلطة التنفيذية هي مصطلح (وسط). والمصطلح الوسط سيف خشبي، يخفي التناقض بين الكلي (الدولة) والجزئي (الشعب). وهنا يرى هيجل أن المؤسسات تشارك السلطة التنفيذية كونها (وسط) بين الشعب والسيادة، وعلى نفس النحو تكون(المؤسسات) (وسطاً) بين المجتمع المدني والسلطة التنفيذية، وهنا صارت (السلطة التشريعية) كمؤسسة (وسطاُ)، وتركيب أقصى الطرفين: مبدأ السيادة والمجتمع المدني. هنا يريد هيجل أن يقيم في (التوسط) ما هو ليس مشتقاً من جوهره اي من جوهر السلطة التشريعية كمؤسسة حيث تشترك مؤسسة السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية، وتكون (وسطاً) بين ارادة السيادة وارادة المجتمع المدني. والسيادة يراها هيجل ممثلة في شخص الملك، ويتساءل ماركس اي نوع من السيادة هذا الذي يمكن ان يكون البديل عن وجود الشعب الوجود الحقيقي والروح العام في الدولة. ونكمل راي هيجل لما تكون السلطة التشريعية وسطاً مع السلطة التنفيذية، وتكون وسطاً بين ارادة السيادة وارادة المجتمع المدني، ولكن واقعهم كما لاحظ هيجل هو واقع مجرد، وتأخذ المؤسسات ومؤسسة السلطة التشريعية (من وجهة نظر المجتمع المدني) دور (الوكيل)، مثلما تأخذ السلطة التنفيذية دور (الوكيل) من وجهة نظر السيادة، ويمتنع مبدأ العرش في السلطة التنفيذية عن ان يكون الطرف الأقصى للسيادة، هنا يبدو المجتمع المدني في (المؤسسات ومنها مؤسسة السلطة التشريعية) لم يعد كلية تجريبية، ولكن مجرد معني اداري سياسي، اي أنه يختزل الى (لجنة) او (نيابة) وكلت ككل عضو مجرد. اي مجرد معنى اداري سياسي (موظف)
يبقى التضاد الممكن بين السلطة التنفيذية والمؤسسات، كعناصر في داخل السلطة التشريعية، غير أن هذه العناصر تبدو مستعدة لأن تصبح رإياً واحداً كيف يحدث ذلك؟ في العنصر (التنفيذي) للسلطة التشريعية، تسقط الفردية التجريبية(للسيادة) الى الارض، في عدد محدد من اشخاص مسؤولين، وفي المؤسسات المجتمع المدني يمجد ويعظم ذاته في عدد من رجال السياسة، ان كلا الجانبين فقد مناعته، فقد العرش في الجانب التنفيذي للسلطة التشريعية صلابته، وفقد المجتمع المدني في المؤسسات مرونته وعدم قدرته على المناورة والمراوغة، وصارت المؤسسات والسلطة التنفيذية وسطاً بين المجتمع المدني والسيادة، كما أن السيادة بوصفها طرف اقصي داخل السلطة التشريعية يجب ان تكون وسيطاً بين المؤسسات والسلطة التنفيذية، كما أن السلطة التنفيذية هي وسط بين السيادة والمؤسسات، وبين السيادة والمجتمع المدني. لذلك يرى ماركس، أن العبث الكامل لدولة (الوساطة) حين تكون الاطراف القصوى تلعب في آن دور الطرف (الأقصى)، وفي نفس الوقت تلعب دور(الوسيلة)، انهم كالعملة ذات الوجهين وجه من الامام ووجه من الخلف ويرى ماركس، أن الاطراف القصوى إذا كانت اطرافاً قصوى حقيقية، لا يمكن (التوسط) بينهما لأنها متناقضة في جوهرها، وليس بينها شيء مشترك، يمكن ان يشارك فيه طرف اخر. وهذا يعني من وجهة نظر ماركس أن تناقضات الدولة السياسية عند هيجل هي (صراع ذاتي)، هي تناقض الدولة السياسية المجردة مع ذاتها.
وعن علاقة المؤسسات بالسلطة التنفيذية، وإنها تقف موقفاً (وسطاً) بين الحكومة بشكل عام والشعب، فأن هذه السلطة التنفيذية تمثل سلطة ضد الشعب، اي تمثل (السلطة التنفيذية الموسعة)، وهنا يكون موقع المؤسسات الرجعي بما فيها السلطة التشريعية لأنهم كما يرى ماركس يشكلون جزءاً من السلطة التنفيذية ضد الشعب.
– السلطة التشريعية كذبة قانونية.
مضمون الكذبة كما هو وارد عند هيجل كما يراه ماركس هو في وضع (المؤسسات السياسية وعلاقتها بالسيادة)، وإنها من المفترض أن تتضمن امكانية التوافق بينهما كما تتضمن امكانية العداء، واستحالة العداء وتحقيق التوافق يتطلب عنصر (الحرية) حرية القرار، ومواجهة ارادة السيادة (سلطة العرش) والسلطة التنفيذية، ومن هنا فإن هذا العنصر لا ينتمي للمؤسسات كعنصر للحياة السياسية، بل بالأحرى. ينتمي للمؤسسات كعنصر ارادة السيادة والسلطة التنفيذية. المؤسسات يجب أن تقوم بما تريده ارادة السيادة، اذ إن ارادة السيادة هي التي تقوم وتؤسس بوصفها المؤسسات، والمؤسسات يجب أن تؤسس ذاتها بوصفها واقع وتحقق الارادة التي هي ليست ارادة المؤسسات، بل ارادة السيادة والسلطة التنفيذية. ويرى ماركس ان ما يريده هيجل هو لحظة السيادة الناتجة في المؤسسات، بها يتحقق (التوافق) ويستحيل (العداء)، ورغم هذا يرى ماركس ان هيجل لم يحقق او ينجز (التوافق) الذي اراده بين ارادة السيادة والمجتمع المدني في الدولة السياسية، بل ان (الكلي) (الدولة) عند هيجل يبقى عند نقطة امكانية (التوافق)، وهنا يرى ماركس: أن الوحدة الداخلية القائمة في الدولة السياسية بين ارادة السيادة والمجتمع هي وحدة وهمية. ولكنها وهم فعال يعتمد على العلاقة بين السيادة والمؤسسات التي تجعل ذاتها ملكية في وكالتها او تمثيلها المجتمع المدني. فتحقق ارادة السيادة في المؤسسات. ومن هنا فإن هذه الوحدة ليست من طبيعة واحدة، او ذات اساس وجودي واحد، اذ ليست المؤسسات سوى لحظة رومانتيكية للدولة السياسية، هي حلم (التوافق الداخلي) (والذي يعطي الشرعية للحكم) هي وجود رمزي ووهم فعال، ويصبح هذا الوهم مثيراً للسخرية عندما تتضح حقيقته الطبقية وارتباطه بطبقة موجهة بجوهرها نحو وظيفة (التوسط) وهي في الحالة البروسية. اصحاب الملكية العقارية اي الطبقة المسيطرة. وليس (التوسط) مهمة هذه الطبقة فحسب بل يري هيجل إن المؤسسات كلها لها هذه الوظيفة. ولهذا يرى ماركس أن المؤسسات هي كذبة قانونية بما فيها مؤسسة السلطة التشريعية للدولة الدستورية، والكذبة هي ان مصلحة الدولة هي مصلحة الشعب، أو ان مصلحة الشعب مصلحة الدولة. وقد اقامت هذه الكذبة ذاتها بوصفها سلطة تشريعية ولأنه في السلطة التشريعية الكلي (الدولة) يشكل مضمونها، فهي سلطة ميتافيزيقية الدولة (ما وراء الطبيعة)، وطالما إن نفس هذه الكذبة قد أقامت نفسها بوصفها سلطة تنفيذية فهي اما ان تحل مباشرة او تتحول الى حقيقة، أن المؤسسات وهم سياسي للمجتمع المدني، وذلك قد اشار له هيجل ذاته عندما قال: أن المؤسسات شيء صوري (شكلي) ووهمي وعالجها من جانب ووصفها بأنها غير مهمة، ومن جانب اخر بأنها مشكوك فيها، معنى هذا أن المؤسسات ليس لها صفة ذات مغزى.
(السلطة التشريعية كذبة قانونية)
مصدر هذه الكذبة القانونية:
1- أن الوعي العام اعتاد الاعتقاد على ان نواب الشعب يفهمون أحسن ما يكون الفهم، ما يتماشى مع خير الشعب ذاته.
2- وانهم يملكون دون شك أحسن ارادة لتحقيق هذا الخير،
ويرى هيجل فيما يتعلق بالنقطة الاولي، الشعب يمثل القسم الذي لا يعرف ما يريد. وان أكبر موظفي الدولة لديهم نظرة أعمق واشمل عن طبيعة انظمة الدولة وحاجاتها، ولديهم قدرة أكبر على القيام بهذه الاعمال، وبإمكانهم دون (المؤسسات) أن يفعلوا الافضل وهو واجبهم. ويرى هيجل فيما يتعلق بالإرادة الطيبة الخاصة بالمؤسسات، من اجل الخير العام وافتراض ارادة سيئة للحكومة هو رأي عامي تماماً ووجهة نظر سلبية، وهذا الافتراض يؤدي الى القول بأن المؤسسات تحترم المصلحة الفردية والمصلحة الخاصة، في حين ان اللحظات الآخرى للسلطة العامة توجد سلفاً من وجهة نظر الدولة، وتتصرف او تهتم بالغايات العامة.
يرى ماركس، وعلى حسب ما يذكره هيجل هنا، إن المؤسسات ومنها السلطة التشريعية نافلة لا لزوم لها، لأن الشعب لا يعرف ما يريده، وبالنسبة لتنفيذ الشئون العامة الموظفون يمكنهم القيام بها وانجازها دون المؤسسات، لذلك فإن المؤسسات في وجودها ومضمونها صورية شكلية خالصة ووهم لا لزوم له، واكثر من ذلك فإن عاطفة المؤسسات وارادتهم مشكوك فيها، انهم يبدأون من المصالح الخاصة، وفي الحقيقة نجد أن المصلحة الخاصة هي شؤونهم العامة، وليست الشئون العامة هي مصلحتهم الخاصة، وهذه النظرة للمؤسسات والشؤون العامة نجدها في الدولة الحديثة كما نجدها عند هيجل. ويرى ماركس: ان هيجل ليس ملوماً على رسم طبيعة الدولة الحديثة، بل بالأحرى هو ملوم على جعله ما هو قائم او كائن جوهر الدولة، والادعاء إن العقلاني او العقلي واقعي، وفي الدولة الدستورية مصلحة الدولة مصلحة صورية للشعب، مصلحة الدولة اصبحت الواقع الصوري بوصفه مصلحة الشعب، ويجب إن يكون لها هذا الوضع الصوري الشكلي، طالما وإن الدولة الحديثة قد اصبحت دولة صورية اي شكلية.
نلخص اهم نقاط نقد ماركس للسلطة التشريعية كما يراها هيجل.
1- ليس الدستور افتراضاً مسبقاً للسلطة التشريعية، وأن كان ثمة اسبقية زمنية فهي واجبة للسلطة التشريعية هي سلطة تنظيم الكل.
2- ولما كان هيجل يقرر اسبقية الدستور على السلطة التشريعية صار الدستور شيئاً ثابتاً، وكل ما هو واجب للسلطة التشريعية هو الاختيار والانتقاء من الدستور بشكل جزئي وعلى نحو (تدريجي)، اذ يمتنع عليها تغييره كلية. غير أن التحول التدريجي عند ماركس مقولة زائفة تاريخياً، وتلك المقولة لا توضع إلا إذا كانت الدولة السياسية دستور سياسي مجرد للدولة المادية، يمتنع فيها على السلطة التشريعية أن تثمر أية تغيير، ومن المستحيل أن يوجد دستور جديد دون تغيير حقيقي.
3- ولن تحقق السلطة التشريعية في ظل الملكية الدستورية مثل هذا التغيير ويتأكد ذلك من طبيعة السلطة التشريعية ذاتها ووظيفتها وايضاً حقيقتها.
4- تضم السلطة التشريعية في الملكية الدستورية:
* مبدأ السيادة.
* اعضاء السلطة التنفيذية.
المؤسسات نواب المجتمع المدني. ويأتي اعضاء المؤسسات من مصدرين
- طبقة اصحاب الملكية العقارية
نواب النقابات الحرفية والبلديات وفي الدولة الحديثة من منظمات المجتمع المدني. وفي المؤسسات يجمع هيجل بين النظام الوسيط (التوسط) (وفيه كانت الطبقات الاجتماعية طبقات سياسية) والمعنى الحديث للسلطة التشريعية الذي يعني الفصل والتجرد عن المجتمع المدني، وبهذا وضع هيجل مجلسين
- مجلس الامراء او الاعيان او الشورى: مبدأ المجتمع المدني.
- مجلس نواب: تحقق الوجود السياسي المجرد (وليس الواقعي) للمجتمع المدني.
5- ووظيفة المؤسسات عند هيجل هي حل التناقض القائم بين الدولة السياسية والمجتمع المدني، ف المؤسسات تتوسط بين انفصال المصالح الخاصة والعامة، وتتوسط بين سلطة العرش والسلطة التنفيذية، وتتوسط بين السلطة التنفيذية والشعب، وتتوسط بين سلطة العرش والشعب، انها (تتوسط) في كل اتجاه، إنها مصطلح (وسط) بين تناقضات الدولة الحديثة.
6- والوسط كما يرى ماركس، سيف خشبي يخفي التناقض ولا يحله، إن السلطة التشريعية في حقيقتها هي كذبة قانونية الدولة الدستورية، عندما تتوسط المؤسسات بين العرش والشعب تصبح جزءاً من سلطة العرش كعنصر ارادة السيادة، او ان ارادة السيادة صارت هي المؤسسات، وتنفصل بذلك جوهراً ومضموناً وهدفاً عن الشعب.
7- أن ارادة المؤسسات مشكوك فيها، يبدأ اعضاء المؤسسات من المصالح الخاصة، وتتحول مصالحهم الخاصة الى الشؤون العامة، ولكن لا تصبح الشؤون العامة مصالحهم الخاصة.
8- ولما كانت المؤسسات في الملكية الدستورية تمثل حقيقة ارادة السيادة هدفها الحقيقي هو مصلحتها بل متى كانت (وسيطاً) بين الشعب والسلطة التنفيذية صارت السلطة التشريعية حليفاً للسلطة التنفيذية ضد الشعب. وهذا يؤكد أن الوحدة الداخلية التي يقيمها هيجل بين الدولة السياسة او بين ارادة السيادة والمجتمع المدني هي وحدة وهمية.
المرجع: كتاب نقد فلسفة هيجل – دار التنوير