لكي تعود الحركة اليسارية قوة فعل وتغيير، يعني ان يعاد النظر في (الرؤية) وفي الدور، وفي الرابط الطبقي. من اجل اعادة صياغة المشروع للطبقة العاملة وكل من يعمل باجر وكذلك الطبقات الاجتماعية عموماً، في مواجهة الحلف الطبقي الضمني. المكون من (الملاكين العقاريين والعقاريين الجدد، والرأسمالية السمسارة، والبورجوازية المالية، والبورجوازية البيروقراطية في المناصب العليا، وراس المال المؤسلم). من اجل تحقيق التطور والحداثة في المشروع الاصلاحي. ومن هنا يجب تغيير النظر الحالي الي المنهجية والنظرية التي يتعاطى بها اليسار البحريني والتي تحولت الي عقيدة جامدة او ايديولوجيا مكتملة مطلقة الصحة كما يراها هذا اليسار الموجود حالياً، والانطلاق من ان المنهجية والنظرية هي (اداة وعي ومنهجية تحليل)، ان الانطلاق من العام من كون ان هذا اليسار يعبر عن الطبقة العاملة والطبقات الشعبية وكل من يعمل باجر ويخوض ذلك عبر الصراع الطبقي (وليس الطائفي او المذهبي)، وهو يعتبر ان التحليل الاقتصادي هو الحاسم في التحليل الاخير، وكون هذا اليسار يطالب بتحقيق المهام الديمقراطية في المشروع الاصلاحي. والعام هنا ما هو موجود في الواقع مصاغاً على المستوي النظري. ولكن هذا اليسار لم يكن في استطاعته ان يقدم او يطرح (رؤية واقعية)، او ان يقدم تحليلاً للواقع العياني من اجل صياغة الرؤية التي تحكم تغييره، ولذلك فاليسار البحريني أصبح بلا (رؤية). ذلك ان المنهجية العلمية لا تكتفي بما يهتم به هذا اليسار وهو(العام) ولا تنطلق المنهجية العلمية في حدود ذلك لأنها تنطلق من (الخاص)، اي من الواقع دون ان تتجاهل العام. فهي تنطلق من (الخاص) لصياغة العام المجرد. لهذا فالمطلوب من اليسار ان يقدم منهجية ورؤية تجعل وعي الواقع البحريني ممكناً، وتجعل وعي اليات تغيره ممكنة كذلك وهذا كان الغائب الاكبر لدي هذا اليسار. فالمنهجية العلمية لا تطرح صراع الطبقات مجرداً، ولا تؤكد على ضرورة التغيير فقط. ولا تنطلق من دور للطبقة العامة والطبقات الاجتماعية وكل من يعمل باجر لتحقيق كما يراه اليسار العقائدي الاشتراكية بشكل عام هكذا ؟!، انما تنطلق من واقع متبلور في المشروع الاصلاحي واقع محدد ومن ظرف معين (هنا ما بعد انهيار مشروع الدوار الانقلابي)، في اللحظة الراهنة، ومن صراع طبقي محدد ومسمي كما ذكرناه في البداية. وعلى اساس ذلك يمكن لليسار البحريني ان يبني التصورات ويؤسس الرؤية وان يقدر ان يقود حراك سياسي ومجتمعي. لهذا يحتاج اليسار البحريني الي بناء (رؤية) جديدة للنظرية والمنهج الذي يتبناه (وليس تجريب المجرب او تكرير المكرر)، تنطلق هذه الرؤية من انها اداة تحليل واساس وعي الواقع، اداة تغيير وقوة فعل الذي أصبح هذا الواقع مغترب عند هذا اليسار البحريني الراهن. وان ينطلق من البعد (المادي) حيث يكون الواقع عنصراً اولياً (واساسياُ) في المنهجية، لان هذا الواقع هو (الملموس) او في الحقيقة (المشخص)، ولا مشخص خارج الواقع، لهذا يتم الاشارة الي الصيرورة في المشروع الاصلاحي، حيث ان حركة الواقع هي ليس كما يراها هذا اليسار (ساكنة) بل هي جدلية، لأنها تتضمن التعدد والتنوع وبالتالي التناقض (وليس التماثل سواء مع الاسلام السياسي او مع نظام الحكم (اي وجود الضدين ومن ثم التركيب (القانون الثالث للجدل المادي نفي النفي)، كما تتضمن التراكم والتحول النوعي في المشروع الاصلاحي، وبالتالي التجاوز في اطار هذه الصيرورة، وكما راينا منذ ان تبلور المشروع الاصلاحي حوي (عناصر) متداخلة ومتشابكة، وكذلك متناقضة، ومنها من كان متنفذاً من الناحية الاقتصادية (والعلاقات الاقتصادية)، وصراع الطبقات، وكيف تبلور الوعي والفلسفة والدين عند هذا اليسار في السياسة عند كل اللاعبين السياسيين في المشروع الاصلاحي (الدولة والجمعيات) وكما راينا كيف انحكمت العلاقة فيما بينهم لصيرورات متعددة نتيجة التناقضات التي حدثت في المشروع الاصلاحي.
نطرح الفكر اليساري هنا للنقاش في البحرين، والسؤال هنا هل هناك فكر يساري في البحرين هذا اولاً؟ وبالتالي ما هو هذا الفكر اليساري؟ بمعني ما سيبدو الاهتمام بالمسألة الفكرية او النظرية ملفتاً، وسيبدو – كذلك في الوقت الراهن ضرورياً، حيث كان الانتماء للفكر اليساري وكما رأيناه عند كل الجمعيات السياسية (اليسارية) مسألة (عادية)، وليست بحاجة الي السؤال، حتى معني الفكر اليساري لم يحتاج الي السؤال، او النقاش، لأن الفكر اليساري عندهم مسألة واضحة، ومعروفة، دون عناء كبير، وهذا نقوله انطلاقاً من تجربة لنا في جمعية المنبر التقدمي ومن خلال لجنة اعداد الكادر، فقد تم تقسيم المهتمين بالفكر الي مجموعتين واحدة سميت (بالكباريه) اي من هم موجودون في اللجنة المركزية والمكتب السياسي لهم (تثقيف خاص)، اما اعضاء المنبر التقدمي فلهم تثقيف خاص اخر وهذا كان قبل احداث 14 فبراير، وكانت الاعداد الذين شاركوا في هذا التثقيف في البداية الي حد ما معقولة ولكن مع الوقت تم العزوف عنها سواء لدي (الكباريه) او اعضاء المنبر. والاساس في ذلك هو ان لديهم (فيض من الادبيات والكتب التي كانت (تشرح) الفكر اليساري وتقدم (النظرية المتكاملة) حولها. ليبدو الوضع وكان اعضاء المنبر التقدمي او من هم موجودون في اللجنة المركزية او المكتب السياسي يتقبلون تصورات ومفاهيم دون عناء وجهد، ودون حاجة للدراسة والبحث والشك والنقد او حتى التدقيق، فهذه الافكار هي (مطلقة الصحة) والتي تم نقلها من (العلماء السوفييت) الاكثر معرفة ودراية، وبالتالي محددي الفكر اليساري، وقد بينت احداث 14 فبراير ومشاركة المنبر التقدمي فيها صحة ما نذكره هنا حيث لم يكن هناك كادر وسطي مفكر ومثقف يقدر ان يربط ما بين القمة والقاعدة في المنبر مما ترك المجال للإسلام السياسي الشيعي هنا من ان يبلور ويأطر اعضاء المنبر التقدمي في الحراك السياسي وجعله يتبني الشعارات والمواقف والاجراءات. وهنا تم تعرية المنبر التقدمي من فكره اليساري ليكون في ذيل الجمعيات الاسلاموية. هذا التقبل (العفوي) للفكر اليساري كان يجعل الاسئلة عند كل اليسار البحريني نافلة، ويجعل صاحبها (اي صاحب الاسئلة) محرفاً، او فوضوياً، او من (الانتلجيسا) كثيرة الثرثرة (وقليلة الفعل !!). وبالتالي كان يجعل وعي الفكر اليساري مسألة مستحيلة ؛ لأنه وكما شاهدنا في هذه الاحداث كان يصب في (منطق الحفظ) والجمل الثورجية والقبول اليقيني وتأكيد ان هذا الحراك السياسي هو (الصحة المطلقة) لمفاهيم وشعارات وتصورات نقول – اليوم – انها لم تكن من الفكر اليساري في شيء، لأنها كانت جزءاً من (منظومة ايديولوجية)، تأسست كتعبير عن مصلحة فئات وشلة بيروقراطية متسلطة لدي كل الجمعيات اليسارية لاحظنا نهايتها المأساوية مع تداعيات الاحداث، وترافق ذلك مع الخفض (وربما كان التعبير الادق – هنا – هو ؛ الحط) من شأن الفكر والنظرية (والثقافة عموماً)، وبالتالي تكريس العفوية ذاتها وكما شاهدناها عند كل الجمعيات اليسارية في الممارسة (سيادة التكتيك) وغياب الاستراتيجية. لماذا نقول ذلك لأن الاجابة عن سؤال هذه الورقة هل هناك من عودة لليسار – في البحرين، تنطلق من تجاوز (هذا الفكر اليساري لدي هذه الجمعيات اليسارية) الذي حكم الفترة الماضية لمصلحة وعي (فكر يساري) حقيقي وليس مزيف، لهذا سيبدو الاهتمام بالفكر والنظرية مسألة هامة. وان يتم فتح الافق لحوار جاد حول (الفكر اليساري) او النظرية او (رؤية) لها الاهمية في تحقيق الممارسة المطابقة للواقع
لم يقدر اليسار في البحرين ان يلملم نفسه، مع التحول الذي حدث في البحرين في ظل طرح الوثيقة السياسية ميثاق العمل الوطني، بل كل ما فعله هو التشرذم في جمعيات عدة كل جمعية ربطت نفسها بتاريخ وامجاد الماضي متناسية المهمة الملقاة على عاتقها وهي ما هو دورها ومهماتها في ظل هذا المشروع (الاصلاحي)، والتي كانت تري ان ليس لها دور او ثقل في العمل الجماهيري من خلال هذا المشروع، بل هي تري انها غير جاهزة وان هناك تيار اسلاموي سواء كان شيعي او سني هو الذي سوف يلعب دور المعارضة وهو المنوط به مهمة (التحول الديمقراطي !!!؟)، ولعب النظام الحاكم ايضاً دور في تعزيز هذا الراي لدي اليسار البحريني بسماحه بتشكيل جمعيات الاسلام السياسي على اساس طائفي. وحدث ما حدث في 14 فبراير من محاولة الانقلاب على هذا المشروع الاصلاحي لمصلحة مشروع دولة دينية ذات محاصصة طائفية لان جمعيات الاسلام السياسي انبنت على اساس طائفي (سني / شيعي)، بمعني شق الصف الوطني والوحدة الوطنية ليس فقط في المؤسسات بل بين الشعب؟ وظهور الشرخ الطائفي. اذن ان خيار اليسار – في البحرين لعب دور مساند الاسلام السياسي في المعارضة السياسية اثبت افلاسه وخطره على المجتمع، وهذا ينطبق ايضاً على نظام الحكم حيث خسر الشعب في البحرين أكثر من عقد ليكون جزء من تجربة ديمقراطية ذات حريات عامة وبرلمان وجمعيات ونقابات وجمعيات مهنية.. الخ اي خسر المجتمع المدني المكاسب التي كان سوف يتحصل عليها في ظل هذا المشروع ميثاق العمل الوطني. هنا نلامس نقطة مهمة وهي اهمية (الخيار) والرهان على من يقود الحركة من اجل التغيير والديمقراطية في البحرين. ولكن هل توجد خيارات اخري بعد تداعيات كارثة الدوار والتي من خلالها يمكن ان يعود هذا اليسار – في البحرين في لعب دوره ومهمته الوطنية؟ من مثل ان يميل اليسار بعد هذه التجربة الفاشلة التي خاضها مع الاسلام السياسي الي الليبرالية؟ هذا كان محط اهتمام بعض من اعضاء اليسار ونخص هنا في المنبر التقدمي ووعد هذا كان مطروح حتى قبل احداث 14 فبراير حيث سلم مشروع هذا الخيار او هذا الميل لليبرالية لكي يتم تثقيف اعضاء الجمعيات به. وهو كان انزلاق هذا اليسار نحو الليبرالية ومنقلب الي الليبرالية او الي (الديمقراطية الليبرالية) في إطار برنامج مرحلي سياسي – اقتصادي – دستوري، مع المراهنة على الخارج الامريكي هنا. ارتبط هذا كما شاهدناه عند كل الجمعيات اليسارية وتمثل في تعظيم الديمقراطية، وبتحويلها الي بند وحيد عند الجمعيات اليسارية من مثل المنبر التقدمي وجمعية وعد والتجمع القومي … الخ. وكذلك بند وحيد في اجندة المجتمع البحريني. وبالتالي تفضي هذه (الضرورة الديمقراطية)، الي (شطط) من خلال عدم المقدرة على مسك موقع هذا الديمقراطية في إطار صيرورة التغيير المجتمعي؛ وذلك راجع الي ان اليسار – في البحرين قد عانى الاستبداد الطويل منذ تبلوره في البحرين. ومن هنا تم تضخيم الحاجة الي الديمقراطية في إطار الشعور الذاتي لأعضاء هذه الجمعيات، وطبعاً دون فهم وتملك لليبرالية ولا للديمقراطية الليبرالية، وربما نتيجة للاستبداد اي كونها جاءت كرد فعل على فعل الاستبداد ذاته.
تحدثنا عن ميل اليسار البحريني الي الليبرالية والي الديمقراطية الليبرالية والتي عززها من الناحية الايديولوجية مركز وحدة الدراسات العربية والذي كان مشروعه هو تثقيف الاسلام السياسي وكذلك اليسار العربي. والتركيز على خيار الانتقال الديمقراطي في الشكل وليس في المضمون حيث تم ادخال الاسلام السياسي الي جنة الديمقراطية مما جعل اليسار العربي واليسار البحريني ان يتبني هذا الشكل من القوي التي تحمل مشروع التحول الديمقراطي. وبالتالي إذا كانت الديمقراطية ضرورة، فإن المشكلة التي يمكن ان تكون خطيرة هي (الميل الليبرالي) الكاسح الذي بات يسكن اليسار، والذي أصبح هو الحاكم لوعي قطاعات واسعة، اتت من مختلف اطياف اليسار البحريني. وبقدر ما كان هذا اليسار (اشتراكياً) بات ليبرالياً في الشكل، بقدر حماسه للاشتراكية، أصبح متحمساً لليبرالية. مثلاً فهو ضد القطاع العام من حيث المبدأ، وليس ضد القطاع العام القائم الان لأنه يري ان الديمقراطية لا تقوم الا على الملكية الخاصة واقتصاد السوق، وان قوة الدولة الاستبدادية نتجت عن تحكمها بهذا القطاع العام وبالاقتصاد، دون ان يفسر العلاقة بين الاستبداد و (القطاع العام)، ودون ان يطرح البديل القطاع الثالث القطاع التعاوني التشاركي هنا تم الربط بين الديمقراطية والليبرالية ربطاً صورياً والانطلاق من الليبرالية اصبحت هي الصيرورة في واقعنا. هذا الميل الليبرالي كما هو الميل الاسلام السياسي يحتاج الي نقد، ليس من موقع ايديولوجي فهذا يجعل الانتقاد مثلوماً، ويقود الي حوار هو اقرب الي ال (التناحر)، لان اساسيات الحوار ان تكون متوفرة مادامت المسألة تطرح ضمن اطار ثلاث (خيارات) (اما الاسلام السياسي، او اما الاشتراكية او اما الليبرالية) دون ملاحظة الواقع البحريني ذاته، والتأسيس انطلاقاً من ممكناته، لان المسألة تتعلق في الاجابة عن سؤال : هل قاد الاسلام السياسي والتجربة التي خاضها منذ انطلاقة ميثاق العمل الوطني الي خدمة الطبقات الشعبية ام وظفها في خدمة اجندته السياسية من اجل انتزاع السلطة والقوة والثروة، وكذلك ما يخص الليبرالية كخيار هل هي ستقود الي خدمة الطبقات الشعبية. ما دام خيار اليسار – بمعناه العام – يعني ذلك بالتحديد؟ هل تقود الليبرالية الي تحسين امكانات العمل والوضع المعيشي والتعليمي والصحي؟ ام تفضي الي عكس ذلك تماماً؟ ومن زاوية اخري هل تفضي الليبرالية الي تحقيق (التطور الرأسمالي)؟ بمعني هل اليات السوق ودور البورجوازية هما اللذان يقودان الي تطوير القوي المنتجة البحرينية او الخليجية في الصناعة والزراعة، وتطوير الخدمات ومجمل الاقتصاد، وزيادة التراكم الرأسمالي؟ كما نراه في بعض دول مجلس التعاون الخليجي؟ فإذا كان يمكن التضحية بوضع الطبقات الشعبية، من اجل تحقيق التطور، الذي يعني – بالتحديد – التطور الصناعي والزراعي، فهل ان الليبرالية تقود الي ذلك؟ لا شك في ان لليسار دوراً اساسياً في تحقيق هذه او تلك او ان طابعه اليساري نابع من دوره في هذه او تلك او في الغالب هما معاً. وبالتالي ليس لاي منهما او كليهما، ان يساريته هي نتاج كونه يقدم تصوراً، يخدم التطور والطبقات الشعبية، او بشكل اخر، ان يساريته هي نتاج كونه يسعي لتهديم البني التقليدية المعيقة للتطور، والي تجاوز الوعي التقليدي سواء كان الطائفي او القبلي من اجل تأسيس بنية مجتمعية، تمتلك الحداثة، وتبني القوي المنتجة الحديثة وتؤسس البنية السياسية الفكرية الحديثة كذلك. لهذا يطرح سؤال ماذا تقدم الليبرالية الان؟
انتهينا في الحلقة السابقة الي سؤال ماذا تقدم الليبرالية الان في الوقت الراهن كخيار ومشروع لليسار البحريني؟ وبماذا تتقاطع مع مطامح اليسار؟ وبالأساس ما هي القوي الحاملة للمشروع الليبرالي؟ بمعني هل يمكن للمشروع الليبرالي ان يتحول الي مشروع واقعي؟ وبأي صيغة؟ ان الحلم الذي تبلور لدي اليسار بالليبرالية مع بداية انطلاقة المشروع الاصلاحي وتحت مظلة الوثيقة السياسية برنامج العمل الوطني. اتخذ مظهرين، او ان الليبرالية في الخطاب اليساري طرحت في سياقين، الاول يكرر المنطق القديم للحركة الاشتراكية والقائم على ان الهدف الواقعي هو تحقيق التطور الرأسمالي من خلال الليبرالية، في إطار نظام ديمقراطي برلماني (ولهذا تم التركيز على جملة (التحول الديمقراطي)، وهنا ترتبط الليبرالية والديمقراطية، في إطار دفع البورجوازية المحلية لقيادة السلطة والمجتمع. ولهذا سوف يتركز نشاط اليسار، في كسب البورجوازية، وفي دعمها؛ لكي تتحول الي سلطة؛ لأنها سوف تحقق ذلك، وهنا ال سوف هذه تطرح في سياق حتمي، وبالثقة المفرطة، في الربط الحتمي بين البورجوازية والديمقراطية والتطور الرأسمالي، وهذه الثقة المفرطة عند اليسار يفوح منها الطابع (الايديولوجي) للفكرة لأنها تكرر سياق التطور الرأسمالي الاوربي، في وضع في البحرين ودول مجلس التعاون، يختلف جذرياً – عن وضع اوروبا حينما تطورت الرأسمالية. هذا الحوار كان عام ويدور في كثير من لقاءات وتحليل الكثير من اليساريين في البحرين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والذي لم يتم الاخذ بالاعتبار ان مناقشة هذا المشروع الليبرالي من خلال البحث في التكوين الاقتصادي العالمي الراهن، وهل تسمح سيطرة الرأسمالية (الاوروبية / الامريكية / اليابانية) على العالم، وتفوقها، والهوة التي اوجدتها بين (الشمال والجنوب)، ولكن ايضاً التكوين الاحتكاري الذي باتت تتشكل فيه، وما نراه اليوم من حروب بين الإمبرياليات الحديثة روسيا الاتحادية والصين الشعبية وحلفائها إيران وكوريا الشمالية هل كل هذا يسمح بأن يتحقق التطور الرأسمالي في الامم المخلفة؟ حيث سنلمس هنا ان نشوء الرأسمالية في المراكز بات عنصر فعل، وعنصر فعل حاسم، في التطور العالمي وبالتالي بات يفرض تأثيرا على التطور ويفرض البحث في الطرق (غير العفوية) وغير (التقليدية) للتطور في الاطراف ومنها المحاولات التي تبذل في دول مجلس التعاون الخليجي لأخذ موقف الند من هذه الإمبرياليات ومن هيمنتها على المنطقة اي بدأت تأخذ نوع مغاير من التطور والحداثة بالرغم من صعوبة ان يتحول التراكم الرأسمالي البسيط الي التوظيف في الصناعة من اجل ان تبدا عملية تراكم طويله لكي يفرض ذلك ان تتحول الامة الي امة صناعية وفق صيرورة الرأسمالية الاوربية التي اتخذت اكثر من قرن ونصف لكي تتبلور في الشكل الذي اتخذته. وهذا ما تحاول القيام به دول مجلس التعاون بقيادة الملكة العربية السعودية بالرغم من اننا في عالم واحد، سوف يفرض التطور الرأسمالي على دول مجلس التعاون والمملكة العربية السعودية ان يتحقق في اطار سوق مفتوح (اقتصاد السوق)، الامر الذي يجعل فارق التطور بين دول مجلس التعاون وفارق التراكم الرأسمالي الهائل، و(التقنية)، والسوق العالمي الذي تحظي به رأسمالية المراكز، عنصر تأثير حاسم يحاول ان يخمد ميول التصنيع والتطور في المهد لدول مجلس التعاون، فهل سوف تقاوم هذه الدول هذا الاخماد والوقوف بالند من الدول الامبريالية ام ان رأسماليتها المحلية سوف تميل للنشاط الغير صناعي اي في القطاع المكمل للنمط الرأسمالي ؛ اي قطاع التجارة / الخدمات / المال ؛ وذلك خوفاً من ان وضع الرأسمال الثابت (اي الصناعة)، في عالم بات محكوماً، باحتكارات هائلة، مما يفضي الي دمار الرأسمالي ذاته. وبالتالي في هذا الوضع العياني هل سوف تقوم هذه الرأسمالية الناشئة لتبني مشروع بناء الصناعة والذي تقوده الملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي؟
في ظل المتغيرات الجذرية التي جرت في عدة من دول مجلس التعاون والتي بدء بها ولي عهد المملكة العربية السعودية من حجز اموال الكثير من الرأسماليين الفاسدين وحجزهم كذلك في فنادق الي ان يتم ارجاع ما تم نهبه من ثروات وطنية للبلاد. وكذلك نراه يحدث الان في دولة الكويت بعد ان تم حل البرلمان وبقرار من امير البلاد، وتداعيات هذه القرارات على بقية دول مجلس التعاون. وهذا كله له علاقة بعنوان الورقة هل من دور وعودة لليسار في – البحرين ذلك انه يمكن مناقشة هذه المسألة في الوضع العياني، فأين هي الرأسمالية الوطنية الحاملة للمشروع الليبرالي والتي يمكن ان يكون لديها مشروع بناء الصناعة او تطوير الزراعة؟ تارخياً لعبت البيوت التجارية الليبرالية دور وطني وان كان بشكل فردي سواء في مقاومة الاستعمار او في طرح برنامج وطني سياسي ديمقراطي بعد الاستقلال والذي نتج عنه برلمان السبعينيات. ولكن للأسف لم يستمر هذا الدور الوطني وتحولت البورجوازية الي بورجوازية سماسرة، وبالرغم من ذلك فأن المسألة هنا – ليست فردية، بل هي مسألة ميل فئة، استحوذت على التراكم المالي، ولم توظفه في قطاع الصناعة، واصبح هناك تشابكاً بين هذه البورجوازية السمسارة وكبار ملاك الاراضي والعقارين سواء القدماء منهم او الجدد من خلال تحويل التراكم لدي ملاك الارض والعقاريين، الي النشاط التجاري والمالي والخدماتي في الغالب او لبعض الصناعات البسيطة او التقليدية، الامر الذي فرض الحفاظ على التناقضات في القري وبطء استيعاب جيش العاطلين وجيش العمل الاحتياطي في المدن، والحفاظ على التكوين التقليدي للمجتمع، لهذا ارتبطت الصراعات الطبقية في القروي والمدينة، مع الشعور العام بالحاجة لتحقيق التطور، الذي كان يعني بالخصوص الصناعة في عملية متسارعة، تحقق التراكم السريع الذي يلبي حاجات المجتمع، ويزيل الطابع اللامتكافئ، في العلاقة مع المراكز الرأسمالية. هذا التناقض الطبقي عبر الترابط بين القري والمدينة استطاع اليسار في البحرين وكذلك في دول اخري من مجلس التعاون ان يعبر عن الميل العفوي للقري المضطهدة من اجل الغاء اللامتكافئ الداخلي من اجل اعادة توزيع الثروة بما يزيل الاختلال الذي احدثته بورجوازية المدن. وعندما تخلي اليسار عن دوره هذا في التسعينيات حل محله (الخيار الاسلام السياسي سواء كان شيعي او سني) وهذا الاسلام السياسي وبالذات الشيعي انطلق من الشعور بالغبن وكونه يمثل كما يدعي الاغلبية الشيعية مما جر التناقضات والصراع الطبقي الي ان يتمظهر على اساس طائفي مذهبي وشاهدنا كوارثه على الشعب والوحدة الوطنية وبروز الفتنة الطائفية في كل المناطق والجهات سواء في القري او المدن. مما أفرغ المشروع الاصلاحي من محتواه الوطني فما بالك بالمشروع الليبرالي الديمقراطي.
إذا كان خيار المشروع الليبرالي هو ما كان يراه اليسار ممكناً في ظل العمل العلني لهذا اليسار هنا السؤال هو هل في الواقع البحريني او في دول الخليج العربي بورجوازية، يمكنها ان تحمل مشروع التطور البورجوازي؟ الاجابة هنا ستكون بالإشارة الي افراد او عائلات (ووجهاء)، او اعيان، ولكن هل لدي هؤلاء الافراد او الشرائح ميل لتحويل الرأسمال، من النشاط التجاري، الي النشاط الصناعي، والزراعي. ربما حول جزء من الرأسمالية نشاطه الي الصناعة (في الغالب الخفيفة)، اي في ظل الحماية التي تفرضها الدولة. وهو رأسمال (لديه مخاوف من انفتاح السوق وهو لازال يطالب بحماية الدولة، لأنه يعتقد بان الانفتاح وتعميم اقتصاد السوق سوف يؤدي الي دمار نشاطه الصناعي. فلا زال القطاع الخاص ضمن إطار احتكار بيوتات تجارية لم تستطيع بلورة او افراز بورجوازية صناعية لها مصالح عميقة داخل الوطن، تجعلها تطالب بالمشاركة في اتخاذ القرار وحتى بيت التجار، ليست له القدرة حتى في انشاء تكتل في البرلمان، والسؤال هنا من اين نأتي بها لتحقيق التطور الرأسمالي؟ هنا تكمن مشكلة هذا الخيار او المشروع الليبرالي لدي اليسار الليبرالي – في البحرين. فهو يتعلق (بحلم)، لا حامل له في الواقع وهو بالتالي – لا يري الواقع، لهذا يغرق في (الايديولوجيا)، التي غالباً من يتهم خصومه بها، ان تقديم تصور يفرض البحث في الواقع عن حامله، والا كان التصور وهماً. وهذا يفرض لماذا لم تتشكل الطبقة المعنية، بحمل المشروع البورجوازي؟ بالرغم من اننا في إحدى الاوراق وهي ورقة برنامج ومشروع لليسار البحريني أشرنا الي وجود حلف ضمني مشكل من الملاكين العقاريين والعقاريين الجدد وكذلك البورجوازية السمسارة والبورجوازية البيروقراطية في المناصب العليا في الدولة والبورجوازية المالية المصرفية. الا ان كل واحدة هي متنفذة اقتصادياً وليس سياسياً وليست موحدة حتى في ظل ما يسمي غرفة تجارة وصناعة البحرين (بيت التجار) ولم تشكل لها جمعية سياسية. وهذا يفرض سؤال لماذا لم تتشكل الطبقة البورجوازية المناط بها حمل المشروع البورجوازي الديمقراطي الليبرالي؟ والمسألة – هنا – لا تتعلق بهيمنة الدولة على الاقتصاد؛ لأن البلدان الأخرى التي ظلت (تتطور) في ظل الاقتصاد الحر. لم تتشكل فيها طبقة بورجوازية معنية بهذا المشروع، وبالتالي يجب الاجابة عن السؤال لماذا يتمركز التراكم الرأسمالي المحلي في قطاع التجارة / الخدمات / المال؟ اذاً بتبني هذا اليسار الليبرالي الليبرالية الديمقراطية تصوراً للتطور، لا حامل له، وبالتالي فهو تصور وهمي كما هو التصور الوهمي ان يكون الاسلام السياسي هو الحامل للتطور والذي راهنت عليه كل اطياف اليسار في البحرين. والذي قاد هذا اليسار الي الكارثة. فقد عبرت القري عن نقمتها فقط؛ وقادها اسلام سياسي مذهبي طائفي متطرف. لأن اليسار في البحرين لم يكن يحمل حلم التغيير ولم يقود هو الحراك السياسي، بل عمل لصالح الاسلام السياسي، بدل ان يحمل اليسار مشروعه الخاص. السياق الثاني الذي تطرح فيه الليبرالية في الخطاب اليساري هو الاندماج في العولمة، والحماس الشديد لليبرالية الجديدة التي تحملها (وحتى لو كان هناك قسم من هذا اليسار ينتقدها الا انه انتقاد سطحي وشعارات فقط لا غير)، وهذا استتبع لدي قطاع من اليسار الليبرالي – القبول بكل السياسات التي تمارسها الرأسماليات الامبريالية. وهنا المسألة لا تعود تتعلق بمشروع بورجوازي محلي للتطور بل تتعلق بعد الرأسمالية الاوربية الغربية وامريكا هي حاملة رسالة التطور والحداثة والديمقراطية.
ان خطر تبني اليسار للخيار الليبرالي يكمن في ان هذا المشروع الليبرالي يجري التأكيد من خلاله، على ضرورة سيادة اقتصاد السوق وانهاء دور الدولة الحمائي، والاستثماري والاهم الاجتماعي (ضمان حق العمل، الضمان الصحي والاجتماعي، مجانية التعليم، توازن الاسعار والاجور …الخ) وهذا ما نشاهده اليوم من التردي الحاد في الحياة المعيشية للمواطنين والبطالة المتفشية الخ. وكذلك إطلاق يد السوق؛ لكي تتحقق (المشاريع الكبيرة والمعجزات) تحت شعار دعه يعمل دعه يمر. كما يجري ربط ذلك بالديمقراطية (وهنا السلطة التشريعية) مجلس النواب. على عد ان اقتصاد السوق ملازم للحريات (حرية الرأسمال) الملازم للديمقراطية (حتماً). وهنا يأتي السؤال: هل ان الاندماج في الاقتصاد العالمي، وتعميم اقتصاد السوق والخصخصة – عبر انسحاب الدولة من الدور الذي لعبته خلال العقود الماضية، سواء فيما يتعلق (بدولة الرعاية الاجتماعية)، وما يتعلق بدورها الحمائي (التحكم بالتجارة الخارجية)، والاستثماري (القطاع العام) رغم كل الملاحظات النقدية عليه، والاجتماعي (ضمان حق العمل، الضمان الصحي، والاجتماعي، مجانية التعليم، توازن الاسعار والاجور) – يقود الي تطوير الاقتصاد، واستمرار بناء القوي المنتجة الصناعية والزراعية؟ وبالتالي تحسين وتطوير مستوي المعيشة المتردي للفئات والطبقات الشعبية وضمان حق العمل والضمان الاجتماعي الصحي ومجانية التعليم او اي منها على الاقل؟ هنا لم يقوم اليسار الليبرالي في البحرين بدراسة وملاحظة تجارب البلدان الأخرى ولم يرد ان يلحظ هذه التجارب؛ لأنها توضح عكس ما يحاول ان ينشر من افكار، او لأنها تضفي قناعة على التصور الوردي الذي يرسمه للاندماج في العولمة، او لان تعلقه الايديولوجي هو أكبر من حاجته لفهم تلك التجارب ودراسة الواقع خصوصاً وانه كان للتو قد خرج للعمل العلني مع بداية المشروع الاصلاحي. على كل ستبدو التجربة مدمرة، ونتائجها واضحة للعيان؛ حيث يزداد النهب المحلي والدولي وتتبلور فئة محددة او حلف ضمني كما ذكرنا تمتلك الملايين، ويرتدي الوضع المعيشي للفئات والطبقات الاجتماعية ويتم تهميش الكثير من الايدي العاملة المحلية وتتأكل الطبقة الوسطي، وينهار القطاع المنتج، ويتصاعد عجز الميزان التجاري ومديونية الدولة، وتزداد الحاجة لاستيراد السلع من المراكز الرأسمالية. وبالرجوع الي تجارب البلدان العربية والتي انتهي مشروع التطور والحداثة فيها (مصر مثلاً) ولم ينشأ مشروع تطور في البلدان التي ظلت دون تغيير (مثل المغرب)، واعيد ربط اقتصادات هذه الدول كما هو الحادث لدينا بالشركات الاحتكارية الرأسمالية، وباتت مجال للنهب الهائل، دون لمس اي تطور صناعي او زراعي او خدمي او تعليمي او صحي، وازدادت البطالة زيادة هائلة. والصناعات التي يقال انها قدمت من الخارج لم تعد ان تكون سوي صناعات تجميعية (السيارات في مصر)، والتي كانت قابلة للرحيل كما حدث في مصر. والاستثمارات التي قدمت تمركزت في صناعات سابقة ناجحة (النسيج والاسمنت).
تلخيصاً للتجربة المصرية ومألتاها حيث كانت النتيجة تعميم اقتصاد السوق والذي قاد الي انهيار اقتصادي شامل، وازمة اجتماعية عميقة. وهنا في دول الخليج ومنها البحرين ليس الحل في الحفاظ على هو قائم حتماً ؛ لأن على اليسار البحريني ان يعبر عن الازمة الاجتماعية القائمة والتردي الحاد في المعيشة الآن، لا ان يندفع – نكاية بما هو قائم – من كون الدولة هو رب العمل الاول وانها مهيمنة على الاقتصاد – لا يندفع – نكاية بما هو قائم – الي الدعوة لتعميم اقتصاد السوق، والاندماج في العولمة، رغم ان الدولة كسلطة سبقت هذا اليسار الليبرالي في هذا الطريق ؛ حيث تعمل القوي المتنفذة على تكييف وضعها، في اطار النمط الرأسمالي العالمي، وترتيب وجودها ونشاطها من خلاله، وبالتالي التحول الي وكلاء شركات امبريالية ؛ وتجار استيراد ووكلاء تصدير المواد الاولية، واللافت هنا – ان النقيضين : اي السلطة واليسار الذي كان خياره الليبرالية يبدو انهما يسيران في طريق، يفرض التقائهما، ليبدو انه اتحاد بين الرأسمال والسياسي اليساري، وبالتالي يبدو تناقضهما الراهن دون اساس، ولتكون النهاية سريالية. (خيالية). لكن اصرار اليسار على الليبرالية لن يفضي سوي الي هذه النهاية الخيالية، وبالتالي ليبدو ان (حقده) الراهن هو على شبح وكونه توهم. والمشكلة التي ستواجه هذا اليسار تتمثل في ان هذا التكوين الاقتصادي الذي يتشكل ان يكون مؤاتياً لتحقيق الديمقراطية، بل يمكن ان تحقق بعض الانفراج الديمقراطي وشكلاً هامشياً للديمقراطية، عبر حق اقرار وجود الجمعيات السياسية والاتحادات العمالية والجمعيات المهنية، وحرية الصحافة والانتخاب … الخ. لكن السؤال هنا المهم هل يعزل هذه الجمعيات والاتحادات والنقابات الخ عن الشعب عبر تفريغ هذه الجمعيات من اليات عملها لتكون حلقة وصل مع الطبقات الشعبية التي تستهدفها هذه الجمعيات وتمنع ادوات الضغط لدي هذه الجمعيات من اليات المطالبة بالحقوق عبر المسيرات والتظاهر من اجل المطالبات المشروعة والمسئولة، وان تربط الدولة كل ذلك النشاط الجماهيري ب (موافقة وزارة الداخلية) وايضاً عبر انتخابات برلمانية معدة سلفاً. صحيح انه كان لنا في تجربة المشروع الاصلاحي نموذج للعبة سياسية كانت لها قواعد متفق عليها بين الحكم وما يسمي بالمعارضة في البحرين والتي لم تقدر ولم تكون مسئولة هذه الجمعيات عن الحراك السياسي الذي جربته هذه الجمعيات في ظل هذا المشروع والذي كانت نهايته احداث 14 فبراير بقيامها بثورة وهمية بعيدة كل البعد عن النصر من اجل الشعب بل كانت تعبر عن مصالح طوائف تبحث عن السلطة والقوة والثروة ولا يوجد لها وضع ثوري. كان موقف اليسار هو الموافقة على كل ذلك، على اساس انه خطوة اولي لكنها ستكون الاخيرة كذلك حيث شاهدنا من تشرذم هذا اليسار وتفكك وتم حله والباقي هو في مرحلة التلاشي. حيث بين هذا الصراع الاجتماعي مدي هشاشة هذه الديمقراطية، وانعزال ذاك اليسار عنها.
ان مرض اليسار البحريني في ظل المشروع الاصلاحي وخوضه للخيار الليبرالي تمثل في مرض هذا اليسار في القبول للأمر الواقع، في الغالب، واذا رفض امر واقع، فسيقبل امر واقع أخر، وهو – دائماً من خلال هذه التجربة يميل الي ان يكون في ظل آخر، في ظل الاسلام السياسي، وفي ظل البورجوازية، او في ظل النظام، او في ظل العولمة، بمعني انه لا يسعي لأن يكون هو ذات مستقلة، لها رؤيتها ودورها وموقفها من الواقع، ومن كل التيارات وبالأخص من تيار الاسلام السياسي السني والشيعي، فكما نري المنبر لغاية الان يصدر بيانات مع جمعيات الاسلام السياسي السني بعد ان تم حل جمعيات الاسلام السياسي الشيعي، من دون ان يلعب الدور الاساس ليقود حركة الاخرين، ان عدم تبلور الجمعيات اليسارية كذات، وتبلور رؤيتها، وميلها لأن تقود هي الطبقات الشعبية، يجعلها تتكيف مع من هو مهيمن او من يملك القوة المهيمنة، سواء في المعارضة او السلطة كما كنا نسمع عند جمعية وعد (الاسلام السياسي المسيطر)، لهذا نري هذا اليسار ينساق مع موجة (الديمقراطية التوافقية) التي طرحها الاسلام السياسي او مع موجة (الديمقراطية) والليبرالية التي انطلقت بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وهو هنا يحمل البورجوازية كما حمل الاسلام السياسي على اكتافه قابلاً بقيادتها، ويفوضها بالحديث باسمه، ومصراً على ذلك، ثم يلتحق بالنظام بعد انهيار كارثة الدوار ولكن من اجل ماذا ؟ هل من اجل تحقيق (الاشتراكية) في ظل الخيار الليبرالي الديمقراطي معا النظام؟! ومقاومة الامبريالية (يداً بيد). كما انجرف هذا اليسار بكل اطيافه خلف الحركة الاصولية (الاسلام السياسي) تحت ذريعة مقاومة (الاستكبار العالمي) عبر المحور المزيف محور المقاومة والممانعة كما هو حادث في اللحظة الراهنة وحتى ما قبلها. إن مشكلة اليسار البحريني تتمثل في انه لم يكن (يعي) معني اليسار، ولا اهمية دوره، وايضاً الامكانات التي يتمتع بها؛ لكي يصبح القوة الفاعلة الاساسية وليس ملحق بالآخر سواء الحركة الاصولية او النظام. اذن كما أشرنا القبول بالأمر الواقع هو (مرض اليسار البحريني)، لهذا نراه ينساق مع الموجة العالية ومع اي حراك سياسي وكأن لا (هوية) ولا (شخصية) له، ولا (ذات)، ولا (وزن)، رغم ان لدوره اهمية كبيرة في تغيير الواقع؛ لأنه الوحيد القادر على التعبير عن الطبقات الشعبية وفق رؤية فكرية واقتصادية واجتماعية تنطلق وفق استراتيجية تغييرية عميقة. لهذا يجب معالجة هشاشة التكوين لهذا اليسار من اجل تأسيس يسار بحريني حقيقي، لا يلحق بالموجة، بل يفعل الحركة الواقعية عبر الحركة من اجل التغيير والديمقراطية، بما يقود الي تحقيق التغيير الحقيقي وليس الوهمي.
. الان من الضروري تجاوز الاسلام السياسي بشقيه، وتجاوز الليبرالية، واعادة الارتباط بالطاقات الشعبية لكي يتحقق التطور المجتمعي. فهذه هي مهمة اليسار البحريني الان، والتي لن تتحقق الا عبر تخلي هذا اليسار عن خيار الاسلام السياسي او الخيار الليبرالي، دون ان يعد البديل هو الخيار الاشتراكي فلا يزال امام اليسار هدف تحقيق المهمات الديمقراطية، التي تعني تحقيق التطور الصناعي / المجتمعي. هذه هي مهمته الاولي الان؛ حيث انه هو الذي يمتلك الامكانية لتحقيق التطور، وتحسين وضع الطبقات الشعبية. وبهذا فان اليسار – في ميله الليبرالي – لا يفعل سوي الغاء ذاته لمصلحة فئات وشرائح وبورجوازية سماسرة في الغالب. والي الدعوة لخيارات تزيد ابتعاد الطبقات الشعبية عنه، ليتحول الي (شلة) او (ثلة) من السياسيين الذين ينتظرون وصول قطار السلطة اي سلطة. ولتكون (الشعارات الكبيرة) حول دور الرأسمالية التاريخي، او الدور التاريخي للعولمة، هي القشرة الهشة لتمويه هذا المسار، بينما الواقع يدفع نحو تعميق الصراع الطبقي، ويفرض البحث عن خيار شعبي وليس شعبوي حقيقي، يكون لليسار الدور المركزي فيه.
بعد ان ناقشنا اهمية تجاوز الخيار او الميل الليبرالي لليسار في البحرين، سوف نناقش مسألة كيف ربط هذا اليسار هذا الميل الليبرالي بالمنهجية العلمية وبالذات موقف ماركس من الليبرالية، وماركس كليبرالي: وهنا يقع تحليل ماركس للوضع في المانيا عاداً هذا اليسار ان ماركس رسم سياسة، تقوم على التحالف مع البورجوازية، ودعم التطور الرأسمالي، مستنتجاً هذا اليسار بأن ذلك يشكل قانوناً عاماً، يجب على كل الامم الالتزام به. لم ينظر هذا اليسار في تحليل موقف ماركس من ان لماركس مواقف متعددة من مسار التطور في المانيا بل بمعني ان ماركس كان يحلل الواقع، وعبر ذلك يصل الي استنتاجات، ولأن الواقع كما يعي ماركس هو متغير وليس ثابت فقد بدا انه يضع خيارات مختلفة لمسار التطور في المانيا فهو كان يطرح منذ زمن – مسألة اقامة (الجمهورية الاجتماعية) في المانيا و (الجمهورية الاشتراكية)، و (الجمهورية الحمراء)، انطلاقاً من ان تاريخ الطبقة الوسطي البروسية والطبقة الوسطي الالمانية يظهر – بشكل عام – (ثورة بورجوازية خالصة)، تقييم حكماً بورجوازياً، على شكل مملكة دستورية هي مستحيلة في المانيا. وان الخيارين الوحيدين هما اما ثورة مضادة اقطاعية استبدادية، او ثورة (جمهورية اجتماعية)، في تلك الفترة كانت الرأسمالية لا تزال تتشكل في المانيا بعد انتصارها في انجلترا وفرنسا، لكنهما كانت متشابكة مع الاقطاع، ولا تميل لتحطيم العلاقات الاقطاعية، الامر الذي جعله يبحث في السبل التي تؤدي الي تحقيق الثورة الديمقراطية، لهذا اشار الي اكثر من (خيار) في سياق تحليله للصراع الواقعي : (خيار البورجوازية)، و (خيار البورجوازية الصغيرة)، و (خيار الطبقة العاملة)، وهو هنا لا ينطلق من (المنطق الخطي)، الذي بات يسم اليسار بعدئذ، بل كان ينطلق من تعدد الاحتمالات، لهذا اشار في (البيان الشيوعي) الي ان الصراع الطبقي يقود اما الي انتصار احدي الطبقتين المتصارعتين، او الي انهيارهما معاً، مما حدا به الي تجاوز النظر الي الصراع في المانيا، على انه صراع بين البورجوازية الناشئة والاقطاع فقط بل حاول ان يبحث عن الدور الذي يجب ان تلعبه الطبقة العاملة قبل ان تنتصر البورجوازية ما دامت هذه البورجوازية متشابكة مع الاقطاع، ولا تعمل على تحقيق (الثورة الديمقراطية). حيث ان ماركس كان يميز بين (الثورة الديمقراطية)، والطبقة التي تحققها، وبالتالي فإن بناء قوي الانتاج الحديثة (اي الصناعة) ليس حكراً على البورجوازية (وكذلك الوحدة القومية التي عد ان من اهداف الحزب اليساري في المانيا من تحقيقها) الامر الذي يفرض رؤية القوي الواقعية القادرة على ذلك، وليس الانطلاق من (تصور نظري) بعيداً عن ممكنات الواقع. اليسار في البحرين يعيد تذكيرنا بالماركسية القديمة التي كانت تبني تصوراتها على (نص لماركس)، او فكرة للينين، بمعني انه لازال منحكماً للمنطق النصي الذي قاد اليسار العربي والبحريني الي ليبرالية ستيورات ميل. لهذا يحكم الواقع بالنصوص، ولا يجري البحث فيه. مثلاً ماذا يمكن ان نفعل، إذا لم تنشأ بورجوازية معنية، بتحقيق التصنيع والديمقراطية ومجمل المهمات التي حققتها البورجوازية في انجلترا وفرنسا خصوصاً؟ ان نشوء بورجوازية صناعية هو الذي اسس لأن تكون معنية بتحقيق الثورة الديمقراطية، ولأن البورجوازية الألمانية كانت عاجزة، فقد لعب بيسمارك هذا الدور عبر الدولة (وهو ما حدث في اليابان كذلك) لكن كان ذلك في القرن التاسع عشر، لكن القرن العشرين كان مختلف، وهذا ما لمسه لينين ؛ حيث انتصرت الرأسمالية في اممها، وانتقلت لأن تتحول الي نمط عالمي، وغدت قوة فعل في كل الامم التي لم تنتقل الي الرأسمالية، لهذا عملت هذه الرأسمالية على (صياغتها وفق مصالحها، وليس على صورتها) وعدم التفهم هذا هو الذي اصر من خلاله اليسار على حتمية المرور، بالمرحلة الرأسمالية.
لا زلنا نتحدث عن الخيار الليبرالي لليسار، وهل يستطيع هذا المشروع الليبرالية الديمقراطية، ان يحقق الهدف الاساسي – الان – وهو تحقيق المهمات الديمقراطية التي أشرنا لها سابقاً، فالمطلوب هنا تحديد من هي الطبقة التي يمكنها أن تحققها؟ وبالتالي يتحدد الخلاف في دور البورجوازية وفي امكانياتها، واصلاً في ميلها لتحقيق هذه المهمات. فهل تستطيع البورجوازية تحقيق هذه المهمات؟ وما هو تكوين البورجوازية القائمة بالفعل، وليس البورجوازية المتخيلة؟ هذه اسئلة يهرب منها اليسار الليبرالي اي يهرب الايديولوجي من الاجابة عليها، لهذا لا يميل الي البحث، في الواقع البحريني، وفي تحديد طبيعة الرأسمالية واليات اشتغالها، ومجال توظيف الكتلة الرئيسية لراس المال، واسباب الهروب من التوظيف في القطاع الصناعي، وعلاقة كل ذلك بالنمط الرأسمالي العالمي. ما يبدو في الواقع هو ان كتلة راس المال تعمل في مجلات، لا تشكل تحدياُ للأليات التي تفرضها الرأسمالية، في المراكز ولا تقود الي التنافس – ويتعلق الامر هنا – في انتاج السلع، بالأساس لهذا ينشط الرأسمال المحلي في المجلات المكملة لدائرة الانتاج في المراكز حيث يغلب نشاط الملاكين العقاريين والعقاريين الجدد، والبورجوازية السمسارة، والبورجوازية المصرفية المالية، والبورجوازية البيروقراطية في المراكز العليا في الدولة في مجال بيع العقارات والمضاربات فيها وكذلك تعمل البورجوازية السمسارة في مجال التجارة الاستيراد والبورجوازية المصرفية في مجال المال والمضاربات فيه اما البورجوازية البيروقراطية في المركز العليا فتعمل في اطار مؤسسات الدولة والقطاع العام اي ان مجمل هذه الكتلة الرئيسية لراس المال المحلي تعمل في مجال ثانوي وهمي وليس حقيقي وهو مكمل كما ذكرنا لدائرة الانتاج في المراكز الرأسمالية. وبالتالي لا توجد له سياسة وطنية بل هو يتكيف مع السياسيات التي ترسمها رأسمالية المراكز في اوروبا وامريكا الخ. وتقبل هذه البورجوازية النظام الذي تفرضه تلك الدول، فلا يعود معنياً بالتطور الا بالقدر الذي تريده رأسمالية المراكز ذاتها، ولا تريد هذه الرأسمالية في المراكز الصناعة ان تنتشر في هذه البلدان، لان ذلك يعني نشوء منافسين جدد وفقدان اسواق قديمة وجديدة، ومنافسة اعلى في الاستحواذ على النفط والغاز الطبيعي، الامر الذي فرض – اولاً – ان يقود التنافس الي المرحلة الاولي الرأسمالية الي هيمنة شركات قليلة في المراكز ذاتها، وبالتالي في المرحلة الثانية سيادة الاحتكار، ومن ثم تحول الاحتكار الي قوة هائلة قادرة كما هو حاصل اليوم على هزيمة كل محاولات التطور المتأخرة، عبر المنافسة، بالذات او عبرة القوة، ان اقتضي الامر. هذا هو اساس التكوين العالمي الراهن، وبالتالي فإن عجز البورجوازية في بلادنا هو نتاج هيمنة النمط الرأسمالي على العالم.
الخيار الثالث بعد فشل خيار التحالف مع الاسلام السياسي واعطائه قيادة الحراك السياسي، وكذلك عدم امكانية الخيار الثاني الليبرالية الديمقراطية نأتي الي الخيار الثالث لدي اليسار وهو (مأزق اليسار الديمقراطي)، واشكالية (الاشتراكية الديمقراطية). القصد هنا ميل اليسار البحريني لتجاوز الصيغة الستالينية القديمة من خلال التعلق بصيغة الاشتراكية الديمقراطية الاوروبية، حيث بدي لهذا اليسار ان فشل التجربة الاشتراكية التي قامت على الستالينية يفرض الانتقال الي (الاشتراكية الديمقراطية) التي تشكلت كالانقسام عن الحركة الشيوعية. انطلاقاً من الخلاف حول (الموقف من الرأسمالية) ومن طريقة (الصراع) ضدها. وهنا يأتي السؤال: هل من الممكن تأسيس (يسار ديمقراطي)؟ او تأسيس يسار مشبع بروح (الاشتراكية الديمقراطية) في الظرف الراهن في البحرين؟ هذا السؤال المركب ضروري بعد فشل مشروع دوار الكارثة وفشل كل الجمعيات اليسارية في هذا الحراك السياسي، والمطالبة بتأسيس (يسار ديمقراطي)، او حتى تأسيس جمعية اشتراكية ديمقراطية عند قلة من اليسار في البحرين. وللتوضيح مسبقاً فإن المسألة – هنا – لا تتعلق بالديمقراطية كما كانت تتباهي بها جمعيات اليسار وبالذات جمعية وعد التي تخلت أصلاً عن يساريتها، والتي باتت هذه الديمقراطية، تضاف ك (دمغة) ضرورية والتي ادخلت الاسلام السياسي من خلالها الي جنة الديمقراطية. حيث باتت هذه الدمغة هاجس قطاع متسع من المثقفين و (محترفي) السياسية والذين كانوا يسمون (بالناشط السياسي، والناشط الحقوقي)، وكيف ان بعض اليسار الذي حاول ان يكيف رؤيه للعودة الي النشاط العلني السياسي بعد فشل تجربة كارثة الدوار، والذي لم يتم حل جمعيته فقد اصبحت دمغة الديمقراطية ملاصقة لميل هذا اليسار الستاليني وبعض من ما كان يسمي بالقيادة السياسية فيه، نحو خلع جلده القديم بواحد جديد، واختيار سياسة (عاقلة) و (عقلانية) وايضاً (واقعية)، وفي اطار نشاط علني ومطلبي ومشاركة في العمل البرلماني وسلمي وتدرجي، الامر الذي يفرض التخلي عن التطرف ؟! وبالتالي الامر الذي يفرض تأسيس اليسار الديمقراطي. المسألة في هذا الخيار هنا – ليست الديمقراطية التي هي ضرورة لأي تشكيل حديث، وهدف اساسي في إطار السعي لتحقيق التطور، المسألة في المعني الذي يعطي لليسار من جهة، وفي امكانية تحققه الواقعي من جهة اخري. ولا شك في ان تلك (الاحلام) مشروعة لمن حاول ان يغير جلده؛ حيث انها تنطلق من تمثل (التطور الحضاري) القائم على حل الصراعات السياسية مع السلطة، في إطار سلمي ديمقراطي، ووفق اليات وقواعد متوافق عليها كما حدث مع بداية الانتقال للمشروع الاصلاحي وعبر الوثيقة السياسية ميثاق العمل الوطني. انطلاقاً من ان هذه الأليات والقواعد هي التي تحقق تطور المجتمع، في كل الحالات. ولهذا تعطي هذه الأليات والقواعد الاولوية؛ لتكون الخطوة الأولي، في مسار التطور؛ ولتكون مدخل تحقيق كل الاهداف الأخرى التي تتعلق بالاقتصاد والمجتمع؛ وحيث يتم – عبرها السعي (الجاد) لتحقيق المطالب المشروعة الشعبية وتحقيق الرفاه. الي اين وصلنا من خلال هذا الخيار في تجربة المشروع الاصلاحي؟ وصلنا للأسف الي (الانقلاب على هذا المشروع من خلال الصراع المتطرف الذي دار على حلبة خشبة مسرح دوار الكارثة في 2011). وهنا سوف نحاول المقارنة والمقاربة (صحيح انها غير صحيحة الي حد ما) ولكن لكي نستفيد من التجارب. فربما لو كان (تمثل) الرأسمالية الاوربية (واوروبا عموماً) حاسم هنا. فأوروبا هي (المثال) الخيار اليساري والاشتراكي الديمقراطي الذي تسعي لتحقيقه منذ ان انتقلت الي النمط الجديد (الرأسمالي)، والبنية الجديدة، وكما نراها اليوم متمثلة في فرنسا التي هي نموذج للصراع الطبقي بين اليسار واليمين المتطرف على خشبة الحل الديمقراطي للصراع الطبقي. وليس امام اليسار في البحرين والعربي من خيار سوي ذلك، لكي تصبح قوة قادرة على فرض التكافؤ على الصعيد المحلي والعالمي.
المسألة الهامة في تمثل التجربة الاوربية وفي الخيار الديمقراطي اليساري – الاشتراكية الديموقراطية، هنا – تتمثل في تحديد الخطوات التي تقود الي ذلك، عندما يتم الخيار ل (تمثل) اوروبا، والسؤال هنا: هل ان تكرار التطور الرأسمالي هو الذي يسمح بذلك؟ ولكن؛ هل ان تكرار ذاك التطور ممكن؟ اذن سيكون البحث في ممكنات نشوء خيار اليسار الديمقراطي (اتجاه اشتراكي ديمقراطي) محكوماً بظروف جديدة، لم تكن موجودة في اوروبا حينما تشكلت الحركة الاشتراكية الديمقراطية. وبالتالي يصبح التساؤل حول امكانية تأسيس (اشتراكية ديمقراطية) ذا اهمية؛ لأن المشكلة ليست في التصورات و(الاحلام) والاستنتاجات (النظرية)، بل هي في ممكنات الواقع. فهل ان الواقع يؤسس لنشوء (الاشتراكية الديمقراطية بنمطها الاوروبي) كتيار فكري وجمعية سياسية؟ هذا السؤال يبدو نافلاً من قبل كل الذين يدعون لتأسيس يسار ديمقراطي، لهذا يجري القفز عنه، ومن ثم؛ يجري الانطلاق من (حتمية) تأسيس (يسار ديمقراطي)، او (حركة اشتراكية ديمقراطية). هذه الحتمية هي التي من الضروري ان توضع تحت المبضع للفحص؛ حيث ان المقارنة والمقاربة الشكلية لن تجيب عن سؤال الواقع، بل انها سوف تقدم اجابات (وهمية) لن تسهم إلا في تشكيل تكوينات سياسية منعزلة. كما إن (القياس) على ما هو اوروبي لن يقدم ما هو واقعي، بالضرورة. إن نشوء تيار اشتراكي ديمقراطي هو نتاج ظروف محددة، يجب تلمسها في الواقع، كما ان الدور الذي يمكن ان تلعبه جمعية اشتراكية ديمقراطية مرتبط بالواقع المحدد كذلك. ولهذا يجب البحث في ممكنات نشوء تيار اشتراكي ديمقراطي كخيار لليسار في الواقع الراهن، في مشكلات الواقع وفي السياقات الممكنة التي تفضي الي حلها، وليس في (الحلم)، او في (الارادة الذاتية). او كنتيجة لردة فعل على تجارب، بدت انها فاشلة ؛ حيث ليس العمل العلني السلمي هو نقيض العمل السري التغييري، ولا يمكن ان ترسم الصورة على هذا الشكل ؛ لأنه ليست الارادة الذاتية هي التي تحدد طبيعة العمل السياسي، الا من زاوية التوافق مع القوة المسيطرة (اي الطبقة / السلطة)، عبر تقديم كل التنازلات التي تريدها (الطبقة / السلطة)، اما حينما يصبح الهدف هو تحقيق مطالب جادة وجدية، فأن الطبقية / السلطة تفرض – من خلال الياتها هي بالذات – الصيغة التي يجب ان يكون العمل السياسي والتنظيمي او تفرض الخروج من العمل السياسي والتنظيمي، وبالتالي فإن اشكال العمل تتحدد انطلاقاً من طبيعة الصراع ذاته، ومن تصور طرفيه ولنا في تجربة المشروع الاصلاحي وانقلاب مشروع الدوار ودخولنا في قانون السلامة الوطنية (قانون الطوارئ) مثال والتداعيات التي نتجت عنه بحل جمعيات الاسلام السياسي في شقه الشيعي وجمعية وعد ورجوعهم مرة اخري الي العمل السري.
عندما يتبني اليسار البحريني خيار اليسار الديمقراطي والاشتراكية الديمقراطية فهو سيكون ازاء أكثر من مسألة، فسيكون ازاء مسألة التطور؛ اي مسألة بناء قوي منتجة وتحديث المجتمع، وبالتالي ازاء الاليات والقواعد الضرورية لتحقيق ذلك. وايضاً ازاء مسألة اخري وهي اليات الصراع السياسي التي تنطلق من السعي لتحقيق (مصالح) محددة، بمعني ما هي الاهداف التي تبرر نشوء (تيار اشتراكي ديمقراطي) او (يسار ديمقراطي)؟ هل هي اهداف مطلبية؟ او تغييرية؟ وهل يمكن ان تتحقق الاهداف المطلبية دون تغيير؟ ومن ثم؛ هل يتحقق التغيير في إطار سلمي او انه يمكن ان يتحقق في إطار تغييري جذري؟ هنا سوف تتم الاشارة الي ان (الحركة الاشتراكية) قد تبلورت في اربعة (تشكيلات) خلال القرن العشرين، وحققت (اهدافاً مختلفة)، وهنا يتم تعميم تعبير الاشتراكية حيث ينطلق التعميم من (التوصيف)، وبالتالي يتم التعامل مع المسميات التي أطلقها كل تيار على ذاته، كل هذا لكي لنري كيف تعامل اليسار البحريني مع هذه التجارب وما هو الخيار الذي تبنه اطياف اليسار – في البحرين
تحدثنا عن التيارات في اوروبا التي تأثر بها اليسار في البحرين وعدها انها خيار يمكن للتجربة البحرينية. والتيارات هي: ا- الشيوعية التي انتصرت في أكثر من نصف العالم الذي كان متخلفاً (فيما عدا بعض دول اوروبا الشرقية. مثل المانيا الشرقية والتشيك والسلوفاك، والي حد ما بولندا، والتي تحققت فيها هذه الشيوعية عبر الجيش الاحمر)، ولقد انتصرت هذه الشيوعية عبر الثورة (او الانتفاضة المرافقة لدور الجيش السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية)، وكانت (مهمتها) تتحدد في انجاز المهمات الديمقراطية (اي تجاوز التكوين الاقتصادي الاقطاعي وبناء الصناعة والحداثة). بمعني ان الهدف الاساس كان (تطورياً) بقصد (اللحاق) بالتطور الرأسمالي، لكن الذي يتحقق من خارج النمط الرأسمالي نتيجة الفشل في التطور من داخله، وبالتالي كانت المهمة أكبر من تحقيق (مسائل مطلبية)، رغم انها تتضمنها، وكانت الانتفاضة (في روسيا) والثورة المسلحة (الصين والهند الصينية وكوبا وفيتنام الخ) هما الاليات الضرورية للوصول الي ذلك. وهذه (التجارب) تفارقت مع الديمقراطية، واسست (لسلطة شمولية). هذا كان خيار لليسار اثبت فشله.
2- الاشتراكية الديمقراطية التي تشكلت كاتجاه سياسي وفكري في اوروبا الرأسمالية، واصبحت جزءاً من التكوين السياسي، ومن (اللعبة الديمقراطية) ، ووصلت الي السلطة عبر الانتخاب. ولقد كان نشوؤها ممكناً نتيجة (المساومة التاريخية) التي تحققت بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية، وكمعبر عن الميل العام لخفض (الصراع الطبقي)، وتحويله الي (تنافس ديمقراطي)، وضغوط واحتجاجات ونضالات سلمية، من اجل الحفاظ على التوازن بين الاجور والاسعار، وتحقيق ساعات عمل اقل، وتوسيع الضمان الاجتماعي، وهذا من نراه حادث اليوم في كل الانتخابات التي تجري في عدة دول من اوروبا، كل هذه البرامج تركز على الحفاظ على التوازن بين الاجور والاسعار، وتحقيق ساعات اقل وعمر تقاعد اقل، وتقليل القيمة المضافة، وتوسيع الضمان الاجتماعي هذه (المساومة) بين الطبقة العاملة ومن يقودها من احزاب وبين اليمين الرأسمالي سواء المعتدل او المتطرف التي تضطر اليها الرأسمالية لخوفها من الثورات ولديها تاريخ ما حدث بعد ثورة اكتوبر والانتشار الهائل للشيوعية، من اجل كبح طبقتها العاملة ؛ كي لا تتحول الي قوة تغيير وتقودها احزاب سواء عمالية و تتبني فكر الطبقة العاملة، واليمين الرأسمالي هنا يقدم تنازلات مهمة، تقوم على اساس تخلي الطبقة العاملة، عن هدف ازاحة الرأسمالية، والقبول بمبدئ (التفاوض السلمي) وعبر الانتخابات لتداول السلطة ولكن في ظل هيمنة هذه الطبقة الرأسمالية كل ذلك من اجل تحسين الظروف المعيشية وشروط العمل والمطالب التي تتبناها الطبقة العاملة، وكما عودتنا الرأسمالية فهي قادرة على التكيف مع هذه التنازلات (الاضطرارية) نتيجة تحولها، الي نمط عالمي، ينهب ويستحوذ على ثروات الامم المخلفة وعلى حساب الطبقات العاملة فيها، وبالتالي هذه الرأسمالية الاوروبية تسيطر على اقتصاد العالم وتخضعه لمصالحها. ولكن السبب الاخر الذي اسس لنشوء الاشتراكية الديمقراطية تمثل في التوسع الهائل لحجم الطبقة الوسطي (طبقة المديرين وموظفي الشركات والدولة والاساتذة والخبراء والتقنيين الذين يستثمرون في السلعة الجديدة وهي الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي الخ. نتيجة الطابع العالمي للنمط الرأسمالي، وتمركز الوظائف في مواطني المراكز الرأسمالية، في إطار الشبكة العالمية للشركات ولدور الدولة الرأسمالية. في هذا الوضع يصبح الميل (التوافقي) هو المهيمن في تلك المجتمعات؛ حيث بات غير مطروح (تجاوز الرأسمالية)، واصبحت المسألة هي مسألة (تحسين شروط). وبالتالي اصبحت (الاشتراكية) هي هذا الميل لتحسين شروط الطبقة العاملة والفئات الوسطي عبر الصراع السلمي مع الرأسمالية واليمن المتطرف فيها، وفي إطار اللعبة الانتخابية. وكانت هذه المسألة ناجحة كما هي اليوم في اوروبا الي حد بعيد، وافضت الي ان تبقي الاحزاب الشيوعية قوة، لكنها محدودة جداً ومحددة، مثلا عبر هذا التاريخ نسبة تجاوزت ربع الناخبين (الحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الشيوعي الايطالي)، وهي نسبة الان في فرنسا اقل من اليمين المتطرف والمحافظ في إطار التحالف الهش لليسار في ظل الجبهة الشعبية. من هنا يبدو ان الاحزاب الاشتراكية او الشيوعية في اوروبا، وكأنها القوة التي تحافظ على حقوق الطبقة العاملة والفئات الوسطي والمدافعة عنها، والساعية لان يتشكل (المجتمع الاشتراكي) في ظل استمرار وجود الملكية الخاصة والربح الرأسمالي وبالتالي كانت حاملة مطالب تلك الطبقات والعاملة منها على تحقيقها، كلما وصلت الي السلطة عبر صناديق الاقتراع.
ناقشنا الخيارات التي ارتبط بها اليسار في البحرين وهي 1- الشيوعية التي انتصرت في أكثر من نصف العالم الذي كان متخلفاً. 2- الاشتراكية الديمقراطية التي تشكلت كاتجاه سياسي وفكري في اوروبا الرأسمالية. والان سوف نناقش خيار (اشتراكية الامم المخلفة)، والتي نتجت عن وصول حركات التحرر الوطني الي السلطة. في الدول العربية او الافريقية او امريكا اللاتينية، والتي اسميت دول (التوجه الاشتراكي) او دول (التقدم الاجتماعي)؛ حيث قامت تجربتها على الغاء (الاقطاع، وتوزيع الارض على الفلاحين، وتحقيق (النهضة) الصناعية استناداُ الي دور الدولة التخطيطي والاستثماري، وكذلك تحقيق الضمان الاجتماعي الشامل، وحق العمل والتعليم المجاني. وبالتالي قامت على اساس تحقيق (التطور) ومطالب الطبقات الشعبية معاً. كل ذلك في إطار (تقديس) الملكية الخاصة، وليس الغائها، واذ كانت حليفاً للدول الشيوعية فقد حاولت ان تؤلف ميلها (الاشتراكي) مع الحركة الاشتراكية الديمقراطية الاوروبية، وبان بعضها عضواً في الحركة ومؤتمراتها على سبيل المثال الحزب الاشتراكي التقدمي بقيادة كما جنبلاط والان وليد جنبلاط، كما عملت على ان تبقي في علاقة (تساوميه) مع الرأسمالية.
4- الشكل الرث للاشتراكية الديمقراطية في الامم المخلفة. وهو الشكل الذي اتخذته (الحركة الشيوعية)، في العديد، من الامم رغم (ارتباطها) بالتجربة الشيوعية (تجربة الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية)، وهنا يشار لها انها شكل (رث)؛ لأنها التزمت السياسة العامة للحركة الاشتراكية، فيما يتعلق بدورها، في الصراع الطبقي، حيث انطلقت من ضرورة انتصار الرأسمالية، ومن دعم هذا الانتصار، واكتفت بطرح مطالب ديمقراطية وشعبية مطلبية، وراهنت على (التطوير) وليس على التغيير، ولم تقد هي الصراع الطبقي، في إطار سيطرة الرأسمالية. وبالتالي كانت وما زالت يسار الرأسمالية الساعية للحصول على سلطتها، ثم اصبحت جزء، من تكوين سلطة حركات التحرر (رأسمالية الدولة) كما في مصر وسوريا والعراق الخ والمعبر. وان بخجل – عن بعض الميول العمالية. لقد راهنت على ضرورة انتصار التطور الرأسمالي على ان تلعب هي دور الناقد والمدافع عن (المطالب العمالية)، والمطالب الديمقراطية هذه هي حدودها، التي كانت تعد انه مقدمة الوصول الي الاشتراكية، لكن بعد ان تنجز الرأسمالية انتصارها. وهي الفكرة التي كانت في اساس نشوء الحركة الاشتراكية الديمقراطية، والتي تطورت الي العمل المديد مع الرأسمالية، انطلاقاً من السعي لأن تكون المعبر عن الجانب الاجتماعي (دون ان تتخلي عن التعبير، عن كل الجوانب الأخرى، السياسية والعالمية)، ولقد أنتج هذا الشكل الرث للتطور الشكل الرث الاخر الذي أشرنا اليه قبلاً، والخاص بنشوء رأسمالية الدولة تحت مسميات اشتراكية وكل منها كان مصيره الفشل.
ان الخيار الذي تبناه اليسار القومي او الاشتراكي في البحرين او الدول العربية وهو الشكل الرث للاشتراكية الديمقراطية في الامم المتخلفة وهو الشكل التي اتخذته الحركة الشيوعية. هذا الخيار او الصورة، يمكن تلمس سياقين فيها، الاول هو الشكل الذي وضع تحت تسمية (الشيوعي)، او (الاشتراكي) لدي اليسار البحريني والعربي، والثاني الذي أصبح يعرف بالاشتراكية الديمقراطية عندما عومت بعض الجمعيات اليسارية الايديولوجيا والعلمانية لتكون مستشاراً لجمعيات الاسلام السياسي بشقيه. هنا يمكن تلمس ان الهدف الاساسي مختلف لدي كل منهما؛ حيث سيكون هدف التطور واللحاق بعض منها لتجربة الدولة الثيوقراطية ونموذج حكمها الاستبدادي إيران والاخر اللحاق بالطور الرأسمالي هو الهدف الاساسي في التجربة الشيوعية. من اجل تجاوز المجتمع التقليدي والبني الاقتصادية والاجتماعية، وتأسيس النمط الاقتصادي الذي يقوم على الصناعة، كقوة منتجة حديثة في البحرين وبعض الدول العربية، وان كانت قد حققت مطالب اجتماعية مهمة، لكن؛ سيكون تحقيق المطالب الاجتماعية وتخفيف الهيمنة الرأسمالية، والحفاظ على توازن مجتمعي، هو الهدف الاساس للحركة الاشتراكية الديمقراطية، دون ان نتجاهل الدور التطويري الذي تلعبه. وايضاً يمكن تلمس ان التجارب الشيوعية نشأت في امم متخلفة، كانت مسألة (التطور حاجة ملحة وعميقة ومقدمة ضرورية فيها). حيث يجب الانتقال الي المجتمع الصناعي الحديث، رغم ان هذا الانتقال افترض تحقيق المطالب الاجتماعية الشعبية، بينما نشأت الحركة الاشتراكية في الامم الرأسمالية المتطورة والمستقرة اقتصادياً والمهيمنة على العالم، وعبرت عن (نزوع اجتماعي) أكثر من تعبيرها عن (ميل اشتراكي)، تأسيساً على تحقيق (العدالة) في إطار النمط الرأسمالي وهذا ينطبق ايضاً على ما يسمي الاحزاب العمالية في اوروبا مثل حزب العمال الانجليزي. هذه العدالة التي يطالب بها في إطار النمط الرأسمالي، وليس عبر تجاوزه، وكان التطور الذي وصلت له هذه الدول يسمح بذلك.
لقد تبلور خيار الاشتراكية الديموقراطية الاوربية سواء في فرنسا او المانيا او دول اخري على ارضية (المساومة التاريخية)، وانتصار الديمقراطية انطلاقاً من مستوي التطور الذي حققتها الرأسمالية حيث بان من الممكن ان تصل الي السلطة الاحزاب التي تلتزم النمط الرأسمالي وان كانت تسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية. والانتخابات الفرنسية التي انتهت بالأمس بينت ما نطرحه هنا. بينما كان خيار اليسار البحريني هو (المساومة التاريخية) مع الاسلام السياسي الشيعي والسني والانتصار للطائفية السياسية وهزيمة الديمقراطية. وبعد تمكن هذه الجمعيات الطائفية بشقيها وخصوصاً الشيعي منها بمحاولة حل الصراع عبر الشارع وليس البرلمان والي طريق العنف والميل للإرهاب ولحق بها اليسار في ذلك. هنا نري الفرق بين (الطريق السلمي) لخيار الاشتراكية الديمقراطية الاوربية والمبني على التنافس وليس التناحر والعنف والثورة. حيث بان (الطريق السلمي) ممكناً؛ لأن التكوين المجتمعي توافق على احترام الملكية الخاصة والملكية الرأسمالية تحديداً. لهذا أصبح (الطريق السلمي) ممكناً؛ لأنه لا يتجاوز البنية الرأسمالية. بل بات يعيد ترتيب التوازن فيها، ولقد نجح ذلك؛ لأن الوضع لا يزال يحتمل استمرار البنية الرأسمالية، ويفترض استمرارها. ان (المساومة التاريخية) التي عقدتها الرأسمالية مع الطبقة العاملة، باتت الاساس الذي جعل الصراع يدور على ارضية الرأسمال، وليس من اجل هزيمته وتجاوز الرأسمالية. حينها اصبحت اللعبة الديمقراطية ممكنة، وبات (الخيار) السلمي الديمقراطي هو (الخيار) الممكن، لقد غدت الديمقراطية هي قاعدة حل الصراعات، وبات النشاط الاحتجاجي السلمي (المظاهرات والمسيرات والاضرابات، والنشاط النقابي) ممكناً واداة ضغط لتحقيق المطالب. اذن في هذا الوضع الرأسمالي، بات خيار الثورة والعنف والتناحر مستحيلاً؛ لأن الطبقات لا تتناحر، بل تتنافس، ولأن الديمقراطية هي الصيغة المثلي لحسم التنافس لهذا بدأت كل الحركات المتطرفة في اوروبا ومنها اليمين المتطرف كما لاحظنا في الانتخابات الفرنسية بالرغم من انه فاز في الانتخابات الاوربية وهو الذي يحمل الوجه (الوردي للفاشية الاوربية ويضع بعض من مناصريه الصليب المعقوف على قبعاته وكذلك يمول من قبل الامبريالية الروسية مادياً ومعنوياً الخ). وكذلك بدت الميول حتى عند اليسار المتطرف الفرنسي
التي تدعو الي التناحر الطبقي والثورة الاشتراكية، كميول مهمشة كذلك. الان بالنسبة لليسار البحريني والعربي هل (خيار) وتأسيس حركة اشتراكية ديمقراطية على الطريقة الاوربية ممكن؟ طبعاً ممكن ان تتأسس لكن السؤال الاهم – هنا – هو هل تستطيع ان تلعب دوراً فاعلاً؟ يمكن ان تتواجد في إطار البني القائمة، والجمعيات كما كانت تتواجد الحركة الشيوعية طيلة الفترة السابقة، لكن لتبدو هذه الجمعية الاشتراكية الديمقراطية (كيسار السلطة)، وليس كيسار، يعمل من اجل التغيير. وسوف يتوقف وجوده على ممكنات تحقيق الديمقراطية التي تبدو صعبة المنال عندنا؛ لأن الطبقات المسيطرة والحلف الطبقي الضمني الذي تحدثنا عنه لازال يمعن في النهب، ويفتح السوق المحلي لنهب الشركات الامبريالية الاحتكارية ومن ناحية اخري بتردي الوضع المعيشي للطبقات الشعبية، مما يدفها الي التمرد، الامر الذي يفرض على هذا الحلف الطبقي مواجهتها، وتمارس ضده الاقصاء السياسي، مما يحول اي حركة اشتراكية ديمقراطية الي قوة هامشية؛ لأنها لا تطرح سوي الجزئي من المطالب والحقوق. بمعني ان الاساس الذي يولد الحركة الواقعية هو الصراع ضد النهب والفساد الكبير والاستغلال الطبقي، من جهة، و (الحلم) العميق الجذور بتحقيق التطور والانتقال الي المجتمع الحديث. في المستوي الاقتصادي والاجتماعي السياسي، وهذا التطور يفترض النزوع الاجتماعي، ويتضمن النشاط السلمي والديمقراطي.
طرحنا الخيارات الممكنة امام اليسار الذي سواء التي جربت او التي يمكن اختيارها لعودة اليسار سواء في البحرين او الدول العربية. وهي خيار الاسلام السياسي، او خيار الليبرالية الديمقراطية او خيار الديمقراطية الاشتراكية او خيار اليسار الحركة الشيوعية (الستالينية). نبدئ بتمهيد : اذا كانت الحرب الباردة سمحت بأن تتحول تجارب دول حركات التحرر العربية، الي ما يشبه التيار الاشتراكي الديمقراطي، وان كان قد تلاشي مع تراجعها، ومن ثم ؛ نهايتها دون ان يتحقق التطور الضروري الذي يجعل المجتمعات التي سبق وان انتصر فيها جزءاً من (المدنية الحديثة)، ومن الامم الصناعية (عكس ما تركته المنظومة الاشتراكية)، فإن الوضع الجديد يؤسس لظروف طبقية بالغة التغير ؛ استغلته قوي اجتماعية اولا: وهم الاسلام السياسي الشيعي والسني ودولة الملالي الدينية في ايران وبإنشائها محور مزيف سمي بالمقاومة والممانعة تشاركها تركيا في ما سمي بالربيع العربي، ودخول الرأسمالية الاوربية وامريكا بهجومها الوحشي ودخول إمبرياليات جديدة روسيا والصين على خط هذا الهجوم الوحشي. وبروز اليمين المتطرف، في اوروبا وروسيا وامريكا في هجومها على (القوة العاملة) في المراكز، وعلى الامم المخلفة في الاطراف. واذا تم تعميم هذا الهجوم تحت يافطة الصحوة الدينية والطائفية في كل من ايران وتوسعها ونفوذها على المنطقة العربية وكذلك فعلت تركيا اما في الغرب الامبريالي تحت غطاء نشر الليبرالية الجديدة القائمة على (الحرية المطلقة للسوق) فأن كل هذه الإمبرياليات سواء الثالوث الامبريالي (اوروبا، امريكا، اليابان) او الثنائي الامبريالي روسيا / الصين بدت تفرض احتكار شركاتها الامبريالية كقوة مسيطرة ونهاية، وفي حالت الامبريالية الروسية العودة الي الاستعمار واحتلال اراضي دولة ذات سيادة اوكرانيا، واستطاعت دولة الولي الفقيه وحرسها الثوري تحت مظلة فيلق القدس ان تحتل دول عربية وتشكل اذرع ووكلاء لها عبر البعد الطائفي، وكذلك تفعل تركيا، مما اعاد كثير من الامم والدول العربية الي الوضع الذي حاولت هذه الامم تجاوزه خلال مرحلة الحرب الباردة. ففي ظل هذا الوضع ما هو دور اليسار العربي وكذلك البحريني؟ لهذا يمكن ان نشير الي عنصرين اساسين في هذا الوضع يحددان طبيعة الواقع ويؤشران الي اشكال النشاط السياسي (والخيارات) الممكنة: اولاً: ان السيطرة التي يفرضها النمط الرأسمالي العالمي وكذلك السيطرة والنفوذ والتوسع الذي تفرضه دولة الملالي وكذلك تركيا، تكرس اللامتكافئ، اضافة الي انهم يقومون على النهب والحروب والحروب بالوكالة. وبالتالي الافقار والتهميش والاستغلال. ويتعزز ذلك بميل الرأسمالية المحلية ومن يملكون النفوذ والمكانة الاجتماعية الي النهب في والنشاط في القطاعات غير المنتجة، وبالتالي تعزيز البطالة والافقار والتهميش، وكذلك النمو الهش. الامر الذي يؤسس لتفارق طبقي واسع يزيد في الاتساع ويقود الي نشوء ازمات عميقة وتردي حاد في الحياة المعيشية تدفع نحو (التمرد).
في هذا الوضع؛ حيث التناقضات متفاقمة والواقع يفرض الصراع (وليس التنافس والتعايش والمساومة)، وفي مجتمع ينزع نحو التطور (اي الحداثة) يطرح السؤال كيف يتم تجاوز كل هذا الوضع المزرى؟ كل هذا يحتاج الي يسار تغييري، يسعي لتحقيق التغيير من اجل تحقيق التطور والمطالب الشعبية هي التي تكمن في اساس بناء اي جمعية او تجمع يساري. لقد حاول اليسار الشيوعي ان يلعب دور الاشتراكية الديمقراطية ودور الاشتراكية البيروقراطية (الشيوعية الستالينية)، في سياق سيطرة الرأسمالية (البورجوازية الوطنية) لكنها كانت كاريكاتيرا، ليس لأنها لم تتملك الديمقراطية وركزت على المركزية فقط فهذه مشكلة كل التيارات وبالذات الاصولية والجهادية في المجتمع المخلف. بل لان الوضع مختلف الي حد بعيد. فهنا في المجتمع المخلف، تصبح مسألة بناء القوي المنتجة هي التي تحظي بالأولوية، وتكون اساس بناء المستقبل. كما ان التكوين (القروسطي) الذي لا يزال سائداً في المستوي الاجتماعي، وعلى صعيد الوعي، والطبيعة الطفيلية والتابعة للرأسمالية المحلية ومرض اليسار الطفولي وافتقاد القوي المنتجة الحديثة، والتناقضات الطبقية التي لا تميل نحو الاستقرار، بل الي التفاقم، كلها تجعل امكانيات (رسوخ) الديمقراطية – الذي هو ضرورة لتشكيل الحركة اليسارية او لليبرالية او الاشتراكية الديمقراطية او اليسار الرائج الستاليني. مستحيلاً، لهذا يغرق الميل الاصلاحي السلمي والحل للصراعات (عبر البرلمان) في تناقض مع ذاته؛ لان الواقع يفرض (السرية والتصادم)، مما يقود الي ان يتهمش هذا اليسار بكل اطيافه، وينعزل كما نراه اليوم في البحرين والدول العربية، حيث ان وجوده بات مربوط ب (مساومة) مع الطبقة / السلطة تسمح بترتيب اليات الصراع، على اساس ديمقراطي سلمي، وهذا ممكن إذا تخلي اليسار عن تعبيره عن الطبقات الشعبية وعن تناقضاتها وبالتالي عن دوره في تنشيط حركتها مِن اجل تحقيق مطالبها
، اضافة الي العامل الذاتي الذي يعاني منه هذا اليسار على المستوي التنظيمي وهيمنة المركزية والشلل والعصابات فيه وتخليه عن توسيع الديمقراطية الداخلية فيه. وحال كل الدول العربية ويسارها هو هذا الوضع في هذا المجال؛ حيث يمكن المطالبة والمناشدة، لكن دون السعي لتنشيط فاعليات الطبقات الشعبية، وفي إطار برنامج لا يلمس القضايا الجوهرية التي تؤسس لتحقيق نقلة جدية في الواقع، مما يبقي اليسار هامشاً، في المستوي السياسي دون قاعدة شعبية ونضال طبقي حقيقي، وبالتالي يعزله، ويقوده نحو الموت السريري او الفعلي. السؤال الاساسي الذي يفرض نفسه هنا والذي يجب ان يطرح – اذن – هو؛ هل ان المطلوب هو تأسيس جمعية تجمع لليسار في البحرين من اجل ان يعبر عن تناقضات الواقع، كممثل للطبقات الشعبية، وان يلعب دوراً تغييرياً، او المطلوب كما يراه اليسار الحالي العودة الي تجربة التحالف مع الاسلام السياسي (محور الممانعة والمقاومة المزيف) تحت هيمنة الملالي في البحرين او إيران او الاسلام السياسي السني او نقل تجربة اوروبا سواء ما يخص الليبرالية الديمقراطية او الاشتراكية الديمقراطية في واقع، لا يحتملها؟ في هذا الإطار، تطرح مسألة الاصلاح – التغيير مسألة التحسن المضطرد للواقع، او محاولة تغييره للأفضل؟ والاساس هنا انطلاقاً من ممكنات الواقع ذاته.
المرجع: كتاب اليسار السوري في واقعه الراهن. لـ سلامة كيله