واقع او حال الوحدة الوطنية في البحرين في الوقت الراهن؟

تصور عام ما ان تذكر الوحدة الوطنية اليوم حتي تستحضر جمعية المنبر التقدمي  جبهة التحرير الوطني في البحرين وجمعية وعد تستحضر  الجبهة الشعبية ، وكذلك تفعل جمعية التجمع القومي وتستحضر حزب البعث في البحرين وجمعية الوسط الاسلامي تستحضر الحزب الناصري وجمعيات الاسلام السياسي السني تستحضر الاخوان المسلمين او السلف والإسلام السياسي الشيعي تستحضر حزب الدعوة العراقي الخ

  من جمعيات سياسية تعمل علي الساحة السياسية سواء بشكل علني وشرعي او غير علني وغير شرعي ، وورقة نائب الامين العام للمنبر فاضل الحليبي خير مثال عندما ربط الوحدة الوطنية بفصيل واحد هو جبهة التحرير الوطني في البحرين . هنا يصعب على المواطن البحريني ان يتخيل الوحدة الوطنية خارج هذا (الاستحضار) وعلى ان يفكر في الوحدة الوطنية على اساس انها فضاء ثقافي مشترك تتقاطع فيه وتتجابه جميع التيارات الفكرية والأيدلوجية والسياسية، وان يكون في الوحدة الوطنية اختلاف وتعارض؟ ومن ثم فان لمفهوم الوحدة الوطنية في الخطاب السياسي البحريني كما لاحظناه في ندوة المنبر التقدمي طابعا جزئيا وحصريا وإقصائي ان لم نقل استئصاليا كما هو في الخطبة المرتجلة لسيادي. فالقوميون يحصرون الوطنية في العرب العاربة والمستعربة ويقصرها عليهم، والإسلاميون (الشيعة / السنة) يحصرونها في المسلم الشيعي / السني ويقصرونها عليهم، واليساريون لا يَرَوْن في الوحدة الوطنية سوي انها مقسمة الى مستغلين (بكسر الغين) او المستغلين (بفتح الغين) او كما طرحها سيادي ظالمين ومظلومين. فيحصرونها في الطبقة العاملة والكادحين، او في المظلومية كما يطرحها سيادي. هنا من الطبيعي ان لا يري (الوعي الفكر) عند هذه التيارات الوحدة الوطنية. ففي حال القصر والحصر لا يمكن ان نتحدث الا عن تشظي الحقل الثقافي والحقل السياسي عندما ينظر الى الوحدة الوطنية من هذا القصر والحصر، لا بفعل الشرخ الطائفي الذي أوجدته هذه التيارات في البحرين في ١٤ فبراير ٢٠١١، بل بفعل شقاء (الوعي). هنا تكمن اهمية (الوعي) في هذه المقاربة لمفهوم الوحدة الوطنية ذلك ان (وعي الذات) هو الصيغة الذاتية (لوعي) الواقع الذي تبلور ما قبل وبعد كارثة الدوار. فهو الذي يحكم العمل (الممارسة) ويوجه السلوك بصورة (واعية) او غير (واعية). وليس ما هو أكثر دلالة على ذلك من التنازع على التراث بين الاسلام السياسي السني / الشيعي في المرحلة الراهنة والذي   لم يكن سوي التعبير المثالي عن التنازع الضاري علي السلطة والقوة والثروة.

يحدد المواطن في البحرين ذاته اليوم بدلالة كما ذكر أحد المنتديين في ندوة المنبر بدلالة الأصل اولا وبدلالة الماضي، لا بدلالة التاريخ، ثانيا وبدلالة التراث ثالثا وبدلالة الدول الإقليمية رابعا، وتتظافر هذه العناصر في انتاج (هوية وطنية) وهمية و مأزومة. ومن هنا فان لمفهوم  الوحدة والوطنية كما ذكرنا سابقا في الخطاب السياسي البحريني بعد طائفيا ومذهبيا يتخفى  في الخطاب السياسي مما يسمي ( مقومات الوحدة الوطنية البحرينية )، يخرج الجماعات الأخرى من دائرة الشعب ( الوطني علي حد زعم سيادي هو من يقف مع المظلومية ) اي يخرجها من دائرة المجتمع المدني والدولة، وبعدا دينيا مذهبيا طائفيا عند  الاسلام السياسي ( الشيعي / السني ) يخرج غير المسلمين كما هو عند الشيخ عيسي قاسم ( عدم تمكين غير المؤمنين من حكم المؤمنين ) ومعهم اتباع المذاهب الاسلامية ( الأقليات المذهبية ) من دائرة الشعب ومن دائرة الدولة، وهذا مرة اخري شكل من أشكال تشظي  الحقل الثقافي والسياسي، لا بفعل الشرخ الطائفي ايضا، بل بفعل الانقسام والاستقطاب والتكسر المجتمعي ونقص الاندماج الوطني . المواطنين في بحرين اليوم وبعكس التفاؤل الذي طرحناه سابقا من مسالة الوحدة الوطنية يفتقرون الى اي قدر من (التوافق) على المطالَب الوطنية سواء بحدها الأدنى ام الأقصى وهذا الامر يسري علي كل الجمعيات السياسية الفاعلة على الساحة السياسية. او على أمور اخري كثيرة منها الشعب، الوطنية، الدولة السياسية. ان هذا الشرخ الطائفي لم يكن ممكن او لم يكن لتداعياته ان تدوم على هذا النحو لولا تشظي الحقل او المجال الثقافي والحقل او المجال السياسي للشعب في البحرين. ولولا نقص الاندماج الوطني او الاجتماعي، ولا يمكن ان ترد اسبابها فقط الى عوامل التجزئة الطائفية الخارجية بل الى عوامل التجزئة الداخلية   كانت ولا تزال أقوي من العوامل الخارجية، هذا هو الفخ او المستنقع الذي نصب في الدوار، الذي نصبته الجمعيات الطائفية السياسية للتيار الوطني الديمقراطي وجعلته يتوحل فيه. حقا ان الأوضاع القائمة تنتج مفاهيم مثيرة للجدل في ندوة المنبر التقدمي محطات ومواقف في الوحدة الوطنية، لا مع الفكر الطائفي ولا الفكر القومي التقليدي فحسب، بل مع الفكر الجامد العقائدي اساسا.

فقد كانت محاولات تعرف الواقع في التجربة الخاصة البحرينية مع الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني والبدء في المشروع الاصلاحي وتلمس ممكناته واتجاهات تطوره محكومة بثوابت أيدلوجية (قومية، إسلاموية، واشتراكية جامدة)، سوي استثناءات نادرة لا تزال على هامش الفكر السياسي في البحرين. فلا يزال الخطاب السياسي مقيدا بهذه الثوابت، ويعيد إنتاجها، ويعزف عن اي محاولة لنقدها (لم تقدم اي جمعية سياسية بمراجعة نقدية جذرية حتى الان) بل حدث الأسوء فهي ترمي كل من ينتقدها بالمروق والعمالة والموالاة ومن ثم الخيانة؟! وهذا ما حدث مع جمعية التغيير الديمقراطي تحت التأسيس (يسار سني، لون واحد، موالي للنظام الخ من النعوت الأيدلوجية البذيئة)، تجدر الإشارة الى ان الحقل الدلالي الذي ينتمي اليه مفهوم الوحدة الوطنية يتعارض مع هؤلاء المثقفين والسياسيين في ندوة المنبر على طول الخط مع الحقل العقائدي الجامد والمغلق سواء كان هؤلاء المثقفين والسياسيين قوميين او اشتراكيين او إسلاميون

تنطلق مقاربة خصوصية التجربة البحرينية ومقاربة الوحدة الوطنية في هذه التجربة من افتراض علاقة، منطقية وتاريخية، اي واقعية، بين الامة  والمجتمع المدني والدولة، ومن النظر الى الوحدة الوطنية علي انها فضاء ثقافي مشترك بين جميع القوي الاجتماعية وتمثيلاتها، مفهوم المجتمع تعبير سوسيولوجي، ومفهوم الامة تعبير ثقافي، ومفهوم الشعب تعبير سياسي عن حقيقة واحدة هي الدولة والتي لا تبدو لمواطنيها الا في صيغة النظام العام والمصلحة العامة و الإرادة العامة اي في صيغة دولة حق وقانون لجميع مواطنيها بلا استثناء ولا تمييز. من زاوية علم الاجتماع الخالص، يمكن الحديث عن طوائف او مجتمعات في دولة واحدة كالمجتمعات البدوية والمجتمعات القروية ومجتمعات المدن، ولكن لا يمكن الحديث عن شعوب في دولة واحدة ( شعب سني / شعب شيعي ) هنا ننتقل من علم الاجتماع الى علم الاجتماع السياسي والى علم السياسة ونغادر من ثم مستوي الوجود الاجتماعي المباشر الى احد اشكاله او تشكلاته الثقافية والسياسية والاجتماعية المتوسط ( هنا التضامنيات الطائفية المذهبية عند  خلدون النقيب و العصبيات الطائفية المذهبية عند جاد الجباعي ) كما ان الحديث عن شعب واحد في دولتين او في عدة دول، يضمر عدم الاعتراف بإحدى هاتين الدولتين او بهما معا وهي اشكالية ( القومي القطري ) و ( الطائفي القطري ) في الفكر السياسي في البحرين. ينجم عن ذلك موقف وجداني او شعوري لدي المواطن او الجمعيات الطائفية السياسية (القومية، الإسلاموية، اليسارية) قوامه رفض الدولة القائمة بالفعل، وعدم الثقة بها ومن ثم عدم احترامها والنظر لها على انها انحراف تاريخي (نتيجة غزو قبلي خليفي ؟!) وبالتالي فهي حتما زائلة وكان مشروع الدوار يعمل لزوالها. بإيجاد دولة (التحالف من اجل الجمهورية، دولة ولاية الفقيه) اي بدولة موجودة فقط في الذهن الإنقلابي. القوموي يرفض الدولة القائمة ويعارضها بالدولة (القومية) دولة الامة العربية الواحدة، وينشئ لها صورة قبلية مسبقة الصنع، مستوحاة، على الأرجح، من التاريخ الباكر للإمبراطورية العربية. والإسلاموي يرفض الدولة ألقائمة ويعارضها بدولة إسلامية، بحاكمية الله او دولة ولاية الفقيه، وينشئ لها صورة مستوحاة هي الأخرى من التاريخ (الاسلامي) الباكر. واليساري يرفض الدولة القائمة ويعارضها بدولة اشتراكية وينشئ لها صورة وهمية مستوحاة من (الاتحاد السوفيتي). اما الغائب الاكبر عند هذه الجمعيات او التيارات وفكرها في البحرين هو الواقع العياني والذي تبلور مع وثيقة ميثاق العمل الوطني وما تلاه من مشروع اصلاحي، والذي جرده الوعي الذاتي (مثلا سيادي المشروع الإفسادي) من اي مشروعية، مع انه مصدر جميع المشروعات، ولا يستمد قيمته ومشروعيته من اي عنصر من خارجه. لذلك لم تجد في ندوة المنبر من يعن الفكر السياسي بمسالة الدولة ومسائلها عناية جدية، ومن البديهي وهذه الحال الا يعني بمسالة المجتمع ومسائله الا من باب (المظلومية) وصراع (المعارضة / السلطة) ولا سيما بمسالة المجتمع المدني وما ينتمي اليها ويتعلق بها من مسائل كالأنسية والعلمانية والعقلانية والديمقراطية وحكم القانون والارادة العامة والمصلحة العامة وسيادة الشعب. الفكر السياسي في البحرين كالوعي العفوي السلفي، لا يتأسف على هذه الدولة وهذا المشروع الاصلاحي القائمة والقائم بالفعل إذا ما انهارت بل المطلوب كما يريد سيادي (اشتدي يا أزمة تنفرجي) وهنا تتعزز حجته علي الدولة ويسارع الى وصفها بانها دولة ضد الشعب وضد الطائفة الشيعية؟

من الظواهر المهمة والتي برزت في تاريخ الحركة الوطنية في البحرين ان طرح الحريات العامة والحريات الديمقراطية والوحدة الوطنية لم توجد ولا تنمو الا خارج الدولة وبالتضاد معها، وبالتضاد مع المجتمع المدني بالضرورة. ولعل علاقة التخارج والتضاد بين الدولة والحريّة والوحدة الوطنية نجمت عن التخارج والتضاد بين الدولة التسلطية (الاستبدادية والمجتمع المتسلط عليه) او (المستبد به). وحين يعارض الفكر السياسي في البحرين الدولة التسلطية (هنا ما قبل المشروع الاصلاحي) وللأسف استمر نفس هذا الفكر السياسي بعد المشروع الاصلاحي اي يعارض الدولة التسلطية او المستبدة، لا يميز الصفة من الموصوف، فيرفض الدولة والتسلط او الاستبداد معا ؟! هذه هي الاشكالية آلتي رأيناها في ندوة المنبر التقدمي مواقف ومحطات للوحدة الوطنية. وهنا فان الوعي السياسي عند هؤلاء المثقفين والسياسيين في الندوة لم يرق بعد الى مستوي يشعر فيه كل فرد انه (عضو) في الدولة، وذلك ناتج ان التضامنيات او العصبيات الطائفية او التعصب الحزبي او المتحدات الاجتماعية التقليدية، التي لا تزال توفر للأفراد نوعا من الحماية والأمن، فيخضعون لعاداتها وتقاليدها وأعرافها وطقوسها فهي لا تزال كل منها بنية موازية للدولة وتصبح أكثر وضوحا عندما يأتي موسم الانتخابات علي اساس طائفي او قبلي. فلا يزال انتماء الفرد موزعا بين هذه الطائفية او القبلية  والحزبية ويتجلى  ذلك بوضوح في موقف او  تعامل هؤلاء الافراد ما قبل وما بعد احداث ١٤ فبراير الكارثية من الممتلكات والمرافق العامة سواء كانت شوارع إشارات مرور او مدارس او محلات تجارية او صراف آلي، وفي عدم احترام القانون العام وعدم ادراك عموميته  ( الاعتصام المفتوح، المسيرات والتظاهرات الخ غير المعلن عنها والمرخص لها ) كذلك يفعلون مع قانون الأحوال الشخصية ومع دور العبادة تحت حجة  لتعارضه مع الاعراف  والعادات والتقاليد والطقوس والتي تعتبر عندهم أقوي من القانون والمصالح الخاصة لكل طائفة او جمعية سياسية أقوي  من المصلحة العامة، فليس لمفاهيم المجتمع والدولة والوحدة الوطنية والقانون والمصلحة العامة اي قيمة رمزية في وجدان الفرد الذي لم يتخطى بعد العلاقات والروابط الطائفية – القبلية والحزبية  علاوة علي ان الوجدان يتمحور علي ( التمييز  والمظلومية ).

لعل الأسباب العميقة لذلك تكمن في تخلف أساليب الانتاج وضعف القوي المنتجة. فقد كانت الحركة الوطنية في السابق كما هو حال الجمعيات السياسية الان تردد مقولة ان الوحدة الوطنية لم تولد في السوق الرأسمالية، بل في خضم مقاومة الاستعمار البريطاني والاستبداد الخليفي، واقترنت هذه المقولة بوصف الامة البحرينية بانها (أُمَّةً تقدمية) في معارضة الامم الرأسمالية والامبريالية التي وصفت بالرجعية. ان هذا الإيحاء التمجيدي والافتخاري وخصوصا ما لاحظناه في ورقة نائب الامين العام للمنبر التقدمي فاضل الحليبي، نجم عن موقف أيدلوجي معارض او معاد للرأسمالية التي التبست بالاستعمار والامبريالية، وغاب عن اصحاب هذا الموقف ان العمل والإنتاج الاجتماعي هو المبدأ الذي يفسر نشوء الامم الحديثة وان هوية مجتمع ما ماهي ما ينتجه هذا المجتمع علي الصعيدين المادي والروحي الوعي القومي واليساري، وعي الذات، الذي تشكل تحت ضغط الاضطهاد السياسي والانتهاك الاستعماري، واتسم برد الفعل الشعوري عليها، استمرار هذه المقولة، وجعل منها احدي النوي الصلبة للايدلوجية القومية واليسارية التي أراحتهم  من عناء فحص مقولة ( الوحدة الوطنية عند الجمعيات السياسية الموجودة الان علي الساحة السياسية في الوقت الراهن ) اي أراحتهم من عناء فحص مقولاته ومفاهيمه وأدواته المعرفية.

لم ينتبه الفكر السياسي في البحرين الى الدلالة الأعمق لهذه المقولة ( الوحدة الوطنية ) وبالتالي الى الدلالة الأعمق لنمط الانتاج الرأسمالي اي نمو العمل الاجتماعي وتطوره, وصيرورته عملا صناعيا ينمو فيه العنصر الذهني باطراد، وان هذين النمو والتطور ألقيا بظلالهما علي تبدل شكل الملكية الخاصة وعلي تقسيم العمل وعلى التبادل وتوزيع الثروة الوطنية بين الفئات والطبقات الاجتماعية وكيف حدث الحراك الاجتماعي والتشكل الطبقي الجديد ضمن اطار الأنماط الإنتاجية التي سادت او وجدت علي الهامش في صيرورة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية ( الاقتصاد التقليدي ، اقتصاد صناعة الغوص ، الاقتصاد التجاري، الخ ) من اُسلوب الاقتصاد الكفاف الى اُسلوب الانتاج الريعي ومن ثم علي العلاقات الاجتماعية وعلاقات الانتاج وعلي أشكال التنظيم الاجتماعي والسياسي ومضامينها. ذلك لأنه توجد علاقة جدلية وضرورية بين قضية العمل والإنتاج الاجتماعي انتاج الثروة المادية والروحية والوحدة الوطنية. فالهوية الوطنية عند هؤلاء المثقفين والسياسيين كما كانت عند أقرانهم في السابق سوي هوية مجردة صماء ثابته ومتعالية على التاريخ وعلى النمو والتطور لا تمت بصلة الى واقع المجتمع الفعلي بل تحيل الى امجاد الامة او على أصل ما يثوي بعيدا في اعماق التاريخ. وهؤلاء المثقفين والسياسيين في ندوة المنبر أصبحوا لا يميزون الهوية عن الأصل والفصل، بل هما عندهم شيء واحد، ولذلك تقترن الهوية بالأصل والأصالة والتأصيل والأصولية سواء كانت دينية ام علمانية

وإذ تعبر الثقافة التقليدية عن اُسلوب الانتاج الكفافي الحرفي وصيد اللؤلؤ تعبر الثقافة الاستهلاكية عن اُسلوب الانتاج الريعي، وتعبر الثقافة الجماهيرية القطيعية عن العقل الاحادي والتلقين وتكرار الجمل والشعارات الفارغة وعبادة الفرد عن اُسلوب عمل الجمعيات السياسية في واقع البحرين أليست هذه اهم عناصر الهوية الوطنية اليوم ؟! الهوية الفعلية هي ما ينتجه المجتمع او الشعب على الصعيدين المادي والروحي، وما يقيمه بنفسه ولنفسه من علاقات وتنظيمات اجتماعية وسياسية وطنية ديمقراطية أهمها الدولة، وفي ضوء هذا التحديد تغدو الهوية الوطنية هوية حية وغنية وقابلة للنمو والتطور. وهنا تكمن مشكلة الوعي الاجتماعي بوجه عام والوعي السياسي عند هؤلاء المثقفين والسياسيين في الجمعيات الطائفية السياسية او جمعيات ما يسمي بالوطنية والديمقراطية بوجه خاص تكمن في هذه المسالة، مسالة وعي الذات وتعريفها والتعبير عنها، وفي طرائق التعبير وأساليبه. ان تعريف الذات بدلالة الأصل (البحرينيين الأصلين) او بدلالة وجود جوهري (طائفي، مذهبي) في تاريخ تصوري هو سمة وعي ماضوي، لا تاريخي، يخبط في الممارسة العملية عند الجمعيات السياسية في البحرين خبط عشواء، فضلا عن طابعه الحصري والإقصائي والاستبدادي بالضرورة. هنا الجمعيات السياسية وبالذات الطائفية السياسية لا تفرق بين الهوية والاصل، فالهوية (الوطنية) غير الأصل، الاصل مفهوم ساكن ثابت، والهوية (الوطنية) مفهوم تاريخي، ناتج وصائر، وقابل للنمو والانبساط في الواقع البحريني

الهوية (الوطنية) هي وعي الذات للبحريني، الذي يحدد زاوية النظر الى بلده ومن ثم الى الكون والعالم والى الانسان، وعي الذات ليس مرتبطاً (بالعمل) فقط، بل هو اهم نتاجات العمل والإنتاج الاجتماعي، بدأ من انتاج البحريني ذاته ووجوده الاجتماعي. الانتاج لا يقتصر على انتاج الثروة المادية، بل يتعداها الى انتاج الثروة الروحية والى انتاج المجتمع ذاته واعادة إنتاجه، والى انتاج العلاقات والتنظيمات الاجتماعية والسياسية وإنتاج الدولة. وهنا إذا صح ان الهوية (الوطنية) هي وعي الذات، وان هذا الوعي اهم نتاجات العمل (وليس نتاجات الطائفية والمذهبية) والإنتاج الاجتماعي، يكون هذا هو المدخل المنطقي لتحديد الهوية الوطنية وبالتالي الوحدة الوطنية على نحو تبدو معه التحديدات التي تم التنظير لها في ندوة المنبر والمرتكزة على المظلومية، الخ. اي التي اندرج عليها الفكر السياسي الذي يسود الجمعيات الان في البحرين سواء القومي او اليساروية او الاسلاموي الطائفي خاصة مجرد اوهام ذاتية. لذلك لم تفض شعاراتها ومظاهراتها واعتصاماتها الا الى احداث الشرخ الطائفي في المجتمع وسوى اعادة انتاج التأخر في المشروع الاصلاحي والاستبداد في جمعياتها والتجزئة والانقسام والاستقطاب في الشعب وضرب الوحدة الوطنية بعرض الحائط والتبعية لدولة حكم الملالي الطائفية في ايران، وكما ذكر غسان شهابي في ندوة المنبر التقدمي الى الهزيمة امام النظام او السلطة، الا يكفي هذا ألكم من التضحية بهذا ألكم من المواطنين، وبهذا المشروع اي الاصلاحي وبالوحدة الوطنية والذي تتباكى عليها الحركة القومية، والحركة الإسلاموية الطائفية، والحركة اليساروية  الان، حتي تثوب الى الرشد، وكم هزيمة تحتاج هذه الحركات او الجمعيات اليها حتي تعترفا بالواقع كما هو ؟! والذي يقول ان جميع مؤسسات الدولة مؤسسات عامة اي مؤسسات وطنية وانه من الواجب عدم طأفنتها وكذلك دستورها وبرلمانها وقانونها لا كما عودتنا هذه الجمعيات منذ احداث الدوار علي حمل العلم البحريني فقط ؟!.

وان هذه المؤسسات تستمد عمومتيها و وطنيتها من عمومية الدولة ذاتها ومن وطنيتها. هذا التحديد الواقعي المعترف به نظريا عندنا، يكشف عن قصور مفهوم الوحدة الوطنية كما استقر حتي اليوم في الوعي السياسي، ويكشف عن الطابع الحصري ومن ثم الإقصائي عند المنتديين في ندوة الوحدة الوطنية في المنبر التقدمي، ويعري العناصر الطائفية والمذهبية والشعبوية التي لا تزال تلابس مفهوم الوحدة الوطنية ولعل مفهوم المجتمع المدني والدولة الوطنية والذي كان غائب لدي  المنتديين تتمته الضرورية منطقيا وتاريخيا، اي واقعيا، تساعدنا اليوم في أعادة تعريف الوحدة الوطنية بدلالة مفهوم المواطنة من جهة وعمومية الدولة من جهة اخري، فالمواطنة بالتعريف هي العضوية في الدولة الوطنية. هنا لابد من ان نقيم حدا معرفيا ومنطقيا وتاريخيا بين الطائفية المذهبية والشعبوية والوحدة الوطنية بمعناها الحديث والمعاصر، فمن دون ذلك ستكون جميع محاولات اعادة بناء او استعادة الوحدة الوطنية في البحرين محكومة بالإخفاق.

لو اخذنا بالسيناريوهات المنظورة في ندوة المنبر التقدمي والمُنْطلِقة من ان لا وحدة وطنية من غير وجود الطائفتين فيها او الجناحين او المكونين ؟! هنا لو تم إقامة وحدة وطنية نقية  طائفيا او مذهبيا فلا بد ان تُمارس جميع أشكال التمييز والاضطهاد وممارسة التطهير الطائفي والمذهبي فلقد تم تجريب هذا النوع الخاص من ( الوحدة الوطنية ) في العراق ولبنان ولم تنجح، واذا كان لعدم النجاح المتوتر اي قيمة معرفية او اخلاقية عند المثقفين والسياسيين في ندوة المنبر التقدمي، فان العقل يحكم بعدم تكرار ما ثبت خطؤه واخفاقه، ناهيك عن وهم ان هذا النقاء في ( الطائفتين ) يمكن ان ينفي اختلافات وتعارضات اخرى تنخر فيهما  لا حد لها كالانتهازية والنفاق الاجتماعي والفساد والمحسوبية والواسطة والرشوة الخ. اي قد لا يكون بعضها اهون من الاختلاف الطائفي المذهبي. ان محاولات إلغاء الاختلاف او السيطرة عليه من قبل هؤلاء المثقفين والسياسيين في تلك الندوة هي من أكثر المحاولات عبثية ولا عقلانية ولا اخلاقية بالتساوي. وإذا كان الامر كذلك فان مشروع الوحدة الوطنية او المشروع الاصلاحي او مشروع الدولة الوطنية كما يسميها ماركس الدولة السياسية، يظل مفتوحا كما تم التنويه من قبل على ثلاثة احتمالات او سيناريوهات، أحدها اعادة انتاج ما تم تسميته في الندوة (بالأزمة السياسية) او كما نسميه (أزمة الجمعيات السياسية المئزمة) اي اعادة انتاج الأوضاع القائمة والذي سوف تكون تكلفته هذه المرة باهظة على الشعب والبلد كما هو حادث في سوريا والعراق واليمن. وهو ما ترجّحه حتى اليوم الاطروحات السياسية الجمعيات المأزومة والبنى الطائفية والمذهبية والأيدولوجية والسياسية التي تتحصن بها. وهذا سوف يجرنا الى السيناريو الاخر وهو تفتيت و تذرير للدولة والمشروع الاصلاحي من اجل إقامة كيانات (سياسية) طائفية -مذهبية -دينية يناقض مضمونها معني السياسة ومعني الوحدة الوطنية والدولة وهو ما تعمل عليه إيران والدول الغربية بما فيها أمريكا. ام السيناريو الأخير وهو ما يحاول هذا الموضوع تلمس مبادئه وخطوطه العامة، اي اعادة الاعتبار للمجتمع المدني والمشروع الاصلاحي كونه صيرورة الدولة الوطنية. فالمجتمع المدني، علي ما فيه من تنوع واختلاف وتعارض، هو التجسيد العياني للوحدة الوطنية للشعب، ولنقل هو الواقع المادي الكثيف للوحدة الوطنية للشعب، فالشعب هو تجريده المثالي، او تعبيره الثقافي اي التعبير النظري عن وحدته التناقضية، ففي التجريد المثالي والتعبير الثقافي كليهما تختفي او تكاد تختفي الفروق والتعارضات الملازمة لكينونة الوحدة الوطنية او للكينونة الاجتماعية او للوجود الاجتماعي المباشر، و ( ليس الوجود المباشر للطوائف والمذاهب ) فَلَو كان المواطنيين في البحرين ينتجون خلافاتهم وتعارضاتهم في المجالين الثقافي والسياسي ( بدل الطائفي المذهبي  السياسي والثقافي السني / الطائفي السياسي والثقافي الشيعي ) كما هي في وجودهم الاجتماعي المباشر وعشوائية حياتهم اليومية واختلاف غاياتهم وتناقضها وتضادها لما كان هناك اجتماع بشري بل اجتماع بدائي طبيعي ما قبل مدني ووطني  كحال الجمعيات الطائفية السياسية.

ان ادعاء البعض من المثقفين او السياسيين في الجمعيات العاملة بشكل علني على الساحة السياسية في البحرين بان مهمة اعادة او بناء الوحدة الوطنية هي مهمة ما يسمي بالقوي الوطنية الديمقراطية. هل هذا (واقعي) اي حصر هذه المهمة في يد هؤلاء؟ لا بد من التساؤل: هل أعطت ما يسمي بالجمعيات الوطنية الديمقراطية والتي احتلت الحقل السياسي في ظل ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي وخصوصا التي تصف نفسها (بالتقدمية) مثلا جمعية المنبر التقدمي هل أعطت افكارها وممارستها وخصوصا مع بداية كارثة الدوار صفة العمومية وهل قدمت مصلحتها على انها المصلحة العامة، واعترفت لها بذلك سائر القوي الاجتماعية الأخرى؟ ان الإجابة على هذا التساؤل سوف يحسم قضية المهمة المطروحة على ما يسمي القوي الوطنية الديمقراطية، فقد تكشفت الإجابة من خلال الممارسة السياسية لتلك الجمعيات بين سياسات المرحلة ما قبل احداث ١٤ فبراير وسياسات مرحلة احداث ١٤ فبراير ٢٠١١، فكيف يستقيم ان تمثل هذه الجمعيات السياسية ومنها جمعية المنبر التقدمي الوحدة الوطنية للمجتمع المعني في البحرين ؟، في الوقت الذي تمثل فيه السلطة السياسية للجمعيات الطائفية السياسية والتي كانت تقود مشروع الدوار؟ اي كيف يستقيم طرح ان من سوف يتصدى لهذه المهمة (الوحدة الوطنية) العامة والكلية والسلطة السياسية للجمعيات الطائفية السياسية كونها سلطة جزئية وخاصة بالجمعيات الطائفية المذهبية؟ ولكي نفهم جدل هذا التساؤل الحاسم بالنسبة لهذه القضية الوحدة الوطنية لا بد ان نري المشهد السياسي من الداخل؟

ان جوهر الفكرة للوحدة الوطنية هذه المرة في هذه المرحلة احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ والى ألان قد انبنى علي اساس ان كل الجمعيات السياسية التي قادت او شاركت في مشروع كارثة الدوار حاولت ان توهم الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي ( انها طبقة جديدة سوف تحتل مكان طبقة سائدة قديمة ) ولكي تقوم بتحقيق أهدافها، حاولت وعبر الماكنة الإعلامية الى تمثيل مصلحتها علي انها ( المصلحة المشتركة ) لجميع أعضاء المجتمع، وأنها ( المعارضة الشرعية التي تمثل هذا الشعب ) بمعني  انه ينبغي لها، اذا شئنا ان نعبر عن ذلك علي صعيد الفكرة او الأفكار، ان تعطي افكارها ( شكل العمومية )، وان تمثلها كما تحاول كل الجمعيات السياسية في البحرين علي انها الأفكار الوحيدة العقلانية، الأفكار الوحيدة الصالحة بصورة شاملة للبحرين. هنا تحاول هذه الجمعيات المسماة بالوطنية الديمقراطية   ولمجرد انها تعارض السلطة ليس على اساس انها فقط (معارضة تمثل جمعيات طائفية سياسية وجمعيات تسمى نفسها وطنية ديمقراطية) بل على اساس انها ممثلة المجتمع بأسره ؟! انها تتجلي على انها الكتلة الكاملة للمجتمع في مواجهة الطبقة السائدة، وبان مصلحتها ترتبط أوثق ارتباطا بصورة فعلية بالمصلحة المشتركة لجميع الطبقات غير السائدة الأخرى. المشكلة هنا ان هذا الغطاء الأيدلوجي لا زال يمارس وفي وضح النهار من قبل هذه الجمعيات والتي تحاول ان تقنعه هذه المرة تحت غطاء (آفاق الوحدة الوطنية في البحرين) والذي يلعب هذا الدور هو جمعية المنبر التقدمي هذه المرة؟ لذلك لان جمعية وعد إضطلعت بالمهمة الأخرى تشكيل التيار الديمقراطي الوطني وأصبحت تتحدث باسمه؟ هاتان الجمعيتان ومن نهج على طريقهما لا ينظرون الى مسالة ان تلك المصلحة (انتزاع السلطة لصالح فئة الملالي الطائفية وجمعياتها الطائفية السياسية) والتي لم تسنح لها الفرصة (التاريخية) بعد تحت ضغط الأوضاع القائمة حتى الان كي تتطور على انها المصلحة الخاصة (لفئة الملالي وجمعياتها الطائفية السياسية) ومن هنا يتم تداول فكرة ان انتصار هذه المعارضة (الشيعية) ستكون له منافع او سوف يعود بالمنفعة ايضا على الطائفة السنية والتي لم تتوصل بعد الى فهم هذه المنفعة ؟!  من هنا أتت الدعوة بمطلب الشراكة الوطنية   والتشارك الوطني وتحت هذا الغطاء يتم ادخال هذه الطائفة السنية في مشروع دولة المحاصصة الطائفية المنشود من قبل الطائفة الشيعية التي ستسود. وعبر شعار الاغلبية الشيعية والأقلية السنية.                                  

ان المنظور الذي من خلاله تنظر الجمعيات السياسية في البحرين للوحدة الوطنية والذي تبلور مع احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ والى الان، والذي انبني علي الكيفية التي فهمت من خلالها العلاقات الاجتماعية عامة والعلاقات المتبادلة بين الفئات الاجتماعية خاصة، وحتي هذا لم يتم العمل من  خلاله بل تم النظر الى العلاقات بين الطوائف عامة والعلاقات المتبادلة بين الجمعيات الطائفية خاصة، لتفسير تحول الكتلة الاساسية من الشعب هنا في البحرين تم التعامل مع كتل طائفية الى جماهير هذه الطائفة الشيعية يقابلها جماهير الطائفة السنية اي الى ( طائفة  الدولة ) المقابل الشمولي ( لدولة الشعب )، فالحالة ( الجماهيرية ) او ( القطعان الطائفية ) التي سيقت في حراك ١٤  فبراير ٢٠١١، هي النتيجة المنطقية لتدمير البنى الجنينية التي وضع اساسها المشروع الاصلاحي اي البنى الاجتماعية سواء كانت مؤسسات او نقابات او اتحادات او جمعيات والقيام بإعادة تنسيقها وإدماجها لكي تأخذ طابعا طائفيا سياسيا اخذ مسمي ( المعارضة الشيعية ) وتم ادماج مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مجال واحد هو مجال سلطة الملالي او رجال الدين كل حسب طائفته، والتي لم يكن في وسعها ان تكون كذلك لولا سيطرتها المحكمة علي الطائفة وعلي الأذرع السياسية والنقابية وحتي الجمعيات السياسية للأسف، فقد أخضعت جميعها لهذا المعطى، اي ان وظيفتها صارت مقصورة علي ضمان استمرار سلطة الملالي وديمومتها واعادة إنتاجها في الحياة السياسية، وقد بين الاعتصام امام منزل المرجع الروحي والسياسي للوفاق بعد سحب الجنسية منه ان المرجع وسلطته علي الطائفة صارت اهم من الوطن ( المرجع او لا استقرار في البلد )، كل هذا يأتي تحت غطاء ( ديني ) فليس بوسع اي جمعية سياسية  ان تهيمن ثقافيا وتسيطر سياسيا من دون ان تتغطى ( بالمشروعية العليا ) ( علماء الدين ) فتحت هذا الغطاء فان الطائفة او المرجع يفرض نفسه كلا بالقوة العارية التي تنمو طردا مع ضمور عنصر الكلية ( الوحدة الوطنية ) في فكرها او روحها .

المرجع: كتاب ( أطياف الايدلوجية العربية ) دراسات نقدية في الفكر والسياسة.  للكاتب جاد الكريم جباعي

واقع او حال الوحدة الوطنية في البحرين في الوقت الراهن؟

بقلم الدكتور: سامي سالم                          

تصور عام ما ان تذكر الوحدة الوطنية اليوم حتي تستحضر جمعية المنبر التقدمي  جبهة التحرير الوطني في البحرين وجمعية وعد تستحضر  الجبهة الشعبية ، وكذلك تفعل جمعية التجمع القومي وتستحضر  حزب البعث في البحرين وجمعية الوسط الاسلامي تستحضر الحزب الناصري وجمعيات الاسلام السياسي السني تستحضر الاخوان المسلمين او السلف والإسلام السياسي الشيعي تستحضر حزب الدعوة العراقي الخ  من جمعيات سياسية تعمل علي الساحة السياسية سواء بشكل علني وشرعي او غير علني وغير شرعي ، وورقة نائب الامين العام للمنبر فاضل الحليبي خير مثال عندما ربط الوحدة الوطنية بفصيل واحد هو جبهة التحرير الوطني في البحرين . هنا يصعب على المواطن البحريني ان يتخيل الوحدة الوطنية خارج هذا (الاستحضار) وعلى ان يفكر في الوحدة الوطنية على اساس انها فضاء ثقافي مشترك تتقاطع فيه وتتجابه جميع التيارات الفكرية والأيدلوجية والسياسية، وان يكون في الوحدة الوطنية اختلاف وتعارض؟ ومن ثم فان لمفهوم الوحدة الوطنية في الخطاب السياسي البحريني كما لاحظناه في ندوة المنبر التقدمي طابعا جزئيا وحصريا وإقصائي ان لم نقل استئصاليا كما هو في الخطبة المرتجلة لسيادي. فالقوميون يحصرون الوطنية في العرب العاربة والمستعربة ويقصرها عليهم، والإسلاميون (الشيعة / السنة) يحصرونها في المسلم الشيعي / السني ويقصرونها عليهم، واليساريون لا يَرَوْن في الوحدة الوطنية سوي انها مقسمة الى مستغلين (بكسر الغين) او المستغلين (بفتح الغين) او كما طرحها سيادي ظالمين ومظلومين. فيحصرونها في الطبقة العاملة والكادحين، او في المظلومية كما يطرحها سيادي. هنا من الطبيعي ان لا يري (الوعي الفكر) عند هذه التيارات الوحدة الوطنية. ففي حال القصر والحصر لا يمكن ان نتحدث الا عن تشظي الحقل الثقافي والحقل السياسي عندما ينظر الى الوحدة الوطنية من هذا القصر والحصر، لا بفعل الشرخ الطائفي الذي أوجدته هذه التيارات في البحرين في ١٤ فبراير ٢٠١١، بل بفعل شقاء (الوعي). هنا تكمن اهمية (الوعي) في هذه المقاربة لمفهوم الوحدة الوطنية ذلك ان (وعي الذات) هو الصيغة الذاتية (لوعي) الواقع الذي تبلور ما قبل وبعد كارثة الدوار. فهو الذي يحكم العمل (الممارسة) ويوجه السلوك بصورة (واعية) او غير (واعية). وليس ما هو أكثر دلالة على ذلك من التنازع على التراث بين الاسلام السياسي السني / الشيعي في المرحلة الراهنة والذي   لم يكن سوي التعبير المثالي عن التنازع الضاري علي السلطة والقوة والثروة.

يحدد المواطن في البحرين ذاته اليوم بدلالة كما ذكر أحد المنتديين في ندوة المنبر بدلالة الأصل اولا وبدلالة الماضي، لا بدلالة التاريخ، ثانيا وبدلالة التراث ثالثا وبدلالة الدول الإقليمية رابعا، وتتظافر هذه العناصر في انتاج (هوية وطنية) وهمية و مأزومة. ومن هنا فان لمفهوم  الوحدة والوطنية كما ذكرنا سابقا في الخطاب السياسي البحريني بعد طائفيا ومذهبيا يتخفى  في الخطاب السياسي مما يسمي ( مقومات الوحدة الوطنية البحرينية )، يخرج الجماعات الأخرى من دائرة الشعب ( الوطني علي حد زعم سيادي هو من يقف مع المظلومية ) اي يخرجها من دائرة المجتمع المدني والدولة، وبعدا دينيا مذهبيا طائفيا عند  الاسلام السياسي ( الشيعي / السني ) يخرج غير المسلمين كما هو عند الشيخ عيسي قاسم ( عدم تمكين غير المؤمنين من حكم المؤمنين ) ومعهم اتباع المذاهب الاسلامية ( الأقليات المذهبية ) من دائرة الشعب ومن دائرة الدولة، وهذا مرة اخري شكل من أشكال تشظي  الحقل الثقافي والسياسي، لا بفعل الشرخ الطائفي ايضا، بل بفعل الانقسام والاستقطاب والتكسر المجتمعي ونقص الاندماج الوطني . المواطنين في بحرين اليوم وبعكس التفاؤل الذي طرحناه سابقا من مسالة الوحدة الوطنية يفتقرون الى اي قدر من (التوافق) على المطالَب الوطنية سواء بحدها الأدنى ام الأقصى وهذا الامر يسري علي كل الجمعيات السياسية الفاعلة على الساحة السياسية. او على أمور اخري كثيرة منها الشعب، الوطنية، الدولة السياسية. ان هذا الشرخ الطائفي لم يكن ممكن او لم يكن لتداعياته ان تدوم على هذا النحو لولا تشظي الحقل او المجال الثقافي والحقل او المجال السياسي للشعب في البحرين. ولولا نقص الاندماج الوطني او الاجتماعي، ولا يمكن ان ترد اسبابها فقط الى عوامل التجزئة الطائفية الخارجية بل الى عوامل التجزئة الداخلية   كانت ولا تزال أقوي من العوامل الخارجية، هذا هو الفخ او المستنقع الذي نصب في الدوار، الذي نصبته الجمعيات الطائفية السياسية للتيار الوطني الديمقراطي وجعلته يتوحل فيه. حقا ان الأوضاع القائمة تنتج مفاهيم مثيرة للجدل في ندوة المنبر التقدمي محطات ومواقف في الوحدة الوطنية، لا مع الفكر الطائفي ولا الفكر القومي التقليدي فحسب، بل مع الفكر الجامد العقائدي اساسا.

فقد كانت محاولات تعرف الواقع في التجربة الخاصة البحرينية مع الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني والبدء في المشروع الاصلاحي وتلمس ممكناته واتجاهات تطوره محكومة بثوابت أيدلوجية (قومية، إسلاموية، واشتراكية جامدة)، سوي استثناءات نادرة لا تزال على هامش الفكر السياسي في البحرين. فلا يزال الخطاب السياسي مقيدا بهذه الثوابت، ويعيد إنتاجها، ويعزف عن اي محاولة لنقدها (لم تقدم اي جمعية سياسية بمراجعة نقدية جذرية حتى الان) بل حدث الأسوء فهي ترمي كل من ينتقدها بالمروق والعمالة والموالاة ومن ثم الخيانة؟! وهذا ما حدث مع جمعية التغيير الديمقراطي تحت التأسيس (يسار سني، لون واحد، موالي للنظام الخ من النعوت الأيدلوجية البذيئة)، تجدر الإشارة الى ان الحقل الدلالي الذي ينتمي اليه مفهوم الوحدة الوطنية يتعارض مع هؤلاء المثقفين والسياسيين في ندوة المنبر على طول الخط مع الحقل العقائدي الجامد والمغلق سواء كان هؤلاء المثقفين والسياسيين قوميين او اشتراكيين او إسلاميون

تنطلق مقاربة خصوصية التجربة البحرينية ومقاربة الوحدة الوطنية في هذه التجربة من افتراض علاقة، منطقية وتاريخية، اي واقعية، بين الامة  والمجتمع المدني والدولة، ومن النظر الى الوحدة الوطنية علي انها فضاء ثقافي مشترك بين جميع القوي الاجتماعية وتمثيلاتها، مفهوم المجتمع تعبير سوسيولوجي، ومفهوم الامة تعبير ثقافي، ومفهوم الشعب تعبير سياسي عن حقيقة واحدة هي الدولة والتي لا تبدو لمواطنيها الا في صيغة النظام العام والمصلحة العامة و الإرادة العامة اي في صيغة دولة حق وقانون لجميع مواطنيها بلا استثناء ولا تمييز. من زاوية علم الاجتماع الخالص، يمكن الحديث عن طوائف او مجتمعات في دولة واحدة كالمجتمعات البدوية والمجتمعات القروية ومجتمعات المدن، ولكن لا يمكن الحديث عن شعوب في دولة واحدة ( شعب سني / شعب شيعي ) هنا ننتقل من علم الاجتماع الى علم الاجتماع السياسي والى علم السياسة ونغادر من ثم مستوي الوجود الاجتماعي المباشر الى احد اشكاله او تشكلاته الثقافية والسياسية والاجتماعية المتوسط ( هنا التضامنيات الطائفية المذهبية عند  خلدون النقيب و العصبيات الطائفية المذهبية عند جاد الجباعي ) كما ان الحديث عن شعب واحد في دولتين او في عدة دول، يضمر عدم الاعتراف بإحدى هاتين الدولتين او بهما معا وهي اشكالية ( القومي القطري ) و ( الطائفي القطري ) في الفكر السياسي في البحرين. ينجم عن ذلك موقف وجداني او شعوري لدي المواطن او الجمعيات الطائفية السياسية (القومية، الإسلاموية، اليسارية) قوامه رفض الدولة القائمة بالفعل، وعدم الثقة بها ومن ثم عدم احترامها والنظر لها على انها انحراف تاريخي (نتيجة غزو قبلي خليفي ؟!) وبالتالي فهي حتما زائلة وكان مشروع الدوار يعمل لزوالها. بإيجاد دولة (التحالف من اجل الجمهورية، دولة ولاية الفقيه) اي بدولة موجودة فقط في الذهن الإنقلابي. القوموي يرفض الدولة القائمة ويعارضها بالدولة (القومية) دولة الامة العربية الواحدة، وينشئ لها صورة قبلية مسبقة الصنع، مستوحاة، على الأرجح، من التاريخ الباكر للإمبراطورية العربية. والإسلاموي يرفض الدولة ألقائمة ويعارضها بدولة إسلامية، بحاكمية الله او دولة ولاية الفقيه، وينشئ لها صورة مستوحاة هي الأخرى من التاريخ (الاسلامي) الباكر. واليساري يرفض الدولة القائمة ويعارضها بدولة اشتراكية وينشئ لها صورة وهمية مستوحاة من (الاتحاد السوفيتي). اما الغائب الاكبر عند هذه الجمعيات او التيارات وفكرها في البحرين هو الواقع العياني والذي تبلور مع وثيقة ميثاق العمل الوطني وما تلاه من مشروع اصلاحي، والذي جرده الوعي الذاتي (مثلا سيادي المشروع الإفسادي) من اي مشروعية، مع انه مصدر جميع المشروعات، ولا يستمد قيمته ومشروعيته من اي عنصر من خارجه. لذلك لم تجد في ندوة المنبر من يعن الفكر السياسي بمسالة الدولة ومسائلها عناية جدية، ومن البديهي وهذه الحال الا يعني بمسالة المجتمع ومسائله الا من باب (المظلومية) وصراع (المعارضة / السلطة) ولا سيما بمسالة المجتمع المدني وما ينتمي اليها ويتعلق بها من مسائل كالأنسية والعلمانية والعقلانية والديمقراطية وحكم القانون والارادة العامة والمصلحة العامة وسيادة الشعب. الفكر السياسي في البحرين كالوعي العفوي السلفي، لا يتأسف على هذه الدولة وهذا المشروع الاصلاحي القائمة والقائم بالفعل إذا ما انهارت بل المطلوب كما يريد سيادي (اشتدي يا أزمة تنفرجي) وهنا تتعزز حجته علي الدولة ويسارع الى وصفها بانها دولة ضد الشعب وضد الطائفة الشيعية؟

من الظواهر المهمة والتي برزت في تاريخ الحركة الوطنية في البحرين ان طرح الحريات العامة والحريات الديمقراطية والوحدة الوطنية لم توجد ولا تنمو الا خارج الدولة وبالتضاد معها، وبالتضاد مع المجتمع المدني بالضرورة. ولعل علاقة التخارج والتضاد بين الدولة والحريّة والوحدة الوطنية نجمت عن التخارج والتضاد بين الدولة التسلطية (الاستبدادية والمجتمع المتسلط عليه) او (المستبد به). وحين يعارض الفكر السياسي في البحرين الدولة التسلطية (هنا ما قبل المشروع الاصلاحي) وللأسف استمر نفس هذا الفكر السياسي بعد المشروع الاصلاحي اي يعارض الدولة التسلطية او المستبدة، لا يميز الصفة من الموصوف، فيرفض الدولة والتسلط او الاستبداد معا ؟! هذه هي الاشكالية آلتي رأيناها في ندوة المنبر التقدمي مواقف ومحطات للوحدة الوطنية. وهنا فان الوعي السياسي عند هؤلاء المثقفين والسياسيين في الندوة لم يرق بعد الى مستوي يشعر فيه كل فرد انه (عضو) في الدولة، وذلك ناتج ان التضامنيات او العصبيات الطائفية او التعصب الحزبي او المتحدات الاجتماعية التقليدية، التي لا تزال توفر للأفراد نوعا من الحماية والأمن، فيخضعون لعاداتها وتقاليدها وأعرافها وطقوسها فهي لا تزال كل منها بنية موازية للدولة وتصبح أكثر وضوحا عندما يأتي موسم الانتخابات علي اساس طائفي او قبلي. فلا يزال انتماء الفرد موزعا بين هذه الطائفية او القبلية  والحزبية ويتجلى  ذلك بوضوح في موقف او  تعامل هؤلاء الافراد ما قبل وما بعد احداث ١٤ فبراير الكارثية من الممتلكات والمرافق العامة سواء كانت شوارع إشارات مرور او مدارس او محلات تجارية او صراف آلي، وفي عدم احترام القانون العام وعدم ادراك عموميته  ( الاعتصام المفتوح، المسيرات والتظاهرات الخ غير المعلن عنها والمرخص لها ) كذلك يفعلون مع قانون الأحوال الشخصية ومع دور العبادة تحت حجة  لتعارضه مع الاعراف  والعادات والتقاليد والطقوس والتي تعتبر عندهم أقوي من القانون والمصالح الخاصة لكل طائفة او جمعية سياسية أقوي  من المصلحة العامة، فليس لمفاهيم المجتمع والدولة والوحدة الوطنية والقانون والمصلحة العامة اي قيمة رمزية في وجدان الفرد الذي لم يتخطى بعد العلاقات والروابط الطائفية – القبلية والحزبية  علاوة علي ان الوجدان يتمحور علي ( التمييز  والمظلومية ).

لعل الأسباب العميقة لذلك تكمن في تخلف أساليب الانتاج وضعف القوي المنتجة. فقد كانت الحركة الوطنية في السابق كما هو حال الجمعيات السياسية الان تردد مقولة ان الوحدة الوطنية لم تولد في السوق الرأسمالية، بل في خضم مقاومة الاستعمار البريطاني والاستبداد الخليفي، واقترنت هذه المقولة بوصف الامة البحرينية بانها (أُمَّةً تقدمية) في معارضة الامم الرأسمالية والامبريالية التي وصفت بالرجعية. ان هذا الإيحاء التمجيدي والافتخاري وخصوصا ما لاحظناه في ورقة نائب الامين العام للمنبر التقدمي فاضل الحليبي، نجم عن موقف أيدلوجي معارض او معاد للرأسمالية التي التبست بالاستعمار والامبريالية، وغاب عن اصحاب هذا الموقف ان العمل والإنتاج الاجتماعي هو المبدأ الذي يفسر نشوء الامم الحديثة وان هوية مجتمع ما ماهي ما ينتجه هذا المجتمع علي الصعيدين المادي والروحي الوعي القومي واليساري، وعي الذات، الذي تشكل تحت ضغط الاضطهاد السياسي والانتهاك الاستعماري، واتسم برد الفعل الشعوري عليها، استمرار هذه المقولة، وجعل منها احدي النوي الصلبة للايدلوجية القومية واليسارية التي أراحتهم  من عناء فحص مقولة ( الوحدة الوطنية عند الجمعيات السياسية الموجودة الان علي الساحة السياسية في الوقت الراهن ) اي أراحتهم من عناء فحص مقولاته ومفاهيمه وأدواته المعرفية.

لم ينتبه الفكر السياسي في البحرين الى الدلالة الأعمق لهذه المقولة ( الوحدة الوطنية ) وبالتالي الى الدلالة الأعمق لنمط الانتاج الرأسمالي اي نمو العمل الاجتماعي وتطوره, وصيرورته عملا صناعيا ينمو فيه العنصر الذهني باطراد، وان هذين النمو والتطور ألقيا بظلالهما علي تبدل شكل الملكية الخاصة وعلي تقسيم العمل وعلى التبادل وتوزيع الثروة الوطنية بين الفئات والطبقات الاجتماعية وكيف حدث الحراك الاجتماعي والتشكل الطبقي الجديد ضمن اطار الأنماط الإنتاجية التي سادت او وجدت علي الهامش في صيرورة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية ( الاقتصاد التقليدي ، اقتصاد صناعة الغوص ، الاقتصاد التجاري، الخ ) من اُسلوب الاقتصاد الكفاف الى اُسلوب الانتاج الريعي ومن ثم علي العلاقات الاجتماعية وعلاقات الانتاج وعلي أشكال التنظيم الاجتماعي والسياسي ومضامينها. ذلك لأنه توجد علاقة جدلية وضرورية بين قضية العمل والإنتاج الاجتماعي انتاج الثروة المادية والروحية والوحدة الوطنية. فالهوية الوطنية عند هؤلاء المثقفين والسياسيين كما كانت عند أقرانهم في السابق سوي هوية مجردة صماء ثابته ومتعالية على التاريخ وعلى النمو والتطور لا تمت بصلة الى واقع المجتمع الفعلي بل تحيل الى امجاد الامة او على أصل ما يثوي بعيدا في اعماق التاريخ. وهؤلاء المثقفين والسياسيين في ندوة المنبر أصبحوا لا يميزون الهوية عن الأصل والفصل، بل هما عندهم شيء واحد، ولذلك تقترن الهوية بالأصل والأصالة والتأصيل والأصولية سواء كانت دينية ام علمانية

وإذ تعبر الثقافة التقليدية عن اُسلوب الانتاج الكفافي الحرفي وصيد اللؤلؤ تعبر الثقافة الاستهلاكية عن اُسلوب الانتاج الريعي، وتعبر الثقافة الجماهيرية القطيعية عن العقل الاحادي والتلقين وتكرار الجمل والشعارات الفارغة وعبادة الفرد عن اُسلوب عمل الجمعيات السياسية في واقع البحرين أليست هذه اهم عناصر الهوية الوطنية اليوم ؟! الهوية الفعلية هي ما ينتجه المجتمع او الشعب على الصعيدين المادي والروحي، وما يقيمه بنفسه ولنفسه من علاقات وتنظيمات اجتماعية وسياسية وطنية ديمقراطية أهمها الدولة، وفي ضوء هذا التحديد تغدو الهوية الوطنية هوية حية وغنية وقابلة للنمو والتطور. وهنا تكمن مشكلة الوعي الاجتماعي بوجه عام والوعي السياسي عند هؤلاء المثقفين والسياسيين في الجمعيات الطائفية السياسية او جمعيات ما يسمي بالوطنية والديمقراطية بوجه خاص تكمن في هذه المسالة، مسالة وعي الذات وتعريفها والتعبير عنها، وفي طرائق التعبير وأساليبه. ان تعريف الذات بدلالة الأصل (البحرينيين الأصلين) او بدلالة وجود جوهري (طائفي، مذهبي) في تاريخ تصوري هو سمة وعي ماضوي، لا تاريخي، يخبط في الممارسة العملية عند الجمعيات السياسية في البحرين خبط عشواء، فضلا عن طابعه الحصري والإقصائي والاستبدادي بالضرورة. هنا الجمعيات السياسية وبالذات الطائفية السياسية لا تفرق بين الهوية والاصل، فالهوية (الوطنية) غير الأصل، الاصل مفهوم ساكن ثابت، والهوية (الوطنية) مفهوم تاريخي، ناتج وصائر، وقابل للنمو والانبساط في الواقع البحريني

الهوية (الوطنية) هي وعي الذات للبحريني، الذي يحدد زاوية النظر الى بلده ومن ثم الى الكون والعالم والى الانسان، وعي الذات ليس مرتبطاً (بالعمل) فقط، بل هو اهم نتاجات العمل والإنتاج الاجتماعي، بدأ من انتاج البحريني ذاته ووجوده الاجتماعي. الانتاج لا يقتصر على انتاج الثروة المادية، بل يتعداها الى انتاج الثروة الروحية والى انتاج المجتمع ذاته واعادة إنتاجه، والى انتاج العلاقات والتنظيمات الاجتماعية والسياسية وإنتاج الدولة. وهنا إذا صح ان الهوية (الوطنية) هي وعي الذات، وان هذا الوعي اهم نتاجات العمل (وليس نتاجات الطائفية والمذهبية) والإنتاج الاجتماعي، يكون هذا هو المدخل المنطقي لتحديد الهوية الوطنية وبالتالي الوحدة الوطنية على نحو تبدو معه التحديدات التي تم التنظير لها في ندوة المنبر والمرتكزة على المظلومية، الخ. اي التي اندرج عليها الفكر السياسي الذي يسود الجمعيات الان في البحرين سواء القومي او اليساروية او الاسلاموي الطائفي خاصة مجرد اوهام ذاتية. لذلك لم تفض شعاراتها ومظاهراتها واعتصاماتها الا الى احداث الشرخ الطائفي في المجتمع وسوى اعادة انتاج التأخر في المشروع الاصلاحي والاستبداد في جمعياتها والتجزئة والانقسام والاستقطاب في الشعب وضرب الوحدة الوطنية بعرض الحائط والتبعية لدولة حكم الملالي الطائفية في ايران، وكما ذكر غسان شهابي في ندوة المنبر التقدمي الى الهزيمة امام النظام او السلطة، الا يكفي هذا ألكم من التضحية بهذا ألكم من المواطنين، وبهذا المشروع اي الاصلاحي وبالوحدة الوطنية والذي تتباكى عليها الحركة القومية، والحركة الإسلاموية الطائفية، والحركة اليساروية  الان، حتي تثوب الى الرشد، وكم هزيمة تحتاج هذه الحركات او الجمعيات اليها حتي تعترفا بالواقع كما هو ؟! والذي يقول ان جميع مؤسسات الدولة مؤسسات عامة اي مؤسسات وطنية وانه من الواجب عدم طأفنتها وكذلك دستورها وبرلمانها وقانونها لا كما عودتنا هذه الجمعيات منذ احداث الدوار علي حمل العلم البحريني فقط ؟!.

وان هذه المؤسسات تستمد عمومتيها و وطنيتها من عمومية الدولة ذاتها ومن وطنيتها. هذا التحديد الواقعي المعترف به نظريا عندنا، يكشف عن قصور مفهوم الوحدة الوطنية كما استقر حتي اليوم في الوعي السياسي، ويكشف عن الطابع الحصري ومن ثم الإقصائي عند المنتديين في ندوة الوحدة الوطنية في المنبر التقدمي، ويعري العناصر الطائفية والمذهبية والشعبوية التي لا تزال تلابس مفهوم الوحدة الوطنية ولعل مفهوم المجتمع المدني والدولة الوطنية والذي كان غائب لدي  المنتديين تتمته الضرورية منطقيا وتاريخيا، اي واقعيا، تساعدنا اليوم في أعادة تعريف الوحدة الوطنية بدلالة مفهوم المواطنة من جهة وعمومية الدولة من جهة اخري، فالمواطنة بالتعريف هي العضوية في الدولة الوطنية. هنا لابد من ان نقيم حدا معرفيا ومنطقيا وتاريخيا بين الطائفية المذهبية والشعبوية والوحدة الوطنية بمعناها الحديث والمعاصر، فمن دون ذلك ستكون جميع محاولات اعادة بناء او استعادة الوحدة الوطنية في البحرين محكومة بالإخفاق.

لو اخذنا بالسيناريوهات المنظورة في ندوة المنبر التقدمي والمُنْطلِقة من ان لا وحدة وطنية من غير وجود الطائفتين فيها او الجناحين او المكونين ؟! هنا لو تم إقامة وحدة وطنية نقية  طائفيا او مذهبيا فلا بد ان تُمارس جميع أشكال التمييز والاضطهاد وممارسة التطهير الطائفي والمذهبي فلقد تم تجريب هذا النوع الخاص من ( الوحدة الوطنية ) في العراق ولبنان ولم تنجح، واذا كان لعدم النجاح المتوتر اي قيمة معرفية او اخلاقية عند المثقفين والسياسيين في ندوة المنبر التقدمي، فان العقل يحكم بعدم تكرار ما ثبت خطؤه واخفاقه، ناهيك عن وهم ان هذا النقاء في ( الطائفتين ) يمكن ان ينفي اختلافات وتعارضات اخرى تنخر فيهما  لا حد لها كالانتهازية والنفاق الاجتماعي والفساد والمحسوبية والواسطة والرشوة الخ. اي قد لا يكون بعضها اهون من الاختلاف الطائفي المذهبي. ان محاولات إلغاء الاختلاف او السيطرة عليه من قبل هؤلاء المثقفين والسياسيين في تلك الندوة هي من أكثر المحاولات عبثية ولا عقلانية ولا اخلاقية بالتساوي. وإذا كان الامر كذلك فان مشروع الوحدة الوطنية او المشروع الاصلاحي او مشروع الدولة الوطنية كما يسميها ماركس الدولة السياسية، يظل مفتوحا كما تم التنويه من قبل على ثلاثة احتمالات او سيناريوهات، أحدها اعادة انتاج ما تم تسميته في الندوة (بالأزمة السياسية) او كما نسميه (أزمة الجمعيات السياسية المئزمة) اي اعادة انتاج الأوضاع القائمة والذي سوف تكون تكلفته هذه المرة باهظة على الشعب والبلد كما هو حادث في سوريا والعراق واليمن. وهو ما ترجّحه حتى اليوم الاطروحات السياسية الجمعيات المأزومة والبنى الطائفية والمذهبية والأيدولوجية والسياسية التي تتحصن بها. وهذا سوف يجرنا الى السيناريو الاخر وهو تفتيت و تذرير للدولة والمشروع الاصلاحي من اجل إقامة كيانات (سياسية) طائفية -مذهبية -دينية يناقض مضمونها معني السياسة ومعني الوحدة الوطنية والدولة وهو ما تعمل عليه إيران والدول الغربية بما فيها أمريكا. ام السيناريو الأخير وهو ما يحاول هذا الموضوع تلمس مبادئه وخطوطه العامة، اي اعادة الاعتبار للمجتمع المدني والمشروع الاصلاحي كونه صيرورة الدولة الوطنية. فالمجتمع المدني، علي ما فيه من تنوع واختلاف وتعارض، هو التجسيد العياني للوحدة الوطنية للشعب، ولنقل هو الواقع المادي الكثيف للوحدة الوطنية للشعب، فالشعب هو تجريده المثالي، او تعبيره الثقافي اي التعبير النظري عن وحدته التناقضية، ففي التجريد المثالي والتعبير الثقافي كليهما تختفي او تكاد تختفي الفروق والتعارضات الملازمة لكينونة الوحدة الوطنية او للكينونة الاجتماعية او للوجود الاجتماعي المباشر، و ( ليس الوجود المباشر للطوائف والمذاهب ) فَلَو كان المواطنيين في البحرين ينتجون خلافاتهم وتعارضاتهم في المجالين الثقافي والسياسي ( بدل الطائفي المذهبي  السياسي والثقافي السني / الطائفي السياسي والثقافي الشيعي ) كما هي في وجودهم الاجتماعي المباشر وعشوائية حياتهم اليومية واختلاف غاياتهم وتناقضها وتضادها لما كان هناك اجتماع بشري بل اجتماع بدائي طبيعي ما قبل مدني ووطني  كحال الجمعيات الطائفية السياسية.

ان ادعاء البعض من المثقفين او السياسيين في الجمعيات العاملة بشكل علني على الساحة السياسية في البحرين بان مهمة اعادة او بناء الوحدة الوطنية هي مهمة ما يسمي بالقوي الوطنية الديمقراطية. هل هذا (واقعي) اي حصر هذه المهمة في يد هؤلاء؟ لا بد من التساؤل: هل أعطت ما يسمي بالجمعيات الوطنية الديمقراطية والتي احتلت الحقل السياسي في ظل ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي وخصوصا التي تصف نفسها (بالتقدمية) مثلا جمعية المنبر التقدمي هل أعطت افكارها وممارستها وخصوصا مع بداية كارثة الدوار صفة العمومية وهل قدمت مصلحتها على انها المصلحة العامة، واعترفت لها بذلك سائر القوي الاجتماعية الأخرى؟ ان الإجابة على هذا التساؤل سوف يحسم قضية المهمة المطروحة على ما يسمي القوي الوطنية الديمقراطية، فقد تكشفت الإجابة من خلال الممارسة السياسية لتلك الجمعيات بين سياسات المرحلة ما قبل احداث ١٤ فبراير وسياسات مرحلة احداث ١٤ فبراير ٢٠١١، فكيف يستقيم ان تمثل هذه الجمعيات السياسية ومنها جمعية المنبر التقدمي الوحدة الوطنية للمجتمع المعني في البحرين ؟، في الوقت الذي تمثل فيه السلطة السياسية للجمعيات الطائفية السياسية والتي كانت تقود مشروع الدوار؟ اي كيف يستقيم طرح ان من سوف يتصدى لهذه المهمة (الوحدة الوطنية) العامة والكلية والسلطة السياسية للجمعيات الطائفية السياسية كونها سلطة جزئية وخاصة بالجمعيات الطائفية المذهبية؟ ولكي نفهم جدل هذا التساؤل الحاسم بالنسبة لهذه القضية الوحدة الوطنية لا بد ان نري المشهد السياسي من الداخل؟

ان جوهر الفكرة للوحدة الوطنية هذه المرة في هذه المرحلة احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ والى ألان قد انبنى علي اساس ان كل الجمعيات السياسية التي قادت او شاركت في مشروع كارثة الدوار حاولت ان توهم الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي ( انها طبقة جديدة سوف تحتل مكان طبقة سائدة قديمة ) ولكي تقوم بتحقيق أهدافها، حاولت وعبر الماكنة الإعلامية الى تمثيل مصلحتها علي انها ( المصلحة المشتركة ) لجميع أعضاء المجتمع، وأنها ( المعارضة الشرعية التي تمثل هذا الشعب ) بمعني  انه ينبغي لها، اذا شئنا ان نعبر عن ذلك علي صعيد الفكرة او الأفكار، ان تعطي افكارها ( شكل العمومية )، وان تمثلها كما تحاول كل الجمعيات السياسية في البحرين علي انها الأفكار الوحيدة العقلانية، الأفكار الوحيدة الصالحة بصورة شاملة للبحرين. هنا تحاول هذه الجمعيات المسماة بالوطنية الديمقراطية   ولمجرد انها تعارض السلطة ليس على اساس انها فقط (معارضة تمثل جمعيات طائفية سياسية وجمعيات تسمى نفسها وطنية ديمقراطية) بل على اساس انها ممثلة المجتمع بأسره ؟! انها تتجلي على انها الكتلة الكاملة للمجتمع في مواجهة الطبقة السائدة، وبان مصلحتها ترتبط أوثق ارتباطا بصورة فعلية بالمصلحة المشتركة لجميع الطبقات غير السائدة الأخرى. المشكلة هنا ان هذا الغطاء الأيدلوجي لا زال يمارس وفي وضح النهار من قبل هذه الجمعيات والتي تحاول ان تقنعه هذه المرة تحت غطاء (آفاق الوحدة الوطنية في البحرين) والذي يلعب هذا الدور هو جمعية المنبر التقدمي هذه المرة؟ لذلك لان جمعية وعد إضطلعت بالمهمة الأخرى تشكيل التيار الديمقراطي الوطني وأصبحت تتحدث باسمه؟ هاتان الجمعيتان ومن نهج على طريقهما لا ينظرون الى مسالة ان تلك المصلحة (انتزاع السلطة لصالح فئة الملالي الطائفية وجمعياتها الطائفية السياسية) والتي لم تسنح لها الفرصة (التاريخية) بعد تحت ضغط الأوضاع القائمة حتى الان كي تتطور على انها المصلحة الخاصة (لفئة الملالي وجمعياتها الطائفية السياسية) ومن هنا يتم تداول فكرة ان انتصار هذه المعارضة (الشيعية) ستكون له منافع او سوف يعود بالمنفعة ايضا على الطائفة السنية والتي لم تتوصل بعد الى فهم هذه المنفعة ؟!  من هنا أتت الدعوة بمطلب الشراكة الوطنية   والتشارك الوطني وتحت هذا الغطاء يتم ادخال هذه الطائفة السنية في مشروع دولة المحاصصة الطائفية المنشود من قبل الطائفة الشيعية التي ستسود. وعبر شعار الاغلبية الشيعية والأقلية السنية.                                  

ان المنظور الذي من خلاله تنظر الجمعيات السياسية في البحرين للوحدة الوطنية والذي تبلور مع احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ والى الان، والذي انبني علي الكيفية التي فهمت من خلالها العلاقات الاجتماعية عامة والعلاقات المتبادلة بين الفئات الاجتماعية خاصة، وحتي هذا لم يتم العمل من  خلاله بل تم النظر الى العلاقات بين الطوائف عامة والعلاقات المتبادلة بين الجمعيات الطائفية خاصة، لتفسير تحول الكتلة الاساسية من الشعب هنا في البحرين تم التعامل مع كتل طائفية الى جماهير هذه الطائفة الشيعية يقابلها جماهير الطائفة السنية اي الى ( طائفة  الدولة ) المقابل الشمولي ( لدولة الشعب )، فالحالة ( الجماهيرية ) او ( القطعان الطائفية ) التي سيقت في حراك ١٤  فبراير ٢٠١١، هي النتيجة المنطقية لتدمير البنى الجنينية التي وضع اساسها المشروع الاصلاحي اي البنى الاجتماعية سواء كانت مؤسسات او نقابات او اتحادات او جمعيات والقيام بإعادة تنسيقها وإدماجها لكي تأخذ طابعا طائفيا سياسيا اخذ مسمي ( المعارضة الشيعية ) وتم ادماج مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مجال واحد هو مجال سلطة الملالي او رجال الدين كل حسب طائفته، والتي لم يكن في وسعها ان تكون كذلك لولا سيطرتها المحكمة علي الطائفة وعلي الأذرع السياسية والنقابية وحتي الجمعيات السياسية للأسف، فقد أخضعت جميعها لهذا المعطى، اي ان وظيفتها صارت مقصورة علي ضمان استمرار سلطة الملالي وديمومتها واعادة إنتاجها في الحياة السياسية، وقد بين الاعتصام امام منزل المرجع الروحي والسياسي للوفاق بعد سحب الجنسية منه ان المرجع وسلطته علي الطائفة صارت اهم من الوطن ( المرجع او لا استقرار في البلد )، كل هذا يأتي تحت غطاء ( ديني ) فليس بوسع اي جمعية سياسية  ان تهيمن ثقافيا وتسيطر سياسيا من دون ان تتغطى ( بالمشروعية العليا ) ( علماء الدين ) فتحت هذا الغطاء فان الطائفة او المرجع يفرض نفسه كلا بالقوة العارية التي تنمو طردا مع ضمور عنصر الكلية ( الوحدة الوطنية ) في فكرها او روحها .

المرجع: كتاب ( أطياف الايدلوجية العربية ) دراسات نقدية في الفكر والسياسة.  للكاتب جاد الكريم جباعي