في كل عام من شهر فبراير نحتفل بهذه الذكري العزيزة على قلوبنا جميعا وذلك وفاءً منا لتاريخ ظل راسخاً ولازال في الذاكرة النضالية لشعبنا وتضحياته في سبيل الحرية والتحرر مِن الاستعمار والاستبداد والتبعية والتقدم في اتجاه تحقيق الاستقلال الوطني الناجز ونحو فضاء الحد الأدنى من الديمقراطية والحريات العامة من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم.
اننا نحتفي بتضحيات العديد من رفاق الدرب الذين ناضلوا من اجل الدفاع عن مطالب شعبنا لنيل وانتزاع الحرية والاستقلال، والدفع في اتجاه الحركة الدستورية والديمقراطية، متحملين كافة اشكال الاعتقال والسجن والنفي وحتى الاستشهاد وظلوا مصرين على مبادئهم وأهدافهم الوطنية والديمقراطية. فحريا˝ بنا ان نقف اليوم اجلالا ووفاء لتاريخهم، وذلك عبر مواصلة هذا الطريق الوعر والصعب الذي اختاروه للتحرر ومن اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتقدم.
الأخوات والاخوة الرفاق الأعزاء
نحتفل بذكرى متوغلة في الزمن تعود لعام ١٩٥٥ تاريخ التأسيس العلاقة الوثيقة بنضال شعبنا وما يمثله ذاك الحدث الابرز في تاريخ البحرين الحديث الذي احدث تغيرا جذريا في مضمون القوي السياسية الفاعلة في الحياة السياسية وعمق دور القوى الاجتماعية الحية كالطبقة العاملة البحرينية حيث تسلحت بالنظرية والمنهجية كأداة ومرشد لها في نضالها الاقتصادي والسياسي ، وكذلك كوادر الجبهة في حراكهم السياسي في فترة السبعينيات من اجل ولوج عصر الحداثة في البحرين، حيث توفرت للمجتمع فرصة تاريخية للخروج من نفق التخلف والاستبداد والتبعية والتغيير عبر المؤسسات الديمقراطية وفي ظل الدستور.
الأخوات والاخوة الرفاق الأعزاء.
كم نحن اليوم بحاجه لتلك المبادئ السامية والفكر التنويري والذي انبثق من بين كوادر الجبهة وقيادتها وكوادرها العمالية التي علمت وتعلمت من شعبنا كيف تخوض معاركها الطبقية وليس الطائفية -كما يحدث الان -وكيف ترفع شعاراتها السياسية الممكنة التحقيق، ومتى تتراجع وفي اي الظروف تتقدم عبر قراءة المشهد السياسي بموضوعية مع الأخذ في الاعتبار ظروفها الذاتية. لقد استطاع التنظيم، بالرغم من الظروف الموضوعية القاسية والصعبة التي عاشها، في ظل اجواء العمل السري، ان يحافظ علي تماسكه الفكري والسياسي والتنظيمي وان يقوم بالتحريض والدعاية عبر ما هو متاح في برنامجه السياسي الوطني العام الصادر عام ١٩٦٢والذي يحقق تطلعات شعبنا من اجل البحرين كدولة ديمقراطية ذات سيادة وبحكومة وطنية ديمقراطية تعمل لمصلحة الشعب وتقيم نظام إدارة وطني ديمقراطي مؤسساتي يكفل الحريات الديمقراطية لمجموع الشعب في البحرين ببرلمان ومجالس إدارات بلدية ينتخبها الشعب وتمثله حقا وتضع دستورا بحرينيا يقوم علي أساس ديمقراطي يأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية لوطننا. ان مطلب إطلاق الحريات الديمقراطية العامة كان مطلبا سياسيا جماهيريا ناضلت جبهة التحرير الوطني في سبيله سنًوات طوال وقدمت التضحيات وهي تصارع حزمة من القوانين المقيدة للحريات مثل قانون الطوارئ وقانون أمن الدولة السيء الصيت ودفعت مع بقية فصائل القوى الوطنية الثمن باهظا˝. وما زادها ذلك إﻻ خبرة وتمرسا على دروب النضال الصعبة والوعرة مما اكسبها ثقة الجماهير وذاك هو المعيار الحقيقي لأي حزب طليعي، حيث التفت الجماهير حول البرنامج السياسي الوطني العام وكان هو شعارها وهدفها المنشود في تلك الفترة، ضمن تبلور وتطور الصراع الطبقي وممارسته على ارض الواقع بعيدا˝ عن الفكر الظلامي الطائفي الديني، فكر القرون الوسطي المتطرف والمتزمت والمتعصب والذي خرج علينا من بين فئة رجال الدين والملالي وجمعياتهم الطائفية السياسية التي تستغل الدين لأغراض مشبوهة.
الأخوات والاخوة والرفاق الأعزاء
ان ما تشهده الحياة السياسية اليوم وعبر قراءة موضوعية وملموسة للمشهد السياسي المرتبك والمضطرب والمشوش والذي انعكس علي ما يسمى بالمعارضة السياسية لهو مؤشر علي المأزق الذي تعيشه جمعيات الاسلام السياسي في الضفتين الشيعية والسنية وضياع وانحسار الجمعيات التي تسمي نفسها التيار الوطني الديمقراطي، بل ان هذه الجمعيات هي المسئولة عن هذه المأساة التي نعيشها اليوم ونراها بارزة للعيان في انحسار دور القوي السياسية في الحراك السياسي و في العملية الديمقراطية سواء في الانتخابات النيابية او البلدية حيث كان رفع شعار مقاطعة البرلمان والمجالس البلدية قد اصابها بمقتل في هذا الجانب فأصبحت خارج اللعبة السياسية وكذلك حراكها في الشارع اصبح محدودا بندوات تقيمها بين فترة واخرى في مقراتها.
لا يخفى عليكم ايها الاصدقاء والرفاق انه في الفترة الاخيرة قد برزت كثير من الدعوات من اجل المراجعة النقدية والنقد والنقد الذاتي عند كل الجمعيات ولكن ماذا أفرزت هذه المراجعات؟ لا شيء يذكر على الإطلاق. وفي ظل واقع كهذا فإننا في جمعية التغيير الديمقراطي نؤكد على ان السلطة لن تقدم لنا الديمقراطية على طبق من ذهب ولن توحد صفوفنا وتماسكنا ولن تقوي ضعفنا، فالديمقراطية على الرغم من أنها حق اصيل ولكن لا بد لنا ان ننتزعها بالطرق الشرعية والعلنية والسلمية، فالوصول اليها يتطلب سياسة النفس الطويل وسياسة الممكن على ان تحسن المعارضة ادارتها وفن التعامل مع مداخلها واحتمالاتها بعيدا عن فكر الماضي والعودة الي ظروف العمل السري والتوغل في كهوفه. فأمامنا فرصة تاريخية للعمل العلني وهو المطلب الذي طالما نادت به جبهة التحرير الوطني وهو العمل الذي يجري في ظله الصراع الطبقي بشكل مكشوف بين المُستغِلين والمُستَغَلين. فهل كانت كل القوي السياسية قادرة على خوض مثل هذا الصراع العلني؟ لقد اثبتت التجربة الانتخابية مثلا إننا لم نكن مؤهلين لخوض هذه المعركة الانتخابية في ظل هذا الهامش من الديمقراطية ومنافسة السلطة من داخل المجلس النيابي او البلدي وبممارسة المحاسبة والمساءلة والاستجواب في ظروف ما هو متاح لهذه المعارضة في هذين المجلسين فما بالك بمن يطرح موضوع إلغاء الغرفة الثانية اي مجلس الشورى المعين. فهل المعارضة وشكل ممارستها في كل المجالس السابقة من ٢٠٠٢ الي ٢٠١٠ كانت قادرة علي مسك دفة السلطة التشريعية المنتخبة؟ وهل استطاعت ربط نشاطها في البرلمان بحراكها في الشارع وقيادته بوعي وتفعيل مؤثراته فيمن يصنع القرار في البرلمان. هناك العديد من التساؤلات التي قد تكشف عن عجز تلك القوي الذاتي أكثر منه في الجانب الموضوعي. وكل هذا سوف يضاعف من مأساة جماهير شعبنا في ظل المؤشرات الاقتصادية وسياسات التقشف والتي فرضتها الدولة علي شكل قرارات فوقية غير قابلة للنقاش في ظل العجز في الموازنة العامة وارتفاع الدين العام وانحسار معدلات التنمية وزيادة معدلات التضخم والتي بدأت تظهر في احصائيات ومؤشرات المنظمات الدولية مما انعكس على تقليص برامج دولة الرعاية الاجتماعية.
الأخوات والاخوة الرفاق الأعزاء
ان الأهمية الاستثنائية للذكرى الحادية و الستون لتأسيس جبهة التحرير الوطني ونحن نمر بهذا التاريخ وبعد الاحداث الاخيرة في البحرين تدفع بسائر الوطنيين والديمقراطيين وبكل من يدعي انه يحب البحرين الي استلهام الدروس والعبر الثمينة منها وأهمها ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية شعارا وممارسة وعبر بوابة المصالحة الوطنية وليس المحاصصة الطائفية وعبر الإجراءات والخطوات المدروسة وليس بين النخب السياسية رغم أهميتها وحسب، وإنما بين الكتل والاتجاهات المجتمعية ايضا و بكسب ثقة الجماهير التي تم استقطابها وتقسيمها في مشروع الدوار /الفاتح علي أساس طائفي سني شيعي وتداعياته اصبح يرتقي الي مستوى ضرورات المواجهة وخصوصا في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة والتي تم فيها اتخاذ قرارات اقتصادية برفع الدعم عن السلع وفرض مزيد من الرسوم علي المواطنين، يترافق مع ذلك ضرورة اجهاض تطلعات الحلف الطبقي الضمني وضد الجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين والجمعيات الشعبوية المغامرة والتي تصب كلها في بوتقة التقسيم والاستقطاب الطائفي. اننا امام وضع نرى حياله بانه من واجبنا ان نخرج التيار الوطني الديمقراطي العقلاني التقدمي من أزمته قبل الحديث عن أزمة السلطة وان نعيد مجد نضالات جبهة التحرير والدور الرائد لليسار التقدمي ليس بالبقاء في لعبة استخدام الظلال والأضواء بل بالبناء على هذا التاريخ وتبني كل ما هو إيجابي ووطني ديمقراطي فيه والعمل المتواصل لتحقيق القضايا المهمة التي تطرحها هذه المرحلة ومنها اشهار جمعية التغيير الديمقراطي لكي تكون الرافد والرافعة الوطنية والديمقراطية لذلك.
ختاما˝ الأخوات والاخوة الرفاق الأعزاء
نعم …. ان بناء الجديد واشهار جمعية التغيير الديمقراطي كممثلة للطريق الثالث او البديل الوطني الديمقراطي ليس بالعملية اليسيرة وقد تتوقف على الظروف الموضوعية المتاحة وتوفر الإرادة الجماعية للعديد من الرفاق الذين يؤمنون بجدية ضرورة التغيير وخلق البديل الوطني لتصحيح مسار الحركة الوطنية الديمقراطية. ان التغيير والتجديد لن يكون مرهونا بأفراد من الرفاق بل بالعزيمة الجماعية لكل الرفاق، هذا ما تعلمناه من تاريخ جبهة التحرير المجيد ومن محطاتها النضالية. فتحية للذكرى الحادية والستون وتحية لكوادرها التاريخيين ولرفاقها المخلصين الاوفياء لهذا التاريخ من كل الوطنيين والديمقراطيين والذين ناضلوا من أجل وطن حر وشعب سعيد.