كتب الكاتب الأمريكي أرنست همنجواي رائعته «لمن تقرع الأجراس» عن ذكرياته في الحرب الأهلية الإسبانية حينما توجه إلى هناك كمراسل صحفي وشارك في الحرب ضد الفاشية في عام 1948، وهي من روائع الادب العالمي
وتتحدث عما بعد الحرب، وعن مستنقع الحرب الاهلية في اسبانيا والتي حصدت ارواح الكثيرين في لعبة دم لفحت وجوه الامة وحصدت أرواح ابنائها. وانضم إلى مقاومة الفاشية العديد من الكتاب والشعراء والفنانين من مختلف أنحاء العالم الغربي منهم لوركا وبيكاسو وطبعا همنجواي نفسه. بطل القصة هو خبير متفجرات ذهب بقناعة كي يفجر الجسر في قرية تدور فيها المعارك، ويتسلل خلف خطوط العدو ويبدأ صراعا شديدا بين قناعته بمحاربة الدكتاتور فرانكو وبين حبه للحياة، وفي الرواية تفاصيل لا يمكن تلخيصها. بعد هذه الرواية كتب ارنستو همنغواي رواية «ثم تشرق الشمس» ومن ثم «الشيخ والبحر» وصولا إلى «وداعا للسلاح». وهي عناوين تمثل هندسة النفس البشرية بانتظام صارم وعنيف عن اهواء الروح العابثة وفنون صراع البقاء. وفي نهاية رواية همنغواي «وداعا للسلاح» يسأل بطل القصة رفيق سلاحه وهو ينازع الروح: «أرجوك قل لي قبل أن تموت.. ما الموت؟ ويرد عليه: لا أعرف ولكنني استطيع ان اقول لك ما الحياة!». وبعد خمسة وعشرين عاماً على موت الكاتب الكبير أرنست همنغواي، صدر في كندا ونيويورك عمل آخر له لم ينشر في حياته: “جنة عدن”.
وهي رواية لم تكن قد اكتملت بعد، حين وافى الأجل مؤلفها. وقد بدأ همنغواي بكتابة جنة عدن سنة 1946 وكان يرجع إليها بين الفينة والأخرى في الوقت الذي كان يكتب فيه «الشيخ والبحر» و«عيد متحرك» و«الصيف الخطر» و«جزر في التيه» وقد وصف روايته جنة عدن بأنها سعادة الجنة التي على الإنسان أن يخسرها. تحكي الرواية قصة زوجين كانا يقضيان شهر العسل عندما قرر الزوج الكتابة بعد أن تلقى أنباء من ناشره عن نجاح كتابه الثاني، غير أن امرأته تلك الصبية الشقراء التي تعشق البحر والشمس والمغامرة، ورغم تشجيعها له، ترفض أن تحل الكتابة مكانها، وتروح تنصب أمام زوجها مغريات الحياة، ومن بينها فتاة أكثر جمالاً وصبىً منها، وهنا تبلغ الرواية ذروتها وذلك عبر رحلة من الإثارة والمخاطرة. من خلال هذه الرواية يطرح همنغواي مفهومه للحب وللكتابة ولعلاقة الواحد منهما بالآخر. وإذا كانت الرواية قد نسخت بعد خمسة وعشرين عاماً على رحيل همنغواي فإنها تبقى على نحو يثير الدهشة والإعجاب كعمل أدبي حديث كل الحداثة. ولد ارنست ميلر همينغواي في 21 يوليو 1899 في أواك بارك بولاية إلينوي الأمريكية، من أب طبيب مولع بالصيد والتاريخ الطبيعي، وأم متزمتة ذات اهتمام بالموسيقى، وتوفي في نفس شهر ميلاده في 2 يوليو 1961 ويعد من أهم الروائيين وكتاب القصة الأمريكيين.
كتب الروايات والقصص القصيرة. غلبت عليه النظرة السوداوية للعالم في البداية، إلا أنه عاد ليجدد أفكاره فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل الإنسان في رواياته، غالبا ما تصور أعماله هذه القوة وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي وفي جو من العزلة والانطوائية.
شارك في الحرب العالمية الأولى والثانيه حيث خدم على سفينه حربية أمريكية كانت مهمتها إغراق الغواصات الألمانية، وحصل في كل منهما على أوسمة حيث أثرت الحرب في كتابات هيمنجواى ورواياته. اشترى له أبوه بندقية صيد، أصبحت فيما بعد رفيقة عمره إلى أن قتلته منتحرا عام 1961. دخل همينغواي معترك الحياة المهنية مبكرا، حيث عمل صحفيا بجريدة «كنساس ستار» ثم متطوعا للصليب الأحمر الإيطالي 1918، في أواخر الحرب العالمية الأولى، وهناك أصيب بجروح خطيرة أقعدته اشهرا في المستشفى، وخضع لعمليات جراحية كثيرة، وقد حصل إثر اصابته بجروح على رتبة ملازم مع نوط شجاعة. عام 1921 عمل مراسلا لصحيفة «تورنتو ستار» في شيكاغو، ثم هاجر إلى باريس 1922م، حيث عمل مراسلا أيضا، وأجرى مقابلات مع كبار الشخصيات والأدباء مثل كليمانصو وموسوليني الذي وصفه بأنه «متمسكن وهو أكبر متبجح أوروبي في نفس الوقت»، كما تعرف على أدباء فرنسا حين كانت الحركة الثقافية الفرنسية في العشرينيات تعيش عصرها الذهبي. بداية النجاح كانت في عام 1923 حيث نشر أولى مجموعاته القصصية وهي «ثلاث قصص وعشرة أناشيد»، لكن أول عمل لفت انتباه الجمهور من أعمال همينغواي لم يأت سوى عام 1926م وهو «الشمس تشرق أيضا»التي لاقت نجاحا منقطع النظير. هذا النجاح شجعه على نشر مجموعة قصص 1927م، هي «الرجل العازب»، وإثر عودته 1923م لفلوريدا حيث عائلته، انتحر والده بإطلاقه طلقة في الرأس. عام 1929 عاد مع زوجته الثانية بولين بفيفر إلى أوروبا حيث نشر واحدا من أهم أعماله هو «وداعا أيها السلاح»، وقد نجح هذا العمل، وتم تحويله إلى مسرحية وفيلم بسرعة، وإن لم تحقق المسرحية ذلك النجاح الكبير، وهذا ما دفعه لترسيخ اسمه الأدبي بعمل أدبي جديد ومتميز، فنشر عام 1932 «وفاة في العشية». وبدأ همينغواي منذ 1933 يتردد باستمرار على كوبا، وفيها كتب عمله «الفائز يخرج صفر اليدين»، ثم توقف عن النشر حتى 1935 لتظهر «روابي إفريقيا الخضراء» عن رحلة قادته لشرق القارة لصيد الطرائد البرية وهي هوايته منذ الصبا. ما بين 1936 و1938 عمل مراسلا حربيا لتغطية الحرب الأهلية الإسبانية، وقد سمحت له هذه المهمة بالتعبير عن عدائه الشديد للفاشية الصاعدة آنذاك، بل دخل الحرب ضد النازيين والفاشيين، ودخلت أيضا معه زوجته الثالثة مارتاجيلهورن مراسلة على الجبهة الروسية ـ الصينية 1940، وكانت هذه السنة علامة فارقة في أدب همينغواي حيث نشر «لمن تقرع الأجراس» لتحقق نجاحا خارقا وتتجاوز مبيعاتها المليون نسخة في السنة الأولى لنشرها، ونال عن حقوق الفيلم المأخوذ عنها 150 ألف دولار وكان رقما قياسيا وقتذاك.
حصل همينغواي على جائزة بوليتزر الأمريكية في الصحافة عام 1953.
كما حصل على جائزة نوبل في الأدب في عام 1954 عن رواية العجوز والبحر. وجائزة بوليتزر الأمريكية «لأستاذيته في فن الرواية الحديثة ولقوة أسلوبه كما يظهر ذلك بوضوح في قصته الأخيرة العجوز والبحر» كما جاء في تقرير لجنة نوبل.
في آخر حياته انتقل للعيش في منزل بكوبا. حيث بدأ يعاني من اضطرابات عقلية.
بعد ثلاثة أشهر في 1961، ظهر في كيتشوم، في صباح أحد الأيام قالت ماري زوجته: «وجدت همنغواي يحمل بندقية» وعلى الفور دعت صديقه سافيرز الذي قام بتهدئته وارساله إلى المستشفى لتلقي المزيد من الصدمات الكهربائية، وخرج في اواخر يونيو وبعد ذلك بيومين وفي الساعات الأولى من صباح يوم 2 يوليو 1961 أطلق النار على نفسه باستخدام بندقيته المفضلة لديه حيث قام بفتح مخزن الطابق السفلي حيث كان يحتفظ ببندقيته، وذهب إلى الطابق العلوي إلى بهو المدخل الأمامي للمنزل ووضع نهاية فوهة البندقية في فمه، وضغط على الزناد وفجر دماغه. لأسرة همينغواي تاريخ طويل مع الانتحار. حيث انتحر والده (كلارنس همنغواي) أيضاً، كذلك أختاه غير الشقيقتين (أورسولا) و(ليستر)، ثم حفيدته مارغاوك همنغواي. ويعتقد البعض وجود مرض وراثي في عائلته يسبب زيادة تركيز الحديد في الدم مما يؤدي إلى تلف البنكرياس ويسبب الاكتئاب أو عدم الاستقرار في المخ. ما دفعه إلى الانتحار في النهاية خوفاً من الجنون. في الوقت الحالي تحول منزله في كوبا إلى متحف يضم مقتنياته وصوره.
من أقواله المشهورة:
على الكتاب أن يكتبوا واقفين، فإنهم حينها سيتقنون كتابة الجمل القصيرة. يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين عاما ليتعلم الصمت. يمكن تدمير الرجل، لكن لا يمكن هزيمته.
أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كان بإمكانك الثقة بشخص ما هي أن تثق به.