عندما عاد الأب من عمله في المساء، وجد طفله الذي لم يبلغ السادسة من عمره، ممسكاً بالقلم، ويخط علامات موسيقية على ورقة ملطخة بالحبر، فيهتف الأب: ما هذا إنك تلطخ يديك والورقة بالحبر، فيجيبه: «لقد انتهيت للتو يا أبي من درس البيانو،وكتبت هذه السوناتا!!»، فيحدق الأب بالورقة، ثم يسأل ابنه بعد أن شعر باندهاش عارم مما رأى: «أحقاً أنت الذي وضعت هذه العلامات الموسيقية؟! أم أنك نقلتها من إحدى كراسات (باخ)؟! فيقول الطفل: «كلا يا أبتي، أنا كتبت هذه السوناتا!!». كان هذا موزارت المؤلف الموسيقي النمساوي الذي يعتبر من أشهر العباقرة المبدعين في تاريخ الموسيقى رغم أن حياته كانت قصيرة. مات عن عمر يناهز الـ35 عاماً بعد أن نجح في إنتاج 626 عمل موسيقي. قاد اوركسترا وهو في السابعة من عمره ولم يمشِ في جنازته سوى خمسة أشخاص فقط ليس من بينهم زوجته لأن الجو كان شديد البرودة. ظهر عام 2010 تفسير جديد للمرض الذي أصيب به موزارت في أواخر أيامه حسبما ذكرت أحدى الدوريات الطبية بناء على الدراسة التي أجراها باحث هولندي على رأس فريق بحثي في جامعة أمستردام. فقد تفشى مرض التهاب البلعوم في مدينة فيينا حيث كان يعيش الموسيقار الكبير عام 1791 وأدى إلى وفاة الكثيرين طبقاً للسجلات الرسمية للمدينة وتتطابق أعراض هذا المرض مع الأعراض التي عانى منها موزارت قبل وفاته فقد عانى موزارت بحسب أقوال معاصريه من التهاب وحمى تبعهما تورم شديد في منطقة الحلق وتلا ذلك تشنجات وطفح جلدي وكل هذه الأعراض تنطبق على مرض التهاب البلعوم الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى التهاب شديد في الكلى ثم الوفاة. ولد وولفغانغ أماديوس موزارت في 27 يناير 1756 وكان مرهف الإحساس وقلبه رقيق جداً ويعشق النساء فعندما أحيا حفلاً أمام ملكة إيطاليا قام بتحيتها وقبلها في عنقها وكان يقبل أي امرأة تصادفه حتى الخادمات كان يقبلهن. من أهم أعماله السيمفونية رقم 41 (جوبيتر) ودون جوفاني والناي السحري وكوزي فان توتي و18 كونشرتو للبيانو.
كان أبوه موسيقياً فقيراً في فرقة كنيسة فيينا فقرر الأب التعجيل باستثمار موهبة طفله ليواجه بها صعوبة الحياة التي أورثته فقراً مدقعاً فالفاقة تستحث الأب لأن يستغل صغيره، فأخذ ينتقل به ما بين فيينا، وسالزبورج، ولندن. أما في باريس، فقد نُشر إعلان على بوابة الأوبرا القديمة، جاء فيه:
«موزارت طفلٌ خارق الموهبة بالعزف على البيانو، وناناريل، وصوفي (أخوات موزارت) على الكمان، يقدمون أروع الألحان، الدخول رُبع فرنك».. وكان من بين من دخلوا ذلك الحفل، أحد المقربين من القصور، الذي سرعان ما نقل إعجابه إلى أصحابها بما سمعه من روعة عزف الأطفال، وخاصةً عازف البيانو الصغير موزارت. فاستقدم الطفل في إحدى حفلات هذه القصور، وبرع في العزف أمام العائلات الارستقراطية. وفي صباح اليوم التالي، لم يكن هناك من شغل شاغل للأمراء، سوى الحديث عن تلك الأمسية الموسيقية وعن ذلك الطفل العبقري الذي جلس على مقعد مرتفع، حتى يتمكن من الوصول إلى مفاتيح البيانو، ليعزف ألحاناً مرتجلة رائعة، خرجت من بين أصابعه الصغيرة، مفعمة بإحساس طفولي مرهف.وطارت سنوات الطفولة الأولى، ويصل موزارت إلى سن الشباب، بعد أن كتب اسمه في سجل الخلود، وسجل الفقراء أيضاً، فبعد أن تزوج، وأنجب طفلين، بدأت متاعبه المالية، رغم شهرته المدوية، والحديث عن أعماله بلا حرج، فقد برع موزارت في كل أنواع التأليف الموسيقي، لكن مع كل هذا العطاء، ظل الفقر يلاحقه إلى آخر أيام حياته. وفي يوم من الأيام، سمع موزارت طرقا على بابه، ولما فتحه، وجد نفسه أمام طفل، اكتست ملامحه بالحزن، يتقدم إليه بورقة، ويقول له: «أرجوك يا سيدي أن تبدي رأيك في هذه النوتة الموسيقية التي كتبتها، إنها الحركة الأولى من سيمفونية بدأتها.. ولم أجد أعظم منك لكي يقيّمها لي!!» فيأخذ موزارت الورقة من يده، وبعد أن قرأ رموزها الأولى، نظر إلى الصبي بدهشة وإعجاب وقال: «أحقاً أنت الذي كتبت هذا؟!» فيجيبه: «نعم يا سيدي..» فيسأله: «ما اسمك أيها الصغير؟» فيجيب: «بيتهوفن يا سيدي.. لودفيك بيتهوفن». فيقول له: «سيكون شأنك عظيماً في عالم الموسيقى أيها الصغير». وبينما كان موزارت يسير في الطريق، استوقفه رجلٌ غامض، يرتدي ثياباً داكنةً، وعلى رأسه قبعة تُخفي نصف وجهه، فقال له موزارت: «ماذا أستطيع أن أقدم لك يا سيدي؟» فإذا بالرجل الغامض يناوله 500 فرنك، ويقول له: «أريد منك أن تكتب لي مارشاً جنائزياً في أقل من أسبوع، شريطة أن يكون الأمر سراً، وألا تحاول أن تتعرف على شخصيتي، أو مَن أكون، وبعد سبعة أيام سآتيك لآخذ المارش». ورغم حاجة موزارت الماسة إلى المال، فإنه لسبب من الأسباب لم يكن مرتاحاً للعرض، وتحت هيمنة شعوره برفض العرض، فإنه كتب سطور المارش الجنائزي الأولى، ثم أهمله، وبدأ يحزم حقائبه للسفر إلى باريس.. وبينما كان موزارت يستعد لركوب العربة، وإذا به وجهاً لوجه أمام الشخص نفسه، يتحدث إليه مذكراً إياه بمرور الأيام السبعة، ويطالبه بالإيفاء بوعده، أو أن يعيد إليه المبلغ، لكن موزارت كان قد تصرف بالمال، ووعد الرجل أنه سيعمل على إنجاز المارش الجنائزي بعد عودته من باريس مباشرةً، فيمهله الرجل، مع التحذير بعدم التأخير ثانية. وحينما كان موزارت في باريس كانت صورة ذلك الرجل تلاحقه في كل مكان يذهب إليه، فهو يراه بعيني خياله.. بردائه الأسود، وقبعته التي تخفي وجهه الهزيل الشاحب، وكأنه يهمس في أذنه «المارش الجنائزي يا موزارت!!.. المارش الجنائزي يا موزارت»، ووقع الموسيقار فريسةً لحالةٍ من الهذيان، صارت تلازمه في كل مكان يذهب إليه، وعندما عاد من رحلته إلى فيينا كان يصرخ في وجه من يلتقيهم.. «أبعدوا هذا الرجل عني!!.. أبعدوه.. سأكتب له المارش الجنائزي.. ولكن لا أريد أن أراه».. وفي حمى ذلك الهذيان، أتم موزارت المارش، ولكن لم يعد الرجل الغامض ليأخذه.. بل عزفته فرقة الكنيسة أمام جثمان موزارت وهو مسجّى فيها قبل دفن!! وعندما حملوا الجثمان، وكان يوماً شديد البرودة، كثرت فيه الأمطار والعواصف، بدأ المشيعون في جنازة موزارت يتسللون واحداً بعد الآخر هروباً من زمجرة الطبيعة، وما إن وصل الجثمان إلى المقبرة، التي لم يكن فيها سوى حفّارَي القبر اللذين قاما بإلقائه في إحدى حُفر الفقراء. وهكذا انتهت حياة رائد الأسلوب الكلاسيكي في التأليف الموسيقي في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي..