هل يحق للمواطن نقد المجلس ونوابه؟!

في الحقيقة لا يود المرء الخوض في نمط من المهاترات السياسية والنقاش السياسي الساذج، دون أن يخلو في عمقه وسذاجته بعداً مشروعاً وحقاً دستورياً لهذا المواطن أو ذاك، في توجيه ملاحظاته النقدية لممارسة وأداء النواب في مجلسنا الموقر. 

ومع التقدير والاحترام «لإرادة الناخبين الاجلاء!» الذين اتحفونا بتلك الوديعة التاريخية الثمينة التي اسمها «نواب الشعب» والذين تحولوا الى اصوات منددة ومهددة لنا نحو أروقة المحاكم والنيابة العامة! فعلاً برهن النائب بلا جدال انه عنوان الديمقراطية البحرينية الجديدة وهي في طريق تقدمها المستمر نحو تحقيق مبدأ حرية التعبير بين كل مكونات الشعب ومؤسسات الشعب المدنية مهما صغر حجمها. 

المهم أن يبقى التعبير الديمقراطي الحقوقي شعارنا الثابت، فلا توجد ديمقراطية سليمة في ممارستها متى ما تحولت مؤسستها التشريعية ونوابها ادوات أشد فتكاً وكتماً لذلك «الشعب» الذي كل أربع سنوات يطرق النائب البائس وهو في – حالة ترشح جديد – ابواب الناخبين في دائرته، ويطعهم من الكلام المعسول مثلما أطعمهم من سندويشاته وأطباقه الدسمة ودنانيره «المحتشمة» في ستر الليل ووضح النهار، فكلها حسب نوعية الناخب وأهميته يكمن العطاء والسخاء والرأفة والرفاه.

 هكذا تتوالى السنوات علينا ونحن في مظلة التصويت «الحر!» والانتخابات النزيهة، والمراقبة الشفافة، والسلاسة في العرس الديمقراطي. 

هذه التجربة الديمقراطية الوليدة، منذ ولادة المشروع الاصلاحي، لا تعني كتابا مقدسا لا يمكن المساس به، ولا النواب رسل الارض الجدد في ارض مطهرة، فما هو معروف أن الديمقراطية والمشروع الاصلاحي مشروع سياسي وحقوقي ودستوري يتحرك في صلب بنية مجتمع متحرك صعوداً وهبوطاً، فاذا ما مرت البلاد بأزمة مالية فهذا لن يجعل النواب فوق سطح المبنى وخارج محيط المياه الدافئة في فشت الديبل او دوحة عراد، كما أن تفاعل المجتمع بكل مستوياته لا يعزل المجلس النيابي ونوابه عن دوامته، فليس هم من يخلقون الواقع الموضوعي لحركة المجتمع وإنما العكس هو الصحيح أن دوامة الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي ما تفجر ذلك البركان، وعلى النواب في مجلسهم الانصات بعناية لغليان الشارع والناس في همومهم ومعاناتهم. 

لا تريد السلطة التنفيذية عند الازمات الحادة نواباً يدافعون عنها زوراً وبهتاناً، فالمطلوب للحالة التشخيص والمعالجة والدولة والحكومة في كل الازمات تفتش مع شعبها عن حلول وبرامج ومخارج ومداخل. 

هكذا تتحرك الديمقراطية بين السلطات وبين الشعوب الحية والحكومة يا سعادة النواب الكرام، وهكذا تتطور الديمقراطية في حراكها وحركتها النقدية لكل صغيرة وكبيرة تمس حياة الناس والمجتمع. وبمثل ما يصعد المجتمع عتبات السلم ويهبط، ومثلما تتحرك الاذرع في تجديف السفينة معاً، فإن مشروع الديمقراطية يتحرك فوق تلك الامواج وفي بحر المحرق والمنامة وفي كل بحور دلمون التاريخية دون توقف. 

هذا الانسان على أرض دلمون وجد نفسه في حقبة المشروع الاصلاحي يدخل تجربة جديدة بكل ما فيها من سلبيات وايجابيات وعلينا جميعاً – ليس التصيد في الماء العكر- فما هكذا ترقى الديمقراطيات وتجاربها، وإنما بتجديد وتطوير جوانب تلك التجربة، ومجلس النواب والنواب بذاتهم، هم عنصر مهم في تعليمنا كيف نكون «ديمقراطيين» في ديمقراطيتنا، فإن لم يعلمنا النائب كيف نمارسها باعتباره هو الاكثر وعياً من الناخب لحجم مسؤوليته وهو ربان ذلك المبنى «المقدس لصوت الشعب» فلا ينبغي عليه حرماننا نحن الشعب من توجيه اللوم له وبنقده وبقول الحقيقة في كلمة بسيطة لم تكن بمستوى جمرات واحجار رمي الشيطان في الايام المقدسة، فليس عبارة «المجلس ضعيف !» معناه انه مصاب بهزال في الوزن والعافية، فالحمد لله أن كل الامتيازات تؤكد زيادة وزنه، والمعنى في قلب الشاعر ولا يحتاج معجزة للتفسير، عندما نقول المجلس «ضعيف» فحتماً نقصد الاداء السياسي لذلك الكيان، ونحن من حقنا أن نبحث عن نواب ومجلس قادم أفضل، تاركين للشعب التعلم من تجربته بعد أن يتخبط يميناً وشمالاً في اختيار نوابه القادمين. 

لنختلف ونأتلف ونتصارع بالأفكار وليس بالسيوف وبقلوب صافية يهمها الوطن أولاً وأخيراً.

المصدر، صحيفة الأيام البحرينية