لم يعد ثمة برلمان ذو كتل وصراع جدلي سياسي عميق وطني، بل عمل روتيني كل عدة سنوات.
هل هناك مسار يؤسس ويصنع ديمقراطية متكاملة؟
لا!
كان الشعب يتكون بصور صعبة قرى يحتضنها إنتاج زراعي راكد، وهجرات بدوية تلتحم ولا تلتحم به حتى حدثت الهجرة المدنية في القرون الأخيرة وهي لم تتخلص من ركائزها الإقطاعية الكبرى إلا بالاحتكاك العميق بالغرب الذي قامت به الحركات التحديثية.
الأسواق تتداخل، الهجرات الداخلية تكون مدناً مفككة ليس فيها أعمدة المدن من تصنيع، ولهذا فهي فئات هامشية لا تنتج إيديولوجية نهضوية كبيرة.
تكون المدن الذي يتم بظهور الصناعة الحرة انتكس بالرأسمالية التي تخلق كيانات بيروقراطية لا تغذي حليباً في طبقة وسطى بل تخلف فئات وسطى ذيلية فاقدة لروح الجرأة والتجارة الحرة، ومن هنا ففئات التجار والمتعلمين تظهر للوجود وهي منزوعة الفاعلية ليس ثمة فروق جوهرية بين القرى والمدن كما هو بشري.
المدن مجموعات من القرى تكونت بالهجرات ولا تزال ركائز القبائل من أسماء معلمة على الأحياء والفرجان تشير إلى النشأة القروية والأصول غير الثقافية وغير الصناعية لهذه المدن التي هي تجمعات بنائية أكثر منها تحولات سياسية وثقافية نهضوية.
ليست عمراناً بل ترحالاً.
ليست كياناً إنتاجياً ينمو من داخله ويصعد بمنجزاته بل كياناً يتلقى الصدمات وينمو بعفوية.
ليست وجوداً حضرياً حديثاً.
حاولت المرحلة الخمسينية إنتاج فئات وسطى حرة لكن تطور الاقتصاد ربطها بالرأسمالية الحكومية، ولهذا نجد متعلمين حلقوا في سماء الفكر لحظة وسماء الثقافة لحظات ثم تساقطوا كالطيور المهاجرة في مستنقعات الوعي الطائفي غير قادرين على فهم العصر وإنتاج أفكار نهضوية.
ليس عجزهم بسبب أفكارهم بل بسبب وجودهم الاجتماعي السياسي الطفيلي.
كانت طائفيتهم السياسية سجلاً كاملاً لعجز في إنتاج الموقف الوطني، وذيلية الفئات الوسطى للإقطاع الاجتماعي ثم الديني.
لهذا ليس وجود هؤلاء الأفراد المنسلخين من أي كيان اجتماعي ديمقراطي تحديثي بقادر على صناعة برلمان، أو انتخابات حرة تتغذى فيها تيارات فكرية وسياسية خصبة بل هو إكمال للاجترار السابق، وإذا لم يظهر ناجح فسيظهر محله بدل فاقد قادر على أداء غياب دوره.
اغتالت الكيانات الطائفية ذروة التطور الاجتماعي الثقافي للبلد وعبرت عن هذا العجز العميق.