مخاطرُ الجملةِ الثوريةِ الزائفةِ

أكثر المتضررين من مشكلات التحولات والصراعات هم شباب القرى. الأجيال القديمة التي عاشت الاستقرار والعالم الانتاجي القديم وعاداته لا تعاني مثلهم، فهم يعيشون مرحلة انتقال بين اقتصاد قديم وملامح اقتصاد لم تتحدد، وفيها الكثير من الصراعات والتأثيرات الخارجية العاصفة.
وتلعب عدم الواقعية السياسية وغياب قوى المرونة والطبقات المستقرة من فئات وسطى وعمالية راسخة والوقوع في سطوة الجملة الثورية الزائفة دورها في الخسائر والتيه.
تغذي عقلية الجملة الثورية الزائفة روحُ المغامرة والتسرع وعدم درس الواقع والتوجه لسُبل التغيير الأقل خسارة، وهي نفسها التي ستكون أكثر التُرب إنتاجاً للانتهازيين والمرتدين والضائعين سياسياً واجتماعياً.
يقول أحدُ المشاركين في ثورة عُمان في السبعينيات في كتاب له (ولا تلومني سيدي حيث خرجنا في ذلك الدهر بهزائم وزيف القبائل والممالك والجمهوريات الثورية والبناء وانهيارات الطبقات وأخواتها، حبونا في بحر الخزي والعار ومنذ تركنا أقمطتنا إلى أن سلمتنا تلك الأزمنة إلى أحضان الحيرة والضياع الخادع)، علي المعمري، رابية الخطار، أسفار للنشر، مصر.

في المناطق الفقيرة المتخلفة التي لا تعرف سبل التطور وتهاجمها فيروساتُ الجملة الثورية الزائفة يكون الشباب هم الضحايا، فحماسهم وعدم تعمقهم في فهم طرق التطور الاجتماعية السياسية يرفع انفعالاتهم لدرجات كبيرة ولا يقبلون المراجعة والدرس وقراءة تجارب الذين سبقوهم ورؤية مصائرهم، ولهذا تكون لديهم أحكام سريعة باترة ويقعون في التجارب الصعبة ويخسرون الكثير من سنواتهم، والأسوأ يخسرون حماسهم للتغيير ومحبة الأرض والإنسان، ويخرجون عدميين ومتساقطين وعرضة لانهيارات شتى، وخاصة التحلل الاجتماعي وفقدان المبادئ.
ثم يرون الذين قادوهم أو أثروا عليهم توجهوا لسُبل التجارة والمصالح الخاصة بأشكال استغلالية انتهازية، وداسوا على تلك القيم التي عنفوهم على المساس بها وأنبوهم للتردد في اعتناقها!
لكن لن يكون بإمكانهم إرجاع عقارب الزمن إلى الوراء، أو الاستفادة مادياً منه. ويمكن الاستفادة روحياً وفكرياً ونقد التجربة ولكن ذلك لن يكون سهلاً أو شائعاً بينهم!
تخلب ألبابهم الجملُ الرنانة وتُوضع لهم مصائد فيها ويظهر أناسٌ أبطال زائفون ينشرونها وتجدهم في أوضاع جيدة يعيشون في ظروفهم الحسنة فيما الشباب الفقير بأغلبه يتلوى في معاناته ويظهرُ محبطاً من وراء الجدران.

ولهذا فإن اتخاذ سبل المغامرة والتعدي على القانون والقفز على المشروعات السياسية الآمنة أشكالٌ من الحماقة تقود إلى الكوارث، بل لا بد من العمل داخلها وتطويرها وخلق تراكمات نضالية فيها، والتعمق في درسها ودرس الظروف التي خلقتها بروية ونضج.
إن الديمقراطية تُصارع بالديمقراطية، والفكرةُ تنقدُ الفكرةَ، والقوانين يتم تجاوزها بقوانين جديدة، والدساتير يتم تحولها بمراسيم أخرى ودساتير مستقبلية، ووجهات النظر المحافظة والشمولية تُرفض بوجهات نظر متطورة مرنة.
أما لغة العنف والصراخ فهي الأدوات التي تطيحُ بسن الشباب وتعفنهُ وتعقدهُ في السجون ويخرجون متصارعين مختلفين فقدوا قدراتهم على تراكم الفكر والسياسة وخسروا أجمل سنوات العمر!