قد يعتقد البعض أن موقف المنبر من تحرك 14 فبراير هو الموقف الذي يجب أن ينحصر فيه التقييم والانتقاد والمراجعة علماً بأن الموقف في حد ذاته علينا أن ننظر إليه بأنه نتيجة وليس سبباً في الحالة التنظيمية وإن تبدلت الأدوار في العلاقة بين الحالتين،
بمعنى آخر إننا بحاجة ماسة لنقد الذات والتنظيم بأكثر من نقدنا لموقف أو آخر أولصوابيه الرؤية أو الخطأ فالموقف من أي حدث أو تحرك جماهيري هو انعكاس لجوانب تنظيمية عديدة سواء منها السياسي أو الجماهيري أو الفكري وربما تعبير عن خلل واضح في هذه الجوانب بالإضافة لطبيعة العلاقة والممارسة الداخلية في التنظيم وبين المراتب القيادية والحياة العضوية للرفاق. فللأسف الشديد “وثيقة المراجعة النقدية” للمنبر تعامت عن الخلل والشرخ العميق في التنظيم في عدة جوانب ولتتكشف فيهاالأخطاء المتراكمة، فلقد اتجهت الوثيقة لتغليف الموقف بعبارات هي الأقرب للتبرير من النقد الصريح والواضح والأدهى من ذلك تصوير صوابيه موقف المنبر من أحداث 14 فبراير وإنه ليس بالإمكان أفضل مما كان يُذكر ذلك ونحن في لحظة تاريخية نعيش واقع تداعيات ذلك الموقف المأساوي الذي ولدته اندفاعات المغامرة وسطحية الرؤية السياسية والقراءة الخاطئة لحركة الشارع الجماهيري “فوثيقة المراجعة النقدية” حينما تـُشير إلى أن موقف المنبر بُني على أساس التوجه العام للجنة المركزية فلو سلـّمنا جدلاً بهذه الحقيقة فما الذي بلور الرأي العام باللجنة المركزية؟ هل هي الفئة الصامتة أم الموقف المسبق الجاهز لبعض الأطراف؟ أم تربية الانجرار خلف القيادة والتسليم للأمر الواقع دون نقاش أو مراجعة ودون تحديد للأمور والموقف “إذاً كيف لنا أن نقول نحن علمانيين ونأخذ بمبدأ النهج الجدلي والتحليل العلمي المادي فأي قراءة قرأت اللجنة المركزية بمجريات الأحداث هل هو البصم والموافقة دون أدنى مسؤولية؟
الجدير بالذِكر أن اللجنة المركزية قد اجتمعت قبل 14 فبراير وناقشت ما كان يدور من تهديد ووعيد في المواقع الإلكترونية وقد اتفق الأمين العام مع من كان يطرح من الرفاق بأن التحرك من بداياته ينبثق بنفس طائفي وهو في ذات الوقت غير واضح المعالم من حيث أن أجندته غير محددة أو مقروءة إذاً فقد كانت اللجنة المركزية على بصيرة بالأمر وحذرة في موقفها فما الذي قلب الأمور …. ؟! علماً بأنه خلال ذلك الاجتماع تمت مناقشة تداعيات الثورة التونسية والمصرية وطرح بعض الرفاق أن ربيع الثورات لا يمكن أن يتحقق إلا في الحلقات الأضعف وتم الاستشهاد بالجزائر كمثال حيث حاول المغامرين الجزائريين تقليد الثورة التونسية بشكل أعمى وأقدم البعض على حرق نفسه لصناعة حادثة “محمد البوعزيزي” ولكن دون جدوى لأن الثورة ليست مزاجاً ولا خياراً يـُتخذ إنما ظروفاً قاهرة موضوعية في حقل الصراع الطبقي بالأساس قبل أن تكون ذاتية ومزاجية، وهذا ما أشار له بعض الرفاق في اجتماع اللجنة المركزية قبل أحداث 14 فبراير حيث أكد البعض على أن الوضع العام في البلد غير مهيأ لأجواء التصعيد وطرح أجندات سياسية معقدة وإننا لا نعيش مرحلة وضع ثوري كما زعم وتصور البعض بسذاجة. فرياح تونس ومصر كانت بعيدة عنا بكثير… الغريب في الموضوع أن “محضر هذا الاجتماع لم يرى النور”!! وربما لم يُكتب حتى الآن، فهل “حقاً بُني موقف المنبر على أساس التوجه العام للجنة المركزية في هذا الاجتماع الذي سبق أحداث 14 فبراير”؟
لقد عُقد اجتماع آخر للجنة المركزية بعد اندلاع أحداث 14 فبراير وهذا ما أشارت له وثيقة المراجعة النقدية أي 15 فبراير وفي هذا الاجتماع كانت الأحداث الدامية قد تفجرت وسقط شهداء وشباب 14 فبراير “المجهولين الهوية….” تدافعوا ولجأوا هكذا “بعفوية” نحو دوار اللؤلؤة وبعفوية بدأت استعدادات إحتلال السلمانية، واللجنة المركزية للمنبر تجتمع وتتجادل حول الأحداث الدائرة بين أقلية معارضة وأغلبية موافقة على المشاركة في الأحداث والامتزاج مع زخم الشارع في دوار اللؤلؤة ولكن “الوثيقة النقدية” حينما تتحدث عن الأغلبية فالأغلبية لم تناقش هذه الأحداث بموضوعية وواقعية وبرؤية سياسية وعلمية إنما بعاطفة عمياء والأدهى من ذلك بأنها حتى لم تناقش أجندة المطالب المرفوعة ومن يقف خلف شباب 14 فبراير، وكانت تلك الأغلبية وبل حتى الأقلية التي تمسكت بمنهج التحليل العلمي والفهم الجدلي في إدراك الواقع والتي تم تجاهل طرحها الواقعي ورؤيتها السليمة فالكل في اللجنة المركزية برمتها كان مرتهناً في تلك اللحظة لقرار التجمع السباعي!! والمنعقد اجتماعه بالتزامن مع اللجنة المركزية برئاسة الوفاق وكان رسول المنبر نائب الأمين العام دون علمنا هناك مجتمعاً والذي جاء لاحقاً للجنة المركزية بالمنبر ليعلن قرار المشاركة ويتبارك برأي الأغلبية التي كانت رهن قيادات… حضرت ودعت لاجتماع اللجنة المركزية لتــُمرر موقفاً مسبقاً وتقريرياً وتضرب بعرض الحائط رأي الأقلية وحتى بقرار اللجنة المركزية المسبق فيما يتعلق بموقفنا من جمعية الوفاق كل ذلك بذريعة الموقف الوطني ومستجدات الساحة السياسية والمشاركة الجماهيرية…إلخ. إذاً لقد كان من الواضح أن اللجنة المركزية والأغلبية قد بُصم قرارها في اجتماع التجمع السباعي!! الذي كان منعقد بجمعية وعد وقد بصمت أغلبيتنا على قرار المشاركة!!،هذه هي الأغلبية التي بنى المنبر موقفه من خلالها حسبما زعمت الوثيقة النقدية!! وهذا واقع التوجه العام الذي تم الإشارة إليه ومن المُخجل أنه قرار لم يبنى على أي أساس علمي وموضوعي أو تحليلي سياسياً على الأقل وليس أيدلوجياً قرار كان يفتقر لحجم المسؤولية الوطنية والتاريخية في تلك الأحداث واندلاعها، والمسألة لم تكن بين قرار صائب أو خاطئ أو بين مؤيد أو معارض للدوار، إنما الرؤية كانت من المفروض أن تـُصب في موقف المنبر السياسي والتنظيمي وإخضاع ذلك للفحص والتبصر للواقع على حقيقته وليس بمخيلة وعقلية الإسلام السياسي والبرجوازية الصغيرة وروح المغامرة والانجرار خلف الأحداث، وكيف يتفق هذا الموقف مع كون المنبر التقدمي يطرح نفسه كبديل وطني، بديل لمن؟ هللتيارات الإسلام السياسي وهو في ذات الوقت مرتهن بها ومرتمي في أحضانها هل هذا هو تراثنا وتقاليدنا النضالية والذي أشارت له “الوثيقة التنظيمية” ألم نتعلم بعد من دروس التاريخ ومن أخطاء الماضي؟ لنرى ذلك في الفقرة 3 من الوثيقة يُشار على أن التقدمي لم يكن مع إسقاط النظام ومع دعوات التصعيد وكان حريصاً على الوحدة الوطنية، فمن سيصدق ذلك وقد كان المنبر على يقين أن التحرك طائفي وأن شعار إسقاط النظام هو شعار الدوار وعلى أجندة حركة 14 فبراير “العفوية كما زُعم” والتي ادعى الكل بأنها هبطت من السماء…. !! ولا صلة للمعارضة السياسية بها …. !!؟فمن سيصدق أن المنبر التقدمي يجهل حركة حق ووفاء وخلاص أو يجهل دور جمعية الوفاق ومهارتها الفائقة في النفاق السياسي. تقول الوثيقة النقدية أن المنبر كان مع عقلنة الحركة الجماهيرية وضد التصعيد، أين كان ذلك هل في دعوات “القلوب والنيات الخجولة الطيبة”؟ أم في استمرارية البقاء في دوار اللؤلؤة وانتظار لحظة سقوط النظام…!! إذاً حينما اجتمعت اللجنة المركزية وللمرة الثالثة وكان ذلك بعد ضربة الدوار الأولى ألم تكن القيادة موافقة على دعوات الإضراب العام ومارست ضغطاً على نقابة عمال ألبا للمشاركة بالإضراب العام أليس ذلك شكلاً من أشكال التصعيد لشل الحياة الاقتصادية تمهيداً لانهيار النظام…. أليس من المخجل أن نبصم على إخراج الطبقة العاملة من سياق صراعها الطبقي لتكون تحت إمرة المرجعية الدينية!! هذه حقائق علينا أن نملك الشجاعة في طرحها لا أن ننكر الحقائق والوقائع ونحاول الالتفاف عليها لتبرير المواقف ومكيجتها….
إننا لا نعلم إذا كانت الوثيقة النقدية تؤكد على أن المنبر التقدمي كانت منطلقات مشروعة وصحيحة بالمشاركة في أحداث 14 فبراير، إذاً فما هو مبرر الوثيقة النقدية؟ هل تصحيح منطق الأخطاء التي كانت صحيحة!! فيُشار في الفقرة (1) من الوثيقة “إن حجم التحرك واتساعه قد أفقد المنبر البوصلة، وإنه لم يكن أي المنبر يقبل بأن يكون منعزلاً عن حراك الشارع خصوصاً وأنه لا يوجد بديل ثالث جاهز” ونحن نتساءل هل المنبر كان قادراً على قيادة الشارع المُسييس والمؤدلج أم كان يجهل هذا الشارع؟ وهل البديل الثالث سيُخلق بيد”عفريت” إن لم يكن المنبر التقدمي بداية شرارته ونواته الصلبة، إن هذه المبررات قد تكون معقولة في بدايات الأحداث ولكن استمراراها لأكثر من شهر وانكشاف خباياها وكوارثها والمنبر في سباته صامتاً ومرتهن لغرفة عمليات جمعية الوفاق فكيف ممكن تبرير ذلك؟ وما الذي كان يمنع قيادة المنبر أن تفرمل قليلاً لتتشاور مع هيئات المنبر هل انشغالهاباجتماعات السباعي اليومية أم تسارع الأحداث؟ أم أن الحقيقة والواقع يقول إن قيادة المنبر كانت تتجنب اللقاء بهيئات المنبر والتداول معها لأنها كانت بانتظار السقوط المدوي واللحظة التاريخية!! ودليلاً على ذلك أن اللقاء التشاوري بالمنبر تم عقده بعد أن رفعت القيادةمرئياتها مع السباعي إلى ديوان ولي العهد هذه المرئيات التي لم يكن يعلم عنها حتى رفاق بالمكتب السياسي لأنها كانت شروط وفاقية وليست مرئيات، شروط تبحث عن غلق باب الحوار وقد عّبر عنها “قائد المعارضة السياسية” “علي سلمان” في أكثر من مناسبة بأنه لا حوار إلا في المجلس التأسيسي… إذاً محاولة الوثيقة النقدية تصوير الأمور على غير حقيقتها باستخدام عبارات وجُمل منمقة مسألة لن تـُقدم أو تُؤخر في قضية تستوجب الوضوح والشفافية ونقد الذات ومحاسبتها وعدم الخلط بين الخطأ والصواب ومحاولة تصوير أن المنبر ضحية وقيادته مستهدفة وبالتالي التباكي على الوحدة الوطنية وعلى شرخ الطائفية، فمحاولة التعلق بالحبال المتقطعة ضرباً من الجنون والتهرب فالنقد يتطلب معالجة الاعوجاج والذي لا يتأتى بالإسلوب الإنشائي والتبريري بل بوضع الإصبع على الجرح المؤلم والنظر في الأسباب قبل النتائج.
وفي هذه العجالة تتبقى نقطة أخيرة ذات أهميةولابد من الإشارة لهاوإيضاحها وقراءتها بشكل واقعي دون لبس أو مواربة وهي “الملكية الدستورية”والتي يرددها قادة المنبر ويتمسك بها ويتغنى بجملة “على قرار ما جاء به ميثاق العمل الوطني” من أين جيء بذلك التغريد؟ فلنقرأ جيداً ميثاق العمل الوطني لا يوجد ما يُشير إلى الملكية الدستورية على قرار الملكيات الدستورية الغربية، ففي الفصل الثاني نظام الحكم يعطي صلاحيات كاملة للملك في تشكيل الحكومة وتعيين الوزراء وكذلك في الدستور في الفصل الأول مادة 33 الفقرة (د) تـُشير إلى صلاحيات الملك في تشكيل الحكومة. إضافة لذلك في البرنامج السياسي للمنبر التقدمي “في فقرة ثانياً الوضع السياسي والحقوقي” على صعيد الإصلاح الدستوري الفقرة 2 نصاً “تكريس أعراف في الممارسة الديمقراطية في البلاد في اتجاه بناء مملكة دستورية قائمة على التداول السلمي للسلطة وفق قواعد العملية الانتخابية” وفي فقرة أخرى يوردها كذلك البرنامج السياسي ومن خلال رؤية المنبر “أن الطريق نحو استيفاء شروط الملكية الدستورية ما زال طويلاً….”.
إذاً لنتوقف ونتأمل في هذه الجملة التي تحمل واقعية سياسية وليس حرقاً للمراحل والقفز عليها وتبني الشعارات البراقة ومحاولة استخلاص النوع دون وجود الكم بمعنى آخر برنامج المنبر السياسي مليء بطموحات شعبنا في التغيير الجذري والإصلاح الحقيقي ونعم الملكية الدستورية في سياق النهج الديمقراطي ومفهوم الشعب مصدر السلطات أمر مطلوب ومشروع ولكن تزمينه ورفعه كشعار والمطالبة به غير خاضع لأمزجتنا وتوقيتنا الذاتي بمعزل عن الواقع الموضوعي وتجذر المرحلة الديمقراطية وتطورها وبالمقابل نسيج النظام القائم فعلينا أن نعترف بتخلف مرحلتنا التاريخية وجنينية تطورنا الديمقراطي وأن لا نرفع شعارات ومطالب متقدمة على نضج الظروف والمرحلة فذلك نوع من أنواع المغامرة والقفز على الواقع وأنه لغني عن التعليق ما يدور اليوم في دهاليز “حوار التوافق الوطني”.
في الختام نأمل أن يكون المنبر أكثر واقعية وصدقية في نقد الذات ومراجعة الأخطاء.