الاسلام السياسي وطبيعة المقاومة في سوريه

تكثر السيناريوهات حول الصراع الحالي في سوريه والذي تجدد بعد ان توقف في سنة 2020 عبر اتفاق استانا ووضع منطقة خفض التصعيد بين النظام السوري و (المعارضة السورية)؟ فهناك سيناريو يقول ان خلال هذه الفترة لم يتم حل في سوريه بين النظام والمعارضة وهناك سيناريو اخر ان سوريه قد تعنتت في مقابل العودة الي العلاقة الدبلوماسية مع تركيا وطرحت خروج الوجود التركي قبل عودة العلاقات الطبيعية بينها وبين تركيا، وهنا سيناريو ان روسيا اصبحت مشغولة بالحرب ضد اوكرانيا وقد سحبت الكثير من قواتها للحرب هناك، وهناك سيناريو ان هدنة وقف اطلاق النار في لبنان بوقف الحرب بين اسرائيل وحزب الله والتي خرج فيها حزب الله مهزوم وضعيف اعطت الضوء الاخضر ل تركيا والفصائل المعارضة للنظام السوري فرصة الهجوم على قوات حزب الله والمليشيات الإيرانية والحرس الثوري في سوريه، وهناك سيناريو ان وزير المخابرات الاسرائيلي قد زار روسيا وطلب بتحجيم الوجود الايراني وميلشياتها ومنها مليشيا حزب الله. وكذلك السيناريو الذي طرحه نتنياهو بان سوريه نضام الاسد يلعب بالنار الخ من سيناريوهات وتحليلات. ان تجميع قوي الاسلام السياسي من جبهة النصرة والتي غيرت اسمها الي هيئة تحرير الشام والتي هي عصب هذه القوات اضافة الي فصائل اخري ممولة من تركيا تحركت حول شعار الحرب على مليشيا حزب الله والمليشيات الإيرانية وكذلك ضد الحرس الثوري الايراني وكذلك ضد قوات النظام السوري وهذا يعكسه تنوع القتلى في هذه الجبهة بين الايراني وبقية المليشيات وكذلك من قوات النظام السوري. بعودة الي الوراء فان وجود هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني وسيطرته على ادلب والحراك السياسي الذي قاده الشعب السوري في ادلب ضد حكم هيئة تحرير الشام جبهة النصرة سابقاً. يتخيل لها الان فرصة للقول بانها تحارب النظام السوري. ولكن ما حكاية هذا التنظيم؟ في سوريه ظهر اسم (جبهة النصرة) مع التفجيرات التي قامت بها النظام السوري في كفر سوسه بعد أشهر من الحراك السياسي الوطني وما سمي بالانتفاضة الشعب السوري ضد النظام. وكان متعارفاً عليه ان هذا الاسم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) يستخدم لتغطية هذه العمليات، ولكن بعد خمسة عشر شهراً من عمر هذا الحراك السياسي الوطني بدا الحديث عنها، وباتت تظهر – الان – وكأنها القوة الاولي والاهم ولقد تموضعت خصوصاً في المناطق التي فرضت الانتفاضة على السلطة السورية التراجع عنها. لا شك في ان هؤلاء (الجهاديين) لم يأتوا للنهب، كما كانوا يقولون والذين تحولوا الي سلطة في المناطق التي حررتها المعارضة السورية. لم يأتوا للنهب كما يفعل بعض من يقول انه من (الجيش الحر) وهم مدربون جيداً بعدما جري تأهيلهم في باكستان لمواجهة السوفييت وبعد ذلك في تركيا وقد تم ارسالهم الي الحرب الأهلية في ليبيا والتوظيف في مناطق عدة في العالم. وكثيرون منهم كانوا يقولون انهم يريدون الجنة فقط، ولكن بذهابهم ل ليبيا اتضح انهم مرتزقة لا يختلفون عن مرتزقة فاغنر الروسية التي تدخلت في الحرب الاهلية في ليبيا، وانهم بسطاء، يتلقون الفتاوي من (شيوخ وامراء) ربما لا يعرفون من الدين شيئاً، ومن يتابع هذه الفتاوي يلمس مدي التحريف الذي قاموا، لكي يخدم توظيفاً سياسيا مباشراً. ولكن كل ذلك ليس هو فقط – (جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام) حيث يلمس مشروعها الذي جعل دور (تنظيم القاعدة) التي هي فرع منه يمارس ضد ما يقول انه يسعي اليه، او بالأدق انه يسعي اليه كيف؟ اول مسألة تظهر – هنا – ان المنطق الذي يتأسس على اساسه الصراع الذي يخوضه هو منطق (ديني)، اي الصراع في إطار الانقسامات في الدين، وانطلاقاً من الدين – والدين – هنا – لا يعني الاسلام، بل يعني منظوراً معيناً له مصاغاً من قبل (فقهاء) سابقين عبر تفسير (فقهاء) راهنين. فيتلخص الاسلام كله في فرع ضيق انعزالي ومتطرف، بالتالي لا يعود اسلامياً، ويتناقض في مفاصل اساسيه مع الاسلام. فمثلاً ينقل عن ابن القيم الجوزية انه قال إنه مادام الدين عند الله الاسلام، فيجب ان يكون الاسلام هو الدين على الارض، الامر الذي يجعل الاديان الأخرى موضوعة في باب الكفر، على الرغم ان القران اقر اهل الكتاب. وعلى رغم ان اية اخري تؤكد ان من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. هنا تصبح الأولوية تتحدد في الاسلام في مواجهة الاديان الأخرى. ثم يجري الانتقال لتأكيد ان (التفسير) الملتزم به من قبل هؤلاء اعتماداً على بعض الفقهاء، وهو الاسلام الصحيح، وليس من اسلام غيره؛ ليصبح الامر هو التزام بالفهم المطروح من قبل هؤلاء، او العقاب الشديد. وهذا يفتح على صراع كبير مع (السنة) أنفسهم؛ لأنهم يساقون الي ممارسة شديدة الضيق والتعصب والغلو والتخلف، بالتالي يتحدد الصراع هنا في (السلطة) التي تريد ادخال الشعب في بابها الضيق كما حدث لحكمها في منطقة ادلب لكن ما يهيمن على الرؤية هنا هو تضخيم (الصراع التاريخي) ضد كل الفرق والشيع الإسلامية، خصوصاً (كما يسمونهم الشيعة الرافضة). ف (التناقض الرئيس) هو هنا بالتحديد، والمعركة الرئيسية هي في هذا الباب، وليس في اي مكان اخر، وهذا ما يجعل معركتهم تنحصر ضد حزب الله والحرس الثوري الايراني والعلويين من النظام (وكأنه فخار يكسر بعضه) لأنه لا يوجد فرق هنا بين هذه القوي. كذلك هم يفرضون سلطة مشددة في ادلب على (السنة) كفرو بهم، وهذا ما يمارسونه اينما حلو لان ثقافتهم مبنية على هذه الخلطة من الافكار، التي تخفي تحتها ميل شباب للهروب من جحيم الارض الي جنة النعيم، والتركيب الذي تشكل فيه هذا التنظيم يساعد على ذلك. 

ضمن إطار ما يسمي بوحدة الساحات والجبهات والتي يتم تفكيكها واحدة تلو الأخرى تأتي الساحة والجبهة السورية ضمن إطار هذه الحلقات بعد كسر اهم حلقة فيها وهو حزب الله تاج الدر الايراني وراس الحربة في هذه الحلقات. ولكن هذه المرة ليس عبر فقط اسرائيل بالرغم من ان اسرائيل كانت تضرب الوجود الايراني ووجود المليشيات الايرانية ومن ضمنها حزب الله منذ فترة ولكن هذه المرة عبر تدخل دول منها تركيا التي تغض الطرف او هي متورطة في التمهيد للهجوم  الذي تقوم به جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) مع الفصائل المعارضة الأخرى، وكذلك دولة اخري روسيا التي تغض الطرف عن هذا الهجوم، وحتي للنظام السوري الذي يسمح لها بالدخول الي ادلب من غير اي مقاومة تذكر كل هذا من اجل تشكيل عالم جديد (صفقة جديدة) في الشرق الاوسط يقلب الطاولة على ملالي ايران وخصوصاً مع عودة رئيس جديد في امريكا ترامب (رجل الصفقات). هؤلاء جبهة النصرة لم يأتوا أصلاً الي سوريه لإسقاط نظام استبدادي مافياوية استخدم الاسلحة الكيمياوية ضد الشعب السوري، واصلاً ليست لديهم معرفة بالسياسة. ف (المعركة) هي من اجل (نصرة السنة) ولكن السنة المخلصين بهم بالتحديد، الامر الذي يحولهم ضد السنة كذلك مثل ما حدث في ادلب حيث سيطرو على السلطة فيها. وبالتالي يصبحون عنصر ارباك و (تخريب) في إطار الحراك السياسي الوطني السوري ضد النظام. كما فعلوا سابقاً في إطار المقاومة العراقية. ما يغري في (جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام) وما يجعل (نظرات الاعجاب) تتطاير تجاهها، ويدفع كثيراً من (النخب) للدفاع عنها، ورفض حتى نقدها، هو انها تمتلك الاسلحة الافضل والمال والقدرة العسكرية وان هناك اضافة الي تركيا مستشارين عسكريين من اوروبا الشرقية قاموا بتدريبهم على الاسلحة وكذلك عبر دول اخري يتم تمديدهم بالسيارات رباعية الدفع الخ. وكذلك يتم وصفهم بأنهم لديهم (عفة اليد) فلا شك انها لا تحتاج الي المال لكي تسرق كما يفعل بعض المحسوبين على (مقاتلي الجيش الحر)، ولا هي في حاجة أصلاً، ولديها من يريد الذهاب سريعاً الي الجنة، ما يجعل لديها جرأة الاقتحام على الرغم ان الشباب السوري الذي شارك في الحراك السياسي الوطني فعل ذلك منذ البدء، ولكن هل هذه (الصورة الوردية) كافيه؛ لكي تصبح خارج النقد والتدقيق في ماهيتها؟ في السابق دفع عجز بعض النخب السورية لأن تعوض المطالبة بالتدخل الامبريالي والاقليمي بعد ان توضحت استحالته، بقوة (قادرة) على اسقاط السلطة في سوريه. وكما هو حادث اليوم أحد هذه القوي سواء الامبريالية او الإقليمية تركيا وإسرائيل وحتى روسيا تجدفي (جبهة النصرة / هيئة تحرير الشام)، بالتالي لتجاهل لتجارب (تنظيم القاعدة) وغض النظر عن مشروع جبهة النصرة (وكأنها هذه المرة حطب تنور لقوي اخري). وهذا هو المطلوب حالياً وحتى في المستوي المتوسط ذلك انه إذا نجحت (جبهة النصرة) وهي تنجح حتى الان بوصولها الي قلب حلب واخذها 70 من الاراضي في حلب، هي عكس هذه (الارادة)، لأن فعل جبهة النصرة سوف يفتت ويفكك ويدخل في صراعات (هامشيه) توهن الصراع لقوي المعارضة ضد السلطة في سوريه، وتدفع اقساماً مهمة من الشعب اما الي التمرس أكثر خلف السلطة السورية، واما الي رفض الحراك السياسي الوطني أصلاً.، او الميل الي الدفاع عن مناطقهم ضد سطوة الاصولية المفروضة كسلطة (دينيه). ففي ادلب المنطقة (المحررة) يتصاعد الصراع مع سلطة هذه الجبهة النصرة التي باتت تتدخل في كل شيء، بدل ان تقاتل النظام، وتعمل لفرض محاكمها (الشرعية) وقانونها الذي يجعل كل فرد في تناقض معها. 

في ظل الصراع الحالي الجاري في سوريا، تكاد يكون الصراع في سوريه هو العدسة المكبرة لكل الصراع الجاري بين كل القوي سواء كانت دوليه (روسيا امريكا اوروبا) او اقليميه (تركيا، إيران، اسرائيل، ودول عربيه) حيث يكون هدف هذا الصراع هو اعادة ترتيب وتشكيل منطقة الشرق الاوسط عبر حسابات ومصالح هذه الدول واخر هم لهم هو (الشعب السوري)، فكل هذه القوي تحاول ان تحقق اهدافها ومهماتها عبر تقاطعات مصالح، واحد هذه الاهداف هو كسر وتفكيك ما يسمي بمحور المقاومة والممانعة كما كان في السابق جبهة الصمود والتحدي. ويأتي هنا دور الاسلام السياسي الذي ابتلت به كثير من الدول العربية، وكذلك الدولة التسلطية والمافياويه الاستبدادية (الفاشية) سوريه التي تصب فيها هذه الصراعات ومنها جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) فهي تمارس مهماتها. ولكن كيف يتم فهم هذه المهمات لجبهة النصرة؟ كالعادة فالنخب السياسية والثقافية وحتى اليسارية في ظل هيمنة ما يسمي بالمقاومة يختلط عليها فهم هذه المهمات، لجبهة النصرة، الا تلك النخب المثقفة واليسار الممانع الذي ربط نفسه بمحور المقاومة والممانعة من جانب طائفي وليس وطني فهو يعتبر ان الارهابي هو السني اما الشيعي فهو بالضرورة مقاوم ولا علاقة له بالإرهاب؟! ف بالنسبة لجبهة النصرة كالعادة تنبهنا الي خطر (هذه الجبهة) ومن ثم؛ دولة العراق والشام الإسلامية بعد ان تصبح مكشوفه بشكل واضح. المعارضة السورية (تلطم)، ومن يدافع عن جبهة النصرة هيئة تحرير الشام اما ساكت، او بات يدينها من دون ان يشير الي الخطر الذي شكله ذلك الدفاع، والجريمة التي يقترفها هذا التنظيم (بالضبط كما يحدث مع حزب الله في لبنان). اما الشعب؛ فقد بات في صراع مع مستبد ات من القرون الوسطي سواء كان في لبنان مع حزب الله او مع جبهة النصرة هيئة تحرير الشام في سوريه.  وذلك في مظهرهم وافكارهم وشعاراتهم وما يريدون فرضه على الشعب بشعارات (المقاومة والتحرر والتقدم وحق تقرير المصير) على اساس انهم يعيشون في العصر الحديث، وخصوصاً بالنسبة لجبهة النصرة التي تحاول ان تخفي همجيتها وتوحشها بقطع الرؤوس والتفجيرات الانتحارية والقتل على الهوية وكونها امتداد لتنظيم القاعدة. تحت شعار انها بدأت من ممارساتها؟ تنظيم (القاعدة) كان امتداداً ل (المجاهدين العرب) الذين أرسلوا لقتال السوفييت في افغانستان، و (جبهة النصرة) اعلنت انها فرع له، وكانت (دولة العراق الإسلامية) فرعه العراقي. بالتالي كان من المفترض ان تقييماً قد جري لهذا التنظيم لمعرفة ماهيته، وتحديد الاهداف التي (يقاتل) من اجلها، والإيديولوجية التي تحكمه، وبالتالي هل يفيد في الصراعات السياسية، او يضر بها؟ وهنا صراع الشعب السوري من اجل التخلص من الحكم البوليسي المافياوي الاستبدادي والمحور الذي يدعي انه يدعمه محور المقاومة والممانعة. وهل انه حين أعلن عن ذاته في سوريه والان في الهجوم الذي كما يقول يشنه على القوات السورية والإيرانية والمليشيات الإيرانية ومنها حزب الله عن انه يخدم الانتفاضة السورية او الحراك السياسي الوطني السوري، ام يضر به؟ خصوصاً ان تجربة دوره في العراق لم تكن بعيده، وكان واضحاً بانه خرب المقاومة الوطنية، وبالتالي خدم الاحتلال الامريكي وكذلك إيران وحكم المالكي في الهيمنة على العراق.. وكالعادة سوف يختلق كما في العراق صراعاً طائفياً ودينياً مع مختلف تكوينا الكلية الاجتماعية في سوريا وخصوصاً مع اكراد سوريه حيث انه هدف ومهمة تركيه. كل هذا يفرض تحول المقاومة الي صراع سني شيعي، وسني، سني بالنسبة لجبهة النصرة وكذلك سني، علوي، كما حزب الله والحوثي والتنظيمات الولائية لإيران في العراق لا اختلاف هنا سوف يفرض ولو بعد حين سلطة كما فرضها في ادلب جلبها من احط القرون الوسطي، كما دفعت في العراق المقاومين ينحازون الي عدوهم، امريكا بتشكيل مجالس الصحوة ف جبهة النصرة سوف تفعل هذا في سوريه. ان جبهة النصرة تستفيد الان من الضعف المميت لما يسمي بمحور المقاومة والممانعة الذي وقف مع النظام السوري لقمع وقتل الشعب السوري تحت شعار محاربة الارهاب الذي صدره نظام الاسد على الانتفاضة السورية وكذلك فعل حزب الله والملالي في إيران؟! هي تستفيد جبهة النصرة عبر التسلح التي حصلت عليه من تركيا وبدأت بعمليه عسكرية كبيره انطلقت من ادلب الي حلب الي حماه، مع ان كل هذه المناطق قد (سقطت من الداخل) وليس عبر مواجهة مع النظام السوري او قوة الاحتلال الروسي؟ استفادت جبهة النصرة عبر وضعها على قائمة الارهاب الأمريكية فاعتبرته واعتبره الاخرون كافياً للقبول بهذا التنظيم (كما فعل حزب الله اللبناني) كفصيل في الانتفاضة السورية، مختلف نوعاً ما، واصولي، لكنه فصيل من فصائل الانتفاضة والحراك الشعبي السوري؟ طبعاً كما حدث مع حزب الله اللبناني من دون التدقيق في تكوينه وافكاره، وممارساته التي حصلت عبر حكمه في ادلب. المشكلة ان كل الذين هللوا له بعد القرار الامريكي هم الذين جهدوا لدفع امريكا والغرب، كي يتدخلوا عسكرياً في سوريه ويبدوا انهم تبنوا التنظيم ك (نكاية) لأمريكا والغرب. ربما هذا العنصر يكمن في اللاوعي، لكنه قائماً. لكن ما جعل النكاية ممكنة هو الجهل بالتنظيم جبهة النصرة، وأكثر هو قبول كل من يريد القدوم (لقتال) النظام السوري. كل القوي بما فيها جبهة النصرة كانوا يريدون من يسقط النظام؛ لكي يصبحوا سلطة. 

لماذا جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) الان هي من تقود الهجوم باسم (ردع العدوان) وتحت شعار (المقاومة / المعارضة) ويأتي خلفها الفصائل التي يقال انها تابعة لتركيا ومنها احرار الشام وهو اندماج أربع فصائل اسلاميه سوريه وهي كتائب احرار الشام، وحركة الفجر الإسلامية وجماعة الطليعة، وكتائب الايمان المقاتلة، الجبهة الوطنية للتحرير وهو تحالف مسلح شكل من الجيش السوري الحر، الجيش الوطني السوري وهو تحالف الفصائل المدعومة من تركيا وقوة جيش العزة وهو جماعة اسلاميه مسلحة؟ ان الهجوم الذي قادته كل هذه الفصائل حمل شعار رد العدوان، كما يقال كرد فعل على العدوان الذي ارتكبته قوات النظام السوري على ادلب وعلى تلك الفصائل. وكما رأينا في السابق ان جبهة النصرة والتي تقود هذه الفصائل انكشفت ورطتها، حين بات هذا التنظيم / الدولة يفرض سلطته الاستبدادية الشمولية والقروسطيه على مناطق تواجده في ادلب والرقة وفي حلب وتل ابيض. وبات يصطدم بالأكراد. واليوم هو يعاود هذه المرة ويصطدم بالأكراد في المناطق التي كانوا يسطرون عليها، بالرغم من انهم في هذه المرة يحاولون ان يغيروا صورة الخطف والقتل وفرض قوانينه وسطوته كما كان في السابق للأكراد كما خطف الدروز والإسماعيليين والمسيحيين، والناشطين من كل الطوائف. ولكن هذه المرة بان له هدف اخر ايضاً وهو سحق قوات الحرس الثوري وحزب الله اللبناني وكذلك مليشيات فاطميون وزينبيون. ولكن هذه المرة يحاول انه يقود صراع ضد السلطة، من اجل اسقاطها، ولكن هذا هو ما تريده تركيا لإعادة التفاوض مع بشار الاسد تحت النار؟ ولكن ليست معركة اسقاط النظام في سوريه هو هدف هذه التنظيم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)؟ فقد تشكل التنظيم (جبهة النصرة) من قيادات وكادرات كانت معتقلة لدي السلطة السورية، الذي افرج في ابريل 2012، اي بعد اكثر من عام على اندلاع الانتفاضة ضد نظام بشار الاسد، وبعد ان كانت استخدمت اسم (جبهة النصرة) اي نصرة السنه في سوريه حين قامت بتفجير امن الدولة في كفر سوسه، وفرع المنطقة للأمن العسكري في الجمارك في اطار صراع الاجهزة الأمنية الذي فرض سيطرة المخابرات الجوية ومن ثم اتي  (المدد من قوي اقليميه)، هدفت الي تخريب الانتفاضة السورية وكانت جبهة النصرة في ذلك على توافق كبير مع السلطة السورية رغم الخلاف الشكلي الذي كان يحكم العلاقة بينهما، ومن ثم دخلت مجموعات من تنظيم (دولة العراق الإسلامية)على الخط، وعلي رغم الخلاف الشكلي هنا ايضاً، فقد اصبحت دولة العراق هي الاساس، رغم انها على تبعيه للمخابرات الإيرانية. لماذا حدث كل ذلك؟ لأن السلطة التي قررت في ابريل عام 2012 الانسحاب من بعض المناطق نتيجة ضعفها العسكري، قررت ان توجد القوة التي تستطيع استخدامها لإفشال كل امكانيه لتنظيم المناطق (المحررة)، وكرأس جسر من اجل السيطرة عليها تالياً مجدداً. ويبدو ان قرار السلطة السورية بحسم الصراع فرض ان تقدم (دولة العراق والشام الإسلامية) لكي تربك الكتائب المسلحة وتهيئ الوضع لعودة قوات السلطة خصوصاً ان كثير من عناصر جبهة النصرة من الشبيحة في العديد من المناطق. مع كل هذا التاريخ تتم العودة هنا الي الذين طلبوا، وزمروا خصوصاً الي ما يسمي بالمعارضة التي تمارس، وكأنها هي قيادة (الانتفاضة الجديدة) وهنا الائتلاف او الجيش الحر الذي أصبح اداة في يد تركيا والذي دافع عن (جبهة النصرة) اليس من المطلوب اصدار موقف واضح حاسم بعد كل ممارسة جبهة النصرة وتنظيم العراق في ادلب او من الصراع الذي يدور الان في سوريه؟ اليس المطلوب هو ابعادها (جبهة النصرة) قبل ان تستحكم أكثر وتفرض سيطرة السلطة السورية على المناطق المحررة؟ ولكن الان مع تدخل فاعلين دوليين (روسيا / امريكا) وفاعلين اقليميين (تركيا، إيران، اسرائيل) أصبح هذا المطلب صعباً حيث تشابك مفهوم المقاومة والمعارضة بأجندة كل هذه القوي الفاعلة في هذه (الحرب) الجارية في سوريه ذلك ان تعامل المعارضة الحقيقية مع الانتفاضة السورية والحراك السياسي الشعبي الوطني بالسطحية التي يتم لمسها هنا وفي كثير من المواقف حيث بات تمثيلها اشبه بالوهمي للحراك الشعبي الوطني. 

حول الأسلمة للصراع الجاري حالياً في سوريه، ما تفعله جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) حالياً انها تحاول ان تضفي على نفسها طابع جديد وهو دور المعارضة السورية لكي تزيل عنها مفهوم الجهاد وبالتالي تصنيفها كحركة ارهابيه، وهنا تقوم تركيا كما امريكا وايضاً اسرائيل بمحاولة وضع هذا الغطاء عليها ويجب ان لا ننسي حركة الاخوان المسلمين التي تريد هي ان تكون في اي مفاوضات مستقبليه على ترتيب الوضع في سوريه. الهدف هو رفع هاتين الحركتين دوليا عن قائمة الارهاب وبالتالي القبول بها في حكم سوريه. وبالتالي كما تريد هذه القوي سواء الدولية او الإقليمية تركيا هنا اظهار وكان (الانتفاضة الجديدة او كما يسمي الثورة هي (ثورة معارضة اسلاميه) وهذا ما بدء يترسخ في ذهن قطاعات واسعة مع كل الاسف. فالسلطة السورية في السابق عملت هي من جانبها منذ بدء الانتفاضة السورية في 2011 على التأكيد على الطابع الاسلامي للحراك الوطني الشعبي وانه هذا الحراك الاسلامي هو ضدها. وقدمت خطاباً كاملاً حول ذلك، مدعوم بفيديوهات مفبركة جيداً، وبشائعات كثيرة متعددة المصادر، وكان واضحاً انها تريد ان تسبغ (الثورة) بهذا الطابع لأسباب متعددة، منها خصوصاً تخويف الاقليات الدينية، والعلويين بالتحديد، من اجل ضمان تماسكها خلف السلطة التي تعتمد على قطاعات منهم في حماية ذاتها. وان يربك كل القطاعات التي ترفض السلطة الدينية. والان يعاد السيناريو ولكن بالعكس من قبل تركيا وامريكا وإسرائيل والي حد ما روسيا. هنا فان الاعلام يلعب دوراً خطيراً خصوصاً في قنوات مثل الجزيرة التي تقوم بالتركيز على (الطابع الاسلامي) لهذا الحراك او ما يسمي بالثورة الجديدة. الي الحد الذي يقال فيه بانها (الجهاز الايديولوجي) للإخوان المسلمين والسلفيين، حيث السعي مركزاً على (اسلمة الثورة) وهنا في مسعي يخدم مصالح فئات ودول او هدف الي تأكيد خطاب السلطة عبر اظهار خطاب الثورة كخطاب اسلامي. ونري بان دول مجلس التعاون الخليجي لها خطاب اخر غير هذا الخطاب الاسلامي والذي احدثت كثير من التغيير مثل المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية. والتي لا تريد تكرير تجربة القاعدة او داعش في دول عربيه كبيره. وكان هم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) والاخوان المسلمين السوريين تأكيد رواية السلطة بان الثورة الحالية اسلاميه (واخوانية)، بالرغم من انها قالت انها لن تقوم بتخويف الاقليات الدينية ولكن نري كيف هي تقوم بتخويف وطرد الاكراد من المناطق سواء في ادلب او حلب، لكي تبقي الثورة (سنيه) فهذا هو طريق انتصارهم كما يرون وخصوصاً في ظل ميزان القوي الحالي بضعف حزب الله اللبناني وكذلك إيران وانشغال روسيا بالحرب مع اوكرانيا وميل ميزان القوي لصالح اسرائيل وامريكا وتركيا الداعم للفصائل المسلحة. فالنصرة والاخوان لطالما راهنوا على التدخل الامبريالي ولم يأبهوا لدور الاقليات الدينية بالرغم من امريكا وكذلك اسرائيل يدعمون الاكراد. وهم اي جبهة النصر والاخوان يقومون بتعميم فكرة ان الثورة (سنيه ضد النظام العلوي) فطالما كانت مواقع الاخوان، التي هي خارجيه، تنضح بالخطاب الطائفي الانتقامي وكأنها تريد الانتقام مما حدث سنة 1980 / 1982 من عنف وحشي مارسته السلطة والنظام السوري ضد حماه خصوصاً. ومن هنا نري اليوم كم هو مهم لجبهة النصرة والاخوان المسلمين السيطرة على حماه. رغم ان الاخوان في تلك الفترة مسئولين عن تفجير صراع طائفي ضد السلطة جعلها تنتقم من كل المجتمع وتدمير كل الاحزاب وهذا ما يجعل من كل من جبهة النصرة والاخوان في حماه جزء من وعي هؤلاء (خصوصاً هنا في حماه). 

تتسارع الاحداث في الصراع الجاري في سوريه وسقوط المدن الواحدة تلو الأخرى من حلب الي حماه ودرعا الي ضواحي حمص الخ والملاحظ ان كل هذه المدن تسقط من الداخل من دون مواجهات ضاربه من قبل الجيش السوري ل جبهة النصرة والفصائل المسلحة الأخرى علاوة على الفصائل الكامنة في كل المدن والمحافظات السورية؟؟ والان يتجول الجولاني في المدن السورية والتي يقال انها تحررت عبر تنظيم هيئة (تحرير) الشام؟ وها هو احمد الشرع الاسم الحقيقي للشيخ الجولاني يتحدث عن تغيير في الخطاب الجهادي المتطرف، وانه تنظيم سوف يتحول الي تنظيم سياسي ولن يثار من المدنيين او من الاقليات الدينية وهذا يأخذنا في الزمن الي الوراء حيث كان الكل يستشعر خطر جبهة النصرة، ودولة العراق والشام الإسلامية التي قيل انها رفضت امر زعيم القاعدة ايمن الظواهري بالفصل بين العراق والشام، فبدا ان هناك تنظيمين، ليصبح واحد سيء والاخر جيد رغم انهما خرجا من رحم واحد. في كل الاحوال جيد استشعار الخطر وان بعد تأخر سمح لهذه القوة التي بداة صغيره ان تكبر، وان تسعي الان الي فرض سلطتها وقانونها، وتصبح قوة اسوا من سلطة بشار الاسد. في ادلب مثلاً. بالرغم من ان هذه المرة الاعبين الجدد وراء هذا التنظيم كثر منهم تركيا امريكا وإسرائيل والهدف هنا القضاء على الوجود الايراني وميلشياتها حزب الله اللبناني وفاطميون وزينبيون الأفغانية والباكستانية والمليشيات العراقية النجباء والعصائب وحزب الله العراقي التي تدعي انها تحمي المرقد الزينبين والهدف المهم هو قطع طريق الامداد الذي يصل من إيران الي العراق الي سوريا ومن ثم لبنان حزب الله وهاهو الطريق اليوم يقطع من قبل جبهة النصرة والفصائل المسلحة. والسؤال هنا اين بقية قوي المعارضة السورية الليبرالية او القومية او اليسارية؟ ان غياب هؤلاء يرجع الي انهم لم يعرفوا طبيعة هذا التنظيم والادوار التي يلعبها، ولم يستفيدوا من تجربته في العراق. حيث هللوا لجبهة النصرة معتبرين انها (جزء من الثورة) وإنها ليست (طائفيه)، وأكدوا على (الصف الواحد). وهو الامر الذي يستلزم ادانة كاملة لكل هؤلاء الذين هللوا لتنظيم طائفي دموي قرووسطي يعمل كما نري اليوم مقاولاً لأجهزة مخابرات متعددة. والذين سوف يتبين يومياً فشلهم السياسي وخصوصاً ان لدينا تجربة حكمهم لمدينة ادلب الفاشلة، وكذلك ارتهانهم لقوي دوليه واقليميه تركيا، واستمرار مراهنتهم عليها. كان هدف النظام الاستبدادي المافياوي في سوريه عندما قامت بتجميع تلك القوي الاصولية في ادلب التي باتت خارج السلطة لأهداف متعددة، لكنها تصب كلها في تخريب انتفاضة الشعب السوري وتطييفها وكذلك تفكيك الحراك السياسي الشعبي الوطني في عموم سوريه وارباك المناطق (المحررة)كي لا تصبح قاعدة حقيقية للعمل المسلح ضد السلطة كما لكي تدفع الشعب لرفض الانتفاضة والحراك السياسي الوطني وخلق حالة فوضي تعود السلطة من خلالها للسيطرة على هذه المناطق. فالسلطة عملت على تشكيل جبهة النصرة، والان تركيا تمدها بالرجال والمال والسلاح والمسيرات ودخلت هذه المرة بدل عن روسيا وإيران امريكا وإسرائيل على الخط وكما تم توضيحه فإن امر هؤلاء يختلف عن امر الاخوان المسلمين فهم (سلفيين) هم تشربوا المذهب الوهابي بأرذل صوره، وتدربوا في افغانستان على اعمال القتل والتفجير التي لا تخدم لا انتفاضة ولا الثورة التي يدعونها بل تخلق الفوضى. فهم لا يعرفون السياسية بل يطبقون المذهب الوهابي كما درسوه، وهو المذهب الذي يقوم على اولوية الصراع في إطار الدين ليكون ضد الروافض والمارقين والكفرة، وبالتالي ضد كل الشعب، والاقليات بصفتها روافض وكفرة، والأغلبية كونها لا تلتزم بقيم القرون الوسطي التي تنظر على انها الاسلام الصحيح، وهو الامر الذي يدخل الشعب في صراع (جانبي ثانوي) وفي مواجهة قاسيه تلهيه عن الصراع ضد السلطة السورية، وليظهر له ان السلطة السورية هي ارحم من هؤلاء. 

  • الانتفاضة وجبهة النصرة. 

يتصاعد الاعلام مع كل يوم تسيطر فيه جبهة النصرة والفصائل المسلحة على مدينة جديدة وها هي الان على مشارف العاصمة دمشق، ما يهمنا هنا هو الضخ الاعلامي من تضخيم والنفخ عن قوة جبهة النصرة و بطولتها و انسانيتها وبانها باتت تملك خطاب جديد وانها قد غيرت  من جلدتها، وكان هناك من يريد ذلك، ومن يريد منه هدف ومسألة ما، السلطة طبعاً منذ بداية هذا الزحف وسمته بالإرهاب لتخويف الشعب واعادة التوازن بعد ان بات والي كبير مختلاً لغير مصلحتها وكذلك فعلت دولة الملالي ايران وميلشياتها بوصم جبهة النصرة بالإرهاب وهذا مجال  السخرية من هذه الدولة والمحور المقاومة والممانعة الذي تم تضخمها   لتظهر  كنمر من ورق ومجال السخرية هنا انها هي الوجه الاخر من عملة الارهاب. والمفارقة هنا ان سلطة النظام السوري هي من أطلق الاسم (جبهة النصرة) ومن بدا في الترويج لها، وكما يحدث اليوم قوي اقليميه ودوليه تريدها ان تكسب الحرب وتصبح هي القوة المسيطرة لتخريب (الانتفاضة / الثورة). وهناك ايضاً جزء من (الثوار) الذين باتوا يحسون بمأزق العمل المسلح بعد طول الزمن دون الحسم، رغم التطورات المستمرة على الارض والذي بات معظمها ينسب الي جبهة النصرة، والذين باتوا يتعلقون ب (منقذ)، فانساقوا خلف التضخيم الاعلامي الذي تقوم به جهات متعددة وباتت الجبهة النصرة الان هي (البطل المخلص) الذي يسقط النظام (وليس الشعب كما كان الشعار الاهم) خصوصاُ انها تمتلك المال والسلاح والمسيرات والمدن التي سقطت في يدها من ادلب الي حلب الي حما والان حمص والمؤشرات تشير الي العاصمة دمشق. هل يتم هنا اعادة السيناريو العراقي؟ في العراق حدث نفس الشيء ذاته مع تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين وراهنت قوي المقاومة العراقية على القاعدة من المنطلق ذاته، لكن كانت النتيجة مؤلمة كما شاهدنا، فانهارت المقاومة، وبات بعضها متحالفاً مع الاحتلال الامريكي ضد ذلك التنظيم. فهل يتم التمهل قليلاً، ويتم تحكيم العقل بدل الانفعال الذي لا يودي سوي الي الكوارث؟ وهل يتم البحث في الملموس عن حجم جبهة النصرة عبر السؤال المباشر وليس عبر الاعلام والصورة في الفضائيات؟ والسؤال هنا لماذا هذا الانهيار التام في قوات الجيش السوري؟ وسقوط كل المدن من الداخل؟ كل هذا ينسب الي الهجوم (ردع العدوان) الذي تقوده جبهة النصرة وكأنه ليس هناك شعب يقاوم؟ جبهة النصرة تقيم سلطة في مناطق حررها الشعب في السابق وليس هي، وفرضت في مدينة ادلب اسوا قوانين قرووسطية تحت حجة تطبيق الشريعة وعناصرها لا تفقه في الشريعة شيئاً بل تردد خلف اميرها احمد الشرح (الجولاني) وضمن منظومة وهابية (وليست سنيه حتى) وسوف تجعل الصراع لاحقاً ليكون صراع ديني، وان هذه المعركة هي في إطار الدين ضد الروافض والمارقين والملحدين والكفرة. وهي الان تهتم بالسلطة حتى قبل ان تسقط السلطة وتصدر خطاباً حداثياً هي وحركة الاخوان المسلمين بانها مع الدول المدنية الديمقراطية (وليست العلمانية) وأنها سوف ترضي بما يقوله ويريده الشعب دولة ديمقراطية دستوريه الخ من الكلام المأكول خيره. الهدف كان واضحاً قبل ثلاثة أشهر من هذا الهجوم والذي تم في تركيا بين تركيا والدول الغربية امريكا هنا وبالتنسيق مع روسيا وهو اسقاط نظام الاسد والذي كان شعاره الاسد او نحرق البلد، وكذلك القضاء على الوجود الايراني وعلى وجود ميليشياتها في سوريه. وخصوصاً بعد تعنت بشار الاسد في اللقاء مع الرئيس رجب طيب اردوغان. والاسد حتى لم يقرء ان من كان يستعين بهم إيران وحزب الله وحتى روسيا هم مهزومون من قبل اسرائيل والغرب. وان جبهة النصرة بعد ان تنجز هذا الهدف فسيكون لها شان اخر يتم التعامل به من قبل نفس هذه القوي. هنا يجب التدقيق لكيلا يتم الانسياق خلف خطر كبير يفشل ما بداة به الثورة السورية في 2011 وتحت شعار حريه كرامه وعدل. والكل يعتقد بان هذا الخطر ينجحها، ولا يحب ان يقود الياس الذي وصل له الشعب في ظل حكم ال الاسد وال مخلوف الي دعم جبهة النصرة والرهان عليها اي في الحل السياسي، لكيلا تنحرف الثورة فتتحول من صراع شعب ضد سلطة مافياوية مستبدة الي صراع طائفي (حرب اهليه) السلطة هي حكم فيه، فالجبهة ليست بعيدة عن سلطة الاسد ولا عن القوي الإقليمية التي لا تريد الثورة ان تنتصر حتى وان ظلت السلطة، التي ستبقي كما هي سلطة ضعيفة ومنهارة يمكن التحكم بها. خصوصاً في ظل كما يطرح اهمية استئناف العملية السياسية في سوريه. 

  • متي يسقط النظام؟ 

هذا هو السؤال الذي يتكرر كثيراً منذ بدء هجوم (ردع العدوان)، وهذا راجع الي طول الزمن الذي استمرت فيه (الانتفاضة او الثورة) السورية 2011، او عن الميل لاختصار الدم والدمار والتهجير والنزوح الذي شهده هذا الشعب وهو فضيع بكل المقاييس. اليوم ينهار النظام بعد ان سقط من الداخل وهروب بشار الاسد من سوريه. لكن مسألة الثورات لا تقاس بالزمن، ولا تطرح مسألة (خفض الدم) و (خفض التهجير والنزوح)، ليس لان الامر هامشياً بل لأن ذلك يتعلق بسقوط السلطة الدكتاتورية التي قررت ان تستبيح كل شيء، وتمارس هواية التدمير والقتل في وحشيه وعبثية يندب لها الجبين، والتي باتت تشعر بانها انتهت ولم يعد بقاؤها ممكناً، الامر الذي جعلها تمارس عملية انتقام واسعة من شعب رفضها، التدمير الذي جري ليس من تبرير عسكري له، وليس وجود مجموعات مسلحة مهما كان عدد افرادها يبرر هذا النشاط النمط من النشاط العسكري واستخدام الاسلحة الكيميائية ضد الشعب والذي كان يستعمل البراميل المتفجرة ويعتمد القصف الجوي والمدفعي كأساس لإستراتيجية لا تعني سوي ممارسة هواية القتل والتدمير، فالتصفية لمجموعات مسلحة التي قام بها هذا النظام المجرم ومن خلفة ملالي ايران وحرسها الثوري وميلشياتها في سوريه ومنها حزب الله خصوصاً، كل هذا لا يفترض هذا الاستخدام المفرط والممنهج للمدفعية والطائرات والبراميل المتفجرة والاسلحة الكيمياوية. والسيطرة على المدن لا تفترض كل هذا القصف العشوائي بحجة مواجهة مجموعات مسلحة. الان يمكن القول ولكن بحذر وانتظارا لليوم التالي بالإجابة عن سؤال ان النظام سقط. حيث فقد السيطرة على منطقة تلو الأخرى، واهم من ذلك هو فقدان (الثقة) لدي بني الدولة ذاتها بجيشها ومخابراتها ولكل من يدعمها من مثل روسيا وإيران وميلشياتها، فقد بان الجيش ينسحب في البداية من حلب ومن ثم حماه وبعد ذلك من حمص وارياف دمشق الي الوصول الي العاصمة دمشق وفرار بشار الاسد. ذلك ان الجيش الذي بات (معتقلاً) في معسكراته دون اجازات لأفراده ودون اتصال بالأجهزة الامنية التي اهتز وضعها تحت وطئه (المفاجئة)للهجوم الذي قامت به جبهة النصرة والفصائل المسلحة، وباتت عناصر الجيش والاجهزة الامنية غير واثقة من اي مواجهة مع هذه القوي. وكذلك حدث للمستوي السياسي الذي تهمش وايضاً فقد الثقة بهزيمة (الثورة)، وبات الامر (سلم واستلم) كما نري اليوم 8/12/2024 حيث يقوم رئيس الوزراء السوري بمهمة تسليم الدولة لجبهة النصرة والفصائل المسلحة.  (سلم واستلم). والسؤال هنا كيف سقط النظام؟ اي ما هو الضروري لكي تتطور الثورة، ولكي تتفكك بنية النظام وليس سقوطه فقط لكي يكون ممكناً تحقيق التغيير الذي يفتح على مرحلة انتقاليه يعاد خلالها ترتيب وضع سوريه الاقتصادي والسياسي والجيوسياسي. والمهم هنا ان لا تحدث (ثورة مضادة) من جبهة النصرة وبقية التنظيمات الاصولية والجهادية حيث تنشط التحركات الدولية والاقليمية لفرض صيغة متوافق عليها دولياً ك قرار 2254 للمرحلة الانتقالية، والمهم ان لا تمتد هذه المرحلة الانتقالية كما شاهدنا في انظمة استبدادية كثيرة سواء في السودان او ليبيا الخ، ولكن الاهم لمنع ذلك هو نشاط وتحرر الثوار المدنيين اي نشاط الثورة ووقودها ذاتها الذي يجب ان يتصاعد للضغط في اتجاه الدولة المدنية العلمانية الديمقراطية الدولة الوطنية. كي تمنع تشكل دولة دينية استبدادية فأي سلطة تحجب الدولة لن تعود سلطة، كما هو في ظل سلطة نظام عائلة الاسد حيث أصبح من يحكم هي فئة مافياوية عائلية بناها العسكرية والامنية (الخاصة) بعضها رسمي والاخر ليس رسمياً. لهذا كنا نراها متسمة بالتوتر العالي، والجنون وتمارس ككل سلطة منتهية، اي التدمير الشامل والقتل العشوائي وعدم التمييز بين مقاوم او محايد او حتى مؤيد، تستخدم أقصى درجات العنف، والادوات التي لا تحسم صراعاً مجتمعياً بل تدمر وتقتل اي القطاعات العسكرية المضمونة والتي كما تدعي انها اعدت لمواجهة الاحتلال الصهيوني. 

  • حول موقف اليسار من التحولات في سوريه. 

بالأساس السؤال حول موقف اليسار من الانتفاضة او الثورة في سوريه. والي اين متجه الوضع في سوريه؟ وهذا سؤال يطرحه أحد الاعزاء الان. يعاني اليسار السوري والعربي من تشتت حول الموقف من الانتفاضة ومن (الثورة) في سوريه، فهناك من يدعم الثورة، وهناك من يرفض أصلاً ان يعتبر انها ثورة، ويميل بعض اليسار من منطلق محور المقاومة والممانعة الي دعم السلطة الطبقية الحاكمة اي قبل اسقاطها وحتي بعد تم اسقاطها، وقد ظهر ان هذا التشتت هو نتاج اشكاليه  في فهم معني اليسار ذاته اولاً، عدا عن تهتك وتفكك القوي اليسارية وانحكام العديد من اطرافها لفهم صوري (شكلي) يؤسس كما تعودنا من هذا اليسار على السياسي / الحدثي، ويتمسك بأفكار ومحور يسمي المقاومة والممانعة يتجاوزه  الواقع، وبالتالي يسارية ذاتها اصبحت غائبة، بعد ان ظهر كل المخزون المعرفي الذي يعتمد عليه هذا اليسار اصبح يجتره اجتراراً عند كل حدث من دون ان يري الواقع الذي يتبلور فيه هذا الحدث وهذا نوع من التسطيح الذي فعله (الجمود العقائدي)، الذي يلغي اليسار ذاته ويحوله الي عقائد جامدة. الان بعد سقوط نظام الاسد الدكتاتوري الاستبدادي لا بد ان يكون اليسار العقلاني موقف من الثورة سواء لما  وصلت له اي لعسكرة واسلمة الثورة وهيمنة جبهة النصرة على بقية الفصائل وهاهو الجولاني احمد الشرع يصدر فرمان بتعيين محمد بشير لرئاسة الوزراء وهو اخونجي متطرف كان يحكم معه في ادلب وهو ما يدخل الثورة السورية في مازق جديد وانتفاضة جديدة ضد حكم التنظيمات الاصولية والجهادية، وضد الدول سواء كانت اقليميه او دوليه التي اوصلت هذا التنظيم ليهيمن على ما يسمي بالمعارضة (وستكون لنا حلقة حول وضع المعارضة في سوريه)، لا بد لليسار من ان يتبني موقف مبني على المنهجية العلمية (وليس شعارات وجمل رنانة وثورجيهً) اي التي تعني الجدل المادي كألية تفكير وفهم ومعرفة في واقع يتغير وليس ثابت اي ان لا يقف فقط عند لحظة اسقاط نظام الاسد او حكم جبهة النصرة بل يتخطاه ذلك ان الواقع هو في صيرورة، المنهجية العلمية هي فهم مادي وليست (عقيدة) على غرار عقيدة الاسلام السياسي او شعارات سياسية، وهي انطلاقاً من ماديتها (التي هي جدليه بالضرورة) تحدد تصورها للواقع من اجل تحديد الموقف العلمي الضروري لليسار في صراعه من اجل الدولة الوطنية والدولة الديمقراطية المدنية العلمانية. من هذا المنظور يمكن تحديد المسائل التأليه في الوضع السوري : اولاً : المبدأ الذي يقود الي تحديد موقف يساري هو دراسة البنية التي يتشكل المجتمع فيها، فالتناقضات التي تشير اليها المنهجية العلمية سواء كان قبل سقوط النظام ام بعده هي تناقضات في البنية الطبقية القائمة والتي تفجرت سواء في ظل حكم عائلة الاسد او سوف تتفجر في ظل النظام السلفي الاخونجي كما يسمي الجديد تحت هيمنة جبهة النصرة والفصائل المسلحة بالرغم من انها تمد خيمتها بالتدرج وكانه نظام سلم واستلم وكما يقول بعض المحللين الانتقال السلمي للسلطة وهو نوع من الوهم كما نري.. هذا هو اساس اي تحليل وفهم، ومن ثم تحديد (موقف). هو المفصل في كل التحليل. واي تجاوز لهذه البديهية تجعل كل تحليل غير يساري، وغير علمي، لأنه لم ينطلق من الواقع الملموس. فالمنهجية العلمية تبدأ من الاقتصاد (وليس السياسة) في تحليل الواقع ولكن دون ان تقف عنده بل يتصاعد تحليلها للواقع الي المستوي الطبقي، ومن ثم الايديولوجي والعقائدي مثلاً لجبهة النصرة، فالسياسي وهو ما تقوم به جبهة النصرة الان بالترتيبات المحلية والاقليمية، عبر مصالحها وهيمنتها، فالسياسي هو التعبير المكثف عن الاقتصاد كما يذكر ذلك لينين. وبالتالي يفرض فهمها فهم الاقتصاد اولاً. البدء من الملموس يفرض ان يتم البدء لسوريه عندما يتم مناقشة الثورة منذ ان بدأت في 2011، وان يتم البدء من تحليل التكوين الاقتصادي الاجتماعي الطبقي قبل تلمس الموقف السياسي والخلاف السياسي والصراعات السياسية. حيث يجب ن يتم البحث عن الخلافات والصراعات في الواقع الاقتصادي الطبقي كي نكون ماديين في التحليل. وسيتم لمس هنا موقف كل الذين يرفضون الانتفاضة او الثورة او يؤيدونها هم ينطلقون من الخلافات السياسية دون لمس الواقع الاقتصادي والاجتماعي الطبقي، او باستنتاج هذا الواقع من الخلافات والصراعات ذاتها. وهذا فهم مثالي، هو مقلوب المنهجية العلمية بالضرورة، ولهذا يخرج عن كونه تحليلاً يسارياً. 

كما كان قبل الانتفاضة او الثورة في سوريه 2011 يصبح السؤال البديهي المطروح امام اليسار سواء السوري او العربي هو: ما هو الوضع الاقتصادي الطبقي في سوريه قبل الثورة واثناء الثورة وبعد سقوط نظام الاسد؟ ما وضع العمال والفلاحين والفئات الوسطي؟ وما هو وضع المهجرين والنازحين سواء في سوريا او لبنان او الاردن او بقية الدول الأوربية وكندا وامريكا؟ وما هي طبيعة السلطة الطبقية التي تسم السلطة في اثناء حكم البعث او عائلة الاسد او بعد سقوط هذا النظام وهيمنة جبهة النصرة هيئة تحرير الشام والفصائل المنطوية تحتها؟ حيث ان الموقف ينبني على هذه القوي بالضبط، وليس على اي شيء اخر، الا اذا كان هناك وضعية احتلال  بالمعني المباشر فيصبح التحليل مرتبط بذلك ايضاً، بالرغم من ان كل الدول التي تدخلت في سوريه سواء كانت روسيا او ايران او حزب الله او المليشيات الأخرى والدول الأخرى مثل تركيا التي تدعم جبهة النصرة وبقية الفصائل المسلحة وكذلك امريكا التي تدعم الاكراد وإسرائيل التي تحتل الجولان، وسياسة السلطة السورية كانت تقوم على اساس ان السلام هو الخيار الاستراتيجي، والان اسرائيل تتحرك في المنطقة المنزوعة السلاح كما يقول هاجاري ما يقدر 2 كيلوا متر. في الايام الاخيرة ما قبل اندلاع الحراك الشعبي والانتفاضة ومن ثم الثورة على نظام بشار الاسد والذي تبني الليبرالية في سوريه، حيث تحرر الاقتصاد وتهمش (القطاع العام) وبيعت بعض شركاته الرابحة، وأصبح الاستيراد هو الاساس في العملية الاقتصادية، فانهارت الصناعة والزراعة، وأصبح الاقتصاد اقتصاداً ريعياً متحكماً فيه من قبل اقلية ضئيلة من العائلة الحاكمة واتباعها، وبالتالي باتت اغلبية تعيش في وضع مزر، من العمال والفلاحين والفئات الوسطي. وباتت البطالة كبيرة (20- 32 بالمئة) والاجر دون توفير المقدرة على العيش (الحد الأدنى هو خمس الحد الضروري) وبالتالي اصبحت السلطة هي سلطة (رجال الاعمال الجدد)، الذين اخضعوا البورجوازية التجارية التقليدية، حيث انتقل شكل السيطرة من الرئيس كما في زمن حافظ الاسد الي هذه الفئة، التي باتت تشكل تحالفاً مالياً امنياً. وبات العمال والفلاحين والفئات الوسطي الفقراء والمتوسطين، الفئات الوسطي المدنية في غالبيتها دون المقدرة على العيش، بينما بات هؤلاء (رجال الاعمال الجدد) يسيطرون على 70-80 بالمئةً، من الاقتصاد الوطني (ونسبتهم لا تتجاوز ال 2 بالمئة). في هذا الوضع اين يجب ان يكون اليسار؟ هذا تحديد مبدئي، اي قبل الثورة ففي كل الاحوال يجب ان يكون اليسار مع العمال والفلاحين والفئات الوسطي، ومع التحالف الذي يضم كل الطبقات الشعبية. هذا هو موقع اليسار المبدئي لكي يكون يساراً. وهو بالتالي ضد السلطة الرأسمالية المافيايوية البلوشية الحاكمة بالضرورة. ويجب على هذا اليسار ان ينظر الي كل القضايا الأخرى بما فيها من دخول الاسلام السياسي على الخط والذي مهما تخفي بالحداثة الا انه مكشوف من ناحية انه يريد السلطة والدولة الدينية وسف نناقش هذا الراي لاحقاً. هذا هو المنظور الذي يجب ان يتبناه اليسار اي انطلاقاً من هذا الموقع وليس من منظور نخبوي منعزل، يغلب ذاتيته وتحليله (الوهمي) على مصالح الطبقات. بالتالي اليساري مع الشعب، ويعمل من اجل تفعيل حراك الشعب ضد الرأسمالية المافيايوية الحاكمة وضد من يريد ان يحكم باسم الدين والطائفة ك جبهة النصرة. والسؤال هنا كما كان ما قبل الثورة وقبل اسقاط نظام بشار الاسد وبعد هيمنة جبهة النصرة. هل ينتج هذا الواقع او الوضع ثورة (كما كان يطرح ذلك تروتسكي الثورة الدائمة). بالتأكيد فالظرف كان مثالي لكل ثورة كما في 2011، ومن الممكن ان يكون هذا الظرف ايضاً مثالي في ظل هيمنة جبهة النصرة والاخوان المسلمين على السلطة. وبالتالي ما هو موقف اليسار من الثورة؟ مع الاسف فان كل من يسمي نفسه يسارياً بعيد عن تلمس وضع الطبقات، ولم يحس بتراكم الاحتقان الذي يتصاعد لدي الطبقات المفقرة، وخصوصاً هنا العمال والفلاحين والفئات الوسطي المفقرين، وكان الميل العام لدي هذا اليسار كما نلاحظ حتى اليوم يشي بان هؤلاء اليساريين باتوا يمحورون سياساتهم حول الديمقراطية ومقاومة الاستبداد، ودون تلمس الاساس الطبقي للاستبداد سواء كان استبداد (علماني كما حكم نظام البعث) او استبداد ديني (كما حكم جبهة النصرة والاخوان المسلمين)، وكذلك دون وضع الديمقراطية في سياق تغيير طبقي شامل، وهو الامر الذي يفرض انعزال اليسار عن الشعب، وبالتالي تأسيس قطيعة ظهرت واضحة خلال الثورة في 2011 وبعد اسقاط نظام الاسد وحكم جبهة النصرة والاخوان المسلمين. 

. الشعب السوري بين مرحلتين الثورة التي بدأت في 2011 وما يسمي الثورة بعد اسقاط نظام بشار الاسد وانفراد جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) بها. في هذه الوضعية اين موقع اليسار السوري والعربي؟ في المرحلة الاولي من الثورة وفي تاريخ الحركة اليسارية (الماركسية) تجارب يمكن مقاربتها مع هذه التجربة في المرحلة الاولي، وهي تجارب للأسف لم يتم الالتفاف اليها من قبل اليسار، ومنها تجربة 1848 في اوروبا وكيف تعامل ماركس معها، ومنها كومونة باريس، حيث كان ماركس يحذر من الثورة التي ستفضي الي اراقة دماء الطبقة العاملة والفلاحين والفئات الوسطي، لكنه حين انفجرت دعمها وشارك فيها، لكي تتعلم الجماهير كيف تصنع ثورة منتصرة، ولم يقف متفرجاً، ومنها كذلك تجربة ثورة 1905 في روسيا التي شارك فيها حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي. كل هذه الثورات كانت عفويه، وغير واضحة الاهداف في الغالب، و (بورجوازية)، لكن كان موقف ماركس هو الانخراط فيها مع العمال والطبقات الأخرى الكادحة ليس من اجل انتصار عمالي لم يكن وارداً، ولا حتى نتيجة تحليل مسبق لحتميه انتصار الثورة، فقد كان واضحاً لماركس ولينين ان هذه الثورات فاشلة، لكن كان الهدف هو تطوير خبرات الشعب لكي ينتصر في ثورة اخري تكمل هذه الثورة، فالجماهير تتعلم في التجربة كما تؤكد المنهجية العلمية. وبالتالي ففي المرحلة الاولي من الثورة فإن الموقف اليساري الحقيقي يتمثل في الوقوف مع الثورة، المشاركة فيها، والعمل على تطويرها، حيث ليس من خيار امام اليسار حين ينشب الصراع بين الشعب السوري المفقر والرأسمالية المافيايوية الاستبدادية السورية المسيطرة، وكل زوغان عن هذا الصراع (بحجة ان سوريه هي في الموقع المؤثر من محور المقاومة والممانعة)، هو انحراف عن الفهم اليساري، وانزياح نحو الطبقة الرأسمالية المسيطرة. فالمفقرون في درعا حيث بدأت الثورة هم الذين نهضوا وتحت شعار (حريه كرامه) من اجل تحقيق حياة أفضل، او من اجل المقدرة على العيش فقط، لان هناك من يريد العمل في بلد بلغت نسبة البطالة عن العمل الي 20 – 23 بالمئة من القوي العاملة، ومستوي الاجور في أسوأ وضع كما تمت الإشارة له. وإذا كانوا يريدون اسقاط النظام فمن اجل تحقيق التغيير الذي يؤدي الي تأسيس نمط اقتصادي يستوعب حالتهم، ويوجد حلاً لمشكلاتهم. وإذا كانت نخب من الفئات الوسطي (المدنية) قد حرضت من مثل التنسيقيات وشاركت من اجل تحقيق التغيير (الدولة المدنية) والحرية وانهاء الاستبداد. فإن ذلك لا يغير من الطابع الاجتماعي للثورة، ولا يسمح بأن يصبح مطلبهم هو الاساس، لأن واقع المفقرين سوف يدفع الي استمرار الثورة (فما بالك في المرحلة  الحالية من الثورة وفي ظل الهجوم تحت شعار ردع العدوان وهو شعار عسكري الذي قامت به فصائل مسلحة التنظيمات الاصولية والجهادية ومنها  النظيم السلفي الاخواني جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) وهذا سوف يدفع الشعب السوري الي الاستمرار في الثورة الي ان يتحقق التغيير الجذري، فالمحرك على الثورة هو (الاجتماعي) هو البطالة والفقر والتهميش والقمع والاستبداد، مع ارتباط كل ذلك بتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية، بعد ان ارتبط النهب والافقار بالاستبداد. وهي العملة التي تعكس وجهين للاستبداد وجهة نظام الاسد والوجهة الاخر وجه نظام جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام). ولا شك في ان تصاعد دور اليسار في الثورة وفي مرحلتها الثانية التي سنناقشها بالتفصيل سوف يفرض توضيح طابعها الطبقي الجلي، وسوف يعمق من صيرورتها. 

من المهم حالياً ملاحظة ان موقف اليسار في سوريه يتلخص في نشر بيانات وفي الجانب الاخر نري ان جبهة النصرة تصدر ما يشبه المراسيم وتنصب نفسها وكذلك الاخوان المسلمين في حكومة تسمي (انتقاليه) والتي تتلاقي مع منهجها الاصولي الجهادي والتمهيد للهيمنة على السلطة والحكم. من هذا المنظور لا بد من رفض كل ميل لوضع (كتالوجات) باسم الثورة ولأجل الثورة او باسم اليسار سواء تعلق الامر بالبرنامج او الحزب اليساري او التنظيم الاصولي كما يقال الذي يجب ان يقود هذه المرحلة الانتقالية وهذا ايضاً شاهدناه منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 فالنخبوية لا تزال تحكم اليسار فالثورة كما قلنا كانت في بدايتها عفويه هي حراك (شعب) بكل ما يحمل من ثقافة وسلوك ودين وتمرد، لكن الامر الذي يحكمها هو هذا الشعور المشترك بالعجز عن العيش ومن ثم السعي لتحقيق التغيير. والثورة هي لحظات تصعيد (الحس السليم) لدي هذا الشعب والذي يجعل الشعب يعرف من سيسقط وماذا يريد ممن يطرح نفسه بديلاً للنظام البائد. يعرف ان معني الاسقاط يجب ان يجلب التغيير (وليس اعادة الاستبداد بشكل اخر هنا الاستبداد الديني)، فالتغيير بالنسبة للشعب هو الذي يسمح له بالإحساس ان وضعه قد تغيير، وانه خرج من حالة الموت الذي كان يندفع اليه نتيجة البطالة والفقر والتهميش والاستبداد وهذا هو الاساس الذي يجب ان يبني عليه اليسار الحقيقي. كل يساري ثوري يريد تحقيق التغيير الجذري، وليس استبدال سلطة استبدادية علماني ليحل محلها استبداد ديني؟ في هذا الوضع وخصوصاً في المرحلة الاولي من الثورة لا دور لليسار ولا لأي حزب سياسي حيث كانت الثورة عفوية وهي التي حكمت الثورة، وحيث كان وعي الطبقات المفقرة هو المحدد لشعاراتها ولحدود طرح مطالبها. وإذا كان المشرفون عليها قد اجمعوا على اسقاط النظام فإن لكل طبقة وفئة مطالب معينة، كانت تعبر عنها بعفويتها فقط حين يتم سؤالها، ومن رسم المطلب والشعار العام فهو شباب من الفئات الوسطي الذي كان يطمح الي الانتقال من الاستبداد الي الديمقراطية. هو الذي رد على شعار السلطة: الله، سوريه، بشار الاسد وبس، بشعار مضاد له: الله، سوريه، حريه وبس. اما المفقرين فلم يستطيعوا طرح مطالبهم بوضوح. فهم لا يجيدون الفكر ولا السياسة، لكنهم يستطيعون التعبير المباشر عن حاجاتهم. ومع الاسف لم يسأل اليسار هؤلاء عن مطالبهم، وكذلك لم تسأل التنظيمات المسلحة جبهة النصرة هؤلاء عن مطالبهم ولم يتقدم هذا اليسار ولا حتى جبهة النصرة لصياغة مطالبهم في برنامج وشعارات وسياسات بل كان كل هم جبهة النصرة هو السلطة عبر تشكيل حكومة مؤقته كما تقول ولم تستشير في ذلك لا احزاب المعارضة ولا الشعب بالضبط لان ذلك بعيداً عن (روح) الثورة. ومثل ما عودتنا هذه المعارضة ومصالحها، يظهر ان كل منها يحاول ان يفرض منطقه واهدافه، وان يستغل الثورة لكي يحقق اغراضه هو، هذا امر طبيعي، حيث تسعي كل فئة او طبقة او عقيدة لفرض سيطرتها من اجل ان تكون هي السلطة. من هنا ليس صحيحاً طرح ان قوي المعارضة التي هي خارج التنظيمات الاصولية والجهادية انها لم يكون لها راي في اختطاف الاسلام السياسي السني الثورة او القول ان جبهة النصرة هيئة تحرير الشام كل ما تقوله يصب في مصلحة البلد حدث ذلك في دولة الملالي إيران الخميني وحدث في افغانستان طالبان وحدث في العراق مع هيمنة التنظيمات الاصولية الشيعية الخ؟ ومن هنا في المنهجية العلمية يصبح من الضروري لمس مصالح هذه القوي وتعبيرها الطبقي، وايضاً فاعليتها في الصراع. وهل هذه القوي، من (جبهة النصرة هيئة تحرير الشام والليبراليين واليسار والقوميين)، مؤثرة وفاعلة في الثورة سواء قبل اسقاط نظام الاسد او بعده، وهل انها تمثل حقيقة الطبقات التي تعبر عنها؟ في المنطق الرائج عند الكثير ومنهم اليسار نجد ان الثورة قد جري تلخيصها في جبهة النصرة هيئة تحرير الشام بعد اسقاط نظام الاسد وكذلك في الاحزاب المعارضة قبل اسقاط النظام، وبالتالي ليس هناك شعب يناضل ويقاتل بل هناك معارضة تقاتل السلطة. هذا المنطق الرائج، الذي يعبر عن طرح يساري ضحل، يختصر الشعب السوري بالمعارضة وهيئة تحرير الشام، وبالتالي يري الثورة من خلال المعارضة او هيئة تحرير الشام وهو هنا يتجاهل الشعب ويتجاهل عفوية هذا الشعب (العفوية جنين الوعي حسب لينين) ويرتكب جرماً نظرياً لأنه لا يميز بين الشعب السوري والمعارضة او هيئة تحرير الشام، التي يقال انها تمثل الشعب ولا يميز بين الطبقة والحزب او هيئة تحرير الشام (الذي يقال انه يمثلها). لكن في الواقع ان الامر امر من ذلك، لأن هذا المنطق لا يري الشعب أصلاً، بل يعتقد بأن كل فعل سياسي هو من فاعلية جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) او المعارضة الأخرى وقوة جبهة النصرة. ولهذا لا يري في الثورة والوجود سوي الوجود السياسي (اي الدولة ومن سوف يسيطر على الدولة وهنا جبهة النصرة) ويتعامل هو أصلاً في السياسة من منظور جبهة النصرة هيئة تحرير الشام / السلطة بعيداً عن تلمس الاساس الطبقي. وهذا ما خاض مفكري اليسار صراعاً ضده من اجل الوصول الي فهمه المادي الذي يبدء من الاقتصاد ليصل المجتمع. 

في ظل تطور الاحداث ما بعد سقوط نظام الاسد الاستبدادي، والهجوم الخاطف الذي قامت به جبهة النصرة هيئة تحرير الشام مع التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلامية ومنها في المقدمة تنظيم الاخوان المسلمين. وتسليط الاعلام كله سواء في العالم الافتراضي او الفضائيات على فريق واحد وهو جبهة النصرة هيئة تحرير الشام وعلى تلميع صورة الجولاني والكشف عن اسمه احمد الشرع، وكذلك تعقبه اينما ذهب ببزته الخاكية، العسكرية والتركيز على تصريحاته والتضخيم والنفخ فيه وعلى ان ما يقوله هو راي (الثورة) الخ. هذا المنطق كما ذكرنا سابقاً، هذا الامر لا يجعل هذا المنطق قادراً على معرفة ان في الثورة السورية هناك شعب يقاتل دون رؤية او وعي سياسي، وبالتالي دون حزب يوجهه. وان هناك تنظيم يسمي جبهة النصرة هيئة تحرير الشام وكذلك فصائل اخري مسلحة او احزاب معارضة ليس لها امتداد شعبي، ولا قاعدة اجتماعية، بل هي احزاب معارضة نخب مهمشة، وهرمة، يسارية نشطت وتنشط في المستوي (السياسي) اي بما يعارض الدولة دون ان تلتفت الي الشعب، او تكون معنية بواقعه ومشكلاته. ولطالما اعتبرته (رعاعاً). لهذا لا بد من رؤية الشعب السوري كشعب (مجرد من السياسة)، وليس عبر تبلورات سياسية ليس بالضرورة ان تعبر عنه كما تري جبهة النصرة هيئة تحرير الشام او المعارضة، وهي تعبر عن من يبحث عن السلطة والسيطرة والهيمنة، او عن طموحات لمعارضة نخب لأن تكون بديلاً لسلطة الاسد، وهي كما ذكرنا سواء كانت جبهة النصرة هيئة تحرير الشام والتي اصبحت تمكيج خطابها بالديمقراطية والدولة المدنية وهي لا تعترف الا بالشوري وكذلك المعارضة الأخرى كلها ليبرالية الاتجاه، ورغم انها تقول بالديمقراطية الا انها ليست ديمقراطية على الاطلاق كما هي هيمنة تحرير الشام. وللخروج من هذا المشهد الضبابي يجب على اليسار العقلاني الديمقراطي (الماركسي) ان ينتقد هذا الخطاب وهذه القوي، وخصوصاً التي تلطخت يدها بالإرهاب جبهة النصرة هيئة تحرير الشام او تلك المعارضة من مثل الاخوان المسلمين وغيرها التي نادت بالتدخل العسكري الامبريالي. او التي تواطئ مع تركيا، او التي نشرت خطاباً طائفياً ك جبهة النصرة هيئة تحرير الشام او وتنظيم الاخوان المسلمين والجيش الحر حيث تحالفت مع تركيا ومن خلفها امريكا. هذا كله يشكل عبئاً على الثورة، وتأثر في توسيع الحراك ليأخذ طابعاً وطنياً وسيادياً بالضبط نتيجة الخطاب (الامبريالي) والخطاب الطائفي والخطاب الديني وتشكيل حكومة انتقالية ذات طابع ديني بحت من المقربين للجولاني، وهو يخيف قطاعاً شعبياً اوسع على مستوي الحريات الشخصية والسياسية، وهو قطاع داعم، ككل الشعب السوري للثورة ولمواجهة التدخلات الامبريالية والصهيونية. ورافض الاصولية التي تمثلها هيئة تحرير الشام الذي سوف ترهقه بصراعاتها الطائفية سواء ضد بقايا النظام او لعسكرة واسلمة الثورة. هل يمكن لنا ان نميز بين الشعب وجبهة النصرة هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل المسلحة؟ وهل يمكن ان يتم تلمس نشاط الشعب العفوي سواء قبل اسقاط النظام ام بعده الذي يتحرك الشارع والحراك السياسي بجرأة وبطولة هذا الشعب، ونلاحظ سياسات جبهة النصرة هيئة تحرير الشام التي استغلت الظرف لتصعد على السلطة لتحقيق مصالحها هي وليس مصالح الشعب؟ جبهة النصرة هيئة تحرير الشام ككل التنظيمات المصنفة ارهابية يتم اختراقها وهي بالتالي تنفيذ اجندات دول او تنظيمات اخري ليس لها علاقة بالثورة السورية، وكذلك كان نهج المعارضة السورية والتي تعبر عن مصالح فئات ليبرالية تنتظر ان يصل قطار السلطة لها بالرغم من انها كانت ضيقة وهمشتها دكتاتورية السلطة وسيطرة (العائلة) على الاقتصاد. وهي تستعين بالإمبريالية لكي تسترجع سيطرتها هي بديلاً عن أل الاسد وأل مخلوف وأل شاليش. رغم ان البورجوازية التقليدية السورية (تجار دمشق وحلب خصوصاً) هي كانت في تحالف مع عائلة الاسد. والمهم هنا فيما يخص حين أصبح العمل المسلح هو سمة الصراع الرئيسية، ظهرت الفوضى نتيجة (قلة الخبرة) لدي الشباب من الفئات الوسطي وهم مدنيون، وهو الشباب ذاته الذي كان يتظاهر سلمياً في بداية الثورة في الغالب. والذي دفعه عنف السلطة الي ذلك. لكن ايضاً وهنا هو المهم في اللحظة الراهنة ظهر ان القوي الاصولية والجهادية تحاول السيطرة عليه (اي على هؤلاء الشباب). واخذت تعمل وكأنها القوة الاساسية ولقد اثرت هذه القوي الاصولية والجهادية عبر استخدام المال في تحديد اسماء الكتائب بأسماء دينية اسلامية، حيث كانت هذه الكتائب بحاجة الي المال والسلاح، دون ان تحصل على ما يكفي كذلك. لكن ظل الامر هامشياً، وتطور بعد الدفع من قبل دول عربية لإرسال (جهاديين)، هم سلفيون منغلقون. صراعهم في إطار الدين وليس سياسياً او طبقياً، طائفيون بالتالي، ويعملون على فرض سلطتهم على المناطق التي فرضت الثورة على السلطة الانسحاب منها، وفرضوا حكماً في ادلب مثلاً على اسس قرووسطية. هذا الامر فرض سواء قبل سقوط نظام الاسد او بعده، نشوء تناقض جديد، فإذا كان الصراع مع القوي الاصولية السابقة (الاخوان المسلمين خصوصاً) يتسم بطابع (ايديولوجي)، فإن الامر هنا مع جبهة النصرة هيئة تحرير الشام يتجاوز ذلك عبر ممارسات جبهة النصرة هيئة تحرير الشام، التي باتت تمارس الخطف ضد الاقليات وتفرض (قوانين الشريعة) كما يفهما السلف على الشعب، وها هي الان تضع وزير العدل الحكومة الانتقالية يريد ان يطبق الشريعة السلفية على كل سوري وعلي كل سوريا مما دفع الي ميل الشعب في ادلب قبل اسقاط النظام وحالياً ايضا. سيقوم الشعب بعد اسقاط النظام الي ان يكون ضد ممارساتها من خلال التظاهر وحتى استخدام السلاح. بالتالي باتت الثورة تواجه ليس السلطة في المرحلة الاولي فقط، بل كل القوي التي تحاول ركوب الثورة او تعمل على حرفها. 

  • الثورة ما بين السلاح والسلمية؟ 

لا شك في ان عفوية الثورة مع بدايتها في 2011 وغياب اليسار قد اسس لنشوء مشكلات فيها، والوقوع في اخطاء، خصوصاً وان الشعب يمارس تجريبية عالية لأنه يقاتل بقدراته. ولقد مارس في البداية التظاهر وكل اشكال الاحتجاج السلمية اشهراً وسنوات، لكنه انتقل الي العمل المسلح تحت عنف ووحشية وجرائم السلطة، ولكن كل ذلك لم يزيل عنها كونها ثورة. في نفس الوقت فقد جري نقد اندفاع الثورة نحو التسلح، وقد نبه اليسار الماركسي منذ البدء الي عظم هذه الخطورة والاخطار التي يمكن ان تنتج عنها. لكن حين تكون الثورة عفويه لا يمكن لاحد ان يضبط مساراتها، فالثورة لا تكتب في (كتالوج) يجب الالتزام به، بل هي فعل شعبي يسير وفق الظرف القائم، وينحكم لطبيعة الممارسة التي تواجه السلطة بها حراك الشعب. لهذا لم يتم اعتبار ان الثورة انحرفت عن مسارها السلمي، بل انها انتقلت الي مستوي جديد كان من المفترض ان يتم ضبطه لكيلا يقود الي الفوضى، وان يترابط مع الحراك الشعبي ويكمله بدل ان يحل محله كما فعلت جبهة النصرة والفصائل المسلحة في اسقاط نظام بشار الاسد باستغلالها ظروف المنطقة وهزيمة محور المقاومة والممانعة من قبل اسرائيل وامريكا وكذلك وجدت فيها تركيا فرصة في ظل ايضاً انشغال روسيا الامبريالية في صراعها في اوكرانيا لتشن مع هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل المسلحة هجومها تحت شعار رد العدوان. لا شك ان الامور سارت كما تشتهي هيئة تحرير الشام النصرة سابقاً والقاعدة سابقاً كونها تنظيم تم تسليحه من عدة دول وهي لم تدخل في حرب فعلية مع النظام بل سقطت المدينة تلو الأخرى في يدها من الداخل. كما تشتهي ويشتهي من يقف خلفها في مسار جعل العمل المسلح هو (كل شيء) لكن كل ذلك لا يلغي ان الشعب مال الي هذا الخيار كرد فعل شعبي على العنف الوحشي الذي مارسته السلطة منذ البدء، دون ان يلغي حينها ولمدة أشهر رد فعل عسكري وهذا باعتراف السلطة بل ظل التمسك بالسلمية أساساً في الثورة. وبالتالي لم تكن المشكلة في الانتقال الي العمل المسلح، الذي جاء نتيجة عنف وحشي، فالثورات يمكن ان تنتقل الي اشكال متعددة والمنهجية العلمية تناولت (الانتفاضات المسلحة) ولكن المشكلة كانت في ان عفوية الثورة يمكن ان تقود العمل المسلح الي (فوضي) وهو ما يكمن في هذه اللحظة لحظة هيمنة هيئة تحرير الشام بعد سقوط النظام، وهذا يشير الي ضعف اليسار وليس الي خطأ في الثورة. وهنا كان اليسار ينظر حول (الاعنف) و (الثورات السلمية)، وبدا انه نتاج عقل ليبرالي، او مدخل لإفشال الثورة، صحيح ان العنف يلازم الثورة وان هذا العنف قد دخلت في طور العنف في هذه اللحظة. بالتالي ليس النقد هو نقد السلاح، بل يمكن ان يطال هذا النقد طريقة ممارسة العمل المسلح والاستراتيجية التي تحكمه، وهل يخدم الحراك الشعبي او يلغيه؟ واليسار معني بكل هذا النقد لأنه يلمس مشكلات العمل المسلح، وكيف أصبح مدخلاً للتنظيمات الاصولية والجهادية الاسلاموية، وكيف أصبح مدخلاً ل (شراء) كتائب مسلحة نتيجة الحاجة الي المال والسلاح، او ان يتم تسليحها من قبل دولة اقليمية تركيا سوف تفرض وصايتها عليها لاحقاً، او اضطرار بعض الكتائب الي التسمي بأسماء (اسلاميه) نتيجة الحاجة الي التمويل. في المنهجية العلمية يجب ان يعرف اليسار ان الصراع ليس مع طرف واحد فقط نظام الاسد التسلطي، بل مع عدد من الاطراف، وهذا ما يغيب عن اليسار فهمه ويقع في دعم هذه التنظيمات الاصولية والجهادية كما حدث في كل ثورات الخريف العربي وسقط في المستنقع الاصولي والجهادي ومنها تجربة البحرين مع المعارضة الشيعية، نقول ذلك لان الواقع متعدد، والتناقضات فيه بالتالي متعددة. فإذا كان الصراع الطبقي هو ضد الطبقة المسيطرة وسلطتها، وان الشعب يريد اسقاط نظامها، الاقتصادي والسياسي، فإن في الثورة ذاتها تناقضات لا بد من مواجهتها. هناك التناقض مع القوي الامبريالية التي تريد حصر الثورة في تغيير (شكل) السلطة و (ربما اشخاص السلطة ك بشار  الاسد)، وهناك التناقض  المتمثل في الاخوان  المسلمين الذين يريدون فرض سلطتهم الاصولية (واقتصادهم الليبرالي)، ويحاولون كما يفعلون اليوم ان يظهروا الثورة ك (ثورة اسلاميه) من اجل الوصول الي ذلك وهناك تناقض ثالث وهو (اساس)مع جبهة النصرة هيئة تحرير الشام وهو يظهر جلياً الان عبر الجولاني الذي عين نفسه قائد العمليات العسكرية وبالتالي ليكون وزير الدفاع القادم وهي كونها تنظيماً سلفياً وقوة  طائفية (نصرة السنة) وهي ما تحاول ان تقوم به عبر الايهام انها تحترم الطوائف والاقليات الدينية وهيي سوف تفرض الشريعة على كل سوريه وتفرض بالتالي سلطة على الارض كما حدث مع ادلب التي حررها الشعب والان في دمشق وكل المدن السورية، وبالتالي سوف تفتح صراعاً طائفياً في قادم الايام بعد ان تتمكن من الهيمنة ذلك ان (عقيدتها)تفرضه عليها و قد بات انتصار الثورة مرتبط بكيفية انهاء تأثيرها المضر بعد اسقاط نظام الاسد، وان تنظم  الثورة وفق استراتيجية تنطلق من مطالب الشعب الاساسية وتحدد السياسة الي تتجاوز جبهة النصرة هيئة تحرير الشام. وخوض صراعاً ضد استراتيجيات القوي الاصولية التي عملت على تكريس التسلح كمبدأ يقود الي اسقاط النظام. 

  • افق الثورة في سوريه. 

لفهم صيرورة الثورة في سوريه الان، يجب عدم الانطلاق في التحليل من هذه اللحظة (لحظة سقوط نظام الاسد) والوصول الي نتيجة ان من أسقط هذا النظام هو جبهة النصرة هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة عبر التدخل الامبريالي والتركي. وفي لحظة سقوط محور المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران. وهذا يطرح السؤال التالي الي اين وصلت الثورة التي بدأت منذ 2011 حتى الان؟ وهل ان حل التدخل الخارجي كان هو الخيار الامثل بإسقاط نظام الاسد؟ وهل قدرها ان يقودها الاسلام السياسي بتنظيماته الاصولية والجهادية بقيادة هذا الانتصار؟ لقد ارتبط وضع الثورة في سوريه (بطول الزمن) الذي مضي دون ان يتحقق الانتصار، وهذا وضع قطاع كبير من النخب السياسية في سوريه في وضع مرتبك وفي حالة من التشكك والتشاؤم تسللت اليه، وان لا يوجد حل لوضع الثورة سوي عبر التدخل (الدولي)، وربط هذا الخيار بعد انتصار الثورة في ليبيا ليعزز هذا الخيار، وليرسم تصوراً مشابه لحلف الناتو في اسقاط نظام القذافي في ليبيا. وايضاً أفضى هذا الخيار الي الميل لتصعيد نزعة تسليح الثورة والتحول الي العمل العسكري، (وهو ما تجيده جبهة النصرة هيئة تحرير الشام وتدربت عليه) كمخرج من المأزق الذي باتت تعيشه الثورة في سوريه كما اعتقدت تلك النخب السياسية، خصوصاً بعد توسع الانشقاقات في الجيش. وطرح عندها السؤال التالي هل الثورة في مأزق؟ وبالتالي هل ان المخرج هو اما في التدخل الامبريالي والتركي، او الانتقال الي السلاح؟ وبعكس ما كان يري هؤلاء فالثورة لم تكن في مأزق، رغم طول الزمن على انطلاقها وربما كان هذا الامر (طبيعياً) في بلدٍ اتسم بالعسكرة الشديدة، وبالضبط الامني الكبير من قبل نظام الاسد، وتشكيل قوي (خاصة) وحرس جمهوري تحمي السلطة وهذا ما كان موجداً في ليبيا. خصوصاً ان الانتفاضة في سوريه هي (عفوية) الي حد كبير وهي في سوريه أضعف (تنظيماً) من كل البلدان الأخرى التي حدثت فيها انتفاضات، اضافة الي ان انطلاق الانتفاضة في سوريه جاء بتأثير (عربي) أكثر مما كان الوضع الداخلي قد وصل الي لحظة حدوث انفجار اجتماعي، رغم ان الوضع الاقتصادي كان قد أصبح مشابهاً لأوضاع البلدان الأخرى العربية، وكان الاحتقان يتراكم دون ان يصل لحظة (كسر حاجز الخوف) لدي الطبقات المفقرة بشكل متساوً. وحاجز الخوف هو اساسي في نشوء بعض التردد والتخوف، وحتى روايات السلطة من قبل قطاع من الطبقات الشعبية التي لم تشارك بعد في الثورة والتي لا بد ان تكون جزء من الانتفاضة. فقد لعب التأخر في تعميم اللبرلة دوراً في عدم وصول الاحتقان الاجتماعي مرحلة الانفجار السريع لدي مختلف الفئات الاجتماعية بالسوية ذاتها، رغم تصاعد هذا الاحتقان خلال السنوات الاخيرة. كل هذه العوامل لا بد ان تؤخذ بالاعتبار حين النظر الي الثورة وطول الزمن حيث لعبت دوراً في نشوء مشكلات لا بد من معالجتها، ولقد أفضى غياب الحراك السياسي الي ان تبقي دون حل، فهي مشكلات كانت تفترض وجود (الفاعل السياسي)، والقصد هنا ليس الوجود (الجسدي) لأعضاء قوي المعارضة فقط، بل و (الرؤية) التي تحكم نشاط هؤلاء في سياق الفعل في الانتفاضة، من اجل تطويرها وتنظيم فاعليتها، وتحديد مطالبها وشعاراتها ومواجهة تكتيك السلطة ازاءها. لكن لابد من التأكيد على ان قوة الانتفاضة لم تتراجع رغم كل العنف الممارس من قبل السلطة، ورغم ان حجم التظاهرات بدا يقل نتيجة الاعتقالات الواسعة والسيطرة على المدن عسكرياً ووضع الحواجز بين المناطق في كل المدن الاساسية التي انتفضت بقوة (درعا، حمص، حماه، دير الزور، وريف دمشق)، فإن التوسع استمر الي قرب ومناطق جديدة وظل الحراك قائماً في المناطق التي جرت (السيطرة عليها) وهو ما بين الاصرار على الاستمرار، والتصميم على المواصلة الي ان يتحقق الهدف العام الجامع، اي اسقاط النظام. لقد استخدمت السلطة كل قوتها من الجيش والامن والشبيحة، وعملت على تحقيق (ضربة قاضية) من خلال إنزال الجيش بكثافة، واستخدام أقصى الهمجية الممكنة التي يمارسها الشبيحة، ولكنها رغم ذلك فشلت في وقف الانتفاضة واصبحت تبقي كل قوتها مستنفرة ومنتشرة دون ان يفضي ذلك الي تراجع الحراك، ولقد لجات الي ذلك بعد ان احست بان الامور تفلت من يدها وان قوتها التي استخدمتها لم تكن كافية، وحين لمست بان ليس من خيار امامها سوي السحق لعل ذلك يفضي الي وقف الانتفاضة ويهزم ارادة الشباب. 

هل من الممكن ان تنتهي او تتراجع الثورة في سوريه بعد سقوط نظام الاسد؟ الوضع الجديد الذي تم تسميته (النظام الجديد) والذي بات من يبلوره هو القاعدة – جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، حيث سارعت لتشكيل حكومة انتقالية او كما تسمي حكومة تصريف الاعمال وجلها من قيادات مقربة من زعيم جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام الملقب الشيخ محمد الجولاني (احمد حسين الشرع). والذي قام بتعينهم من رئيس الوزراء محمد بشير الاخواني المتطرف الي وزير العدل الذي يريد تطبيق الشريعة بشكلها السلفي الي اخر القيادات الاصولية. وهو الان يعمن لتشكيل وزارة الدفاع من الفصائل المسلحة بعد ان يتم حلها لتكون تحت امرته مثل الحرس الثوري الايراني او فيلق القدس الايراني، وهاهو يتخلى عن تطبيق القرار الاممي 2254 باعتبار انه سقط مع سقوط بشار الاسد، وهو يتحدث بان المرحلة الان هي من اجل الاستقرار (اي سيطرة هيئة تحرير الشام) والامن بمعني ان الامن له الحصة الكبري لكي يستتب لهذا التنظيم الاصولي الهيمنة على سوريه كلها، اما الدستور والانتخابات فهذا امر مؤجل، وكذلك فهو يلغي كل فصائل المعارضة السورية، بالرغم من انها اصبحت تستجدي منه الحوار معها لتحصل على جزء من الغنيمة في سوريه وهو يريد كذلك ان يتم رفع اسم هيئة تحرير الشام من كونها مصنفة ارهابية لكي يأخذ الشرعية الكاملة للهيمنة على سوريه. واجابة على السؤال الذي طرحناه في الاول هل تتراجع الثورة او تنتهي؟ الثورة مستمرة وهذه هي لحظة من لحظاتها لكي ينكشف هذا التنظيم الاصولي ومن يدعمه تركيا رغم الوضع الذي نلمسه اليوم من خطف الثورة من قبل هذا التنظيم الاصولي، والذي يؤشر الي ضرورة البحث في مشكلات الثورة والتي ادت الي هذا الوضع وكذلك وضع الحلول من اجل انتصارها. بالرغم من النشوة التي تلبست الجماهير السورية مع اسقاط نظام الاسد الا ان القادم يطرح اهمية ان تنجز الثورة مهمتها وهو ان يكون الشعب السوري هو السيد وليس تنظيم اصولي مصنف ارهابي. فليس كل الطبقات الشعبية مشاركة حتى الان، وليس من وضوح في الاهداف التي تطرحها هيئة تحرير الشام وهذا سوف يكون مأزقها بعد اسقاط النظام الديكتاتوري، وليس من انتظام حقيقي في (القيادة السياسية لأنها فقط شكلت من لون واحد سني اصولي). ذلك انه عندما انتفضت الطبقات الشعبية لأنها لم تعد تستطيع تحمل الوضع الذي وصلت اليه بعد سنوات من حكم نظام الاسد وبعد اللبرلة التي توجت في السنوات الأخيرة من حكم بشار الاسد، والتي كما ذكرنا افضت الي انهيار الصناعة والزراعة وتحويل كتلة كبيرة من السكان الي البطالة والفقر الشديد، وسنلمس بأن جزءاً من هذه الكتلة هو الذي انتفض، سواء في الريف حيث كان واضحاً مشاركته، او المدينة. لكن لا يبدو ان كل المفقرين هم مشاركين في الثورة، وبعضهم يقف ضدها او يق متردداً او خائفاً. فهناك العمال والموظفين الحكوميين في الدولة هم ذوي مشاركة ضعيفة، وفي الريف هناك مناطق ام تشارك بعد، ويبدو انها في تناقض مع الثورة. وهذا الامر يفرض طرح السؤال عن السبب الذي يجعل هؤلاء المفقرين لا مبالون او حتى كانوا يتقبلون خطاب السلطة التي تم اسقاطها ويدافعون عنها؟ وهنا واحد من المحاور التي سوف تربك هيئة تحرير الشام كونها تنظيم سني اصولي طارد ومقصي للطوائف الأخرى وخصوصاً العلويين والشيعة كما يسميهم الرافضة. ذلك ان الملاحظ هو ان هؤلاء المفقرين هم من طائفة محددة (العلوية) خصوصاً، وهم الذين تم حسابهم على انهم الطائفة التي تدعم النظام. وهم ربما كانوا الاكثر فقراً من كل السكان. لا كما يعتقد البعض ان لهم حظوة عند النظام الاسدي، ولقد عانوا من فظاظة الشبيحة منذ زمن، واستولي كبار الضباط للنظام على اراض لهم، وايضاً بقيت مناطقهم في أكثر حالات الاهمال والتخلف. وحتى الموظفون في الدولة او في الجيش والامن منهم فإن معظمهم يعيش الوضع ذاته الذي يطال الاخرين، على راتب لا يكفي شيئاً، او يسمح بعيش جيد، على العكس فهم ككل الموظفين لا يستطيعون العيش، ويعيشون في مساكن ضيقة سيئة، وكثير منهم يعمل في اعمال خدمية، وبالتالي فإن وضعهم يجب ان يدفعهم الي التمرد والانتفاض، لكن لماذا هم ليسوا مع الثورة، وفي الغالب يحسبون انهم ضدها او في توتر منها؟ تبدو المسألة الطائفية واضحة هنا، حيث لعبت السلطة على ارث الماضي مستعيدة احداث 1980/1982، ومظهرة بان الحراك الشعبي هو حراك (طائفي سني) كما كان حينها، وما ساعد على ذلك طبيعة بدء الثورة الانتفاضة والشعارات التي رفعت، والتي اشارت الي طابع سني ما يحكمها. وكان ذلك نتيجة توسعها في مناطق (سنية) وخروج التظاهرات من الجوامع وبعض الشعارات التي كانت تعبر عن طبيعة الوعي الذي يحكم الفئات المنتفضة أكثر مما كانت تعبر عن ميل ايديولوجي او طائفي (كما هو عند أنصار هيئة تحرير الشام). وهذا يعني بأن المطالب التي نهضت الانتفاضة من اجلها ام تصل الي هؤلاء (ولن تصل ايضاً في ظل هيمنة هيئة تحرير الشام) الذين اعتقدوا بأن في الامر لا يعدو ان يكون صراعاً طائفياً. وهو (كذلك في ظل حكمت جبهة النصرة هيئة تحرير الشام) اي صراعاً بين السنة والعلويين. وسوف يبدو الامر وكأنه انتقاماً لحروب سابقة. وسوف تنهض في اللاوعي حالة السحق الطويل الذي تعرض له العلويين على مدار زمني طويل من قبل الاقطاع (السني). ولا شك في ان مشكلات الهدف والشعارات كانت محال استغلال من قبل السلطة السورية سمحت بتخويف هذه القطاعات. وسيكون هذا الامر مؤكداً في حال حكمت هيئة تحرير الشام بالرغم من التقية السياسية التي يستخدمها الشيخ محمد الجولاني. 

في لحظة اسقاط نظم الاسد، وبخيار السلاح والأسلمة الذي قادته تنظيمات اصولية جهادية هيئة تحرير الشام، الاخوان المسلمين وفصائل إسلاموية اخري. وكأنها ثورة مضادة مسلحة وبخيار خارجي سواء دولي او اقليمي ضد الثورة الشعبية التي ارادها الشعب السوري. وهنا سوف يبرز المحور الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة وهو الاقليات الاثنية والدينية والقومية من مثل الاكراد وكذلك المسيحيين وكذلك الطوائف العلويين والشيعة كعنصر مفجر لهذه الثورة المضادة بقيادة التنظيمات الاصولية والجهادية. وبالتالي كيف يمكن ان تدمج الثورة الشعبية (بقيادة الشباب السوري الذي حرك الانتفاضة وكذلك المجتمع المدني المكون من نشطاء سياسيين وصحفيين مع هذه الحركة الشبابية التي كان هدفها الحرية والكرامة والدولة المدنية الديمقراطية العلمانية وليس الدولة الدينية الاستبدادية) وهي التي بلورة الحراك الشعبي منذ انطلاقة الانتفاضة، وهاهم اليوم في قلب سوريه من دوار الامويين يحشدون نفس هذه الكتلة التاريخية تحت شعار الحرية والدولة المدنية الديمقراطية العلمانية. وبالتالي كيف يمكن لهذه الكتلة الشعبية ان تدمج كل الاديان والطوائف والوثنيات والديانات في الثورة لتعبر عن كل هذا النسيج الوطني؟ اليس اندماجهم مهم للإعادة الروح للثورة قبل ان تخمدها هذه التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلاموية؟ الفعل السياسي مهم هنا، وهو يمثل في مستويين، الاول هو طرح مطالب هذه الفئات المفقرة، وتوضيح لهؤلاء كيف ان اسقاط كلا النظامين الاسد والنظام الجديد هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين سوف يقود الي تحقيق مطالبهم وان المسألة لا تتعلق بتغيير سياسي تغير نظام الاسد او تغير النظام الوليد هيئة تحرير الشام فقط، بل يتعلق بكسر اولاً حاجز الخوف الذي بدا يتبلور مع هذه التنظيمات كما كان في ظل حكم نظام الاسد وكذلك يتعلق بحل المشكلات التي كانت في اساس الثورة، اي البطالة والاجر المتدني، والعجز عن العلاج والتعليم وتحقيق تنمية متوازية تشمل كل المناطق في سوريه. هذا امر اساسي هنا وفي هذه اللحظة من الثورة السورية، وكذلك ضروري لكي تتوسع الثورة لتشمل كل الطبقات الشعبية. المستوي الثاني هو توضيح طبيعة النظام الجديد الذي تطالب به الثورة الشعبية، ففي وضع مختلط كما هو في سوريه لابد من توسيع الطابع المدني والديمقراطي للدولة الجديدة، ولرفض تأسيس (دولة دينية) في اي حال من الاحوال وهذه ما تريده هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، هنا لم يكن شعار اسقاط النظام موائماً، بالضبط لأنه في هذه الحالة فارغ من محتواه الذي تريده القاعدة -جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام اي (غير محدد البديل لنظام الاسد)، واذا كان يكفي الذين انتفضوا على النظام قبل اسقاطه من قبل هيئة تحرير الشام، فهو لا يكفي للذين لم يشاركوا بعد، وهم متخوفين ومترددين كما هو حال دول العالم والدول العربية من هذا النظام الديني الاصولي، اكثر منهم مدافعون عن السلطة التي نهبتهم وسحقتهم. ومن الجانب الطبقي فإن النشاط بين هذه الفئات يجب ان يتركز على الفوارق الطبقية الفاقعة، وعلى النهب والاستبداد وكذلك كل اشكال التعذيب والقمع، من اجل التوضيح بان سلطة الاسد واي سلطة دينية ستحل محلها تدافع عن الطبقة التي نهبت واثرت على حساب الاخرين. وان هذا هو اساس التغيير المطلوب والضروري، والذي ينهض المفقرين من اجله، لقد حاول الشباب الثائر في اكثر من موقع كسر حالة التخويف الطائفي، وافشال سياسات اي سلطة طائفية، لكن الامر يتعلق بلمس هؤلاء المفقرين ان مطالبهم هي جزء من الثورة لكي يصبحوا جزء منها، وهنا لم يعد الاندفاع العفوي في هذه اللحظة من الثورة كافياً لمشاركتهم، بل لابد من (وعي) وعمل من اجل ان يكونوا جزء من الثورة، ولكي تكون ثورتهم كما هي ثورة كل الطبقات الشعبية لا بد من تضمنها مطالبهم بالضرورة، وكذلك بتلمس انها تفتح على افق المستقبل ولا تستعيد الماضي الاستبدادي. هذا على مستوي المحور الطائفي. نناقش المحور الثاني وهو الديني. 

سوف نناقش هنا المحور الثاني الذي سيضع هيئة تحرير الشام امام موقفها من الاقليات الدينية عموماً ذلك ان هذه الاقليات متخوفة من البديل الاصولي المتمثل في هيمنة هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين الممسكين بإدارة العملية العسكرية، وكذلك الحكومة المؤقتة (تصريف الاعمال) حيث ركبت قطار هذه الثورة. والاقليات الدينية هنا المسيحين بالذات والذين لم تتم دعوتهم للمشاركة في اي حوار وكذلك الدروز حيث قامت وحدات من الادارة العسكرية بالهجوم عليهم وكذلك بعض العلمانيين الذين لم يتم دعوتهم لاي حوار، لقد استفادة هيئة تحرير الشام من (سوء) فهم وضع ووعي الطبقات الشعبية ووعيها دوراً في التضخيم من موقع الشعارات الدينية المرتبطة بالخروج للتظاهرات سواء في السابق من الجامع وحالياً بعد اسقاط النظام مِن الجامع الاموي في مسار الثورة وكما كان في السابق حيث جري تفسير ذلك شكلياً بانه من فعل القوي الاصولية المتشددة ومنها هيئة تحرير الشام وكذلك الاخوان المسلمين، وحيث اتضح ان هذا التفسير وجد الفرصة المناسبة بعد تحطيم محور المقاومة والممانعة سواء كان في فلسطين الاخوان المسلمين او لبنان حزب الله وايران في فلسطين ولبنان وسوريه، لكي تعود الموجة الاصولية من جديد رغم فشلها في كل الدول العربية التي وصلت للحكم فيها من تونس بداية ثورات الربيع العربي الي مصر حكومة مرسي الخ، والتي ترافقت مع تضخيم اعلامي امبريالي ومن قبل النظم الديكتاتورية، وايضاً من تضخيم الحركة الاصولية لذاتها (ولقد لعبت قناة الجزيرة دوراً مهماً في هذا التضخيم) كل هذا كان المطلوب منه ايجاد وعياً بأن الاصولية تهيمن، وانها باتت مهيأة للوصول الي السلطة وهنا في سوريه وكذلك في مناطق اخري. وهي بالتالي الخطر على الحداثة والاقليات الدينية هنا المسيحين وكذلك على القادم والتطور في سوريه وهذا ما بات واضحاً الان بأن هيئة تحرير الشام والادارة العسكرية وعبر حكومتها المؤقتة ووزرائها خصوصاً في وزارة العدل وكذلك وزارة التربية عبر تغيير المناهج في سوريه لنأخذ طابعاً اصولياً بالرغم من التبرير الذي تقول به هيئة تحرير الشام، بانها تشطب كل ما له علاقة بحكم عائلة الاسد والبعث من المناهج. ان غياب الوعي ب (وعي) المجتمع هو الذي يقود الي سوء الفهم هذا بالرغم مما ذكرناه بانها هيئة تحرير الشام اصبحت تطبق هذا على الواقع السوري، ويقود هذا الاستنتاج بأن الثورة السورية الراهنة هي من فعل اصولي وليست نتيجة للفقر والتهميش والاستبداد. ساعد في ذلك غياب المطالب الواضحة، وتحديد طبيعة (النظام الجديد) والدولة الجديدة، والذي كان نتاج الفعل السياسي المغيب الذي هو فاعلية الاحزاب السياسية. واذا كانت الاقليات الدينية هنا المسيحين وكذلك كانت (الطوائف) تتخوف من البديل الاصولي فإنها كذلك تخاف من كل دعوة للتدخل الامبريالي او الاقليمي فهناك تجربة الملالي الايرانية في سوريه وكذلك تدخل حزب الله لقمع الثورة كذلك وكذلك الدور التركي والامبريالي في ايصال البديل الاصولي الي السلطة، ونتيجة هذا التدخل التي مرت به المنطقة من كل تلك القوي، فمسيحيو سوريه متخوفون حيث لازال وضع مسيحيي العراق ماثلاً امامهم، الذي افضي الاحتلال الامبريالي وحكم الاصولية الشيعية او حكم داعش والان في سوريه الاحتلال الامبريالي واليم تقوم امريكا بزع قاعدة عسكرية لها في كوباني على الحدود السورية التركية وكذلك احتلال اسرائيل لأجزاء من القنيطرة على الحدود السورية. حيث راي المسحين المجاوز ضدهم في العراق والي تهجير جزء كبير منهم، وإذا كان قسم منهم وضعه جيد من الناحية الاقتصادية، ولا يشعر بحيف او اضطهاد، فإن اجزاء منهم مثل باقي الطبقات الشعبية السورية تعيش في وضع سئ. ولكن لا شك ان الموجة الاصولية في سوريه والعامة في المنطقة، والتي تقوم على اساس السعي لفرض الدولة الدينية، سوف يجعل الاقليات الدينية والعرقية والطوائف عموماً في وضع مربك كما نراه اليوم في سوريه تحت حكم الاستبداد الديني والذي سوف تتوضح معالمه مع الوقت، وخصوصاً هنا انه ارتبط عبر التدخل الامبريالي والتركي بفصائل إسلاموية وكذلك ما يسمي (الجيش الحر) الذي لطالما نادي بالتدخل الامبريالي والتركي في سوريه. الامر الذي يفرض النظر بريبة وتخوف من هيمنة القوي الاصولية (الادارة العسكرية) وحكومتها (المؤقتة) والتي من الممكن ان تكون دائمة في ظل عدم الدعوة لحوار وطني من اجل وضع دستور جديد ك (دستور 1952) الذي تطالب به بعض القوي المعارضة السورية علماني ديمقراطي. لكن الاهم هو السؤال عن عدم مشاركة الطبقات الشعبية والعمال والموظفين الذي لا يفي الاجر مصروف اسبوع واحد من حياتهم؟ 

لكن الاهم هو السؤال عن عدم مشاركة العمال والموظفين الذين لا يفي الاجر مصروف اسبوع واحد من حياتهم؟ اولاً مما لا شك فيه ان جزاً منهم شارك في الظاهرات والاحتجاجات ما قبل اسقاط نظام بشار الاسد وكذلك في التجمعات ما بعد اسقاط النظام وكذلك في حلب التي هيمنت عليها هيئة تحرير الشام. ثانياً انهم للأسف لم يشاركوا (كطبقة) بل كأفراد، ولم يشارك جزء منهم خصوصاً في المدن الرئيسية (دمشق وحماه وحمص). رابعاً هذا يرجع الي التخوف على الوظيفة رغم هزال الراتب، وهو الامر الذي دفع جزء منهم للمشاركة في (مسيرات الولاء) للنظام السابق وكذلك يحدث الان مع ما يسمي النظام الجديد ليس دعماً بل خوفاً. ان كل هذه المشكلات تنحكم لوضع كان يحكم الطبقات الشعبية حين انفجرت الانتفاضة في درعا، وتوسعت ببطء بعدئذ الي المناطق التي باتت تنتشر فيها، وهو يؤشر الي عدم (نضج) انفجار الانتفاضة في كل المناطق بالسوية ذاتها. لهذا ظهرت التخوفات التي تم لمسها عند هذه الطبقات الشعبية، سواء كانت الطائفية او الدينية او من البديل الاصولي (القاعدة – جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام)، هي تعبير عن تمثل صورة تبرر عدم المشاركة في الثورة (نتيجة الخوف من النظام البائد او من النظام الجديد) بالتحديد. فلم يكون كسر حاجز الخوف سهلاً في بلد عرف بعنف السلطة (سواء كانت علمانية على يد عائلة الاسد ومخلوف او على يد البديل الاصولي الاستبداد الديني ذو التجارب الارهابية). وخصوصاً ان (الضغط الاقتصادي) لم يكتمل سوي في الفترات الاخيرة، وبالتالي فإن كثير من اظهار التخوف سواء كان الطائفي او الديني المسحين هنا هو نتاج إذا الخوف الداخلي، وليس نتيجة شعور طائفي وتعصب طائفي او تصديق ان البديل هو الاصولية، رغم ان الاصولية جاءت عبر الدبابة التركية وبقرار امبريالي. ان كسر حاجز الخوف بعد كل سنوات حكم نظام عائلة الاسد، وكذلك بعد هيمنة البديل الاصولي يفترض فعلاً سياسياً بالتحديد، الذي يمكن ان يتحقق من خلال اشكال اخري للنشاط غير التظاهر فقط، او مقدمة للتظاهر كما يفعل شباب الثورة بالتظاهر في الميدان الاموي، والمطلوب استخدام الاشكال الأخرى للنشاط مثل الاضراب والعصيان المدني. ولطالما كان السؤال المهم في الثورة السورية لماذا لم يدخل الاضراب قاموس الثورة؟ اي لماذا ظلت تعتمد الثورة على التظاهر فقط رغم انه يمكن سواء في ظل النظام البائد او في ظل نظام البديل الاصولي انه يمكن ان تكون اشكال اخري ذات اهمية في تعميق الثورة التي لم تنجز حتى الان والتي من المفترض ان يدخل فيها الاضرابات العمالية واضرابات الموظفين والطبقات الشعبية ككل؟ اذن لابد من ملاحظة ان توسيع انخراط الطبقات الشعبية في الثورة يفترض البحث في الاهداف والشعارات. فلم تعد العفوية كافية لتطوير الثورة والذهاب بها لكي تحقق البديل الوطني الديمقراطي وذلك بتوسيع الفئات المشاركة فيها. فلم يعد شعار اسقاط النظام سواء النظام البائد او البديل الاصولي كافياً لكسر حاجز خوف وتخوف فئات وطبقات شعبية من الضروري مشاركتها. وليست الحرية وحدها هي التي تحقق التوافق بين كل فئات الطبقات الشعبية. ان العمل على توسيع انضمام الطبقات الشعبية يفرض تضمن مطالبها من جهة، وتوضيح طبيعة البديل من جهة اخري، لقد نهضت الثورة عفوياً، وتوصلت الي حمل شعار اسقاط النظام، والان بعد وصول البديل الاصولي الذي اختطف هذه الثورة لا بد من اجل توسيعها توضيح محتوي هذا الشعار الكبير اسقاط النظام. هنا لابد من ان يخرج الشعار من دائرة كونه ((صراع على السلطة والغنائم))، بغض النظر عن الاطراف سواء كان صراع اصولي ضد سلطة (علوية) او صراع اصولي ضد سلطة (علمانية). وتوضيح بأنه صراع من اجل تحقيق مطالب الطبقات الشعبية عبر اسقاط اي سلطة تحاول ان تستحوذ لصالحها على السلطة مثل البديل الاصولي. اي ان يكون واضحاُ بأن المسألة لا تتعلق (بالسلطة) بذاتها كما نشاهد اليوم باستحواذ الاصولية والاخوان المسلمين عليها بل بالسلطة كتعبير عن مصالح كما كان في السابق سلطة الاسد كتعبير عن مصالح طبقة مافياوية، والان طبقة او فئة رجال الدين الاصوليون كما حدث في مصر وتونس وغيرها، وبالتالي من اجل تغيير بنيوي فيها اي في السلطة، فليس الصراع معها سواء سلطة الاسد او سلطة البديل الاصولي غريزياً بل نتيجة مصالح واختلاف سياسات هذا البديل الاصولي. 

لكي تنجز الثورة مهماتها اي التخلص من النظام البائد وكذلك من النظام الجديد البديل الاصولي، 

يتطلب من الشعب وقواه الحية ان يكون لها موقف بأن الصراع ضد السلطة سواء السلطة السابقة او سلطة البديل الاصولي لا يمكن ان يفضي الي قبول اي تدخل امبريالي او اقليمي كما كانت الامبريالية الروسية او دولة الملالي الايرانية وحزب الله اللبناني والمليشيات فاطميون وزينبيون والمليشيات العراقية، وحالياً في ظل الادارة العسكرية والحكومة الانتقالية وجود تركيا والامبريالية الامريكية، وبالتالي عدم اتخاف موقف مؤيد للبلدان الامبريالية، فتغير النظام هو ليس من اجل جلب التدخل الامبريالي والاقليمي اي تغير في القوي من الامبريالية الروسية الي الامبريالية الامريكية او تغير الدول الاقليمية من دولة الملالي الي حزب العدالة والتنمية التركي، وهو الذي سوف يفتح على حروب طائفية وتدمير وتهجير اقسي مما كان في ظل حكم نظام الاسد، وان يكون الموقف ضد التبعية لهذه البلدان الامبريالية فقد اسس التدخل الامبريالي في العراق هنا خوفاً من مصير مشابه، وبالتالي بات الاعتماد على (الخارج) خطيئة بالنسبة لقطاع كبير من الطبقات الشعبية. بالتالي يجب ان تنجز الثورة دولة مستقلة ذات سيادة وتعمل على تحرير ارضها المحتلة ومواجهة كل القوي الامبريالية التي تريد السيطرة والنهب والاحتلال. وان يكون الموقف واضح بأن الدولة الجديدة والنظام الجديد المنشود يجب ان تكون (دولة مدنية ديمقراطية)، اي (علمانية) تنطلق من حق المواطنة وتساوي المواطنين الاحرار، تقوم على ان الشعب هو مصدر السلطات وليس كما يحدث الان في ظل البديل الاصولي والذي لا توجد على اجندته هذه الرؤية والذي يريد فرض سلطة الامر الواقع عبر تشكيل حكومة غير منتخبة ومرحلة انتقالية غير محددة المعالم والي الان لم يتم الدعوة الي حوار وطني وحتي  لو تمت الدعوة فستكون بالتعيين للون واحد وهم الاخوان المسلمين والسلفيين كما رأيناه في تشكيل الادارة العسكرية والحكومة المؤقتة. اذن لابد من ان يكون واضحاً بأن الشعب كما كان في السابق يريد اسقاط النظام البائد وكذلك مهمة اسقاط هذا البديل الاصولي من اجل تحقيق كل المطالب التي ذكرت، والتي تنطلق من تغيير البنية السياسية القانونية الدولة المنشودة، وتغير النمط الاقتصادي الريعي المافياوي وكذلك تغير النمط الاقتصادي الذي سوف تطبقه هيئة تحرير الشام. لمصلحة نمط منتج، وكذلك تحقيق موقع سوريه اولاً عربياً وثانياً عالمياً. في ظل انجاز مهمة الثورة لا بد ان تنطلق من هذه الاهداف، وان توضح لكل المترددين والخائفين والمتشككين بأن هدف (التغيير) هو التقدم الي الامام وليس النكوص الي الوراء كما تريده هيئة تحرير الشام الي الخلف. من كل ذلك لابد من اشتقاق الشعارات والاهداف، وكذلك العمل الدعائي بين الفئات التي لا زالت مترددة او متخوفة من هذا البديل الاصولي، ومن خلالها لا بد من كسر كل تخوف طائفي، او خوف من تدخل امبريالي واقليمي لصالح هذا البديل الاصولي، مع مواجهة كل من يؤجج الطائفية او يطالب بتدخل امبريالي او اقليمي. فليست المسألة كما ذكرنا سابقاً هي مسألة اسقاط النظام سواء الاسدي او البديل الاصولي فقط، بل هي المدخل لتحقيق مطالب الطبقات الشعبية التي خاضت الصراع منذ 2011 بالانتفاضة ضد النظام، وليس هذه القوي الاصولية المدعومة من تركيا والامبريالية، ولهذا يجب ان تتوضح هذه المطالب الان، وان تصبح هي الشعارات التي تتكرر في التظاهرات والاضراب والعصيان المدني، والتي يدعي الناس على اساسها. لطالما كان طرح شعار اسقاط النظام سواء السابق او الحالي الذي يتبلور الان مجالاً لخوف قطاعات مجتمعية، لأنه يعني (صدام)سواء مع السلطة السابقة او السلطة الحالية في وضع عاد الخوف كما في السابق اي في وضع لم تكسر فيه حاجز الخوف، ولهذا كما كان في السابق ترددت هذه الطبقات الشعبية وكما يحدث الان كما قبلت رؤية السلطة في نظام الاسد فهي سوف تقبل رؤية هذا البديل الاصولي من اجل تبرير عدم  مشاركتها في انجاز مهمة الثورة، لكن يمكن دفعها الان للمشاركة من خلال طرح مطالبها من قبل البديل الوطني الديمقراطي العلماني، ومنها دعوتها للأشكال الأخرى من الضغط على هذا البديل الاصولي عبر الاضراب من اجل تحسين الاجور او العصيان المدني من اجل انجاز الدستور الديمقراطي والحريات العامة والذي سوف يقود حتماً الي مطلب اسقاط هذا البديل الاصولي، اي يمكن الانطلاق من ضرورة الدولة المدنية بالضد  من الدولة الدينية من اجل تحريك قطاعات لا تزال تتخوف من هذا البديل الاصولي. لهذا لابد من بلورة مطالب واضحة تحدد الهدف من اسقاط البديل الاصولي وسلطته ولا تترك الامور هكذا عائمة، وتعتمد على عفوية الثورة ذاتها، لابد من ربط حق العمل بإسقاط هذه السلطة، وربط تحسين المعيشة والاجور بإسقاط هذه السلطة البديل الاصولي وكذلك ربط الدولة المدنية بالضد من الدولة الدينية بإسقاط هذه السلطة، وحتى تحرير المناطق التي استولت عليها إسرائيل بإسقاط هذه السلطة، وبالتالي النهوض العربي ل سوريه بإسقاط هذه السلطة. هنا يصبح واضحاً بأن اسقاط نظام الاسد وسلطته هو ليس من اجل بديل اصولي يقوم على تدخل امبريالي او اقليمي هنا تركيا، بل يتحقق عبر فاعلية الطبقات الشعبية ذاتها التي بدأت الانتفاضة بها، والتي تسعي لتحقيق مطالبها هي بالذات 

نكمل هنا المهمة الملقاة على عاتق القوي التي قادت الانتفاضة منذ بدايتها قبل ان يدخل عليها الاسلام السياسي الاصولي والاخواني ويخطفها لكي يؤسس نظام ديني استبدادي. لقد جرت محاولات لتأسيس (قيادة موحدة) للانتفاضة / الثورة منذ انطلاقها في 2011 من درعا من التنسيقات والقوي التي نشأت في خضمها ولكن لم تحظ بالتوفيق نتيجة القمع العنيف من قبل السلطة، اي لنظام الاسد البائد، التي تمثلت في قتل واعتقال الكثير من اعضاء التنسيقات، والكادرات التي لعبت دوراً مهماً في تنظم الحراك الشعبي الوطني رغم ذلك تبقي مهمة تنظيم الثورة في ظل انتقال السلطة الي البديل الاصولي مسألة حيوية لا بد الشعب السوري والقوي التي نشأت في خضمه من تحقيقها لكي تنجز الثورة اهدافها. لقد اعتقد البعض بأن توحيد المعارضة، او تشكيل قيادة لها في الخارج، سوف يسهم في تنظيم نشاط الثورة ويفتح الافق لتحقيق انتصارها، فإن الواقع سوف يوضح (كما حدث لكل قوي المعارضة التي اصبحت ضمن اجندة دول اقليمية وامبريالية واصولية) لن يضيف شيئاً مهماً في وضع الانتفاضة / الثورة بالرغم من اسقاط نظام بشار الاسد، او يسمح بتشكيل (قيادة سياسية) لها في الخارج. فكما كان في السابق والان فما تحتاجه الثورة هو قيادة ميدانية فعليه من القوي التي تخوض الصراع على الارض وليس في الخارج كما كان يحدث سابقاً بهدف ليس قيادة النشاط الثوري في الحراك فقط بل وفتح افق التواصل مع الفئات الاجتماعية التي لم تشارك بعد والتي تتخوف من سلطة الاستبداد الديني التي خطفت الثورة، وفي تحديد الاهداف والشعارات في ظل ما يسمي الحكومة والمرحلة الانتقالية والتي يريد لها هذا البديل الاصولي ان تكون ابدية لكي يهيمن على كل المؤسسات خارج دولة القانون والمؤسسات وخارج الدستور والهيئات التشريعية فهو لا يؤمن بالديمقراطية ولا بالدولة المدنية ولا بالوطنية ولا بالمواطنة وحق المشاركة وان الشعب هو مصدر السلطات الخ، اذن لا بد هنا من تحديد اهداف ان تنجز الثورة اهدافها وشعاراتها بما يسمح بتوسيع الحراك الشعبي الوطني، وضم الفئات التي لم تنضم بعد. اذن ما تواجهه القوي الوطنية الان هو انها بحاجة الي قيادة على الارض وليس كما يحدث اليوم ينتظرون ان تأتي المعارضة الغير اصولية من الخارج، ولهذا لابد من بذل جهود جديدة من اجل العودة الي (توحيد التنسيقيات الفعلية والقوي التي تبلورت في خضم الثورة، وتشكيل قيادة موحدة لها، وكذلك بلورة برنامج يوضح هدف الثورة من اسقاط هذا البديل الاصولي). ان وصول هيئة تحرير الشام الي الحكم قد رافقه تشويش للثورة من قبل اطراف في المعارضة خصوصاً تلك الموجودة في الخارج، وهنا سيتم لمس (النفس الطائفي) الذي ظهر في مراحل مختلفة من الثورة من قبل الاسلام السياسي وخصوصاً من قبل شخصيات في جماعة الاخوان المسلمين واعلامهم الخارجي وعبر العالم الافتراضي او شبكات الاعلام والقنوات الفضائية ومنها قناة الجزيرة القطرية، حيث جري ويجري الي الان العمل على تكريس سواء رواية السلطة السابقة الاسدية او رواية هيئة تحرير الشام، بأن الثورة هي (اسلامية سنية)، وان من حق (السنة) الحكم بعد (ظلم طويل) (هكذا بالمعني الطائفي). وكذلك وكما نسمع الان من بعض المثقفين عن التدخل الامبريالي والاقليمي تركيا امريكا وقبلها روسيا إيران، الذي يبدو وكأنه امر (طبيعي)، من قبل هيئة تحرير الشام او جماعة الاخوان المسلمين وأطراف ليبرالية وهو الامر الذي يكرس تخوف قطاعات شعبية، ويشكك في هدف التغيير الثوري المطروح. وايضاً هناك (حرف اعلامي) ويظهر كان الاحداث وتسلسلها منذ اسقاط نظام الاسد والتي حدثت في الثورة (والحرف الاعلامي) هنا من خلال تلبيسها لون معين (اسلامي تحديداً) وهذا ما يظهر عبر متابعة احداث الثورة عبر الفضائيات، التي تعتمد على افراد يمثلون هذا اللون الاصولي، وكذلك بإظهار ما يناسب هذا اللون وتجاهل الالوان الطيف السوري الأخرى. ولقد خدم ذلك الاشكالين السابقين، وزاد من ارباك وتردد فئات اجتماعية، من الاقليات خصوصاً لكن ايضاً من التيار العلماني وكذلك ارباك الدول العربية والدول الغربية والتي لا زالت تريد ان تري افعال وليس اقوال. والدول العربية والاوربية والاقليمية هنا تراهن على وهم انه يمكن ان يصلح الاسلام السياسي الاصولي والاخواني من نفسه او ان يصلحه الاخرون. 

والسؤال هنا لماذا كان البديل الاصولي هو الذي سيطر على السلطة وشكل الحكومة الانتقالية والمرحلة الانتقالية؟ ماذا عن القوي الأخرى الوطنية التي طرحت البديل التغيير الوطني الديمقراطي؟ منذ اندلاع الانتفاضة السورية في 2011 شاركت كإدارات من الاحزاب المعارضة في الانتفاضة منذ البدء، في درعا ودوما وريف دمشق خصوصاً. لكن احزاب المعارضة في (الداخل)لم تنشط لبلورة (تحالف)يضمها وينسق نشاطها الا بعد أشهر من بدء الانتفاضة. كما نشطت معارضة (الخارج) منذ البدء من اجل بلورة (تحالف) يتأسس على تشكيل (مجلس وطني انتقالي) تأثرا بالتجربة الليبية وتقليداً لها. فعقدت مؤتمرات عدة كررت فيها مطلب تشكيل المجلس الانتقالي، ونجحت في ذلك بعد أكثر من ستة أشهر من بدء الانتفاضة. ولكن فيما عدا الجهد الفردي لأعضاء في هذه الاحزاب فإنها لم تلعب الدور الضروري (في وضع ثوري) كالذي تعيشه سوريا. لا فيما يتعلق بالاندماج في الانتفاضة، او في وضع الاهداف العامة لها، او في تحديد الشعارات في وضع كان المنتفضون في أمس الحاجة لذلك نتيجة غياب (الوعي السياسي) الضروري في هذه الاوضاع، نتيجة السحق الطويل للسياسة من قبل النظام الديكتاتوري وسلطته، وتدميرها الثقافة بشكل عام. اذن ما بين معارضتين: معارضة الداخل / ومعارضة الخارج ظلت الانتفاضة تتطور بعفويتها، ووفق الوعي الذي حكم ويحكم (شباب الثورة) المنتفض، الذي هو في الغالب شباب مفقر. وهذا الامر هو الذي فرض بعد ستة أشهر من الانتفاض أن يتبلور (الشعور) لدي المنتفضين بضرورة (تبلور تعبير سياسي) عن الانتفاضة، ولهذا طالب هؤلاء الشباب (بوحدة المعارضة) ما بين الداخل والخارج لكي تكون قادرة على لعب هذا الدور. ولكن لم يجد هذا الطرح موافقة. وبالتالي هنا تبلورت المعارضة في كتلتين، الاولي هي (هيئة التنسيق لقوي التغيير الوطني الديمقراطي) التي تشكلت من تحالف بعض قوي المعارضة. والثانية هي المجلس الوطني السوري الذي تشكل بعد ذلك من تحالف ضم الاخوان المسلمين والليبراليين، وبعض هيئات التنسيق المحلية. ولقد لاقي (شعبية) بعيد تأسيسه في ظل ضجة اعلامية رافقت ذلك. ليبدو انه ممثل المعارضة السورية، بل ممثل الانتفاضة والشعب. بالتالي أصبح الشعب المنتفض ازاء (معارضتين)، كل يعتبر انه الممثل الشرعي والوحيد او الممثل الابرز للانتفاضة، (وحالياً اتت هيئة تحرير الشام والتي حكمت في السنوات الاخيرة في ادلب وطبقت رؤيتها الاصولية مما حد بالشعب السوري في ادلب ان ينتفض ضدها وها هي اليوم تأتي بفصائل موالية ل تركيا إسلاموية وبخيار تدخل أجنبي امبريالي لتفرض سلطتها على كامل سورية). نعود الي تكملة تبلور المعارضتين، فإن الواقع في سورية يشير الي هامشية دور الاحزاب المعارضة، وما ظهر قد اوضح بأن افراد من هذه الاحزاب قد لعب دوراً، كما تمت الاشارة له. لكن كانت الانتفاضة بحاجة الي (تمثيل سياسي) انتظرته طويلاً، ثم طالبت به ولقد اندفع البعض خلف (المجلس الوطني الاخواني) على امل ان يكون ب (بقدر المسئولية)؟ كما يحدث اليوم حيث فرضت هيئة تحرير الشام نفسها بالقوة المسلحة على الثورة. وما يتم قوله الان هو ان المجلس الوطني الاخواني وكذلك هيئة تحرير الشام لن يقدما البديل الوطني للتغيير الديمقراطي والعلماني، وكما كان من قبل فان المجلس الوطني الاخواني قام بنشاط خارجي لحث الدول والحكومات على حصار السلطة البائدة، وطلب بفرض الحماية والتدخل في سورية، كما حدث مع هيئة تحرير الشام التي جائت بقرار اقليمي وامبريالي. وهذا ما لا تحتاجه الثورة رغم توهم البعض انه ضروري. في كل الاحوال سيتم لمس بأن انقسام المعارضة بني على خلافات مهمة، لكنها انطلقت من الاساس ذاته. اي أن مواقفها انبنت على التحليل ذاته لكنها اتخذت موقفين متعاكسين. يقوم التحليل على (عدم حساب الشعب) وتسخيف فاعليته، والاقتناع بأنه لا يستطيع فعل شيء، الم يكون (ضمير) هذه الاحزاب يقول بانه شعب خانع وجاهل ومصاغ وفق (الايديولوجية البعثية)؟ ومن جهة اخري فإن هذه الاحزاب انطلقت من ان السلطة (القوة الخارقة)، القوة الشديدة التي ليس من الممكن هزيمتها بقوي الثورة الذاتية، ولهذا اما انه يجب الحوار معها، لتنظيم الانتقال السلمي للسلطة او الاستعانة (بقوي خارجية) من اجل هزيمتها مثل ما جري في ليبيا والعراق وهذا السيناريو الذي عملت به القوي الاصولية والجهادية في اسقاط نظام الاسد. 

  • كيف انعكس هذا في ظل حالة المد والجزر الذي دخلت فيه الثورة السورية ما قبل اسقاط النظام البائد.

لقد تبلور الانقسام في وضع المعارضة السورية الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة وافرز سياستين، وهذه السياستين سوف تنعكس على ما بعد  اسقاط نظام بشار الاسد الاستبدادي الاولي تنطلق من تغيير سلطة نظام الاسد من (داخلها)، وعبر التنسيق معها، والثانية تنطلق من الدفع نحو استجلاب التدخل الامبريالي والاقليمي هنا تركيا وهذا الخيار الذي اخذت به المعارضة في الخارج لإسقاط النظام،، وبهذا اصبحت سياسة معارضة الداخل تنطلق من رفض التدخل الامبريالي والاقليمي في الثورة السورية، ورفض الصراع الطائفي (وانتظار) اللحظة التي (يفرض) على سلطة الاسد القبول بحوار من اجل تحقيق الانتقال السلمي من دولة الاستبداد الي الدولة المدنية الديمقراطية. ومعارضة الخارج تنطلق من خيار اسقاط النظام من خلال (دعم الانتفاضة) ونقل النشاط الي الخارج من خلال العمل على التواصل مع الحكومات من اجل (فرض العقوبات) على النظام، والعمل على فرض الحماية الدولية التي تأتي تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، والذي ينص على التدخل العسكري في الشأن السوري. ولهذا نلمس بأن نشاط (المجلس الوطني الاخواني) يتركز على تحقيق هذه السياسة وهو ما تبنته الفصائل المسلحة وهيئة تحرير الشام، وهنا نلمس  بأن هذا التيار من المعارضة لا يجد مشكلة في العلاقة مع (الغرب) وخصوصاً الولايات المتحدة الامريكية، وفرنسا وانجلترا، وهو يطلب العون منها وهو ما شاهدناه حالياً في الزيارات المكوكية لوزراء في تلك الدول بعد الاطاحة بنظام بشار الاسد والطلب من تلك الدول والحكومات لرفع العقوبات وكذلك رفع تصنيف هيئة تحرير الشام من قائمة الارهاب وبالتالي اصباغ الشرعية عليها وعلي نظام البديل الاصولي للنظام، منطلقاً من ان هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق اسقاط النظام الاسدي، وكما تمت الاشارة اليه كانت الفكرة من الاساس من تشكيل المجلس الوطني الاخواني هي تكرار التجربة الليبية، بحيث يكون المجلس الوطني الاخواني هو الممثل ل (الشعب) والذي دخلت عليه هيئة تحرير الشام لتطرح نفس الشعار انها هي الممثل للشعب السوري والذي استدعي التدخل، ومن ثم اصبحت حركة الاخوان للمسلمين وكذلك البديل الاصولي السلفي هيئة تحرير الشام هو او هي النظام الجديد والسلطة الجديدة. اذاً في ظل وجود هاتين السياستين ما قبل اسقاط نظام الاسد وهذه المعارضتين اللتان لم تنشطا من اجل تطوير الانتفاضة على الارض، وحلحلة المشكلات التي تعاني منها، خصوصاً توسعها الي فئات ومناطق لم تشارك بعد او تتحسس من الانتفاضة، ومن ثم تشكيل قيادة عملية لها، فإن سياستهما كانت تشكل عبئاً على الانتفاضة ذاتها، فهيئة (التنسيق لقوي التغيير الوطني، المعادية للإمبريالية، كانت تطرح ما كانت تطرحه احزابها في السنوات السابقة، وكأن ليس هناك متحول جديد، هو الانتفاضة وكأن هذا الوضع الثوري يمكن ان يخضع لمنطق (عقلاني)، (بارد)، ينطلق من عجز كل هذه الجموع الثورية عن تحقيق التغيير، وكذلك لا يتحسس ثوريتها، وجموحها نحو التغيير، فيقدم ما هو ادني من سقف ما طرحت الثورة ويحاول اقناع الشعب بما تجاوزه عبر الصبر الطويل، اي امكانية اصلاح النظام الاسدي وانه نظام يمكن ان يتم اصلاحه فالشعب والجماهير لم ينتفض فيما لكانت لديها ذرة من القناعة بان نظام الاسد يمكن ان يصلح. والجماهير والشعب بإحساسه السليم يعرف بأن الفئات الناهبة لا تغير من الياتها، ولهذا لا بد من تكسير هذه الاليات بالقوة، لهذا انتفضت وثارت على النظام. وهي في هذه اللحظة لن تلتفت الي كل من يقول بالمراهنة على تغيير في سلطة بشار الاسد، ولهذا طرحت شعار اسقاط النظام وسلطته. وبالتالي يصبح الفارق بين التغيير والاسقاط شاسعاً. وفي هذا الوضع ليس على المعارضة (وهنا اليسار خصوصاً) إلا ان يكون معها، اي مع الجماهير حتى وان كان تحليله يوصل بأنها مهزومة. فكيف إذا كان الوضع يمكن ان يفتح على افق جديد! لهذا لم يلتفت المنتفضون (لهيئة التنسيق التغيير الوطني)، وباتت كأنها لم تكن، مع ميل حساباتها على سلطة الاسد وليس على المعارضة، او القول بأنها معارضة ذات (سقف منخفض) لا يليق بالانتفاضة، وجاء تشكيل المجلس الوطني الاخواني والزخم الاعلامي الذي صاحبه لكي يتم (دفن) هيئة التنسيق للتغيير الوطني اليسارية. والهيئة التنسيق كذلك لم تجد اذاناً صاغية لدي سلطة الاسد، السلطة التي تريد فقط كل من يقبل روايتها، ويمجد (اصلاحاتها)، لكن ذلك لم ينعكس تغييراً في سياسة هيئة التنسيق للتغيير الوطني، التي كانت تنتظر اللحظة التي تتراجع السلطة فيها عن (عنجهيتها)، فتوقف العنف الدموي وتقبل ب (التشارك) مع هيئة التنسيق لقوي التغيير الوطني في تحقيق الانتقال السلمي ذاك، وهنا تكون سياسة هيئة التنسيق للتغير الوطني هي الانتظار على امل. 

  • وضع المعارضة ما قبل اسقاط النظام وكيف مهد هذا الوضع لكي تهيمن هيئة تحرير الشام وكذلك الاخوان المسلمين على الثورة. اي البديل الاصولي.

في ظل ان من ملأ الفراغ بعد اسقاط نظام بشار الاسد هو البديل الاصولي والاخواني، فإن الاعين تتجه الان الي هيئة تحرير الشام والمجلس الوطني بقيادة الاخوان وبعض من الليبراليين، والذي جاء تتويجاً لموجة البحث عن سبل توحيد المعارضة، وبدا لدي البعض انه حقق المطلوب وبدا لدي البعض الاخر انه فقط مرحلة انتقالية تتطلب الافعال قبل الاقوال من هذا البديل الاصولي والذي اصبح يحمل مسئولية تحديد الافق الذي يوضح مسار الثورة، ولكن في حدود مصالحه الخاصة عبر تشكيل حكومة ومرحلة انتقالية من هذه التنظيمات الاصولية، والذي اصبح يربط نفسه  ب (دعم عالمي) وعربي من اجل (خفض كلفة الدم) في حال تجدد الصراع على مستويات اخري سواء كانت طائفية او دينية، في ظل هذه الاقليات الدينية او الطوائفية لازال تتوجس من هذه المرحلة الانتقالية والتي لم تبلور الي حد الان حوار وطني بين مختلف مكونات الكلية الاجتماعية وبالتالي عدم تبلور لجنة  لوضع الدستور او الاعلان الدستوري او الدعوة لإجراء انتخابات، تحت حجة ان الوضع غير مهيئ لهكذا الية وفي ظل فرض الامر الواقع اي الادارة العسكرية والحكومة المؤقتة والمرحلة الانتقالية. لقد جائت هذه القوي هيئة تحرير الشام والمجلس الوطني الاخواني عبر الخيار التدخل الخارجي وهذا ما كان يراهن عليه المجلس الوطني الاخواني وكذلك وجدت فيه هيئة تحرير الشام فرصة لإسقاط النظام مع بقية الفصائل المسلحة واستفادت من ضرب اسرائيل للبنية العسكرية للنظام البائد والقوي المتحالفة معه مثل حزب الله وإيران ومن التدخل التركي بالتنسيق مع روسيا. بالتالي ما الذي يمكن ان تفعله هيئة تحرير الشام والمجلس الوطني الاخواني للثورة؟ لا شك انه بالرغم من ادانة كل تدخل أجنبي امبريالي او اقليمي في الوضع السوري، بالرغم من انه الخيار الذي انتصر وأسقط النظام، لهذا هل تمتلك هيئة تحرير الشام او المجلس الوطني الاخواني سياسات وتصورات وخطط تنجز الهدف النهائي للثورة وتفتح افق تحقيقها الانتصار المنشود؟ ان هيئة تحرير الشام والمجلس الوطني قد تشكل في سياق فكرة تقوم على ان الحسم واسقاط النظام يتعلق بالتدخل الاقليمي والدولي، ربما كان في الاول في حدود تدخل الناتو كما حدث في ليبيا اي في حدود الحظر الجوي، ومن ثم القصف الجوي الذي قامت به هنا اسرائيل وبتدخل عسكري تركي عبر الحدود الشمالية بفصائل موالية لها ومن ادلب التي انطلقت منها هيئة تحرير الشام. وبالتالي تحصل هيئة تحرير الشام وحركة الاخوان المسلمين على الاعتراف الدولي كممثل لسوريه، وهذا ما حدث وتم اسقاط النظام من الداخل وتحولت هيئة تحرير الشام وحركة الاخوان المسلمين الي حكم سوريه. والان بالرغم من اقرار المجتمع الدولي بالأمر الواقع، ولكن سوريه ليست ليبيا، وان ما كان ممكناً هناك ليس ممكناً في سوريه نتيجة التكوين البشري، واحتمالات التمحور الطائفي والديني، وبالتالي تهيئ البيئة لكي تتحول الي حرب طائفية من جهة، وتدميرية من جهة اخري. في كل الاحوال، ما يهم هنا هو ان استراتيجية هيئة تحرير الشام والمجلس الوطني، لا تلمس واقع الثورة الحقيقي، وهم لازالوا يبحثون لهم عن افق تغيير من الخارج، واعتراف لهم من الخارج قبل (الداخل السوري)وهو مرفوض من قبل جزءً مهم من الشعب وكذلك الطوائف والاقليات الدينية ومن الثوار، كذلك يعيدنا الي التفكير في وضع الثورة ومهمتها الغير منجزة ذاتها، وفي بلورة (التعبير السياسي الوطني الديمقراطي) من داخلها، ذلك انه الي حد  الان ليس في استراتيجيات هيئة تحرير الشام ولا الحركة الاخوانية هذه المهمة اي بلورة (التغيير السياسي الوطني الديمقراطي). 

لقد اختارت هيئة تحرير الشام، والمجلس الوطني الاخواني وبعض الليبراليين فيه اضافة الي موضوع التدخل الخارجي في الشأن السوري العسكرة للثورة كطريق للتغيير. وتم تسليحها بأسلحة ثقيلة علاوة على مسيرات في الهجوم الاخير الذي ادي الي اسقاط نظام بشار الاسد، وبانهيار تام لما يسمي بمحور المقاومة والممانعة بقيادة إيران في الساحة السورية. ودخول تركيا وامريكا وإسرائيل في المواجهة، وبالتالي هذا ما جعلها ان تستفرد بالثورة وتشكل الادارة العسكرية من الاصوليين والجهاديين وان تطرح ما يسمي بالمرحلة الانتقالية كحكم لها لمدة ثلاث سنوات تكون قيد هيمنت على كل المدن والقري السورية فمع تحول الانتفاضة الي ثورة بدأت تتعالي الدعوات لتسليح الثورة. خصوصاً بعد انشقاق جنود وضباط من الجيش نتيجة رفضهم تنفيذ اوامر القتل. ولا شك في ان دموية السلطة كانت تدفع منذ البدء الي ردود فعل مسلحة في بعض المناطق، لكنها ظلت تعتبر كاستثناء في صيرورة الصراع الذي يخوضه الشعب، وايضاً فقد ادي تصاعد دموية السلطة وعنفها، خصوصاً خلال الشهور الاولي من الانتفاضة في 2011، الي نشوء ميل لتحويل الثورة الي نشاط مسلح لكن الاهمية الاولية لدور السلاح نتجت عن الشكل الذي اتخذه في حماية التظاهر، عبر نصب كمائن للشبيحة ورجال الامن الذين يعتدون على المتظاهرين، وهو الامر الذي ادي الي شل مقدرة هؤلاء، على القمع والقتل. ما افضي  الي نشوء التحول الكبير هو الضخ الاعلامي من قبل بعض اطراف المعارضة الخارجية ومنها مجلس الاخوان المسلمين الذي تلا انتصار الثوار في ليبيا بتحرير طرابلس، والذي ربط في التجربة السورية من قبل معارضة الخارج بين تصعيد (العسكرة)والدعوة للتدخل (الخارجي) وهو ما تولي المجلس الوطني الاخواني السوري العمل على اساسه منذ ان تشكل، فرض ذلك تسريع العسكرة والاندفاع نحو تشكيل (مناطق محررة)، وتواجد علني للمسلحين في مناطق باتت اشبه بالمعسكرات (بابا عمر، غوطة دمشق، الزبداني، الرستن وتلبيسه، قلعة المضيق، وقبلها جبل الزاوية وادلب). لكن اتضح لهذه القوي منذ نهاية 2011 بأن التدخل العسكري (الخارجي) غير مطروح في تلك الفترة الزمنية، وهي النتيجة التي حولت من موقف المنتفضين الذين ايدوه ودعموه الي التخلي عنه (واكتشاف) بأن الثورة دون قيادة، وبالتالي التخلي عن فكرة (التدخل الخارجي). البديل كان من قبل المجلس الوطني الاخواني هو في الاغراق في (تمجيد السلاح)، والتأكيد على ان البديل هو الصراع المسلح من اجل اسقاط السلطة. مما لا شك فيه ان انتقال السلطة الي مرحلة خوض حرب حقيقية ضد الشعب باستخدام كل انواع الاسلحة، وتصعيد القتل بشكل كبير، قد اوجد هذه الحالة التي لم تعد تري مخرجاً الا من خلال السلاح. وايضاً لعب الخارج دوراً في التحفيز والدفع، من خلال التصريحات التي أطلقها قائد (الجيش الحر) والتصريحات الكثيرة   حول الدعم العسكري من قبل المجلس الوطني الاخواني وبعض الدول العربية ومنها قطر. في هذا الوضع ظهر بأن هناك مناطق عديدة قد اصبحت (مستقلة) اي خارج سيطرة السلطة، وان الامور لابد من ان تتجه الي تعميم التسلح لإسقاط السلطة. وباتت نزعات العسكرة تفرض تجاوز الحراك الشعبي الوطني في إطار تسخيف (السلمية) التي قامت عليها الثورة. لهذا حين بدأت السلطة الحرب ضد تلك المناطق التي يتمركز فيها المقاتلون، سيطرت عليها بعد تدمير شديد، رغم عدم التكافؤ الذي يحكم الصراع، نتيجة ان سلاح المقاومين كان سلاحاً خفيفاً، ومع نقص في السلاح والذخيرة فانهارت التجربة بسهولة شديدة، رغم بطولة هؤلاء المقاتلين. 

الان بعد ان ناقشنا خيار العسكرة للثورة كطريق للتغيير وكذلك خيار الأسلمة كطريق لقيادة هذه الثورة. فهل تم اسدال الستار على هذه الثورة بوصول البديل الاصولي الي سدة القيادة والسيطرة والهيمنة؟ الكثير من المثقفين العرب يعيش حالة من الارباك والتشوش والاضطراب حول الموقف من الوضع الذي وصلت له الثورة السورية وهو حتى لا يتحدث عن ثورة ولا حتى عن هذا البديل الاصولي بل هو ينظر من منطلق انه لا فرق بين من سيقود هذا التحول سواء كان متدين او علماني او طائفي وبالتالي ليس هناك فرق بين دولة دينية ودولة مدنية علمانية ديمقراطية او دولة محاصصة طائفية؟! والبعض لازال ينظر للثورة من بعدها الدولي والاقليمي والعالمي قافزاً على المحلي وهذا ما نراه في موضع اعادة الاعمار ونزع العقوبات الاقتصادية والاعتراف ب هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وما يسمي بالنظام الجديد والادارة العسكرية التي نصبت نفسها في شخص محمد الجولاني (احمد الشرع) كممثل ل الشعب السوري ولسوريا. كل هذا يغيب دور القوي الوطنية وبالذات دور اليساري في الثورة. اليسار الثوري كان مشاركاً في الثورة منذ البدء، (كأفراد وكمجموعات) بعيداً عن كل الاطر من احزاب وتنسيقيات التي باتت ميته. ولأنها كذلك لم تفهم طبيعة (اللحظة الراهنة)، كما هي الشعلة التي نهضت بها الحركة الشبابية بقوة الشباب الذي قرر ان يمتلك مصيره ويؤسس مستقبله، اذن هؤلاء الافراد والمجموعات من اليسار والشباب اليساري هم الخميرة التي سوف تؤسس للمستقبل السوري. وليس هذا البديل الاصولي هيئة تحرير الشام والحركة الاخوانية. الان يجب ان يتم توصيل الراي المعبر عن اليسار الحقيقي، المشارك في الثورة والمدافع عن مطالب الطبقات الشعبية والعمال والفلاحين الفقراء، والذي بدء يعمل اليوم ويتبلور مع الوقت بعد اسقاط نظام بشار الاسد وهيمنة البديل الاصولي على الثورة، فهذا اليسار هو القادر على توضيح اهداف الثورة ومطالبها وشعاراتها، التي تسعي لتكون البديل للبديل الاصولي بعد اسقاط النظام البائد. الاهداف التي تتعلق بتأسيس النمط الاقتصادي الذي يحل مشكلاتهم، ومشكلات الفئات الأخرى من الطبقات الشعبية، وليس فقط بالبحث عن حقن مهدئة من مثل رفع الرواتب الي 400 بالمئة للموظفين بدعم مالي كامل يغطي هذه الرواتب من دولة قطر. وهذا يطرح مستقبل الثورة وصراع الطبقات من اجل الهيمنة، حيث بات الصراع الحالي حول مستقبل سورية واضح للعيان، على المستوي المحلي كما على المستوي الدولي، دولياً يجري الصراع على من سيحظى بالهيمنة، ويكسب العقود الاقتصادية، خصوصاً عقود اعادة الاعمار، وبالتالي ربط سوريه به. وهنا سوف نري مصالح الطبقات ومطالبها، وبالتالي يمكن تلمس (القاعدة) الطبقية التي يمكن ان تحمل هذا الخيار بتلاوينه في ظل وجود هذا البديل الاصولي بعد اسقاط نظام الاسد. فهذه القوي هي تعبير عن مصالح طبقية سواء وعي اعضائها او لم يعوا، فالخيار الاقتصادي هو الاساس هنا في تحديد اي الطبقات تخدم هذه القوة او تلك، وهنا مستوي اخر من الصراع يجري لتحديد (مستقبل سورية) هو الصراع بين الفئات الرأسمالية يريد كل منها الهيمنة، وإذا كان اسقاط السلطة سوف يقود حتماً الي تصفية الفئة المهيمنة من (العائلة الاسدية)، فإن فئات اخري تتحضر لكي تهيمن على المشهد الاقتصادي، وبالتالي السياسي في المرحلة القادمة. (كما تم نشر هذا الخبر اليوم: بأن (القائد) احمد الشرع استقبل بقصر الشعب رجل الاعمال السوري وليد الزغبي مالك مجموعة تايغر العقارية). سوف نناقش هذا المحور مستقبل سورية وصراع الطبقات من اجل الهيمنة في حلقة منفردة. ونكمل هنا اليساري في الثورة فعلاوة على البعد الاقتصادي، هناك مطالبة اليسار والشباب الثوري اليساري بتأسيس الدولة الديمقراطية العلمانية التي تكرس المواطنة، والحريات العامة والخاصة والنضال السياسي والنقابي، وحرية الصحافة والراي، ومساواة المرأة. وان يعبر هذا اليسار بعمق عن المسألة الوطنية بدءاً من الارض المحتلة في الجولان الي الصراع مع كل الدول سواء كانت امبريالية او اقليمية تريد الهيمنة على سوريه كون كل تطور حقيقي هو في مواجهة معها. ولكن كذلك توضيح المشكلات التي تمر بها الثورة ذاتها، وطرح الرؤي حول كيفية تجاوزها. وفتح الافق لفهم طريق التغيير، الافق الذي يوضح ان الثورة تتقدم رغم اسقاط النظام السابق ورغم وجود هذا البديل الاصولي، وان العمل على انضمام كل الطبقات الشعبية هو امر ضروري الان من اجل التسريع في تحقيق وانجاز مهمات الثورة التي الي حد الان لم تنجز، فهذا هو المدخل الوحيد لذلك، بعيداً عن اي دور (خارجي)، او سيطرة العسكر والفصائل الاسلاموية على الجيش وبالتالي الثورة، فالثورات تنتصر حينما تستطيع توحيد الشعب من جهة وفق مطالب واضحة، وكما تم تفكيك بنية السلطة العلمانية الاستبدادية سوف يتم تفكيك اي سلطة اخري ذات بنية تسلطية دينية استبدادية  من جهة اخري، لكي تصبح عاجزة عن القمع. 

يتحدث احمد الشرع (محمد الجولاني) الان عن الدولة وان مهمة الثورة قد انتهت وحققت غايتها بوصول البديل الاصولي تحت قيادة الادارة العسكرية وهيئة تحرير الشام. بالتالي هذا يطرح امام اليسار السوري مهمة ان تنجز الثورة مهماتها، فاليساري لا بد ان يكون صوت المفقرين والذين باتوا يمثلون 90 بالمئة من الشعب والذين ضاعت مطالبهم وسط القتل والدم والصراخ الاصولي والليبرالي. اليسار هم القوة الصلبة في الثورة، وهم الاساس في الوصول الي ان تنجز الثورة وان تحقق التغيير الجذري، ليس في بنية سلطة الاسد الاستبدادية البائدة بل في اي سلطة استبدادية يريدها هذا البديل الاصولي والذي يطالب الان بالتخلي عن الثورة لصالح الدولة التي ينشدها هذا البديل الاصولي. فاليسار مطالب بتحقيق التغيير في (كلية) التكوين المجتمعي، (الكلية الاجتماعية)، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وهذا ما يفرض الاستمرار في الثورة لكي يتم توضيح مطالب الثورة ورؤاها، وتنظيم نشاطها من اجل ان تصبح قوة حقيقية منظمة وواضحة الاهداف، وليس هلامية وحمالة اوجه وغير واضحة كما يريدها هذا البديل الاصولي. ف اليساري صوت يحاول ان يؤسس ويوضح من اجل التغيير الجذري وليس الشكلي. فإذا كانت الثورة قبل اسقاط النظام تطرح مطالب الشعب ضد فئة نهبت وتحكمت في السلطة والاقتصاد والمجتمع، وأصبح الشعار والمطلب هو اسقاطها والتخلص منها، فإن اليسار معني بأن تصل الثورة الي انتصار يحقق مطلب ومطالب الشعب وليس هيئة تحرير الشام والادارة العسكرية الجديدة التي فرضت نفسها بالقوة والسلاح والأسلمة. المسألة هنا لا تتعلق بإزاحة سلطة من اجل سلطة بديلة لا تختلف عن السلطة السابقة، بل تتعلق بمطالب نتجت عن وضع فرضته سلطة الاسد وما ستفرضه سلطة هذا البديل الاصولي فكما حدث في السابق فقد كانت هذه السلطة الاداة التي اسهمت في تمركز الثروة بيد اقلية وافقار الشعب وهذا ايضاً ما تحاول القيام به سلطة هذا البديل الاصولي وان تحت شعار بناء الدولة الجديدة. ولهذا لابد من وضع يعيد توزيع الثروة بحيث تتحقق مطالب هذا الشعب. دور اليسار بالتالي هو الدفاع عن مطالب الشعب. وهو كما سعي لإسقاط النظام الاقتصادي الذي اسسه النظام السياسي السابق ونظام هذا البديل الاصولي الذي أصبح يتبلور بالتدرج لكي يوقف عجلة التغيير، اي اسقاط هذا النظام الجديد من اجل دولة علمانية ديمقراطية وليس دولة دينية استبدادية. دولة توفر فرص العمل وتضمن توازن الاجور والاسعار بحيث يتسنى للمواطن السوري العيش الكريم (حرية عدالة كرامة)، وتعيد تأسيس التعليم بحيث يكون مجانياً يسمح ببناء كادر علمي يسهم في تطوير الاقتصاد والمجتمع وليس كما هو حادث الان بتصدير تركيا 40 ألف موظف لإدارة شؤون البلاد في سورية وكذلك من دخول عناصر عسكرية تركية في تشكيل الجيش السوري الخ. اليسار يدافع عن الطبقات المفقرة من اجل تجاوز فقرها وتعيش في وضع انساني. ولهذا فهو يناضل ضد الاقتصاد الليبرالي المراد لسورية في المرحلة القادمة تحت سلطة البديل الاصولي والذي سيفرض تحكم اقلية بالثروة، تحول الاقتصاد الي اقتصاد ريعي يلغي كل امكانية لإيجاد فرص عمل سواء المفقرين في سورية او السورين اللاجئين خارج سورية ويريدون العودة اليها. وهنا دور اليسار فهو معني بأن تعرف الطبقات المفقرة مطالبها، في الثورة واستمرارها وكذلك السياسة التي تقود الي تحقيق هذه المطالب، وان تعرف بأن الليبرالية المراد لها في سورية هي التي افضت الي الوضع المزرى الذي تعيشه لكي تعمل على تأسيس اقتصاد تتحكم هي فيه من خلال الدولة، دولتها وليس دولة فصائل مسلحة وبديل اصولي يراد له ان يحكمها. اليسار يريد استمرار الثورة من اجل انهاء البطالة، وتجاوز الفقر، وتحسين التعليم وضمان العلاج المجاني، وضمان الشيخوخة والضمان الاجتماعي، ومن اجل دولة علمانية ديمقراطية، وضد اي دولة سواء اقليمية او عالمية تريد ان تستحوذ على الثروة والاراضي السورية من مثل تركيا او اسرائيل كما كان من قبلها إيران وروسيا. بالنسبة لليساري فالشعب المفقر هو اساس الثورة رغم مشاركة الطبقات والفئات الوسطي (وهذا ليس خطاب شعبويا). وهو الذي يناضل بكل جرأة وقوة من اجل التغيير، فلم يعد قادراً على العيش في الوضع الذي هو فيه. وبالتالي لن يستطيع العيش الكريم دون شرط اقتصادي سياسي جديد. وهذا ما يستطيع تحقيقه اليسار وحده، ولهذا فهو مع استمرار الثورة الي النهاية التي تفرض انتصار المفقرين. البعض سوف يقبل بتغيير شكلي في ظل هذا البديل الاصولي والذي سيطال اشخاص السلطة الحالية او يتجاوز الاستبداد نحو نظام ديمقراطي (مهما كان عمق ذلك) لكن كل ذلك لا يكفي لكي يتغير وضع الطبقات الشعبية. التي لا تحل مشكلاتها ومطالبها الا بتغيير النمط الاقتصادي والسياسي في دولة علمانية ديمقراطية. 

  • لماذا يجب ان تستمر الثورة؟ 

الثورة بدأت شعبية بامتياز وان دخلت عليها العسكرة والأسلمة كطريق للتغيير واسقاط النظام، فسوف تظل الثورة شعبية بامتياز، حيث كتل مهمة من الطبقات المفقرة والمتضررة سواء في ظل السلطة السابقة او في ظل السلطة الجديدة تحت هذه الادارة العسكرية الفصائلية، فقد تضررت من السلطة الرأسمالية المافيايوية الاستبدادية، والتي تركت هذه الطبقات الشعبية تعيش حالة مزرية، هذا الوضع المزرى الذي نتج عن الاستبداد (العلماني) في ظل حكم عائلة الاسد او هذا الاستبداد الاصولي الجديد في ظل هيئة تحرير الشام، والذي هيأ في السابق لعملية نهب واسعة فرضت دمار الاقتصاد وتمركز الثروة في ايدي الاقلية والتي باتت هي السلطة الحقيقية، ذات طابع عائلي، ولها زبانيتها وشبكاتها. الاستبداد الشمولي سواء كان علماني او اصولي ديني سوف يعمل على (مسخ) المجتمع، حيث كما جري في السابق سوف يتم قولبة الطبقات في (نقابات واتحادات) مسيطر عليها (كما حدث مع نقابة المهندسين حيث ذهب أحد قادة هيئة تحرير الشام الي مجلس الدارة لينصب نفسه نقيباً لها هكذا بوضع اليد؟! ،) وبالتالي كما كان الهدف في السابق سيكون الان منع هذه النقابات والاتحادات من كل ميل للتغيير والتعبير عن مصالحها او للمطالبة بحقوقها. كما جرت في السابق قولبة الطلاب والشباب عبر روابط الشبيبة. ليتكون تكوين مجتمعي مهيمن عليه سواء من البعث او هذا البديل الاصولي في إطار بنية شمولية وهو الوضع الذي سيفرض تشكل ثنائية هي: طبقة / سلطة وشعب. الشعب السوري لم يعد قادر على العيش في الوضع الذي كان فيه بعد عملية افقار طويلة، تكثفت في الفترة السنوات الاخيرة، والتي سوف تتكثف في المرحلة الحالية في ظل وجود البديل الاصولي. لهذا فلن يكون امام الشعب السوري من خيار سوي التمرد كما تمرد على سلطة الاسد على (السلطة / الطبقة)، من اجل ان تنجز الثورة مهامها سواء التحررية او الديمقراطية، لكي يصبح ممكناً تحقيق مطالبه في الحرية والعيش الكريم. اليساري مع الشعب، لكنه منحاز الي الفقراء، والطبقات الشعبية والعمال والفلاحين الفقراء، ويدافع عن كل المفقرين. فالعمال، سواء من يعمل في مؤسسات الدولة (القطاع العام) او في القطاع الخاص يعيشون في وضع اقتصادي صعب جداً، حيث لا يكفي الاجر معيشة فرد على الاقل من نصف شهر، فكيف اذاً كان الامر متعلق بعائلة؟ والقطاع الخاص اسوء من حيث الاجر، وهو لا يوفر الضمان الاجتماعي، لكن على العموم كل الطبقة العاملة تعيش في وضع سيئ، وهي لا تستطيع توفير اولويات الحياة، ولا الطبابة والتعليم في المراحل التي تحتاج الي رسوم. والفلاحون الفقراء يعيشون في وضع اسوء نتيجة انهيار وضع الزراعة واضطرار الفلاحين الي الهجرة والتحول الي عاطلين عن العمل او يعملون في مهن بسيطة لا توفر سوي النزر اليسير مما تحتاجه المعيشية. والأسوء هو وضع العاطلين عن العمل من العمال والفلاحين الفقراء واعدادهم كبيرة، حيث لا دخل سوي الاعتماد على معيل لا يكفي اجره لمعيشة العائلة أصلاً، او دون دخل. هؤلاء هم اساس الثورة، وليس الفصائل المسلحة الاسلاموية، وهم المشاركون ومن لم يشارك بعد نتيجة (الهيمنة السلطوية الاسدية سابقاً) والخوف ايضاً من (الهيمنة السلطوية لهذا البديل الاصولي). هم المعنيون أكثر في التغيير العميق في بنية السلطة الاقتصادية والسياسية، وتأسيس دولة تمثل كل المفقرين. لهذا لابد ان ينهض هؤلاء (كطبقة) وليس افراد، تريد التغيير، وان يعوا بأنهم (طبقة) لها مصالحها، وهي المصالح التي لا تتحقق الا بالتغيير النمط الاقتصادي الذي كان قائم في ظل النظام البائد (الريعي المافياوي) او في ظل هذا البديل الاصولي، وبناء اقتصاد منتج، يقوم على الصناعة ويطور الزراعة، وهم وحدهم المعنيون بتحقيق ذلك، في مواجهة القوي الاصولية والليبرالية لا تريد تغيير سوي (شكل السلطة) اي (الاشخاص او حتى الشكل الديكتاتوري). في ظل استمرار هذه الثورة لابد ان يتوضح دور هؤلاء، وان تتوضح مطالبهم، ويكون واضحاً بأنهم يسيرون بالثورة الي النهاية، اي الي التغيير العميق. وليس الوقوف عند ما تراه وتريده هيئة تحرير الشام وزعيمها محمد الجولاني (احمد الشرع) وذلك بأن يتم تجاوز الثورة لصالح الدولة الدينية. العمال والفلاحين الفقراء يحب ان يتبلوروا في (طبقة) واضحة الاهداف والدور، لكيلا تسرق الاصولية الدينية او الليبرالية الثورة. يجب ان يبنوا نقاباتهم للدفاع عن مصالحهم، ويطوروا دورهم في الثورة لكي تنتصر باسم المجتمع المدني وليس الديني الاصولي. 

ان طرح هيئة تحرير الشام وعبر لسان حال زعيمها محمد الجولاني (احمد الشرع) بات المشروع الان هو مشروع تكوين دولة وليس ثورة وفي نفس الوقت هناك فيتو الي الان على طرح مؤتمر الحوار الوطني، وكذلك على طرح دستور ومن ثم تشكيل مؤسسات الدولة السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة التشريعية (البرلمان) والسلطة القضائية، وطرح ان هذا التوقيت لم يحن بعد. فهي لازالت مهتمة بتشكيل القوة العسكرية (الجيش) والاستخبارات (الامن)، من اجل تشكيل مؤسسة العنف. إذا علمنا بان بنية هاتين المؤسستين هي من لون واحد وهو الفصائل المسلحة التي تقودها الادارة العسكرية بقيادة احمد الشرع. كل هذا يفرض على الشعب وعلي اليسار على فرض البديل ل البديل الاصولي المنشود ل سورية، اي فرض سلطة شعبية في كل المناطق التي سيطرت عليها هيئة تحرير الشام اي سورية كلها وليست فقط التي كانت تحت سيطرة السلطة المافيايوية للنظام السابق، في سياق العمل (كما تم اسقاط النظام السابق، وتأتي  مهمة اسقاط هذا البديل الاصولي وفرض حكومة شعبية بديلاً عن هذه الحكومة المؤقتة والتي يراد لها ان تكون دائمة، حكومة شعبية تمثل كل الشعب وليس من ذات لون واحد اصولي، وتعمل على تحقيق مصالح الشعب وليس مصالح هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وتحل  مشاكل الشعب الذي يعاني منها او المشاكل التي نشأت خلال الثورة. لابد من ان يتشكل في كل قرية او مدينة او حي (مجلساً شعبياً) يكون هو السلطة، والمعني بتنظيم حياة الناس، والقيام بكل مهام السلطة من حيث الادارة والخدمات وتوفير العيش، والقضاء، والحماية المدنية، ويجب ان يكون القضاء مدنياً، يقوم به قضاة اكفاء. وان يكون هو المسئول عن الوضع الامني، واصدار الاحكام. بدل المليشيات والفصائل المسلحة والتي تسمي تجاوزاتها بالقتل او القمع بالتجاوزات الفردية؟ سواء كانت لدي ما يسمي المكونات او لدي الفصائل المسلحة ل هيئة تحرير الشام او الاخوان المسلمين او الجيش الحر او حتى جيش قوات سورية الديمقراطية. على الشعب والذي قاد الثورة والتظاهرات ان ينظم حياته اذن. وهذا امر ضروري الان ونحن نتلمس الفوضى والتخبط لدي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وعدم وضوح مشروعهم والذي يشير الي انه مشروع دولة دينية / استبدادي، حيث ان تنظيم اليات الثورة، وتنسيق العمل بين مختلف المستويات هو امر حاسم من اجل ذلك. اذن السلطة يجب ان تكون للشعب، ويجب ان تكون المجالس الشعبية هي البني الاولية والضرورية للسلطة المدنية الديمقراطية التي تسعي لأن تتشكل سورية الجديدة وفقها. لقد تمرد الشعب على السلطة العسكرية الامنية للنظام السابق البائد من اجل سلطة مدنية يشكلها هو وليس من اجل سلطة عسكرية وامنية ل مليشيات وفصائل مسلحة من هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين. ولهذا لا بد من مقاومة ورفض كل من يحاول ذلك الان عبر ما يسمي الادارة العسكرية او حكومة مؤقته من لون واحد اصولي اخواني. يحب ان تشمل ثورة الشعب كل من يريد ذلك من الكلية الاجتماعية الوطنية، وان يفرض الشعب سلطته هو، فهذه حريته هو التي قاتل من اجلها منذ 2011. اي ان يقود المجتمع المدني هذه الدولة لكي تتبلور مؤسسات المجتمع المدني لتكون هي التي تلعب الدور الديمقراطي والاجتماعي والطبقي. وهنا من المهم ان نشير الي أحد هذه الادوات (النقابات) والتي تريد هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين السيطرة والهيمنة عليها كأداة نضالية. 

  • حول النقابات بعد ان تم بيان اهمية تشكيل المجالس الشعبية كأداة لتنظيم الشعب.

إحدى الادوات الأخرى المتاحة للشعب السوري في ظل الواقع الراهن هو (المقاومة المدنية) مقاومة الاعنف. وهي النقابات التي سوف يضع هذا البديل الاصولي عينه عليها ومحاولة الهيمنة عليها بالضبط كما فعل النظام البائد الاسدي. فالعقود هيمنة السلطة على النقابات والاتحادات التي من المفترض ان تمثل الطبقات والفئات الاجتماعية، وسخرتها لخدمة مصالحها، في كثير من الاحيان بالضد من مصالح الطبقة او الفئة التي تمثلها. وهذا هو (الطابع الشمولي لها كسلطة دكتاتورية) وهذا ما ستحاول ان تقوم به هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين. فلقد اتبعت السلطة منطق (الهيمنة) الذي يعني حصر الطبقات او فئات اجتماعية في نقابات واتحادات وفرض السيطرة السلطوية عليها، وتحويلها الي جزء من السلطة ذاتها، تنفذ سياساتها، وتدافع عنها، وتخضع افرادها لكل ذلك من خلال التغلغل الامني فيها (وهذا ما تعيه ايضاً هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين)، ومن ثم فرض قيادتها والتحكم بقراراتها. لتصبح ديكوراً للسلطة ووسيلة السيطرة على الطبقات معاً. لهذا لم تعد تطرح مطالب اعضائها، او تطرح مصالح الطبقة او الفئة الاجتماعية في مواجهة سياسات سلطوية تضر بها. بل كانت وسيلة اخضاع الطبقة والفئة الاجتماعية للسلطة، واذعانها لها. وهو الامر الذي سوف يمنع العمال وموظفي الدولة والقطاع الخاص والفلاحين، وكذلك الطلاب (وكما نري اليوم في إحدى الجامعات السورية فقد حولت ساحة الجامعة الي مسجد يتم الصلاة فيه) وكذلك النساء، والشباب من التعبير عن مصالحهم والدفاع عنها، في مواجهة النظام ومواجهة الرأسمالية التي عممت اللبرلة خلال السنوات السابقة فأفقرت كتل سياسية في المجتمع. وفي مواجهة السلطة التي مهدت كل السبيل للنهب وتحقيق الارباح. وهذا ما سوف يحدث في ظل سلطة هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين ايضاً. بمعني تجريد الشعب من كل الهيئات المستقلة الحرة التي يمكن ان تدافع عنه، وكما كان يحدث في ظل سلطة النظام الاسدي سوف يحدث ايضاً في ظل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، حين اندفعت السلطة الي تعميم اللبرلة ودعم تمركز الثروة في ايدي قلة وفئة عائلية ومعازيبها. والان في يد رجال الدين حيث سيكون الشعب دون نقابات من مهمتها الدفاع عن حقوقه، وستكون كل طبقة او فئة اجتماعية (تحت العين) في نقابتها. فمع استمرار الثورة التي يريد لها هذا البديل الاصولي ان تتوقف والتي يشارك فيها جزء كبير من الشعب، لا بد ان تتحرر النقابات والاتحادات، وان تعود ممثلة حقيقية لمصالح الطبقات والفئات الاجتماعية التي تعبر عنها. فالنقابة هي شكل تنظيم الطبقة، او الفئة الاجتماعية، من اجل الدفاع عن مصالحها، وتحسين شروط عملها او نشاطها، وهي بذلك تكون في مواجهة السلطة او رب العمل، او كليهما. حيث يكون رب العمل مدعوماً من السلطة كونها سلطته كرأسمال. وإذا كانت لا تطرح، في الإطار العام، اسقاط السلطة بل تحقيق مصالح الطبقة او الفئة الاجتماعية في ظلها، فإنها في اللحظة الراهنة (لحظة الثورة) تصبح القوة الاساسية في اسقاط هذا البديل الاصولي من اجل تحقيق مصالح هؤلاء. لهذا أصبح من الضروري ان يتم كسر الهيمنة من قبل هذا البديل الاصولي على النقابات والاتحادات من خلال تحقيق ثورة في داخلها تواكب الثورة التي تملأ الشوارع. لابد للعمال ان ينتفضوا ضد القيادات العمالية التي ستضعها ويتم تعينها من قبل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين لكي يصبح اتحاد العمال جزء اساسياً في الثورة، وتلعب الطبقة العاملة من خلاله دوراً مهماً في فرض الاضراب العام، في حال تم الدعوة الي عصيان مدني وكذلك بالنسبة للفلاحين من ان يسيطروا على اتحادهم بثورة من داخله لكي ينتظم نشاطهم في الثورة العامة او في العصيان المدني، وكذلك يجب على كل الاتحادات الأخرى الشبابية والطلابية والنسائية. ولا شك في ضرورة البدء من أسفل، من الفرعيات بهدف السيطرة على كل فروع النقابات والاتحادات وزجها في الثورة، فالثورة الشعبية العامة لا بد من ان تتحول الي ثورة طبقية بكل معني الكلمة، من اجل فرض مطالب العمال والفلاحين وكل الطبقة الوسطي. من اجل تكبيل السلطة الجديدة البديل الاصولي ودفعها دفعاً نحو تحقيق مطالب هؤلاء. ولا شك ايضاً، في ان انتصار الثورة يرتبط اشد الارتباط بفرض الاضراب العام في حال تعنت سلطة هذا البديل الاصولي في تحقيق المطالب، لهذا يجب سحب (الثقة) من كل الهيئات التي سوف تفرضها سلطة هذا البديل الاصولي سلطة المخابرات، واختيار قادة نقابيين حقيقين تكون مهمتهم في حال المواجهة مع هذه السلطة الاصولية الدعوة لإضرابات في كل موقع عمل والسعي لفرض الاضراب العام بهدف اسقاط هذه السلطة. 

  • اهمية الدعوة لتأسيس نقابات للعمال والاتحادات البديلة في ظل هذه الثورة.

لكيلا تقف الثورة السورية امام ما تطرحه هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين المسلحة والتي تريد ان يستتب لها الحكم عبر دولة تمثل صورتها ومثالها واصوليتها، يجب ان تستمر المقاومة المدنية في بناء قوتها المدنية فعلاوة على المجالس الشعبية التي هي جنين المجتمع المدني للمقاومة المدنية يجب ان يتم الان الدعوة لتأسيس الاتحادات والنقابات كشكل من اشكال النضال (سلمي مدني جماهيري) ضد هذا البديل الاصولي. الذي يحاول ان يفرض نموذجه السياسي الاستبدادي في ظل الحديث انه لم يحن الوقت للإعلان عن المؤتمر الوطني ولا عن الهيئة التي سوف تنبثق منه ولا عن الاعداد لدستور ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم اي من دون مؤسسات توضح شكل الحكم وهذا ما تخاف منه هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وهي ما لا تريد (فعله) بل هو كلام مرسل؟ نقابات العمال قديمة في سورية، ولقد كانت النقابات والتي من المفترض ان تمثل الطبقات الشعبية تحت هيمنة سلطة حزب البعث وعائلة الاسد، والتي ثار الشعب من اجل اسقاطها والان تحاول هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين ان تكون تحت سلطتهم، وبالتالي هم سلطات ديكتاتورية شمولية، قامت وستقوم على التحكم بكل النقابات والاتحادات والمؤسسات المدنية، واخضاعها لسياساتها التي في الغالب ضد مصالح العمال وضد مصالح كل المنضوين في النقابات والاتحادات الأخرى، وكما فرضت سابقاً ستفرض عليهم سلطة هذا البديل الاصولي والتي الي الان لم تتفوه بكلمة (الديمقراطية)في خطابات الادارة العسكرية ومن يقودها هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين؟ وسوف يفرض على هذه النقابات والاتحادات (الولاء) المطلق لهذا البديل الاصولي وبالتالي القبول بما يقرره هذا البديل الاصولي. ف اتحاد نقابات العمال كان الواجهة التي يتحقق من خلالها ضبط العمال والموظفين، ويفرض عليهم قبول ما تقرره سلطة الاسد وبالتالي الان سلطة هذا البديل الاصولي بخصوص الاجور والضمان الاجتماعي وحق العمل وشروطه، ومنعه من تناول مشكلات ومطالب العمال والموظفين والعاطلين عن العمل، او السعي للدفاع عنهم. محولين دوره من الدفاع عن منتسبيه من العمال وعن الطبقة العاملة عموماً الي الخضوع لما تريد السلطة دون حق في الاعتراض او الاحتجاج او التظاهر. وبالتالي ستصبح النقابة كما كانت في السابق هي وسيلة اخضاع وتحكم. ولهذا لم تقم بدورها الاساس الذي يتمثل في الدفاع عن حقوق العمال والموظفين والطبقات الشعبية، وحماية مصالحهم، بما في ذلك الصراع ضد (اي سلطة) وسلطة الرأسمال من اجل تحسين الاجور وشروط العمل. وبالتالي لن يتم السماح لمن يعمل ايضاً في (القطاع الخاص) الوليد بعد هذا الدمار الشامل الذي حدث ل سورية من تأسيس نقابات تدافع عن مصالحه لتركه تحت رحمة رأسمال الجشع والذي سيأخذ المبادرة في ظل سياسة اعادة الاعمار. الان وبعد ان تم اسقاط نظام الاسد وفي ضل الاصوات المنادية بوقف الثورة، لابد للطبقات الشعبية والعمال والفلاحين الذين اكتسبوا (الجرأة والقوة) التي يجب ان تدفعهم نحو بناء شكل هذه المقاومة المدنية) اي نحو بناء نقابة تمثل مصالحهم الحقيقية وتدافع عنهم امام جور اي سلطة وراس مال. لا بد في الاستمرار في الثورة والخروج من حالة الخضوع ضمن ما تراه هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين كما كان سابقاً في ظل حكم عائلة الاسد ضمن نقابة مدجنة نحو تأسيس نقابة حقيقية. هذا ما يجب العمل به الان، وهي الخطوة الاولي الضرورية في سياق السعي (للمشاركة) في الثورة (كطبقة) لها تعبيرها النقابي ولها مطالبها الموحدة والواضحة. الان وبعد اسقاط النظام البديل الاصولي، هذه الثورة التي يجب ان تعمل لأن تكون جزء من كل تغيير يجب ان يحصل الان. الخطوة الان في ايجاد هذا البديل النقابات للاستمرار بهذه الثورة. النقابة التي تكون مهمتها في الثورة الان هي تنظيم نضال العمال بعد تحديد مطالبهم وتصورهم لمستقبلهم، والبدء بتنظيم كافة اشكال الاضراب والاحتجاج من اجل حقوقهم بعد ان انهارت القيمة الشرائية لأجورهم التي هي أصلاً لم تكن تفي تحقيق عيش كريم. ان كل اشكال الاضراب والاحتجاج ضرورية لاستمرار الثورة وللعمال والطبقات الشعبية دور مهم في ذلك لأن اضرابهم يضيف الي الثورة قوة، ويهز سلطة هذا البديل الاصولي في الضغط عليه لكي يسارع في الافعال وليس الاقوال من اجل تفعيل المؤتمر الوطني والدستور والدولة المدنية الديمقراطية. ان بناء النقابات الان سيحفظ حقوق العمال والموظفين حتى بعد سقوط هذا البديل الاصولي، حيث يجب الاستمرار من اجل تحسين حقيقي في الاجور، وحل مشكلة البطالة وضمان عيش كريم من خلال ضمان التعليم والضمان الصحي والاجتماعي، والمهم يؤثر في تحديد طبيعة الدولة التي تحقق مصالحهم ومصالح الشعب السوري، فما عادت مشاركة العمال الان في الثورة من خلال الشكل القائم مجدية، ولابد ان ينشط العمال في الثورة (كطبقة) لها رؤيتها ومصالحها ولها دورها الفاعل في استمرار الثورة وفي ظل تعنت هذا البديل الاصولي في عدم اخذ الثورة الي انجاز مهامها فسيكون مطلوب من النقابات والاتحادات العمل على تحضير الاضرابات العمالية والموظفين كذلك في كل المصانع والمؤسسات والريف السوري من اجل الضغط  على هذا البديل الاصولي وفتح طريق التغيير الاقتصادي الذي يحل مشكلاتهم كما مشكلات كل المفقرين من الفئات الوسطي والفلاحين. 

  • الصراع على سوريه، وصراع الطبقات والدول من اجل الهيمنة. 

بات مستقبل سورية والثورة السورية الغير منجزة واضح للعيان، على المستوي المحلي كما على المستوي الاقليمي والدولي. وخصوصاً بعد اسقاط نظام الاسد البائد الاستبدادي من قبل البديل الاصولي / المسلح الاستبدادي، والذي شكل الادارة العسكرية من هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وكذلك شكل حكومة انتقالية، فرضت نفسها بقوة السلاح وهي نموذج للسلطة التي تشكلت في ادلب والتي ثار الشعب السوري هناك عليها؟ وبات الصراع الان دوليا يجري على من سيحظى بالهيمنة ويكسب العقود الاقتصادية، خصوصاً عقود اعادة اعمار سورية كلها. وبالتالي ربط سورية به. وقبل ان ندخل في الصراع الذي تبلور في الفترة الاخيرة سيتم الاشارة الي نقطة مهمة وهي ان كل القوي الاقليمية والدولية كان لها دور في الصراع على مستقبل سورية. تاريخياً كان الوضع قبل اسقاط نظام بشار الاسد يشير الي تحالف سياسي السلطة وإيران وتركيا بالتحديد. مع علاقات مرتبكة مع اوروبا وروسيا. وحصار امريكي. وكانت العلاقات الاقتصادية متمحورة حول اوروبا، وتنشطت كثيراً مع تركيا في السنوات الاخيرة (اي بعد توقيع الاتفاق الاستراتيجي) بين تركيا وسورية. ومع إيران ايضاً (بعد توقيع الاتفاق الاستراتيجي سنة 2006). وتشابكت سوريه في علاقات مالية وتجارية مع الكويت والامارات وقطر ثم تركيا، ومافيات اوروبا الشرقية. امريكا كانت قد سحبت استثماراتها في حقول النفط (حيث كان النفط مستغلاً من قبل شركات امريكية منذ ان تم اكتشافه في سوريه)، ولكن ظل هناك مستوي من العلاقات التجارية، كان يتقلص مع زيادة العقوبات الامريكية. وروسيا كانت لها علاقات اقتصادية محدودة، مرتبطة أصلاً بالسلاح وبيعه لسوريا، وكان قد تراجع شراء السلاح بعد ان اصبحت روسيا رأسمالية، لأنها اصبحت تبيع (كاش) ككل الرأسماليات. إيران كانت تعتقد بأن علاقاتها بالسلطة راسخة، وتركيا اعتقدت انها قد بدأت في تحقيق مشروع هيمنتها على (الشرق) من البوابة السورية (كما هو حادث اليوم بعد اسقاط نظام بشار بقوي مواليه وصنيعة تركيا حتى ان وزير الدفاع المعين من قبل هيئة تحرير الشام يحمل الجنسية التركية اضافة للسورية ؟!) في تلك الفترة اجتاحت السلع التركية السوق السورية (وهو ما ادي الي دمار في قطاعات الصناعة – الغزل والنسيج والكنسورة وغيرها – الزراعة)، واصبحت سورية ممراً مهماً لسلعها المصدرة الي الخليج العربي. روسيا، كما كان واضح كانت خارج المعادلات، فلم يكن هناك اغراء لكي يتحول (رجال الاعمال الجدد السوريون) اليها، وهم الذين كانوا يطمحون لترتيب العلاقة مع (راس الامبريالية)، امريكا، واستمرار العلاقة مع اوروبا، وكانوا يعتبرون ان التشابك مع المال الخليجي العربي هو مدخل لذلك، وتركيا كتعويض عن إذا تم (سد الباب) الامريكي. الرأسمال الخليجي الذي زحف لكي يستثمر في العقار في سورية تراجع بعد الازمة المالية التي عصفت في الرأسمالية سنة 2008، لهذا توقفت مشاريع المدن والمشاريع السياحية التي كان قد حضر لتنفيذها، وما بقي هو المتعلق ببلد (الممانعة قطر). كما ان الاستثمارات التي كان قد بدأها رامي مخلوف في دبي توقفت بعد شمله بالعقوبات الامريكية واستعداد الامارات لتنفيذها. وهو الامر الذي جعله ينقل نشاطه الي تركيا، التي استعدت حكومتها بأن تتجاهل تلك العقوبات؟ في بداية الثورة السورية انقلبت الامور، وفتحت شهية من حاول ان يدس قدمه وفشل خصوصاً هنا فرنسا، التي طمحت لأن تهيمن على الوضع السوري نهاية العقد الاخير من القرن الماضي، ومع (اعتلاء) بشار الاسد سدة الحكم، وقدمت (الخبرات الاقتصادية والادارية)، وطمحت في الحصول على استثمارا ت ومصالح اقتصادية في سورية، وفِي تسهيل نشاط رفيق الحريري كحليف اقتصادي لها في لبنان. لكن تبين لها ان طموح (رجال الاعمال الجدد في سورية) (ال مخلوف خصوصاً) هو في (تقديم الخدمات) للولايات المتحدة الامريكية، حيث فجرت (صفقة الغاز) هذه العلاقة، ورغم ان الشركات الفرنسية التي قامت بكل الدراسات حول استثمار الغاز المكتشف في سورية، وطمحت شركة توتال بأن يكون الاستثمار من نصيبها، ورغم التدخل السياسي، عمد محمد مخلوف وكيل بعض الشركات النفطية الامريكية لإعطاء الصفقة لشركة امريكية بواجهة اخري. بهذا انقطع حلم فرنسا، خصوصاً وهي تري بعد ذلك الربط مع دول الخليج (قطر الكويت والامارات) وايضاً تركيا. لهذا انقلبت مصالح الحكومة الفرنسية الي (دعم الثورة)، وتبني (المجلس الوطني السوري المشكل من الاخوان المسلمين وبعض من الليبراليين) وعملت على الاعتراف الدولي به، وايضاُ على التدخل من اجل تغيير النظام الاسدي، بالضبط كما فعلت في ليبيا، وحاولت تركيا ان تحافظ على مصالحها من خلال الضغط على سلطة الاسد لكي تقوم بإصلاحات (عميقة) تنقذها من السقوط، وكان واضحاً انها تتلمس أن الثورة إذا ما حدثت سوف تقود حتماً الي سقوط سلطة بشار الاسد. وهو الامر الذي دفعها للقيام بنشاط محموم من اجل ان تقتنع السلطة بضرورة الاصلاحات (العميقة) ورغم الصعود والهبوط في نبرتها، وجدت ذاتها في قطيعة مع السلطة السورية. ولقد اوقفت الثورة كامل النشاط الاقتصادي الذي اعتبرت انه منجز (تاريخي). لهذا باتت تصارع من اجل ان تكرس ما تحقق مع نظام بشار الاسد من خلال دعم (جماعة الاخوان المسلمين) (واصلاً كانت الحكومة التركية تنشط من اجل ادماجهم في سلطة بشار الاسد)، ومن ثم ادماج المجلس الوطني السوري الاخواني، الذي تشكل على اراضيها، وهي هنا كانت تتوافق مع فرنسا التي كانت تخوض صراعاً معها حول (مجازر الارمن). 

هنا سنكمل ما تم طرحه في الحلقة السابقة عن الصراع على سورية وصراع الدول من اجل الهيمنة ومستقبل سورية والثورة السورية. قطر اعلنت بعد اسابيع، اي بعد وثوقها بأن الثورة قد بدأت في 2011، (دعمها) للثورة. تاركة كل المصالح الاقتصادية (والشخصية) التي حققتها من سورية خلال فترة حكم الاسد. لماذا هذه النقلة؟ ربما نتيجة الشعور بأن الثورة سوف تسقط السلطة، او لان نتائج الثورات في تونس ومصر قد اوهمت بأن (وعد الله) ب (خلافة الارض) قد بدأ في التحقق وقطر متداخلة مع الاخونجية. فباتت قناة الجزيرة هي (المعبر ولازالت عن الثورة) لكن بالأساس المعبر عن جماعة الاخوان المسلمين (وهم شركاء في ملكية قناة الجزيرة). وهذا ما حدث بإسقاط نظام الاسد ووصول البديل الاصولي الذي تدعمه قطر. ولكن مع ملاحظة ان قطر تريد اكمال (توسعها الاقتصادي) في سورية، التي لم يكن أصلاً من عائق امامه نتيجة (العلاقة الحميمة) التي تأسست بين بشار الاسد و (امير المقاومة) (حسب توصيف حسن نصرالله) و قائد (الممانعة) (حسب توصيف السلطة السورية ذاتها)، اي مع امير قطر. وقد اندهش البعض حين تم اعلان ان هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين سوف يرفعون نسبة الرواتب للموظفين 400 بالمئة وتلاشي هذا الاندهاش عندما علموا ان قطر هي من سوف تسدد كامل هذا المبلغ. وبهذا بات يتشكل (تحالف) ثلاثي من كل من فرنسا وتركيا وقطر يعمل على (وراثة الارض). اي يعمل على ترتيب وضع (سورية ما بعد بشار الاسد) بما يخدم مصالح كل منها. وكان التوافق قائماً بينها على دعم المجلس الوطني السوري بقيادة الاخوان المسلمين وبعض الليبراليين والذي كان الاخوان للمسلمين هم عماده، بالتحالف مع اعلان دمشق (خصوصاً هنا رياض الترك)، وضم في البداية مجموعة من الأكاديميين (وهم ليبراليون لهم (هوي) امريكي، سرعان ما ازيحوا ربما لهذا السبب). في تلك الفترة لم يتبلور موقف الدولة المهمة في دول مجلس التعاون وهي المملكة العربية السعودية وقد تطور الموقف ك التالي: العلاقة مع العربية السعودية كانت سيئة بعد اغتيال رفيق الحريري (رغم انها كانت شق التوازن مع إيران وفق السياسة التي رسمها حافظ الاسد). وكانت السعودية تقود (محور المعتدلين العرب) ضد محور (المقاومة والممانعة) المتشكل من إيران وسورية وحزب الله، وايضاً قطر. ومن حصل على (مصالح) في سورية هو بالأساس (منشق) وهو الوليد بن طلال، ولكن بدء الثورات في تونس ومصر وليبيا فرض تغيراً في الحسابات السعودية الي حد ما الامر الذي جعل المملكة العربية السعودية تفكر في اعادة ادماج نظام الاسد الي حضنه العربي والذي ظهر أصلاً في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الكويت. تلاه بعد ذلك مؤتمر القمة الذي جري في الرياض) خصوصاً ان المملكة العربية السعودية تعرف طبيعة السلطة السورية جيداً، من حيث انتمائها لمصالحها وليس لأي منزع ايديولوجي او طائفي، وإنها (ممانعة) بالتالي من السهل ترويضها، خصوصاً وان (تشددها) تشكل نتيجة الموقف الامريكي (المتطرف) تجاهها. هذا الامر فرض دعم السلطة مالياً لأشهر بعد الثورة، وهو ما فعلته دولة الامارات وكذلك الكويت، كل هذا نتيجة ان الاسد كرس ان الثورة الشعبية هي (اسلامية) وهذا الذي كرسته ايضاً جماعة الاخوان المسلمين وهيئة تحرير الشام عبر اسلمة وعسكرة الثورة. وهاهي المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ما عدا قطر لا زالت لديها موقف من هذه الادارة العسكرية الجهادية الاصولية وهي تري ان الوضع هش في ظل سيطرتها ويمكن ان يكون مهيأ لدخول داعش والقاعدة على الخط ومن ان تتحول سورية الي امارة اسلامية. 

في الوضع العالمي، كان يبدو ان امريكا بعيدة بعض الشيء، فقد تحدثت في مستوي اخفض كثيراً مما قالته فيما سمي بالربيع العربي في تونس ومصر، وظلت تراوح اشهراً دون التأكيد على ضرورة رحيل بشار الاسد. وظهر بعد اشهر من الثورة انها تميل الي (بيع) سورية لروسيا، حيث اكد باراك اوباما بداية عام 2012 على ان ترعي روسيا مرحلة انتقالية شبيهة بتلك التي حدثت في اليمن، ولكي لا تملأ الفراغ دولة الملالي في ايران، وترافق ذلك مع وضوح عناصر الموقف الامريكي الذي انبني على رفض التدخل العسكري، ورفض تسليح (الجيش الحر) والتأكيد على ان الحل السياسي هو عبر الحوار، وبالتالي كان يظهر بأن كل الطموحات الامريكية في التغيير التي رافقت مرحلة بوش الابن قد اهملت (وهذا ما كان يلمس مع مجيء باراك اوباما الي الرئاسة، والبدء في تحقيق تحسن تدريجي في العلاقة مع السلطة السورية)، وانه لم يعد لديها مصالح في سورية (ربما فقط ما يتعلق بأمن إسرائيل)، وهذا امر مفهوم الان، حيث اسست الادارة الامريكية الديمقراطية في تلك الفترة لسياسة عالمية جديدة اولويتها هي ليس الشرق الاوسط (الذي بات يحظى بأهمية من الدرجة الرابعة او الخامسة) وهذا ما شاهدناه بالانسحاب من منطقة الشرق الاوسط وسحب بطاريات الباتريوت والجنود وحاملات الطائرات، وركزت سياسة هذه الادارة على منطقة الباسفيك، نتيجة الخوف من الصين الجديدة. بالتالي كان النظر الي امريكا ينطلق من ان امريكا هي (خارج المعادلة) في سورية. لكن ذلك لا يعني ان موقفها هذا بلا حساب مصالح، ودون مساومات ممكنة. وهذا ما بات يبدو واضحاً في تلك الفترة مع روسيا، والتقاسم الذي جري بينهما. اما بالنسبة لإيران فقد عززت من هيمنتها ووجودها العسكري والمليشياوي في سورية وبالتالي كما نري اليوم فمع سقوط نظام  بشار الاسد دخلت ايران في مرحلة صعبة، واهمها انه تم تقطيع تواصل حلفها ومحورها المقاومة والممانعة الممتد من العراق الي سوريا والي لبنان، وبالتالي تراجع بل انهزمت في سوريا كما في لبنان، بالضبط نتيجة موقفها واذرعها ووكلائها (الدموي) على الشعب السوري، ودورها الداعم من اجل الحفاظ على سلطة بشار الاسد، وما يمكن ان يبقي لها هو ما سينتج عن الشكل الاخير للصراع وشاهدنا كيف الي حد الان انتهي بسقوطها ووكلائها بضربة واحدة لينتهي ما يسمي بوحدة الساحات والجبهات ولتبقي  ايران مكشوفه من دون دفاعات امامية شكلتها عبر اذرعها ووكلائها. كان من المتوقع في تلك الفترة ان الرابح الرئيسي هو روسيا في المرحلة الانتقالية، وذلك في حال كان هناك حل سياسي، التي كانت في علاقة وثيقة مع سورية زمن الاتحاد السوفيتي، وتلاشت تقريبا منذ انهياره، نتيجة تبعية السياسة الروسية لامريكا في مرحلة بوريس يلتسن، وتوقفت العلاقات الاقتصادية نتيجة التحول الراسمالي في روسيا الذي فرض (الدفع كاش)، وهو ما لم تكن تستطيعه سورية في تسعينيات القرن الماضي نتيجة وضعها الاقتصادي المتراجع، او نتيجة (الهوي الغربي) الذي كان اصلاُ يؤدي الي (الدفع كاش) في كل العلاقات الاقتصادية (وكان الميزان التجاري هو لصالح الغرب أصلاً) ومن ثم (تصفية الكادرات) التي تدربت في الاتحاد السوفيتي مع مجيء بشار الاسد الابن الي السلطة، بالضبط نتيجة (الهوي الغربي) الذي كان يلف (رجال الاعمال الجدد) و (النخبة) التي اتي  بها بشار الي السلطة (وهي نخبة متسلقين، كان همهم هو النهب دون معرفة بالسياسة اصلاُ). في نهاية سنة 2010 نجحت السلطة في الحصول على صفقة صواريخ اس 200 المتطورة، لكن فقط بعد ان دفعت إيران ثمنها؟ وعلي ضوء ذلك اعيد بعض الدور للقاعدة البحرية الروسية في طرطوس. ولكن الثورة فرضت على السلطة ان تبحث عن قوي دولية تدعمها خوفاُ من ان تستطيع امريكا (كما كانت السلطة تتوهم حينها) اتخاذ قرار من مجلس الامن التدخل العسكري فكررت تجربة إيران، حيث (عقدت صفقة)، مع روسيا تجعل الروس يمنعون اصدار اي قرار بالتدخل العسكري مقابل (صفقات تجارية). وكان الخلاف مع تركيا قد وصل الي حد القطيعة، لهذا كان من السهل على السلطة ان تجير كل الاتفاقيات التي كانت موقعة مع تركيا لصالح روسيا، وان تقدم لها صفقات مهمة في قطاعي النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي بان لروسيا مصالح (فوق العادة) في سورية، فإضافة الي القاعدة البحرية في طرطوس، والتي لها اهمية استراتيجية لتأكيد الوجود العسكري الروسي في بحر المتوسط، بات هناك كثير من الاشغال التي تدر الارباح للشركات الروسية، وكذلك تأكيد ضمان استمرارها مصدر تصدير السلاح. وإذا كانت روسيا في مواقفها في مجلس الامن (بالتنسيق مع الصين) تريد تأكيد اختلاف الوضع الدولي عما كان عليه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، والذي اتسم بالهيمنة الامريكية الشاملة، بتكريس انها باتت مقررة في كل المسائل الدولية. وكان تلمسها بأن وضع امريكا يزداد صعوبة هو الذي جعل روسيا تتقدم في سورية، فقد أصبح لها مصالح كبيرة لن تتواني عن (القتال) من اجلها، وهي تستغل ضعف امريكا وخوفها من الصين لكي تفرض شروطها، ليس في سورية فقط بل في كثير من مناطق العالم. ولأن امريكا تركز على العلاقة مع روسيا من اجل الا يسمح الوضع الدولي بتشكيل تحالف روسي صيني متماسك، فإنها تقبل بأن تقدم لروسيا الكثير من التنازلات. وهو الامر الذي اخاف فرنسا وبعض (خلفاء) امريكا فذهبت فرنسا لتعويض خسارتها في سورية الي مالي للسيطرة عليها وتعزيز وجودها في افريقيا. 

في البداية تركيا حاولت ان تشكل (تحالفاً) ثلاثياً اخر غير ذاك الذي اصبحت مجبرة عليه (مع قطر وفرنسا)، او انها حاولت تعزيز وضعها بالتفاهم مع (القوي المؤثرة) في الوضع السوري، اي كل من إيران وروسيا ودخلت معهم في اتفاقيات استانا، لكي تتوافق على حل يحقق مصالح كل منها. لكنها اصطدمت ب (تعنت إيران) نتيجة تمسكها المفرط بالسلطة لبشار الاسد، وبتجاهل روسيا التي تعرف انها تحصد ما كان لتركيا، وبالتالي فإن اي توافق يفرض عليها التنازل عن بعض ما اخذت لها. وهنا ما يربكها، وهي تري امريكا تساوم مع روسيا، فتعزز حظوظها في الحصول على ما تريد. الان وبعد سقوط نظام بشار الاسد فإن الصراع على المصالح في سورية بين القوي الدولية يؤشر الي طبيعة الوضع الدولي الراهن، الذي يبدو انه انفتح على اعادة توضع عالمي جديد سوف يفرض التوافق على التقاسم من جديد. ولكنه يوضح من هي القوي التي تسير في اتجاه الخسران، ومن سيربح. فالصراع الذي حسمته اسرائيل وامريكا بعد السابع من اكتوبر ما سمي بطوفان الأقصى طوفان الموت ضرب كل القوي التي كانت تتنافس على الصراع على سورية وغير كل المعادلات والوضع القائم فخرجت ايران ووكلائها واذرعها وبالذات حزب الله مهزومة ومنهارة بخروج بشار الاسد وسلطته من ميزان القوي والمعادلة في الوضع السوري، وكذلك بالنسبة لروسيا التي لعبت دوراً في مساند ل إسرائيل وامريكا واكتفت بعلاقة مع هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، لكي يكون لها وجود عسكري في قاعدة طرطوس المطلة على البحر الابيض المتوسط وبدا ان تركيا هي الرابح وكذلك الدول العربية وبالذات الخليج وقطر.  فبعد ان أنهكت اسرائيل وامريكا (الاسد) بالضربات العسكرية جائت تركيا عبر الفصائل المسلحة التي سلحتها وكذلك بالتوافق مع هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، لتغرز السيف على طريقة صراع الثيران في اسبانيا في قلب الاسد. ليعلن موت الاسد كنظام فالسيناريو للصراع على سورية كان قبل ذلك يدور بين كل من روسيا (وإيران والصين كملحق) وبين فرنسا وتركيا والخليج (قطر خصوصاً)، تركيا التي حاولت الخروج عن (الطوع) الامريكي وجدت انها تعاقب من قبل امريكا فتفوز روسيا وفرنسا التي عملت امريكا على ابعادها عن سورية بعيد احتلال العراق توصلت بأنها تتخلي عنها لروسيا. ورأينا كيف تبدل هذا السيناريو بطريقة دراماتيكية؟ والان كما نري أن (اعادة الاعمار) التي ستلي رحيل بشار الاسد سوف تفتح شهية شركات عالمية كثيرة. تركية وخليجية وغربية وامريكية، وسوف تخضع حظوظها لهذا التقاسم العالمي. هناك (شره) عالمي الان في المناطق التي انهارت وخرجت عن طوق وحدة الساحات والجبهات ومحور المقاومة والممانعة ك غزة، لبنان، سورية، والقادم ان العراق واليمن مرشحين ايضاُ. كل هذا سوف يخلق تصارع خفي بين هذه الشركات التي تظهر في تدخلات دولها، ومن سيربح؟ هذا ما يبدو انه بات محسوماً لتركيا والخليج وقطر وبعدها روسيا الا إذا كان هناك راي لامريكا في ظل ادارة ترامب الجديدة في حال التوافق على حل سياسي برعاية تركيا وامريكا والدول الغربية وكذلك دول الخليج ومنها بالأساس قطر بالرغم من ان المملكة العربية السعودية تريد ان يكون لها دور وازن والذي لا زال يعيقه هو وجود هذا البديل الاصولي الذي بات يحكم سورية. ذلك ان تركيا وقطر عملت على تشكيل هذا النوع من المعارضة الاسلاموية ملحقة بها والدفع بها للوصول الي السلطة وتحقيق اجندتها، كما تمت الاشارة سابقاً الي ان تركيا وفرنسا وقطر قد راهنت على المجلس الوطني السوري الذي يقوده الاخوان المسلمين، والذي حاولت امريكا ان تهمش دوره وذلك بدعم تشكيل الائتلاف الوطني السوري. 

  • الصراع الطبقي من اجل الهيمنة على سورية وتحديد مصير مستقبل الثورة. 

الوضع الدولي الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة لا شك انه يؤثر في وضع القوي في سورية ذاتها، ولقد تمت الاشارة الي (التحالفات)، او محاولات (تبيع) القوي، وتحديد اصطفافها من اجل خدمة مصالح الدول تلك. وادي ذلك الي حدوث ترتيبات مسبقة بين بعض أطراف المعارضة وتلك الدول، تتعلق بالمصالح الاقتصادية التي ستحصل عليها مقابل الدعم السياسي المقدم لهذا الطرف او ذاك من المعارضة. وهنا لابد من الاشارة الي ان الثورة التي بدأت عفوية واستمرت كذلك تواجه منذ البدء محاولات وضعها في سياقات تخدم مصالح قوي طبقية / سياسية بعينها، كما حدث ل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين بعد اسقاط نظام بشار الاسد، دون ان تكون هذه السياقات تخدم بالضرورة مصالح الشعب السوري الذي ثار. فقد تعاملت مع الثورة من منطلق انها مدخل لتحقيق مصالحها وايديولوجيتها (الاستبداد الديني) هي وبغض النظر عن مصالح الشعب وفي الغالب دون حساب لمصالح الشعب، كل ما هناك وعود وكلام عن المؤتمر الوطني والدستور والبرلمان الخ. هنا يتم الكلام عن (النخب والقوي السياسية)، التي تحمل ايديولوجيات واضحة، وتطرح مطالب تخصها هي كما تظهر في البرامج والتصورات التي تقدمها، وكذلك القوي الأخرى الليبرالية، وهنا يجب التنويه الي ان هذه القوي كانت في قطيعة مع الشعب، بالمعني العمري لكن ايضاً بالمعني السياسي، حيث لم تكن تدرس واقعه ولم تطرح بالتالي ما يمس مشكلاته، ولا دافعت عنه ايضاً. لكنها طرحت تصوراتها لما تريده لسورية (المستقبل) وهي توكد الان ذلك بعد اسقاط النظام في اللحظة الراهنة، وكانت تنطلق في الغالب من (رفض السلطة) وليس من تقديم رؤية بديلة واضحة المعالم، بل كما هو حال الادارة العسكرية الحالية رؤية مشوشة وغير واضحة المعالم وتسكنها لحظة تأصيل نفسها في السلطة، في الوقت تظهر سياستها العامة الموقع الطبقي الذي تعبر عنه، والذي تريد من الثورة ان تصل اليه. وهو بإنجاز مشروعها الدولة الدينية. لقد تبلورت القوي قبل الثورة في اتجاهات لا تنطلق من تلمس مشكلات الشعب، بل من مصالح فئات وسطي فرضت اولويتها دون ان تلمس التكوين الاقتصادي او تطرح ما يناقض الشكل الذي كان يتخذه، والذي كان يقوم على تحقيق التحول الليبرالي (الاقتصاد الحر). فقط كان النقد يطال احتكار الاقتصاد من قبل (عائلة الاسد ومخلوف) وحواشيها. وإذا تم تلمس وضع الاحزاب سنجد بأن (الخلفية) السابقة لم تعد هي المقياس الذي يمكن ان نبني على اساسه. بمعني ان الاحزاب التي نشأت كأحزاب (يسارية) (قومية او ماركسية) شهدت تحولاُ مهماً، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي جعلها تؤسس رؤيتها انطلاقاُ من أولوية (الديمقراطية). وبالتالي إذا أردنا تحديد اتجاهات هذه الاحزاب سوف يتم لمس انها سارت في مسارين يتوافقان في الاساس ويختلفان في (السياسة). الاول تمثل في انحراف افراد واحزاب نحو (الليبرالية) ليس بالمعني الاقتصادي فقط، ولقد طرحت الانتقال الي الديمقراطية كواجهة لخطابها، لكن الاهم هنا هو ان اللبرلة فرضت عليها التحول الكلي في (الثقافة) والمواقف، ومن ثم التوسعات والتحالفات. فقد ارتبط رفض النظم الاستبدادية، ليس برفض شكل السلطة الاستبدادي فقط، بل برفض خطابها وسياساتها. دون تلمس ما هو حقيقي وما هو من اجل (التغطية) على ما هو معاكس للواقع (وهذا هو دور الايديولوجية في أحد وجوهها). لهذا اعتبر ان هذا النظام قومي ومعادي ل (الامبريالية)، الامر الذي جعله يؤسس خطاباً معاكساً (وهذه مصيبة كل اليسار الممانع والمقاوم)، ليصبح تبني الليبرالية هو تبني لكل المنظومة (الغربية) بما في ذلك الايديولوجية والسياسات. وبالتالي ارتبطت اللبرلة الاقتصادية لديه برؤية سياسية تقوم على محور العلاقة مع الدول الامبريالية، وعلى (التزام) سياستها العالمية، اتجاه قضايانا. أصبح هدفه ليس بناء سلطة (ديمقراطية) فقط بل وربط سورية بالمحور الامبريالي. هذا كان في اساس تشكيل اعلان دمشق في سبتمبر سنة 2005، وفي اساس تشكيل (المجلس السوري الوطني) الاخواني، وهيئة تحرير الشام لاحقاً، لأنه بات اساسياً في سياسات بعض الاحزاب، وكثير من النخب. 

الكل بات يسأل لماذا تصدرت حركة الاخوان المسلمين والسلفيين هيئة تحرير الشام المشهد العام وليس القوي والاحزاب والتنسيقات سواء القومية او اليسارية؟ كما ذكرنا في الحلقة السابقة انه إذا أردنا تحديد اتجاهات هذه القوي سوف يتم لمس انها سارت في مسارين يتوافقان في الاساس ويختلفان في السياسة وكما ذكرنا: الاول تمثل في انحراف افراد واحزاب نحو (الليبرالية) ليس بالمعني الاقتصادي فقط، وقد طرحت الانتقال الي (الديمقراطية) كواجهة لخطابها. وهذا تم نقاشه اما: الثاني: تمثل في تركيز بعض الاحزاب والنخب على الديمقراطية، اي على تغيير شكل السلطة دون المس بأساسها الاقتصادي، من اجل تحقيق الانتقال من الاستبداد الي الديمقراطية. وهو هنا كان يري (التقارب) مع السلطة فيما يتعلق بما هو قومي، وفي معاداة الامبريالية، رغم ان السلطة في جوهرها لم تعد كذلك في هذه المسائل، وقد سارت خطوات في تغيير خطابها لمصلحة خطاب هو أقرب الي اتجاه الصنف الاول الذي غير كلية الخطاب. فاللبرلة بالنسبة للفئات المسيطرة (رجال الاعمال الجدد المافيايوية) كانت تعني بالضبط، تغيير الخطاب، لمصلحة خطاب متوافق مع (الغرب). وهذه الرؤية هي التي كانت في اساس موقف الاحزاب والنخب التي اسست (هيئة التنسيق لقوي التغيير الوطني الديمقراطي)، والتي اتخذت موقفاً (اصلاحياً) (لم يتناول اسقاط النظام) الا في وقت متأخر جداً. انطلاقاً من كل ذلك يمكن ان نفهم لماذا سيطرت وهيمنت حركة الاخوان للمسلمين وهيئة تحرير الشام على المشهد والمستقبل الذي يراه هذا البديل الاصولي لسورية، وكذلك المستقبل الذي كانت تراه تلك القوي والنخب القومية واليسارية لمستقبل سورية. والذي انعكس في السياسة التي تبعها هذان الاتجاهان تجاه الثورة. فقد عملت بعض الاحزاب (التي تبلورت في المجلس الوطني السوري) الاخوان مع بعض من الليبراليين، على محاولة فرض سياسة تقوم على: ا- حصر مطالب الثورة في الحرية والديمقراطية، ورفض كل ميل لتضمين المطالب قضايا البطالة والفقر والتهميش والتعليم والصحة، والوضع الاقتصادي عموماً، مع تأكيد على (الاقتصاد الحر) في وثائق اساسية اقرتها. 2- اعتبار ان (التحالف) مع (الغرب) وتركيا امراً بديهياً، والتواصل المباشر وغير المباشر مع البلدان الامبريالية. 3- ظهور نزعات واضحة لفتح خطوط مع اسرائيل. 4- التوضيح بالتموضع في المحور (الغربي) من خلال التصريحات والسلوك. هذا هو الخيار الذي مارست على ضوئه قوي اساسية في المعارضة التي باتت تناضل من الخارج قبل اسقاط النظام، ونسقت مع بلدان (غربية) خصوصاً فرنسا وتركيا، اللتين ظهرتا كداعمين مهمين لها. وهنا سيتم لمس بأن ما تقوم به هذه المعارضة، على مستوي سورية المستقبل قبل مجيء النظام الجديد بقيادة البديل الاصولي هيئة تحرير الشام، هو انجاز ما لم تسمح الظروف لبشار الاسد تحقيقه. اي تحقيق توضع سورية في (المحور الغربي) واكمال اللبرلة (بعد تبديل الفئة المحتكرة من أل الاسد ومخلوف وشاليش الي ((رجال الاعمال الجدد المافياوية))). فهذه نتيجة طبيعية لإكمال التحول الذي بدء، والهادف الي نقل سورية من (رأسمالية دولة) الي (دولة المافيا الدينية) وان كان تحت قيادة البديل الاصولي. وذلك بإعادة تموضعها من محور المقاومة والممانعة المزيف الي تموضع عالمي، وبمستوي (منخفض) من الديمقراطية ان لم نقل من غير ديمقراطية وهذا سوف يكون مأزقهم. وقبل اسقاط النظام فرض التمسك ب (مناهضة الامبريالية) (والقضايا القومية) على (معارضة الداخل) التي تضعضع وضعها بعد ان فقدت اي دعم شعبي ووجهت برفض مطلق من قبل سلطة الاسد لكل حلول (اصلاحية)، ان تأخذ في الاعتماد على روسيا / الصين والتقرب من إيران كمدخل للضغط على سلطة الاسد لكي تقبل عملية الانتقال من الاستبداد الي الديمقراطية. وهذا ايضاً ما عملت عليه تركيا قبل اسقاط النظام وخصوصاً بعد تهديد نتنياهو لبشار الاسد بانك تلعب بالنار فقد طرح اردوغان الرئيس التركي لقاء مع بشار الاسد ولكن الاخير عاند ووضع شروط. ورغم ان هذا الخيار له افاق نتيجة الوضع العالمي الجديد وخصوصاً بعد السابع من اكتوبر الذي غير موازين القوي تماماً، فأن التراكب معه سوف ينتج سلطة لا تختلف كثيراً عن تلك التي سينتجها الخيار السابق، بالضبط لأن روسيا باتت دولة امبريالية، ولقد وقعت اتفاقيات مع سلطة بشار الاسد شبيهة بكل الاتفاقيات التي تعقد مع الدول الامبريالية وهي الاتفاقيات التي ستلتزم بها كل سلطة تأتي مدعومة من الروس، لكن الاختلاف هنا سيكون في ان (السلطة الجديدة) ستكون متوافقة مع توضعات الوضع الدولي كما يتبلور الان. والان المقصود به قبل سقوط نظام الاسد اما الان في اللحظة الراهنة مع هيمنة هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين على السلطة ستكون متوافقة مع توضعات الوضع الدولي الجديد ما يطرح بشرق اوسط جديد كما يتبلور الان. في كل الاحوال سواء كان قبل اسقاط النظام فلن تكون الرعاية الروسية أفضل في كل المسائل المشار اليها للتو، اي في طبيعة الاقتصاد، كما هو سيكون في ظل وجود هذا البديل الاصولي، حيث سيكون ليبرالياً ومتحكم فيه من قبل مافيا ما سواء كانت علمانية رجال الاعمال الجدد او مافيا دينية هيمنة رجال الدين، ومستوي (منخفض) ان لم يكون معدوم (للنظام الديمقراطي). وهنا سيكون واضحاً ان كل منطلق ينبني على (حرية الاقتصاد) (اللبرلة) سوف يقود الي النتيجة ذاتها، وبالتالي الي تعميق الازمة المعيشية للشعب، وتكريس نمط الاقتصاد الريعي. 

لا زلنا نبحث في الاسباب التي ادت الي هيمنة البديل الاصولي على الحراك الشعبي والثورة في سورية، ونكمل هنا ان خيار المعارضة كان خيار ليبرالي، وان اختلفت التوضعات في الوضع العالمي. ولقد عمل كل (تحالف) منها، وكل فصيل، على(كسب)، مجموعات من شباب الثورة لكي يؤكد حضوره في الصراع، وهو الامر الذي كان يشتت ويربك ويقود الي خسارات، والي تفكك في الحراك الشعبي ذاته. في الحلقة السابقة فإن ما تم الاشارة اليه يتعلق بالمعارضة التي كانت في (اليسار)، والتي افرزت الهيئات التي باتت تمثل المعارضة الان، بسياساتها التي اشرنا اليها، لكن كان يظهر منذ بدء الثورة ان (جماعة الاخوان المسلمين ولاحقاً هيئة تحرير الشام) قد دخلت على خط الثورة، عبر دعمها اولاً، ومن ثم عبر المؤتمرات التي دعمتها او دعت اليها في الخارج، ومن ثم في الاسهام الفعلي في تشكيل (المجلس الوطني السوري)، وفي التأثير في الاعلام (عبر العلاقة مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وخصوصاً عبر قناة الجزيرة القطرية). وإذا لم يكن واضحاً دورهم منذ بدء الثورة، فقد استغلوا علاقاتهم الاعلامية ومقدرتهم المالية للتأثير في مسار الثورة، وايجاد (مركز ثقل) لهم. خصوصاً بعد انتقال الثورة (الي العمل المسلح)، وبالتالي الحاجة الي المال والسلاح. بالتالي، ما قيل على سياسة المجلس الوطني السوري ينطبق عليها، خصوصاً وإنها كانت الدينامو في تشكيله (عبر العلاقة مع اعلان دمشق، وحفنة من الليبراليين)، وفي الهيمنة على كل مفاصله، ومن ثم السيطرة عليه في الاخير. ولربما كانت تعتبر ان المجلس هو (الغلاف) الذي يسمح باعتراف دولي، (كما هو الان الادارة العسكرية تحت قيادة هيئة تحرير الشام) (يكرسها) كممثل (شرعي ووحيد) للثورة. ولقد بنت منطقها على استدراج التدخل العسكري (الغربي التركي الاسرائيلي)، لتصبح هي السلطة الجديدة والنظام الجديد في تشبيه بالتجربة العراقية حيث زحفت قوات الجولاني والفصائل المسلحة التابعة لتركيا من الشمال وانطلق من ادلب الي حماه الي حمص الي دمشق عبر اسلحة ودبابات تركية) ولهذا كانت حركة الاخوان المسلمين وهيئة تحرير الشام تدفع الي الانتقال الي العمل العسكري والي اسلمة الثورة بالتالي من اجل خلق ارضية لذاك التدخل. ما تطرحه حركة الاخوان وهيئة تحرير الشام (كبديل اصولي) اذن توافق مع (الغرب) وتم السكوت عنه حين تم اسقاط النظام وبات يتصدر الاحداث بعد ان هيمنت هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين على الثورة، وبات يؤسس لتوضع سورية في المحور (الغربي) بعد ان كان المحور الايراني الروسي الصيني، ولكن بعد ان تفكك هذا المحور بفعل الضربات التي تلقتها سورية وإيران وحزب الله وحماس والمليشيات العراقية والمليشيات اليمنية الحوثي، وباتت هناك تحالفات جديدة، وهو الامر الذي. الذي جعل بالإمكان تلخيص ان التصور الذي بات يطرحه الاخوان المسلمين والسلفيين بعد اسقاط النظام الاسدي ل (سورية المستقبل) بأنه ليبرالي لإقناع الدول الغربية بمشروعهم ولنظامهم الجديد؟ اولاً كما تحدثنا سابقاً ان هذا المشروع الليبرالي تحت قيادة الاخوان والسلف لا يحمل حلولاً للمشكلات المجتمعية. كما ان لدي هذا المشروع ميل لفرض سيطرة اصولية وتعميم منطق طائفي يظهر من خلال تصريحات العديد من قادتها، وخصوصاً التصفيات التي تتم وتدعي هيئة تحرير الشام انها فردية بينما هي ممنهجة. وبالتالي فهي تطرح سيطرة اصولية واضحة على السلطة الجديدة باسم الاسلام، مع الاستمرار في السياسات الاقتصادية التي بدأتها سلطة الاسد، الامر الذي سيعمق الازمة المجتمعية في الوضع الراهن الذي تبلور بعد اسقاط النظام البائد، اذن هناك خيار (اسلامي) ليبرالي يعمل ممثلوه على ان يكون هو السلطة والنظام الجديد، وهم يناورون من اجل السيطرة على تشكيلات المعارضة التي يمكنها ان تشكل بديلاً لهذا البديل الاصولي. وتظهر تكتيكاتهم انهم يخضون صراعاً منذ الان لفرض هذه السيطرة وتكريس الجماعة والادارة العسكرية لهيئة تحرير الشام لتستمر في الحكم. وهنا تختلط الأسلمة باللبرلة بالعلاقة مع الغرب الذي يريد ان يري افعال وليس اقوال، وبالربط مع تركيا. ودول الخليج التي هي ايضاً تريد ان تري افعال وليس اقوال خصوصاً ما يخص طبيعة الدولة والنظام السياسي، لأنه بنظر جماعة الاخوان السورية وهيئة تحرير الشام انها محاولة تكمل ما بدا في تونس ومصر من حيث تحقيق (الوعد الالهي) بقيام (الخلافة الاسلامية). ولا شك ان تجربة مصر وفشل الاخوان المسلمين توضح حدود هذه المحاولة، وتشي بنهايتها، لأن مقياس الشعب هو من يحقق مطالبه التي تمرد من اجلها، وهي بالتأكيد ليست (دينية) بل تتعلق أصلاً بالمقدرة على العيش. وفي هذا المجال ليس من مصلحة جماعة الاخوان وكذلك تحرير الشام تحقيق التغيير الضروري في النمط الاقتصادي، بل أن رؤيتها (الاسلامية) تتأسس على الحرية المطلقة للتجارة والملكية. الي حد اعتبار ان التبلور (الاصولي) هو نتاج تجار المدن في المراحل السابقة، وهو الان متبني من قبل فئات تجارية تقليدية وعائلات وبيوتات تجارية. 

هنا الصراع الطبقي من اجل الهيمنة وتحديد مصير الثورة، بوصول هيئة تحرير الشام وهذا الاخير ظهر متأخراً وهو خيار (الجهاديين)، اي السلفيين الوهابيين الذين كانوا يأتون المناطق التي باتت في فوضي لكي يفرضوا سلطتهم عليها مثال (ادلب). ولهذا حالما وصولوا شمال سورية أعلنوا عن تأسيس (الدولة الاسلامية) التي تطبق المنطق الوهابي، الذي هو استعادة لمنطق القرون الوسطي. من حيث (الحقل المعرفي)، ومن حيث الشكل و(البساطة) وفي سياق تشدد كبير يركز على القيم (الاخلاق والالتزام الشامل بالدين) ويتجاهل كلية التكوين المجتمعي. لتصبح (السلطة) هي وسيلة ممارسة العنف المباشر من اجل اعادة الشعب قروناً الي الوراء وتحت شعار من لم يكن معنا فهو ضدنا فأي مشتبه به يعامل كمحارب ضد هذا البديل الاصولي. والمهم هنا انه لا يوجد لدي هذا البديل الاصولي فهم اقتصادي او سياسي، ودون حاجة للبناء وتوفير العيش. وهم يضغطون تحت شعار (انه ما دامت العقوبات مفروضة على الاقتصاد السوري فلن يكون هناك تحسن في الحالة المعيشية) والهدف هنا المبتغى من خلف هذا الشاعر هو الاعتراف الدولي والامريكي خاصة والخليجي بهم ورفعهم من قائمة الارهاب ليكونوا هم الشرعية الوحيدة في اللحظة الراهنة. وبعد ذلك فالنهب الاقتصاد هو الوسيلة التي سوف تمكنهم من الهيمنة. لكن هذا النمط من الاصولية لا يستطيع السيطرة على الدولة، بل يقيم سلطات محدودة في كل منطقة من المحافظات السورية التي بات يحكمها، وسوف يدخل في صراع اجلاً ام عاجلاُ مع الشعب تحت مسميات مختلفة، من التكفير والزندقة الي الروافض والمروق. وبهذا فهو ليس خياراً حقيقياً، بل هو فعل تخريف في الثورة التي لم تنجز حتى الان من اجل افشالها، لأن كل الاليات التي يمارسها هؤلاء لا تفضي سوي الي التخريب (تطفيش الشعب من الثورة) وان جاء تحت شعار ان اللحظة الحالية ليست للثورة بل للدولة (طبعاً الدينية)، فهم يمارسون قيماً سطيحة ومجزوؤه، وتركز على ما هو (قيمي) فقط. ومن هنا يأتي تحديد (الصراع الطبقي من اجل الهيمنة وتحديد مصير سورية)، ذلك ان البحث في خيارات القوي يوصل الي انها من حيث الاساس الطبقي تعبر عن فئات تجارية، ورجال اعمال، وفئة رجال دين اي عن الرأسمالية الرثة، وبفئاتها التقليدية و (الحديثة). مطروحة في مستويين، وان كان يمكن ان يتلاقيا، الاول هو القوي الليبرالية دون قيم فكرية، والثاني القوي الاصولية التي تتقاطع مع القوي الليبرالية لكنها تريد فرض الأسلمة. وإذا كان التوافق قائماً بين هذه وتلك الان وفي إطار التحالف مع (تركيا والغرب) اي مع القوي الامبريالية القديمة، وكما تري الان الخطوط التي تمدها هذه القوي الاصولية مع الاقليم والعالم ونشوء تحالفات جديدة بدل التحالفات القديمة حتى روسيا اليوم تريد ان تكون ضمن تحالف مع هذا النظام البديل وكذلك تبحث إيران عن منفذ لتدخل منه بعد سقوط النظام الاسدي. وكما نلاحظ ان القوي الليبرالية صوتها خافض ولن تقدر ان تكسر حاجز الخوف مع هذا البديل الاصولي، ولكن ما يمكن تلمسه هو ان القوي الاصولية سوف تكون ضعيفة في اي مؤتمر وطني سوف تدعوا اليه تحت الضغط العالمي والاقليمي والخليجي ولذلك تريد تشكيل هذا المؤتمر من يناصرها فقط وكذلك فان اي انتخابات ستجري بعد ان يتم اعداد دستور للبلاد وهو المعضلة الاساسية لدي هذه القوي الاصولية ذلك انه لم تحدد اي تاريخ لعقده لأنها تعرف انها ضعيفة في هذا المجال، وان القوي الليبرالية لن تكون قوية كذلك، واحدي السيناريوهات هو وربما ينفتح الوضع على وجود احزاب كثر يمكن ان تتشكل في كتل صغيرة لا يستطيع اي منها تشكيل حكومة برلمانية دائمة وهو الامر الذي يفرض تحالف العديد منها، ومن هذا المنظور لن يحدث في سورية ما حدث في مصر وتونس، وربما تكون ليبيا هي الاقرب للحالة السورية مع تبلور ميل ارجح لليبراليين (وربما مجموعات من اليسار والقوميين) كبديل لهذا البديل الاصولي ؟؟ 

في هذه اللحظة الراهنة بدت تتكشف معالم ومشروع هذا البديل الاصولي حيث اعلن وضمن ما سمي بخطاب النصر ومن محمد الجولاني (احمد الشرع)من قصر الشعب بتنصيب نفسه رئيس ل سورية، وشكل جيشه (بما سماه توحيد المؤسسة العسكرية عبر لقاء مع قادته العسكريين واستثني الفصائل الأخرى منه قوات سورية الديمقراطية وكذلك الفصائل الدرزية الخ اي اختار الجيش الخاص به وهو عبر تحويل اسم الادارة العسكرية لهيئة تحرير الشام الي الجيش العربي السوري وحل الجيش السوري وكل مؤسساته  وذلك عبر خطبة وكانه موجود في منبر مسجد يلقي خطبته ذات المحتوي الاصولي  من  بيت او قصر الشعب ؟وكما قال فأنه يعين نفسه لكي يملأ فراغ (السلطة) ويطبق كما يراه العدل (والشوري)، (طبعاً هو لا يعترف لا بالديمقراطية ولا بمؤسساتها مثل البرلمان والقضاء يريد فقط مجلس شوري (مجلس تشريعي مصغر يملأ فراغ السلطة التشريعية) وبدل ان يعلن ذلك من خلال المؤتمر الوطني اختار مؤتمر القصر وخطاب النصر وهو يسمي كل ذلك بأنه هي المرحلة الانتقالية وكما اشرنا من قبل انها سوف تكون دائمة كما يريدها محمد الجولاني، لكي يتوج بالشرعية السياسية والاعتراف به كرئيس لسوريا. وكأنه نهاية للثورة السورية حيث أعلن وزير خارجيته الشيباني انه تمت عملية تشكيل (هوية) سورية الجديدة تحمي السورين. وان النظام سيكون نظام رئاسي مركزي (طبعاً استبدادي اصولي) اذن هذه ملامح اجندة هيئة تحرير الشام لمستقبل سورية. الان ما يبدو اتضحت (الافعال وليس الاقوال) لهذا البديل الاصولي او كما يسمي (الحالة الاسلاموية) للنظام الجديد. فهل تم اسدال الستار على الثورة السورية وهل هذا هو مصيرها؟؟ هذا يفتح الان لتصارع القوي على السيطرة من اجل تحديد (طبيعة) السلطة القائمة والثورة التي اختطفها البديل الاصولي. ولاشك في ان للتحالفات القائمة الان معني في هذا السياق لكنه لا يلغي ان خياراتها حول المسألة الاساسية (ومتتبعاتها) هي واحدة (البديل الاصولي واللبرلة والتموضع مع تركيا وقطر ومع البلدان الامبريالية عالمياُ) (فزيارة امير قطر بالأمس لسورية لم تأتي بجديد وحتي المبلغ الذي قيل انه سيتم ادخاله في المصرف المركزي الخاوي وهو ثلاثة مليارات دولار الي هذه الخزينة لم يتم لان المصرف المركزي لازال تحت العقوبات الامريكية)، اذن هناك سياقات ايديولوجية متعددة، ومنها السياق الاصولي الذي يريد ان يفرض نفسه كأمر واقع والذي لن يكون قادراً على ان يفرض بديله (الديني)، وفي الغالب السياق الليبرالي الذي ممكن ان يوحد اطياف المعارضة القائمة. وهذا الخيار لا زال يبحث له عن وضع في السلطة حتى مع هذا البديل الاصولي ولسان حاله يقول (لننتظر ونراقب) وهو مثل خيار اليسار، الذي لم تتم الاشارة اليه، والسبب هو الضعف الشديد الذي يعانيه، خصوصاً بعد انتقال احزابه الي الليبرالية (مباشرة او بشكل مداور). وان التبلور اليساري الذي يجري على الارض خلال الثورة لم ينضج بعد لكي يشكل خياراً مختلفاً، رغم ان الواقع المجتمعي سوف يفرض مع تطور واستمرار الثورة ضد هذا البديل الاصولي تنامي الميل اليساري لأنه وحده يحمل الحل للمشكلات المجتمعية، فهو الذي يريد تغيير النمط الاقتصادي، الذي سيبدو ان تجاوز النمط القائم سيكون بالضرورة هو تجاوز الرأسمالية الرثة وان كانت عبر جلباب ديني اصولي. الان يمكن ان نلمس (القاعدة) الطبقية وخصوصاً مع اعادة اعمار سورية، التي يمكن ان تحمل هذا الخيار بتلاوينه. فهذه القوي هي تعبير عن مصالح طبقية سواء وعي اعضائها او لم يعوا، فالخيار الاقتصادي هو الاساس هنا في تحديد اي الطبقات تخدم هذه القوة او تلك. وإذا تم الحديث عن القوي السياسية فإن مستوي اخر من الصراع يجري لتحديد (مستقبل سورية)، هو الصراع بين فئات رأسمالية وان تغطت بالعباية الاسلاموية يريد كل منها الهيمنة والسلطة. وإذا كان اسقاط سلطة الاسد سوف يقود حتماً الي تصفية الفئة المهيمنة الان ومنها اجتثاث حزب البعث الذي أعلن عنه محمد الجولاني، و (العائلة الاسدية)، فإن فئات اخري تتحضر لكي تهيمن على المشهد الاقتصادي، وبالتالي السياسي في هذه المرحلة وهي هيئة تحرير الشام، البديل الاصولي. 

  • مصالح الطبقات ومطالبها. 

هناك تاريخ طويل في سورية لهذه الرأسمالية الرثة التي عبرت عن القاعدة الطبقية في سياق ايديولوجيات متعددة ومنها السياق الاصولي الجهادي وفي السياق الليبرالي. ففي الفترة السابقة كانت هناك فئة تجارية قد رحلت مع (التأميم)، واخري رحلت مع تصفية جماعة الاخوان المسلمين سنة 1980. ولقد اسست مشاريعها في الخارج. وهي تطمح الان بعد اسقاط نظام بشار الاسد، لكي تعود كقوة اقتصادية وهذه الفئة تداخلت ولا زالت مع الرأسمال الخليجي، والتركي والعالمي، وهي اميل الان ان تبقي في إطار هذا المحور، حيث باتت مصالحها تضعها هنا. لكن وبنظرة الي الوراء في سورية كانت القوة الطبقية المسيطرة تتشكل من (رجال الاعمال الجدد)، وهم من كبار رجالات الدولة الذين نهبوا فراكموا المال. وتمحور وجودهم في الاخير حول (العائلة) التي تحكمت في نسبة كبيرة من الاقتصاد (20 بالمئة) وفق بعض التقديرات الاقتصادية. وباتوا يسيطرون على المفاصل الاساسية في الاقتصاد الريعي (الخدمات والسياحة والمولات والاستيراد والعقارات). ثم كانت تتشكل من البورجوازية التجارية / الصناعية (التقليدية) المتمركزة في دمشق وحلب خصوصاً. وكل هؤلاء مع رجال الاعمال الجدد كانوا يسيطرون على 70- 80 بالمئة من الاقتصاد. وإذا كان متوسطي التجار قد وقفوا مع الثورة، ولكن في الخفاء ؟، فإن هذه البورجوازية ظلت تدافع عن السلطة لفترة طويلة، ولا زال كثير منها يدافع عنها رغم رحيله لبناء مشاريع في بلدان اخري. لكن سنلمس بانها باتت مقتنعة بضرورة رحيل سلطة الاسد، وممكن ان تعمل على ان تكون جزء من السلطة الجديدة (البديل الاصولي الجهادي) ؟، اما (رجال الاعمال الجدد) فإن الفئة المهيمنة سوف تقتلع بالضرورة مع اسقاط النظام، وسيبقي  هناك الكثير منهم، وربما في اطار التحالف مع البورجوازية (التقليدية) وسيكونون القاعدة الطبقية لكل فئة في سلطة هذا البديل الاصولي يمكن ان تميل الي تحقيق (انقلاب) في النظام الجديد بقيادة من نصب نفسه رئيس لسوريا الشيخ محمد الجولاني (احمد الشرع)، ويمكن ان يفتح على تشكيل (مرحلة انتقالية اخري) غير هذه المرحلة التي تسمي انتقالية بالتوافق مع قوي طبقية اخري ؟. بالتالي فإن البورجوازية بكل تلاوينها، وتشققاتها الراهنة، ان تتوحد ومن الممكن ان تعمل على تجديد الشكل الليبرالي للاقتصاد في حال لم تنجز الثورة هدفها ووقفت عند هذا البديل الاصولي، بغض النظر عن شكل الدولة، الذي يمكن ان تتوافق الان على (صيغة دولة ديمقراطية) ضمن مستوي (منخفض جداً)، وسوف يظهر الخلاف فيما بينها نتيجة اختلاف (العلاقات) الدولية والاقليمية، اي نتيجة ارتباط فئاتها بهذه الدولة الامبريالية او تلك او بهذه الدولة الاقليمية او تلك. رغم ان الصراعات الدولية بعد اسقاط نظام بشار الاسد تسير نحو (انتصار) الهيمنة امريكا وتركيا وقطر بدلاً عن الهيمنة السابقة لروسيا وإيران. والسؤال هنا: لكن ماذا يمكن ان يحقق الشعب السوري؟ 

  • لكن ماذا يمكن ان يحقق الشعب بعد سقوط نظام بشار الاسد؟ 

إذا تم الانطلاق من الشعارات التي تطرح من قبل المعارضة او الشعارات التي تطرح من قبل البديل الاصولي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين كتعبير عن (مطالب الثورة) فإنها كلها تؤكد على السعي لتحقيقها وان كان حتى الان بالأقوال وفي توجهات توحي بعكس ذلك؟ فالحرية والديمقراطية هما (المطلب العام) كما يجري الترويج له وان كان من باب (الشورى) على حسب خطاب محمد الجولاني (احمد الشرع)، وهذه القوي تقول انها سوف تحققها، ولا شك فإن تجاوز الاستبداد الاسدي بات مؤكداً بعد سقوط النظام ولكن دون ان يعني ذلك تحقيق الديمقراطية، التي سيخضع تحقيقها لمصالح القوي والطبقة المسيطرة الان وهي البديل الاصولي. ولهذا جرت الاشارة الي (مستوي جداً منخفض من الديمقراطية) في شكلٍ السلطة الجديدة بعد التغيرات الاخيرة وتشكيل حكومة انتقالية ورئيس جديد لسوريا هو من عين نفسه لهذا المنصب ومجلس تشريعي مصغر؟ لكن هل ان مطلب الديمقراطية هو مطلب كل الشعب السوري؟ او هل انه المطلب الوحيد لكل الشعب؟ (المراوغة والمناورة) سواء التي جرت سابقاً في ظل نظام بشار الاسد او المناورة والمراوغة التي تقوم بها هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، قامت وستقوم على حصر الثورة بمطلب (الحرية والكرامة) من جهة، والان بالأسلمة من جهة اخري. لكن هذه المراوغة (بالأقوال) لا تستطيع ان تخفي ان للشعب مطالب عديدة وجوهرية، وهي التي لها الاولوية. فالشعب الذي لا يستطيع (العيش) وكما هو حادث في اللحظة الراهنة، لا يستطيع ان (يفكر) بغير هذه المسألة بالتحديد. وكل كلام عن الامن هو يطرح ان خلف الاكمة ما ورائها واي كلام خارج سياق (العيش) سوف ينهار سريعاً، لأن تحقيق هذا النوع من (الديمقراطية) او (الشورى) لن يوقف الثورة لأنه لن يجعل الشعب يعود الي (السكينة)، فهذه لا تطعم وهو يحتاج الي العيش اولاً. علاوة على ان ما يمنع المجتمع الدولي والعربي هو بسبب هذه القوي والتنظيمات الاصولية والجهادية التي لازالت تحت قائمة الارهاب وبالتالي العقوبات الاقتصادية يعني كأنك يازيد ما غزيت من الاستبداد العلماني الي الاستبداد الديني؟ لهذا فإن هذه المسألة (العيش)هي (روح) الثورة، وهي الاساس الذي سوف يجعلها (ثورة مستمرة)، الي ان يتحقق التغيير في النمط الاقتصادي. فالطبقات الشعبية ثارت لأنها تريد تغيير وضعها (المعيشي) الان وليس في امد بعيد كما تريد هذه الحكومة والرئيس الذي عين نفسه محمد الجولاني (احمد الشرع) لمدة 4 سنوات؟! او تحت امل ان تتحقق من خلال (الوعود) التي يمكن ان تطلقها هذه القوي السياسية البديل الاصولي او تلك، حيث ان الشعب لم يعد يستطيع العيش الان، وبالتالي لا يستطيع الانتظار الي ان تظهر قوة سياسية تحقق ذلك. هناك ما بين 60الي 70 بالمئة عاطلون عن العمل من القوي العاملة، وهم ممن يمتلكون شهادات عالية، والكتلة الاكبر منهم هم من المؤهلين كيد عاملة وكانوا في اساس كل التظاهرات، والقوة الاكثر صدامية وجرأة، ومنهم تشكل العديد من المجموعات المسلحة، وهم قاتلوا لأنهم يريدون وضعاً يؤهلهم للعيش عبر ايجاد عمل، وهذا هو مطلبهم الاساسي بغض النظر عن كل الشعارات والايديولوجيات الاصولية والجهادية، لأنهم يريدون العيش اولاً، وكذلك لا ننسي المهجرين والنازحين واللاجئين السورين في الدول العربية والغربية الذين يريدون العودة ولكن في حال توفرت فرص العمل. وهناك (العاملون)، اي العمال والموظفين، الذين باتوا يعيشون ادني من خط الفقر، ونسبهم كبيرة تصل الي أكثر من 40 بالمئة حيث كان الحد الأدنى للأجور سنة 2010 كان اقل بخمس مرات من الحد الأدنى الضروري حسب دراسات الدولة ذاتها. فقد كان الحد الأدنى هو 6 الأف ليرة سورية بينما كان يجب ان يكون الحد الضروري حسب حاجة الفرد من السلع والخدمات 21 ألف ليرة سورية، وهذا الحد الأدنى الضروري كان ثلاثة اضعاف متوسط الدخل الذي حسب الدراسة 11 ألف ليرة سورية. فما بالك بالوضع الان بعد اسقاط نظام الاسد والحرب الطاحنة التي تم فيها تدمير الصناعة والزراعة الخ. وهناك ثالثاً الفئات الوسطي المفقرة. الفلاحون ومتوسطي الملكية وصغارها الذين طالهم انهيار الزراعة خلال كل الفترات منذ اندلاع الثورة (وبعد رفع اسعار المشتقات النفطية والبذور والاسمدة). والفئات التجارية المتوسطة والصغيرة التي يطحنها الانفتاح الذي تحقق في العقد الاخير، ونشوء الاشكال التجارية الحديثة (المولات) ودخول الماركات العالمية، وايضاً تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وانحدار وضع المهنيين، الاطباء والمحامين والمهندسين وغيرهم، نتيجة فائض الخرجين واحتكار قلة منهم للنشاطات المتعلقة بالعمل نتيجة علاقة المعزب بالزبون الحكومية او بالسلطة او بمافياتها. وبالتالي استفادة فئة منهم وانحطاط وضع الاخرين. وايضاً هناك رابعاً العمال والعمالة عموماً في القطاع الخاص، التي عانت من انخفاض الاجور وغياب الضمان الاجتماعي، وعدم الاستقرار في الوظيفة والعمل. كل ذلك نتيجة ميل الرأسمالية الي مراكمة الربح عبر الاستغلال الأقصى للعمالة، دون روادع او شروط تمنعها من ذلك. وكل هؤلاء الرأسماليين كانوا يرتبون وضعهم عبر علاقة (المعزب بالزبون) وعبر العلاقة مع اجهزة السلطة. كل هؤلاء، وربما تبلغ نسبتهم ال 80 بالمئة من المجتمع، يريدون تحسين اوضاعهم. والثورة بالنسبة لهم هي الطريق لتحقيق ذلك، ولقد شارك الكثير منهم لهذا السبب بالذات، ومن لم يشارك يريد ايضاً تحسين وضعه وان لم ينخرط في الثورة. 

  • ما الذي يريده الشعب السوري ان يتحقق بعد اسقاط النظام ؟، وماذا يمكن ان يحقق الشعب السوري بعد اسقاط النظام؟ 

هذه اسئلة مهمة تواجه الشعب السوري في هذه اللحظة من الثورة، وهم يريدون حلاً لا يطبخ في الغرف المغلقة وفي المؤتمرات الدولية والاقليمية او في اللقاءات بين محمد الجولاني (احمد الشرع) والدول الاقليمية العربية او تركيا او الغربية ولا يلقي جزافاً هكذا في خطب ترجعنا الي الزمن الماضي؟ اي ان الشعب يريد حلاً الان وليس في المستقبل والقول ان عملية البناء تريد فترة زمنية طويله حتى يتحقق التغيير؟ لهذا فالشعب السوري يرفض الوعود، ويرفض ادخاله في العموميات وتغليف الخطاب بالعدل والشورى والعدالة الانتقالية الخ، وبذلك سيكون الشعب السوري في صراع مع هذا الوضع القائم الذي يحاول البديل الاصولي فرضه على الشعب وفي صراع مع الخيارات التي تطرحها هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين والبورجوازية السورية بمختلف فئاتها. واذا كان ميزان القوي في اللحظة الراهنة (بغياب قوي اليسار التي تعبر عن خيارات الشعب المفقر) يفرض انتصار (الحالة الاسلامية) (والبديل الاصولي) ويفرض انتصار الحل الذي يكرس من الناحية الاقتصادية نفس النمط في فترة حكم بشار الاسد (اللبرلة) واقتصاد السوق، عبر استلام فئات من النظام الجديد، وحفنة من الليبراليين المتسلقين  والذين يريدون ان يركبوا  قطار سلطة الحكومة الانتقالية واي من فئات المعارضة، وبدعم اقليمي عربي تركي ودولي يريد هذا الخيار بالتحديد، وكل من يراهن  على ان الثورة قد انتهت فصولها فسوف يتبين له ان المرحلة التالية لسقوط نظام الاسد ووصول هذا البديل الاصولي، سوف تؤسس لتطور الصراع الطبقي بشكله الواضح وان كان لحد  الان يمثل الجذوة تحت الرماد، اي سينطلق  الصراع الطبقي من القضايا الاجتماعية والوضع المعيش. ولن ينطلق من ترتيبات هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين لإزالة قياداتهم عن لوحة الارهاب واعطائهم الشرعية لسلطة استبدادية شمولية تخصهم ولا تخص الشعب السوري بالضرورة. او من اللبرلة هي التي قادت الي نشوء هذا التكوين الطبقي الذي يهمش الكتلة الاكبر من الشعب، وليس من حل إسلاموي او ليبرالي يستطيع ايجاد وضع أفضل، بل انه سوف يزيد من المشكلة الطبقية. ان حل مشكلة العاطلين عن العمل والاجر المتدني تفرض بناء قطاعات اقتصادية تسمح باستيعاب العمالة الوطنية وتحقيق فائض، ولأن نمط الاقتصاد الريعي الذي يرتبط حتماً بكل خيار إسلاموي / ليبرالي هو الذي اوجد المشكلة القائمة، وهذا يتطلب ان لا تعاد التجربة والبحث عن خيارات اخري اولا في التكوين الاقتصادي، الذي يلغي الطابع الريعي وخصوصاً ان سورية لديها نفط وغاز طبيعي يجب ان يربط بكل قطاعات الانتاج وليس يصدر فقط للخارج وهو الان في يد امريكا وقصد، وبالتالي يجب ان يؤسس لاقتصاد منتج. وهذا الامر يتعلق ببناء الصناعة واعتبار انها ضرورة حاسمة، ويجب ان تكون هي قاعدة قوية الانتاج، والمهيمنة فيه. كما يتعلق الامر بوجود المعادن كثيرة لم تستثمر حتى الان في الصناعة وكما يتعلق ايضاً بتطوير الزراعة، والاهتمام الجدي لتوفير الحاجات الاساسية للمجتمع. ولكن سيطرح السؤال حول من سيوظف امواله في هذين القطاعين المحوريين في كل التطور الاقتصادي والمجتمعي؟ الدول العربية او الاقليمية تركيا وحتى الغرب وامريكا تبحث عن المصالح من اجل ضخ كل الاموال سواء في اعادة الاعمار والبنية التحتية او في الشركات وهي ستكون من نصيب الدول التي اوصلت هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين الي السلطة تركيا هنا بالأساس الخ. والسؤال من سيكون الحامل في الداخل السوري الي حد الان هو البديل الاصولي والبورجوازية وهي التي اختارت نشاطها، الذي يتركز على الاقتصاد الريعي، اي الخدمات والعقارات والسياحة والاستيراد والبنوك، وبعض الصناعات الخفيفة. وهذا يكرس الوضع الذي تشكل مع النظام البائد، ليس في سورية فقط بل في كل الاطراف. ولهذا ليس هناك من افق لدي هذا البديل الاصولي والبورجوازية ليطرح حلاً يتجاوز وضع التهميش والفقر، لمصلحة العودة لبناء اقتصاد منتج. فهذا الخيار يضعها حتماً في صراع مع كل دولة تريد ان توظف رأسمالها في سورية وكذلك مع الطغم الامبريالية التي تبحث عن الصفقات والتي لا تريد للأطراف الا ان تبقي مستوردة ومجال نهب. لهذا سوف تستمر (الثورة) والصراع الي ان يتبلور البديل الوطني الذي يسمح ان يحمل مشروع الطبقات الشعبية، الذي يبدء بتغيير النمط الاقتصادي لمصلحة اقتصاد منتج. ويحقق مصالح هذه الطبقات، التي باتت تعني حل مشكلاتها المعيشية. 

سوف يتخذ طابع زيارة محمد الجولاني (احمد الشرع) الي تركيا طابعاً يتيح لتركيا الهيمنة مع هذا النظام الجديد على مفاصل الدولة والسلطة في سورية وكما يشار الي ان الهدف من هذه الزيارة هو ان تكون لتركيا قواعد عسكرية في وسط دمشق، وهي التي سوف تدرب الجيش الذي سيشكله محمد الجولاني احمد الشرع، وهي التي سوف تمده بالأسلحة وهي التي تريد كما يقال تنظيف شمال شرق سورية من قصد، وهي من ستقوم بالإشراف على سجون داعش.. الخ. كل هذا من اجل ان تسيطر على الحالة الامنية وبالتالي لتثبيت هذا النظام الجديد وهيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين في السلطة. لكيلا تكون هناك ثورة بعد الان وتجهض اي ثورة ضد هذا البديل الاصولي؟ لهذا سوف يستمر الصراع الي ان يتبلور البديل الوطني الذي يستطيع ان يحمل مشروع الطبقات الشعبية وهو ما يخيف هذا البديل الاصولي الذي سرق الثورة؟ هذا الصراع كان خفي قبل اسقاط النظام وهنا يتبين ان كل اطياف المعارضة قد طرحت بديلها، الذي هو اعادة انتاج للوضع الاقتصادي الطبقي الذي كان سائد في ظل النظام البائد، وان كان بسلطة جديدة (بديل اصولي)، وكما نري اليوم لن تكون هذه السلطة ديمقراطية (او ديمقراطية مخفضة او الديمقراطية بالتقسيط)، والان سيكون جوهر الصراع حول ما يريده الشعب وليس ما تريده هيئة تحرير الشام او الاخوان المسلمين. ويتوضح مع كل يوم سلطة هذا النظام الجديد وخياراته بأنه خياراته هي خيار يمثل الاسلام السياسي والرأسمال ولا يمثل الشعب، وان الشعب الذي تمرد على سلطة عاتية استبدادية بعد ان كسر حاجز الخوف والهروب من السياسة، لن يتوقف في ثورته. فمستقبل سورية يرسم عبر هذه الثورة المستمرة، وليس عبر تغيير شكلي للنظام كما نراه اليوم. فالشعب كما ذكرنا يريد حلاً لمشكلاته الان وليس يأتي بعد 5 سنوات من حكم هذه الحكومة الانتقالية كما يراه قائد هيئة تحرير الشام؟ ولا يريد حلاً لمازق تصنيف هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين الذي هم تحت قائمة الارهاب، والتي تتسبب بعدم رفع العقوبات الاقتصادية على سورية ولا لمازق الفصائل الاسلاموية ولا النخب الليبرالية واحزاب المعارضة، ويريد من يحقق له التغيير الذي يتضمن ما يراه ويريده الشعب. الامر الذي يفرض في هذه اللحظة الراهنة تعزيز الميل نحو اليسار الديمقراطي العقلاني، لكنه يفرض وحدة اليسار الديمقراطي العقلاني على بلورة هذا البديل. والسؤال هو: كيف يمكن ان يتبلور هذا اليسار الديمقراطي العلماني في حزب سياسي من كل هذا اليسار المنخرط في الثورة، ومن الشباب اليساري الثوري في خضم الثورة؟ الحزب السياسي الديمقراطي العلماني الذي يعبر عن كل الطبقات الشعبية سواء من العمال والفلاحين الفقراء، ويستطيع توحيد الفئات الوسطي المفقرة معهم في إطار تحالف ثوري يهدف الي الوصول من ثورته لكي يتحقق التغيير الجذري في النمط الاقتصادي، ويؤسس لدولة علمانية ديمقراطية مدنية، وهذه هي المهمة الملقاة على هذا اليسار الديمقراطي العلماني والتي يجب العمل عليها. لكي تنجز الثورة مهمتها. وهذا يتطلب تحديد موقف واضح لهذا اليسار الديمقراطي العلماني من الثورة السورية. 

  • حول موقف اليسار الديمقراطي العلماني من الثورة السورية.

لماذا يجب على اليسار الديمقراطي العلماني ان يتوحد اولاً ومن ثم ان يكون له (موقف)واضح من الثورة السورية ومن نظام هذا البديل الاصولي؟ 

تعاني القوي اليسارية من تشتت اولاً حول الموقف من استمرارية الثورة السورية وثانياً من تحديد موقف حاسم من البديل الاصولي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين الذين يقودون المرحلة الحالية والتي تسمي انتقالية؟ والتي يراد لها ان تكون دائمة، وميل بعض هذه القوي الي دعم السلطة الحالية، وهذا يظهر ان هذا التشتت هو نتاج اشكالية فهم المنهجية / النظرية التي يستند لها هذا اليسار اولاً، عدا عن تهتك هذه القوي وانحكام العديد من اطرافها لفهم (صوري) يؤسس على السياسي / الحدثي، والذي فرض نفسه كواقع، وعلى فهم خاطئ من ان هذا البديل يحمل راي (الحاضنة الاغلبية) وهنا (السنة) وهو ما كان تراهن عليه (جبهة النصرة نصرة السنة) – هيئة تحرير الشام – القاعدة – بالتحالف مع الاخوان المسلمين. وهي غريزة لها بعد طائفي بالضد من الطائفة العلوية والشيعية والدرزية ومن المسيحية. وان هذا حق تاريخي لهم كأغلبية بحكم سورية؟! وهذه كلها افكار تتجاوزها الثورة. وهنا ممكن القول ان المنهجية / النظرية لدي هذا اليسار لفهم الثورة غائبة. الان لا بد من وحدة اليسار ووحدة الموقف اليساري من الثورة السورية موقف ينبني على المنهجية / النظرية (وليس بمواقف تنبني على ان هناك تقاطعات مع هذا البديل الاصولي وان يجب التعاون والتنسيق والتحالف معه) لأنه كان ضد إيران او ضد النظام الاستبدادي السوري فقط نقطة على السطر. من دون النظر الي مشروعه الاصولي الجهادي ومن كونه استبداد ديني واقصائي لكل ما يسمي ديمقراطية وعلمانية وهو ينظر لكل المدن السورية التي تحررت من دون قتال مع قوات النظام البائد بأنه تم (فتحها) على الطريقة (الفتح الاسلامية بعد الغزوات). وهي تحولت بالتالي من تناقض ثانوي في ظل حكم نظام بشار الاسد الي تناقض رئيسي بعد اسقاط نظام بشار الاسد. اي ينبغي لليسار ان يبني (موقفه) على الجدل المادي والذي يعني فهم التناقضات وصراع الاضداد كألية تفكير وفهم ومعرفة في واقع سوري يتغير من قبل اسقاط النظام وما بعده لأنه في صيرورة وحركة. الجدل المادي فهم مادي وليس (عقيدة) او شعارات سياسية وهي انطلاقاً من ماديتها (التي هي جدلية بالضرورة) تحدد تصورها للواقع ولطبيعة المشاريع التي تريد هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين فرضها على الشعب السوري عبر سياسة الاقصاء والاستبداد كونها تملك (الادارة العسكرية). من هذا المنظور ممكن تحديد (موقف يساري) وهو دراسة البنية التي يتشكل المجتمع فيها ودراسة المشروع الظلامي البديل الاصولي والذي يريد ان يطبقه في سورية. وبالتالي تحديد التناقض الرئيسي والاساسي والذي تحول من تناقض ثانوي الصراع ضد الحركات الاسلاموية قبل اسقاط النظام الي تناقض رئيسي واساسي ما بعد اسقاط نظام بشار الاسد. وبالتالي البنية الطبقية القائمة الان والتي تحاول ان ترتب اتفاقيات دفاعية مع تركيا (حزب العدالة والتنمية) وهو الذي يكون على صورتها ومثالها. هذا هو اساس اي تحليل وفهم ومن ثم تحديد (موقف) وهو المفصل في كل تحليل. واي تجاوز لهذه البديهية تجعل كل تحليل غير جدلي مادي، وغير علمي، لأنه لا ينطلق من الواقع الملموس الذي تبلور في سورية بعد اسقاط النظام، وهنا من المطلوب ان يبدا اليسار يبلور (موقفه) من محاولة هيمنة هذا البديل الاصولي على السلطة والذي بدء يتبرأ من الثورة لصاح الدولة الدينية التي ينشدها لسورية ومن ثم ينسج علاقات مع دول من اجل ان يحقق اولاُ الغائه من قائمة الارهاب وبالتالي الغاء العقوبات الاقتصادية التي يفرضها العالم على سورية ثانياً. لأن العالم يري انه لم يحدث انتقال في السلطة كل ما جري حتى الان هو الانتقال من الاستبداد العلماني الي الاستبداد الديني. وهنا فإن (موقف اليسار) يبدء من التركيز على الاقتصاد اي بالتركيز على الواقع (الحالة المعيشية للشعب وهي المطلب الاساسي للشعب) وليس من السياسة بإن هناك بديل اصولي سوف يملأ الفراغ في السلطة. ولنجربه؟! وهنا يتم ابعاد الجانب الايديولوجي للعقيدة الاصولية، وبالتالي يعطيها مجال رحب لتطبق مشروعها وايديولوجيتها عبر السياسي وهو التعبير المكثف عن الجانب الاقتصادي التي تراه هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين. وبالتالي يجب فهم البنية الاقتصادية التي يراها هذا البديل الاصولي اولا وثانياُ هل سوف تختلف عن البنية الاقتصادية التي كانت سائدة في النظام السابق؟ 

الان وفي ظل هيمنة البديل الاصولي على الثورة بعد اسقاط النظام البائد. يجب البدء من الملموس والذي يفرض ان البدء بسورية ونحن نناقش وضع الثورة فيها وطبيعة الثورة في ظل هذا البديل الاصولي. وان نبدئ من تحليل التكوين الاقتصادي الطبقي قبل ان نلمس الموقف السياسي والخلاف السياسي والصراعات السياسية الحادثة الان في سورية بعد اسقاط النظام. حيث يجب البحث عن الخلافات والصراعات في (الواقع الاقتصادي الطبقي) ما قبل اسقاط نظام الاسد وما بعده في ظل الثورة وفي ظل هذا البديل الاصولي. لكي نكون جدلين وماديين في التحليل. وسنلمس هنا هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين باتوا يرفضون الثورة / لصالح السلطة / الدولة، وكذلك الليبراليين وبعض اليسارين، وينطلقون من الخلافات والصراعات السياسية دون تلمس الواقع الاقتصادي والمعيشي والطبقي للشعب السوري. او باستنتاج هذا الواقع من الخلافات والصراعات سواء الداخلية او الاقليمية او العالمية ذاتها التي تبلورت بعد اسقاط النظام البائد. وهذا فهم مثالي هو مقلوب المنهجية العلمية بالضرورة. ولهذا يخرج عن كونه تحليلاً يسارياً جدلياً ومادياً. لهذا يصبح السؤال البديهي هو: ما هو الوضع الاقتصادي الطبقي في سورية قبل الثورة واثناء الثورة وبعد اسقاط نظام بشار الاسد؟ ما هو وضع العمال والفلاحين والفئات الوسطي؟ وما هي الطبيعة التي تسم السلطة ما قبل الثورة وفي اثناء الثورة وما بعد اسقاط النظام؟ حيث ان (الموقف) ينبني على هذه بالضبط، وليس على اي شيء اخر، الا إذا كان هناك وضعية احتلال بالمعني المباشر فيصبح التحليل مرتبطاً بذلك هناك اشكال من السيطرة الروسية والامريكية والايرانية والتركية وبعضها برضا سلطة النظام البائد وبعضها لا مثل الوجود الامريكي في مناطق النفط السورية (وهناك احتلال الجولان، من قبل إسرائيل والان توسيع هذا الاحتلال. في ظل هذا البديل الاصولي، وكما كانت سياسة السلطة تقوم على ان السلام مع اسرائيل هو الخيار الاستراتيجي، وهذا ايضاً ما تتبناه هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين لحد الان). الليبرالية انتصرت في سورية في ظل بشار الاسد، حيث تحرر الاقتصاد وتهمش (القطاع العام) وبيعت شركاته الرابحة، وأصبح الاستيراد هو الاساس في العملية الاقتصادية، فانهارت الصناعة والزراعة، وأصبح الاقتصاد اقتصاداً ريعياً متحكماً فيه من قبل اقلية ضئيلة من العائلة الحاكمة واتباعها، وبالتالي باتت اغلبية الشعب تعيش في وضع مزر، للعمال والموظفين والفلاحين والفئات الوسطي. وباتت البطالة (20- 33 بالمئة) كما ذكرنا سابقاً دون توفير المقدرة على العيش (الحد الأدنى هو خمس الحد الأدنى الضروري). وبالتالي اصبحت السلطة هي سلطة (رجال الاعمال الجدد) الذين اخضعوا البورجوازية التجارية التقليدية، حيث انتقل شكل السيطرة من الرئيس كما كان زمن حافظ الاسد الي هذه الفئة (رجال الاعمال الجدد)، التي باتت تشكل تحالفاً مالياً امنياً، وبات العمال والفلاحين والفئات الوسطي الفقراء المدنية في غالبيتها دون المقدرة على العيش، بينما بات (رجال الاعمال الجدد) يسيطرون على 70-80 بالمئة من الاقتصاد الوطني (ونسبتهم لا تتجاوز ال 2 بالمئة). وكذلك كما نري الان فان هذا البديل الاصولي لا تختلف رؤيته عن النظام الذي تم اسقاطه فهو يقول على لسان حاله انه سوف يحرر الاقتصاد ويوجد السوق الحرة علاوة على انه أصبح أكبر عائق على الثورة ذلك ان عملية اعادة الاعمار وتطوير وتنمية سورية لن تتم في ضل هذا البديل الاصولي الذي هو موضوع على قائمة الارهاب وسوف يعاني من العقوبات الاقتصادية كما كان النظام السابق الخ. في هذا الوضع سواء اكان في ظل النظام السابق او النظام الجديد البديل الاصولي اين يجب ان يكون اليساري؟ هذا تحديد مبدئي، اي قبل الثورة واثناء الثورة وبعد اسقاط النظام وتصدر هذا البديل الاصولي الذي سرق الثورة. حيث ان اليساري هو مع العمال والفلاحين والفئات الوسطي والطبقات الشعبية الفقيرة والمفقرة عموماً ومع التحالف الذي يضم كل الطبقات الشعبية. هذا هو موقعه المبدئ لكي يكون يساراً أصلاً. وهو بالتالي ضد السلطة الرأسمالية المافياوية البوليسية الحاكمة سواء في ظل النظام السابق او في ظل هذا البديل الاصولي. الذي سيكرر نفس التجربة ولكن بلون ديني اصولي وبالتالي يجب على اليسار ان ينظر الي كل القضايا الأخرى انطلاقاً من هذا الموقع وليس من منظور تبريري، لهذا البديل الاصولي او من منظور نخبوي منعزل عن الواقع، يغلب ذاتيته وتحليله (الوهمي) على مصالح هذه الطبقات. بالتالي اليساري هو مع الشعب، ومع المطالب المعيشية لهذا الشعب، ويعمل من اجل تفعيل حراك الشعب كما كان في السابق ضد الرأسمالية المافياوية الحاكمة او ضد مشروع هذا البديل الاصولي الذي وصل الي السلطة. هل هذا الوضع سوف ينتج استمرار الثورة؟ بالتأكيد فهو الظرف المثالي لكل ثورة وبالتالي ما هو موقف اليسار من استمرارية الثورة ضد هذا البديل الاصولي؟ 

نبدأ بسؤال هل الثورة السورية ثورة حقيقية، ام هي انقلاب على السلطة؟ الآن، ماذا يمكن ان يقال حول الثورة السورية؟ ما اثارته الثورة السورية من نقاشات وصراعات واختلافات في وجهات النظر، فاق كل الثورات التي حدثت في ظل الربيع العربي سواء في تونس او مصر او ليبيا التي تدخل الناتو فيها، هذا الخلاف والنقاش والصراع تفرض ان نحاول تفكيك هذا المنطق، الذي تناول الثورة من اجل فهم كل هذا النقاش والاختلاف والصراع والاختلاط، والتناقض في المواقف. هنا يجب عدم التركيز على ما هو سياسي وحدثي في هذا الموضوع لأن هذا متناول وواضح ولكن من المهم التركيز على جانب (منطق الفهم) الذي كان اساس الانطلاق في تحديد المواقف من الثورة السورية. طبعاً عندما بدأت الثورة التونسية لم نلحظ خلافاً ولا صراعاً فكرياً او سياسياً بين مختلف التيارات سواء كان من الاحزاب او من النخب المثقفة، وكذلك حدث مع التجربة المصرية ايضاً. وكان يبدو الموقف ان الشعوب ثارت وتحت شعار (الشعب يريد اسقاط النظام) لهذا فإن كل الناس وكل النخب هي كانت داعمة لهذه الشعوب، ولكن مع بدء الثورة السورية بدا وكأن الامر يختلف اختلافاً كبيراً، رغم ان الذي تحرك في سورية هو ايضاً الشعب السوري، وبالتالي يمكن طرح السؤال التالي: لماذا حدث كل هذا التناقض في المواقف من الثورة السورية؟ بالتأكيد إذا حاولنا ان ننظر نظرة سياسية عامة، سنجد ان التبلور والتموضع في المنطقة العربية للنظم، كان يشير الي انقسام بين (نظم) اعتبرت تابعة للإمبريالية والدولة الصهيونية، او تلك التي كانت تسمي نفسها معتدلة، (ونظم) على خلاف مع الامبريالية الامريكية، وهي التي شكلت محور سمي زيفاً بمحور المقاومة والممانعة، بالتالي انسحب ذلك على مواقف القوي او النخب المثقفة وقام على هذا التقسيم للمحاور. ومن ثم أصبح من حق الشعب التونسي والمصري ان يثور ضد نظامه، وليس من حق الشعب السوري ان يثور ضد نظامه، لأنه نظام ممانع ويدعم المقاومة، وفي صف مختلف مع الولايات المتحدة. وكذلك ينطبق هذا على البديل الاصولي الذي يلقي استحساناً من النخب المثقفة لأنه فقط ضد محور المقاومة والممانعة (هنا الشيعي) وبالتالي هنا يكمن البعد الطائفي للنظر. وهنا يجب تفكيك هذا الموضوع، بالأساس لإن هذه النتيجة، التي جري التوصل اليها، تستند الي منظومات فكرية مشوهة ومشوشة، ومن ثم فإن كل المواقف التي ترفض الثورة السورية الآن هي مواقف قائمة اما على مصالح (طائفية للسنة)، او على سوء فهم، وخلل معرفي فرض الوصول لهذه النتيجة. طبعاً النظام السوري لم يكن كالنظم الأخرى من حيث الشكل (وهذا لا يعني ان نقول ان الوضع في سورية له خصوصه ووضع مختلف)، وبالتالي من الطبيعي ان نصل الي بعض الاستنتاجات المختلفة، إذا نظرنا انطلاقاً من هذا الشكل فقط، ولكن هل الامور تتوقف عند هذا الشكل (ان هناك خصوصية ووضع مختلف عن بقية الدول العربية)؟ هذه هي المسألة الاولي والاساسية التي يجب ان نركز عليها والتي يتطلب نقاشها والتوضيح حولها. ففي العالم هناك دائماً صراعات وليس كل صراع هو صراع حقيقي، هناك صراعات مصالح ضيقة، وصراعات تنطلق من المنطلق الطائفي والديني، من هذا المنظور فإن المفاهيم المستخدمة، التي يجري الانطلاق منها، هي مفاهيم اشكالية من مثل (نحن ليس بصدد ان يكون الحاكم من خلفية اسلامية او يسارية ان مسيحية) وهذا واحد من المفاهيم الاشكالية فما دخل اليسارية بالأديان الاسلاموية والمسيحية؟! لدي قطاع من الذين يتناولون المسألة السورية. مفهوم الثورة اشكالي، لذلك وجدنا ان هناك من يحاول ان يقلص معني الثورة كما هو الحال مع من يقف مع الاسلام السياسي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، الي ان تكون وفق الرؤية الضيقة التي يبلورها هو، وبالتالي لن يكون هناك في التاريخ ثورات، وهذا الامر طال حتى الثورة في تونس ومصر وليس فقط الثورة السورية، ويعني هذا ان هناك من يعتقد ان الثورة لكي تكون ثورة، يجب ان يكون وراءها حزب وبرنامج ورؤية، وتؤدي الي تغيير النظام وتأسيس نمط اقتصادي مختلف. في هذا الوضع، وفي كل التاريخ، سنشاهد ثورات قليلة جداً استطاعت ان تحقق ذلك، وفي المنطقة العربية ليس هناك وضع يشير الي هذه المسألة لأن الثورات (وليس الانقلابات) انفجرت باندفاع عفوي شعبي دون الاحزاب او المليشيات الاسلاموية الطائفية سواء كانت سنية او شيعية، وفي كثير من الاحيان رغماً عن الاحزاب والمليشيات المسلحة، وبالتالي هل نستطيع ان نقول ان هذه ثورات؟ نعم هذه ثورات او انتفاضات لأن كل تمرد على السلطة كسلطة سياسية سواء كانت نظام بشار الاسد او هذا البديل الاصولي، كل محاولة صراع مع السلطة السياسية من الفئات الاجتماعية هي ثورة او انتفاضة، من هذا المنظور لا نستطيع ان نضع شروطاً لما يجب ان تكون عليه الثورة، لكي نؤيدها او نرفضها. 

اذاً هل الثورة السورية ثورة حقيقية؟ وهل كان هناك وضع ثوري؟ ام انه كما يري البعض ان كل ما في الامر هو (تمرد) على السلطة كسلطة سياسية؟ وهل يقلل ذلك من كونها صراع مع السلطة السياسية من الفئات المجتمعية من كونها ثورةً؟ مع الاسف هناك كثير من الذين يتناولون الثورات، والثورة السورية خصوصاً، ممن يحاولون ان يركزوا على هذه المسألة ومن هذه الزاوية، اي ان هناك (شعب عفوي) يقاتل او يصارع النظام، دون رؤية او برنامج، او وعي ثوري وبالتالي هم رعاع يحاولون ان يخوضوا الصراع ونحن يجب الا نكون مع الرعاع؟ مع الاسف هذا منطق قائم لدي الكثير ممن يتناولون الوضع السوري بالتالي لا بد من ان نحاول فهم مسألة بسيطة هي ان (الشعوب) في لحظة من لحظات تأزمها، نتيجة التحولات المجتمعية والازمات التي تعيشها تندفع نحو (الانفجار)، لأنها لم تعد تستطيع تحمل الوضع المعيشي الذي هي فيه، سواء مع النظام البائد او مع هذا البديل الاصولي وبالتالي لن يكون امامها سوي ان (تتمرد) او ان (تثور) بغض النظر هل حقق هذا (التمرد) او هذه (الثورة) هدفها او لم يتحقق ذلك، فهذا يعتمد على جملة عوامل اخري تساعد ولا تساعد على تحقيق هذا الهدف. فمثلاً في مصر عام 1977 كلنا يذكر ثورة يناير التي سميت بانتفاضة الخبر لقد فشلت، لكنها كانت ثورة ضد النظام من اجل مطالب معينة. في الوضع السوري يبدو الامر أكثر تعقيداً كما ذكرنا في الحلقات السابقة نتيجة، التموضع الجيوسياسي للنظام، هذا من زاوية، ومن زاوية اخري نتيجة سذاجة (الفهم) في تناول الوضع السوري. (فهناك من يقول ان لسورية خصوصية ولوضع سورية ايضاً خصوصية) نقطة فوق السطر. ولا يحدثنا عن ماهي هذه الخصوصية او الوضع الخاص لسورية؟!  اي من دون النظر من زاوية ان التكوين الاقتصادي الاجتماعي السوري لم يدرس على الاطلاق، وظلت الفكرة السائدة لدي مثلاً اليسار الممانع والمقاوم ان سوريا هي بلد التنمية، وان الدولة هي تلعب دوراً اساسياً في الاقتصاد، وان التطور مستمر. وبالتالي ما يجري من هذا المنظور ان هناك قوي امبريالية تسعي الي تغيير للنظام السوري لمصلحة سيطرة امريكية على سوريا. وهذه مشكلة تواجهنا للأسف مع قطاع كبير من اليسار، خصوصاً انه في تحليله للوضع السوري او الثورة السورية لا ينظر (للتكوينات المجتمعية)، لا يري الناس، فقط يري قوة الاحزاب والمليشيات كهيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وضعف اليسار السوري، وان الكل يبحث عن السلطة سواء كان يساري او ديني؟! اي انه لا يري الوضع الاقتصادي الاجتماعي الذي يعيش الشعب فيه، وبالتالي لا يعرف وضع الناس، لا يعرف هل هي قادرة على العيش او تعاني من ازمات ولم تعد (قادرة) على تحمل وضعها، سواء في ظل النظام البائد او نظام هذا البديل الاصولي الذي يتبلور مع الوقت كونه نظام استبدادي؟ من هذا المنظور كل التحليل لا يجري للتطرق للوضع المحلي السوري، ولا للخصوصية كما يقال السورية. اذاً اصبحت المسألة تتعلق بمنطق شكلي لدي اليسار الممانع والمقاوم، يقوم على اننا ضد الامبريالية وكل من هو ضد الامبريالية فنحن معه كما يري اليسار الممانع والمقاوم. وقبل ان نتطرق الي من يقول من الطرف الثاني اننا ضد إيران ومحور المقاومة والممانعة ومن خلفهم روسيا والصين ونقف مع هذا الاسلام السياسي الاصولي. هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين. سوف نناقش لماذا هذا اليسار الممانع هم ضد الامبريالية، 

  • سوف نبدئ اولاً النقاش مع من يقول من اليسار الممانع والمقاوم إننا 

 ضد الامبريالية وكل من هو ضد الامبريالية فنحن معه. ليس مهماً ماذا يعني ضد الامبريالية وماهي الامبريالية بالأساس ايضاً ليس مهم ذلك؟ اذاً لماذا هذا اليسار الممانع هو ضد الامبريالية. ليتحول الموضوع الي لغز مبهم هنا؟! هنا تصبح المسألة ببساطة شديدة هي سيادة المنطق الذي يقوم على مبدأ الثنائي (خير / شر) او مبدأ (مع / ضد)، وهو المنطق الشكلي والاصولي والاحادي المتداول الذي نعيشه جميعاً، مع هذا اليسار الممانع والمقاوم، والذي يري المسائل بعكسها، بمعني اننا ضد الامبريالية، وبالتالي كل ما هو ضد الامبريالية فهو معنا. ولكن الامبريالية يمكن ان يكون ضدها ناس (رجعيين آتيين من القرون الوسطي مثل إيران والتنظيمات الاصولية والجهادية)، هل نحن معهم وهل هم معنا؟! او يمكن ان يحصل تناقض بين امبريالية وامبريالية كما هو حادث اليوم بين الامبريالية الروسية والصينية والامبريالية الامريكية، هل نحن مع طرف ضد طرف؟ او هل يجب ان (نكون)مع طرف ضد طرف؟ هذه الاسئلة للأسف غائبة لأن المنطق الثوري الشكلي يفترض تبسيط المسائل بتقسيمها الي قسمين ؟، هذا الجانب مهم واساسي في فهمنا للواقع وكيفية بناء رؤية او موقف عليه، وفي فهمنا أساساً لأسباب الفشل المريع الذي يعيشه هذا اليسار الممانع والمقاوم واليسار التقليدي والرائج، والذي يجعله في النهاية يتراجع ويتقلص ويتلاشى ان لم يموت في كثير من المواضع والمواقف، لأن هذا المنطق لا يستطيع ان يستوعب الواقع، ولا يستطيع ان يفهم الواقع ومن ثم لا يستطيع ان يقدم حلولاً وتحليلاً لهذا للواقع. سواء كان في سوريا او في اي منطقة اخري في العالم. الآن، إذا أردنا ان نناقش معني الامبريالية، سنجد ان مفهوم الامبريالية هو ليس مفهوماً (سياسياً) كما يجري تداوله عند هذا اليسار الممانع، اي بمعني السيطرة والاحتلال والتعدي سواء كان امريكي او اوروبي او روسي او صيني على العالم، هذا جانب صغير جداً من معني الامبريالية. الامبريالية وكما ناقشتها في ورقة الصراعات العالمية الراهنة وخصوصاً الغزو الروسي لأوكرانيا، هي (تكوين اقتصادي اجتماعي) قبل ان تكون (سياسة) دول بالتحديد، بمعني ان الامبريالية تشكلت في (نمط اقتصادي اجتماعي معين)، له طابع معين في المراكز يعني في امريكا، اوروبا، واليابان والان في الصين وروسيا، هذا اولاً وتشكيل ايضاً في الاطراف يقوم على تشكيل نمط اقتصادي غير منتج وتابع للمراكز، يتمحور بالأساس حول قطاعات اقتصادية معينة لا تفيد في تطور المجتمع، ولا تفيد في انتاج فائض قيمة بالمعني المجتمعي العام، بل تفيد فئات معينة هي التي تسيطر على هذا القطاع، هذا القطاع هو قطاع الخدمات، العقارات، السياحة، الاستيراد، البنوك، القطاع المالي، الريعي، وهو الشكل الموضوعي الذي اصبح يسود في كل الاطراف ومنها كل الدول العربية هذا ثانياً. هذه بديهية ولكنها تستعصي على الفهم عند هذا اليسار الممانع؟ وكما نري موازين القوي العالمية اليوم بعد وصول دونالد ترامب ك رئيس للولايات المتحدة الامريكية حيث يبسط كل ما نذكره هنا عن (التكوين الاقتصادي الاجتماعي) من دون اي تغليف سياسي كما كانت تفعل الادارة الديمقراطي السابقة له لكي تخفي وضوح هذا الصراع العالمي بين المراكز والاطراف. حيث يتبين ان في المراكز نجد ان قوي الانتاج موجودة، والدولة قوية، صناعية وهناك تطور فكري حضاري وتكنولوجي وصل الي مرحلة الاستثمار في سلعة جديدة تسمي الذكاء الاصطناعي بعد الثورة التكنولوجية والتي تحمل راس مال مكثف لان فيه اضافة معرفية مبنية على اخر الابحاث في هذه الصناعة. لكي تتجدد الرأسمالية وتجدد من نفسها، لكي يقول دونالد ترامب للعالم امريكا اولاً. هذا الوضع هو التكوين الامبريالي العالمي ولكن بشكل نقوله هنا مختصر جداً. 

نكمل مناقشة موقف اليسار الممانع وموقف محور المقاومة والممانعة من مفهوم الامبريالية. اي مبدأ مع / ضد، او مبدأ خير / شر. الاحادي. بسسب عدم وجود منظور حينما يتم الحديث عن الامبريالية بالنسبة لليسار الممانع وما يسمي زيفاً محور المقاومة والممانعة، او الصراع مع الامبريالية، لا يتم لمس او تلمس الطابع الاقتصادي لكل دولة من اجل القول ان هذه الدولة ملحقة بالنمط الاقتصادي الامبريالي، او في تعارض وتصارع معه، هذه المسألة للأسف غائبة عن التحليل، لأن الموقف السياسي هو الطاغي، وبالتالي يصبح (الموقف السياسي) ضد الامبريالية الامريكية، كافياً بنظرهم في تحديد السياسات. وللأسف هذا مبدئ فاشل لا يقود الي استنتاجات صحيحة. وفيما يخص الورقة التي نكتبها الان الاسلام السياسي وطبيعة الثورة – في سورية، فإذا اخذنا الوضع السوري، هل النمط الاقتصادي القائم سواء في ظل النظام البائد لبشار الاسد او الذي يتبلور الآن في ظل هذا البديل الاصولي هو نفسه الذي كان قائماً في الستينات والسبعينات، حتى الثمانينات او اواسط التسعينات؟ يعني هل دور الدولة الاقتصادي اساسي الي الان؟ هل هناك قوي انتاج تعمل حتى بالمستوي الذي كانت تعمل فيه في ذلك الوقت، ولن يقال هنا توسع؟ من يتابع السياسات الاقتصادية منذ بداية التسعينيات، ومن ثم بشكل اساسي منذ استلام بشار الاسد للسلطة، سيلاحظ ان تحولاً كبيراً قد تحقق في الاقتصاد، مشابهاً للتحولات التي تحققت في مصر وفي كل البلدان الأخرى، التي كان للدولة دور اقتصادي فيها، ومن ثم سارت في (مسار الانفتاح)، بمعني ان استثمارات الدولة تراجعت، دعم الدولة للسلع والعملة تراجع، او انتهي، وكما نري اليوم في ظل هذا البديل الاصولي كيف يتم سحب السيولة النقدية من الاسواق وبروز السوق السوداء لصرف العملة في ظل هذه الادارة العسكرية.، نكمل ما حدث للسياسات  الاقتصادية التي جاء بها بشار الاسد انتهت الاهتمامات بصناعات الدولة وتراجعت، وجرت محاولات للخصخصة، فبيعت الصناعات الاساسية الناجحة وبرزت الصناعات الفاشلة، والزراعة لم تعد مدعومة فانهارت. وبالتالي ايضاً، بدأ هناك تشكل لفئات رأسمالية جديدة التي تسمي (رجال الاعمال الجدد)، كما تتشكل الان فئات رأسمالية جديدة مشكلة من (الملتحين رجال الدين الجدد)، والتي تهيمن على القطاعات  الاقتصادية الجديدة مثل شبكات الاتصال الحديثة والنت وكل التقنيات الحديثة وايضاً على كثير من القطاعات الاقتصادية التي تتعلق بالعقارات، وبالسياحة، بالخدمات سواء من قبل رجال الاعمال الجدد في السابق او الان من قبل الملتحين رجال الدين الجدد وهي كما كانت سابقاً تتألف هذه الفئات من المحيطين بعائلة الاسد او من العائلة ذاتها، فأل المخلوف منذ وصول بشار الاسد الي السلطة، وهم يندفعون للهيمنة على الاقتصاد، الي ان اصبحوا القوة الاقتصادية الاولي المهيمنة او الان المحيطين ب محمد الجولاني (احمد الشرع) الملتحين الجدد. وبالتالي بدلاً أن تكون الدولة كما كانت في زمن حافظ الاسد خاضعة للرئيس بصفته الحاكم المطلق، اصبحت الدولة في تلك الفترة خاضعة لتلك الفئات (رجال الاعمال الجدد) وكذلك يحصل مع هذا البديل الاصولي والذي يبلور نفس الشكل من السلطة اي ان تكون الدولة المنشودة لهيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين خاضعة لمحمد الجولاني (احمد الشرع) والتي ستكون خاضعة ل الملتحين رجال الدين الجدد. والذي عني في تلك الفترة ان من يحكم ويقرر في سوريا، هي هذه الفئات العائلية المحيطة بالأسد، عائلات الاقارب وهم يهيمنون / حسب ما اشار قدري جميل، وهو اصبح نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية / على حوالي 20 بالمئة من الاقتصاد السوري، وجمعوا في تلك الفترة حولهم تجار دمشق وحلب ليشكلوا (شركة الشام القابضة)، الامر الذي جعلهم يسيطرون على 60 بالمئة من الاقتصاد السوري، وحسب وزير المالية سابق فإن 70 بالمئة من الاقتصاد السوري اصبح مسيطراً عليه من قبل القطاع الخاص، وما تبقي من القطاع العام يتمثل في مؤسسات الدولة الاساسية مثل الهاتف، الماء، الكهرباء، وليس هناك انتاج اساسي في القطاعات الأخرى. وهذا سيكون واقع الحال مع هذا البديل الاصولي وفئة الملتحين رجال الدين الجدد. هذا الموضوع فرض ان تتحول سوريا (ليبرالياً) كما الدول الأخرى وبالتالي لم يعد الوضع في سوريا مختلفاً من حيث التكوين الاقتصادي عنها. إذا أصبح القطاع الريعي هو المهيمن، فتدمرت الصناعة، والزراعة، واصبحت هناك فئات مافياوية هي التي تتحكم في الاقتصاد، وهي متداخلة ومترابطة مع الخارج، طبعاً الخلاف مع الامبريالية الامريكية ظهر واضحاً عام 2005 على ضوء اغتيال رفيق الحريري، ولقد نشأ عنه ضغط امريكي امبريالي على النظام وحصار له، وفرض عقوبات على شخصيات فيه. 

  • هذه اللوحة للتكوين الاقتصادي الاجتماعي في سوريا والذي لا يراه هذا اليسار الممانع او ما يسمي زيفاً محور المقاومة والممانعة.

هنا اللوحة للتكوين الاقتصادي والاجتماعي في سوريه وهو الجزء المهمل في تحليل كل اليسار الممانع والمقاوم والذي تهيمن عليه الرؤية السياسية للانفجارات السياسية في المنطقة العربية والاقليمية وفي العالم؟ عندما ينشآ ضغط امبريالي وهنا امريكي بعد ان فرضت امريكا عقوبات وحصار على النظام السوري و (رجال الاعمال الجدد) في ظل حكم بشار الاسد. هذا الوضع لم يؤد الي تعزيز دور الدولة السورية، بل تداخل هذا الرأسمال السوري مع الرأسمال الخليجي، واصبحنا نشاهد الرأسمال الخليجي ينشط في بناء مدن في سوريا، حيث بات التركيز على القطاع العقاري، ومن ثم تداخل هذا الرأسمال مع الرأسمال التركي بعد ان صدرت العقوبات والحصار والضغط على (رجال الاعمال الجدد) الذي باتوا هم محور الاقتصاد، وبالتالي بقي يتفاعل مع السوق الراسمالي العالمي، وان كان ليس مع الولايات المتحدة مباشرة، لأن الاساس هنا ان الامبريالية لا تتلخص بالولايات المتحدة الامريكية، بل هي (منظومة علاقات اقتصادية اجتماعية)، حينما يرتبط الرأسمال في طرف منها، فهو يرتبط بهذه المنظومة ويصبح جزء منها. وهذا يحدث الان مع هذا البديل الاصولي والذي ينسج علاقات مع رأسماليات سواء خليجية او تركية او روسية او فرنسية ولنري ما تطالب به فرنسا هذه الادارة العسكرية والتي اصبحت حكومة انتقاليه وعين محمد الجولاني (احمد الشرع) نفسه زعيماً ورئيساً عليها وعلى سوريا فرنسا تطالبه بمحاربة الارهاب وخاصة داعش؟! ومحمد الجولاني هو تاريخه كان مع القاعدة ام داعش، وكذلك جبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام. وتركيا تريد ان تخلق اتفاقيات دفاعية تمكنها من الهيمنة على ما يسمي بالجيش السوري الجديد وخصوصاً إذا عرفنا ان وزير دفاع هذه الحكومة الانتقالية ومدتها خمس سنوات؟ هو مزدوج الجنسية سوري / تركي؟ من هذا المنظور سواء في ظل النظام البائد او في ظل هذا البديل الاصولي، لا يقدر أحد ان يقول للشعب السوري لا تنفجر لأنك يجب ان تتحمل سياستين اولاً السياسة الممانعة والمقاومة للنظام السابق او لسياسة هذا البديل الاصولي واعطائه الفرصة لكي يحول الاقوال الي افعال؟! وهو على ارض الواقع يقوم بالأفعال التي تؤكد استبداديته في الاستحواذ على السلطة، وبالتالي ليس المهم هو الجانب المعيشي حتى لو مات الشعب من الجوع؟ فحسب ارقام الدولة السورية في مرحلة ما قبل انفجار الثورة (تقدير سنة 2010) والثورة اندلعت في 2011. ان حاجة الفرد السوري للعيش كانت تفرض ان يكون الحد الأدنى للأجور ما يقارب ال (620) دولاراً، بينما كان الحد الأدنى للأجور فعلياً هو حوالي (150) دولاراً. متوسط الدخل كان (220) دولاراً. الفارق بين اجور الناس والضرورات هو خمس، او خمس اضعاف الحد الأدنى الفعلي، هذا للحد الأدنى وليس للمعيشة الافضل. هذا الوضع كان من الطبيعي ان يجعل السوريين (يتحركون). وهذا ما كان يشار اليه قبل الثورة ايضاً، لكل من حاول ان يدرس الوضع الاقتصادي والاجتماعي بما في ذلك سلطة الاسد، والان سلطة هذا البديل الاصولي فسلطة الاسد حاولت ان توقف رفع اسعار الدولار، لأنها كانت تخاف من انفجار اجتماعي. وهذا سوف يكون مصير هذا البديل الاصولي فالوضع لم ينتهي معه ومرشح في اية لحظة للانفجار الاجتماعي. هذا جانب مهم يجب ان يلاحظ، عند من يريد تحليل الوضع والخصوصية السورية لأنه يعني ان هناك (كتلة اساسية) من المجتمع اصبحت غير قادرة على العيش، وبالتالي كان طبيعياً ان تنفجر سواء في ظل النظام البائد او هذا البديل الاصولي، وان تستمر في الاندفاع الي الشارع لكي يتغير هذا الوضع، وخصوصاً هنا الشباب، حيث هناك نسبة 20 بالمئة او أكثر بعد سقوط نظام بشار الاسد عاطلين عن العمل وهم الذين خاضوا الصراع والذي لا يزال يخوضونه في الشارع، هم هؤلاء الشباب الذين في جزء كبير منهم عاطل عن العمل. فبالنسبة لليسار الممانع والمقاوم هل الاعتماد على الخلاف الذي كان قائم بين النظام السوري والولايات المتحدة الامريكية. لكي يصدر حكماً بأنه نظام ممانع ومقاوم ومعاد للإمبريالية؟ هنا حينما نفهم الوضع السوري بهذه الطريقة نجد ان هذا الجانب يصبح شكلياً وجزئياً، لأن الصراع مع الامبريالية ليس صراعاً اساسياً بالنسبة للنظام السوري كما هو الان لدي هذا البديل الاصولي. النظام ذاته السوري يوصف ذاته بأنه ممانع، ولا يقول انه مقاوم. والممانع هو الذي يرفض بعض الشروط ويوافق على المبادئ حسب التعريف البسيط لكلمة (ممانع) مثل ما يقال (ممتنع عن التصويت). انه لا يرفض ولكن يحاول ان يحسن شروطه، وبالتالي النظام السوري كان يسير في هذا المسار للتوافق حتى مع الولايات المتحدة الامريكية. 

  • فهمنا لكلمة الممانع وكيف طبقت في سورية كما في لبنان والعراق واليمن وإيران بما سمي زيفاً محور المقاومة والممانعة.

سنناقش هنا مسألة اخري ونعود بعد ذلك الي التكوين الاقتصادي المجتمعي الذي لا يراه اليسار الممانع والمقاوم. وهو ما يخص (طائفية) النظام السوري والقول بأنه نظام علوي؟ وسوف نقوم هنا بالمقاربة والمقارنة بين التحليل الطبقي والتحليل الطائفي ل علوية النظام في سوريا. اولاً نبدأ بالمقاربة الطائفة في سورية: وخارج سوريه حيث أصبح (كل) النقاش بعد سقوط نظام بشار الاسد يدور حول الطائفية، فهناك من يتهم النظام بالطائفية، وبالتالي يتهم الطائفة (العلوية هنا) بانها من حكمت سورية في ظل نظام الاسد الاب والابن بشار، وبالتالي يتم الرد بمنطق طائفي مقابل وهو ان السنة (الاغلبية الطائفية) يجب ان تحكم وهو ما جعل من تنظيم القاعدة في سورية بقيادة محمد الجولاني (احمد الشرع) ان يغير الاسم الي جبهة النصرة (نصرة السنة) ومن ثم تم تغيير الاسم الي هيئة تحرير الشام. وسوف نخصص حلقة خاصة لما يسمي (بالتحرير، او الفتح عند هيئة تحرير الشام). ان من يتهم النظام البائد بالطائفية (العلوية) هو يهدف اثبات طائفية النظام، وطائفية الطائفة العلوية. وكل ذلك من اجل تبرير منطق طائفي. الصراع في سورية هو ليس بين اغلبية (تصنف انها سنية) واقلية (هي العلوية)، لم يكن كذلك منذ البدء، ولم يصبح كذلك، ولن يكون كذلك. وبالتالي مهما فعلت السلطة في ظل النظام البائد، او السلطة الحالية البديل الاصولي ومهما كانت ردة فعل العلوين او السنة، يجب الانطلاق في كل تحليل وموقف من أن الصراع هو (صراع الشعب بكل تلاوينها) او (الكلية الاجتماعية الوطنية) ضد السلطة الوحشية والمستبدة سلطة عائلة الاسد او ضد سلطة هذا البديل الاصولي الدينية المستبدة. واي موقف يتجاوز ذلك سيكون خروجاً عن الثورة، والتحول الي استثارة الصراع (الغريزي الأعمى) سواء ضد سلطة الاسد او سلطة البديل الاصول، بغض النظر عن نتائجه. السلطة في ظل النظام الاسدي البائد، ليست طائفية، وهذا ليس تبريراً للسلطة؛ لأنها اسوء من ذلك، هنا سلطتان واحدة مافيا وحشية والأخرى البديل الاصولي هو استبداد ديني، وسلطة (استثارة غريزة الطائفة العلوية بالنسبة لسلطة الاسد او السنية بالنسبة لسلطة هذا البديل الاصولي. لكي يتم استغلالها في دفاعهم عن سلطتهم. هكذا بالضبط. بعد ان استغلت سلطة الاسد فقر الطائفة العلوية واضطهادها التاريخي؛ لكي تحولها الي اداة في بنية سلطتها. وكذلك تستغل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين فقر الطائفة السنية واضطهادها في ظل نظام الاسد؛ لكي تحول الطائفة الي اداة في بنية سلطتها. وبالتأكيد ان كلا السلطتين تستغل (المشاعر الطائفية). لكن الهدف ليس الطائفة العلوية وليس الطائفة السنية بل حماية السلطة الاسدية التي نهبت المجتمع، كل المجتمع، بما فيه الساحل السوري الذي يدعي انه موالي لنظام الاسد ويحوي كثير من الفلول؟ كذلك تعمل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين في ظل هذا البديل الاصولي الاستبدادي السؤال: لماذا ينجح ذلك؟ الآن هناك كما يتم القول هناك تعصباً طائفيا في سورية؟ الامر طبعاً لا يتعلق بذلك، فلا شك في ان العلويين استفاد بعضهم من السلطة، او لأن بعض من السنة سوف يستفيدون من هذا البديل الاصولي (جبهة نصرة السنة)، ووجدت الطائفة العلوية بأن العنف ضد المجتمع قد استخدم باسمها. وكذلك سوف تري الطائفة السنية ان العنف ضد المجتمع يستخدم باسمها. لكن كل ذلك لم يؤسس لطائفية بالمعني الدقيق لذلك. فالطائفية هي التمسك بأيديولوجية هي موروث الطائفة، وتحويلها الي مشروع سياسي (كما هو لدي إيران مثلاً وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن والمليشيات الشيعية في العراق). بالنسبة لسورية هذا ما حاوله رفعت الاسد حين شكل سرايا الدفاع، وجميل الاسد حين أنشأ جمعية المرتضي التي اغلقها النظام ذاته. كما كان قد حل سرايا الدفاع وهذا ما تفعله الان هيئة تحرير الشام عبر بلورة مسلحيها وفصائلها المسلحة تحت غطاء ما يسمي (الجيش السوري الجديد) شبيه للحشد الشعبي العراقي. وبالتالي في ظل السلطة الاسدية لا السلطة تتمسك بموروث الطائفة، ولا الطائفة تعرف موروثها أصلاً. السلطة الاسدية تحالفت مع تجار دمشق وحلب، ولعبت على تعميم الطائفية، ليس لدي العلويين بل لدي (السنة)، فهي من رعي كل المؤسسات الدينية، والجمعيات وقدم تسهيلات كبيرة ل (علماء الدين) السنة. ووسع بناء الجوامع واحتضن (الجهاديين)، والجهاد الاسلامي الفلسطيني وحماس، وحركة التوحيد. وهو امر لا يفعله (طائفي)، بل يفعله من يريد الحفاظ على السلطة، فيعمل على تفتيت المجتمع عبر استثارة (مكوناته) (وهنا الدينية والطائفية والقبلية والقومية). اما لماذا ظل العلوين متحلقين حول السلطة؟ 

سنكمل الاجابة على هذا السؤال لاحقاً.

نكمل هنا الطرح فيما يخص (طائفية) النظام السوري في ظل النظام الاسدي والقول بأنه نظام (علوي)؟ والمقاربة الطائفية لهذا الطرح التحليل الطائفي والمقاربة الأخرى وهي التحليل الطبقي. وقفنا في الحلقة السابقة عند سؤال: لماذا ظل العلويون متحلقين حول السلطة؟  فهذا امر يجب أن يبحث فيه في كل ردود (الاقوال والافعال) التي نشأت منذ بدء (الثورة) من قوي ونخب مثقفة وسياسيين ودول ووسائل اعلام سواء كانت مرئية او مسموعة او مقروءة او في العالم الافتراضي الوسائط الاجتماعية، والتي كانت ومازالت تنطلق من (منظور طائفي)، وخصوصاً بعد اسقاط النظام الاسدي ووصول هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين الي السلطة، وهي تريد (اسلمة) الثورة والقول بقبول بهذا البديل الاصولي او تجريبه واعطائه الفرصة للحكم؟ وبرزت شخصيات ونخب معادية للأقليات، وتفتي في قتلها ويتم الان استخدام كلمة (فلول النظام) كمسوغ لتصفيتها. وهذا ما كانت تلعبه سلطة النظام الاسدي منذ البدء، وهذا ما تفعله سلطة البديل الاصولي، من اجل تخويف الاقليات (خصوصاً العلويين) من الثورة، ودفعها دفعاً؛ لكي تلتصق بالسلطة الاسدية. وبالتالي كان المسارعين لاستغلال الثورة من التنظيمات الاصولية والجهادية – كي يصلوا الي السلطة (وينتقموا)، ينتجون خطاباً طائفياً محضاً، يخيف الاقليات الدينية والعرقية ويخيف العلمانيين، وكثير من بسطاء الشعب. وهذا البديل الاصولي هم المستمرين في اتهام العلويين وفلول النظام بالطائفية، والذين يركزون على (طائفية السلطة الاسدية)، فهذا البديل الاصولي بحاجة الي مبرر لطائفيتهم (جبهة النصرة). ولهذا هم يؤدون الدور الذي كان تريده سلطة الاسد بإخافة العلويين تحديداً. وهذا ما يحدث على ارض الواقع تحديداً اليوم؟ وبالتالي تبلور هذا العنوان اليوم وهو (الطائفية و (النظام الطائفي) في سورية. يتم الاشارة الي هذا التبلور؛ لأن الثورة في سورية باتت تختزل عند بعض النخب المثقفة المشوشة والمرتبكة بكل ما يحدث من دراما في المشهد السوري، تختزل كل ذلك فيما يظهر على السطح من صراع بين قوي اصولية وسلطة الاسد والتي حسم فيها هذا الصراع لحد الان بإسقاط النظام الاسدي، والتي بات يميل البعض بالتأكيد على انها سلطة طائفية، وبالتالي ليصبح الصراع هو صراع طائفي. اذن ضمن إطار هذا الفهم أصبح الشعب والثورة في خبر كان وهذا ما يتم تأكيده اليوم عبر القول انها بدأت ثورة وانتهت كصراع طائفي ديني. والبعض يعد ان الثورة بعد وصول هذا البديل الاصولي للسلطة ان الثورة كانت كذلك منذ البدء، مثلاً السلطة التي عدت أن من يثور ضدها هم عصابات مسلحة، وامارات سلفية، والاخوان المسلمين، وبعض أطراف المعارضة عدت ما يجري وخصوصاً بعد اسقاط النظام الاسدي هو ثورة سنية ضد نظام علوي؟ وبالتالي يثور هنا سؤال مهم لدي اليسار الديمقراطي العقلاني: ما المنظور الذي يحكم النظر لما يجري وما جري؟ وما التحليل الممكن هنا هل هو التحليل المنطلق من البعد الطائفي او التحليل المنطلق من البعد المنظور الطبقي؟  او السياسي؟ او الديني؟ في المنظور الطبقي لابد من أن نحدد طبيعة السلطة طبقياً؛ حيث انها سلطة في ظل حكم النظام الاسدي (رجال الاعمال الجدد)؛ اي المافيا التي نهبت (القطاع العام)، واصبحت تسيطر على مفاصل الاقتصاد، وتنهبه، وتصدر المال المنهوب الي الخارج. هذا هو جوهر السلطة الطبقي. في المنظور السياسي هي سلطة مستبدة شمولية، مارست قهر المجتمع لعقود بكل اشكال الاستبداد والهيمنة والفرض والتخويف. وفي المنظور الديني هنا، ينتج أن العائلة الحاكمة هي من الطائفة العلوية، بالتالي فهي (تمثل طائفة) وتعبر عنها، لكي تحكم الاقلية العلوية الاغلبية السنية. لكن؛ هل يسمح ذلك بالقول إن السلطة علوية؟ في التدقيق في منظورات بعض (النخب المثقفة) تلمس المنظور الديني هنا هو الحاكم رغم ما تقول هي عن ذاتها، فكما تمت الاشارة له إذا كان المنظور طبقياً، يمكن تحديد طابع السلطة كسلطة ما فيا رأسمالية، وهو هنا التحديد الجوهري من (منظور يساري). وإذا كان (المنظور سياسي) يسهل التحديد؛ حيث هي سلطة استبدادية، كما تكرر خلال عقود هيمنة السلطة الاسدية وهذا هو (المنظور الليبرالي). بالتالي حين نري السلطة ك (نظام طائفي)، يكون المنظور الذي ننطلق منه هو (المنظور الديني) هكذا بالضبط. هذا هو اساس موقف هيئة تحرير الشام السلفيين والاخوان المسلمين عموماً، التي لا تري الأخر إلا من منظورها الديني. هكذا بالضبط. فهي تري المجتمع كسنة واقليات دينية وطائفية، ولا تستطيع رؤيته خارج ذلك. وحين يحدد يساري، او ليبرالي النظام بأنه نظام طائفي، يكون قد وقع في اشكال المعني والمصطلحات. او يكون قد انحكم ل (تراثه) (لوعيه التقليدي). ولقد اظهرت النقاشات أن معني الطائفية مجهول، وان كل طرف يعطيه المضمون الخاص به. فهيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين يعدون كل منتم لطائفة هو (أخر خصم)، وطائفي حين تتصاعد الاحقاد؛ اي ان الانتماء الموروث كاف هنا للتوصيف. ويبدو ان المنظور الشكلي الذي يحكم قطاعات من اليسار والقوميين والليبراليين يدفعهم الي اتخاذ الاساس ذاته في التحديد، لهذا تكون (علوية) النظام كافية للقول بأن (النظام الاسدي علوي). 

  • الحوار حول هذه المسألة المهمة برأينا.

نبدأ هذه الحلقة مما كتبه الكاتب محمد الرميحي في مقال تحت عنوان (سوريا الاسهل اسقاط النظام … الاصعب بناء الدولة): لا يمكن تجاوز (هاجس) (ما يمكن ان يطلق عليه حكم الاسلام الحركي) اي الاسلام السياسي هذه اضافة من عندنا. وتحمله (شريحة) كبيرة تري انها الاغلبية (هنا لم يستخدم طائفة) هذه اضافة ايضاً. وتري ايضاً ان تطبيق افكارها الايديولوجية أحق ان تتبع وقد عانت ربما الحجم الاكبر من عنت وظلم النظام السابق). هنا ينتهي الاقتباس.

ان التمييز بين الطائفة والطائفية ضروري هنا، لأن (الطائفة) ترتبط بوجود تاريخي. أصبح لها وجود متمايز في المجتمع القائم من الزاوية الدينية. وكانت التطورات في سورية تاريخياً تلغي مسألة ارتباط (العلاقات بالدين) لمصلحة (الوجود الاجتماعي ذاته)، بالتالي تشكل (وجود اجتماعي واحد) من هنا جاء الشعار الذي كان يطلقه السورين على ثورتهم (الشعب السوري واحد)، هذا الوجود الاجتماعي الواحد، يحتوي تمايزاً دينياً وطائفياً، وهو حوي (الاحتكاكات)، ولكنه كان مترابطاً في وضع فلاحي كان مشتتاً أصلاً، ومدينياً متوافقاً (ولم يتحول الي فتنة طائفية). هذا الوضع الاجتماعي يتحول الي (طائفية) في اللحظة التي تصبح الايديولوجية (العقيدة) هي اساس العلاقة مع الاخرين المختلفين؛ اي حين يصبح التمايز الواقعي (ايديولوجية) ترفع من شأن الطائفة، وتؤسس للتضاد مع الاخرين، اي حين تصبح (عقائد) الطائفة عبارة عن (مشروع سياسي) (او طبقي) للسيطرة او الصراع مع الاخر. وحين يفعل كل التراث الديني والطائفي الذي يعزز هذه الطائفة ويحرض ضد الطوائف الأخرى؛ اي انها الميل لفرض سلطة باسم الطائفة ويحرض ضد الطوائف الأخرى؛ اي انها الميل لفرض (سلطة) باسم الطائفة، واستناد لموروث صراعي قديم. كما فعل محمد الجولاني في خطاب النصر الذي القاه في قصر الشعب. هذا (المنظور) موجود عند هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين (الجهاديين والسلفيين) اي عند هذا البديل الاصلي لسوريا، وكل القوي التي تتحدث باسم الاسلام السني (ما يسميه محمد الرميحي الاسلام الحركي) اي الاسلام السياسي. وهو لا يختلف عن السلطة في إيران او عند حزب الله او عند أنصار الله او عند الحشد الشعبي العراقي. فهي قوي قائمة على (اساس ديني)، وتحدد الأنا والاخر على هذا الاساس، بغض النظر عن طابع العلاقة مع الاخر؛ حيث ان بعض الفصائل الاسلاموية والتي هي ضمن هيئة تحرير الشام وحتى الاخوان المسلمين يدفعها نحو العنف والتصفية (ما يسمي بالحالة الجهادية)، والبعض الاخر من هذه الفصائل الاسلاموية (البديل الاصولي في سوريا) يريد اخضاع الاخر وتحويله الي مرتبة ادني. ومن هنا لازالت قوات سورية الديمقراطية (قصد) والدروز في السويدا لم يندمجوا في الجيش الذي شكله محمد الجولاني (احمد الشرع). عموماً الطائفية تتسم بالانغلاق والتعصب، ورفض الاخر. لهذا تتحول الي اساس (الصراع السياسي) لدي القوي التي تتأسس انطلاقاً منها. وهنا نطرح سؤال جانبي هل النظام السوري الاسدي في سورية يستند الي ايديولوجية (عقيدة) طائفة؟ والسؤال الثاني هل ما يسمي النظام السوري الجديد (البديل الاصولي) يستند الي ايديولوجية (عقيدة) طائفة؟ كل ما يرد بالنسبة للنظام الاسدي هو الاشارة الي ان بنية السلطة والمراكز الاساسية فيها هي بيد علويين وهذا صحيح. لكن؛ هل المنظور الذي يحكم هؤلاء هو المنظور (العقائدي العلوي)؟ وبالتالي تتحدد علاقتهم بالمجتمع انطلاقاً من ان هذا المجتمع سني؟ لكن؛ من ثم لماذا النظام الاسدي كان معنياً بنشر المعاهد الدينية السنية، وتعميم بناء الجوامع، والحفاظ على علاقة متينة مع المؤسسة الدينية (السنية)؟ ولماذا كان تجار دمشق وحلب (السنة) شركاء في النهب، رغم تميز (العائلة الاسدية) (وحدث مثله في مصر وتونس، والبحرين، بغض النظر عن الجانب الطائفي)؟ كما سنلاحظ بأن المنظور الطائفي يتجاهل كل ذلك، ويحصر السلطة ب (العائلة الاسدية)، (والبنية الصلبة)، هذه البنية التي هي الضامن للسيطرة الاحتكارية للعائلة الاسدية في الاقتصاد. بمعني ان ليس (العقيدة العلوية) هي التي تحكم منظور السلطة (وننوه هنا هي عقيدة لا تبدو موجودة أصلاً؛ لأن الدين هنا مخفي) ونلحظ سياسة السلطة الاسدية في تعميم (الدين الاسلامي) (السلفي) من خلال دعم قوي للمؤسسة الدينية (السنية) المخضعة لها، والسماح لها بنشر الدين السلفي عبر الجوامع والمعاهد الدينية، المهم هنا عند السلطة الاسدية فقط – هو (الموالاة)، وبالتالي تظهر (كمستقل) لكل العناصر الطائفية والدينية، من اجل ضمان سيطرتها وسلطتها وديمومتها. هكذا بالضبط. 

  • الاجابة على السؤال الثاني: هل يستند حكم ما يسمي بالنظام الجديد هذا البديل الاصولي الي ايديولوجية (عقيدة) طائفة؟

نواصل حوارنا في هذه الحلقة للإجابة على السؤال المطروح وهو: هل المنظور الذي تحكم به هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين هو المنظور العقائدي السني؟ ما يلاحظ هنا عند الاجابة على هذا السؤال هو عكس النظام الاسدي اي ليس العقيدة العلوية هي التي تحكم منظور السلطة (وهي عقيدة لا تبدو موجودة أصلاً؛ لأن الدين هنا مخفي). بينما عند هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين هذه (القوة الطائفية) التي تنغلق على الطائفة، وتتمايز عن الاخرين، بالضبط؛ لأنها تنحكم لأيديولوجية (عقيدة) طائفية. وهذا وضع حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن والمليشيات العراقية واحزابها في العراق، والملالي في إيران. ولا يختلف الامر كثيراً هنا بين الاغلبية والاقليات؛ حيث سيبدو التمسك بمنطق قرو وسطي باسم الدين هو الاساس في تأسيس (الطائفية). نقف هنا وسوف نعود بعد قليل الي البعد الطائفي. لكي نلامس قضية اخري يطرحها الشيخ محمد الجولاني (احمد الشرع) ففي مقابلة وحوار له قبل سنتين مع (العشائر والقبائل السورية) طرح فيه رؤيته ومن يقف خلفه ومكنه من دول اقليمية او عالمية لما ستؤول اليه الامور في سوريه وهو سقوط النظام الاسدي. (كما قال: استعداد لحرب كبيرة والتقدم نحو دمشق، ولا نفكر في تحرير سورية بل كيف يبني المستقبل وهناك (دور للعشائر) ونضيف نحن (القبائل) دور اساس. الاسد قضي على وجود العشائر (ونضيف نحن القبائل) ايضاً في المنطقة وهي عشائر مسلمة عربية وتدين بالله) نكمل الاقتباس من كلام الشيخ محمد الجولاني. اي ان هناك (دور) قادم للعشائر والقبائل وهنا التسيس للقبلية السياسية والعشائر السياسية كونها هي الحاضنة الاجتماعية الأخرى لما يسمي بالنظام الجديد البديل الاصولي غير البعد الطائفي هنا، وكون الطائفة السنية هي الحاضنة للنظام. هنا سوف يتم تكريس البعد العشائري والبعد القبلي وبالتالي تطل علينا العشائرية والقبلية السياسية وراء القناع الديني السلفي والاخواني حيث تلعب هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين دور العشائري والقبلي والاصولي في أن واحد، وحيث الاستمرار في استغلال (الدين) كذريعة للعمل السياسي، واستخدامه كعنصر مؤثر في تشكيلة ما يسمي بالنظام الجديد. كل هذا فيه تضليل للشعب السوري، والراي العام العربي كيف يكون ذلك؟ العشائرية والقبلية والاصولية الدينية من سلفية واخوان لا تجتمعان تأسيساً اولاً على ان العشائرية / القبلية تقود بالضرورة الي (العصبية) والعصبية (نعرة) تتنافي مع (الدين الاسلامي) لأنها بمثابة (التشبه بالجاهلية) والتشبه بالجاهلية (كبيرة من الكبائر في الدين)، وذلك فمن يريد ان يعطي (دور) للعشائر والقبائل يثير (النعرة) العشائرية والقبلية تحت اية ذريعة (من مثل ما يقول الشيخ محمد الجولاني انه تم القضاء على العشائر والقبائل في سورية وهي عشائر مسلمة وعربية). هنا الشيخ محمد الجولاني وتنظيمه هيئة تحرير الشام وكذلك الاخوان المسلمين يضع نفسه في موضع شبهة مرتكب الكبيرة وهي الاثم الأعظم. مع الاخذ في الاعتبار ان ليس في هذا المنطق (تقول) على أحد من العشائر او القبائل، وليس فيه انكار للعشيرة والقبيلة فهي حقيقة واقعية. ولكن يكمن فيها (اثارة النعرات) والدعوة الي (الفزعة). الاخطر هنا يتم تغييب (مفهوم المواطنة) ومفهوم (الشعب) كمقولة سياسية. ذلك ان تجميع رقمي لعشائر وقبائل وطوائف لا يصنع شعباً بل على العكس يفكك هذا الشعب. نعود هنا مرة ثانية للحوار حلول المنظور الطائفي. في لبنان مارست الاحزاب المسيحية الطائفية، والمسيحيون هم الاكثرية في مجتمع متعدد طائفياً، كما هو بروز حزب الله، وكل المجموعات السنية. كذلك. وحين نتحدث عن النظام في سورية في التحليل من المنظور الطبقي نلاحظ ان الطبقة المسيطرة تتشكل من تحالف (رجال الاعمال الجدد) والعائلة الاسدية بشكل خاص. وهم الذي يدعي هذا البديل الاصولي انه يلاحقهم بتهم الفساد وتحويل الاموال السورية الي الخارج وبانها اموال الشعب. وفي الطرف الثاني من الناحية الطبقية هم البورجوازية التقليدية (في دمشق وحلب خصوصاً)، رغم ان العائلة (أل الاسد وأل مخلوف وأل شاليش) وحواشيهم هي المهيمنة في ظل النظام الاسدي وفي ذلك التحالف الطبقي الذي كان يشكل جوهر السلطة. وهؤلاء – من المنظور الايديولوجي – غادرو الافكار القومية البعثية، وانخرطوا في منظور ليبرالية العولمة وباتت الفئة المهيمنة في ترابط مع الراسمالي الخليجي والايراني والروسي والاوربي والتركي. 

بعد كل ما تم مناقشته حتى الان في النظر الي حول طائفية النظام من منظورين التحليل الطائفي والتحليل الطبقي، بين (نظام بائد اسدي) تم اسقاطه ونظام يسمي النظام الجديد (البديل الاصولي). وهنا باتت المسألة تحتاج الي تحليل (سوسيولوجيا) ما بين تحكم افراد من الطائفة (العلوية) في ظل النظام الاسدي في مفاصل السلطة، وتشكيل (البنية الصلبة) لها. ومن ثم (الامتيازات) التي كانت تتحقق لبعض افرادها. بمعني لماذا اصبحت فئات من (الطائفة العلوية) هي التي تشكل (البنية الصلبة) للسلطة، والتي تحظي بامتيازات، ولها نفوذ قوي؟ هذه المسألة هي التي كانت الاساس الذي يقوم عليه (التحديد الطائفي) للسلطة؛ حيث ان هؤلاء هم (كل السلطة)، (هم السلطة بعينها)؟ اذن هل ان تشكيلهم ل (البنية الصلبة) هو نتاج (وعي طائفي) لدي (القوة المؤثرة) في سلطة النظام الاسدي حينها اي (الرئيس حافظ او ابنه بشار الاسد)؟ الذي (تسنن) وفتح كل المجالات للنشاط الديني للمؤسسات (السنية)، وتحالف مع دول الخليج العربي بعد ان انقلب على (ضابط علوي) بدعم من ضباط (سنة) (مصطفي طلاس، وحكمت الشهابي، وعدنان الدباغ، ومحمد على الحلبي، والايوبي)؛ وهنا الرئيس الذي نقصده هو حافظ الاسد، الذي لم يسمح باختلال العلاقة مع دول الخليج العربي وبالذات مع المملكة العربية السعودية بعد ان اقام تحالفه مع إيران (الشيعية) ضد غريمه صدام حسين السني. ولقد تمركزت السلطة بيد (ضباط علويين) بعد المواجهة الطائفية التي قامت بها الطليعة المقاتلة وتنظيم جماعة الاخوان المسلمين نهاية سبعينيات القرن العشرين، وبعد ان سحقها عبر مجزرة تمثلت في تدمير احياء كاملة من مدينة حماة. وهي المرحلة التي اعيد بناء فيها السلطة الاسدية؛ بحيث يتحكم (ضباط علويين) بكل مفاصل السلطة، ولكي تتشكل (قوة نظامية) من افراد الطائفة العلوية بعد ان كان الامر يتعلق بسرايا الدفاع التي شكلها رفعت الاسد وتخضع له. والسؤال المهم هنا، هل أن (الاساس الطائفي) هو الذي حكم هذا الاختيار؟ من يدرس وضع كل النظم التي سيطرت فيها فئات فلاحية (البورجوازية الصغيرة والمتوسطة) عليها، باسم (القومية)، يجد انها تنحكم لدكتاتور، الذي بدوره يعتمد في مفاصل السلطة على (بيئته)؛ اي (مناطق الريف القرية) التي هو منها. لأن تكوين الوعي التقليدي الذي يحكمه يعتمد على (الثقة بالبيئة او الحاضنة الاجتماعية)، وليس بأي شيءٍ اخر، لا (بالدين ولا الايديولوجيا) ولا حتى بالصداقة. لهذا يقيم ادواته من تلك (البيئة/ الحاضنة الاجتماعية)، وليس من اي مكان اخر هكذا بالضبط. هذا حدث في العراق والجزائر وليبيا واليمن والبحرين كما لدي الاسلام السياسي الشيعي كما في سورية. العلاقة المباشرة هي هنا اساس (الثقة)، وبالتالي يبدأ التوسع عبر العلاقات الريفية القروية القريبة، ولهذا لا يثق الفلاح (او القروي) ببيئة، لا يعرفها؛ حيث (قريته هي كل عالمه). الامر الذي يؤدي الي تشكيل (البنية الصلبة) من هذه البيئة. والدراسات السوسيولوجيا (الاجتماعية) ربما توضح ذلك بشكل كبير، ففي الريف او القرية، او البلدات كما يسميها حزب الله اللبناني يسقط (الترابط الديني لمصلحة الترابط العائلي)، وفي علاقته بالمجتمع، يتغلب الترابط (المناطقية والجهوي)، خصوصاً امام (الحدية) القائمة بين الريف القرية والمدينة، والرفض المتبادل بينهما وتعالي المديني على القروي وهذا نراه واضح عندما في البحرين كما في سوريا ولبنان الخ. ومن يدرس صراعات الضباط في الجيش السوري، والانقلابات التي قامت والتصفيات التي حدثت، سيلمس تصفية الضباط المدنيين اولاً، ثم الكتلة التي كان يشكلها ضباط جبل العرب (انقلاب سليم حاطوم)، ثم الضباط الإسماعيليين، ومن ثم؛ الضباط العلويين من منطقة طرطوس، ليسيطر ضباط مناطق جبلة. وميزان القوي والتحالفات هي التي كانت تقود الي ذلك، يتكرس (رئيس) هو الذي لعب الدور الاساس في ترتيب الانقلاب، ويعيد صياغة السلطة وفق (ثقته)؛ ليؤسس نظاماُ بطريكياً(ابوياً) او اية الله في إيران وعندنا في البحرين. اساسه بيئة العلاقات التقليدية. لهذا يجري تشكيل (البنية الصلبة) من هذه البيئة القريبة. هذا ما يجعل الانتماء المناطقي او الجهوي او (الطائفي) او العشائري (كما يريده محمد الجولاني) هو المؤسس لهذه (البنية الصلبة) هنا سنلمس مبدأ استغلال بعض الفئات الاجتماعية لتحقيق (المصالح الطبقية) أكثر مما نلمس الارتباط الطائفي. وان كانت العلاقات الطائفية تستغل لتحقيق ذلك. بمعني ان (الطائفة) تستخدم (وظيفياً) دون وجود منظومتها الايديولوجية (الطائفية)، والتي تسترجع عند الضرورة فقط لتمتين الارتباط بالسلطة. هكذا بالضبط. 

  • هل ان الاساس الطائفي هو الذي حكم ان يتحكم ضباط علويين بكل مفاصل السلطة في الدولة في سوريا، 

وتشكل (قوة نظامية) من افراد الطائفة؟ لقد تم القول ان (الطائفة) هنا تستخدم (وظيفياً) دون وجود منظومتها الايديولوجية (الطائفية) التي تسترجع عند الضرورة (في الصراعات والانفجارات الاجتماعية) لتمتين الارتباط بالسلطة. لهذا يوظف افراد منها في مؤسسات (البنية الصلبة)، (الامن والمخابرات الجوية بالتحديد، وقبلاً في الامن العسكري)، والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة. وبعض الوحدات الخاصة. التي كانت السلطة تستخدم فيها، كذلك، من الاقليات (المسيحيون والدروز والاسماعيلية والاكراد)، ومن العشائر (بعض الشوايا)، وبعض مناطق الريف المتخلف. لكن ظل العلويين هم الاساس الذي يشكل تلك البنية، في القيادة وفي المفاصل. وكان هذا الميل يتزايد كلما ظهر أن السلطة مقبلة على ازمة. وسيتم لمس بأن تشكل (رجال الاعمال الجدد) في ظل الحكم الاسدي (اي المافيا الرأسمالية) قد طور اسلوب أل الاسد (جميل الاسد، ورفعت الاسد) في تشغيل افراد من الطائفة ضمن التشكيل المافياوي الذي كان يوظفه في التهريب للمخدرات والمنشطات والتشبيح والسطو، الي شكل مؤسسي غير رسمي موازي للدولة، لكنه منظم ومدرب، وهؤلاء هم أصل (الشبيحة). وإذا كان قد حصل بعض التطور الاقتصادي خلال حكم حافظ الاسد، فإن منطقة الساحل كانت الاقل حظاً، ربما كانت هناك اسباب متعددة، لكن يمكن ان يكون الاساس فيها هو ابقاء العلويين مضطرين للعمل في الجيش والأمن، كما كانوا منذ عقود. وبالتالي يمكن القول لأن السلطة تريد (ادوات)، فقد ابقت الساحل السوري دون تنمية، وفي وضع مزر، مهمش، ومفقر؛ حيث تستطيع استخدام المفقرين في تكوين اجهزة ونظامها القمعي. لكنها عند الضرورة تستثير (الشعور الطائفي) لدي هذه الطائفة العلوية، لكي تضمن ولائها، ومن هنا يأتي التشديد، هي اذن ليست طائفية، ولكنها تستخدم الطائفية؛ لكي تحمي سلطتها التي تعبر عن حكم مافيا وحشي. الطائفية بالنسبة للنظام الاسدي اداة حماية السلطة. بالتالي، وليس السلطة هي ممثلة الطائفة، هكذا بالضبط؛ لكي تكون طائفية. 

  • عن الطائفية والنظام الطائفي في سورية وعن افق تطور الثورة 

في ظل البديل الاصولي وفي ظل طائفيته ونظامه الطائفي؟ اولاً يجب التوضيح بأنه على الصعيد العملي كانت هناك ممارسات قامت بها مجموعات (علوية)، واخري (سنية)، وكما ذكرنا ان النظام يستغل (العلويين) عبر تخويفهم من الطوائف الأخرى، ومن مجموعات (متطرفة اصولية)، يدعم ذلك حدوث ممارسات على الارض تنم عن (حقد طائفي) خلال الثورة. ولكن هل يسمح ذلك لنا بالقول ان النظام الاسدي هو نظام طائفي؟ فكل ما ذكر يختلف عن القول بأن الصراع في جوهره هو (صراع طائفي)، فالصراع الدائر في سورية هو (صراع شعب) يريد اسقاط اي نظام استبدادي سواء الذي كان موجوداً النظام الاسدي البائد. او نظام هذا البديل الاصولي. نتيجة اسباب اقتصادية وديمقراطية. وكل صراع طبقي يمكن ان يتلوث بأشكال من الصراعات (ما قبل حديثة)، مثل الطائفية، او الدينية، او القبلية، او (الإثنية)، لكنه يبقي صراعاً طبقياً. ولهذا لابد من تلمس جوهر الصراع، والأساس الذي يقوم عليه؛ لكي يكون ممكناً فهم الأشكال التي يتخذها، هذه بديهية في الجدل المادي. فحين يراد (توصيف) نظام سياسي يصبح من الضروري ان يتم الانطلاق من (التحليل المادي)؛ لكي نفهم بنيته والمصالح التي يمثلها، ومن ثم الشكل الايديولوجي الذي يستخدمه من اجل ان يفرض هيمنته على المجتمع. مثلاً هنا البديل الاصولي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين. وهو ما لا يجعلنا نعد بأن الدولة مثلاً العباسية تنحكم لنظام طائفي رغم ان الخليفة كان ممثل الله على الارض. او نعد بأن الدولة الايرانية طائفية رغم انها متحكم بها من قبل (الولي الفقيه). الجدل المادي ينظر هنا الي الدولة (اداة الطبقة المسيطرة) والنظام هو نظام الطبقة المسيطرة، رغم استخدام النظام لإيديولوجيا دينية. كيف نفهم ذلك؟ وماذا عن القول ان النظام عراب الطائفية وصانعها، وماذا عن طرح مهدي عامل: ليست الطوائف طوائف الا بالدولة؟ 

وهذا السؤال ينسحب على الاوضاع الحالية في لبنان بعد انهيار حزب الله وانهيار هيمنته على الدولة حيث الان المراد هو ان تنفصل الدولة عن الطوائف وان يتم نزع اسلحة الطوائف لتندمج مرة اخري في الدولة ك حزب سياسي؟ كتاب مهدي عامل (في الدولة الطائفية) هو نقاش مع مجموعة اراء لكتاب ومفكرين حول الدولة اللبنانية والطابع الطائفي الذي يحكمها. لهذا يشير مهدي عامل الي انه (ليست الطوائف طوائف الا بالدولة)، والدولة هي التي تؤمن ديمومة الحركة في اعادة انتاج الطوائف كيانات سياسية هي، بالدولة وحدها، مؤسسات (في الدولة الطائفية). ولهذا فالطائفية هي الشكل التاريخي المحدد الذي تمارس فيه البورجوازية سيطرتها الطبقية. وهذا صحيح، حيث تشكلت الدولة اللبنانية على اساس ينطلق من توافق على تقاسم سياسي ووظيفي بين الطوائف معترف به (عرفاً)، وبالتالي نشأت كدولة طوائفية؛ اي تتركب من تقاسم مسبق بين الطوائف. رغم أن هذا الشكل نتج عن (ميل استعماري لتأسيس (دولة مسيحية) في الشرق، ولم يكن نتاج وضع محلي يفرض هذا الشكل. لكنه بات الشكل الذي يفرض اعادة انتاج التوازن الطبقي في السلطة على اساس في تلك الفترة هيمنة مسيحية. مهدي هنا كان يوصف الوضع الذي يحكم الدولة اللبنانية. والذي كان يفرض اعادة تشكيل الطوائف كطوائف في علاقتها بالدولة (سواء في المستوي السياسي او المستوي الوظيفي)، دون ان يعني ذلك انحكام الطوائف للأيديولوجية الطائفية. بمعني ان الطوائف كانت تتشكل في صيغ اخري، فرضها واقع العمل والتداخل السكاني، وتغلغل الوعي الحديث (نشوء احزاب حديثة)، ولكن فقط العلاقة بالدولة هي التي كانت (تعيدها) الي (طابعها) المتوارث. وهو الامر الذي جعل الصراع الطبقي هو المتحكم في صيرورة الصراع منذ نهاية ستينيات القرن العشرين، حيث تصاعدت موجة الاضرابات والاحتجاجات (من ثم؛ بالتزامن مع وجود المقاومة الفلسطينية)؛ لكي تدفع البورجوازية المهيمنة في التشكل الطبقي الحاكم؛ اي البورجوازية المسيحية، والي تفجر الصراع على اساس طائفي؛ لكي تضمن جذب الطائفة خلفها في حرب، ادعت انها تهدد وجود المسيحين في الشرق (كما على اساس وجود المقاومة). 

عندما كتب مهدي عامل: ليست الطوائف طوائف إلا بالدولة. وما نراه اليوم من انزياح للثنائي الشيعي حزب الله وحركة امل من الهيمنة على الدولة وخلق (دويلة) طائفية ومليشيا مسلحة وامبراطورية مالية وتصدر المخدرات والمنشطات وتتخذ قرار الحرب والسلم نيابة عن الدولة الفعلية وعن بقية (الطوائف) وعن مجمل الشعب اللبناني وتحت شعار (شعب دولة مقاومة)، وقد سقط هذا الاخير (المقاومة) وسقط المشروع الاقليمي لإيران مما يسمي بمحور المقاومة والممانعة ووحدة الجبهات والساحات. بالتالي فإن مهدي عامل لم يفعل سوي توصيف واقع تشكيل الدولة اللبنانية. ولم يكن يستنتج قانوناً، او يتوصل الي نظرية. والفارق مهم بين التوصيف والتصور النظري، او القانون، فالتوصيف هو (تحديد ما هو قائم في الواقع الموضوعي)؛ لكي يكون أساساً لفهم هذا الواقع؛ اي لكي يجري الانتقال من هذا الشكل الي الجوهر الذي يحكمه. بالتالي فإن النظام الطوائفي (القائم على تقاسم على اساس الطوائف بين اقسام من البورجوازية ذاتها في إطار سيطرتها على الدولة) هو (الشكل التاريخي المحدد الذي تمارس فيه البورجوازية سيطرتها الطبقية) في لبنان فقط، لأن الدولة اللبنانية هي الوحيدة من البلدان العربية التي تشكلت على اساس (طوائفي) (قبل ان يجري تشكيل العراق منذ سنة 2003 على اساس طوائفي اي على نفس الاساس الطوائفي اللبناني). ولهذا فإن نص مهدي ليس تعريفاً للطائفية يمكن ان يصبح (قانوناً) يطبق مثلاً على سوريا، او اي بلد اخر ما عدا العراق الان في وضعه الراهن. بل يجب ان يفهم نص مهدي عامل على انه توصيف فقط، يسهم في تفكيك الايديولوجية التي تحكم (البورجوازية)اللبنانية، من اجل فك العلاقة بينها وبين (الطوائف) (بهدف تأسيس الصراع على اساسه الطبقي). 

نكمل عن الطائفية والنظام الطائفي. في المنظور الطائفي والنظر الي الانظمة من الجانب الطائفي، الذي غزا كثير من المثقفين والسياسيين سواء كانوا من اليسار او من القوميين او ليبراليين. وتفرعت التفسيرات الي تفسير سبب هذه الظاهرة (الطائفية السياسية). (فالبعض يري ان النظام الحاكم في سوريا، وبشكل مدروس، ضرب مصادر عيش الطائفة العلوية لتحويلها الي احتياط لسلطته، يستخدمه لحظة يحشر فيها هذا النظام)، (والبعض الاخر يسير مع هذه السردية وهي: ان في محاولة من النظام الاسدي حكم (اغلبية) السكان كان على حافظ الاسد ومن ثم ابنه بشار الاسد، ان يهمش الحدود الفارقة بين (الاقلية والاكثرية)؛ بحيث لا تظهر (الاقلية)باعتبارها جماعة طائفية، وبالتالي اقلية طائفية. فقضي النظام الاسدي على مصادر عيشها الاصلية بتحويل اعتماد افرادها (العلويين) على الجيش والامن ووظائف الدولة الأخرى. وتطورت عملية طحن الطائفة العلوية باعتبارها كياناً خارج الدولة، وتحولت الي الاعتماد الكامل على النظام، والتماهي معه كأنه نظامها). ومن هاذين الطرحين لدي من سميناهم (البعض) فالبعض الاول: بأن (النظام) يريد استخدام الطائفة (كأدوات)، وهذه لا تعبر عن طائفية، بل تشير الي عكس ذلك، لأن المنظور هنا هو (حماية) السلطة الطبقية، او لنقل ان السلطة الاسدية عملت على استثارة (غريزة) الطائفة، لكي تستغلها في دفاعها (هي) عن سلطتها الاسدية. هكذا بالضبط. اذن ان استخدام السلطة (او الطبقة المسيطرة) (لطائفة) او منطقة او جهة او عشيرة او قبيلة لا يعطيها سمة الطائفية، او العشائرية او القبلية او المناطقية او الجهوية (من جهات)، بل يوضح الأليات التي تستخدمها، من اجل الحفاظ على سلطتها الطبقية. اما البعض الثاني: مرتبك قليلاً، رغم انه يريد أن يقول بأن النظام أفقر العلوين (جردهم من قوتهم الاجتماعية) من اجل توظيفهم في الجيش والامن والدولة؛ لكي يكونوا قوته هو اي النظام الاسدي الضاربة. بشكل عام المناطق او الجهات العلوية كانت مهمشة ومفقرة قبل استلام البعث، وهذا ما جعل جزء كبيراً منها منخرط في الجيش (ويسمح في الاخير بهيمنة حافظ وبشار الاسد)، فحين استلم حافظ الاسد السلطة لم يطور المناطق العلوية، على العكس، أصبح كبار الضباط يستولون على ارض الفلاحين، ويتشبهون بالإقطاعيين السابقين في مواجهة هؤلاء الفلاحين. وفي هذا استغلال طبقي، وعمل من اجل تشكيل قوة، تحمي السلطة. وهناك البعض الاخر الثالث: يقول ان حافظ الاسد لم ينطلق من (هدف قصدي) لتهميش الحدود الفارقة بين الاقلية والاغلبية (الاكثرية)، بل كسلطة مطلقة، اراد ان يوجد (القاعدة الاجتماعية) التي تدعم السلطة، لهذا فتح على البورجوازية التجارية ووجهاء المناطق والقري والاحياء والغشائية والقبائل والطوائف. وجند في (قوته الصلبة) من المناطق المهمشة عموماً (دير الزور والجزيرة ودرعا)، لقد كان معنياً بالسلطة، وبتوريثها، وكان يستخدم كل من يحقق ذلك الهدف. وكان معنياُ بأن يمسك كل مفاصل المجتمع من اجل ذلك بما يسميه المحللون الاجتماعيين ب (هندسة المجتمع). اما البعض الاخر الرابع: يقول لم (تتماه) الطائفة العلوية مع النظام الاسدي، سواء مع حافظ الاسد او ابنه بشار؛ لأن وضعها وممارسات العائلة كانت تجعل التناقض قائماً، رغم ان مسك المراكز المفصلية في سوريا الدولة كانت من قبل (فئات من الطائفة) كان يفتح على (وساطات) تشغيل، ولقد ظلت (الحساسيات) قائمة حتى في ظل هذه الفئات من هذه الطائفة العلوية. هذا (التماهي) حدث بشكل ما بعد الثورة في سورية، لأسباب تتعلق بالسياسات التي مارستها السلطة والقوي الاقليمية والمعارضة، والتي كانت تصب في مجري واحد هو مجري (اخافة الطائفة العلوية) وتخويفها، وبالتالي التصاقها بالسلطة خشية (الخطر الاصولي والجهادي القادم) هنا هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين؛ لكي ينتقموا لما حدث سنة 1980/ 1982. وبالتالي فقد استقطب حافظ الاسد شريحة من الطائفة العلوية كانت موضع ثقة (وهنا يجب فهم سبب الثقة؛ اي هل هو طائفي، او مناطقي او جهوي، وهو الامر الذي يفرض استخدام التحليل السوسيولوجيا كما تمت الاشارة له سابقاً)، كما استخدم الاسد اخرون من طوائف اخري. 

سوف تلاحق لعنة الاصولية والجهادية (والطائفية)حكم البديل الاصولي ذات الخلفية القاعدية (من تنظيم القاعدة، جبهة النصرة (نصرة السنة)، هيئة تحرير الشام). والذي يسمي النظام السوري الجديد تحت سلطة من عين نفسه رئيس لسوريا محمد الجولاني (احمد الشرع) والذي يحاول ان يرمم هذه اللعنة الاصولية الطائفية عبر جولات مكوكية في داخل سوريا مع الطوائف الأخرى مرة يقوم بزيارة الساحل السوري (الطائفة العلوية) ومرة يزور السويداء ليلتقي بالدروز ومرة يدعو الاكراد للحوار. وكل هذا يأتي كرد فعل (لضغوط)عربية هنا دول الخليج العربي او اقليمية او عالمية او اسرائيلية حيث تصريح اسرائيل بانه سيكون الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح وستقوم باحتواء وحماية الطائفة الدرزية. لماذا يحدث كل هذا الحراك من قبل محمد الجولاني (احمد الشرع)؟ هذا بسبب (التكوين الطائفي) لهذا البديل الاصولي فهو يتعلق ب (قوة) تتأسس على اساس ادعاء تمثيل طائفة، ورفض الطوائف الأخرى، مستخدمة ايديولوجية هي اتكاء على موروث الطائفة (تصعيد للوعي التقليدي، والانغلاق على الطائفة). وهذا يرجعنا مرة اخري لمناقشة (عن الطائفية والنظام الطائفي) لنقوم بالمقارنة بين ما يسمي بالنظام السوري الجديد (البديل الاصولي) والنظام الاسدي البائد. فليس صحيحاً الاستخلاص بأن (الطائفية في سورية ليست افتراء، بل هي قائمة في نظام الحكم الاسدي)، كيف يكون ذلك؟ لأن هذا الطرح لا يميز بين (التكوين الطائفي) واستخدام الطائفية من قبل النظام الاسدي؛ حيث ان غير الطائفي يمكن ان يستخدم الطائفية (كما فعل ويفعل الاستعمار سواء الفرنسي او البريطاني او الامريكي او الروسي او الاسرائيلي الخ). وبالتالي فإن النظام الاسدي البائد هو نظام فئة مافياوية عائلية تمثل (رجال الاعمال الجدد) المتحالفين مع البورجوازية التقليدية (التي يسميها محمد جمال باروت عصابة المئة التي كانت متشكلة في شركة الشام القابضة). هنا يتم تعريف الطائفية، التي تفرض الانغلاق ورفض الاخر، والتعامل معه كعدو من منظور ديني، عند هذا البديل الاصولي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين النصرة وجيش الاسلام بقيادة محمد الجولاني، وهذا غير موجود في سلطة النظام الاسدي، بل وجدت (محاولات) من جميل الاسد وربما رفعت الاسد. هنا يحدث اللبس في انه (لا يمكن ان يطلب من المتضررين من نظام الاسد الاستبدادي، يقوم على بني طائفية وجهوية ومناطقية ان يعبروا عن مشاعرهم عفواً بلغة غير طائفية)، فقد ادي التركيز السلطوي الاسدي على اظهار الصراع في شكله الطائفي الي ردود فعل طائفية، او اوجد اشكالاً من الاحتقان الطائفي لدي بعض القطاعات المجتمعية، لكن التعبير بلغة طائفية هو (وظيفة النخب السياسية التي تصوغ وعي الجماهير الشعبية، وتتكلم باسمها) مع ملاحظة ان الشباب الذي شارك في الثورة السورية منذ البدء كان يتحسس سياسة السلطة الاسدية التي كانت تريد جرفه الي (صراع طائفي)، فرفضها (شعارات مثل : لا سلفية ولا اخوانية، الشعب السوري واحد). وظلت هذه الحساسية الي الان وخصوصاً بعد اسقاط نظام الاسدي ووصول هذا البديل الاصولي الي الحكم بدأت شعارات الدولة المدنية الديمقراطية والمواطنة تتصدر الشعارات. ان ما يتم نقده هنا وربما يستثير بعض النخب المثقفة او السياسية التي باتت تبرر طائفيتها (سواء كان بوعي او غير وعي) بالتركيز على وصم السلطة الاسدية بالطائفية، والتي باتت تمدها الي كل الطائفة العلوية (كما فعلت هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين) منذ بدء الثورة السورية. 

عندما نفتح النقاش والحوار حول الطائفية / النظام الطائفي وهو حوار يلامس التحولات في الاوضاع الجديدة. في سورية بعد اسقاط النظام الاسدي. والأخطر هو انه من ملأ الفراغ في السلطة هو البديل الاصولي الطائفي والذي يريد ان يبلور نظام طائفي ديني. بينما هناك خطاب اخر يحاول ان يؤكد بأن شرائح كبيرة ممن قامت على النظام بثورة بهذا الحجم لديها تشخيصها الذي يؤكد ان (النظام الاسدي هو نظام طائفي علوي)؟؟ هنا يحدث خلطاً في المفاهيم والجدل بين من يري ان هذا البديل الاصولي الديني هو طائفي (سني) وما يسمي النظام السوري الجديد هو ايضاً نظام طائفي. بينما يتم (نفي طائفية النظام الاسدي)، وأنها راجعة الي اما ان منطلقات التحليل خاطئة لمن يقول (نفي طائفية النظام الاسدي)، او ان هناك تخوفاً من ان يؤدي تأكيد طائفية النظام لتعميق الشرخ الاجتماعي او الشرخ الطائفي او الفتنة الطائفية؟ كل النقاش والحوار الذي يدور بين نخب مثقفة او سياسيين عرب، والذي يجري حول (طائفية النظام الاسدي)، ان الرد هو التأكيد على (سنية الثورة ومن يقود الثورة) وهم هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، وبالتالي الميل للتبرير ولدعم القوي الاشد طائفية التي تحسب على الثورة، وتصعيد الخطاب ضد العلويين ككل، وليس ضد نظام الاسد فقط. وبالتالي تحويل الصراع الي صراع سنة ضد علويين. او اكراد، فكل الهدف من حوارهم ونقاشهم هو (المساواة بين النظام الاسدي والعلويين). فالقول ان النظام الاسدي نظام طائفي يعني في سياق هذا النقاش ان النظام يعبر عن الطائفة، وان كل الطائفة هي مثل النظام، وبالتالي فالنظام الاسدي يخوض صراعاً طائفياً ضد (الاكثرية) (التي هي هنا السنة بالتحديد)، وهذا مجاف للواقع لأن النظام الاسدي استخدم (جبهة النصرة، القاعدة، داعش) واستخدم (قبائل، كفتارو والبوطي، والقبيسات) ولعب على العشائر والقبائل والطوائف والمناطق والجهات، والوثنيات. فهل يبرر هنا القول بأن النظام طائفي ان الماسكين بالسلطة ينتمون للطائفة العلوية؟! وفي هذا تحديد (هزلي)؛ لأن الأمر يتجاوز ذلك الي المصالح والسياسات. الطائفي لا يدعم قوة طائفية مضادة، بل يعد ان معركته وصراعه معها. (وهذا نشاهده اليوم في الصراع بين هذا البديل الاصولي والاكراد. فالطائفي لا يوحد بل كل عمله هو تقسيم المجتمع الي طوائف وهو يعتاش على هذا مثل الطفيلي في الحسم البشري. وكل القوي التي اتت لدعم السلطة الاسدية من لبنان والعراق واليمن وإيران ومليشيا فاطميون وزينبيون من الافغان او باكستان اعتقدت وامنت بانها تخوض صراعاً ضد (الاصولية السنية)، وترتبك هذه القوي الطائفية حين تجد ان عناصر من سلطة الاسد لا تتمسك بالدين وهذا ما سميناه بالاستبداد العلماني للنظام الاسدي. وهذا هو الفارق بين السلطة والبني الطائفية التي تدافع عنها. هنا يطرح السؤال حول (منطلقات التحليل)، هل ينطلق من الجدل المادي من الفهم المادي، او يركز على الشكل؟ وبالتالي هل ان المصالح المباشرة هي التي تحكم منطق السلطة، او هو الانتماء لطائفة كما هو عند هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين؟ في اكثر من مكان يتم الاشارة الي ان السلطة الاسدية لجأت (الي الايديولوجية البورجوازية البديلة التي تؤمن لها الاستمرار)، بالتالي السلطة هنا تستخدم الايديولوجية الطائفية لخدمة مصالحها، وهذا لا يقود الي ان توسم بإنها طائفية ؛ لأن هذه الايديولوجية ليست ايديولوجيتها، بل تستخدمها، من اجل تحشيد طائفة حولها دفاعاً عنها كسلطة، فالسلطة هدفت الي الحفاظ على سيطرتها الطبقية باستغلال فئات مجتمعية عبر خطاب طائفي مضاد، وخطاب مناطقي او عشائري او قبلي وايضاً خطاب (قومي)، ولكنها ركزت على تحويل (الثورة السورية) الي حراك سني اصولي (وهذا ما لا تفهمه النخب المثقفة والسياسية العربية)، وهي قد استخدمت كل الماكينة الاعلامية في تثبيت هذا عن الثورة، اضافة دعم تشكيل النصرة والقاعدة وداعش وبالتالي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، هكذا بالضبط يكون الفهم. 

نكمل هنا الاجابة على السؤال الذي طرحناه في الحلقة السابقة. هنا يطرح السؤال حول (منطلقات التحليل)، هل ينطلق اليساري من الفهم المادي، او يركز على الشكل؟ بالتالي هل ان (المصالح) المباشرة هي التي تحكم منطق السلطة، او هو (الانتماء) لطائفة؟ إذا انطلقنا من منظور التحليل الطبقي فإن السيطرة الطبقية كانت توجد (انقساماً) مجتمعياً، يقوم على افقار وتهميش (الكتلة) الاكبر من الشعب (وهنا للتوضيح فقط، هي من كل الطوائف)، على العكس، كان الساحل السوري هو من أكثر مناطق سورية فقراً قبيل الثورة) وهنا يظهر ان (الانقسام)الطبقي لم يكن ليوحد العلويين مع السلطة التي نهبت حتى الساحل السوري حيث الطائفة العلوية، واستغلته، واذلته (ظاهرة الشبيحة بدأت هناك، وممارسات ال الاسد السيئة أكبر من ان توصف في تلك المناطق) وكان واضحاً في مشاركة العلويين في المعارضة. رغم ان منهم بنت السلطة (القوة الصلبة) التي تعتمد عليها (الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والمخابرات الجوية وأفرع المخابرات العسكرية وغيرها). حالة التناقض (الانقسام الطبقي) هذه هي التي دفعت السلطة الي الشغل على كيف تدفع العلويين؛ لكي يلتصقون بها؟ وكان هذا مفصل تكتيكها منذ بدء الثورة. ولم يكن غير خطاب التخويف وسيلة، بالضبط ؛ لأن العلويين غير ملتفين طائفياً خلف السلطة الاسدية، وكان يمكن ان ينخرطوا في الثورة نتيجة فقرهم، وهامشيتهم، وكان انخراطهم ضرورة لتحقيق انتصار سريع، يقسم السلطة، ويفتح على مرحلة انتقالية، ولقد كان هاجس السلطة يتحدد في منع ذلك عبر تخويف العلويين من الاصولية السنية، لهذا من يدرس خطابها في السنوات الاولي للثورة يلحظ (الرموز)التي كانت تركز عليها (الإمارات السلفية، والعصابات الاخوانية، وتنظيم القاعدة، وممارساته ومنها فيديوهات تقطيع الرؤوس والاجساد)، وحين شعرت السلطة الاسدية بالفشل بعد عام من الثورة اطلقت (الجهاديين) (بين اول سنة 2012 ونهاية 2012 ؛ لكي يؤسسوا (جبهة النصرة (ثم داعش)، واحرار الشام وجيش الاسلام. هذا تكتيك ارتبط للأسف بدور قطري / تركي، يهدف الي وقف المد الثوري، بدأ يدعم تعميم الخطاب الاسلامي، بصفته خطاب الثورة. وبالنقل المشوه والمفبرك لشعارات (ومظاهرات)، ثم بدعم التسليح وفرض تسمية الكتائب بأسماء اسلاميه   من اجل التمويل المالي، وبالتالي دعم (الجهاديين). هنا كان التوافق كاملاً بين السلطات في بعض دول الخليج (قطر) و (بموافقة الامبريالية): حيث كان يجب ان تتحول الثورة الي الأسلمة وان يصبح الصراع صراعاً طائفياً. بدل ان يكون صراعاً طبقياً؟! 

لقد تم   اعداد هذا البديل الاصولي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين للوصول لهدف وهو ان تتحول الثورة الي الأسلمة وان يصبح الصراع صراعاً طائفياً في سوريا. الآن ودون اطالة، كل يساري / ماركسي لابد من ان ينطلق من (تحليل السلطة) من منظور طبقي،، وبالتالي يشير الي الأليات التي تستخدمها السلطة في الصراع، ولكن على هذا اليساري / الماركسي ان يواجه (الوعي المشوه) الذي يحكم الطبقات الشعبية (رغم ان الشعب كان اكثر وعياً من (النخب) لفترات طويله مِن عمر الثورة، وما يزال جزء مهم منه كذلك، وضرورة ان لا يبرر اليساري / الماركسي للطبقات الشعبية كل ميل طائفي مقابل، حتى وان كان كل الشعب يري في السلطة بأنها (سلطة طائفية)، ويعتقد هذا الشعب بأن من المنطقي ان يكون الرد طائفياً، لابد  من مواجه هذا الوعي المشوه، فهذا وعي يشوه (الصراع) الصراع الطبقي، ويخدم منطق السلطة الذي يريد ان يقسم الشعب ويقسمه  الي طوائف، (تتصارع)، ويضمن تخويف طائفته (العلوين) ؛ لكي يستخدمهم وقود الدفاع عن السلطة الاسدية. كانت السلطة الاسدية تريد من العلويين – بصفتهم علويين – ان يقتنعوا بأنها سلطتهم؛ ليبقوا وقود حربها، هذه هي السياسة والتكتيك التي اتبعه النظام الاسدي منذ بدء الثورة بالضبط. صحيح انه نجح الشرخ الطائفي في المجتمع السوري الذي ارادته السلطة الاسدية (والقوي الاقليمية)، لكن هذا لا يعني أن الطائفة هي مع السلطة الي (النهاية)، على العكس، فقد سيقت بالعنف الي الحرب دفاعاً عن السلطة الاسدية، وخسرت عشرات الاف الشباب. ولم يكن التخويف وحده هو وسيلة السلطة، بل القتل هو مصير كل من يشك في رفضه الانجراف خلف السلطة الاسدية من العلويين، ولهذا سيق شبابها الي الموت، وقد قامت سلطة الاسد باختراع الخطر القادم (الإمارات السلفية، والعصابات الاخوانية وتنظيم القاعدة، وهم يقطعون الرؤوس والاجساد من خلاف على الهواء مباشرتاً) وكما ذكرنا فقد أطلقت السلطة الاسدية (الجهاديين) في 2012 لكي يؤسسوا جبهة النصرة هيئة تحرير الشام واحرار الشام وجيش الاسلام. كل هذا يجب ان يكشف امام الشعب، وبعد تمكين هذا البديل الاصولي من السلطة بعد سقوط النظام الاسدي من دون ان تكون هناك مواجهة حاسمة بين الفصائل المسلحة الاسلاموية هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين. لتسقط كل المدن من حلب الي حمص الي حماه الي ريف دمشق الخ. في يد هذه القوي الاصولية وكأنها اشبه بمسرحية تم الاعداد لها؟! المهم الان وفي ظل ما يريده ما يسمي النظام السوري الجديد بقيادة القاعدة جبهة النصرة هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وهو مأسسة هذا النظام في دولة (دينية طائفية)، من المهم ان يعاد بناء الثورة على اساسها الطبقي السياسي بعيداً عن الاوهام (الاصولية) او ردود الفعل الطائفية. وانه يجب اعطائهم الفرصة والوقت، كل هذا تضليل للشعب السوري. فواقع (الطائفة العلوية) يجب ان يضعها في طليعة الثورة بدل ان تكون قوة وحشية للسلطة الاسدية، وكذلك يصح ذلك على الطائفة السنية بدل ان تكون قوة وحشية بيد هذا البديل الاصولي. كما كانت مع القاعدة وداعش. وإذا كانت مصالح السلطة الاسدية قد دفعت الي مصير الوحشية، وكما سوف تفعل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين ايضاُ، فإن مصلحة الثورة تفرض ان يجري العمل على اعادة موضعة كل هؤلاء في الثورة. من هذا المنظور، لا بد من كشف وتعرية كل خطاب طائفي وكل قوة طائفية. 

الإن نأتي للمناقشة والحوار حول السؤال الذي تم طرحه في أحد حلقات هذه الورقة: لماذا الثورة السورية هي في دائرة التشويش. والتشوش وتعدد السيناريوهات ل افاقها؟ ولماذا زاد هذا التشويش والتشوش بعد ان سقط الحكم والنظام الاسدي والذي كان هو هدف الثورة منذ انطلاقتها؟ ولماذا بعد وصول هذا البديل الاصولي الي السلطة وبهذه الطريقة الدراماتيكية حيث كان الهدف من انشائه هو المحافظة على النظام الاسدي وليس اسقاط النظام؟ هذا يوضح بأن الثورة دخلت في مرحلة التشوش والتشويش بشكل أسوأ مما كان حين انطلقت؟ المشكلة هنا ليس فقط في الوضع الجيوسياسي لسوريا ولتشوش القوي سواء كانت اقليمية او دولية، بل ان الثورة ذاتها باتت مشوشة؟ وهذا امر خطر وأخطر من تشوش فئات وقوي (خارجية)؛ لأنه يمس الممارسين والفاعلين في هذه الثورة أساساً. فمن يلقي نظرة فاحصة على وضع الثورة السورية سوف يصطدم بالفوضى والانفلات (والزعرنة)، و (التشبيح) والسلاح المنفلت، والفصائل المسلحة سواء كانت اسلامية او لأقليات وطوائف اخري (الدروز، الاكراد). مما يؤدي الي الاصطدام مع (المعازيب) التي بدأت تتشكل ما قبل وبعد سقوط النظام الاسدي. وهيمنة البديل الاصولي على السلطة، حيث تهيمن كل مجموعة على منطقة وتقيم سلطتها فيها سواء قبل سقوط نظام الاسد او بعده والان قيام هيئة تحرير الشام القاعدة وجبهة النصرة سابقاً والاخوان المسلمين وانتقلت من فرض سلطتها على مناطق الي محاولة فرض هذه السلطة على كل سوريا. اي على مناطق لم تحررها أصلاً، ما قبل سقوط النظام ؟، بعكس ما يقال عنها لم تقاتل من اجل دحر قوات النظام الاسدي عن هذه المناطق، بل اتت على مناطق فارغة من السلطة. لم يعرف الناس فيها تأسيس سلطة بديلة لسلطة النظام الاسدي الذي قرر الانسحاب منها نتيجة اشكالياته التي جعلت (قواه العسكرية) تتشتت، وتضعف، بالضبط ليس نتيجة (قوة عسكرية) معادية له، بل نتيجة الاحتقان الذي جعل قطاعات واسعة من الجيش والذي يسمي الجيش السوري (العربي)؟ والذي جعل قطاعات واسعة من هذا الجيش قابلة للانشقاق، الامر الذي فرض عليه وضع هذه (القوة العسكرية) في معسكرات مغلقة، وبالتالي الاعتماد – فقط – على (البنية الصلبة) التي يمتلكها (والتي تهمشت، الامر الذي فرض على النظام الاسدي الاتيان بقوي حزب الله وكتائب ابو العباس والمليشيات الافغانية والباكستانية والعراقية وبالأساس الحرس الثوري الايراني). وهذا انسحب ايضاً بعد ان اعطت تركيا وامريكا واسرائيل وروسيا ودول خليجية وبالأساس قطر الضوء الاخضر لاستلام المناطق والمدن الواحدة تلو الأخرى (والذي سماها محمد الجولاني زيفاً (بالفتح)، او (التحرير) وكان الطريق ممهداً له للوصول الي استلام دمشق. هذا الانسحاب للجيش السوري الاسدي فرض كل هذه الفوضى التي صبت لصالح فصائل مسلحة إسلاموية وفصائل مسلحة تابعة لتركيا. وحتى قبل هذا السيناريو الذي تبلور على ارض الواقع، حيث سعت مجموعات الي السيطرة واقامة سلطة، واستطاع الشبيحة (السابقون) والمجرمون والعصابات انتحال صفة الجيش الحر، وتبعهم اخيراً (الجهاديون) و(السلفيون والاخوان المسلمين) الذي كانوا لا يظهرون سابقاً إلا في (مناطق الفراغ) (وهذا كان معروف عنهم في كل المتابعات لنشاطهم السابق)، وهم لم يأتوا لقتال النظام، سابقاً بل اتوا لكي (يحلوا محل النظام) لإقامة الدولة الاسلامية الدينية). وإذا كان هناك من رحب بهم (توهماً) بأنهم أتون لمساندة الشعب، او هلل لقدراتهم العسكرية، وانسانيتهم، فقد هيأ لهم الارضية؛ لكي يستحكموا، وهذه هي الخطوة الاولي في طريق فرض سيطرتهم، هكذا بالضبط. 

  • نكمل سؤال لماذا الثورة السورية في دائرة التشويش؟ 

الكثير من النخب المثقفة والسياسية العربية بات بعد ان تم اسقاط النظام الاسدي، وبعد وصول البديل الاصولي الي السلطة في حالة تشوش وتشويش؟ لكن لماذا؟ لأنه أصبح لايري الا هذا الواقع وبالتالي صارت المسئلة بالنسبة اليه (الانصياع)القبول بالأمر الواقع؟! ولنا في الثورة السورية مثال وتجربة في ظل سيطرة وسلطة هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين على مدينة ادلب. حيث تم فرض سلطتهم بالقوة، ويطبقون قوانينهم عبر (الهيئة الشرعية)، يعتقلون، ويعدمون ويقتلون، ويفرضون (قيماً)، هي قيم قرون الانحطاط والتخلف التي بادت منذ مئات السنين (حتى في أكثر مجتمعاتنا تخلفاً). وبالتالي بات الوضع موزيكاً مرعباً. وفي تلك الفترة باتت الثورة والشعب السوري (مشتتاً) ومشوشاً بين ان يقاتل النظام، او يعمل على انهاء الفوضى وضبط العصابات التي تحمي باسم الجيش الحر، او مواجهة (دولة العراق والشام)، او مواجهة حكم هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين في ادلب، بالرغم من انه ثار على هذه السلطة في ادلب وكانت المطالبة بإسقاط حكم وسلطة هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وبالذات عزل محمد الجولاني. البعض من المعارضة (العبقرية) السورية كان يعد ان المعركة (الرئيسية) هي مع النظام، وبالتالي يدعو الي تجنب (المعارك الجانبية)، وعدم الانجرار الي مخطط النظام الاسدي. وبتحليل كل هذه الكلمات يتم الاستنتاج بأنه على اليسار السوري ان يترك الفوضى والخطف والسرقة والقتل التي تمارس باسم الثورة، وان يتم القبول بسلطة هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين و (دولة العراق والشام)، وان يتم قبولهم كذلك. ولكن؛ هل الفوضى تسمح بتحقيق الانتصار؟ وهل تهريب الشعب من الثورة نتيجة كل ممارسات هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين يفيد الثورة وانتصارها؟ وهل تسليم كل سورية لهيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين يعزز من انتصار الثورة؟ ولماذا هذا القرار السريع من هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين بأن الثورة انتهت والان حان دور بناء الدولة؟!! كفعل (تكتيكي). اليس كل هذا مدمراً لقوة الثورة السورية ان يتم القبول بهذا (التشتت) والذي كان بفعل فاعل والذي لم يصنعه لا اليسار السوري ولا الشعب السوري، بل صنعه اخرون؟ هل تنتصر ثورة في ظل هكذا فوضي، حيث كانت الفوضى في ظل النظام الاسدي البائد ممنهجة، ومدروسة من قبل النظام وجهات عديدة، كانت لا تريد انتصار الثورة ولا سقوط النظام. بات الامر الان بعد وصول البديل الاصولي الي السلطة يحتاج الي فهم وتحليل سياسة هذه (القوي) هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، ورغم مرور زمن على وجودها (نهاية شهر سبتمبر سنة 2013) والذي كان يقال انه لم يفهم وضعها ودورها ؟، في ذلك الوقت كان من المهم تجريم (دولة العراق والشام) وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وتحريم وجودها في كل سوريا، وتجريم كل من دافع ويدافع عنها. ويجب التنبيه هنا ان هذا الصراع معهم لا علاقة له (بالإسلام)، فهؤلاء (الجهاديين) و (السلفين) و (الاخوان المسلمين) جهلة في الدين، والعصابات والفصائل المسلحة الاسلاموية لا تعرف الدين. الصراع هنا من اجل انقاذ الثورة بعد ان غرقت في متاهات المصالح الذاتية، والتخريب في العديد من المناطق السورية. فالثورة بحاجة الي اعادة بناء بعد ان سرقتها ولوثتها هذه (القوي الاصولية)، وبالتالي اعادة البناء تقتضي تنظيف الثورة. يتم ذكر كل ذلك لأن الثورة السورية تدخل مع سلطة هذا البديل الاصولي في حالة من (التشوش والتشويش) الشديد، سواء تعلق الامر بطابعها، او بدور الشعب فيها، او باحتمالات وصولها الي النهاية (كما تريده هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين بان الوقت حان لبناء الدولة الدينية) بدل ان يكون سقوط النظام الاسدي هو وصول الثورة الي نهاية، تشير الي نجاحها. هذه الامور والتي يسميها البعض (وصول الثورة الي وضع مزري)، تدفع الي حالات من اليأس والقنوط، وحتى الي انقلاب المواقف اليسارية وغيرها. وباتت تظهر المسألة قبل سقوط النظام الاسدي وكأنها مجزرة يقوم بها متآمرون، او مهووسون. وفي النهاية (تتدمر) سورية لمصلحة مشروع اقليمي تركي هنا او لمشروع امبريالي اسرائيلي كان هذا المشهد السوريالي (الخيالي) استخدمه النظام الاسدي الذي كان يدعي المقاومة والممانعة لكي يتم دعمه من قبل أطراف عربية واقليمية ودولية، وتلاشي التعامل مع ما يجري انطلاقاً من أنه ثورة. والان فان البديل الاصولي يستخدم نفس هذه السياسة بأن هناك فلول النظام الاسدي وبعودة نفوذ إيران وحرسها الثوري الخ. من اجل ان يعطي نفسه الشرعية ويوجد مبرر من اعلان الحكومة الانتقالية المؤقتة ومجلس تشريعي مؤقت وجيش مكون من مليشيات هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين والفصائل التابعة لتركيا. 

  • لماذا الثورة ازدادت تشوشاً حتى قبل سقوط النظام 

وسبب التشوش هو ان الصورة الاخيرة تشكلت على اساس أن ما يجري هو (صراع) بين (دولة العراق والشام الاسلامية) (وجبهة النصرة) وهيئة تحرير الشام يضاف لهم الاخوان المسلمين ضد النظام الاسدي ؟، بعد ان اخذت جبهة النصرة، هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين تتمدد في الشمال والشرق، وباتت تحاول فرض سيطرتها على كل هذه المناطق، ومن ثم فرض قانونها (القادم من العصور الوسطي)، والذي لا يفعل سوي (تدمير) كل شيء من اجل (الدولة الاسلامية). وإذا كان قتالها للنظام الاسدي محدوداً، كما تشير كل الوقائع العملية (وليس الاعلامية)، ولقد تواجدت بالأساس في المناطق التي كانت قد انسحبت سلطة النظام الاسدي منها، بفعل قوة الثورة، فقد سارعت الي فرض (الدولة الاسلامية) في ادلب بقوة السلاح بعد ان تمكنت، او ظنت انها تمكنت. لكنها – وفق المنظور الذي يتحكم في فهم الثورة – تحسب بأنها القوة الاساسية التي تقاتل النظام الاسدي. الامر الذي يعطي الصورة بأن المعركة قد اصبحت بين (النظام الاسدي وتنظيم القاعدة) (حيث دولة العراق وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام ثلاثة أفرع منها). ويزيد من هذا التشوش كل مظاهر (الأسلمة) التي تكتنف الكتائب والفصائل المسلحة سواء التابعة ل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين او الفصائل المسلحة المحسوبة على تركيا. سواء من حيث الاسماء التي كانت تلصق بها، او الاشكال، او حتى التصريحات. وإذا كانت الثورة قد باتت مسلحة في معظم فاعلياتها، بعد ان (انهارت) امكانيات (التظاهر) واشكال الاحتجاج الأخرى، نتيجة ميل قطاع كبير من الشباب الذي كان يتظاهر الي العمل المسلح، والدمار الذي احدثته السلطة، وهي تواجه المجموعات المسلحة كعقاب للشعب الذي (تمرد) على سلطتها، وبالتالي تحول جزء اخر من (المتظاهرين) الي (العمل الاغاثي (القبعات البيضاء او الزرقاء)، او تشرذمهم. إذاً كانت الثورة قد باتت (مسلحة) فقط، بفعل كل ذلك اكتملت الصورة ان (الصراع) بات صراعاً مسلحاً بين السلطة ومجموعات (اصولية)، وأن ثورة الشعب قد انتهت. هذا ما تراه النخب المثقفة والسياسية اي تري (الصورة) فقط. وهذا ما تراه هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين بأن الثورة انتهت وحان دور بناء الدولة الاسلامية على كامل التراب السوري؟؟ لا شك ان زيادة دور الاسلاميين، وسرعة ميلهم الي فرض سلطة قرو وسيطة في ادلب والان تريد فرض السلطة على كامل التراب السوري (هي نتاج احط مراحل التخلف في التاريخ العربي الاسلامي بعد انهيار الدولة المركزية) ومع كل مظاهر الأسلمة الأخرى، اوجدت حالة احباط لدي قطاع من الشعب الثائر، وفرضت زيادة الخوف لدي فئات اجتماعية، كان يجب ان تنخرط في الثورة، وبالتالي زيادة الارتباك في صفوف الشعب الثائر. وكان كل ذلك يستغل من اجل تشويه الثورة، والتركيز على طابعها (المؤامراتي)، والطائفي الاصولي، وهو ما كان يعزز من وضع النظام الاسدي بعد ان كان يتهاوى نتيجة الضعف الشديد الذي طال قواه العسكرية (وهو الضعف الذي فرض عليه استقدام قوات حزب الله ،وكتائب ابي الفضل العباس الطائفية من العراق، وقوات من الحرس الثوري الايراني، اضافة الي الدعم العسكري الروسي) كانت معركة القصير هي المفصل هنا ؛ حيث اعيدت (فاعلية) السلطة الاسدية عبر القوات التي استقدمتها، وفتحت في الوقت ذاته على سعي (دولة العراق والشام الاسلامية) الي السيطرة على المناطق التي هي خارج سلطة النظام الاسدي. وهو ما يظهر ان (تناسقاً) ما يحكم كل ذلك. خصوصاً بعد سعي سلطة الاسد الي استرجاع حمص، والغوطة، والتوجه الي حسم الصراع بالقوة. 

ولكن هل حسمت السلطة الاسدية ذلك في تلك الفترة؟ 

  • لماذا الثورة السورية في دائرة التشتت والتشويش؟ 

انتهينا في الحلقة السابقة عند نقطة تبادل الادوار (وهو ما يظهر ان (تناسقاً) ما يحكم كل ذلك) بين النظام الاسدي ودولة العراق والشام الاسلامية (هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين)، حيث سيطرة هذه على المناطق التي هي خارج سلطة النظام، بينما استدعي النظام الاسدي التنظيمات الاصولية والجهادية الشيعية اضافة الامبريالية الروسية لاسترجاع المناطق هنا حمص، والغوطة والتوجه الي حسم الصراع بالقوة. لم تنجح السلطة الاسدية في ذلك، لكن؛ ما كان في تلك الفترة يظهر واضحاً على الارض هو ان (المراوحة) هي السمة التي كانت تحكم الوضع العسكري، فقد كان هناك تقدم للكتائب والفصائل المسلحة، يقابله تقدم للسلطة الاسدية، وهكذا دون ان يستطيع اي منهما تحقيق (الحسم). وهنا خصوصاً الكتائب المسلحة التي تعبر عن الثورة غير تلك التي تعبر عن التنظيمات الاصولية والجهادية، حيث كان هناك التسليح شحيحاً، وكل الوعود بتمويلها بالسلاح كانت فارغة. وما كان يصل هو هامشي، ولا يتجاوز محاولة (حفظ التوازن)، وعدم السماح (بالحسم). هذا الامر كان ينعكس سلباً على (مزاج) ومعنويات الشعب الثائر، حيث يشعر بأنه دخل في (نفق طويل)، يتسم بصراع دموي، لا افق له. وكانت (المراوحة) في الصراع توحي بذلك، ولهذا تثير (حالة التشوش، التشويش)، والاحباط واليأس التي تراكمت العناصر التي تولدها. لكن ذلك ايضاُ كان يعزز النظرة التي باتت تري فيما يجري (صراعاً مسلحاً) بين النظام الاسدي والتنظيمات الاصولية والجهادية. خصوصاً عندما يشار الي (مصادر التسليح) من تركيا والغرب. كل ذلك في ظل اهتراء المناطق التي اسميت (محررة)، بالضبط نتيجة الفوضى و (التشبيح الثوري)، والعصابات، وتنافس الكتائب المسلحة، وعدم تعاونها، وأخيراً دور دولة العراق والشام وجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام لاحقاً) وجيش الاسلام الذي حول الصراع من صراع (وطني) من مواطني هذه المناطق ضد النظام الاسدي الي صراعها مع هؤلاء التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلامية، بالضبط نتيجة محاولة هذه التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلاموية فرض سلطة، لا يقبلها اكثر الناس ايمانناً في مجتمع سوري، تجاوز القرون الوسطي منذ زمن طويل، وباتت تحكمه قيم حديثة. وايضاً كذلك في ظل وضع اقتصادي بالغ الصعوبة نتيجة توقف عجلة الاقتصاد أصلاً. وفقدان قطاعات واسعة مداخيلها، وشح المواد السلعية، خصوصاً الغذائية. وغياب كل سلطة سوي سلطة (المسلحين)، رغم المحاولات التي جرت في العديد من المدن والارياف لبناء (سلطة شعبية)، كانت (تجهضها) القوي الاصولية دولة العراق والشام (جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين) بالذات. كل هذا كان يسجل على حساب الثورة ويشير الي غياب افق الحسم العسكري من قبل الثورة، في الوقت الذي كانت تغرق فيه المناطق التي (اسميت محررة) بكل الفوضى والفلتان الامني، بالتالي (يغرق الثورة في التشوش والتشويش)، وينمي الميول للوصول الي (الخلاص) بأي طريق كان. لكنه كذلك (يشوش على الثورة ذاتها)، فهل هي (ثورة)؟ او (فوضي)؟ وهل هؤلاء (ثوار) يريدون اسقاط النظام؟ او مجموعات تتسابق على السيطرة، وبعضها يمارس عمل العصابات ليس بالمفهوم الثوري؟ وهل تريد اسقاط النظام الاسدي من اجل دولة مدنية؟ ام ان الهدف هو اقامة (دولة دينية (الخلافة الاسلامية؟ السؤال الذي يطرح بعد ذلك، وبكل بساطة: هل هذه (ثورة)؟ ويكون الجواب هو الخروج من دائرة الثورة، والدخول مرة ثانية في دائرة الفوضى والعنف والعبث حيث ان كل هذه الاسئلة اجابتها اصبحت واضحة للعيان بعد وصول (البديل الاصولي) للسلطة. ولكن هل يعني ذلك ان الثورة انتهت؟ الي الان هذا التصور غير صحيح. لكن كل الاسئلة المشار اليها بحاجة الي معالجة حقيقية. فالشعب سيظل يسعي الي تغيير النظام سواء كان النظام الاسدي البائد او نظام هذا البديل الاصولي رغم كل حالات اليأس والاحباط، او حتى الانقلاب على الثورة. من قبل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، وبالتالي لابد من اعادة تقييم شديدة الدقة للوضع القائم في ظل وجود هذا البديل الاصولي الذي فرضته التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلاموية ودول اقليمية هنا تركيا بشكل مباشر، اسرائيل بشكل غير مباشر. وكذلك تحديد استراتيجية واضحة. فالثورة انطلقت من اجل اسقاط النظام الاسدي الاستبدادي علماني لا لكي يأتي بديل له نظام استبدادي ديني وكذلك من اجل تغيير النمط الاقتصادي المافياوي الذي أفضى الي وجود اعداد هائلة من العاطلين عن العمل، واعداد هائلة من المفقرين. ولتحقيق هذه المهمة والهدف في ظل هذا النظام الذي يسمي الجديد (البديل الاصولي) لابد من تحقيق عدد من المسائل التي باتت ضرورية وملحة جداً امام الثورة. 

الكثير من النخب المثقفة والسياسية العربية تري ما تبلور في الصراع في سورية انه بين تنظيمات اصولية وجهادية هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين، والنظام الاسدي السوري. وان هذا الصراع كان عبر قانون التحولات الكمية الي كيفه قد أنتج هذا التركيب الجديد في الانتقال من حكم علماني الي حكم ديني؟! دوني ان يمعن هؤلاء النظر في انه كان هناك (تنسيقاً) بين النظام الاسدي وكذلك التنظيمات الاصولية والجهادية. من اجل اجهاض الثورة السورية. وبالتالي كان من المطلوب حتى ما قبل اسقاط النظام الاسدي ان يتم حسم الرأي مع كل المجموعات التي أتت لتنفيذ مشاريعها في سورية، وهنا دولة العراق والشام وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وجيش الاسلام، فهذه قوي (غريبة) عن المشروع الوطني الديمقراطي العلماني، وعن التنوير وعن  الحداثة والتطور الخ، وكان هدفها هي تخريب الثورة من الداخل، وتشتت نشاط الشعب عبر ادخاله في صراع جانبي خطر جداً، من خلال افتعال الصراعات  الطائفية، والفرض الاصولي والتدخل في الحريات الشخصية، والقتل العشوائي او المبني على (فتوي)، وبالتالي هذا كان يستلزم موقفاً واضحاً من المعارضة السورية والكتائب المسلحة الغير اصولية. والنظر الي هذا الانقلاب الذي تقوده هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين هو انه ثورة مضادة، وثورة تبحث عن الغنيمة والقوة والسلطة فقط. وكما كان ما قبل اسقاط النظام الاسدي من تبلور لفكرة (المجالس الشعبية) وهي السلطة الفعلية في المناطق التي باتت خارج سيطرة السلطة الاسدية، تجب العودة لها الان. لأن الشعب الذي قاتل هو الذي يجب ان يحكم ويدير اموره في مناطقه (من خدمات، الي الامن، الي القضاء، الي تسهيل امور المواطنين)، فلا سلطة غير سلطة الشعب، والكتائب والفصائل المسلحة هو للقتال ضد قوات النظام، وليس لفرض سلطة والتحرش بالناس، او ممارسة كل اشكال التعدي عليهم. وهنا يجب القطع مع كل القوي الخارجية التي تريد توحيد الفصائل المسلحة الاسلاموية في جيش تحت الادارة العسكرية ل هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وربطها هنا تركيا بسياساتها الخاصة بعيداً عن الثورة. هذا الباب الذي فتح بحجة الدعم العسكري والمالي يجب المطالبة الشعبية بأن يتم اغلاقه؛ لأنه أضر أكثر مما افاد. والسؤال الان كيف يمكن ان تتشكل قوي سياسية حقيقية، يمكنها التعبير عن الثورة السورية؟ ما هو قائم عاجز عن ذلك، ولقد أضر بالثورة كثيراً خلال المرحلة الماضية، وبالتالي بعد وصول هذا البديل الاصولي الي السلطة بات امام تشكل القوي السياسية الحقيقية مهمة البدء ببناء سياسي في داخل سورية، يمكنه التعبير الحقيقي عن الثورة وخصوصاً بعد سرقتها بانقلاب اصولي عسكري، مدعوم من الخارج على النظام الاسدي. لكن كل ذلك – ربما – يحتاج الان الي (مبادرين)، حيث لا زالت تغييب القوي السياسية، او تكون عاجزة، حيث لا بد للثورة ان تنجز مهماتها واهدافها الوطنية والديمقراطية، وان تعود الثورة (واضحة) بعد ان تتخلص من كل ما علق بها من ركام التاريخ الوسخ، ومن براثن هذا البديل الاصولي. 

التشويش والتشوش فيما يخص هذه النقطة وفي غياب (القوي السياسية الحقيقية المعبرة عن الثورة، ومشروعها الوطني الديمقراطي العلماني). 

نكمل هنا السؤال الملح والجوهري، وهو لماذا لازالت الثورة السورية تقبل كل هذا التشويش والتشوش؟ والبعض ينظر اليه الي انه مجرد نتيجة وليس سبباً لهذا التشوش فلا شك ان الثورة السورية كانت ومازالت في مأزق الثورة وتناحر (الثوريين). ويبدو ان كل الوضع السوري في مأزق (مأساوي) إذن؛ حيث يظهر تعقد (المساومات) الدولية، وعدم مقدرة قبل ان يتم اسقاط النظام الاسدي، روسيا وامريكا الوصول الي توافق نهائي يؤدي الي فرض الحل الذي بان معروفاً على كل الاطراف؛ في سياق السعي لإصدار قرار من مجلس الامن يدين النظام الاسدي لاستخدامه الاسلحة الكيمياوية، في حربه على الشعب السوري، ويقرر الاتفاق بينهما كأساس ل (وضع اليد) على هذه الاسلحة الكيميائية وتدميرها (والتي هي اليوم في اللحظة الراهنة الكل يريد ان يضع يده عليها). فأمريكا في تلك الفترة ارادت قراراً ملزماً تحت البند السابع، وناورت روسيا من اجل عدم صدور القرار تحت البند السابع، بل تحت البند السادس الذي لا يجيز استخدام القوة. هكذا بالضبط كان يريد دكتاتور روسيا بوتن. ومع ذلك صدر القرار تحت البند السابع مع ربط (التدخل بالعودة) الي مجلس الامن؟ كان خلال ذلك يجري الترتيب لعقد مؤتمر جنيف (2)، وتجري تهيئة الاطراف المختلفة لحضوره، وهذا ما اوجد مفاعيل على الارض متناقضة، وبات الضغط من اجل سحب الاسلحة الكيميائية يصب في (تهذيب) سلطة الاسد؛ لكي تخضع لمنطق الواقع، رغم كل التصريحات (العنترية الروسية)، والكلام (التافه) الذي اعتاد لافروف وزير الخارجية الروسية اطلاقه، دفاعاً عن سلطة الاسد، باتت تتهاوي، وتبريراً لممارسات بشعة، تقوم بها. ففي الاخير يحب ان يأتي طرف من السلطة؛ لكي يجلس على الطاولة (ليبصم) في جينيف، بعد ان أصبح واضحاً أن (المعارضة) السورية (بما هي هيئة التنسيق لقوي التغيير الوطني الديمقراطي، والائتلاف الوطني لقوي التغيير والثورة) (تهذبت)، وباتت مستعدة لقبول هذا الاستحقاق، وفق الاسس الذي يقوم عليها. 

نكمل هنا مازق الثورة ومازق اللاعبين الدوليين، ومازق دولة العراق والشام الاسلامية ومازق النظام الاسدي وكذلك القوي الداعمة له مليشيا حزب الله والحرس الثوري الايراني وكذلك مأزق المعارضة السورية. كل هذا لكي نري حجم التشوش والتشويش في فهم الوضع السوري وبالتالي الثورة السورية. وهذا جعل الوضع السوري يبدو في مأزق (مأساوي)، حيث تعقد المساومات بين روسيا وامريكا وكذلك من صراع بين دولة العراق والشام الاسلامية وكل الكتائب الملحقة بالجيش الحر، وحتى الكتائب الاسلامية، وفي حالة حرب مع الاتحاد الديمقراطي الكردي من جهة، ومع تلك الكتائب من جهة اخري (بما في ذلك مع جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام لاحقاً والحكومة الانتقالية حالياً) وهي توأم روحها). ما الهدف من كذلك؟ في الشق الاول (المساومات الدولية) بين روسيا وامريكا كان من المفترض التوصل الي توافق نهائي يؤدي الي فرض الحل. في جنيف 1 وجنيف 2. وهنا في ظل هذه المساومات يأتي دور الموقف من الاسلحة الكيميائية (سحب الاسلحة الكيميائية من الحرب) و (استخدام الاسلحة الكيميائية) وهو الذي حصل مما فرض هذا الامر الواقع حينها – (التشدد) الامريكي ذلك ان باراك اوباما صرح بأن استخدام الاسلحة الكيميائية هو (خط احمر). الاهم هنا ان المساومات في جنيف على المسألة السورية حيث بين ان الروس يرجحون كفة السلطة، الامر الذي يفشل المؤتمر. لأن جنيف 2 هي (صفقة بيع) امريكية لروسيا (مثل صفقة البيع بين امريكا وروسيا حول اوكرانيا، بمعني ان امريكا تتنازل فيها لروسيا عن (سورية)، وتعمل على ان ينجح الحل الذي يحقق مصالح امريكا في إطار التقاسم العالمي بينهما. وهكذا تفعل امريكا مع روسيا في غزوها لدولة ذات سيادة اوكرانيا. هذا فيما يخص المساومات الدولية اما عن الشق الثاني وهو ما الهدف من اندفاع دولة العراق والشام الاسلامية وسيطرتها على كل القوي؟ هذا كان راجع اولاً لأنها عدة نفسها بانها اصبحت قوية بما يكفي لفرض سيطرتها، ولكن؛ ماذا بعد ذلك هل ستقاوم السلطة الاسدية؟ لا يبدو في منطقها مقاومة السلطة ولهذا يجب ان ننظر لما جري ويجري انطلاقاً من انه جزء من استراتيجية (السلطة)لتدمير الكتائب المسلحة، ومن ثم؛ التقدم للسيطرة على كل المناطق التي كانت خارج السيطرة الحكومية وربما هي تنجح هنا أكثر مما نجحت بقوتها العسكرية المباشرة. ولهذا أدخلت الكتائب المسلحة غير الاسلاموية في حالة إنهاك مستمرة، وشتت تركيزها في صراعها مع السلطة الاسدية. هذا الامر في كل الاحوال سواء ظننا سوءاً بداعش، او انطلقنا من (منظورها العقائدي)، سوف يفكك الكتائب المسلحة غير الاسلاموية من جهة، ويحد من رفض الشعب لسلطة داعش من جهة اخري، وربما يكون هنا دخول الجيش (جيش السلطة الاسدية) حلاً لوضعهم. وما زاد من المشكلة، وفرض فوضي اعلي ظهرت مفاعيلها بعدئذ هو تأثير الصراعات داخل (الائتلاف الوطني) على تفكك وتصارع الكتائب المسلحة. فقد ادي التوسع الاخير في صيف سنة 2013 لقوام الائتلاف الوطني الي اضعاف جماعة الاخوان المسلمين واعلان دمشق (اي المجلس الوطني)، وتجاوز سيطرتهم على القرار فيه، لمصلحة قوي اخري، اسميت (القوي الديمقراطية) (رغم ان هذه التسمية فضفاضة كثيراً عليها)، وهي – في المجمل – قوي تركت هيئة التنسيق منذ زمن بعد ان كانت وما تزال تميل الي (الحل السياسي). وترتبط بالسعودية بالخصوص كل ذلك في سياق الترتيب الامريكي لمشاركة المعارضة في جنيف 2. هذا يعني خسارة جماعة الاخوان المسلمين، ومجمل الاسلاميين، وعدم حصولهم على سيطرة في السلطة التي من المفترض ان تنبثق عن مؤتمر جنيف 2 (الحكومة الانتقالية). لهذا حاولوا منع توسيع الائتلاف، وحين فشلوا شاركوا على استحياء، ولقد كانت الرسالة التي بعثها احمد الجربا رئيس الائتلاف للأمم المتحدة حول الموافقة على المشاركة في مؤتمر جنيف 2 المدخل لتفجير كلية الوضع؛ حيث أصدر 13 فصيلاً (اسلامياً) (منها جبهة النصرة واحرار الشام ولواء التوحيد) بياناً (نزعوا الشرعية) عن الائتلاف الوطني)، وعن الحكومة التي ينوي تشكيلها، وعدوا بأن القرار هو لمن هم (على الارض). وهذه جزء مهم من هذه الكتائب على علاقة بجماعة الاخوان المسلمين، لكن التحالف ضم كتائب سلفية (جهادية). وبالتالي أصبح التفكك في (المناطق المحررة) يتعمق، وهذا يضعف الثورة ويشوشها عموماً، وكان يجعل السلطة الاسدية تستمر في تحقيق الحل العسكري. 

المسألة المهمة لماذا تشوشت الثورة؟ ولماذا انعكس هذا التشوش على كل من اراد ان يحلل الثورة؟ ان ذلك راجع اضافة للأسباب التي ذكرناها سابقاً ما يسمي (فوضي  الثورة) : وخصوصاً ما قبل اسقاط النظام الاسدي وكذلك بعد وصول (البديل الاصولي) الي السلطة ،فبدل من ان تحقق الثورة مهمتها واهدافها الوطنية والديمقراطية، اتسعت فوضي الثورة، ويبدو الوضع وخصوصاً ما قبل اسقاط النظام الاسدي وكأن (الثوار) سيتقاتلون والامور تسير نحو (الكفر) بالثورة، واذا كانت السلطة الاسدية في ذلك الوقت فشلت في انهاء الثورة، وتحقيق انتصارات عسكرية، وظهرت مكشوفة عارية بعد مسكها متلبسة بجرم استخدام الاسلحة الكيميائية، وان كان يبدو من يريد قلب هزائمها الي انتصارات. كيف كان ذلك؟ داعش، قررت السيطرة على المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة الاسدية، وبذات حملة لتصفية (الجيش الحر)، والكتائب المسلحة الأخرى، بما في ذلك جبهة النصرة هيئة تحرير الشام (توأم روحها). وبات كل الانتباه ينحو نحو كيف يمكن رد تغولها، ودرء معركتها. البعض يعد ممارستها خطأً فقط، والائتلاف يصدر بياناً هزيلاً، واخرين استفاقوا متأخرين على الخطر الذي زرع بعد اكمال الثورة عامها الأول. والذي كان واضحاً انه سوف يوصل الي هذه النتيجة، لسببين، جري التنبيه منهما في البدء، الأول هو ان (منطقها) (كمنطق كل الجهاديين) يقوم على (ملء الفراغ) بإقامة (دولة الخلافة) رغماً عن الشعب (وكما شاهدنا ذلك بعد اسقاط النظام الاسدي بقيام جبهة النصرة، هيئة تحرير الشام على (ملء الفراغ في السلطة) وتوجهت راساً الي ما تقوله (زيفاً) ببناء الدولة لكي تقطع الطريق على الاستمرار في الثورة لكي تطبق الثورة شعاراتها ومشروعها ببناء الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية العلمانية. وكما فعلت داعش بان فرضت سلطتها في المناطق المحررة كذلك فعلت هيئة تحرير الشام وكذلك رغماً عن الشعب، وهذا ما يفرض ان تصطدم مع الشعب والقوي الأخرى بالضرورة وهذا ما نراه اليوم من تمرد على سلطة محمد الجولاني. كل ذلك يقود الي جر الثورة الي متاهة تدمرها. والثاني انها (ككل الجهاديين) مخترقة من قبل اجهزة المخابرات، واولها النظام الاسدي ذاته الذي تعامل مع هذا النمط منذ زمن طويل، وروضت العديد من عناصره، وزرعت فيه من يوجه بما يخدم سياستها. وكانت كل المعلومات تم توصل اليها ان للنظام الاسدي يد في تشكيل (جبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام التي هي امتداد لها وكما ذكرنا قبلهما داعش). وهذا كان واضحاً على الارض حيث وجدنا هجوم داعش يترافق مع هجوم السلطة لاستعادة السيطرة على حمص والقوطتين ودير الزور بعد السيطرة على مدينة القصير. والذي لعب فيها حزب الله الدور الكبير، وبالتالي من الطبيعي ان يكون الهدف هو الهاء وتدمير الكتائب المسلحة الغير تابعة للتنظيمات الاصولية والجهادية الاسلامية، لكي يكمل النظام الاسدي سيطرته على الشمال والشرق السوري. في المقابل، ادت الخلافات في الائتلاف الوطني، واختلال التوازنات الاقليمية لغير مصلحة بعض الدول، الي الدفع نحو (شق) الكتائب المسلحة الغير اصولية او جهادية، وتكتيل مجموعات، اعلنت رفض الإتلاف الوطني ومؤتمر جنيف 2، وعدت انها هي الثورة. بالتالي من خسر في توازنات الائتلاف الوطني، ومن خسر في الصفقات الدولية، بات يسعي الي تخريب المسار الذي رسم لحل (المسألة السورية). وهنا يتم لمس بأن كل الفوضى باتت مرتبطة بالحل السياسي، من خلال جنيف 2. السلطة الاسدية تريد تحقيق انتصارات، كما تريد تشويش و (بهدلة) المناطق (المحررة). ومن خسر على المستوي السياسي يريد تخريب الحل؛ لأنه يريد ان يهيمن هو حتى وان تدمرت سورية. المشكلة تكمن في ان كل الاطراف التي تدعي انها جزء من الثورة ليس لديها اي حل، وهي تتكل على (الله) في استمرار الصراع دون ان تلمس طريقاً للخلاص، طريقاً يوصل الي الانتصار، وكل الانتصارات التي جرت وتجري هي نتاج بطولة وجرأة المقاتلين الذين يريدون اسقاط النظام، لكن هذا ليس كافياً للوصول الي الانتصار. 

مما عمق من ازمة الثورة السورية وجعل الكثير من المحللين السياسيين أكثر تشوشاً هو عدم وضوح القوي الاجتماعية وتبلور التناقضات الطبقية في شكلها الطبقي وعدم تبلور مطالبها وشعاراتها بشكل واضح للداخل والخارج، فلقد (زرعت)الثورة بكل عناصر (التخريب)، وركبها كل من يريد (النهب)، وكثير من (النصابين)، ونشطت باسمها عصابات نهب وسرقة، دون ان يكون ممكناً تنظيم وضعها بما يمنع كل ذلك. علاوة على هذا العامل اي (اختراق الثورة) و (زرعها بكل عناصر التخريب)، هناك عامل ثاني وهو ان المعارضة تقاتلت من اجل فرض كل طرف (شرعيته)، وكان كل منها يريد السيطرة من اجل مصالحه هو، ويتسرع في السيطرة الي حد التخريب على الثورة. والعامل الثالث هو انتقال هذا الصراع الي الكتائب المسلحة ؛ حيث بات الشعب السوري ازاء ثلاث كتل : داعش وهي وحدها تقاتل الكل، والتحالف الجديد  الذي تشكل في تلك الفترة بين 13 فصيل مسلح يريد  اقامة الدولة الاسلامية (وهذا التحالف في علاقة وتواصل مع الاخوان المسلمين، وقطر  وتركيا)، وأخيراً المسلحين من غير التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلاموية فهناك اعداد كبيرة من المقاتلين الموزعين على عشرات الكتائب المسلحة، والذين هم يمثلون الثورة، ولكنهم كانوا في (فوضي مزرية)، ويفتقرون الي السلاح والمال والتمويل بشكل عام. ولكن كيف سارت الامور حينها؟ وكيف انعكس في عدم قدرة المحللين السياسيين العرب في النظر الي هذه العوامل مما اوجد عندهم (نقطة العماء السياسي)؟ فقد كان هناك على ارض الواقع السوري هذه القوي، فداعش والقاعدة وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وحتى الاخوان للمسلمين كانت تريد بالذات داعش (تهزيل)المعارضة بسحق القوي المسلحة على الارض. والتحالف الجديد المشكل من الفصائل المسلحة يريد تطور الصراع المسلح (حتى بشكل خاطئ)، من اجل افشال جنيف 2، بعد ان تهمش دور الاخوان المسلمين حينها واعلان دمشق، وهما الطرف الذي لعب وسيلعب دوراً سيئاً في الفترة القادمة اي ما شاهدناه بعد سقوط النظام الاسدي وما يسمي بمحور المقاومة والممانعة من الداخل ووصول هذا (البديل الاصولي) هيمنة هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة والقاعدة سابقاً. كل هذا قد مهد له عند اختيار (لحظة الصفر) وهو قرار اقليمي تركي اسرائيلي، عربي، امريكي. لعبت فيه تركيا وإسرائيل الدور الاهم في تمهيد الارض لدخول المدن السورية من حلب الي حمص الي حما الي دمشق، وتم لجم وتحييد روسيا وضرب التواجد العسكري للحرس الثوري ومليشيا حزب الله طبعاً قبل هذا التاريخ بمدة طويلة ولكن هنا اجهزت اسرائيل على ما تبقي من قواعد واسلحة سواء للنظام الاسدي او اما سمي زيفاً بمحور المقاومة والممانعة.  كل ما حدث قبل ذلك من صراع بين القوي، مهد لفرض حل (اقليمي دولي)، فحين يتشوه افق الثورة، ويضيع الشعور بإمكان الانتصار، تصبح القوي الدولية والاقليمية هي المقرر، وهذا ما جري الشعب عليه طيلة أشهر الثورة السورية ولنشاهد النتيجة وصول هذا (البديل الاصولي) للسلطة.

ان دخول الثورة السورية في صراع متعدد كما ذكرناه سابقاً في الحلقة الاخيرة، أنتج صراعاً معقداً، وفوضي، فتحت في الثورة افاق لصراع متعدد، نتيجة اختلاط كل اشكال الصراع، وتدخل القوي الاقليمية والدولية. وبالتالي انتقلنا من التبسيط الذي حكم (ثورات تونس ومصر)، الي شكل يحتاج فهم أعمق، ودراسة ادق. وهذا ما زاد (تشوش وتشوه) تحليلات ومواقف الكثير من القوي خصوصاً اليسارية او الليبرالية او القومية. فالنموذج التونسي والمصري اخذ شكل الصراع التركيز على (اسقاط النظام) (الشعب يريد اسقاط النظام)، قبل ان تنفتح صراعات اخري؛ حيث ظل الاخوان المسلمين سواء في تونس او مصر في (الخلف)، وعقدوا الصفقات مع النظام المنهار عبر قيادات الجيش وبيروقراطية الدولة التي قدمت تنازلاً بالتخلي عن (الرئيس حسني مبارك وبنعلي في تونس) ومن ثم وصلوا الي السلطة بدعم هؤلاء؛ لينفتح الصراع الشعبي معهم وكذلك (مع حلفاء الامس) فسقطوا في مصر، وسقطوا في تونس كذلك. انه تصاعد (مثالي) للصراع في تونس ومصر لم تصله الثورة السورية الي الان بالرغم من سقوط النظام الاسدي البائد ووصول البديل الاصولي والاخواني الي السلطة مما ادخل الصراع في الثورة السورية ذاتها. حيث تفجرت الصراعات في الآن ذاته مع قوي متعددة. لا يتعلق الأمر بدعم قوي اقليمية ودولية للسلطة الاسدية، ولا بدور (اصدقاء سورية) الذي ظهر كمكرس للسلطة عبر اليات متعددة لتخريب الثورة، و (تطيفيها) كما تمت الاشارة له في حلقة سابقة. بل أصبح يتعلق – الآن – بالصراع كما قلنا في الثورة ذاتها. فالنظام كان في الشهور الاخيرة لم يسقط بعد ولقد انسحب من مناطق كثيرة؛ لأن قوته العسكرية تهلهلت، ليس بفعل العمل العسكري ضدها، بل بفعل الثورة الشعبية بالتحديد، والنظام الاسدي انسحب من المناطق والمدن بعد مرور عام على الثورة، وقبل ان يصبح العمل المسلح هو الفعل الاساسي، والذي بان كذلك بعد إذ. ولا شك ان مناطق قد (تحررت) بقوة الكتائب المسلحة بعد اذ. ولكن هل تسليح الثورة كان والعمليات العسكرية صحيحة ام لا لم يتم التطرق لها في تلك الفترة. كل هذا أنشأ (الفوضى) في المناطق التي انسحبت منها قوات الاسد، بفعل التنافس على السيطرة بين الكتائب المسلحة، وظهور العصابات التي تعمل بإسم الجيش الحر، ولكن من ثم؛ (القوي الاصولية جبهة للنصرة وهيئة تحرير الشام بقيادة محمد الجولاني) التي ظهرت فجأة في المناطق التي باتت خارج سيطرة السلطة؟ وهذه كان منطقها لا يقوم على مبدأ اسقاط السلطة، بل على مبدأ اقامة (الخلافة الاسلامية) وهذا ما نسمعه ونراه في اللحظة الراهنة عبر الاعلان عن هذه الدولة الدينية بما يسمي الاعلان الدستوري حيث ستحكم الدولة بالفقه الاسلامي وبولاية (الفقيه) (الخليفة) محمد الجولاني. وهو الامر سواء كان في تلك الفترة ام حالياً الذي يدفعها الي فرض السيطرة بالقوة وفرض (قوانينها) واحكامها القروسطية، وها هو اليوم محمد الجولاني يشكل ما يسمي مسئولين الامن القومي وبمباركة من وزير الخارجية التركي ووزارة الدفاع والاستخبارات التركية. الذي يزور دمشق اليوم بعد احداث الساحل السوري. اذن الشعب بات الان في صراع معها (مع هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين)، بالضبط؛ لأنها هي التي (تتحرش) به وتحاول ان تفرض فقهها الاسلامي المتطرف على كامل الشعب السوري عبر محاولة جعل الشعب يخضع لمنطقها القروسطي (تطبيق قيم اخلاقية بالية.. الخ)، وهذا يعني انها بتأسيس كل قوي العنف هذه بما يسمي الامن القومي السوري انها باتت في وارد اعتقال وقتل وتشريد بشكل مشابه ل (وربما اسوء من) ممارسات النظام الاسدي. 

ان أخطر ما واجهته الثورة السورية وجعلها في حالة تشوش وتشويش، هو انها باتت تعيش صراعين؛ ضد السلطة، ومن اجل اسقاطها من جهة، وضد داعش والنصرة وهيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين من جهة اخري. هذا في سياق السنوات الاولي للثورة، ولكن الاخطر هو الذي ظهر مؤخراً ما هو اعقد من ذلك والذي أحدث هذا التشوش الكبير في فهم الثورة وافاقها، والذي أصبح يشير الي انقسام عميق في الثورة ذاتها؛ حيث اعلنت فصائل مسلحة في (جيش الاسلام)، ثم في (الجبهة الاسلامية)، وسعيهم لإقامة (الدولة الاسلامية). ومنبت ومنبع قادتها هم من ذات المنبت والمنبع الذي أنتج جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وداعش واحرار الشام، اي هؤلاء الذين عملوا مع القاعدة كجهاديين، ويتبعون (الاتجاه السلفي) في تشابك وعلاقة مع دول خليجية واقليمية هنا تركيا. وهؤلاء هم كتائب مسلحة قاتلت ضد السلطة الاسدية، وضمت كثيراً من الشباب المفقر (الثوري / المتمرد) الذي يريد تحقيق التغيير العميق، لكن القدرة (المالية) التي كانت بحوزة مجموعات (سلفية جهادية) دفعت بهم اي هؤلاء الشباب الي الالتحاق بهذه الكتائب السلفية الجهادية، وكثير من هذا الشباب لم يكن متديناً، فبات يتأسلم (شكلاً، او فعلاً، والكثير منهم شكلاً). وكان هناك عامل مساعد اخر دفع هؤلاء الشباب الي الانخراط في هذه التنظيمات الجهادية السلفية وهو يكمن في دموية السلطة و وحشيتها كانت تعزز (التدين) بشكل طبيعي، في ظل غياب رؤي سياسية وفكرية حاكمة مؤثرة. وكذلك العامل الذاتي استعصاء الصراع نتيجة ضعف قدرات الكتائب المسلحة التسليحية وضعف خبرتها العسكرية، مقابل الدعم القوي للنظام والسلطة الاسدي من قبل الامبريالية الروسية وإيران وأذرعها وميلشياتها وخصوصاً راس حربتها حزب الله اللبناني. كان بخلق الاحساس بالأزمة، خصوصاً مع فشل المراهنات على تدخل (غربي) ظلت معارضة الخارج السورية تلح عليه عادة انه المخرج الوحيد، والايهام بإنه قادم مما كان يربط نشاط الكتائب المسلحة بهذا التدخل الغربي او الاقليمي هنا تركيا وهي تواجه عنف النظام الاسدي وانسداد الافق امامها، لهذا كان سهلاً – بعد صراع اخذ عدة اعوام بكل عنفه ودمويتها. ان تنجذب (فئات مؤدلجة سلفياً) الي هذا المسار. وجاء السابع من اكتوبر طوفان الأقصى – المأساة فرصة لدي هذا التيار الجهادي السلفي للاستفادة من هذه الفوضى التي عمت الشرق الاوسط وبالذات دول الطوق ومنها بالأساس سورية حيث أصبح التدخل الغربي والاقليمي هنا تركيا واسرائيل هو الذي مهد لوصول هذا الاتجاه الجهادي السلفي ليكون هو البديل الاصولي للنظام الاسدي. وبهذا نشأ (جيش الاسلام) الذي يريد اقامة (الخلافة)، دولة الاسلام وهذا يعني ان طرفاً قد قرر خوض الصراع ضد النظام الاسدي وحده، ولمصلحته، وبغرض تحقيق ايديولوجيته وهذا ما حدث حيث هيمنت هيئة تحرير الشام ومن خلفهم الاخوان المسلمين بما سمي بالإدارة العسكرية الجديدة او النظام السوري الجديد وبدو الان عبر طرح الاعلان الدستوري يضعون لبنات هذه الدولة الخلافة كل هذا جعل المشهد للثورة  السورية  ان يعيش انقسام، وبالتالي التأسيس لتصارع اطراف فيها، ليكون صراع الشعب متشعباً اكثر، ومشتتاً اكثر لكن الاخطر من ذلك وهو ما نشاهده اليوم من صراعات ضد هذا البديل الاصولي هو ان ليس من امكانية لقطاع كبير من الشعب ان يقبل الاختيار بين النظام الاسدي الذي ثار عليه من اجل اسقاطه والحصول على الحرية والعدالة الاجتماعية، وبين سلطة (هذا البديل الاصولي الجهادي) أسوأ، بديل يعيد سوريا الي القرون الوسطي، ويعمم الاستبداد وينزع الحريات الشخصية المكتسبة تاريخياً ؛ لكي يطال كل ما (هو شخصي)، وانساني، ويفرض تنميطاً هو من مخلفات قرون الانهيار والتخلف والجهالة. سواء في الاشكال او الافكار، او البني المجتمعية والتكوين السياسي والحقوقي. الذي يحاول ان يفرضه هذا البديل الاصولي. 

لقد بات الشعب السوري ،بعد وصول هذا البديل الاصولي الي السلطة وانكشاف (افعاله وليس اقواله) وهو يستحوذ على تاريخ الثورة ويحولها الي اجندته السياسية، عبر تكشف هذه الاجندة التي تصاغ في ما يسمي الاعلان الدستوري الذي يركز كل السلطات في الرئيس الغير منتخب حتى الان محمد الجولاني وهذه فقط البداية، لتعميم الاستبداد، ليطال ما هو الاهم وهو (ما هو شخصي)، وانساني وسوف يفرض تنميطاً على الافراد والجماعات هو من مخلفات قرون الانهيار والتخلف والجهالة، سواء في الاشكال، او الافكار، او البني المجتمعية والتكوين السياسي والحقوقي. اذن هنا تثار عدة اسئلة: هل بات الشعب السوري في صراع جديد من اجل (نقاء) الثورة، ومن اجل ان تسير في السياق الذي فرضها، ومن اجل الاهداف التي طرحتها؟ ان الشعب السوري الذي ثار في سنة 2011 على النظام الاسدي البائد، لم يتمرد وينتفض ويثور عليه (النظام الاسدي)، لأن النظام (علوي)، او (علماني)، او كافر، هذا اخر ما كان يفكر به هذا الشعب. وهذا اول ما تفكر به جبهة النصرة، هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وهذا هو التناقض الاساس والرئيسي لها وكل الشواهد والوقائع تشير الي ذلك حتى الان. ان الظروف للواقع السوري هي التي فرضت على الشعب ان يثور ضد النظام الاسدي، اي ظروف العيش؛ حيث بات اغلبه إما عاطل عن العمل، او ان اجره لا يكفي عيشه، وفي ظل سلطة مستبدة شمولية، تستغل هذا الشكل السلطوي؛ لكي تزيد النهب والسيطرة على الثروة (هنا كغنيمة). لهذا اراد الشعب الخبز والحرية، بالضبط؛ لكي يستطيع العيش، ويدافع عن وجوده. ولهذا إذا قدم للشعب السوري هدف (الدولة الاسلامية وان المشرع هو الفقه الاسلامي) (الدولة الدينية) كما يطرحها الاعلان الدستوري الذي اقترحته لجنة محمد الجولاني. ذلك فان ما يسمي الادارة الجديدة او الرئيس الغير منتخب او النظام السوري الجديد تحاول ان (تقطع التراكم والتناقض ونفي النفي في الثورة) وتعد ان الثورة انتهت وحان الوقت لبناء (الدولة الاسلامية) ولهذا فهي تقدم هدف هذه الدولة الدينية الآن وهماً لبعض القطاعات، ولكن هل يقدم هذا الوهم للثورة حلاً وافق للثورة؟ العكس هو صحيح فهو يبقي الثورة في إطار هدفها الاساس. كما انه إذا قدم حافزاً لهؤلاء المقاتلين، فإنه يبعث الخوف لدي قطاعات كبيرة من الشعب السوري، ولهذا كما نشاهد اليوم بعد احداث الساحل السوري وما يحدث مع الاكراد وكذلك الدروز ومع كثير من اليسار السوري الذي يتم لفت النظر عنها والتعامل للنظام الاصولي الجديد) فقط عبر طوائف، وعشائر، وقبائل. وليس مع كتل او احزاب سياسية او نقابات الخ من المجتمع المدني. ولهذا فهو يفتح على احتمالات صراعات متعددة، مع عديد من الاطراف التي ترفض (الايديولوجية الاصولية والجهادية) التي يراد فرضها، كما انه يضعف الثورة ويمنعها عن انجاز مهماتها الوطنية والديمقراطية العلمانية، عموماً نتيجة ما يوجده من تشكك ويأس ورفض، وتشوش وتشويش على الثورة. 

بالرغم من كل التشوش والتشويش على الثورة السورية، لايزال الشعب السوري يخوض صراعه سواء ضد بقايا النظام البائد او ضد هذا البديل الاصولي الذي استلم السلطة، وهذا الشعب مستمر، وسيستمر. وهو يخوض الصراع الحالي ضد داعش، القاعدة، جبهة النصرة، هيئة تحرير الشام، والاخوان المسلمين كل هؤلاء يحاولون فرض سلطة (استبدادية) (سخيفة) (سخيفة بهزلها الاستبدادي، وتمسكها بقيم اخلاقية مرضية، وتصور قرووسطي متخلف جداً أت من عصر الانحطاط)، وهذا الصراع الذي سيخوضه الشعب السوري ضد هذه (القوي الاصولية والجهادية الاسلاموية) سيكون ذا طابع شعبي (مظاهرات واشكال احتجاجات مختلفة) منها مثل ما نراه اليوم في الاحتجاج على ورقة الاعلان الدستوري البائسة التي تكرس حكم وسلطة اصولية استبدادية ومن الممكن ان يأخذ الصراع حتى الشكل المسلح في حال نهج هذا البديل الاصولي فرض سلطته بالسلاح. فقد بان من الواضح ان استراتيجية هيئة تحرير الشام التي يقودها محمد الجولاني والاخوان المسلمين تقوم على السيطرة الشاملة على الشمال والشرق وهذا ما نراه اليوم وبالذات الساحل واللاذقية وكذلك في السويداء الخ والهدف هو تصفية القوات المسلحة سواء الكردية وهنا بالتعاون مع تركيا او نزع سلاح الدروز. لكي يبقي فقط سلاح واحد وهو سلاح هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين تحت قيادة الادارة العسكرية الجديدة او ما يسمي الحكومة الانتقالية. كل هذا يبقي هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وهو الهدف الذي لطالما سعت اليه هي الوحيدة التي تهيمن على السلطة في الجانب العسكري والاستخباراتي (كوبي بيست للنظام الاسدي). هنا يجب ان تكون لنا وقفة مع كل المحللين السياسيين والمثقفين الذي يطلبون الوقوف مع هذا النظام البديل الاصولي. متناسين كل الاخطار والمخاوف التي سوف يجلبها هذا البديل الاصولي، وهنا لا بد من خوض صراع فكري سياسي مع هذه القوي سواء التي تريد اقامة (دولة الاسلام)، او مع المثقفين او المحللين السياسيين الذين ينظرون ويبررون لهم، هو صراع فكري وسياسي لكشف خطر هذه القوي الاصولية والجهادية الاسلاموية على (الثورة وعلى استمراريتها)، واثارها المفككة لها. في سياق اعادة بناء الثورة، فما جري من تبديل في شكل النظام من (الاستبداد العلماني) الي (الاستبداد الديني)، هو خطوة خطيرة على مسار الثورة؛ لأنها سوف تزيد الخوف والياس والتشتت والتناحر في المجتمع السوري وبالتالي في الثورة، وتفتح باب استمرارية العقوبات الاقتصادية قانون قيصر وكذلك مسألة ازالة هيئة تحرير الشام محمد الجولاني من قائمة الارهاب وجعل هذا الهدف من اهداف الثورة؟!! وكذلك جعل كل الشعب السوري امام القبول (بالواقع) ومن الميل لقبول اي (حل)، والسؤال المهم هنا هل هذا هو هدف الدول التي اوصلت هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين الي السلطة؟ بالتأكيد هو كذلك. اذن لنلخص هنا حول التشوش والتشويش على الثورة السورية: فقد تشابكت الصراعات، وباتت مواجهة الشعب متعددة، ليس النظام البائد الاسدي بل السلطة الجديدة (البديل الاصولي) حتى الان (التكفيريين والسلفيين والاصوليين وكل الدين يريدون بعد اسقاط النظام الاسدي فرض تصورهم ورؤيتهم و (حكمهم) عبر ايقاف الاستمرار في الثورة لكي تنجز اهدافها ومهماتها. 

والان نعود لطرح السؤال مرة اخري هل الثورة السورية بوصول هذا (البديل الاصولي) الي السلطة قد انتهت؟  الثورة لم تنته لماذا؟ لأنه لم تكن مشكلة سورية هي وجود حافظ الاسد، او توريث حكمه لابنه بشار الاسد، ولا يتعلق الأمر بأشخاص، بل يتعلق في السلطة ذاتها، السلطة التي عبر استبدادها الملازم لها نهبت الشعب، واسست لمجتمع، يعيش معظمه في حالة فقر، او فقر شديد، او بطالة، ووضعية تهميش وتخلف واستبداد طويل، ولم يستفد منها سوي الاقلية، تشابكت مع (العائلة الحاكمة الاسدية)، او استفادت من النشاط الاقتصادي الذي اوجدته في قطاعات هامشية ريعية. لهذا لم تقصد ثورة الشعب السوري التي بدأت في 15مارس سنة 2011 (اشخاص)، بل قصدت (بنية اقتصادية سياسية). قصدت انهاء الاستبداد الطويل والسيطرة الشاملة على المجتمع. (ولم تقصد ان يأتي بديل اصولي استبدادي ايضاً في شخص محمد الجولاني). وقصدت الثورة الفئة التي تنهب وتحتكر الاقتصاد، وتفقر كل الطبقات الشعبية. وبالتالي (قصدت بناء بديل ديمقراطي) وليس (بديل اصولي استبدادي)، قصدت بديل يحقق مطالب الاغلبية المفقرة من خلال تحويل بنية الاقتصاد والغاء احتكاره وتأسيس اقتصاد منتج، يستطيع ان يكون قادراً على امتصاص البطالة، وزيادة الاجور، واساس تحقيق التطور المجتمعي، بما في ذلك التعليم والصحة والبنية التحتية. الشعب طالب بإسقاط النظام الاسدي، ولم يقصد الاشخاص فقط، بل البنية التي كان هؤلاء الاشخاص واجهتها ومحتكريها. وليس عبر انقلاب مسلح تقوده السلفية والاصولية الاسلامية. الشعب كان يريد ان يري ان الثورة انتهت الي حلاً اقتصادياً ودولة مدنية ديمقراطية علمانية، وهذا يفترض انتصار قوي لديها الحلول لذلك. للأسف المعارضة لم تكن تحمل حلاً، وخطابها تركز على (الندب) في مواجهة الاستبداد، وتبلورت – في الغالب – في إطار طرح (حل ممكن)، يتعلق بتغيير (شكل) السلطة الاسدية، لكي تصبح (ديمقراطية)، مع التزام (اللبرلة) التي افضت الي التفارق الطبقي القائم، وحالة الافقار الشديد الذي طالت الشعب السوري. لقد استفادت هيئة تحرير الشام للوصول الي السلطة في ظل ظرف الذي تبلور بعد السابع من اكتوبر طوفان الأقصى المأساة وهزيمة المحور المسمى بالمقاومة والممانعة. من واقع تحول الثورة الي السلاح بفعل وحشية السلطة، (واغواء) بعض قوي الخارج ودوله، وبات المال هو الذي يحدد (قوة الايديولوجية)، او مواجهة الموت الذي تدفع الي التدين. بعد كل ذلك، وبتضخيم والنفخ من حجم القوي الاصولية في الثورة، التي البعض من هذه القوي الاصولية مدعوم من السلطة، ونشأ ب (معرفتها)، والبعض الاخر عبر الدعم المالي الخليجي، والتي اصبحت تتكتل (هيئة تحرير الشام) وتحاول السيطرة على المناطق التي باتت خارج سيطرة السلطة، وتدفع نحو انهاء كل الكتائب الأخرى، سواء بالحصار ومنع الدعم، او بتركها لعنف السلطة، بسحقها. 

الآن يظهر وبعد سقوط النظام الاسدي ووصول البديل الاصولي للسلطة في هذه المرحلة الانتقالية وعبر الاعلان الدستوري، وكأن الحل يتمثل في (الدولة الاسلامية)، وأن البديل عن السلطة المافياوية الاسدية هو مافيا اسلامية، او (دولة اسلامية). هذا يبين ويظهر ان هناك تفارق كبير اذن بين مطامح الثوريين السوريين الذين بدؤوا الثورة وبين ما نحن فيه اليوم. بالطبع ان يتم العمل على مراجعة شاملة لتحديد الظروف والاسباب التي افضت الي ذلك، ومع ذلك لابد من الاشارة الي ان (الحل الاسلامي) مطروح حالياً في شكلين، الأول هو ما تطرحه (اخوات تنظيم القاعدة (داعش، جبهة النصرة ،)) والذي يؤسس لإمارة، تعيش على كفاف القرون الوسطي (اي بعد انهيار الدولة العربية الاسلامية)، وتتسم بتخلف وعيها، وضيق فهمها، وبالتالي لا تفعل سوي تدمير الوجود الذي نشأ، والتطور الذي حصل، هي هنا عنصر تدمير، ولا تستطيع بناء سلطة في الاخير ؛ لان الشعب وكما نري الي حد  الان سوف يطردها كما حدث في مدينة ادلب. اما الشكل الثاني للحل الاسلامي المطروح هو الوصول الي السلطة، واقامة (حكم اسلامي)، يركز على الأسلمة؛ اي الطقوس الدينية، وعلى القيم (الاخلاقية)، ولا يعرف شيئًا في مشكلات الشعب، لا في الاقتصاد، ولا في المجتمع والسياسة، وليس معنياً – أصلاً – بحلها؛ لأن اولويته هي (اخلاقية دعوية). وعند مقارنة التجربة (الحل الاسلامي المطروح في سوريا) مع تجارب الحل الاسلامي في دول اخري سنري ان (اسلاميين) حكموا في افغانستان، فأعادوا المجتمع قروناً عشرة الي الوراء، و (اسلاميين حكموا السودان، فانهارت الدولة وتفكك البلد، ونهب الشعب عبر مافيا (اسلامية)، وعاش سيطرة شمولية استبدادية. ولقد حكم (الاخوان المسلمين) مصر لسنة ونصف، لم يستطيعوا حل مشكلات الشعب الذي ثار من اجل تحقيق مطالبه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، على العكس استمرت السياسة الاقتصادية (وكل السياسة) كما كانت زمن مبارك، والتي هي ما أفضى الي الثورة، الامر الذي دفع الشعب للثورة ضدهم، وكذلك حدث في تونس في ظل حكم (الاخوان المسلمين جماعة النهضة) فساد مالي وسياسي وقتل واغتيال وفتح البلاد للنهب واستبداد وقمع الخ. وهنا هل سيكون وضع (الحل الاسلامي) او (الاسلاميين) في سورية غير؟ ربما هم أسوأ؛ لأنهم ليسوا الاخوان المسلمين، وهم هيئة تحرير الشام على تواصل مع السلفية (الوهابية) التي تأتي بسلطة ريعية قرووسطية، ليس أكثر، وهم أقرب الي تنظيم القاعدة في طبيعة رؤيتهم للسلطة والحكم. وبالتالي يبدون كقوة قهر جديدة، تشيع الخوف كما نري اليوم ما هو حاصل في عدة مناطق في سورية بقطاع كبير من الشعب الذي يريد بديلاً يحقق مطالبه. لهذا يبدو الشعب كما كان في مواجهة النظام الاسدي الذي اظهر أقصى درجات الوحشية، ستكون المواجهة ايضاً مع هذا البديل الاصولي والقوي الاصولية التي تريد فرضت سلطتها على مناطق ومدن كبيرة في سوريا بما فيها العاصمة دمشق. 

لماذا يجب ان تستمر الثورة السورية؟ ان وصول هيئة تحرير الشام الي السلطة ك بديل للنظام الاسدي جعل الامور مختلطة، كما تمت الاشارة اليها في الحلقات السابقة، وبالتالي اصبحت الثورة في فوضي وتشوش وتشويش، ولا شك انها سوف تزيد مع كل الاجراءات التي تتخذها الحكومة الانتقالية التي نصبتها هيئة تحرير الشام في السلطة. وسوف تبرز تشققات مؤذية، كما نراها في الساحل السوري ومناطق اخري من سوريا، سببها محاولة فرض (منظور) خاص على مسارها، هو (منظور ايديولوجي اصولي)، يتناقض مع مطالب الثورة الاولي ومع حاجاتها، وكذلك مع امكانية استمرارها وتطورها، وحرفاً للثورة عن هدفها الاساس، وهو تغيير البنية التسلطية للنظام الاسدي وبشكل جذري، ذلك ان فرض هذا الشكل من النظام البديل الاصولي للحكم في سورية هو أسوأ مما كان قائم اي من النظام الاسدي، لماذا؟ لأن هذا البديل الاصولي سوف (يعمم الاستبداد)، ويدخله حتى فيما هو شخصي بدل الهدف الاول الذي قامت على اساسه الثورة، وهو: (الحرية)، التي هي التجاوز للاستبداد الذي فرضته سلطة مافياوية عائلية. ان تستمر الثورة يعني ان الشعب السوري لم يقاتل من اجل استبداد اشد، ودولة تعيش القرون الوسطي: لأن من يحكمها لا يعرف بالاقتصاد والسياسة والمجتمع، وليس لديه زاد سوي (الاحكام الفقهية)، التي هي – في غالبها – تتعلق ب (الاخلاق) و (خصوصاً الجنس). وبالتالي لا تفعل سوي تدمير الاقتصاد كاملاً بدل انهاضه، وتخريب الزراعة وما بقي من الصناعة، لتكريس اقتصاد (بدائي) لا انتاج فيه، ولا عمل، ربما سوي الحشيش كما في افغانستان، او الكبتاجون كما في حزب الله لبنان، وتهريب النفط والخاوة. وبالتالي فإن هذ (المنظور الفقهي) الذي بات يحكم هذه القوي الاصولية التي باتت تستحوذ على السلطة (كما فعلت قبل ذلك في المناطق التي باتت خارج سلطة النظام الاسدي) هنا ادلب. فهذا المنظور الفقهي يقوض الاقتصاد، وبالتالي المجتمع، وينشئ سلطة شمولية استبدادية، لكن؛ هذه المرة باسم الله. وهي سلطة قرووسطية، بدائية (حيث انها تقليد لما يوجد في كتب الفقه، المصاغ بالتحديد في القرون الوسطي؛ اي القرون التي تلت انهيار الامبراطورية العربية الاسلامية؛ لتكون الخلافة هي الاعادة الي الخلف قروناً بدل التقدم الي الامام. 

لطالما كان صراع الشعب السوري ضد النظام الاسدي وكذلك ضد التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلاموية هذا صراع بات مفروضاً على الثورة السورية من اجل ان تتقدم. وبالذات بعد ان تم سقوط النظام الاسدي ووصول هذا البديل الاصولي للسلطة. بمعني ان الشعب السوري بات في صراعين في الآن ذاته، وهذا عقد الامور وشوش على الثورة، لكنه كان صراع لا مفر منه، فهذه القوي هي التي فرضت الصراع، واي تنازل امامها يعني سيطرتها وفرضها لسطوتها، لهذا كان هذا الصراع عبئاً ان يخوض الشعب السوري صراعين قاسيين في الآن ذاته، ولكن قوانين الثورات لا يمكن التحكم فيها، وانفجار التناقضات امر ينتج عن ميول قوي الي ان تسيطر (كما حدث لهيئة تحرير الشام)، وان تفرض منطقها قبل ان يتحقق الهدف العام الذي طرحته الثورة. وهو اسقاط النظام الاسدي وبناء الدولة الوطنية والديمقراطية العلمانية. وقد اتاحت عملية مغامرة طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر الفرصة لهذا التنظيم هيئة تحرير الشام حيث انهار الجدار الذي كان يحمي به النظام الاسدي نفسه المتمثل فيما يسمي محور المقاومة والممانعة الايراني والوجود الامبريالي الروسي. حيث وجدت فيه هذه القوي الاصولية فراغاً سارعت لكي تفرض سلطتها، وهي عادة تنتظر الفراغ؛ لكي تحقق (حلمها) بإقامة (دولة الخلافة) (الدولة الدينية). هذا الحلم كان مثل الهوس الذي يسكن ويحكم هذه الفئات السلفية، تعتقد بأن الواقع يحتمل العودة قروناً الي الوراء باسم (الله) وهي في ذلك تلعب دور المخرب، كما فعلت في العراق حين اسهمت في تدمير المقاومة ضد الاحتلال الامريكي، وما فعلته في الحراك الوطني السوري الذي جري في يوليو سنة2014. هذه القوي الاصولية والجهادية التي وصلت للسلطة كبديل للنظام الاسدي، وتعزز وجودها نتيجة الدعم المالي الخليجي (القطري)، ونجاح الدعم الخارجي التركي / الامبريالي وربما امام مأزق الثورة، سارت الامور نحو الوهم الكبير بإقامة (الدولة الاسلامية) (وبخارطة طريق) يمهد لها الاعلان الدستوري. وهي هنا لا تفعل سوي تفكيك الثورة، وتخويف قطاعات مجتمعية من الثورة ومن المشاركة فيها ومن مالاتها، وعن تخويف الاقليات، متوهمة بأن اليأس سوف يولد الخضوع والخنوع والاستسلام للأمر الواقع. الشعب سوف يكمل مسار الثورة من اجل سورية العلمانية الديمقراطية، التي ستنهض من جديد بقوة هذا الشعب. الشعب لم ييأس رغم كل الفظائع التي تعرض لها وكل القتل والتدمير والتشريد والنزوح والتهجير الذي طاله. ورغم كل الضيق الذي يعيشه، والصعوبات الهائلة والخوف، وانسداد الافق (بوصول هذا البديل الاصولي للسلطة) وكذلك الذي نتج عن (تخبيص المعارضة والواهمين). لهذا فإن الصراع كما كان ضد سلطة نظام الاسد سيمتد ويستمر الي الصراع ضد سلطة هذا البديل الاصولي والقوي الظلامية، وكذلك سوف يستمر الصراع ضد انسداد الافق واليأس، وقصر النظر الذي احدثه وصول هذا البديل الاصولي، لكي ينفتح افقاً واسعاً لانتصار الثورة. 

هنا سنعيد طرح السؤال هل ما حدث في سورية منذ سنة 2011 هو ثورة؟ ان تحولات الوضع السوري ومأل الصراع القائم سواء قبل اسقاط النظام الاسدي او بعد وصول هذا البديل الاصولي للسلطة والذي يقول حان الوقت لبناء الدولة لأن الثورة انتهت بسقوط النظام الاسدي القائم بعد اندلاع الثورة يدفع الي طرح السؤال: هل هناك ثورة في سورية؟ او اين هي هذه الثورة التي يجري الحديث عنها؟ اسئلة تتكرر، ورغم ان كثير ممن يطرحونها كانوا متشككين بما يجري في سورية منذ البدء، تأسيساً على توضع النظام السوري في الوضع الدولي الذي لم يختره هو، بل فرض عليه نتيجة سياسات امريكية خاطئة، حاولت تعديلها بعد قدوم باراك اوباما، لكن تفجر الثورة قطع هذه الامكانية. ان هناك البعض الذين لا يعتقدون بأن ما جري ويجري هو ثورة، بالنسبة لهم لا وجود لشعب ثائر ولا معارضة يسارية او ليبرالية تقف خلف هذه الثورة، وان الصراع قادته تنظيمات اصولية جهادية اسلامية مسلحة منذ البداية والشاهد على ذلك هو ان الصراع على الارض هو صراع مسلح، وانتهي النشاط الشعبي تقريباً (او تماماً كما يظهر في الاعلام)، وان القوي الاصولية اصبحت مهيمنة، وتضخمت لتكون هي التي تقاتل النظام الاسدي، وهي  التي  اسقطت النظام الاسدي، وخصوصاً المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة (جبهة النصرة – هيئة تحرير الشام ودولة العراق والشام – داعش). هذه المجموعات التي تلم كل (جهادي) العالم. وبالتالي فإن من يدعم هذه التنظيمات هي دولة اقليمية هي تركيا وكذلك دول عربية قطر وكذلك البلدان الامبريالية الغربية وهي التي تدعم بالتالي (الثورة)، مقابل دعم روسيا وايران وقوي محمور المقاومة والممانعة المزيف للنظام الاسدي ومنهم حزب الله ومليشيات عراقية (عصائب اهل الحق، التنظيم الاكثر طائفية والتابع للمخابرات الايرانية، والذي كان جزءاً من التيار الصدري، فصل وهدر دم زعيمه بعد ان ارتكب مجازر في بغداد، انطلقت من تحقيق التطهير الطائفي، وكتائب ابوالفضل العباس، والعديد من المليشيات الأخرى زينبيون وفاطميون والحرس الثوري الايراني الخ). اذن هذه هي (الصورة النمطية) التي باتت تتكرر لدي الكثير من اليسار الممانع وكذلك بعض السياسيين والمثقفين ليس على صعيد الافراد فقط بل أساساً في الاعلام الغربي والعربي والداعم ل (طرفي الصراع). اذن؛ اين الثورة في كل ذلك؟ الاعلام هنا يأخذ ما هو ظاهر، وهو متحيز كذلك لميول ايديولوجية ومصلحية، تجعله ينقل ما يخدم وما يريد. وعلي كل منطق علمي أن يكشف ما هو خلف هذه (الصورة الاعلامية)، وماذا يراد منها، من كل طرف ينشرها، ومن ثم؛ الغوص الي العمق الذي يشكل الواقع الحقيقي، من اجل معرفة الواقع. وهذا ما يفرض التشكيك في الصورة التي تنتشر في الاعلام (وتملأ الصورة بأشكال مختلفة)، وايجاد الأليات (المنطقية) والعلمية التي تسمح بالغوص الي عمق الواقع؛ حيث ان ما يشكل (الصورة) هو ما هو مقصود نتيجة مصالح ورؤى، بينما يختفي الواقع خلف هذه الصورة. طبعاً تلقي (الصورة) أسهل من الشك فيها، والبحث عن الواقع الحقيقي، ولهذا حين يسود (الكسل الفكري) عند السياسي او المثقف او اليساري الممانع يصبح تعميم (الصورة) سهلاً، وهذا ما تعمل على اساسه مجموعات المصالح، واصحاب المنظورات الايديولوجية. وبالتالي يسود (منطق القطيع)، فتنساق قطاعات خلف (الصورة) بالضبط؛ لأنها معممة؛ (كالقول بان الادارة العسكرية الجديدة او النظام السوري الجديد او الحكومة الانتقالية الجديدة بقيادة محمد الجولاني (احمد الشرع) عليها اجماع عربي ودولي) هي صورة معممة، اي انها تصبح حقيقية فقط؛ لأنها معممة، وليس لأنها مطابقة للواقع؛ حيث يمنع (الكسل الفكري) السؤال عن مدي مطابقة الصورة للواقع. هذا العيب يطال قطاعاً كبيراً من (النخب) و (السياسيين) المخضرمين. ولهذا نجد انهم ينساقون خلف (الصورة النمطية) التي يشكلها الاعلام، ليس فيما يخص الوضع السوري فقط، فهذه عاهة عامة، كانت في اساس فشل هؤلاء وتهميشهم وهامشيتهم. وفي الغالب يخرج السؤال عن الوضع السوري من بين هؤلاء، لكن الذين ينحازون دون سؤال لمصلحة قبول (الصورة النمطية) عن الواقع السوري هم القطاع الاكبر، خصوصاً هنا ممن يعتقد بأنه (يسار). رغم أن هذا (التعامل النمطي) مع الصورة هو في تضاد مع كل يسار؛ لأن النقد والشك والبحث والعلمية هي من سمات اليسار الجدلي، الذي ينطلق من التأكيد على ان هذه (صورة اعلامية)؛ ليطرح السؤال حول ماهية الواقع الحقيقي؟ وهذا ليس قائماً، ليس فيما يخص الوضع السوري فقط بل فيما يخص كل وضع. 

الصورة النمطية التي يعممها الاعلام للأحداث في سورية والتي ينساق خلفها الكثير من السياسيين والمثقفين. لهذا يختفي سؤال الثورة وسؤال حول، اين هي الثورة؟ الاعلام هنا لا يتناول الوقائع القائمة، وان تناولها فهو يتناولها بشكل عابر، او هامشي، او لا يتناولها أصلاً؛ لأنها لا تخدم (الصورة النمطية) الي يطرحها هذا الاعلام، او تطرح من قبل جهات دولية عربية قطر او اقليمية تركيا او بالعكس عندما تطرح جهات دولية الوقائع في سوريا من مثل منظمات حقوق الانسان، او الامم المتحدة، او غيرها (رغم ان طرحها هنا يجعل مجال تشكيك من قبل في السابق النظام الاسدي او حالياً من قبل النظام البديل الاصولي). لكن هناك وقائع لا يمكن التشكيك فيها، وهذا ما يمكن الاشارة اليه، لكنها لا تحظي بالتحليل والتدقيق، فتضيع في زحمة (الصورة النمطية)، هناك راي سائد انه لم تكن هناك لا ثورة ولا ثوار ولا معارضة من المجتمع المدني ولا من التيار الليبرالي او القومي ولا اليساري. وان من قاتل وأسقط النظام الاسدي هم التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلاموية؟ كل هذه الصورة النمطية يمكن ان يكشفها الحديث عن وقائع صادمة خصوصاً بعد سقوط النظام الاسدي وتكشف الجرائم التي ارتكبت في السجون السورية. حين يتم الحديث عن مئات ألاف المعتقلين مثلاً، وربما يكون التقدير ان عدد الذين اعتقلوا قد تجاوز المليون، ومن مازال في السجن يتجاوز مائتي ألف، ومن أعلن انه جرت تصفيته في السجن بلغ ال 11 ألف معتقل. الا يشير ذلك الي ان النقمة الشعبية كبيرة وان من شارك فيها هم من مختلف القوي الاجتماعية؟ وأن من يخوض الصراع ضد النظام الاسدي هم اعداد كبيرة من الشعب (وليس التنظيمات الاصولية والجهادية الاسلاموية)، استلزمت اعتقال هذه الاعداد، وفرضت التخلص من جزء منهم؟ وأن عملية الاعتقالات لم تتوقف وكانت مستمرة وتطال خصوصاً (ليس المسلحين) في الغالب (حيث المسلحون هم خارج سيطرة السلطة في المناطق المحررة) بل تطال الشباب المدني الناشط في الاعلام، او الاغاثة او التظاهر، او اي نشاط شعبي اخر؟ وهؤلاء الناشطون يتعرضون كذلك (للاعتقال والتصفية من قبل تنظيم داعش وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وجيش الاسلام في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة. وبالتالي إذا كان الاعلام لا يركز على هؤلاء، ويركز فقط على (المسلحين) (خصوصاً الاصوليين)، كان يمكن لمتابعة عمليات الاعتقال ان تكشف الحراك الشعبي، وتوضح استمراريته، فالحراك كان ومازال حتى بعد اسقاط النظام الاسدي مستمر في دمشق والساحل وكل المناطق التي كانت تسيطر عليه سلطة النظام الاسدي، وهو حراك (مدني). ومن ثم؛ هناك مئات الالاف التي تقاوم السلطة الاسدية بشكل غير مسلح وتنشط بأشكال مختلفة، من الاعلام الي الاغاثة الي التظاهر الي اشكال اخري تعبر عن مقاومة السلطة للنظام البائد او حتى لنظام هذا البديل الاصولي. 

نكمل التحليل هنا عن (الصورة النمطية) التي يصدرها الاعلام عن الثورة السورية ويبرز فقط الفصائل المسلحة من هيئة تحرير الشام او الفصائل المحسوبة على تركيا وأنها هي من اسقطت النظام الاسدي. هذا يخفي حقيقة ان الذين يحملون السلاح ضد النظام الاسدي يتجاوز ال 200 ألف، ويمكن القول بأن هناك بضع الاف من الذين (قدموا من الخارج اي من الجهاديين). وهذا هو أحد المطالب ل امريكا لكي تقلل من العقوبات على سوريا اي ان تخرج هيئة تحرير الشام هؤلاء الجهادين الاجانب من سوريا. لكن من الحق القول ان معظم الشباب السوري الذي حمل السلاح والذي هو في البداية تظاهر طيلة أشهر الاولي من الثورة، وهو يواجه بالرصاص والوحشية التي تمارسها الاجهزة الامنية والشبيحة. وبغض النظر عن الاسباب التي دفعته لحمل السلاح (رغم الوحشية التي مارستها السلطة الاسدية)، والتي كانت مقصودة لدفع الشباب الي حمل السلاح، على اساس ان السلطة هي الأقوى هنا، وبالتالي تستطيع حسم الصراع المسلح). ان العدد من المسلحين الذي انضم الي الاصوليين (احرار (هيئة تحرير الشام) والجبهة الاسلامية عموماً، والنصرة، وحتى داعش)، فإن الكتلة الاساسية منه هي من فئات شعبية، شكلت كتائب مسلحة ذات طابع مناطقي، معتقدة أن هذا الخيار هو الخيار الذي يسقط النظام الاسدي بعد ان جربت (السلمية)، ووجهت بالرصاص والعنف. وبالتالي، بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع من حمل السلاح، فإن مئات الالاف من الشعب الذين كان يريد اسقاط النظام الاسدي. إذا هناك كتلة شعبية مدنية كبيرة من الشعب الذي يقاوم النظام الاسدي ويريد اسقاطه، ومن ثم؛ هل يتم الاعتقاد بأن الذين هدمت بيوتهم، او اضطروا للنزوح نتيجة وحشية العنف الذي مارسته سلطة الاسد (قصف الطيران، وصواريخ سكود بعيدة المدي، والقصف المدفعي، والبراميل المتفجرة التي تلقي عشوائياً؛ لأنه ليس من الممكن توجيهها، والاسلحة الكيميائية التي ثبت استخدامها من قبل السلطة). وهو ما ادي الي حدوث دمار هائل في معظم المدن والاحياء والارياف السورية، هل يتم الاعتقاد بأن هؤلاء، هم مع السلطة؟ ربما كان بعضهم مع السلطة، لكن هذه الوحشية لا تسمح بان يبقي كذلك (حتى في الساحل السوري الذي يستخدم ابناؤه في القتل وكل الوحشية التي شاهدناها، يختزنون نقمة عالية نتيجة زجهم في صراع، لا يخدمهم، بل يخدم السلطة التي لم يكونوا معها) هؤلاء الذين شاركوا في الثورة، يتجاوز عددهم عشرة ملايين سوري، هذا غير قطاعات الشعب الأخرى، ولكن الاشارة هنا فقط الي ان كل هؤلاء الذين تحدثنا عنهم هم من هذه القطاعات. وعلي العكس من ذلك فإن الثورة الشعبية وليست الفصائل المسلحة الاسلاموية هي التي قلصت القاعدة الاجتماعية للنظام الاسدي، وانحسارها في فئات متخوفة أكثر مما هي مقتنعة، واخري تشعر انها في مازق وتريد الخروج منه. وهؤلاء هم من البورجوازية التجارية الدمشقية الحلبية خصوصاً، ومن بعض الفئات الوسطي التي كانت تستفيد من النمط الاقتصادي الذي خلقته مافيا السلطة الاسدية، ومن بعض الاقليات المتخوفة من البديل الاصولي (المسيحيون والعلويين خصوصاً) ولاحظنا انه من يقاتل حماية عن النظام الاسدي هي قوي خارجية (حزب الله والمليشيات الطائفية العراقية والحرس الثوري الايراني، واشتات من (الشيعة) من اليمن والباكستان والافغان، ومن روسيا وغيرها) في الوقت الذي ضعفت مقدرة النظام الاسدي العسكرية خصوصاً بعد ان تهشمت قاعدته الاجتماعية. 

باتت الثورة السورية في اللحظة الراهنة وخصوصاً بعد سقوط النظام الاسدي ووصول هذا البديل الاصولي هيئة تحرير الشام الي السلطة والاعلان عن حكومته التي هي (معينة من قبل محمد الجولاني (احمد الشرع) من لون واحد (سلفي) وهي التي سوف تهيمن على السلطة من دون وجود مجلس تشريعي يسائل او يحاسب وحتى من دون صلاحيات فالسلطة كلها في يد (محمد الجولاني) وبالتالي السلفيين؟! هذا كله يدخل الثورة السورية في فوضي الأسلمة والعسكرة والاستعصاء. وهذا يعني انه الي حد الان ان الثورة السورية هي اطول ثورة منذ بدء الموجة (الثورية) في 17/12/2010 في تونس وهذه الثورة السورية لا زالت مستمرة دون مقدرة على تحديد نهاية لها حتى مع سقوط نظام الاسد وازاحة بشار الاسد وال الاسد عن السلطة لان ما حدث ليس كما كان مطروح هو الحل السياسي وتحقيق انفراجه ديمقراطية. ولكن لماذا لم يحدث ذلك؟ في سورية الوضع أكثر تعقيداً لكي تتكرر التجربة التونسية او المصرية عبر ازاحة الرئيس وحاشيته ومن ثم فتح افق لتغيير ما، ذلك ان الوضع السوري أكثر تعقيداً في هذه المسألة نتيجة البنية التي اوجدها حافظ الاسد، والتي كانت تؤسس لدولة بوليسية متعددة الاجهزة، وجيشاً خاضعاً للسيطرة الامنية، ومعين في مفاصله ضباط شديدو الولاء ومن بيئة الرئيس ذاته. لهذا كان كسر (السلطة) يحتاج الي (تكتيك) نبيه، وسياسة تقوم على ادماج البيئة التي تشكل السلطة منها (قوتها الصلبة) كي يصبح ممكناً ايجاد الكسر الضروري في السلطة. بمعني ان ما كان عفوياً وطبيعياً في ثورة تونس ومصر كان بحاجة الي جهد ووعي في الثورة السورية. وهذا ما لم يحدث، على العكس حدث ما يساعد سلطة الاسد على تشديد تماسك (الاقليات) خصوصاً (العلويين) خلفها. وبهذا خلقت سلطة الاسد الاستعصاء الذي نعيشه اليوم صحيح ان هذا الامر كان قاد الي انهيار سلطة الاسد، لكن (البديل) الان في ظل هيئة تحرير الشام الاصولية هو الفوضى والأسلمة والمزيد من العسكرة من مقاتلي هيئة تحرير الشام. وهو الامر الذي يفرض بناء استراتيجية جديدة للثورة والذين قادوا الثورة، تكون بديلاً عن (هذا الحل السياسي الذي تحاول هيئة تحرير الشام ان تفرضه بالقوة على الشعب السوري). ان ما قالت به السلطة الاسدية منذ البدء هو ان ما يجري هو من فعل (عصابات مسلحة) ومن (ارهابيين سلفيين)، وان ما يجري هو حراك، يقوم به الاخوان المسلمون، وتنظيم القاعدة. ومن ثم ان المستهدف هم (الاقليات) و (الدولة العلمانية). وان الامر يتعلق بعنف مسلح ضد الدولة، وليس شعب يتظاهر من اجل مطالب. هذا خطاب السلطة الاسدية كان نوع من المصيدة كيف يكون ذلك؟ يتم لمس هنا بأن السلطة الاسدية نجحت في ان يصبح ما قالت به امراً واقعاً، وان كان ذلك لم يتيح لها البقاء في السلطة وانقاذ ذاتها. ما نجحت به هو ابقاء (البيئة الاجتماعية) التي اسست قوتها منها خائفة وكانت تريد منها ان تدافع عن سلطة الاسد حتى دون قناعة، خشية الخوف القادم من التغيير الذي تريده القوي الاصولية والطائفية ممثلة في تنظيم هيئة تحرير الشام والفصائل الاسلاموية المسلحة والتي تريد الانتقام. وللأسف هذا هو ما حدث ويحدث الان في سوريا بعد ان هيمنت هيئة تحرير الشام على السلطة ورأينا كيف انتقمت هيئة تحرير الشام في الساحل السوري عبر القتل والتدمير في هذا المنطقة (العلوية). وهذا بالضبط ما يريد ان يراه النظام الاسدي المخلوع ليؤكد صحة خطابه. هذه هي العقدة التي افضت الي الاستعصاء، والتي تحتاج الي وقفة حاسمة الان من الثورة، ولان هيئة تحرير الشام لن تستطيع حلها لأن حلها هو المدخل لتغيير الوضع الذي يفتح افق جديد للثورة وللمصالحة الوطنية. كيف يكون ذلك؟ 

لماذا لا يزال ملف (الأقليات) في سورية هو الذي يهيمن على شكل الصراع حتى ما بعد سقوط النظام الاسدي ووصول البديل الاصولي للسلطة؟ يمكن هنا ان نشير الي (المصالح) التي كانت توصل الي هذه النتيجة. وهي مصالح فئات معارضة وقوي اقليمية دولية، كان لكل منها حساباته واوهامه. بينما الشباب الذي حرك الشارع في بداية الثورة كان واعياً لخطر الانجرار للأصولية والصراع الطائفي، وان كان لم يستطيع تقديم خطاب يجذب تلك (الأقليات)، التي كان على انخراطها في الثورة يتوقف مصيرها كله، بالضبط؛ لأن ذلك هو ما كان سيفرض شق السلطة ولازال هدف توحيد هذه (الأقليات) مطروح في ظل استمرار الثورة لكي تنجز مهماتها واهدافها، ذلك ان انخراط هذه الأقليات سيفرض شق سلطة هذا البديل الاصولي، وفتح افق للتغيير. فقد عمل طيف معارض وقوي اقليمية ودولية على تحويل (خطاب) السلطة قبل اسقاطها ضد الثورة الي (حقيقة) وحتى بعد ان وصل هذا البديل الاصولي للسلطة او ما يسمي النظام السوري الجديد؟! لهذا اخذت الثورة تظهر، وكأن الامر يتعلق بصراع قوي اصولية وجهادية وتكفيرية مسلحة ضد النظام الاسدي. وفي هذه المعادلة، كانت السلطة تتوهم بانها هي الرابحة؛ لأنها شدت خلفها (الأقليات)، واعطت مبرراً لكل القوي الإقليمية الدولية، كيف تقف موقف اللامبالاة من الثورة. بالتالي إذا كانت سلطة النظام الاسدي ارادت اظهار الثورة كحراك (سلفي اسلامي) لأن ذلك يخدم مصالحها، فقد عملت أطراف في المعارضة بدت انها هي التي تمثل الثورة (المجلس الوطني، وبضمنه الاخوان المسلمين، وأطراف في اعلان دمشق، والعديد من (السياسيين) على التأكيد بأن الثورة اسلامية، وضد (نظام علوي). وفي هذا الشحن الطائفي المتبادل كانت تدفع للتسلح. ولا شك في ان نجاح التسلح لم يعتمد على دعواتها، بل على وحشيةً السلطة التي فرضت المواجهة العسكرية، لكنه كان يحمل اخطاراً كبيرة نتيجة غياب (الضابط) السياسي، على العكس وجد تحريض طائفي متبادل ودعم مالي مؤثر. هنا نلمس ان السلطة التي لا تمت (للطائفية) بصلة نتيجة مصالحها، تتمسك بمنطق (طائفي) لكي تحافظ على (القوة الصلبة) التي تحميها، وهذا ما نشاهده الآن في ظل سلطة هذا البديل الاصولي هيئة تحرير الشام لكي تصبح هي البديل، دفعت قبل سقوط النظام الاسدي وبعده بأن ينتصر (الخطاب الطائفي) الذي زرعته السلطة الاسدية. ونري كيف يتم تصفية وقتل العلويين على الهوية الطائفية في مناطق تواجدهم. هذه القوي الاصولية في ظل هذه الوضعية فقط تستطيع ان تسيطر على الثورة، ولقد ساعدتها قوي اقليمية هنا تركيا وقطر، والاعلام هنا جاهداً على (اسلمة) الثورة حتى الاعلام الغربي قبل سقوط النظام الاسدي كان يميل الي (التصديق السريع) لهذا الخطاب وعمل على تعميم فكرة ان ما يجري هو حرب اهلية (اي طائفية) حتى قبل ان يصل هذا البديل الاصولي للسلطة. 

لايزال السؤال مطروحاً حتى بعد سقوط النظام الاسدي ووصول هذا البديل الاصولي للسلطة وهو التطابق بين ما كانت تقوم به سلطة الاسد وسلطة هذا البديل الاصولي وذلك كلاهما يركز على مجهوده لكي تدمر وتعزل وتقصي كل النخب المنخرطة في الثورة، في اثناء سلطة الاسد تم عزل واقصاء كل من التنسيقات التي شكلها شباب لديه، وان قدر بسيط من الوعي والفهم والهدف، وكل الناشطين الاعلاميين والاطباء، الامر الذي سمح لشباب اكثر بساطة يصبح هو الفاعل وهذا ما كان ينعكس ضعفاً في الشعارات والنشاط الثوري، والخضوع اكثر لتأثير الحاجة، التي باتت كبيرة بعد ان اصبحت الثورة – في الغالب – محكومة  للسلاح (وهذا ما جعل هيئة تحرير الشام تتصدر المشهد)، وعلي ضوء الموت الوحشي الذي كانت تمارسه السلطة، والذي جعل الصراع ينتقل الي شكله (الغريزي). في هذا الوضع ضاعت اهداف الثورة، رغم ان (الهدف) ظل هو اسقاط النظام، وبالرغم من ان هذا تحقق في ظل ظروف ان النظام الاسدي انهار وسقط مع انهيار وسقوط محور المقاومة والممانعة، وهنا لم يكن هدف الثورة هو ايصال هذا البديل الاصولي الاستبدادي للحكم، بل كان واضحاً منذ البدء بأن اسقاط النظام الاسدي يهدف الي تحقيق (الحرية والكرامة)، ومطالب الشعب المفقر، ومن ثم بناء الدولة المدنية الديمقراطية، لكن تلاشي كل ذلك بعد وصول هذا البديل الاصولي للسلطة وهيمنته وفرض سلطة هيئة تحرير الشام وتعيين قائدها الغير منتخب من الشعب رئيس للدولة ومن ثم تشكيل (تعيين) حكومة من لون واحد اصولية واعلان دستوري يضع كل السلطات في شخص واحد هو محمد الجولاني (احمد الشرع) … الخ. وهنا تم ابتسار الثورة في عنوان واحد هو اسقاط النظام الاسدي ومن ثم هدف واحد انتهاء الثورة والبدء في بناء (الدولة الاسلامية)، وهو الامر الذي يفتح على تسرب كل الاوهام التي كانت تحكم قطاعات وفصائل وهيئة تحرير الشام اي من الذين يحملون السلاح وخصوصاً هنا طرح (هدف) (دولة الاسلام) لكي تطبق على ارض الواقع، كما فعلت جبهة النصرة ثم داعش التي انبثقت منها هيئة تحرير الشام وهو الهدف الذي باتت تطالب به كل الكتائب الاسلاموية (جيش الاسلام واحرار الشام ولواء التوحيد، وغيرها) وبان ان الهدف لديهم هو فقط اسقاط النظام حيث وحدت هذا التنظيمات ارضية لها، وحتي للأسف موافقة من قطاع مهم من المعارضين انطلاقاً من ان المهم هو اسقاط النظام، هذا قبل ان ينكشف امر داعش التي باتت قوة قمع للشعب في المناطق التي هي خارج سيطرة السلطة، وايضاً دون الانتباه لدور القوي الاصولية الأخرى (هيئة تحرير الشام) جبهة النصرة سابقاً او جيش الاسلام والجبهة الاسلامية، التي تمارس الدور ذاته في مناطق سيطرتها. بهذا بدا ان ما كانت تقول به سلطة الاسد منذ البدء واقعاً وخصوصاً بعد وصول هذا البديل الاصولي، وأصبح الامر كما يجري تداوله في الاعلام – هو صراع مسلح بين سلطة وقوي متطرفة. فهذه الصورة التي اخذت في التبلور بعد اسقاط نظام الاسد. وباتت تغطي على الشعب، وعلى الثورة، واصبحت هي المعبر عن الصراع القائم بديلاً عن الواقع الذي يقول بأن الامر يتعلق بشعب، يخوض ثورة، من اجل اسقاط النظام الاسدي (لتحقيق الحرية والعدالة). لقد اختفت الثورة (او اخفيت من قبل هيئة تحرير الشام) لمصلحة صراع مسلح بين قوي السلطة وقوي متطرفة، وبتدخل اقليمي ودولي وعبر ضرب المحور المساند للنظام محور المقاومة والممانعة المزيف. وبتدخل دولي عالي المستوي. وهو الفرصة التي التقطتها هيئة تحرير الشام وتركيا لتملأ الفراغ في السلطة ولتدخل سورية في استبداد ديني كما كنا نشاهد ذلك في ظل ايضاً سلطة النظام الاسدي التي مارست كل اشكال وانواع الوحشية والهمجية دون ان تسمع نقداً، او يحرك كل ذلك شعوب العالم. فالسلطة حينها كانت تمارس كل ما يمكن ان يوصف بانه جرائم ضد الانسانية وتوغل في الابادة الجماعية، بكل انواع الاسلحة المحرمة وغير المحرمة تحت كاميرات العالم، دون ان تلقي ما يناسب الامر من رد فعل. وحتى مع هذا البديل الاصولي يحدث نفس الشيء فالدول الاقليمية والدولية المتدخلة في الوضع السوري لا تأبه للقتل والتدمير؛ لأنها تريد ان تكون الثورة السورية هي مقبرة الصيرورة الثورية التي بدأت في تونس، فإن الامر المذهل يتعلق بالشعوب، وأسوأ بما يسمي اليسار العالمي سواء في ظل هيمنة النظام السوري البائد او هذا البديل الاصولي. هذا الوضع الذي وصلت له الثورة السورية يفرض اعادة بناء الرؤية، وتحديد الهدف، وبالتالي التفكير الجدي بعد وصول هذا البديل الاصولي للسلطة في اعادة بناء الثورة كثورة شعب يريد اسقاط اي نظام استبدادي سواء كان علماني او ديني من اجل الحرية والعدالة. 

  • الواقع والاهداف، وكيف تنتصر الثورة. 

كما سعت سلطة النظام الاسدي لأن تضمن تماسك (بنيتها الصلبة) من خلال ضمان خوف (الاقليات)، خصوصاً هنا العلويين: لكي تستطيع سحق الثورة. وتركيزها على ان الثورة هي حراك سلفي اصولي، ونشاط للإخوان المسلمين، ولم يكن لديها غير هذا الخطاب لتخويف الاقليات والعلمانيين. وساعدتها الاوضاع الاقليمية والدولية على ذلك، بما في ذلك بعض الاطراف المعارضة التي كانت تعتمد على التدخل الامبريالي والتركي الاقليمي لإسقاط السلطة وبالتالي ركزت على الخطاب الذي يجعل الثورة إسلامية الطابع. ونجد انه بعد سقوط النظام الاسدي ووصول البديل الاصولي للسلطة تم تأكيد هذا الخطاب وتأكيد خطاب ان الاغلبية السنية وهذا ما طرحته ام هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) اي نصرة السنة للتخويف (السنة) من الاقليات العلويين والدروز والاكراد من انه حان وقت الانتقام. هذا ما فرض الاستعصاء امام الثورة؛ حيث كان يحب تفكيك السلطة الاسدية وكذلك تفكيك سلطة هذا البديل الاصولي؛ لكي تحقق الثورة خطوتين الاولي في ازاحة بشار الاسد وحاشيته والثانية سلطة البديل الاصولي هيئة تحرير الشام وخصوصاً ان الثورة ظلت عفوية، وقادها شباب لم يعرف السياسة او الحرب، بعد ان همشت المعارضة دورها فيها وعملت السلطة على تصفية كل الناشطين الذين يمتلكون وعي. كما عملت سلطة البديل الاصولي على ابعاد كل السياسيين وبالذات الديمقراطيين والعلمانيين عن اي دور لهم في صناعة القرار وتحت ضغط وجود السلاح لدي هيئة تحرير الشام. الان بعد سقوط النظام الاسدي ووصول هذا البديل الاصولي. الي اين وصلت الثورة التي واجهت سلطة مافياوية، لم يعنيها تدمير المدن وقتل الشعب. وسلطة بديل اصولي لم يعنيها الا ان تأكد شرعيتها وان يتم اخراجها من قائمة الارهاب وان تموضع هيمنتها على سوريا وان تنجز اتفاقيات دفاعية لتضع سوريا تحت الوصاية التركية؟ لابد من ان يعاد البحث في كيفية تطور الثورة بشكل يخدم انتصارها، وهو الامر الذي يفرض معالجة جملة مشكلات، واولها تجاوز الانقسام الذي اوجدته سواء سلطة الاسد او سلطة هذا البديل الاصولي في صفوف الشعب بين ما يسمي (الاغلبية)، و (الاقليات)، فهذه لم تكن الاقليات لم تكن اقل نقمة على سلطة النظام الاسدي ولا كان وضعها المعيشي أفضل (بل ان الساحل كان يعد من أفقر مناطق سورية)، رغم استفادة فئات منها (نتيجة الحاجة)؛ لكي تكون هي (البنية الصلبة) التي تدافع عنها. وكذلك بالنسبة للأغلبية السنة فان جبهة النصرة هيئة تحرير الشام كانت تريد ان تزج بها في حرب طائفية لا ناقة السنة فيها او جمل وان تحل لها مشاكلها. بالتالي لابد من ان يعود التأكيد على ان الثورة هي ثورة الشعب السوري، وان الاستبداد سواء العلماني او الديني والافقار كان ولا يزال يطال الشعب في كل المناطق السورية. وهو الامر الذي يفرض اعادة تحديد الاهداف التي يسعي الشعب عبر استمرار الثورة من اجل تحقيقها، فالمسألة هنا لا تتعلق بإسقاط نظام الاسد، بمعني تغيير الاشخاص من بشار الاسد الي محمد الجولاني (احمد الشرع)، بل يتعلق بتحقيق جملة اهداف، يكون تحقيقها مدخلاً لحل مشكلات الشعب، المتعددة والمختلفة. هذا يعيد الي تحديد هدف الثورة، الذي جري ابتساره الي اسقاط النظام، بينما يمثل اسقاط النظام المدخل لتحقيق اهداف الثورة. فما هي اهداف الثورة التي تفرضها المشكلات التي جعلت الشعب يتحرك من اجل اسقاط النظام؟ 

انتهينا في الحلقة السابقة الي سؤال: ماهي اهداف الثورة السورية التي فرضتها المشكلات التي جعلت الشعب السوري يتحرك من اجل اسقاط النظام؟ بالطبع يكون الهدف من التمرد والانتفاضة والثورة على نظام سواء كان استبداد علماني كما كان النظام الاسدي او استبداد ديني كما هو الحال مع البديل الاصولي هو الانتقال الي دولة مدنية (بمعني علمانية) ديمقراطية، وهو الهدف الذي راود (النخب وقطاعاً من الفئات الوسطي)، التي كانت تريد التغيير وتريد التعبير عن ذاتها. والاحساس بأنها (كيان سياسي) كينونة سياسيةً؛ اي كيان، وكينونة له راي وفاعلية ووجود واستقلالية. لكن هل يمكن ان نتجاهل هنا (اغلبية الشعب)، وبأن (اغلبية الشعب) – نتيجة الاستبداد الطويل الذي الغي السياسة في المجتمع، ودمر الثقافة عبر تخريب التعليم وزيادة الامية – لا يعرف السياسة؟ وبالتالي لا يعرف معني الحرية والديمقراطية؟ كما يدعي كثير من النخب المثقفة والسياسية؟! اذن لماذا ثارت؟ هنا يجب ان نلمس (مشكلات الشعب)، الطبقات الشعبية المفقرة، التي بات جزء كبير منها عاطلاً عن العمل، ومن يعمل لا يكفي الاجر تحقيق اي حد ادني من المعيشة اللائقة، والعجز عن التعليم والصحة، وتوفير مسكن الخ. كانت ولازالت اغلبية الشعب (تقريباً 70بالمئة) تعيش في هذه الوضعية والباقي يعيش في وضعية قلقة نتيجة ارتفاع الاسعار، وانهيار قيمة الاجر. بعد ان سيطرت اقلية ضئيلة على الثروة، واستفادت فئات اخري من النمط الاقتصادي الذي تشكل كاقتصاد ريعي مافياوي. والبديل الاصولي لم يقدم اي خطوة في هذا الاتجاه بل كل همه هو البحث عن شرعيته ورفع قياداته عن قائمة الارهاب وفي ظل لا زال الكثير من الدول وخصوصاً الوازنة عالمياً ك امريكا لازالت تقر كل العقوبات الاقتصادية (قانون قيصر) على هذه الحكومة الجديدة التي عينها محمد الجولاني (احمد الشرع)؟؟ بالتالي هل هذا الوضع والاسباب كافية لكي يستمر الشعب في ثورته؟ او ان (الفكرة المجردة للحرية) هي التي دفعتهم الي ذلك الحراك والتمرد والانتفاض والثورة؟ بالتأكيد ان وضعهم هو الذي فرض ثورتهم رغماً عن اوهام النخب التي ارادت ان (تسرق الثورة) او كما يفعل البديل الأصولي هيئة تحرير الشام (بسرقة الثورة عبر طرح شعار ان الثورة انتهت وحان الدور الغنيمة (للسلطة والقوة والثروة) فتقلص الثورة الي تحقيق مطاميح هذا البديل الاصولي والنخب الواهمة هي فقط وليس الشعب، وهي تحاول ان توهم او انها توهمت ان مطلبها (السلطة والقوة والثروة) هو مطلب الشعب باسره نتيجة نرجسية ولذة النصر الذي يعيشها هذا البديل الاصولي. ان الخطاب التحرري سواء الذي طرحته النخب او هذا البديل الاصولي بانه (فتح المدن) بمعني حررها من سلطة النظام الاسدي وبالتالي حصر الثورة في (الحرية) على عدم المقدرة على تحريك قطاعات شعبية غير مسلحة وهي مفقرة، وتريد التغيير (هنا العلويين)؟ خصوصاً، وعلى العكس، سهل انجرافهم خلف سلطة النظام الاسدي وهذا الشيء يحدث في ظل سلطة هذا البديل الاصولي. كل هذا خوفاً من ان يكون هدف (الحرية) او (التحرر والفتح) مدخلاً لتغيير السلطة لصالح هيئة تحرير الشام ولمصلحة الاخوان للمسلمين والقوي الاصولية (التي ستاتي: لكي تنقم مما حدث سنة 1980 / 1982). هذا من طرف، ومن الطرف الاخر، فتح الافق؛ لكي تكون (الدولة الاسلامية) هي البديل عن (الدولة العلمانية الديمقراطية)، وأصبح سهلاً الانتقال من هذا الي ذاك كما رأينا بعد سقوط النظام الاسدي، ما دام الامر يتعلق بشكل السلطة فقط. خصوصاً ان الشعار الاول الذي طرحته نخب (شبابية) هو (الله سورية، حرية وبس) ليكون المرتجع الي الله سهلاً وهذا ما اخذت به هيئة تحرير الشام وطالبت من الناس بالتكبير لهذا النصر؟ وهذا ما فرض تغييب حتى شعار الحرية. وحصر الصراع في اسقاط النظام فقط سواء من قبل بعض النخب او من البديل الاصولي هيئة تحرير الشام؛ ليكون البديل الاسلامي هو (الحل) اما بعد الاسد؛ حيث لم يعد يطرح بديلاً سوي هذه القوي الاصولية السلفية (الجهادية)، بداية بجبهة النصرة وداعش الي هيئة تحرير الشام الي جيش الاسلام والجبهة الاسلامية. 

بعد سقوط نظام الاسد ووصول هذا البديل الاصولي الي السلطة، بان انه من الضروري اعادة تحديد هدف الثورة السورية، وتقديم بديل اخر غير الذي يقدمه هذا البديل الاصولي، البديل الذي يتضمن حلاً لكل المشكلات المجتمعية. واول نقاطه هو اعادة بناء الاقتصاد. وهذه المهمة او الهدف المهم الذي لن يقدر هذا البديل الاصولي في حله بل بالعكس هو حجر عثرة امام تحقيقه. فهذا البديل الاصولي موضوع على قائمة الارهاب وعلى افراده عقوبات مثلاً محمد الجولاني كان مطلوب على راسه 10 ملايين دولار وكذلك الكثير من الوزراء الذين عينهم محمد الجولاني مطلوبون لجهات دولية بجرائم تقع تحت طائلة الارهاب. وكذلك استمرار العقوبات الاقتصادية ضد هذا البديل الاصولي، لحين ان يتم كما تتحدث دول العالم تحويل (الاقوال الي افعال) وهذا ما لم يحدث حتى اليوم فالإعلان الدستوري مخيب (للآمال) وكل الملفات الأخرى. وسوريا سوف ترهن ل تركيا بحكم العلاقة بين الجولاني وحزب العدالة والتنمية التركي والذي يبحث عن وجود قواعد عسكرية له لكي تحافظ على نظام هذا البديل الاصولي الخ. كل هذا اضافة الي اسباب كثيرة اخري يمنع بناء الاقتصاد. ان اعادة البناء الاقتصادي ل سوريا تعني بما يسمح ببناء قوي منتجة، وتوظيف العاطلين عن العمل، وتحديد اجر مناسب مقابل الاسعار، ويسمح بعيش لائق. مع اعادة بناء منظومة التعليم والصحة من قبل الدولة الجديدة؛ لكي تناسب العيش الانساني والتعليم الذي يخدم عملية التطور والاقتصاد المنتج. وهذا يعني تحديد ضرورة حل مشكلات البطالة المتفشية في القوي العاملة، والاجر المتدني، وانهيار التعليم والصحة، وفي هذا المجال ليس غير الدولة هي المعنية بذلك، حيث سنجد بأن رجال الاعمال كلهم سواء المحسوبون على النظام البائد او نظام هذا البديل الاصولي سوف يتنافسون على الحصول عل جزء من كعكة اعادة الاعمار، ومن ثم تتم العودة الي فرض اقتصاد ليبرالي شره، بات مجاوزاً حتى لمطلقيه. وايضاً ولن تكون اعادة الاعمار (محلية) بل ستكون من حصص تطالب بها اولاً تركيا ودول عربية ودول امبريالية حيث سيستمر النهب ولا تفعل الا مراكمة الديون على الدولة. بالتالي لابد من ان يحظى (الخطاب الاقتصادي) لدي القوي الديمقراطية العقلانية (بالأولوية) وان يعبر عن مصالح المفقرين في مواجهة سعي (رجال الاعمال الجدد وهذه المرة الملتحين) لمراكمة الثروة على حساب الشعب المفقر، ويتم ملاحظة ذلك من خلال جولات رجال محمد الجولاني (احمد الشرع) لكل الدول، وسوف يتم لمس الشره الذي يحكم هؤلاء للقوة والسلطة والثروة، اما عن البديل الاقتصادي عندهم سوف يتم ملاحظة  حتى للمعارضة التي تحالفت مع هذا البديل الاصولي ركاكة الخطاب الليبرالي لديها، بعد ان فشل في تجربة النظام السوري البائد. في موازاة ذلك يجب الدفع من قبل القوي الوطنية الديمقراطية وكذلك التأكيد على ان الدولة يجب ان تكون علمانية ديمقراطية، وهذا لا يحتاج الي تمويه، او خوف من الاصوليين، او تبرير لرفض ذاتي. ان فصل الدين عن الدولة امر لا تراجع عنه، وكل التخوفات التي تطرح تنم عن تشوش ذاتي أكثر مما تنم عن ظرف موضوعي، لا يسمح بذلك، ولا شك في ان الدولة الديمقراطية هي الضمانة؛ لكيلا تتحول الدولة التي تنشط في الاقتصاد لخدمة تطور المجتمع مزرعة لفئة (الاصوليين)، تنهب مستغلة مواقعها السلطوية. وفي مستوي ثالث، لابد ان يكون واضحاً ان الصراع هو ليس مع (بيت الاسد ولا مع فلول الاسد ولا مع الطائفة العلوية) بل مع نمط اقتصادي فرض انهيار الزراعة والصناعة والتبعية لهذه الدولة الراسمالي او تلك (من تركيا واوروبا الي روسيا وامريكا التي لازالت تسيطر على حقول النفط) او لتبعية محور المقاومة والممانعة. كل هذا نسجته المافيا الاسدية التي كانت تحكم والتي اتخذت طابعاً عائلياً، لكنها كانت تعبر عن البورجوازية التقليدية التي كانت تدافع عنها. ولهذا فإن (التلهف) من قبل هذا البديل الاصولي على دعم الخارج وهنا بسط الوصاية التركية على سوريا والسعي لدعم تدخله في سوريا، وتغييب (المسألة الوطنية) سوف يفضي الي تجاهل مشاعر الشعب الذي راي بالملموس نتائج التدخل التركي في العراق وكذلك التدخل الامبريالي في العراق. هذا الشعب الذي هو بالضد ايضاً من الاحتلال الاسرائيلي لمناطق وارض جديدة يقتطعها من سورية. ان كل هذا أضر وسوف يضر بالثورة وسوف يسهم حتى مع هذا البديل الاصولي في تخوف قطاع شعبي من ان هذا البديل الاصولي يمثل الثورة. 

نحو سياسة جديدة: في ظل الثورة التي خاضها الشعب السوري ضد النظام الاسدي البائد وبعد وصول هذا البديل الاصولي السلفي للسلطة (هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة (نصرة السنة سابقاُ)، لا بد من ان تكون قد تراكمت خبرات مهمة وظهرت المشكلات التي كانت ومازالت تضعف استمرارية الثورة بعد ان (سرقت من قبل البديل الاصولي المسلح) وفرض سلطه على كامل التراب السوري ماعدا المناطق المحتلة من قبل اسرائيل، لهذا لابد من اعادة بناء الرؤية التي تحكم الثورة، في ظل نظام هذا البديل الاصولي. وهذا ما يفرض اعادة صياغة البرنامج لهذه المرحلة التي تسمي انتقالية تحت سيطرة حكومة محمد الجولاني، ويفرض اعادة بناء السياسات التي تستطيع تجاوز الاستعصاء القائم وتحقيق اهداف ومهمات الثورة. وبتلخيص تجربة الثورة السورية فقد بدأت الثورة (سلمية) اي عبر اشكال التظاهر والاعتصامات، التي حشدت في مدن عديدة، وفي اوقات مختلفة مئات الالاف. استمرت كذلك رغم ان سلطة النظام الاسدي استخدمت السلاح منذ بداية الثورة في درعا، واستمرت في استخدامه بعدئذ، وبالتالي ادخال الجيش في الصراع ضد الشعب، انطلاقاً من ان هذه الخطوة هي التي سوف تعطيها التفوق نتيجة ضخامة القوي العسكرية لديها. وكانت بعض أطراف (المعارضة) هيئة تحرير الشام والاخوان المسلمين وبقية الفصائل الاسلاموية المسلحة حرضت على استخدام السلاح منذ الاشهر الاولي للثورة وعبر اسلمة الثورة. فإن ما فرض انتقال الثورة الي العمل المسلح هو الوحشية التي كانت تمارسها سلطة النظام الاسدي. وبالتالي فقد كان رد الفعل من الشباب الثائر الذي كان يتظاهر لحمل السلاح، وهنا فقد تراجعت التظاهرات والاعتصامات، خصوصاً مع زيادة عنف السلطة الاسدية ومن ثم ميلها للقتل الوحشي والتدمير. وأصبح التسلح هو (المبرر)؛ لكي تزيد وحشية السلطة الاسدية، وتسمح بالتدمير، وتهجير الشعب السوري. بالتالي (مالت الثورة) لأن تكون مسلحة دون نشاط شعبي مقابل، او رديف، وهذا بات ينحكم لقلة خبرة المسلحين العسكرية، وقلة مقدرتهم التنظيمية بعد ان قتل، او اعتقل، او هرب الصف الاول من القوي الديمقراطية المنظمين في (التنسيقيات). الامر الذي فتح على (فوضي السلاح) و (فوضي عسكرية)، وتشكل مناطقي للكتائب المسلحة، وفشل في ادارة المناطق التي باتت تحت سيطرتهم. لقد تسربت فكرة (التحرير) (تحرير المدن) من بعض احزاب المعارضة كسياسة عسكرية، وفرضت هذه الاحزاب تسمية (المنشقين عن الجيش)، والذين انخرطوا في الثورة ب (الجيش الحر) بالتالي باتت (الاستراتيجية العسكرية) التي تمارس هي استراتيجية تصارع (جيشين) اكون مهمة (الجيش الحر) هي تحرير المدن والمناطق السورية من سيطرة السلطة الاسدية. وفي ظل الاختلال الكبير في (ميزان القوي)، حيث تمتلك السلطة الاسدية قوات مدربة على القمع والقتل، والاسلحة لا يمكن مجاراتها من حيث قوة النيران، وفي التحكم في الارض، ووجود الطيران الحربي والصواريخ بعيدة المدي، في الوقت الذي كانت (استراتيجية الثورة العسكرية ليست صائبة) لأنها همشت الحراك الشعبي، واعتمدت كتائب مسلحة ضعيفة التدريب والتسليح، وتميل الي الدفاع عن مناطقها، وإذا تقدمت تتقدم في محيطها. لهذا وقعت تحت ضغط التفوق الكبير في الاسلحة الذي تمتلكه السلطة الاسدية. وإذا كانت سيطرت على مناطق، ومدن انسحبت منها قوات السلطة الاسدية، في (الشمال والشرق) خصوصاً فقد دخلت في عملية (تقدم بطيء) بعدئذ، وفشل احياناُ. ولم تستطيع الافادة من ضعف السلطة الاسدية؛ لكي تحسم الصراع. اضافة الي انها لم تمنع دخول (قوي اصولية الاسلام السياسي) زرعتها السلطة في الثورة وكان واضحاً ان وجودها سوف يؤدي موضوعياً الي (تخريب الثورة) والي ان تكون هي لاحقاً البديل الاصولي للنظام الاسدي، وكذلك عرقلة نشاط الثورة. كما بان بعد سقوط النظام الاسدي. اذن كل هذا يطرح ويفرض ان يعاد النظر في كلية الوضع السوري؛ بحيث لابد من اعادة تنشيط الحراك الشعبي، وتنظيم القوي الشعبية بحيث يكون لها دور فاعل. واعتبار ان الثورة هي ثورة شعبية، يكون لاي عمل سواء التظاهرات او العصيان المدني دور داعم لتطوير النشاط الشعبي في ظل وجود هذا البديل الاصولي الذي انتزع السلطة من الشعب وهو وحده الذي سيحسم الصراع، وليس الحرب الاهلية او الطائفية في وضع يعاني من اختلال كبير في ميزان القوي بعد وصول هذا البديل الاصولي للحكم. كما كان في ظل الاستبداد الاسدي حيث كان النظام مدعوم بالسلاح والمرتزقة من إيران ولبنان حزب الله والحشد الشعبي العراقي، وكذلك من روسيا بينما لا أحد يريد دعم الثورة عسكرياً. على العكس من ذلك، جري دعم (القوي الاصولية) وهنا من طرف تركيا ايضا.، من اجل (تخريب) الثورة خدمة للنظام الاسدي. وبهدف تحويل الثورة الي مجزرة، تكون عبرة للشعوب كافة. 

ان قيام هذا البديل الاصولي بالثورة المضادة في سوريا عبر قطع استمرارية الثورة بإعلانه البدء بمشروع الدولة (طبعاً هنا الدول الاسلامية) ليقطع الطريق على صيرورة الثورة السورية بالإعلان الدستوري ذي الطابع الاصولي في رؤيته للدولة المنشودة وبتشكيل الحكومة الانتقالية من لون اصولي واحد لمدة خمس سنوات في ظل عدم وجود مؤسسات تمثل الشعب وتحت يافطة (مجلس تشريعي مصغر) لا توجد له اي صلاحيات للمسائل والمحاسبة الخ. وفي ظل اتفاقيات دفاعية مع دولة اقليمية هنا تركيا تحمي هذا النظام الاصولي وتكون وصية عليه؟! الخ. كل هذا يفرض التالي: اولاً: اعادة الروح لتشكيل مجالس شعبية، في كل المناطق والمدن السورية، وان تكون مهمتها تشكيل ادارات مدنية كاملة بما يخص القضاء والخدمات في حال قام هذا البديل الاصولي بتطبيق مشروعه الدولة الدينية الاسلامية. ثانياً: تنشيط الحراك الشعبي المدني وتفعيله في كل المدن والمناطق السورية التي بات يسيطر عليها هذا البديل الاصولي، بكل الاشكال الممكنة، والشعب السوري بعد كل سنوات هذه الثورة قد اكتسب خبرة في (اجتراح) ما يجعله قادراً على ذلك. ثالثاً: انهاء مهزلة التسميات (الاسلامية) لتشكيلات الجيش ومعرفة ان هذه التسميات لن تجلب المال، او السلاح، وأنها تجلب (المال للقوي) التي تقبل الخضوع لأجندات خارجية. لقد اضرت هذه التسميات اكثر مما افادت، وفتحت الافق كما شاهدنا منذ تشكيل الادارة العسكرية الجديدة لهذا البديل الاصولي لتقوية قوي طائفية اصولية تريد فرض (دولة الاسلام) على الشعب في كل سورية رابعاً : لابد من فهم ان (ما يسمي بالفلول) ليسوا كلهم كانوا يقاتلون مع النظام الاسدي بل ان الجزء الاكبر منهم بات محيداً ومهمشاً، وهذا يفرض التفكير في كيفية التأثير فيهم، من اجل ان يلعبوا دور في التغيير، وهذا يعني عدم التعامل معهم كعدو فهم يتشكلون من ابناء كل المناطق التي تعرضت للقتل والتدمير، وهم من ابناء الشعب الذي ثار، ويمتلكون الميول ذاتها. وفي المستوي الخامس المهم جداً، لابد من تهميش كل المجموعات الاصولية التي باتت جزء من النواة الصلبة للحكم والتي تعمل لمصلحة دول اقليمية هنا تركيا خصوصاً، ومواجهة منطقها الوهابي الذي يؤسس على مخيال قروسطي، ويسترجع ماض وهمي، ويتشكل من خليط من فئات مأزومة واختراق مخابراتي متعدد. فالثورة لم تكن من اجل (دولة الاسلام) التي يدعوا لها هؤلاء لها، بل كانت من اجل (الحرية والعدالة) كما أشرنا سابقاً ولم تكن ضد شخص، او عائلة، بل كانت ضد نمط اقتصادي مافياوي وفئات تدافع عنه من اجل ان تقيم الثورة اقتصاد، يحقق الرفاه. ولا شك في ان ادخال هذه الافكار الاصولية كان من اجل التشويش على الثورة وتشويهها، لأن ما يمارسه هؤلاء يخرب مجتمعاً، ويستفاد منه من قبل سلطة هذا البديل الاصولي وكما كانت ترد تصوره سلطة النظام الاسدي بأن ما يجري ليس ثورة بل (ارهاب جهادي). لابد ان يحل الخطاب (الوطني) الطبقي الديمقراطي محل اي خطاب اخر، ولا بد بالتالي من مواجهة الخطاب الاصولي الوهابي، وتهميش قواه. في مستوي اخر لابد من تجاوز الاوهام حو (الدور الخارجي) بالرغم من ان هذا البديل الاصولي قد وصل للسلطة عبر حرب فيها تكسير عظام مع محور المقاومة والممانعة من قبل اسرائيل وامريكا. ذلك انه ليس من قوة دولية، تريد انتصار الثورة السورية، بل كلهم كانوا يريدون المجزرة، لان كلاً منها يتحسس وضعه في ظل الازمة العميقة التي تعيشها الرأسمالية. ولان من يتدخل يخضع الملتحقين به لسياساته التي لا تهدف الي انتصار الثورة قطعاً، وكل يتسابق من اجل الحصول على مصالح اقتصادية، وعقود اعادة اعمار سورية، لنهب البلد بديلاً عن نهب ال الاسد ومخلوف وشاليش وكل الحاشية، بالتالي لا بد من الانطلاق من القوي المحلية، ومن القدرات المحلية، وتنظيمها بما يجعلها قوة. ولهذا لابد من تعرية كل الذين يراهنون على القوي الامبريالية او تركيا او يعتقدون بان سورية المستقبل يجب ان تكون في حضن تركيا هذا خطاب مسيء، ويضر بالشعب السوري. الثورة ليست في أحسن حالاتها وكذلك سلطة هذا البديل الاصولي، لهذا لابد من ان يعاد بناء الثورة، بما يسمح لها بحسم الصراع، وهذا يفترض انخراط كل الشعب واعدة بناء الاهداف والسياسات في دولة مدنية علمانية ديمقراطية. 

المراجع:-

  • كتاب: ثورة حقيقية منظور ماركسي للثورة السورية.
  • كتاب: التراجيديا السورية الثورة واعدائها. 
  • كتاب: الصراع الطبقي في سورية الثورة في صيرورتها. 

للكاتب الراحل سلامه كيله