لقد نشأت مسألة الاصلاح والتطور في المشروع الاصلاحي منذ ان بدأ يتبلور جدل الاصلاح / التغيير وهو جدل الكم والكيف والذي يعني ان الاصلاح ضرورة، وبالتالي فأن الضغط الذي تبلور في البداية من اجل تحقيق الاصلاح امر ضروري في الحالة البحرينية، ذلك ان التغيير لا يتحقق الا حين يشعر المجتمع بالحاجة للإصلاح، ومن ثم تفاعل الشعب من اجل الاصلاح، مما يجعل التغيير خطوة اخرى في صيرورة هذا الاصلاح. إذا التغيير غير ممكن الا عبر مراكمة (الفعل الاصلاحي) وبأن الاصلاح يحتاج الي التغيير والمسألة هنا ليست ارادية ليس ارادياً تحديد حتمية الاصلاح ووحدانية، وليس ارادياً التأكيد على ضرورة التغيير. ولمحاولة المقاربة هنا ان المطالبة بأجر أفضل من اجل ان يستطيع العامل او كل من يعمل بأجر ان يعيش بشكل لائق، او حتى ان يعيش فقط وان لا يصبح من جيش العاطلين، هذه المطالبة التي تقع ضمن الاصلاح يمكن ان تقود الي تحسين الاجر، ولكن ذلك يقود – في اقتصاد يقوم على اولوية السوق – الى ارتفاع الاسعار، بالتالي الى عدم مقدرة العامل او كل من يعمل بأجر بالعودة الى عدم المقدرة على التكيف، للعجز عن التكيف وكأنه يدور في حلقةً مفرغة، الامر الذي يفرض المطالبة من جديد من اجل اجر اعلى. لكن هذه العملية ذات حدود، لان رب العمل سواء في القطاع العام حيث الدولة رب العمل او في القطاع الخاص حيث الرأسمالي أو التاجر الخ هو رب العمل يهدف الى الربح وبالتالي سيرفض في لحظة معينة (إذا لم يكن منذ البدء) رفع الاجر وحتى مطالبة العائلات التجارية برفع الاجر ورفع القوة الشرائية للمواطن منطلقين من محاولة تسويق بضاعتهم لكي لا يحدث كساد هنا؟ الامر الذي يطرح السؤال حول وضع رب العمل ذاته، لان المعادلة ستكون؛ هل يستطيع العامل العيش، او يحقق الرأسمالي الربح؟ هذا التبسيط في طرح هذه الاشكالية يعبر عن تناقض بين الآجر والربح ومن هنا يمكن تعميم المسألة بالقول ان المجتمع يطرح مطالب متعددة ومتنوعة، اقتصادية / مطلبية، واقتصادية / استثمارية، اجتماعية وسياسية. والمطروح في هذا المجال هو، هل تستطيع النخب الحاكمة تحقيق (يضمن) هذه المطالب، المعاد انتاجها بشكل مستمر، ام ان استمرارها لا يسمح بتحقيق هذه المطالب خصوصاً في المرحلة الراهنة؟ المشكلة هنا تتمثل في التحديد الخاطئ للممكنات، حيث سوف يجري السقوط في (الاصلاحية) (التي تحمل معنى سلبياً هنا) حين يصبح الخيار الوحيد هو الاصلاح، لان ذلك لا يتأسس على رؤية مصلحة او ممكنات. النخب الحاكمة. وبالتالي يحول المطالب والمطالبة او كما يسميه البعض (النضال المطلبي.) الي مهزلة، وايضاً الي وهم. لان فشل تحقيق المطالب سوف يقود الى أحد امرين أولاً القبول بالأمر الواقع او التطرف. ومن ثم تلاشي المطالب او (النضال المطلبي)، وتلاشي الحلم بالإصلاح. لكن في المقابل يمكن ان الحسم بفشل الاصلاح، والتخلي عن (او تجاهل) المطالب او (النضال المطلبي) سوف يحول التغيير ويحرفه الى سيناريوهات كما لأحضانها في احداث ١٤ فبراير٢٠١١ (حيث سميت بثورة) اي الى انقلاب على الاصلاح وهنا تكون الثورة مسخرة، لأنها لا تتأسس على الحركة المجتمعة وهنا يدخل البعد الوطني كون الحراك المجتمعي كان طائفي بامتياز، في المقابل لو كانت هذه الحركة الاجتماعية وطنية مدنية بامتياز والتي يفترض تشكل بنائها على اساس المطلب المشروع و (الهدف المحدد)؟
سوف يعيش هذا المشروع الاصلاحي توتراً بين شد وجذب ضمن اطار تناقضات وفي جوهرها يكمن ( تنمية ) عنصرها، المستغل اي في الفئات والطبقات الشعبية في مواجهة من لا يريد تحقيق المطالب او من يقف ضد التغيير ، هذه التنمية او التبلور التي لا تتحقق الا عبر ( الملموس ) المتعلق بالظرف الخاص للفرد ثم الفئات ثم الطبقات الشعبية، هذا الملموس الذي هو ( مطلبي )، هو الذي مع مرور الوقت ( يكتل ) الافراد في فئات او طبقات او في جمعية ومن ثم في تجمع وحركة، من اجل تحقيق الاصلاح، والذي سيكون عندئذ تغيير اي سوف يتحول، لأنه غير ممكن في اطار التكوين القائم وفي ظل نخب متشددة حاكمة، والسيناريو هنا ان النخب الحاكمة وارباب العمل (العائلات التجارية) سوف تسود رؤيتها وسياساتها وايديولوجياتها وتحكمها في ظل مجتمع متذرر. (هو مجموع افراد) متناقضة وفردية يسعى كل منها لتحقيق مصالحه الخاصة (جداً) وهذا ما نشاهده في العالم الافتراضي حيث يشكو الافراد من رفع الاجور وزيادة الاسعار الخ كل يبحث عن مصالحه الخاصة، ولكن مع ملاحظة ان هؤلاء الافراد مسلوبي الوعي، وبعيدين عن الشعور بالحاجة للوجود كذات، وبالتالي سوف تسعى الى ان تطالب بأن تعيش حياة كريمة ولائقة وهنا تتحول هذه الحالة المذررة. الى حالة حركة مجتمعية مدنية وهذا لا يتحقق عبر فكرة فقط، بل ينطلق الفرد مما هو مباشر الذي هو (المطلبي) (المعيشي الحياتي)، لان هذا الانطلاق هو الذي يؤسس لبدء (تجميع) او (تكتيل)، يقود الى بدء تشكيل حركة مجتمعية مدنية علاوة على البعد الاخر وهو يدخل في تضاد مع الايدولوجيا المسيطرة، من اجل تعميم وعي بديل، يهيئ لتحويل الحركة المطلبية الي حركة اجتماعية مدنية، تدخل في صيرورة هذا المشروع من اجل التغيير. بمعني ان تبلور (القطب) المضاد يمر عبر عملية معقدة تفترض الانطلاق من المباشر، من (المطلبي)، من اجل تأسيس الحركة المجتمعية المدنية. عكس السياسي الذي يفترض وضوح الفكر والتحديد الواضح للأهداف والرؤية (الاستراتيجية) ومن ثم التكتيك. لكن التغيير لا يتحقق الا عبر اندماج السياسي (الجمعية السياسية) بالمجتمعي، وهنا تندرج ضرورة المطلبي و (الجزئي) والمباشر. وهنا يكمن المأزق لدي الجمعيات اليسارية التي هي منفصلة تماماً الان عن هذا الواقع؟ وكما عودتنا هذه الجمعيات عندما دخلت في هذا المشروع الاصلاحي كانت تعني حركة السياسي دون المجتمعي (المدني) بل كان هنا للأسف طائفي؟! كما ولد لديها اندفاع السياسي في الصدام دون المجتمعي (المدني)، يقابله ما يحدث الان فأن (الاصلاحية) هي حركة المجتمعي، دون السياسي التي تتخذ اشكالاً متعددة يمكن تحديدها عند البعض بالنشاط في القضايا المطلبية (مطالب معيشية تتعلق بالأجر وظروف العمل الخ) والى حد ما عند عدد قليل مطالب سياسية التي تتعلق بالديمقراطية / السياسية تحديداً وعند البعض الاخر التركيز على (تحديث الوعي) كخطوة اولى في سياق تحديث المجتمع وتغييره وعند الاخر تعميم فكرة الاقناع والنصح لولي الامر الخ. هذه الاشكال تعبر عن ميل (اقتصاديو)، وميل (سياسوي.) وثالث (ثقافيو.)، والاخير (نخبوي)، بينما – في الواقع – هذه الاشكال يجب ان تكون (اشكال عمل اولية) في إطار مشروع سياسي حقيقي، عبر اندماج هذه الحركة المتنوعة المتعددة بالسياسي، وتشكيل حركة مجتمعية واضحة الاهداف ومعنية بالتغيير، انطلاقاً من ان الاصلاح لا يتحقق الا عبر ذلك.
إذاً الاصلاح ممكن حينما تكون النخب الحاكمة قادرة على امتصاص المطالب التي تطرحها الطبقات الشعبية وان يكون لها مصلحة في تحقيقها. وإذا اخذنا تجربة اوروبا كنموذج حينما اصبحت الطبقة المسيطرة الحاكمة قادرة ومعنية بتحسين المستوى المعيشي للطبقات الشعبية العاملة. قادرة لان سيطرت الطبقة الحاكمة المسيطرة على العالم ووفرت لها المرونة التي تؤهلها إنقاص ربحها وعبر زيادة الاجور للطبقات الشعبية العاملة وهذا كان يجبرها على (تهدئة) ان لم نقل (التواطئي) مع طبقتها العاملة خشية تصاعد التوتر لهذا تحققت هنا (المساومة التاريخية) بين البورجوازية والطبقة العاملة وأصبح ممكن ان ينشأ تيار الاشتراكية الديمقراطية وان تشارك هذه الحركة في الانتخابات دون اي تحول في طبيعة النمط السائد اي النمط الرأسمالي. وفي هذا الوضع اصبحت الديمقراطية ممكنة كذلك، الامر الذي جعل المطالبة بتحقيقها طيلة نصف قرن، تصبح واقعاً، وبالتالي ان تتحقق افكار التنوير التي ركنت جانباً لقرن تقريباً، حيث ان الديمقراطية، وخصوصاً حرية الاحزاب والانتخابات، اصبحت ضامنة لاستمرار النمط الرأسمالي، وباتت السلطة تناوباً بين الاحزاب الممثلة للطبقة البورجوازية والاحزاب الممثلة للفئات او الطبقة الوسطى ولقطاع من الطبقة العاملة. هنا سنلمس بأن تأسيس الية لتحقيق التحسين المضطرد لأوضاع الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، هو الذي سمح بأن تصبح الديمقراطية ممكنة. وبالتالي ان يصبح الاصلاح هو الصيغة الوحيدة المثمرة والممكنة. حيث ان التناقض بات يحل عبر التفاهم و (الحلول الوسط) والانتخابات والنشاط النقابي المشروع، بما في ذلك الاضرابات والمظاهرات. بمعني ان المطالب باتت ممكنة التحقيق عبر عملية سلمية ديمقراطية، لان الطبقة المسيطرة الحاكمة اصبحت قادرة ومعنية بذلك. فهو لا ينزع ارباحها وان كان يحد منها، وهو ثانياً لا يهدد سيطرتها ونمطها، وهي بالأساس قادرة على التكيف مع ذلك نتيجة لسيطرتها العالمية. وبهذا يصبح (التطور) وتحقيق المصالح (صيرورة تراكمية) فقط. مع ملاحظة ان ذلك مرتبط فقط باستمرار مقدرة الطبقة المسيطرة الحاكمة على هذه المساومة التاريخية المستمرة، وبالتالي التكيف مع تنازلات تتعلق بتغير العلاقة بين الاجر والربح لمصلحة الاجر .ولكن عندما حدث العكس اي في ظل الازمات التي باتت تهز الرأسمالية وتهز وضعها، فرض عليها ان تقوم ب ( اعادة ترتيب المساومة التاريخية ) حيث يجري التخلي المضطرد عن الضمان الاجتماعي، وحق العمل، ويتزايد الميل لضغط الاجور، وتجاوز كل الحقوق التي حصلت عليها النقابات الخ، فهي، وهي تسعى للحفاظ على تراكمها الرأسمالي، وبالتالي تصعيد الربح، توجد وضعاً يخل بالوضع الحياتي للطبقات الشعبية والطبقة العاملة خصوصاً الامر الذي يفتح الافق لتعميق التناقض من جديد .
لكي يكون الاصلاح ممكناً في إطار النخب الحاكمة يجب ان يكون ممكناً ايجاد الاليات التي تحول التناقض بين مختلف الفاعلين السياسيين الى تفاهم، او توجد اليات ل (تنفيس) هذا التناقض المحتقن عبر تحقيق ما يرضي الاطراف فيه؟ الان ما هو بارز على الساحة هو متعلق بالوضع المعيشي للناس لانهم ينظرون له انه شيء اساسي لهذا ان لم يكن الفاعلين السياسيين او النخب الحاكمة او ما هو موجود من جمعيات ( علنية ) او مجالس بلدية او برلمان والتي توضع تحت بند ( الديمقراطية ) ستكون شكلية و ( خارج ) التناقض المحتقن لأنها لم ترتبط بوضعه كضرورة في جدول اعمالها ؟، بمعني ان الديمقراطية لن تكون الية لتحقيق ( المساومة التاريخية )، وبالتالي سوف تخرج عن ان تكون مجالاً (للتنفيس ) عن هذا الاحتقان – التناقض، الامر الذي يحولها الي ( شكل ) ومجال ( تنفيس ) قطاع من المثقفين ومن افراد بيروقراطية الدولة فقط الموجودين في البرلمان والمجالس البلدية وبقية المؤسسات، لان كل هؤلاء ينطلقون من التخلي عن ( المساومة التاريخية ) التي تتحقق فيها ( الديمقراطية ( ويتم التخلي عن المطالب المعاشية وعدم اخذ الاحتجاجات من الناس بجدية وفي ظل عدم قدرة الناس في التظاهر السلمي للتعبير عن مطالبهم، ذلك ان النشاط النقابي أيضاً شبه مشلول على مستوى الفعل، ومن ثمة النشاط في الاطار السياسي الفوقي عبر الاعلام وعدم فتح قنوات شرعية لهذه المطالبات والمناشدات لذلك ينشط الناس في العالم الافتراضي واستخدامه كفضاء سياسي؟ والعودة الى استخدام المجالس القبلية او مجالس الوجهاء كبديل للجمعيات والنقابات، الامر الذي يفرض انفصال السياسي عن المجتمعي وهذا اساس هذه (الديمقراطية) التي نعيشها الان؟ بمعني ان الديمقراطية هنا لا تعود مجال (تنفيس) الاحتقان – التناقض عبر حلول جزئية متتالية على شكل تراكم للمطالب المعاشية (وهنا الاقتصادي الاجتماعي منها)، في إطار الية رسمية وواضحة متوافق عليها، لان النخب الحاكمة ليست لديها المرونة التي تجعلها تخفض الربح عبر زيادة الاجر؟ وهنا يكون العجز عن تحسين الوضع المعيشي الحياتي لقطاعات واسعة من الشعب مما يعزز من التناقض الطبقي ويصعده. وهنا يتم فصل السياسي عن المجتمعي، عبر استقطاب ( النخب السياسية ) وخلق معارضة سواء من داخل النظام او من خارجه وهمية في ( لعبة الديمقراطية ) وتفريغ دورها عبر القنوع بقبول دور ( المحتج ) و ( المنبه ) و ( الناصح )، مما يؤسس لفصل عميق بينها وبين الحركة المجتمعية ( حركة الفئات والطبقات الشعبية )، التي تميل – نتيجة افقارها الى التمرد ؟، هذا يؤسس لمستويين متعارضين من التعبير عن الحالة الواقعية مستوى الحركة المجتمعية المتأزمة والتي يدفعها الافقار الى التمرد واخذ موقف من النخب الحاكمة والمستوى الثاني مستوى الحركة السياسية التي و حفاضاً على ( الديمقراطية ) – تدعو الى التهدئة والتزام طريق ( المطالبة ) وحتى الى تقديم العرائض والاحتجاج الكلامي . وتدعوا الي تبسيط المطالب والى (الواقعية) التي تعني القبول بالأمر الواقع، الامر الذي يجعلها محل رفض من الشارع وبانها غير منحازة الي المطالب المعاشية للناس، مما يهزل من دورها ويهمشها، لأنها قد فقدت اساسها الاجتماعي واصوات ناخبيها، وباتت لا تعبر عن شيء واقعي، سوى اوهام اعضائها. وهذا الانفصال بين السياسي والمجتمعي هو الذي يعزز من وضع من يقف ضد المطالب، ويطلق العفوية في الحركة الاجتماعية سواء بأشكالها الفوضوية، وصولاً للتطرف والميل الى الرهاب؟
ان المحدد لإمكانية الاصلاح او التغيير هو مدى امكانية حل التناقض الرئيسي في إطار التكوين القائم (وليس التناقض بين سنة / وشيعة) كما هو حال المرحلة التي هيمنت فيها الجمعيات الطائفية وبمطالب محاصصة طائفية؟ او ان هذا التناقض يفرض تغييره. حيث سيبدو التغيير مستحيل حينما يستطيع التكوين القائم ان يهضم المطالب المباشرة، وان يتكيف معها، بينما يصبح الاصلاح مستحيلاً حينما لا يستطيع التكوين القائم تحقيق المطالب المباشرة للفئات والطبقات الشعبية. وهذا يفرض البحث العميق في التكوين الاقتصادي الاجتماعي والسياسي القائم لتحديد تناقضاته، وتحديد امكانات حلها، واليات الحل. ومن جانب اخر يمكن تقزيم المطالب، والاكتفاء بمطالب (بسيطة)، (ممكنة التحقيق) ممكنة التحقيق بالقياس الى حدود تنازل الحكم هنا. لكن ذلك لن يعبر عن عمق التناقض، بل ربما يلمس بعض جوانبه، او يمكن ان يكون لمساً سطحياً لهذا التناقض، مما ينزع عنه مقدرته التحول الى حركة مجتمعية فاعلة، ذلك انه لكي ينتصر الاصلاح يجب ان يلامس الحركة المجتمعية بالذات. الاساس هنا هو حل المشكلات الحقيقية، التي تشكل جوهر التناقض، لأنها تؤسس له. ونرجع للتجربة الاوربية هنا وللوضع المعيشي للطبقة العاملة الاوربية ( المرتبط بالأجر ) هو اساس التناقض بين ( البورجوازية / الطبقة العاملة وكل من يعمل بأجر والذي ضمر وتحول الى تعارض لحظة التوافق على التحسين المستمر له ( للأجر ) وبالتالي اصبح الدور للنقابات والنضال المطلبي ، واصبحت الديمقراطية مكمل لهذه ( المساومة التاريخية )، وضامن لها، وان كان ذلك اسس لوعي جديد لمعني الديمقراطية وكرس قيماً للديمقراطية والحقوق والواجبات الخ لقد اصبحت الديمقراطية الية اعادة صياغة العلاقة بين البورجوازية والطبقة العاملة، وترتيب العلاقة بين الربح والاجر، بما حسن من الظروف التي تعيشها الطبقة العاملة . وبالتالي أصبح (التنافس) على السلطة السياسية (تداول السلطة) يهدف الى تعزيز وضع الطبقة العاملة (والطبقة الوسطي) في إطار (المساومة التاريخية) وتقليص البورجوازية تنازلاتها في إطار تلك المساومة، وترعرعت الاحزاب الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية في ذلك الوضع هي اصبحت معبرة عن وضع الطبقة العاملة والطبقة الوسطى في إطار هذه المساومة تحديداً. بينما نجد ان الامتناع عن اخذ المساومة التاريخية بعين الاعتبار لدى النخب التي تحكم، يؤسس لان تقيم (ديمقراطية سطحية) او (ديمقراطية مخفضة) او (ديمقراطية بالأقساط)، ديمقراطية لا تلمس الوضع المعيشي للفئات او الطبقات الشعبية وحتى من الممكن ان لا يكون هذا التحسين موضوع على جدول اعمالها، مما يحول هذه الديمقراطية الي (متنفس) لفئات سياسية (تدعي المعارضة)، حيث يصبح النقد (في الحد الأدنى)، والمطالبة (في الحد الأدنى)، والتحرك الاجتماعي (في الحد الأدنى). إذاً التناقض يتحول الى تعارض حينما تحقق النخب الحاكمة تطوراً مضطرداً. في المستوى المعيشي للفئات والطبقات الشعبية. وبالتالي تقبل بأعاده النظر في الاجور كلما رفعت الاسعار، كما تقبل بحقوقهم في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي وحق العمل وحق ايجاد فرص العمل والحماية من البطالة، وكذلك في الحق عن التعبير المسئول عن الذات في نقابات وجمعيات مهنية وسياسة الخ. وهذا من الناحية الاقتصادية يتعارض مع النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتبع وهو الدخول في نشاطات اقتصادية غير منتجة تعمل في الغالب في مجال التجارة / الخدمات / المال / العقارات. (القطاع الثالث في الاقتصاد)، وبالتالي فهي لا تستطيع (تقليص) ربحها، ولا تستطيع تقديم الحقوق الاولية الا بشكل هامشي. اضافة الي انها ليست معنية بتحقيق ما يضمن تطور المجتمع لتحسين الوضع الحياتي للفئات والطبقات الشعبية، ومنها الاستثمار في الصناعة وربط النفط بمجمل الاقتصاد من اجل أولاً توفير فرص العمل وهو الذي سيحد من البطالة وتطوير التراكم الرأسمالي وتوفير السلع الضرورية، وتحسين الخدمات العامة وتوظيف هذا التراكم الرأسمالي في تطوير البلد
لماذا هناك صعوبة، في تحقيق الاصلاح في ظل الوضع الراهن؟ ان الامور هنا تتعلق بالاستثمار من اجل بناء البنية التحتية والصناعية. الامر الذي يعني توظيف كتلة هائلة من الرأسمال كرأسمال ثابت، كما يتعلق بتوفير القاعدة الشعبية، عبر ضمان العمل – الاجور المناسبة والضمان الاجتماعي وتوظيف هائل في التعليم والبحث العلمي والاستثمار في العنصر البشري وعلى المستوى السياسي الحد من احتكار العائلات التجارية وفتح التنافس في هذا المجال لدخول الطبقات الوسطى لكي يكون هناك حراك طبقي اجتماعي الخ. وهي مسائل أكبر من مقدرة القطاع الخاص (الرأسمالي الخاص)، كما انها تعرضه إذا ما اراد لعب هذا الدور للتعارض والتضاد مع رأسمالية المراكز في الدول المهيمنة، التي ممكن ان تهزمه (في إطار اقتصاد السوق) عبر المنافسة الغير متكافئة، او الضغط عليه مما يدفع هذه العائلات التجارية والرأسمال الخاص للتكيف مع هذه الضغوطات من دول المركز، (وترتيب علاقته) في حدود الدور الذي يتوافق ومصالحها، الامر الذي يحوله الى رأسمال ملحق، يعمل في (القطاع الثالث الاقتصادي)، اي (العقار / التجارة / الخدمات / المال. وهو القطاع الذي يتواكب مع سيطرة رأسمالية المركز في الدول الأخرى، وهنا ممكن ان تنشأ عدة سيناريوهات لحل مشكلات الفئات والطبقات الشعبية، والتي تتعرض للإفقار. والبطالة، الامر الذي يدفعها الي تصعيد التناقض، وتعميق التضاد مع الرأسمال المحلي في إطار (تضاد طبقي) والرأسمالي الامبريالي
( في اطار تضاد قومي ) لكن ليس عبر سيناريو ٢٠١١ الحراك الطائفي والذي تمظهر بطابع طائفي بامتياز، كان يخفي التناقض الرئيسي والذي كانت تداعيات هذا الحراك كارثية على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والامنية والمجتمعية والذي ضرب وحدة المجتمع ووحدة الطبقة العاملة ووحدة الجمعيات اليسارية ودوّل ملف البحرين لكي يصبح ملف خارجي تتلاعب به دول اقليمية ودول عالمية ؟!، وهذا يطرح امام القوي العقلانية الوطنية في بلورة واعادة الرؤية الشاملة، عبر بلورة استراتيجية عمل وطنية وتحديد التكتيك الضروري لإعادة اللحمة الوطنية واعادة الوحدة للشعب ليس في المؤسسات بل في المجتمع واعادة الروح لمنظمات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات المهنية بعد ان نخرت فيها الطائفة السياسية، وسيناريو الابتعاد عن هذه المهمة سوف يهمش من يريد التطوير في هذا المشروع ويمنعه من ان يكون جزءاً فاعلاً في التناقض، ان الحركة المجتمعية ( بعفويتها ) لا تحقق هذا التراكم، بل تشتته نتيجة التنازع في داخلها بين من يريد الاصلاح ومن يريد التغيير . وهذا التراكم في المشروع الاصلاحي لا يمكن ان يتحقق الا انطلاقاً من تفعيل الحركة المجتمعية (وليس حركة طائفية)، وهنا في إطار هذه الحركة المجتمعية يفترض تفعيلها البدء من بدء (الاصلاح) الذي باشره المشروع الاصلاحي اي من (المصالح المباشرة) اي من (القضايا المطلبية)، الامر الذي يفرض (الاصلاح)، لكن في إطار الواقع المشار له سابقاُ، فأن الاصلاح هنا سوف يسير في صيرورة التطور.