ضمن اطار حالة الانسداد في حل هذا الملف على مدى فترة زمنية ليست بالقصيرة والكمون الحادث في المجتمع بعد الانفجارات السياسية هزت المجتمع والتي حدثت في احداث كارثة الدوار في 2011، وما تركته من شرخ قسم المجتمع بشكل عمودي الى العودة الى التخندق الطائفي والذي يمثل بركان من الممكن ان ينفجر مرة ثانية بالرغم من الهدوء النسبي الذي تعيشه البحرين اليًوم مما يطرح مهمة ملقاة على عاتق المنادين (بالوحدة الوطنية) من التيار العقلاني الديمقراطي وكل مواطن بحريني يرى اهمية حل هذا الملف الذي بات معوقاً للاندماج الوطني في هوية وطنية مشتركة، حيث ان هناك اجماع لدى كل الوطنيين في البحرين على ان الاندماج الوطني والذي يؤدي الى الانصهار في هوية مشتركة بات امر (ملح وضروري) في اللحظة الراهنة لانتظام الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية في البحرين، وفي نفس الوقت هناك اجماع من قبل الوطنيين البحرينيين على ان احد اهم معوقات الاندماج الوطني، وبالتالي الشخصية المتسامحة، هو وجود ما تم مناقشته سابقاً في ورقة الانا والاخر التي نشرت على موقع التغيير الديمقراطي الالكتروني وهي القوالب النمطية، وهي التصاوير السلبية التي تظهر بها الجماعات الوطنية او القوالب النمطية الجاهزة. اي مجموع السمات السلبية، الثابتة، التي توصم بها جماعة جماعة اخىرى. عبر دخول العنصر المفتت لهذه الهوية الوطنية وهو العنصر الطائفي او العنصر الديني المتطرف او المذهبي من مثل ان السنة موالين للنظام وهم طبالة ومرتزقة. وان الشيعة هم المعارضة وهم المظلومين وهم الذين يقارعون النظام الخ. ان هذا الشرخ الذي تم تعميده والمحاولة على التركيز عليه وفتح جروحه في كل يوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والانقسام (الطائفي في عالم التواصل الاجتماعي) الذي يستخدمه اصحاب مواقع التواصل الاجتماعي كل يوم في تعزيزه بان هناك طائفة مغلوبة على امرها وهي التي تصطدم مع السلطة وان الاخر (السني)متفرج عليها وهي في بعض الاحيان تتشفى في (السني) لأنه أصبح يعاني مثلها من السلطة؟! ان درجة انتشار هذه القوالب النمطية، ودرجة شيوع عملية التنميط في اصدار الاحكام لن نقول (مكونات) لان هذه الكلمة تعني اننا ننطلق من موقع طائفي بل على فئات المجتمع وجماعاته الوطنية، تدلان على درجة الخلل في عملية الاندماج الوطني، وفي عدم تبلور الهوية الوطنية عند الطرفين! وكأن جماعات الاقلية السنة من وجهة نظر الشيعة، خارج الجماعة الوطنية الكلية او (الشعب) البحريني؟! والعكس صحيح اي اعتبار (السنة) ان (الشيعة) خارج الجماعة الوطنية الكلية او الشعب البحريني من هنا يأتي القالب النمطي الذي يحاول ان يغطي على هذا وهو هل نقول شعب بحريني او بحراني لكي يتم اشغال المواطنيين بما هو جانبي لغوي؟ ان مصدر الخلل في عملية التنميط هذه هي في طريقة تصنيف فئات المجتمع حسب هذا المقياس المتميز لمفهوم الاغلبية، ومن ثم تقييم سلوك هذه الجماعات على هذا المقياس؟ ان التنميط الناتج عن عملية التصنيف لفئات المجتمع، امر لا مفر منه ما دام مستقراً وخالياً كما ذكرنا من (الشحنة العاطفية المتمثلة بالعداء نحو فئات الاقلية او الاغلبية) بينما يتحول هذا التنميط الي عنصر مدمر كما شاهدناه حاصلاً في البحرين إذ ادى
الي عداء وفتنة طائفية.
في العلاقة بين القوالب النمطية (stereotypes) والاندماج الوطني؛ هناك ست تعميمات موجودة في ادبيات القوالب النمطية؛ اولا: ان الناس عامة يظهرون ميلاً الى وصف فئات واسعة من الجماعات الوطنية بصفات بدائية مبسطة على انها سمات (مشتركة) لهذه الجماعات.
ثانياً: هذه الصفات تميل الى البقاء ثابتة لفترة طويله من الزمن.
ثالثاً: في حالة ميلها الى التغيير، فأن ذلك هو وظيفة لتغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية يشهدها المجتمع ككل.
رابعاً: هذه الصفات تصبح اشد وضوحاً وعدائية عندما يزيد الاحتكاك بين الجماعات (عندما يتولد الادراك لدى بعضها بعدم عدالة توزيع الامتيازات في المجتمع مثلاً.
خامساً: هذه الصفات يتعلمها الاطفال في وقت مبكر قبل تعلمهم طريقة تصنيف الجماعات التي تلصق هذه الصفات بهم. سادساً: هذه الصفات لا تمثل مشكلة عندما يتعلق الامر بمستوى عداء منخفض، ولكنها تتحول الي مشكلة مستعصية الحل عندما يتزايد الاحتكاك والصراع بين الجماعات كما شاهدناه في ٢٠١١.
المشكلة في التصنيف على التعصب تبدأ عند الاطفال وفي تربيتهم في وقت مبكر وتصبح مسلمات عندهم من دون تعلم محتوى هذه التصنيفات ويتم تعليم الطفل ان هذا هو ما يميزه عن الجماعات الآخرى من اجل ان يتوجه الاهتمام العاطفي للطفل بجماعته وطائفته وانتمائه اليها. ويتولد عند الاطفال بمرور الزمن الاحساس بان القالب النمطي يمكن ان يكون أساساً لتقييم الاخرين، وبخاصة عند الذين درجة تعصبهم عالية وبشكل عام تبقى هذه القوالب الدالة على التعصب بشكل كامن، وتخرج من حالة الكمون الى حالة النشاط في حالة وجود شخص من الجماعة الآخرى وحدث معه موقف اجتماعي. او في حالة موقف بين الطفل من جماعة ما مع طفل أكثر تعصباً. في البحرين تم رصد ستة قوالب نمطية على الاقل:
اولا: قالب نمطي عرقي – اثني، (اسود ابيض، عربي فارسي)
ثانياً: قالب نمطي طائفي (سني، شيعي)؟
ثالثاً: قالب نمطي قبلي (ظهراني، دوسري)
رابعاً: قالب نمطي جهوي (الستراوي، المحرقي)
خامساً: قالب نمطي ثقافي (اصيل، بيسري، قروي، مدني).
سادساً: قالب نمطي سياسي (بحريني اصيل، بحريني مجنس، مسلم مؤمن، علماني كافر).
في السابق كان هذا التعصب كامناً، لكنه أصبح الان أكثر ضراوة وحدة معلناً الان في البحرين وهذا شاهدناه حتى من قبل الجمعيات السياسية كلها بلا استثناء للأسف؟! ان انتشار وشيوع كل هذه القوالب النمطية الدالة على التعصب في الحياة الاجتماعية والسياسية في البحرين، يثبت ان اليات الاندماج الوطني مصابة بوباء وخلل لا يمكن تحديد فداحته وتدميره للمجتمع البحريني. ذلك ان القوالب النمطية المصحوبة بشحنة عاطفية من العداء او (الكره والحقد) نحو الجماعات الآخرى من الصعب تعديلها او تغييرها حيث يتم التركيز على العناصر العدائية وتضخيمها واستبعاد العناصر الآخرى الانسانية منها. ومنها ظاهرة (البدون) في البحرين عانت كثيراً من هذه القوالب وكذلك المجنسين وكذلك الفتنة الطائفية التي حدثت في 2011، فبالرغم من توفر المعلومات عن تمسك كثير منهم بالانتماء الى البحرين (او على الاقل بالادعاء بالانتماء الى البحرين) فان الهاجس الامني من انهم قد لا يخلصون للبحرين تحت اي ظرف مما في احداث كارثة الدوار، او اي ظرف مجهول في المستقبل ما زال قوياً يضع الشك في اندماجهم في المجتمع؟
للأسف فأن الدولة وكذلك كل الجمعيات التي تبلورت في المشروع الاصلاحي لم تعر هذه القضية الاندماج والانصهار، في هوية وطنية مشتركة. فقد كان الحبل على القارب وترك هذا القارب (ليسمر) وتتقاذفه امواج القوالب النمطية والتعصب سواء الطائفي او الديني او المذهبي او الجهوي او الاثنين العرقي مع رفض جزء من المجتمع لسياساتها في التجنيس والذي سمي بالتجنيس السياسي مما يضع شك في كل من تجنس في البحرين وهذا انعكس على كل الذين تم تجنيسهم حتى ما قبل ان يظهر هذا المسمى (التجنيس السياسي)؟! لم توضع لا من قبل الدولة او المجتمع المدني بجمعياته ونقاباته ومهنيه استراتيجيات يمكن اتباعها لخفض التعصب الكل يدعي بالديمقراطية وحقوق الانسان المبنية على مفهوم المواطنة، الكل يدعي بأن المطلوب هو (شخصية وطنية) ان لم تكن غير متعصبة، فأنها ذات تعصب منخفض كأساس للاندماج الوطني في الهوية الوطنية المشتركة.؟! ولكن العكس هو ما يطبق على الواقع منذ تبلور الجمعيات السياسية على اساس طائفي فاقع اللون بداية بالإسلام السياسي بضفتيه (الشيعي / السني) امتداداً لجمعيات تسمي نفسها يسارية كانت تحاول ان تطرح نفسها في الوسط ولكنها كانت تتماهى مع الطائفية سواء السنية او الشيعية بأنها (مكونة من شيعة وسنة) والتي اصطفت في احداث الكارثة مع ما يسمي المعارضة الشيعية؟! وهذا السبب الجوهري في عدم الاستفادة من الانفراج السياسي والهامش الديمقراطي. وهنا يجب تجاوز اعطاء الانطباع كما فعلت الجمعيات اليسارية بأنهم غير متعصبين وغير متحيزين لكلا الجماعتين التي تنتمي هذه الجمعيات اليها على حساب الجماعة الوطنية ككل. لأنها لم تأخذ بالحسبان المناخ العاطفي – الانفعالي السائد وانه من الممكن ان يتفجر في ظل الاصطفاف والاستقطاب الطائفي والذي كان يتبلور منذ بدء المشروع الاصلاحي والذي صعد من التعصب بين الجماعات الوطنية الى اعلى حد مر به المجتمع البحريني الحديث؟ مما شكل ازمة وطنية في البلاد والذي كان على حساب هوية هذه الجمعيات السياسية؟ والان هل توجد برامج وطنية تربوية لمواجهة هذا التعصب وخفض التعصب ولن نقول الغائه لان هذا صعب جداً في المرحلة الحالية، وحتى يتم تفعيل هذا البرنامج الوطني التربوي ويكون له مفعول طويل المدى، لا بد من القيام بتحليل محتوى القوالب النمطية المتحيزة في المجتمع والتركيز على تلك العناصر المتحيزة بالذات واستهداف تعديلها لا النفخ وصب الزيت لإشعال حريق يأكل الاخضر واليابس فيها كما هو حادث اليوم في البحرين. ان تعديلها ليس مستحيلاً فقد ثبت ان القوالب النمطية مستقرة على فترات زمنية طويلة في البحرين نسبياً، مما يجعل اختيار عناصر التحيز البالغة الضرر بالمجتمع ممكناً. اما البرامج التربوية الوطنية الموجهة للأطفال فإن لها مشاكلها الخاصة. كما تم ذكره من قبل أن الاطفال يتعلمون في وقت مبكر تقييم الجماعات الآخرى غير الجماعة التي ينتمون اليها. ولما كان الاطفال يصدرون الاحكام المتعلمة من والديهم او بيئتهم الاجتماعية المباشرة، قبل ان يكونوا افكاراً او مفاهيم مجردة لتصنيف الفئات الاجتماعية من حيث الصفات الخاصة بها، فأن محاولة هذه البرامج تقديم هذه الجماعات سواء كانت اثنية او عرقية او طائفية او ثقافية او جهوية على انها طيبة وودودة، لن تجدي كثيراً، لان الطفل لا يستطيع ان يعمم غير الذي تعلمه من قالب نمطي (label)، يعطيه لهذه الجماعة. فعندما توجه هذه البرامج بالطريقة الوعظة بان الجماعات كلها طيبة ومخلصة او عمل مؤتمرات للتعايش بين الطوائف وحوار الاديان فهذه لن تجدي كثيراً. ان التقييم السلبي يتعلم يومياً من خلال احكام يصدرها الوالدين، ونتيجة لذلك، يتعلم الاطفال التحيز والتعصب بإفراط وسوف تجد الاجابة جاهزة عند الاطفال في سن الخامسة او السادسة عندما يتم سؤالهم عن الاخر والذي تم وضعه في قالب نمطي معين.
ان مواجهة القوالب النمطية والتي تزرع كل يوم في عقل الطفل من قبل الوالدين في الجماعات وهو بالتقييم السلبي يجب مواجهتا بنفس الاسلوب وهو بتقييم الايجابي، اي ببساطة من خلال السياق اليومي لحياة الطفل، ومن خلال الوالدين اي الاشخاص الحقيقين اللصيقين بحياته اليومية. وليس كما يحدث الان عندما يسمع في المدرسة المواعظ باننا جميعاً بحرينيين، وعندما يرجع الي البيت يسمع صفات تلصق بفئات. واسعة في المجتمع، وكثيراً ما تكون جارحة. ان الهدف النهائي من هذه البرامج التربوية ليس منع الاطفال من تكوين احكام او تصنيف الجماعات المحيطة بهم الى فئات واضحة المعالم متميزة – لأن هذا يكاد يكون من المستحيلات حالياً – وانما مساعدتهم في تكوين فئات يمكن تصنيف المواطنيين فيها على اساس المعلومات الصادقة نسبياً عنهم قدر الامكان، وليس على اساس التقييم الاجتماعي المشترك من حيث كونهم اعضاء متحيزين في جماعة بعينها، وخصوصاً إذا كانوا كما هو الحاصل اليوم من تنظير سواء للإسلام السياسي او الجمعيات السياسية في مفهوم (الاغلبية / الاقلية). والخطوة الاولى في مقاومة عناصر التحيز والتعصب في (الشخصية الوطنية) يجب ان تواجه بصدق، وان تعرض للبحث العلمي، وان يتم التوصل في النهاية الي تقييم ايجابي معاكس لفعل القوالب النمطية (وليس كما هو حادث اليوم في تعزيز هذه القوالب النمطية السلبية في العالم الافتراضي). وان اسلوب المكاشفة والمصارحة أصبح عنصر مهم جداً هنا في معالجة هذه القضايا بالذات وليس بالسكوت عنها او النفخ فيها، ذلك انه إذا تركت الامور، مع التعتيم عليها، لتتراكم مع مرور الوقت والزمن، فأن من الممكن جداً أن تنفجر في وقت من الاوقات في شكل يؤثر على نسيج المجتمع ووحدته الوطنية ولنأخذ العبرة من احداث الكارثة الوطنية التي تفجرت في احداث 14 فبراير 2011. على الرغم من المأخذ الواضحة على فكرة الشخصية الوطنية، فإنها ما زالت فكرة مفيدة في الكشف عن القيم المشتركة الدفينة التي توجه السلوك، بحيث تعيننا على التنبؤ بالسلوك المتوقع في الظروف والمواقف المتكررة المتشابهة كما هو حادث اليوم في البحرين من انسداد العملية السياسية ولكن بشرط ان يتم التوخي بأكبر قدر ممكن من الموضوعية في التنظير والتحليل والتركيب لفهم (الاتجاهات السائدة) في المجتمع البحريني والتحولات التي تطرأ عليها تحت عنوان التحول الثقافي.
الشخصية البحرينية من جانب البعد السياسي والثقافي لديها ميل او نزوع قوي الي اختيار اطر ثنائية (تبدو في الظاهر متناقضة) للسلوك بما يسمى بالشخصية الازدواجية. وهذه الازدواجية ما هي الا انعكاس للازدواجية الاعمق والاعظم – ازدواجية الثقافة: ثقافة القرية، ثقافة المدينة والثقافة الطائفية المسيسة بين (شيعة / سنة) إذا صح هذا التعبير. ان هذه الازدواجية هي التعبير المعاصر لانفصام الشخصية البحرينية بين تراثها القيمي الجمعي وقيم المجتمع المعاصر، وانفصام بين عالم الرجل وعالم المرآة في تقسيم عمل جنسي حاد وقاطع وانفصام بين عالم اللهجة الدراجة وعالم اللغة الفصحى. وهذه سمات بارزة تتحكم في الايديولوجيا، اي في الطريقة التي يفكر ويتصرف بها البحرينيين حالياً. في هذا التراث القبلي / الطائفي المشترك تتخذ علاقة المواطن بالسلطة نمطاً ذا خصوصية ثقافية – سياسية ما يسمي بالزعامة ما بين الاعيان والوجهاء والملالي ورجال الدين ورجال السياسية، والاتباع سواء في السلطة او المعارضة، والاتباع يدينون للزعيم بالولاء الشخصي ذي المضمون الطبقي وكذلك الديني سواء ملالي او رجال دين سنة، تحكمها المصلحة الشخصية (عند الشخصية البحرينية) من استنفاع وتنفيع ، استنفاع الزعيم بمنصبه وبنفوذه، وبسلطته وثروته (التاجر الوجيه ورجال الاعيان وشيوخ القبائل و او ما يسمى المجلس العلمائي او الامين العام في الجمعيات السياسية الخ) وتنفيع اتباعه حسب درجة ولائهم الشخصي له. والزعامة – التابعية تستمد شرعيتها الحديثة من تراث القبيلة وتراث الطائفة و (شبكاتهم المتضامنة) فهي تنسج على منوالها ونحن في البحرين نشاهد يومياً كيف تعمل هذه الشبكات في المجتمع. وكيف يتكيف توزيع القوة القبلية والطائفية من البيئة في القروية في القرى والبيئة الحديثة في المدن. فالذي يجمع فكرة الشخصية الازدواجية في البحرين، وفكرة الزعامة – والاتباع، هو اذاً، التراث القبلي الطائفي المشترك في طريقة توزيع القوة وفي شرعية مؤسسة الزعامة. وإذا كانت الزعامة مبنية على الانتماء القبلي – العائلي والولاء الشخصي للزعيم، فيصبح من الصعب، إن لم يكون من المستحيل، على من يشغل منصباً قيادياً في الحكومة او في السوق (الاقتصاد) ان يتخلص من صورة الزعيم القبلي او الطائفي او السياسي. والدافع المحرك للسلوك السياسي، هو المصلحة الشخصية لكل المتعاملين في اللعبة السياسية، من استنفاع وتنفيع. والزعيم يصل الى مركزه او مكانته عن طريق التحالفات والشلل او التنافس الفئوي القبلي الطائفي او السياسي في الجمعيات. والزعيم يطلب الولاء الشخصي من التابعين له، وهو يقوم بتوزيع المنافع والمكاسب كمكافأة للولاء الشخصي بين ابناء القبيلة او لطائفة او الجمعية السياسية، فالمنافع تكون من نصيبهم بالدرجة الاولى ثم تتسرب الي بقية الاتباع.
ان هذه الشخصية الازدواجية البحرينية وبملامحها الزعامة / الاتباع، يطغى فيها اشباع الرغبات الخاصة في السلطة والقوة والثروة لدى الزعماء. وهي ما يطلق عليه في البحرين داء (التمصلح)، اي الاستنفاع والتنفيع. وقد وجدنا مثال حي في احداث كارثة الدوار في 2011 عندما تم استقطاب الجماهير بين زعامات طائفية وقبلية وسياسية ولا زالت هذه الزعامات تجذب لها اتباع في ظل الانسداد السياسي. الزعامة / الاتباع تأخذ في البحرين صفة (المعزب الزبون) بغض النظر عن هوية المعزب سواء كان وجيه، من الاعيان، من ما يسمى زعماء الطوائف او القبائل او الامناء العامين في الجمعيات السياسية وهذه العلاقة معزب زبون تبلورت من خلال التضامنيات القبلية الطائفية التي او الشلل في الجمعيات السياسية تترسخ اسسها باستمرار، ذلك ان هذه العلاقة بتراثها القبلي الطائفي هي خاصية (تكافلية)، اي ان وجود التابع يقوي من مركز المتبوع، فالزعيم المتبوع والذي يمتلك راس المال الاجتماعي او الرمزي يستولي على الموارد ويكافئ الذين يظهرون الولاء الشخصي له. والتابع الذي يقع عليه الضرر او الظلم يتقمص صفات الزعيم نفسها بمجرد ان تحين له الفرصة وهكذا في عملية تكافلية كل واحد منهم يغذي الاخر، ويجعل العلاقة (زعيم / تابع) سواء القبيلة او الوجاهية. او المذهبية الطائفية او السياسية في الجمعيات السياسية، قادرة على التكيف مع الاوضاع المتغيرة والمستجدة. يفترض ان هذه العلاقة بين (المتبوع والتابع) تستجيب لواحد او أكثر من مقومات الشخصية البحرينية. وهي بسبب خاصيتها (التكافلية) علاقة تلازم تغذي نفسها بنفسها، ولذلك فهي لا تقبل الاصلاح لا في الدولة ومؤسساتها ولا في الجمعيات السياسية في الاوضاع السائدة اليوم في البحرين وكل من يحاول ان يقوم بالإصلاح كما كان مع بداية المشروع الاصلاحي وحتى الان تؤدي في العادة، ليس الى اصلاح الوضع وانما الى خسارة المصلح لموقعه، عندها يجد الاتباع فرصة للتأمر عليه حتى يظهر (من بينهم او من خارجهم) زعيم (معزب، متبوع) جديد، يضمن الترتيبات الجديدة للزعيم / التابع المتطورة. ان انتشار داء التمصلح في الشخصية البحرينية والذي لاحظناه بالعين المجردة سواء في الانتخابات البرلمانية او في مجلس الشورى المعين او في منظمات المجتمع المدني وجمعياته السياسية يعود الي عدة عوامل اهمها العامل الطبقي. وذلك لبروز الملاكين العقارين الجدد والمقاولين العقارين الجدد والبيروقراطية في المراكز العليا الجديدة والبورجوازية المالية المصرفية الجديدة والذي ادى الي زيادة معدلات الحراك الاجتماعي ضمن إطار هذا الحلف الضمني الطبقي وبروز هذه الشرائح الطبقية الجديدة نتيجة الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كل هذا أضعف القيم التي توجه سلوك هؤلاء وأضعف القيم التي تعاكس توجه هذا الحلف الطبقي الضمني. ومن دون ان تتبلور بدائل له. أضف الى ذلك إدراك الشرائح الطبقية الجديدة ان توزيع الموارد والدخل القومي لا زال في صالحهم، ولذلك فإن التمصلح من استنفاع وتنفيع هو وسيلتها الفعالة في الكسب والربح. للأسف فأن المجلس الوطني البرلمان يعمل ضمن إطار هذه الالية من تمصلح وتنفيع في كسب الربح ولا يعير اي انتباه الى خطورة استشراء داء التمصلح على سلامة الاجراءات الادارية والمالية في الدولة والاقتصاد، اي بين (الزعماء) الاداريين في الحكومة و(الزعماء) التنفيذيين في القطاع الخاص.
لقد انتشرت ظاهرة التلاعب بالمواصفات واقتطاع نسبة كبيرة من المبالغ المرصودة للشراء، على شكل عمولات تحت الطاولة، السمة الغالبة الملازمة للصفقات التجارية. وهنا لم يتم تشريع قانون للحد من هذه الظاهرة لحماية المال العام. وحتى لو شرعوا لقانون يحرم العمولات التجارية ففي ظل هذا الوضع سيزيد فقط من الاعباء البيروقراطية والمالية من دون طائل اي تشريع سيكون مصيره الفشل. فقد فشلت جميع او اغلب التشريعات التي تحرم قبض العمولات، او تحرم استغلال المنصب، او الاستنفاع والتنفيع خلافاً للقانون. ومع وجود تراث عميق يجيز انماط السلوك هذه ويسوغها، مع وجود الاستهلاك المتعي الهستيري في وقتنا الحاضر يضغط باتجاه (التمصلح) وهذا يحد من التشريع للفضيلة. ولما كانت التجارة الرأسمالية تعتمد على قبض العمولات أساساً، فإنه من الصعب التفريق بالفقه القانوني بين المشروع منها وغير المشروع، إذا كانت النية معقودة على التحايل عليها. بناء على ما تقدم، فأن هناك من الادلة ما يدعونا الى الاعتقاد أن هناك سمة للشخصية البحرينية تبلورت تسوغ التعامل على اساس علاقات (المعزب – الزبون) او (المتبوع – التابع)، وهي علاقة موجهة الى اشباع رغبة طاغية في السلطة (التحكم والسيطرة) والثروة من دون التفات الى المصلحة العامة، او جعل المصلحة العامة في أسفل الاولويات. وكل من يريد ان يتمسك بالأخلاق والمبادئ والقيم يقولون له انت خاسر ومعزل عن الواقع وتعيش في الاحلام. علاقة المعزب -الزبون (المتبوع والتابع) تستمد طاقة حيوية من تراث القبلية والطائفية والوجاهئية والمذهبية – الدينية والنظام الداخلي للجمعيات السياسية المشترك، في شكل الزعامة الاتباعية: اي الزعامة الفردية التي تطلب الولاء الشخصي، والتي تفضل الانتماء القبلي – الطائفي والحزبي لدى الجمعيات السياسية على الانتماء الوطني الطبقي. وكما ذكرنا هذه الزعامة الاتباعية يتكافل فيها التابع والمتبوع، ويتعايشان لمنفعة الطرفين، وكلما تحول تابع الي متبوع سارع الي تقمص دور المتبوع – الزعيم الذي سبقه في الاستحواذ على الموارد، وباشر بالاستنفاع والتنفيع هكذا هي اللعبة التي تلعبها الشخصية البحرينية حالياً. هذه السمة الغالبة في الشخصية البحرينية تعد من العوامل المعوقة لقيام دولة المؤسسات، لأنها تحول دون تقنين السلوك التنظيمي المؤسسي على اسس موضوعية، بعيداً عن الذاتية، ولا يجدي لإصلاح هذه الحالة كما يطرح حالياً في مؤتمر البطالة او الاقتراح الذي يطالب بإرسال رسالة لحل ملف البطالة عن طريق فريق عمل مكون من التجار (بيت التجار) والوزارات والمعاهد المهنية وقوى خاصة الخ اي لا يجدي لإصلاح هذه الحالة تحديث الادارة فقط، ولا اجترار اساليب التطوير الاداري المستمدة من تجارب الغرب. الخطوة الاولي في الاصلاح وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومنها ملف البطالة هو في تحرير الشخصية البحرينية من داء التمصلح في كل من ذكرهم الذي طالب بالاقتراح من قوى معينة تعمل ضمن هذه الالية (التمصلح) الاستنفاع والتنفيع في ظل تغييب المصلحة العامة، وفي ظل ضمور الالتزام الخلقي بانتظام الحياة الاجتماعية المؤسسة. فهناك فرق بين (الزعامة) و (القيادة) فالزعماء الفرديون يعتمدون على الولاء الشخصي للعاملين، ويجيدون اصدار الاوامر والنواهي (ويستثنون أنفسهم منها) ويستولون على عمل الاخرين وانجازاتهم وينسبونها الى أنفسهم وهم لا يعملون. بينما (القادة) يوجهون العاملين بضرب المثل بأنفسهم(leadership) ويشجعون الاخرين على العمل والانجاز في فريق متكامل يقدم مصلحة المؤسسة والمصلحة العامة للشعب على مصالح الاعضاء الشخصية. فاذا كنا نقدر اهمية الدور الذي تلعبه (القيادة) في حياة المجتمع، عرفنا فداحة الامر وخطورته، إذا اصابها خلل التمصلح. وهذا هو المسكوت عنه لمن يقترح رسالة او يعقد مؤتمر لحل ملف البطالة
المرجع: كتاب اراء في فقه التخلف للكاتب الراحل خلدون النقيب