ألبونس – هل هو حق مكتسب أم تعد على المال العام؟
وللإجابة على السؤال الأول يجب تعريف المكافاة أو ما اصطلح على تسميتها (البونس) فالمكافأة شكل من اشكال المدفوعات النقدية أو العينية والتي يحصل عليها العامل من رب العمل طواعية مقابل زيادة وجودة انتاجيته،
وهي استراتيجية توازن بين المقدرة المالية للمؤسسة لزيادة الإنتاجية والربحية مع الحفاظ على أكبر عدد من موظفيه لزيادة الخبرات وتراكمها للحيلولة دون استقطابهم من قبل مؤسسات مصرفية واخرى منافسة، وتؤثر المكافآت عادة ايجابا على الإنتاجية والربحية كحافز للعطاء والإبداع وأحيانا سلبا في حال عدم العدالة والإنصاف في التوزيع..
منذ إضراب الغواصين بداية عشرينات القرن الماضي وكل التحركات العمالية المتلاحقة – خاصة أثناء تصدر هيئة الاتحاد الوطني للمشهد السياسي والعمالي أعوام 54- 1956 حيث أسست اتحاد العمل البحراني – والناس عموما والعمال خصوصا تبحث عن ما يضمن مستقبلها ومستقبل ابنائها خاصة فترة التقاعد. وقد سبقت شركة بابكو النفطية والبنوك الأجنبية العاملة في البحرين، الاخرين في خلق صندوق داخلي للتقاعد تحت مسمى صندوق مستحقات نهاية الخدمة بهدف مساعدة العامل بعد انتهاء خدماته خاصة أثناء فترة التقاعد، إلى حين صدور الأمر لأميري بأنشاء صندوق التأمينات الاجتماعي على المستوى الوطني بالترافق مع صدور ثاني قانون للعمل في القطاع الأهلي عام 1976م لينهي تشتت الحقوق العمالية خاصة التقاعدية، كهيئة جامعة لجميع العمال والمستخدمين ولكل فترات عملهم مع كافة المؤسسات تحت المظلة الوطنية داخل البحرين لتمتد لاحقاً بمظلتها التأمينية الى كل دول مجلس التعاون الخليجي.. وكانت خطوة إيجابية نادت بها النقابات ولكنها لم تخلو من العثرات والسلبيات خاصة آفة الفساد والمحسوبية في التطبيق..
دستور مملكة البحرين يجيز نظام المكافآت ويشرعنه عبر المادة 119 الباب الخامس: ينظم القانون شئون المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت الخ.. كما وينص قانون العمل في القطاع الأهلي رقم 26 لسنة 2012 في الفصل الأول المادة 1 فقرة 6 في تعريفه للأجر:
((هو كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله أيا كان نوعه، ثابتا أو متغيرا نقدا اوعينا، ويشمل الأجر ألأساسي وملحقاته من العلاوات و البدلات والمنح والمكافآت و العمولات والمزايا الاخرى. ))
وهناك الكثر من التفصيل في الباب السادس حول الأجور وملحقاته حيث أن البونس هو جزء ﻻ يتجزأ من الأجر و ﻻ بد أن تتوافر فيه الشروط التالية كي تكتسب صفة الحق المكتسب: العمومية بما ﻻ يتعارض مع المادة 39 ، الاستمرارية 5 مرات منتظمة، تثبيتها كعرف وهو قانون غير مكتوب واخيرا تحديد نسبة من الأرباح التشغيلية متفق عليها لكل مؤسسة.
ومحاكم التمييز كأعلى هيئة قضائية في البحرين والتي عادة تأخذ أحكامها صفة الإلزامية لجميع المحاكم ما دونها، تؤيد وتؤكد في أحكامها اعتبار المكافاة حق مكتسب وبما أن هذه المكافآت تمنح منذ سنوات طوال تقارب الثلاثون عاما فهي بحكم الحق المكتسب لعمال هذه المؤسسة ( الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي ) وكل المؤسسات التي على شاكلتها..
كما ويجيز قانون العمل في القطاع الاهلي بدولة الكويت الشقيقة أحقية حصول العامل على المكافاة كحق من خلال الباب الرابع الفصل الاول في تعريفه لمفهوم الاجر وما هو معمول به في المؤسسات المالية والمصرفية بدولة الكويت الشقيقة لتتحول هذه المكافأة ومع الاستمرارية والانتظام إلى حق مكتسب.. كما وتجيز منظمة العمل الدولية ILO التابعة للأمم المتحدة هذه الميزة كحق إنساني وعمالي مكتسب ومملكة البحرين من بين الدول الموقعة على العديد من المواثيق والعهود الدولية ذات الصبغة العمالية حيث ضمنت تلك إلى قانون العمل في القطاع الاهلي خاصة المادة 39 حيث يحظر القانون التمييز في الاجور لمجرد اختلاف الجنس أو الاصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. وهذا ﻻ يمنع حصول العديد من التعديات على الحقوق العمالية خاصة المكافآت ومكافآت نهاية الخدمة وبشكل منهج وخاصة تجاه العمالة الرخيصة غير العارفة بحقوقها العمالية، وكذلك التسريحات في القطاع المصرفي والمالي خير دليل وبرهان.. ووجود رأي عام متفاعل وضاغط، ومؤسسات المجتمع المدني الحية بضمنها النقابات والاتحادات العمالية والصحافة الحرة والجهات الرقابية والتشريعية والقضائية المستقلة وتعدد جهات التظلمات تقلل من تلك النسب من التعديات، وما كسب الاحكام القضائية الا دليل وبرهان على وجود تلك التعديات. لهذا ترى نقابة المصرفيين بأن تلك المكافآت (البونس) هو حق أصيل ومكتسب لجميع العاملين في القطاع المالي والمصرفي طالما تصرف وفق الانظمة والقوانين المنظمة شريطة العدالة والانصاف في توزيعها مع سعينا لمنحها للمواطن المنتج والمجتهد كأفضلية كي يعيد ضخ تلك المكافآت في الاقتصاد الوطني والحيلولة دون خروجها للخارج..
ولا نتفق في نقابة المصرفيين فيما ذهب إليه النائب جمال داوود باعتباره البونس تبذيرا وتعدا على المال العام فنحن ندافع عن تلك الحقوق خاصة المكتسبة منها ولجميع العاملين في القطاع المالي والمصرفي عمالا وراسمي سياسات من الرؤساء التنفيذيين وان اختلفنا معهم في أمور أخرى خاصة الفساد.. وكان الاولى بالسادة النواب والمجلس النيابي البحث والتحري عن ابواب التبذير والهدر في مجلسهم الموقر اولا، ثم شبهة الفساد في وزارات الدولة حيث تزدحم تقارير ديوان الرقابة المالية بالعديد منها وهذا من حقهم الدستوري.. ولا غبار أو غضاضة في ذلك فنحن في نقابة المصرفيين ندعم ونساند قرار رئيس مجلس النواب بضرب مواقع الفساد سواء في الامانة العامة أو في بيت الشعب حتى لو أتى متأخرا أفضل من عدم حصوله.. ثم إن العديد من البنوك المملوكة بالكامل للدولة مثل بنك الاسكان، بنك التنمية وبنك الاسرة وحتى بعض الهيئات الرسمية كمصرف البحرين المركزي وامانة مجلس الشوري وغيرها توزع مكافآت سنوية (البونس)، فلماذا يتم تغيير البوصلة في هذه الفترة والتركيز على الحقوق المكتسبة لحوالي 420 مستخدما في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي غالبيتهم العظمى من المواطنين؟. ودفاع نقابة المصرفيين هنا ليس عن الممارسات المالية او الادارية لأعضاء الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي وإدارتها المتعاقبة بل سبق وأن مارسنا حقنا الدستوري في النقد وهو حق مشروع ولكنه دفاع عن الحقوق المكتسبة لحوالي 420 مستخدما في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي بكل مهنية ووطنية بعيدا عن الاجندات السياسية.