إنه لأمر مؤسف وأليم أن نتحدث عن الطائفية في جسم الطبقة العاملة وكيانها النضالي الحركة النقابية ولكن أيضاً سيكون أكثر إيلاماً وقسوة لو تنكرنا لواقع نعايشه ونتلمسه ونتجرعه يومياً وفي مفاصل عديدة وجوانب مختلفة تحتضننا شئنا أم أبينا،
وعندما تعود بنا ذاكرة الزمان والمكان إلى نضالات الطبقة العاملة البحرينية وحركتها النقابية لزمناً عايشناه في السبعينات من القرن الماضي وزمناً آخر ربما لم نعايشه ولكنه عاش مجداً في وجداننا وتاريخاً ناصعاً سطّرته الطبقة العاملة بتضحيات جسام ونضالات مريرة قطفت ثماراتها الأجيال المتعاقبة وتربت على تقاليدها وتراثها النابض بالوحدة ونكران الذات والإنصهار بالمواقف الوطنية والطبقية والأميمية، ذاك الماضي والتاريخ الذي مضى لا نفتقد اليوم مناضليه بل نفتقد مجده وجوهره بين صفوف العمال ونفتقد تقاليده النضالية الأصيلة التي لم تكن تفرق وتقطع أوصال جسد الطبقة العاملة الواحد والذي من عجب الزمان أن يتجزأ ويُقسّم. قد يُفسر البعض هذه الحالة التي تعاني منها الحركة النقابية حالياً وتقاسي إنه نتيجة للتعددية النقابية وهذا فيه تجني على الواقع فالتعديدة النقابية العمالية ممكن أن تكون حافزاً للمنافسة الشريفة وتوسيع القاعدة العمالية وتحشيد الطبقة العاملة نحو تحقيق مطالبها وتعزيز مكاسبها والسؤال الذي يطرح نفسه ألم تكن التعددية إلا نتيجة لمقدمات سببية؟ أبرزها أحداث 2011 الكارثية التي مزقت وحدة شعبنا ونسيجه الإجتماعي ولكن هل نقف عند هذا البعد الزمني أم نعود بالوراء إلى زمن أبعد من ذلك لنرى كيف كانت مجريات الأمور التي رافقت تأسيس الحركة النقابية وإتحادها العام منذ مطلع شهر يناير 2004 وكيف تداخلت التآمرات خلف الكواليس للمؤتمر التأسيسي ونُسجت اللوبيات وسُيّست العملية النقابية لفئة على حساب أخرى وتم زرع الفرقة والشتات بقيادة عناصر جذورها طائفية كما بانت وأيعنت رؤوس طارئة على العمل النقابي كانت في سنوات الجمر النضالية تختفي في جحورها وتتزعم الأشكال الصورية والبديلة للعمل النقابي، ولا يفوتنا هنا أن نشير على أن المدعو “وليد حمدان” الذي كان ينفخ في نار قضية المفصولين يُسيسها بالأمس ويهندس إيقاعها هو ذاته من أعد طبخة المؤتمر التأسيسي للإتحاد العام منذ البدايات وقاد جوقة التآمر بحضوره المؤتمر ناهياً آمراً…!! ليتحول الشعار المبدئي لأي حركة نقابية “مستقلة وديمقراطية” في مهب الريح وأكذوبة يصعقها التاريخ وينكرها الواقع. وجمعية سياسية كجمعية الوفاق والتي هيمنت بقدرة قادر على ذلك الإتحاد النقابي العام كان كافياً لأن تدحرج بهذا الإتحاد نحو الفئوية والطائفية وهذا هو مربط الفرس وهاهنا نجد الإجابات على تساؤلاتنا من أين جاءت الطائفية في الحركة النقابية؟ فالإجابة تبرز كقرص الشمس في وضح النهار وما يبنى على باطل ينتهي إليه ولا يمكن أن يقود الخطأ والإصرار والإستمرار فيه إلى الصواب… نعم مجتمعنا تعددي وشعبنا تشكل الطائفتين الكريمتين شيعتاً وسنة عموده الفقري وجوهر وحدته ونسيجه والطوائف ليست وليدة اليوم فقد كانت حاضرة عبر التاريخ وفي كل تراث النضال الوطني لشعبنا إنما عندما تُسييس الطائفة تتحول بشكل تلقائي إلى طائفية فإي طائفة كانت مجرد أن تُسيّس تبدأ بتفريخ الطائفية والفئوية ذلك أمر جلي وممكن أن نلمسه في عراق اليوم ولبنان الأمس وحالياً نعايش ذلك في مجتمعنا، فالوفاق التي تأسست كجمعية سياسية على بذرة دينية طائفية كان من البديهي أن تُشعل فتيل الطائفية في مجتمعنا بعد أن سييست الطائفة وتداعت بالدفاع عنها وعن خصوصيتها وتمايزها ومظلوميتها إلخ وكلنا يتذكر كيف طؤفنت القضايا الوطنية والمطالب الشعبية فلم يكن من الغريب أن يمتد هذا الوباء والبلاء إلى الحركة العمالية والنقابية ويتم تسييسها وطأفنتها، إذاً القضية ليست أحداث 2011 فقط وليست التعددية النقابية فتلك قد تكون بعض العوامل المؤثرة في وحدة الطبقة العاملة وحركتها النقابية إنما جوهر العملية ونواتها وجود أحزاب سياسية خـُلقت وجاءت على أساس ديني وطائفي وليس وطني أو ديمقراطي والغريب المؤسف له أن وزارة العمل بدل التخفيف من حدة هذا الواقع والوقوف على الحياد بين الإتحادين وإعتماد الشفافية نرى لديها مواقف إنحيازية وغير منصفة تنحاز بشكل أو بآخر للإتحاد العام وترضخ لأجنداته السياسية، والإتفاقية الثلاثية السرية كانت شاهداً على ذلك ودليلاً قاطع. إنه مما لا ريب فيه بأن الطبقة العاملة وحركتها النقابية والتي كانت بوصلة لوحدة شعبنا في كل نضالاتها الوطنية والمطلبية تمر اليوم بمنعطف تاريخي شاذ لا يمت بصلة لمراحل صراعها الطبقي وتطورها وهي في كل الأحوال ستكون قادرة على تجاوز كل معوقات تقدمها ووحدتها كحاضن ومعيار طبيعي وحتمي لوحدة شعبنا وجذوره الوطنية.