العقلية الانتهازية

كما ذكرها أحد الاعزاء في الموقع (انتهازياً بامتياز). حسب عقلية الانتهازية السياسية: كل الاشياء قابلة للبيع والتداول في السوق (بما فيها المبادئ، والتاريخ الوطني والقيم الانسانية الخ) هذا السوق الذي تسوده علاقات المعزب – الزبون، والمعزبون يقعون في تكتلات قبلية – طائفية تضع قوانين المنافسة والبيع والشراء. هذه العقلية (البيع والشراء) إذا نقلت من ميدان السوق الي ميدان السياسة، تصبح امام حالة في السياسة لا تقبل الموقف (الايديولوجي) ولا (المبادئ والقيم الانسانية)، ولا منطق الصالح العام، اذ أن كل شيء قابل للبيع والتداول حسب قانون السوق السياسي (سوق الانتخابات مثلاً)، انها تشبه عقلية البازار والتي كانت في السابق تقليدية والان تحولت الي عقلية البوتيك والمولات والجمعيات (الحداثية؟). اي ان كل شيء قابل للتداول والبيع، بعد مكيجته وتزويقه وتوضيبه وجعله يلمع مثل الذهب. وكما يذكر المثل ان ليس كل ما يلمع ذهباً. بحيث يكون مقبولاً ومتوافقاً مع مختلف الاذواق والميول والالوان السياسية سواء كانت يسارية او طائفية سياسية، بغض النظر عن كون السلع والخدمات السياسية التي يجري تداولها تخدم اهدافاً او مبادئ او قيم ومصالح مختلفة متناقضة مثل الفروق بين اليسار العقلاني والاسلام السياسي الظلامي هذه العقلية السياسية التي توجه السلوك السياسي هو ما تم ملاحظته منذ ان تبلور المشروع الاصلاحي في كل بازار الجمعيات السياسية سواء كانت يسارية او طائفية سياسية. في ظل وقوفها بالضد من قانون الاحوال الشخصية او المدنية ان التحول الذي تبلور بعد انهيار مشروع الدوار في ٢٠١١ ، يظهر بوضوح ان السياسة حسب عقلية البوتيك او المول السياسي التي الغت  الى حد كبير الحدود بين الحكومة او الموالاة للحكومة او المعارضة اليسارية او الإسلام السياسي ، ذلك انه من الممكن ان تتبنى الحكومة والموالاة للحكومة المعارضة والتي كانت في يوم من الايام معارضة راديكالية من دون اية موانع (ايديولوجية) كما تبنى اليسار البحريني شعارات الاسلام السياسي ونسق وتعاون وتحالف معه وكل هذا يلغي بشكل عملي فعلي الموالاة والمعارضة كما عرفناها في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى الثمانيات اي ما قبل الدخول في المشروع الاصلاحي؟ خذ مثلاً جمعيات الاسلام السياسي (شيعية وسنية) فهم يطالبون بالحريات العامة ويدافعون عنها في العلن، ولكنهم ينسفونها بمطالبة الحكومة باشتراع قوانين تلغي هذه الحريات او تقيدها من مثل قانون الاحوال الشخصية – المدنية. وهم يرفعون شعار الدفاع عن المستضعفين والحفاظ على حقوقهم، بينما يستولون على اموال المستضعفين واموال الله (اموال الزكاة والتبرعات واموال الخمس) لبناء ثروة مالية تخدم الاغراض الطائفية الاصولية الضيقة او مصالح قادتهم الذاتية

ان الحملات الانتخابية التي جرت في ٢٠٢٢، تجسد عقلية البوتيك والمول الى ابعد الحدود فيما يسمى نائب الخدمات وخصوصاً البيروقراطيين منهم الذين تم تزكيتهم للترشح سواء لمجلس الشورى او البرلمان من قبل البيروقراطية (المؤسسة) التي يعملون فيها سواء كان في القطاع العام او القطاع الخاص. فنائب الخدمات (اي النائب الذي يشتغل في تخليص معاملات ناخبيه التي تعطلها الحكومة بشكل مفتعل)، النائب البيروقراطي او نائب الخدمات يسعى الى خدمة مصالحه الخاصة في المقام الاول. ومن الطبيعي الا يلتزم نائب الخدمات والنائب البيروقراطي وحتى النائب المحسوب على جمعية سياسية بمواقف او برامج سياسية واضحة، فهو بإمكانه ان ينتقل من أقصى اليمين السياسي الى أقصى اليسار السياسي. والسؤال هنا هل هذا النائب من يتم وصفه بالانتهازية والوصولية؟ ذلك ان هؤلاء النواب ينطلقون في بحثهم عن مصالحهم الخاصة، من خلال انتخابات لبعض النواب قبلية وتكتلات طائفية او شلل في جمعيات سياسية، ولكن هؤلاء النواب لا يتحركون بهذا الشكل العشوائي كما يتصور البعض. انهم في معسكر الحكومة في النهاية عندما يصل الامر الي التصويت او اتخاذ القرارات الحاسمة وهذا السلوك البرلماني صار محط تندر من المواطنين واحباط تام من قدرة هؤلاء من تحريك ملفات او التصويت على قرارات تمس الوضع المعيشي للمواطنين. يحق لهؤلاء النواب ان يهاجمون الحكومة ويعارضون سياساتها الاقتصادية والاجتماعية وحتى ان يزايدون عليها، ولكنهم مستعدين للبصم عندما يطلب منهم ذلك. وما معارضتهم وفذلكاتهم الخطابية الا لتسجيل النقاط على منافسيهم وللتمويه على ناخبيهم وهم بذلك يمثلون حقاً حزباً غير المكتمل التنظيم عن عمد للحكومة (في ظل انه لا يوجد حزب شرعي يمثل ما يسمى الحزب الحاكم). وما علينا إذا أردنا ان نكتشف مدى تفشي عقلية البوتيك والمول السياسي وتأصلها. في السياسة، الا نفحص برامج هؤلاء المرشحين الانتخابية والكشف عن التناقضات الهائلة في مواقفهم السياسية وسجلهم في التصويت سواء في البرلمان او مجلس الشورى، او سلوكهم الفعلي سواء على مستوى قبلي او طائفي او عائلي او جمعية سياسية وهذا ما يمثل الديمقراطية المشوهة عندنا ومؤسساتها ومنها البرلمان كما يسميه ماركس في مثل هذه الظروف بالكذبة القانونية.

المرجع اراء في فقه التخلف للكاتب خلدون النقيب