الفئة والتيار الشعبوي المغامر وحراكه السياسي في الشارع البحريني

الفئة والتيار الشعبوي المغامر وحراكه السياسي

في الشارع البحريني وعلاقته بالديمقراطية

تقديم: الدكتور سامي السالم

        المحور السياسي = التيار الشعبوي المغامر

كيف ينظر هذا التيار إلى علاقته بالشارع وكيف تنظر القوى الوطنية الديمقراطية العقلانية إليه، أي الحراك السياسي في الشارع.

 

مفهوم الشارع:

1-  خروج الناس إلى الشارع وخروج الناس “الشعب” بمطالب خارج الأطر والهوامش التي يسمح أو لا يسمح بها (النظام) مثل “التظاهرات – المسيرات والاعتصامات” وحتى “المنشورات والعرائض” والنشر في العالم الافتراضي من خلال الإنترنت والفيس بوك و تويتر والرسائل النصية، طالما أنها خارجة عن الأطر القانونية.

2-  استخدام فضاء الشارع كمجال للصراع والتنافس.

3-  حركة الشارع هنا تتسم بمقدار من “العفوية” قد تـُسيره أو لا تـُسيره التحركات التي تخطط لها “الجماعات” المنظمة التي تتحرك وفق أهداف محددة آنية.

4-  استخدام مفهوم الشارع ضمن سياقات مفاهيم “الوعي” النشاط داخل الجمعيات السياسية سواء الندوات أو المحاضرات أو الحلقات الحوارية أو ورش العمل أو النشرات الصادرة عنها + حراك الجمعيات السياسية في أثناء الحملات الانتخابية سواء للمجالس البلدية أو مجلس النواب وسواء عبر البرامج الانتخابية أو الخّيم للقاء الناخب فيها أو البنرات في الشوارع إلخ. أو عبر دعوة الجمعيات السياسية للحراك المباشر في الشارع عبر المسيرات والتظاهرات والاعتصامات التي تدعو لها، المُخطر عنها والمرخص لها والتي يتم التوافق عليها مثال مسيرة واحد مايو عيد العمال أو النشاط من قِبل الجمعيات المهنية “جمعية المحامين، جمعية الأطباء، جمعية المهندسين” …إلخ. ونشاطها عبر ما تعقده من ندوات ومطالباتها عبر مواقعها بحقوق منسبيها وكذلك نشاط النقابات العمالية عبر ما تقدمه لأعضائها من تثقيف على شكل كتيبات ، ندوات، محاضرات وعبر مسيراتها أو اعتصاماتها. كل هذا النشاط “للجمعيات السياسية والمهنية والنقابية…إلخ” يدخل ضمن إطار الحراك السياسي في الشارع وبدوره فإن النظام يمكن أن يستخدمه أي الشارع حين تتخذ هذه المظاهرات والمسيرات والاعتصامات طابعاً عنيفاً سواء في أشكاله الدنيا كما كان يحدث قبل 14 فبراير في ضبط الشارع عن طريق استخدام قوى الأمن لمنع “حرق الإطارات” في الشارع أو في أشكاله العليا كما حدث في فترة 14 فبراير الأخيرة 2011 عندما فـُك اعتصام دوار مجلس التعاون.

                       

5-  الشارع ساحة تنفس وتنفيس ومجال أرحب للعنف الخطابي في الشعارات المردودة والمحمولة وتصاحبه حالة من الهيجان والخوف والتردد والحماس ويكون قابلا في حالات كثيرة وكونه مفتوح وفاقد الانضباط أن يتحول إلى العنف الدموي في المواجهات.

        نستخلص هنا بأن الشارع “قوة” شعبية تعبيرية “تغييريه” ولعل قوته في سلميته وشرعيته التي تقلق النظام وتحاول القوى المتطرفة في الجانبين “المعارضة” و “النظام” جره إلى دائرة العنف غير أن آثاره الإيجابية هو تأثيره في قرارات النظام وإعادة حساباته في اتجاه تعزيز الديمقراطية السياسية والاقتصادية والحقوقية والثقافية كما طرح في أثناء أحداث 14 فبراير كمبادرة سمو ولي العهد.

        من هنا تنبثق عدة تساؤلات:

سؤال 1 : هل الشارع كفضاء للصراع مجال مضمون دائما كقوة تغيير نحو الديمقراطية ؟

سؤال 2 : كيف يمكن أن يستغله “النظام” أو المجموعات المعارضة الشرعية وغير الشرعية في تغيير موازين القوى داخل أجنحتها ؟

سؤال 3 : ما هي تجليات الشارع الجديدة في فضاء الشارع كالمدينة والقرية والأحياء ، وهل بإمكان المسيرات المخطر عنها والمرخصة أو الغير قانونية أن تشكل ورقة ضغط على النظام وسعي حقيقي للتحول الديمقراطي في اتجاه تشكيل النظام الديمقراطي المرتقب؟

والسؤالان الأهم من كل تلك التساؤلات :

أ‌-      هل التحركات الراهنة في الشارع البحريني سواء قبل أحداث 14 فبراير أو بعدها هي من أجل الديمقراطية كما تدعي بعض الحركات سواء الشرعية منها أو الغير شرعية مثل ( حق – أحرار البحرين – خلاص – مركز البحرين لحقوق الإنسان وائتلاف 14 فبراير ) أو تيار اليسار الشعبوي المغامر في الجمعيات المسماة ” التيار الوطني الديمقراطي ” أو اتجاه الإسلام السياسي الشيعي ( الوفاق – أمل – الآخاء …… ألخ). ويليه سؤال مهم وهو هل تـُعبر عن مشروع وطني ديمقراطي بديل متوافق عليه من قبل جميع القوى الفاعلة السياسية التي تنشد التغير السلمي ؟

ب‌-            وهل تعّبر عن مشروع وطني ديمقراطي بديل متوافق عليه من قِبل جميع القوى الفاعلة السياسية التي تنشد التغيير السلمي؟ وأن تكون معبّرة عن توجهات “المجتمع” بكل مكوناته وأطيافه بشكل عام في هذه المرحلة أم أنه في عناصره تلك التوجهات الشعبوية المغامرة التي تنخر في جسدها مُشكّل من عدة جماعات أو أفراد مع إختلاف أيدولوجياتها ومنشآتها الاجتماعية والسياسية والذي أخذ شكل ( حركة فئوية ) سواء قبل أحداث 14 فبراير أم بعدها كحركة ” حق – وفاء – خلاص – أحرار البحرين و مركز حقوق الإنسان ” أو الإسلام السياسي “الوفاق – أمل” أو اليسار المغامر فيما يسمى “بالجمعيات الوطنية الديمقراطية” .

ماذا نقصد بالشعبوية وما هي تجلياتها الفكرية والسياسية ؟

تعني “الشعبوية” كما يعّرفها معجم الماركسية النقدي الذي أعد من جيرار بن سوسان – جورج لابيكا (كل حركة أو عقيدة تتوجه بصورة مطلقة أو تفضيلية إلى “الشعب” “الجماهير” “الناس” من حيث هي كيانات غير متمايزة وحيث يجرى فيها إنكار أو تقليل من شأن الطبقات وتناقضاتها).

إن ما يلاحظ هنا لدى تلك “الحركة الفئوية الشعبوية” المغامرة بشكل عام هو أنهم يبذلون قصارى جهدهم في “التنظير” والدفاع عن التوجه إلى الحراك في الشارع البحريني ويعلنون بأنهم لا يعترفون إلا بهذه “الوسيلة للتعبير” المقترن “بالعمل بين الجماهير”.

        كما يقولون بأن خيار “الجماهير” “الشعب” هو عبر محاولة البروز دائما في الشارع وعبر وسيلة “حرق الإطارات” والكتابة على الجدران (يسمونها جريدة الشعب) وقذف المولوتوف ، ويسمون من يقوم بهذا الفعل “السلوك” في التعبير في بياناتهم ونشراتهم وفي العالم الافتراضي “بأبطال المولوتوف والمجاهدين وأخيرا مع أحداث 14 فبراير “بالثوار” رغم أنها أي هذه الحركة تحمل سمات النزعات الفوضوية.

        كانوا ما قبل أحداث 14 فبراير كانوا “الشعبويون المغامرون” يسألون أنفسهم إلى من يجب توجيه “الضربات” ويُجيب “زعمائهم” المغامرون إلى قوات الأمن وليس “للنخب الحاكمة” التي لن تدفع الأمور إلى حد التطرف في الرد، فهناك بنظرهم لعبة سياسية ولها قواعد فهم “يحرقون الإطارات” ومن ثم يتم إيقاف بعضهم ويتم العفو عنهم بمكرمة وهذا كان قبل أحداث 14 فبراير.

        أننا في هذه الحلقة الحوارية التي كـُتبت قبل أحداث 14 فبراير طرحنا سؤال مهم هنا وهو: من أين جاءت هذه القناعة الراسخة بأن هناك حدود لهذه “اللعبة” من الطرفين؟ ولماذا اختيار هذا الشكل “حرق الإطارات” و “قذف المولوتوف” كوسيلة صدامية في التعبير؟

        هنا نصل إلى نتيجة بأن توجيه الضربات إلى قوات الأمن من مختلف “المجاهدين” وما يسمون أنفسهم “بالثوار” أو الحلقات الصغيرة السرية أو نصف السرية التي تستعد للهجوم وتباغت بلا انقطاع وأنه ما من قوة قادرة على قهرها ويستحيل القبض عليها.

        كما تتوهم هذه الحركة الشعبوية المغامرة والتي تدعي مهمتها هي تجميع قوات الأمن وجرهم إلى الصدام في الشارع وهي الوسيلة “الوحيدة” التي تركها لنا الحكم كخيار أي “الجهاد في الشارع”.

ولكن ما هي الآليات الموضفه لهذا التيار الشعبوي المغامر؟

هم يستخدمون هذا “التكتيك” أسلوب التظاهر في الشارع عبر حرق الإطارات وقذف المولوتوف ويسمونها “التظاهرات الطيارة” أي أنهم ينظمون “تظاهرة حرقيه مولوتوفيه” صغيرة تخرج في مكان ولفترة زمنية محددة جدا وتجر رجال الأمن ومن ثم تختفي بين أحد الأحياء ، ثم تنتقل إلى مكان آخر، فعندما يأتي رجال الأمن إلى مكان “النار” تكون قد إنتهت وانتقلت إلى مكان آخر وبذلك يقومون بخلق “أجواء مضطربة” مختلفة في عدة أماكن تساعدهم في تحقيق رسائل سياسية في الرفع المعنوي لما يسمى “بالمجاهدين – الثوار”

        تكتيك التيار الشعبوي المغامر يعتمد على الركائز الآتية:

1-  إن كل “مبارزة” يقوم بها “البطل” المجاهد – الثائر توقظ فينا جميعا روح “الكفاح والبسالة”.

2-  كل برق يأتي من حرق الإطارات وقذف الملتوف “ينير العقل”.

3-  أن لا نكتفي بالعمل الصغير فذاك الذي يملك قدرا أكبر من القوى يملك قدرا أكبر من الإمكانيات والعزم فليفتش عن العمل الكبير ويكرس نفسه له بالدعاية والتحريض بأسلوب (حرق الإطارات وإلقاء المولوتوف) بين الجماهير في الشارع.

4-  يوحي التيار أو الفئة الشعبوية المغامرة ويعطي الانطباع ، هذا قبل أحداث 14 فبراير مع تغير ملموس بسيط في أثناء وبعد أحداث 14 فبراير ، قلنا يعطي انطباع بأن الاعتصامات والمسيرات والتظاهرات وكل من يطرح “التغير السلمي” و “الحل السلمي” ” للصراع الطبقي” الحادث في البحرين ليس هو “الإسلوب” الأنجع للتغيير وأنه يجب تسليح الجماهير “الشعب” بالإطارات والبنزين والمولوتوف وبكل أشكال أدوات العنف المتاحة وأنه يجب الانصراف إلى “الرد الفردي”.

5-  كان لسان حال الفئة الشعبوية المغامرة للتيار الوطني الديمقراطي العقلاني بأنه من السهل التحدث عن الاعتصام والمسيرات والمظاهرات والكتابة في الصحف وعمل الندوات والمحاضرات عن قضايا “الديمقراطية” والنظام الديمقراطي المفترض وعن قضايا المستقبل البعيد غير المحدود ، ولكن كما تقول الفئة الشعبوية جميع هذه الاعمال والأقوال من قِبل التيار الوطني الديمقراطي العقلاني لم تتسم قبل أحداث 14 فبراير حتى الآن إلا بطابع نظري.

        كيف انعكس فعل هذا أو هذه الفئة الشعبوية المغامرة على مجمل الفاعلين السياسيين في البحرين ؟

        أخذت ترتفع في أوساط “مثقفينا” (اليسار المغامر) ذوي المزاج الثوري المشبع بالروح البورجوازية الصغيرة والذين ليست لهم صلة متينة بالحراك الاجتماعي – السياسي ولا دعائم “نظرية” قوية من “الفكر الجدلي النقدي” أصوات تنم عن الكآبة والإحباط وعن عدم الثقة بالحركة الجماهيرية ذات النفس الطويل ومن جهة أخرى تمّجد ما يدور في الشارع من أحداث يقوم بها التيار أو الفئة الشعبوية المغامرة كتيار ديني متطرف “بحرق الإطارات وقذف المولوتوف” بوصفه أسلوباً وتعبيراً “للنضال” السياسي في الوقت الحاضر ” هذا قبل أحداث 14 فبراير والذي إتسم وبرز على السطح في أحداث 14 فبراير”. حيث انعكس ذلك قبل أحداث 14 فبراير وإتسم بشكل واضح في خلالها وبعدها على توجهات الجمعيات السياسية وباتت مجموعات أو أفراد سواء داخل الإسلام السياسي منها أو التيار الوطني الديمقراطي.

        كان لسان حالهم يقوم على التبرير وهو كما كتب “لينين” في مقالته روح المغامرة الثورية ” أنه تزداد وتزداد ضجة بقدر ما يستمر دوي الأحداث في “الشوارع ” ويقول هذا اللسان “لنضج يا أخوان لنضج” كما تضج الجماهير في الشارع، هذا هو شعار هذه المجموعات والأفراد “الاتجاهات الضاجة” الذين جذبتهم دوامة الأحداث الأخيرة والذين كما قلنا لا دعائم نظرية لهم ولا سياسة.

        تلك خصائص “التيار الضاج” المتسم بروح التهور والمخاطرة والمغامرة والمتسم باللأمبدئية النظرية والمتذبذب سياسياً، الذي نقل الواقع السياسي البحريني إلى حالة الشرخ الطائفي والسياسي والاجتماعي.

        إن هؤلاء “اليسار المغامر” في تلك الأحداث وجدناهم يبذلون قصارى جهدهم وتبريراتهم     في الدفاع عن التوجه إلى الحراك في الشارع عبر “حرق الإطارات وقذف المولوتوف ويعلنون كما يعلن أو تعلن الفئة الشعبوية المغامرة أنها لا تعترف إلا بهذه “الوسيلة للتعبير” المقترن بالعمل بين الجماهير.

        كيف تعامل النظام مع التيار أو الفئة الشعبوية المغامرة قبل أحداث 14 فبراير؟

1-  حاول النظام أن يستميل بعض المثقفين والبيروقراطيين لينظروا ويعطوا المبررات للشكل المفروض لتعامل النظام مع هذه الفئة أو التيار الشعبوي المغامر ، فقد كانت وجهة نظر النظام من خلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وفي العالم الافتراضي ، بأن حراك هؤلاء في الشارع هو نتيجة لوجود نوعين من الناس في الشارع “مضللين ومُضللون” “ومغرر و مغرر بهم” ويجب التعامل معهم فقط بروح أمنية وباستخدام قانوني قانون العقوبات وقانون الإرهاب.

2-  قام النظام بالجمع بين مغامرة هذا التيار أو الفئة الشعبوية المغامرة والذي يُعرف هنا بأنه يقوم بأعمال وأفعال يطالها القانون “هنا التيار الشعبوي المغامر” وبقية الجمعيات السياسية الأخرى قبل أحداث 14 فبراير ، فقد صدرت قوانين منع النشرات “الحزبية” لبعض من الجمعيات السياسية وقانون الجمعيات والأندية الرياضية …الخ.

3-  حين يقوم النظام بهذا الخلط بين هذه الفئة الشعبوية المغامرة وبقية الجمعيات السياسية الشرعية فإنه يضع الكل في “سلة واحدة” وفي نفس الوقت كان يُريد أن يصرف انتباه “التيار الوطني الديمقراطي” العقلاني فيه، القليل العدد ويزجه في إنتقاد ومطاردة هذا التيار أو الفئة الشعبوية المغامرة وجاءت أحداث 14 فبراير لتخلط كل هذا معاً وليحدث الاستقطاب والانقسام الطائفي المدمر والكارثي.

4-  ليس من المهم هنا ما إذا كان هؤلاء أو أولئك من ممثلي ومستشاري النظام والكتاب والصحفيين والإعلاميين يدركون ذلك على العموم أو بأي قدر من الوضوح يدركونه المهم إن “التكتيك” الذي لجأ له النظام بدافع من خبرته السياسية الطويلة وغريزته الأمنية هو نجاحه في لجم هذا الحراك في الشارع السياسي.

        كان من المهم بالنسبة للتيار الوطني الديمقراطي أن لا يؤخذ بالاستفزاز وان لا يندفع إلى هذه اللعبة والسقوط في المستنقع والرمي بكل خبرة الفترة السابقة والتعلم بعدم تكرار الأخطاء وأن يكون موقفه مرتبطاً بأهمية وثيقة الميثاق الوطني وأن يعزز ما تحقق من مكاسب في ظل المشروع الإصلاحي وأن يدخل “اللعبة” بتكتيك منسجم مبدئيا مع الثوابت التي تـُعزز مسيرة الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والثقافية، المنطلقة أيضا من روح برامجه السياسية ونظامه الأساسي وليس مرتهن “بتكتيك مغامر” جرياً وراء الانفجارات السياسية المفاجئة وأن لا يسمح بتحقيق “المعادلة” التي غامر بها هذا التيار الشعبوي المغامر والذي إنسجم وتلاقى مع التيار المتشدد في النظام لأجل إعادة البحرين إلى حقبة الدولة التسلطية.

        والآن أين قادته تلك الممارسات والنهج المغامر وما هو موقف التيار الوطني الديمقراطي العقلاني من تلك الفئة أو التيار الشعبوي المغامر؟

أولاً : إن خطأ هذا التيار الشعبوي المغامر والذي يكمن الخطأ فيه بأن تتحول مجموعات فيه إلى تيار إرهابي أو على أقل تقدير النزوع للميل نحو الإرهاب ، أن الخطأ الأساسي يكمن في عدم فهم النقص الأساسي في هذه المرحلة الانتقالية من التحول الديمقراطي أو الانتقال الديمقراطي ، فمن خلال نمو الحركة مع المشروع الإصلاحي تأخر “القادة” أو لم يرتقوا إلى مستوى تشكيل “تيار وطني ديمقراطي” حيث عجزت هذه “القيادة” سواء في التيار الوطني – الديمقراطي العلني أو جمعيات الإسلام السياسي العلني أو “القيادة” الشعبوية المغامرة عن استغلال هذه التجربة “الإصلاح” والسير بها للأمام رغم كل المعوقات التي وضعت من قـِبل بعض النخب في النظام لإعاقتها ، أي السير بها للأمام وعن قيادتها بحكمة ، ذلك راجع بالنسبة “للفئة الشعبوية المغامرة” لطابعها “الطائفي المذهبي” وللأسف والكارثة أنه انعكس على كل الجمعيات السياسية لذا لم تستطيع قيادة جماهير الشعب البحريني ككل بكل مكوناته وأطيافه وطبقاته.

ثانياً : إن هذا التيار “الشعبوي” والذي يدعو في مثل هذا التوقيت الذي ينتقص لدى قادة القوى السياسية الفاعلة الوسائل والأدوات الديمقراطية كالأحزاب القوية المنظمة والنقابات القوية المنظمة والجمعيات المهنية المنظمة الممثل فيها كافة مكونات الشعب والمعبرة عن طبقاته وجماعات الضغط القوية “اللوبيات” المنظمة والنخب الاجتماعية المثقفة لأجل “قيادة” الجماهير في سبيل النهوض بها إلى الدعوة إلى “الشارع والميل إلى العنف في الشارع كما هو عليه بيد “أفراد” أو “جماعات” أو “حلقات” حتى ولو لا تعرف بعضها إنما يعني بالتالي لا القضاء على “العمل بين الجماهير” وحسب بل أيضا تشويشه وإرباكه مباشرة وكلية.

ثالثاً : إن نشاط التيار الوطني الديمقراطي على تواضعه، في السنوات العشر الماضية قد رفع حتى الآن “المزاج العام” للجماهير أكثر مما رفع “مزاج الأفراد” من هنا خوف التيار الشعبوي المغامر ولسان حالهم يقول “أطلق النار بحرق الإطارات وقذف المولوتوف وسكب الزيت في الشوارع” أيها “الفرد” الذي يستحيل إعتقاله “هنا الوهم” لأن هذا “التيار” كما يقول الشعبويون الذي يدعو نفسه (وطني – ديمقراطي) لن يتشكل عما قريب ناهيك عن تفككه.

رابعاً : إن ميل هذا التيار الشعبوي المغامر إلى ما يسمى الاحتجاج في الشارع بأساليب “حرق الإطارات وقذف المولوتوف” والميل إلى العنف في “التغيير” متصل أوثق الصلة بواقع أنه تيار طائفي مستمد سلوكه ومواقفه من مرجعتيه الدينية فكرياً ومذهبياً، ويقفون بمعزل إلى حد ما عن القوى الإجتماعية الحية كالطبقة العاملة ونقاباتها والبورجوازية الصغيرة وطبقة التجار الليبرالية وعن جوهر صراعهم الطبقي وليس الطائفي وعن أطروحات التيار الوطني الديمقراطي العقلاني التقدمي والتي تطرح الأشكال السلمية للتعبير كالاعتصام والمسيرات والتظاهرات المعلن عنها والمرخصة وحتى الإضراب الذي شهدت البحرين منه الكثير قبل أحداث 14 فبراير.

خامساً : أن هذا الأسلوب في التعبير من خلال الشارع بأسلوب (حرق الإطارات وقذف المولوتوف) لا يمت ولا يمكن بوسعه أن يمت من حيث التعبير أو الأسلوب” بأي صلة عن “العمل بين الجماهير” وهنا نشير بأن ما طرحه الاتجاه الشعبوي في التيار اليساري في أحداث 14 فبراير وبأنه ذاهب إلى الدوار لكي يؤثر في مساره وجوهر شعاراته وحراكه عبر التثقيف وترشيد الخطاب؟! قد ضاع ذلك الاتجاه والذي جر معه جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي والقوى الوطنية الديمقراطية الأخرى لتقع في مستنقع التيار الديني- الطائفي المستبد والمتسلط الذي فرض شعاراته ومواقفه في الكرنفال السياسي المشيد في الدوار دون أن يتحسس هذا الاتجاه “الضاج” في المنبر التقدمي دوره ومسئوليته الوطنية والتاريخية عبر رؤية بعيدة المدى.

سادساً : إن وجهة نظر التيار الوطني الديمقراطي “العقلاني التقدمي” تكمن في القول أن الأشكال الجديدة للحركة الجماهيرية عبر تسييسها في الجمعيات السياسية وتنظيمها في النقابات العمالية والجمعيات المهنية وتشكيل مجموعات الضغط عبر النخب الاجتماعية وعبر أشكال التعبير بالاعتصام والمسيرات والتظاهرات السلمية المعلن عنها والمخطر عنها والمرخص لها في الشارع أو عبر إيقاظ فئات جديدة من الجماهير هو وحدها التي توقظ في الجميع روح “التعبير والبسالة” ، أما المبارزات فإنها ما دامت مبارزات في الشارع من قـِبل هذا التيار الشعبوي المغامر فإنها لن تحدث مباشرة غير تأثير عابر سريع الزوال وتؤدي بصورة مباشرة حتى إلى الجمود والانتظار الخامل “للمبارزة” اللاحقة.

الآلية هنا تكون بالشكل التالي:

        يبدأ الاحتجاج فإذا الجمل “الثورية الدموية” وإذا إرسال الشباب والأطفال إلى الشارع لجلب (الإطارات والبنزين وقنابل المولوتوف) وعندما يتم “الحرق” وفي حال المواجهة تستخدم المولوتوف وعندما تتوقف هذه التظاهرات “الحرقية” فإذا العزائم تخور ويقوم (القادة) المغامرين بعد ذلك (بالتعبئة والتجييش) ويفرضون مقولتهم على التيار الوطني الديمقراطي العقلاني ويؤكدون أنه يجب نقل “القوة” إلى هذه الجماهير ثانية للشارع وبالشارع.

        إن هؤلاء “المغامرون” الذين يعتبرون نقل القوة إلى الناس وبشكل تلقائي لا يفهمون أن هذه “الوعود” “بنقل” القوة هو يعبر بنفسه عن مغامرة سياسية وإن هذه المغامرة رهن بلا مبدئيتهم.

سابعاً : إن التضحية بهؤلاء الشباب والأطفال لأجل الانتقام من قوات الأمن حيث يستعاض عنهم بقوات أمن أخرى إنما هو عمل “كبير” عند هذا التيار أو الفئة الشعبوية المغامرة أما “أعداد” الجماهير عبر الاعتصام والمسيرات والتظاهرات السلمية فهو عمل صغير.

ثامناً : هم لا ينظرون إلى قيمة تراكم التجارب سواء التي حدثت منذ الخمسينات والستينات والسبعينات (تجربه 73) وحركة العرائض في التسعينات ولا فيما يخص الدروس المستخلصة منها فيخلطون مباشرة بين محسوسيتها وتأثيراتها المباشرة والمستقبلية وبالسهر على طابع الحركة الجماهيري السلمي وتوعيته هي بالنسبة لهم ليست إلا “قوالب نظرية” وغير “محددة الأهداف”!!.

تاسعاً : هذا كان يحدث قبل “أحداث 14 فبراير” فهم كانوا يتابعون كل إنعطاف في مزاج الجماهير عبر أي تراجع أو تباطؤ أو فشل في التجربة الحالية “المشروع الإصلاحي” والعجز والركود الذي ينشأ عنهما في التغيير من أجل تعزيز هذه التجربة “المشروع الإصلاحي” إنما هو في وجهة نظرهم أن هذه التجربة فاشلة من الأساس ككل ، وأنه لا مزاج سوى بالعودة إلى “النضال” في الشارع، انظر هنا كيف تستخدم هذه الفئة الشعبوية المغامرة هذه الأيام التظاهرات الحرقية والمولوتوف في أماكن عدة من البحرين لتبرر لمثل هكذا طرح.

عاشراً : إن خطاب هذا التيار أو الفئة الشعبوية المغامرة بوصفهم اتجاها يمثلون تنظيمات سياسية بواجهات متعددة اختاروا تنظيم تم تسميته “بإئتلاف 14 فبراير” بعد الأحداث الأخيرة يحاولون أن يُظهروا وخاصة خلال التصعيد الأخير للأحداث (نشر الحرائق) في مناطق عديدة في البحرين متوهمين أنهم إجتذبوا إلى جانبهم أناساً ذوي “مزاج ثوري” يعتبرون أنفسهم “أبطالاً مجاهدين” وبعد 14 فبراير “ثواراً” وإن محاولتهم للتصعيد هي من أجل حرية “الشعب” البحريني وتحقيق مصالحه وحقوقه ومتوهمين أن “الثورة” مازالت في زخمها.

        ذلك واقع أنهم جرفوا خلفهم “التيار الوطني – الديمقراطي” والمجتمع المدني ككل عبر هذا “الخداع” و “التزييف” عن المهمة الأساسية وهو تعزيز “أدوات الديمقراطية” كالأحزاب والنقابات والنشاط السلمي في التعبير عنها كالمسيرات والمظاهرات السلمية المخطر عنها والمرخصة، وعبر تعزيز التجربة البرلمانية الوليدة.

        من هنا كان يستوجب علينا أن نرد على كل من يريد إفساد الجماهير ويزيف وعيها وعلى استفزاز (الشعبوية المغامر) لا ببرنامج يفتح الباب أمام وعي الأخطاء القديمة والحديثة التي ارتكبت في 14 فبراير الأشد ضررا وأمام ذبذبات الفكر المشوش المرتبك ولا بتكتيك يعزز انفصال وبُعد (التيار الوطني – الديمقراطي) عن الجماهير الذي هو السبب الرئيسي لضعفنا وعجزنا عن الشروع بالتغيير الحازم ، بل يجب علينا أن نرد بتوطيد الصلة بين التيار الوطني – الديمقراطي والشعب مع كل أطيافه ومكوناته وطبقاته.

        كيف نحقق ذلك على المستوى السياسي؟

عبر تطوير علاقاتنا بكل جمعية تنتمي لـ “الوطنية – الديمقراطية” وتنأى بنفسها عن الاستقطاب والانقسام الطائفي المذهبي المدمر وبعلاقة “جديدة” وجيدة مع حليفنا الرئيسي “الطبقة العاملة البحرينية” وكل من يعملون بالأجر ومع نقاباتها الوليدة والجمعيات المهنية والنخب الاجتماعية التي سوف تستنهض قوى التيار الوطني – الديمقراطي.

مثال لذلك نضمن إضراب واحد من قبل الطبقة العاملة أو الطبقات الوسطى (معلن عنه ومرخص) والذي يبدأ من مطالب ذات طابع (اقتصادي) صرف من الممكن أن يتعاظم بسرعة متحولاً إلى إضراب سياسي رغم ضعف إشتراك التيار الوطني – الديمقراطي فيه.

ولنا مثال آخر في تاريخ الأسلوب الآخر وهو العريضة الشعبية والعريضة النخبوية والنسائية وهي شكل من أشكال التعبير و(التغيير) السلمي والتي وقـّع عليها آلاف من أفراد الشعب في البحرين، والتي من نتائجها أتى المشروع الإصلاحي ، هنا يتم تعليم والتعلم من الشعب حقائق التغيير في هذه (الجزر الصغيرة) بالطرق السلمية والشرعية والديمقراطية كنهج لحل الصراع الطبقي بشكل سلمي.

        إن الحركات الجماهيرية المرتبطة بنمو “الوعي السياسي” و “النشاط السياسي” وبقيادة جمعيات التيار الوطني الديمقراطي وحليفه الطبقة العاملة البحرينية وكل من يعمل بالأجر من الطبقات الوسطى والبورجوازية الصغيرة وحتى طبقة التجار الليبرالية في هذه المرحلة هي و”الشعب” وفي هذا الإطار الديمقراطي السلمي وحدها التي تجدر تسميتها “بأعمال التغيير الكبير فعلا” .

        يجب على التيار الوطني الديمقراطي أن لا يرى ذلك “الرد الفردي” الذي تقوم به الفئة الشعبوية المغامرة الفوضوية السيئة الشهرة، الذي لا تقوم صلته بالجماهير إلا بالتصريحات الكلامية الدموية وفي المنشورات والبنرات والبيانات في شعاراتها ونداءاتها المتطرفة المكتوبة والموزعة في شبكة العالم الافتراضي وفي أعمالها الفوضوية في الشارع من خلال حراكها ضمن إطار المجموعات الصغيرة التي تقوم بأعمال “حرق الإطارات وقذف المولوتوف وسكب الزيت في الشارع”.

        نحن نرى ردود الفعل من جانب مجموع “الجماهير العفوية” وانعدام تنظيم هذه الردود وانعدام أعداده وقيادته من قِبل التيار الوطني – الديمقراطي إذ أن عفويته تذكرنا بأنه من الجرم الفادح ترك الشارع للفئة الشعبوية المغامرة والإسلام السياسي السني/الشيعي وازدراء مهمة حمل المزيد والمزيد من التنظيم والإعداد إلى هذه الجماهير بالذات التي تريد التغيير السلمي.

        الامتناع عن خلق الذرائع والتبريرات لوسائل “الحرق والتكسير وقذف المولوتوف” لأجل “التهييج” وماده لأجل “التحريض” ولأجل “التفكير السياسي” بل تعلم تحليل وإعادة تركيب واستعمال وامتلاك ناصية تلك المادة التي توفرها الحياة البحرينية، تلك هي المهمة الوحيدة الجديرة بالشخصية بالوطنية الديمقراطية.

        إن الاستعاضة عن تربية وتوعية الجماهير السياسية بخلق الضجة السياسية “بحرق الإطارات وقذف المولوتوف” والتي لا تكلف شيئا بالنسبة للفئة الشعبوية المغامرة ومن يلتف حولها.

        أما التيار الوطني – الديمقراطي العقلاني والتقدمي فيعتبر إن “الأحداث” أو “الاحتجاجات” حيث الجمهور نفسه، هو عنصرها الفاعل، والتي تنبع من مزاجه، والتي لا تمثلها هذه الجمعية أو تلك من أجل هدف خاص وهمي كموضوعه “الجمهورية الإسلامية” أو “دولة ولاية الفقيه” أو دولة “الخلافة” هي وحدها دون غيرها “الأحداث” التي بوسعها أن يكون لها تأثير “تحريضي” “تهييجي” فعلا وحقاً يكون لها وهو المهم تأثير “تربوي وتعليمي” وليس كما حدث من تحركات في أحداث 14 فبراير وما قبله.

        ونحن نعتقد إن مئات من عمليات “الحرق والتكسير وقذف المولوتوف” لن تحدث يوماً تأثيرا “تهييجيا أو تربويا تعليمياً” كالذي يحدثه مجرد إشتراك عشرات من الشعب العامل “العاملين بالأجر” في الاجتماعات التي تناقش مصالحهم وعلاقة السياسة بهذه المصالح “الوعي الطبقي” كالذي يحدثه هذا الاشتراك في تغيير يستنهض فعلا فئات “غفيرة” أوفر وعيا بتنظيم متماسك .

        إن تشوش وارتباك النظام الفعلي يقع ولا يقع إلا في الحالات التي تجبر فيها الجماهير الواسعة المنظمة فعلا بفعل وسيلة التغير السلمي، نفسه النظام على الحيرة والارتباك وتتضح فيها شرعية مطالب التيار الوطني الديمقراطي لجموع الشارع وأن نسحب البساط من تحت الفئة الشعبوية المغامرة والإسلام السياسي شيعي/سني والقبلية السياسية، الذي يخدع ويزيف وعي الجماهير ويجرها إلى الاستقطاب والانقسام الطائفي المذهبي المدمر.

        إن كل خطوة من الحركة السياسية الفعلية المدروسة الجماعية ذات النفس الطويل أهم من دزينة من الأعمال المتطرقة ومن الحرق والتكسير وقذف المولوتوف “الفردية” وأهم من خطاب الفئة الشعبوية المغامرة ومن يلتف حولها.

        المحور الثاني “سيكولوجية المغامر” المغامرة

        أن ما يهمنا في هذه السيكولوجية “النفسية” للمغامر “المغامرة” هو الجانب السلوكي فيما يلي:

1-  أن سلوك المغامر “المغامرة” هو وسيلة وغاية في آن واحد، فنجد المغامر يخاطر من أجل المخاطرة والبحث عن الإثارة بحيث لا يكون معنياً بتحمل أي مسئولية عن مغامرته.

2-  غالبية من يمارسون سلوك المغامر “المغامرة” هم من فئة الشباب الأكثر ميلاً لفكرة النجومية والبطولة وهي تغذي من الناحية النفسية نواقص سلوكية ومجتمعية كثيرة “كالضياع، واليأس” أو لفت انتباه الآخرين إلى شخصه، فهنا يرتبط سلوك المغامر “بنقص تقدير الذات” حيث يبحث عن المخاطرة والتشويق والإثارة وهو بهذه الأفعال الخطرة يظن أنه قد جذب إليه الأنظار وأصبح محط اهتمام الجميع بما قد يساعده على ترميم ذاته الخاوية من جديد حتى إذا كان ذلك على حساب نفسه بالخسارة “الموت” أو على حساب الآخرين “بالتخريب والتكسير والحرق وسكب الزيت وقذف المولوتوف”

        أن الرغبة في المخاطرة والإثارة تتحول إلى المغامرة في الحالات التالية:

1-  عندما يشعر الفرد بالوحدة والغضب والاكتئاب أو يكون واقعاً تحت تأثير الضغوط النفسية.

2-  عندما يريد المغامر أن “يتوافق” مع أحداث الحياة الضاغطة فهناك علاقة بين سلوك المخاطرة لدى المغامر وزيادة الضغوط، فالمخاطرة لدى الإنسان السوي تـُمثل ضغطاً أما لدى المغامر فهي “الضغوطات” تـُمثل حدث مثير ومشوق يقضي على الإحساس بالضغوط فالمخاطرة هنا تعفي المغامر من المواجهة مع الموضوع الحقيقي للضغوط.

3-  عندما يريد المغامر أن يتوافق مع بعض مشاكله بالهروب منها.

4-  عندما يريد تفريغ شحنة عدوانية على الآخرين.

        بعض السمات العامة للأفراد المنخرطين في سلوك المغامرة:

1-  انخفاض في التحصيل العلمي.

2-  ضعف في المهارات الاجتماعية العامة.

3-  نقص في التدعيم الوالدي الأسري.

4-  انخفاض المقاومة “الداخلية” والاكتئاب والتوتر.

5-  الذين يتصفون بالعدوانية الشديدة.

        إذاً المغامرة هنا تعفي المغامر من المواجهة مع الموضوع الحقيقي للضغوط حيث يخاطر المغامر من أجل التغيير والتطلع إلى الأشياء غير المألوفة والخبرات والإحساسات المعقدة التي تتيح التفوق والسيطرة.

        إذاً ما يتحكم في سلوك المغامر هو:

1-  الإثارة

2-  السلوك الاندفاعي

3-  عدم الكف السلوكي تكرار هذا النشاط باستمرار

4-  الخبرة الانفعالية التي يمر بها بعد المغامرة حيث يتخلص من الشعور بالملل ويشعر بالإنجاز أياً كانت النتيجة مكسباً أو خسارة.

        تمر هذه العملية ضمن إطار عمليتين:

1-  عدم التأكيد

2-  التأكيد

أي بالنسبة للنتائج بين هاتين العمليتين يظهر عامل التشويق والإثارة والرغبة الملحة في الانتقال من حالة “عدم التأكيد” مثال هل ستؤدي عملية حرق الإطارات وسكب الزيت وقذف المولوتوف والكتابة على الجدران بنتائج هنا تأتي “حالة التأكيد” عندما تـُنشر هذه الأفعال في العالم الافتراضي أو في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المكتوبة أو ما يتداول منها على ألسنة الناس.

        هنا المغامر يتم الانتقال من “الشك” إلى “اليقين” وهو ما يجعل الإثارة نوعاً من اللذة وليست باعثة للألم.

        هنا يتم الربط بين سلوك المغامرة وحالة عدم التأكيد وحالة التأكيد، أن كليهما يحدث عندما يتعرض الفرد لأنشطة معينة تتصف بالفرصة والحظ والعشوائية ويعتقد المغامر أن بإمكانه التغلب على الحظ وتطويع المصادفة لمصلحته والتحكم في نتائج الأشياء من خلال التدريب واكتساب المهارات الخاصة “باللعبة = الحرق” وهذا ما يعرف بوهم القدرة على التحكم أو ما يُعرف بوهم القدرة المطلقة التي تزداد كلما زادت احتمالات الفوز.

        ترى نظرية الفرصة: أن الأفراد يغامرون عندما تكون “للعبة = الحرق” جاذبية وذات تشويق وإثارة بجانب أنه يمكن أن تكون لديهم فرصة في الفوز وهنا يكون الهدف هو “اللعبة = الحرق” في حد ذاتها الإثارة والتشويق الناتجة عنها.

        يظهر هنا نوعان من التدعيم:

1-  التدعيم الإيجابي ويظهر في حالة الفوز.

2-  التدعيم السلبي ويظهر في حالة الخسارة.

        من الناحية النفسية نسأل إذا كانت الإثارة هي الدافع الأساسي للمغامرة فلماذا تكون هذه الإثارة خبرة باعثة على اللذة لا الألم؟

        هنا يسمى المغامر من الناحية النفسية “المغامرة المازوخي” فما نراه مؤلماً يكون عنده باعثاً على اللذة، فالألم بالنسبة إليه يعمل بمنزلة تكفير عن الشعور بالذنب.

        أن ما يدعم سلوك المغامرة هو الخبرة الانفعالية التي يمر بها بعد المغامرة حيث يتخلص من الشعور بالملل ويشعر بالإنجاز أياً كانت النتيجة مكسباً أو خسارة.

        فطبقاً لنظرية “التوقع – القيمة”

        نجد أن المغامر يخاطر طبقاً ” لما يتوقعه” من نتائج وثقته في النجاح وفي ضوء الفوائد والأضرار المتوقعة من المغامرة يرى المغامر أن أضرار المغامرة أقل بكثير من فوائدها وربما لا يرى لها أي ضرر إذ أن ارتفاع قيمة العائد من المغامرة سواء كان عائداً مادياً أم معنوياً، هذا يجعل المغامر أكثر مخاطرة ومجازفة بنفسه وبأسرته وبحياته المهنية وربما بكل شيء.

        بالنسبة لعملية “القيمة” فإنها ترتبط بدوافع المغامر والقوى الاجتماعية الثقافية التي تؤثر فيه “كالتيار أو الفئة الشعبوية المغامرة” والتي قد تجعله ينظر إلى المغامرة بوصفها المصدر الوحيد والطريقة التي يحل بها كل مشاكله المادية والمعنوية.

        وهنا نتطرق إلى الجانب العكسي لفشل محاولات المغامر

1-  إن فشل “توقعات” المغامر يزيد من جاذبية “الهدف” الذي من أجله يمارس الفرد المغامرة “هنا عملية الحرق”

2-  يخاطر المغامر بإفراط للتغلب على مشاعر الإحباط المصاحبة للفشل فإذا لم تحقق المخاطرة أهداف المغامرة فإنه يبدأ في إعادة تقييم أهدافة فيتجه إلى هدف جديد وهكذا دواليك، المهم أن يكون في حالة من التواصل الدائم مع المغامرة فلا ينقطع عنها ولا تنقطع هي عنه.

        ماذا عن “الزعيم المغامر”

هو يستمتع بالمخاطرة والمغامرة بأتباعه فهو يهتم بالنتائج التي تبعث في نفسه الشعور بالإثارة والتشويق والشهرة وكلما كانت المثيرات في المغامرة أكثر تنوعاً وتعقيداً كانت أكثر متعة “للزعيم المغامر” ولا تهمه النتيجة، المهم هو الحصول على قدر من الإثارة.

        هنا نصل إلى عدة استنتاجات:

1-  أن المغامر يخاطر من أجل التهور والمخاطرة والمغامرة والبحث عن “الإثارة” حيث لا يكون معنياً بتحمل أي “مسئولية” عن مغامرته لأن سلوك المغامر هو سلوك يخاطر فيه المغامر بنفسه عن طريق “المغامرة” على الرغم من “معرفته” بآثارها الضارة وهذا يفسر لنا طبيعته حيث كثير من المغامرين “يبررون” السلوك “شكل التعبير” للمغامرة لديهم بالرغبة في “الجهاد والشهادة” ولكن الرغبة “الحقيقية” لهم هي الرغبة في “الإثارة والتشويق” وتحقيق انتصار موهوم وبأن المجتمع صار يتحدث عنهم وباتـُوا هم في مركز اهتمامه فيمنحهم هذا الشعور بالزهو الكاذب.

2-  إن الإثارة وحب المغامرة هما من أبعاد وسلوك المخاطرة وليست “الواجبات والمهام” التي تتطلب المهارة والوعي والتراكم كالتغيير السياسي – الاقتصادي الاجتماعي- الحقوقي- الثقافي والفكري، لأن المغامر يستمد شعوره “بالإثارة” من خلال “المصادفة” والحظ وأحياناً “بالتخطيط اللحظي المؤقت” كتكتيك ذلك لأن الأفعال “الفعل السياسي” يتطلب المهارة وتنخفض فيها درجة “الإثارة” فنتائجها معروفة حاضراً ومستقبلاً.

3-  إن سياسية التوافق من الناحية “النفسية” لسلوك المغامر هو جلب ” للمثير واشتهاء للذة والإثارة والألم” فلا يكون التوافق النفسي بذلك هو “الرضا” بالواقع ومحاولة وعيه بالتالي تغييره بل “التمرد” الفوضوي عليه فتصبح “المغامرة” بذلك مطلباً لا مهرباً وهذا ما يعرف “بلذة الاستثارة واشتهاء المثير” وهنا المبارزة في الشارع “بالتكسير وحرق الإطارات وقذف المولوتوف …إلخ في المواجهات مع قوى الأمن.

        خلاصة عامة من المحورين السياسي + سيكولوجية المغامر نتائج المغامرة السياسية وانعكاساتها المدمرة على الواقع السياسي البحريني.

1-  تفتيت قوى اليسار بشكل أعمق والقوى الديمقراطية بشكل عام كنتيجة لأحداث 14 فبراير.

2-  تعميق الشرخ الطائفي على حساب الوحدة الوطنية وأهدافها الوطنية الكبرى.

3-  فقدان الشعب الثقة بقواه ومكوناته وقدراته وأهمية العمل المشترك.

4-  انتعاش الاتجاهات الأكثر تطرفاً في الإسلام السياسي واهتمام الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية تحسباً من الأخطار الخارجية والتوترات الداخلية.

5-  ضعف الجبهة الداخلية المرتكزة على وحدة الشعب وليس المؤسسات الرسمية وحدها.

6-  تراجع العملية الديمقراطية ومنسوب الحريات ووقوع الجماهير الشعبية في فخاخ المؤسسات الإعلامية بكل ألوانها وأشكالها كجبهة حرب جديدة لم تتوقف وما زالت مستمرة.

المراجع التي استندت عليها الورقة:

1-  مركز دراسات الوحدة العربية “الديمقراطية والتحركات الراهنة للشارع العربي”

2-  روح المغامرة الثورية “مجموعة مقالات للينين”

3-  سيكولوجية المقامر ” للدكتور أكرم زيدان – سلسلة عالم المعرفة بالكويت”