(لا تخسر احداً في نقاش سياسي اللعبة القذرة)
في منطق السياسة: هذه الجملة السياسة لعبة قذرة، تدخلنا في المسألة المهمة التي تواجه اليسار – في البحرين والتي تواجه النقاش الراهن بمعني السياسة وبطبيعة الفهم السياسي الذي ينتشر بين المثقفين والفاعلين السياسيين حيث يتم اخضاع كل شيء لمسألة السياسة في الوقت الراهن، التي تفضي الي حصر (الرؤية)، في هدف سياسي وحيد، واعتبار ان اي ميل لطرح اهداف اخري يقود الي التشويش وتفكيك المفكك من مثل وحدة اليسار ووحدة الجمعية اليسارية وتجريب المجرب وتكرار المكرر في اللحظة الراهنة بعد تداعيات كارثة الدوار. وهو ما يسمي ب مسألة سطوة اللحظة الراهنة عند تيار من اليسار، التي تفضي الي حصر الرؤية، في هدف سياسي وحيد، واعتبار ان اي ميل لطرح اهداف اخري يقود الي التشوش وتفكيك ما تبقي من اليسار في جمعية سياسية موجودة على ارض الواقع الذي يجري التصور على انه ممكن وضروري وملح في اللحظة الراهنة، وبالتالي تتقزم السياسة، الي ان تكون مجرد تكتيك (لحظي)، وتضيع تمايزات التيارات السياسية والتي تبلورت بعد كارثة الدوار واختلافاتها (تناقضاتها). والمطلوب هو تشكل (خطاب موحد)، يتناول قضية واحدة (وحدة الجمعية السياسية) وبالتالي السير نحو هدف واحد جر اليسار البحريني اليه في قضية التحالف والتنسيق والتعاون بين اليسار والاسلام السياسي ويصبح محور الاستبداد / الديمقراطية هو الطاغي والذي احتل (العقل اليساري) وتم صياغة البرامج السياسية انطلاقاً منه. هنا تم ادخال الفكر؛ لكي يعطي التبرير النظري له. ولتصبح كل القوي ذات (لون واحد)، وبالتالي ضاعت المسافة بين الرؤية التي يتبناها اليسار التي تعني تصوراً للواقع، في مجمل مستوياته، والاهداف العامة التي يسعي اليسار لتحقيقها وبين الهدف الاساسي كمثال (في لحظة كارثة الدوار). وما بعد هذه الكارثة، لمصلحة الغاء الرؤية وتضخيم الهدف التحالف او وحدة الجمعية السياسية التي تفككت وطلب العودة الي الحضن التاريخي جبهة التحرير الوطني – في البحرين وامتدادها (المنبر التقدمي)، وهذا اتضح انه اشبه بالوهم منه الي الواقع، حيث قاد هذا الواقع – الي العجز عن تحشيد القوي عكس ما كان يعتقد اصحاب هذا المنطق ؛ لأن تأسيس او اعادة الوحدة يستند الي الرؤية ومجمل الاهداف (اي ماهي الاهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما هي الصيغة التنظيمية الخ)، صحيح انه عادة يفرض هدف كهدف مركزي (اعادة الوحدة) له الاولوية في هذه اللحظة وهذا ما يسمي: التكتيك. اما كما حدث لليسار – في البحرين هو الانطلاق من (التكتيك) والمراوغة والمناورة (واحنا كلنا ربع) فقط وكأن عودة من استقالوا او من عزفوا وابتعدوا عن هذه الجمعية هو الحل لكل مشاكل ووجود هذه الجمعية، اما على مستوي التحالفات مع القوي الآخرى فهو يحصرها في القوي المتضررة من الممارسة (وهنا الاستبداد او الظلم) التي تحس بها هذه الجمعيات، ولا تحس بها كل الفئات الاجتماعية بالضرورة. وبالتالي يكون المستوي السياسي – هنا هو مجال الفاعلية (من مثل البينات التي تطرح حول موقف معين بتوقيع الجمعيات التي لم تحل ومنها الاسلام السياسي السني؟ وكذلك الندوات الداخلية – هنا هو مجال الفاعلية، وتخرج كل الفئات الاجتماعية من مجالها، رغم ان هذا المستوي السياسي يؤثر في وجودها، لكنها مع كل اخفاقاتها تعد بعد ذلك ان السياسة (رجس من عمل الشيطان)، لهذا تميل ويميل اعضائها الي البلادة الفكرية والي التكيف في (الإطار الاجتماعي)، الذي يعني عيش (الحياة العادية)، انت وهو لن تغيرا شيئاً، والقرار بيد اخرين إذا ما اتفقوا لن يهتموا لرايك او رايه)، بمعني الانعزال عن هموم السياسة ومشاكلها. لكنها هنا تدافع عن مصالحها الخاصة. لهذا سيبدو التركيز على المستوي السياسي كانعزال عما هو مجتمعي والتقوقع في إطار الجمعية السياسية وفي إطار عدد محدد ممن يعملون بالسياسة، ولهذا تبقي الفاعلية والجدوى، من هذه الجمعية محدودة ومنحصرة، وايضاً بعيدة عن مشكلات الفئات والطبقات الشعبية المتذمرة والتي تعاني من التردي الحاد في وضعها المعيشي. وهو الذي لا يقود الي تجاوز كما ترى هذه الجمعيات الاستبداد نحو الديمقراطية.
ان نقد اولوية السياسة وهوسها عند اليسار انطلق من واقع سياسي يقول ان من استقالوا وعزفوا وابتعدوا عن الجمعيات اليسارية هم اسسوا الي (تناحر الاطراف السياسية) الذي بلغ اوجه في كارثة الدوار. وهو الذي (اسس لأزمة الثقة الوطنية)، الامر الذي جعلهم ينطلقون من ضرورة تجاوز (ازمة الثقة)، والوصول الي الثقة الوطنية بين اليسار الرائج والذين استقالوا او ابتعدوا او عزفوا عن الجمعيات اليسارية. وتم مد هذا التصور ليشمل الثقة بالإسلام السياسي بشقيه، وان ذلك هو الذي يمنع النظام من الافادة من تناقضات الاطراف التي تشكل كما يدعون الطيف الديمقراطي. وهذ كان واضح في جمعية وعد وعند الاغلبية في المنبر التقدمي وليس الاقلية التي دخلت في خلاف معهم. هذا المنطق لدي هذا اليسار يحول الصراع الي محض ممارسة (تقنية) وخصوصاً بعد حل جمعية الوفاق الاسلامية وجمعية وعد، وغيرها من جمعيات اسلام سياسي حيث يصبح السؤال هو: كيف نعالج مثلاً مشكلة وجود جمعية سياسية محظورة وتم حلها وهو ما يطرحه اليسار الرائج او الذي لم يتم حله وما بات يسمي عندهم بالعزل السياسي؟ وكيف يتم تأسيس (الثقة) بين الاطراف المختلفة والمتخالفة والمتفاصلة والتي يسمونها بانها تطرح التناحر بين اليسار وليس التنافس من داخل الجمعية السياسية (كما سميت في الورقة التي كتبها المسئول الاعلامي في جمعية المنبر التقدمي (من داخل الحزب يتم النقد وليس من خارجه)؟ وكيف نبحث عن حلول تفاوضية؛ حيث الحوار والتفاوض كما يدعون هما (منطق السياسة الحديثة)، وفي هذا الحوار سوف يتم حل كما يسمونه (التباينات بين الرفاق) وليس (الخلاف)، وبالتالي خلق مناخات الثقة والألفة والعلاقات الرفاقية الحميمة. مما يشجع على تشكيل تكتلات سياسية وفكرية معتدلة، وبالتالي الدخول في حلول تفاوضية. (اعرف ان حتى هذا الكلام مجرد ذر الرماد في العيون لأنهم ينطلقون من الصراع على توزيع المناصب كما يتم بعد انتهاء اي مؤتمر يعقد ويقوم الامين العام الذي يفوز بالتزكية بتوزيع المناصب في المكتب السياسي كيفما شاء واراد وكأنه المرشد في دولة الولي الفقيه او زعيم القبيلة) وبدون اي انتخابات ديمقراطية داخل المكتب السياسي. وحيث تصاغ المسألة على شكل اما (فتح الباب لسياسة الاقصاء والاستئصال)، او التفاوض وبناء (الثقة)، عبر التسويات كما ذكرناها والحلول الوسط؟ بمعني ان ليس للصراع بين هذه التيارات التي تبلورت بعد كارثة الدوار الا شكل واحد، هو الاقصاء والاستئصال، وبالتالي فإن تجاوز ذلك يفرض – حتماً – التسويات والحلول الوسط عبر التفاوض كما حدث مع من لم يستقيل من جمعية المنبر التقدمي بل من ابتعد من اعضاء اللجنة المركزية لتقاسم الحصص في المكتب السياسي واللجنة المركزية. ولكن التفاوض مع من استقال من الجمعية سيكون على ماذا؟ وهل – بالضرورة – يجب ان نصل الي حلول وسط؟ مثلاً ما هو الوسط بين اليسار الذي تحالف مع الاسلام السياسي بين فصل الدين عن الدولة، وتأكيد ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيس، او حتى مصدر من مصادر التشريع؟ ان نلغي فصل الدين عن الدولة يفرض – حتماً – عد الشريعة مصدر رئيسياً، وكيف نوفق او نتوافق بين قانون الاحوال الشخصية مدني للبحرينيين، وبين تطبيق الشريعة، في هذا المجال؟ وهنا فيما يخص ما يسمي العزل السياسي او اقصاء وحضر جمعيات بعينها، فهناك فرق بين تأكيد حق التواجد لجمعية معينة، ومسألة التفاوض والحوار معها وكذلك مع الذين استقالوا وابتعدوا وعزفوا عن الجمعية، وهذا لا يفترض (الثقة)، بل يفترض تكريس اليات ديمقراطية من دون محاصصات على مناصب، فالديمقراطية هي اليات تنظيم العلاقة بين مختلفين ومتناقضين كذلك. وهذا ما يجعل مطلب الديمقراطية في هذه الجمعية يحظى بالأهمية والاولوية. لكن تحقيق الديمقراطية وحتى مثلاً مع الاسلام السياسي يفترض ليس (الثقة) الوطنية، بل الصراع الاجتماعي والنظر في التردي الحاد في الوضع المعيشي الطبقات الشعبية الامر الذي ينقل رؤية الواقع البحريني من (المستوي السياسي او الحقل السياسي) وهو الذي يتعلق بالقوي المتناحرة والمتطاحنة، في الجمعية الي مستوي مجتمعي، يتعلق بأزمة الاقتصاد ورؤي حلها، والفقر، والبطالة والتردي الحاد في الحالة المعيشية والتطوير الاقتصادي والتعليم والصحة ….الخ ؛ حيث لن تتحقق الديمقراطية في داخل الجمعية الا في هذا السياق ؛ وليس بتوزيع حصص ؛ اي عبر نهوض الحركة المجتمعية وبالتالي خارج (منطق السياسية الحديثة)التي صدعنا بها المنبر التقدمي عبر وضع كما يقول خارطة طريق للتفاوض.
في الوقت الراهن، اليسار وخصواً الجمعية التي لم تحل تقع في اشكالية منهجية، تتمثل في الاولوية التي تحظي بنشاط هذه الجمعية: هل هي كما تدعي وادعت من قبل ازالة الاستبداد (والمشروع الاصلاحي الفاسد كما كانت تردد جمعية وعد) وانتصار الديمقراطية؟ ام هي بناء الرؤية وتأسيس حركة مجتمعية فاعلة؟ في الشق الاول من السؤال بدي ان هذه الجمعية وكل جمعيات اليسار غير قادرون على الفعل، حيث ان وضع المسألة في هذا الإطار يشير الي فعل عملي اي المقدرة على حشد قوي، من اجل حسم الصراع في هذه اللحظة لمصلحة التحويل، من الاستبداد كما يدعون، الي الديمقراطية. وهنا كان الفشل الذي شاهدناه ايام كارثة الدوار. بينما يشير الشق الثاني الي ضرورة بلورة الرؤية، والسعي لتأسيس القوي بعد فشل مشروع دوار الكارثة، عبر التفاعل مع الحركة المجتمعية، لكن؛ دون تجاهل الشق الاول، وبالتالي تجاهل ان الديمقراطية هي هدف مركزي في اي وقت. وهنا ايضاً شاهدنا فشل هذا اليسار في بلورة رؤية سواء في اثناء كارثة الدوار او حتى بعده ولم يقم بأي مراجعة نقدية، الا بعد ان قدمت الاقلية اليسارية داخل الجمعية ورقة تحت مسمي (رؤية نقدية حول احداث 14 فبراير وموقف المنبر الديمقراطي التقدمي منها) وكانت مقدمة هذه الورقة هي (دعوة): دعوة كل الرفاق في جمعية المنبر التقدمي والمستقلين من جمعية المنبر التقدمي للقيام بالقراءة المتأنية والفاحصة لكل ما سوف يرد في هذه الرؤية النقدية لجمعية المنبر الديمقراطي وابداء الملاحظات والانتقاد بحرية تامة لإغناء هذه الرؤية بأفكارهم وتجاربهم التي ستضيف حتماً الكثير لهذه الرؤية سواء بالموقف الايجابي او السلبي منها انطلاقاً من حرص الكل على الارتقاء بأداء المنبر)، للأسف لم تعطي ما كانت تسمي بالقيادة السياسية في تلك الجمعية اي اهمية لتلك الرؤية. وقدمت هي بعد ان طلب منها في اجتماع مصغر للمكتب السياسي بوجود الاقلية ان تطرح هي رؤية ايضاً لما جري من احداث اثرت بشكل جذري على الجمعية لتقدم لنا هذه القيادة السياسية ما سمي بوثيقة احداث 14 فبراير بررت لكل الاخطاء والممارسات والتكتيك الذي مورس في تلك الفترة (عندما تندفع عجلة التاريخ الي الهاوية) عنوان لمقالات كتبها الباحث والكاتب بدر عبد الملك في جريدة الايام. تلا هذه الوثيقة ورقة طلب من المسئول الاعلامي بكتابة رد على الرؤية الي قدمتها الاقلية في الجمعية وكانت تحت عنوان (من داخل الحزب يتم النقد وليس من خارجه) ولا يوجد فيها شيءٍ او محتوي غير الدفاع عن القيادات التي اهلكت الجمعية اليسارية. ذلك ان الذي يفصل بين الشقين الذي ذكرناهما اولاً: هو ان تفاقم الصراع في احداث الكارثة الداخلي لم يصل الي لحظة (الحسم) كما كان يشتهي ويرغب هذا اليسار تحت قيادة الاسلام السياسي الشيعي، وفق الوضع الداخلي ذاته وطبيعة الحراك السياسي (الطائفي) وليس الحراك المجتمعي القائم على الوحدة الوطنية. حيث شهدنا الشرخ الطائفي بين الدوار والفاتح، ليفترض التركيز على هدف (اسقاط النظام). عبر التحالف مع الاسلام السياسي من اجل تحقيقه.
مع تركيز هذا اليسار على (السياسة) والتكتيك اللحظي. والاحداث اللحظية وابتعاده عن الحراك الاجتماعي حيث هنا تكمن المهة التي فوتها اليسار من اجل ان يصبح جزء من حشد عام وليس تحت سلطة تحالف سياسي يقوده الاسلام السياسي، ذلك ان هذا الحشد العام (العفوي) يحتاج لتحقيق اتساقه وتنظيمه وان لا يتم استخدامه في مواجهة من اجل تحقيق (تغيير نوعي او كما كان يردده اليسار تغيير جذري)، لا تتوافر القوي لتحقيقه. هذا الامر الذي يحتاج الي جهود كبيرة، من اجل اعادة بناء القوي اليسارية والمجتمعية والنقابية والمهنية والاتحادات العمالية والمنظمات النسائية والشبابية الخ، بعد هذا التدمير الهائل الذي تعرض له اليسار وتعرضت له كل مؤسسات المجتمع المدني التي ذكرناها وتعرض له الحراك المجتمعي، بفعل الصراع والاستبداد سواء في داخل هذه الجمعيات او خارجه (لأسباب تتعلق بالبنية التنظيمية لهذا اليسار ورهاناته وطريقة عمله)، وهذا يتعلق ما تم الاشارة له في ورقة (هل من عودة لليسار – في البحرين). حيث ركز اليسار وجمعياته كلها على الديمقراطية اولاً وأخيراً، وان اولوية الديمقراطية تجعلنا نتجنب التشويش عبر طرح مسائل اخري من مثل تشكيل ائتلاف وطني لليسار على قاعدة الديمقراطية بعيداً عن الاسلام السياسي والتنسيق والتعاون والتحالف معه، وان النقاش كما تم طرحه من قبل جمعية وعد حول مثل هذا الائتلاف الوطني لليسار هو (خارج النص) ؛ لأن الاولوية هي للديمقراطية، وبالتالي يجب التركيز على الديمقراطية، والتي تم ادخال الاسلام السياسي في هذه الجنة، وبالتالي يجب تركيز الجهود، من اجل تحقيقها قبل كل هذه (الثرثرة من قبل الاقلية في جمعية المنبر التقدمي)، وان هذا اليسار لا يملك ترف النقاش في اللحظات الحرجة، وترف الاختيار بين الائتلاف الوطني على قاعدة الديمقراطية لليسار والتحالف مع الاسلام السياسي. كل ذلك يشير الي إن المسألة بدت، وكأننا في لحظة حسم الصراع، وليس في لحظة استنهاض قوي اليسار، من اجل الصراع وخصوصاً بعد ما حاق به من تدمير، وهي قراءة خاطئة للواقع، تتنافي مع تقييم هذا اليسار (لوضع الحركة السياسية المعارضة)، ولوضع السلطة كذلك، وفيه تغييب لوضع الطبقات الاجتماعية، وليبدو إن المسألة تتعلق ب (ردة فعل) على ما هو قائم، وليست نتاج تحليل شامل للواقع وتحديد ممكناته والسيناريوهات المحتملة لهذا الواقع. بمعني ان هناك في السياسة والتكتيك (تمييز) بين ان يكون الوضع يحتمل التغيير، ولهذا يمكن تأسيس (تحالفات) على نقطة واحدة فقط، ومع قوي متنوعة، وبين ان يكون (المطلوب) هو تأسيس قوي او ائتلاف وطني على قاعدة الديمقراطية يخص اليسار قادر على لعب دور في مدي زمني معين، الامر الذي يفرض تأسيس (رؤية) وائتلاف وطني على قاعدة الديمقراطية لليسار (وهي غائبة لدي الحركة السياسية)، في اطار الفعل الواقعي ؛ اي ان هناك كما يري غرامشي عدم تمييز بين اللحظة التي تفرض الحركة والوضع الذي يستلزم توضيح (الرؤية) وتنظيم نشاط الفئات والطبقات الاجتماعية الشعبية المتململة، والمتذمرة، او المتمردة، وبالتالي تشكيل قوي مجتمعية فاعلة. بمعني ان معني (اللحظة) سيكون مجال نقاش هنا، وبالتالي مجال خلاف كذلك؛ لأن المتداول لدي اليسار البحريني هو التركيز على (الحركة) دون (الرؤية)، وعلى (التحالف) دون تصور، (والغرق في اللحظة)، وهذا مرض (اليسار الطفولي) في إطار حركة اليسار، بفعل الطابع الستاليني الذي حكمها، والذي جعلها تخضع الرؤية والفكر لما هو تكتيكي، وتخضع الرؤية، للحركة، وهو مرض لا يزال مستشرياً، في إطار الحركة السياسية، وهو الذي يحكم الردود في الغالب الاعم. وهو (المرض) الذي يقوم على الاستنفار الدائم، وكان التغيير سيحدث غداً، لهذا يكون الحوار والتفكير والبحث هو خارج الموضوع؛ لأنه ترف، في إطار الصراع الواقعي، ومشوش على نشاط عملي يومي (بل لحظي)، الامر الذي يخضع الحركة للعماء والبلادة الفكرية، ويدفعها للتخبط المستمر، ويلحقها (بما هي حركة عشوائية) بالقوي سواء الاسلام السياسي او النظام وهي القوي التي تعي مصالحها، ولها رؤيتها، كما حدث في كل تاريخ الحركة اليسارية وبالذات في العشر سنوات الاخيرة بتحالفها مع الاسلام السياسي،
ان العلاقة بين مفهوم الحركة / الرؤية هي مسألة هامة لم يعيها اليسار وهي من المفاهيم التي ركز عليها غرامشي في الصراع بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي (السلطة)، حيث ربط اليسار نشاطه السياسي ب (الحركة)، او لنقل ان الاسلام السياسي جره جراً الي تكتيك اللحظة (الحركة) (حرب المواجهة) اي النزول الي الشارع عبر المسيرات والتظاهرات والاعتصامات والاضرابات والنزوع والميل الي العنف في الشارع بينما استطاع الاسلام السياسي بضفتيه السني والشيعي ان يكسب (الحركة) في (حرب المواقع) اي هيمنته على النقابات والاتحادات العمالية والطلابية والجمعيات المهنية والشبابية والنسوية الخ. ذلك لان اليسار فصل منذ بداية التحول في المشروع الاصلاحي بين الحركة والرؤية، هذه المسألة باتت جوهرية، وتفرض ان تتبلور الرؤية لليسار، وتتحدد المصالح وتصاغ الاهداف، وهو (جهد نظري) لم يتم اعطائه الاهمية بالرغم من وجود (لجنة اعداد الكادر) التي لم يتم تفعيلها الا فترة قصيرة بينما تم التركيز على اللجنة السياسية (الولع بالسياسة وهوس السياسة) لتلعب كل الدور الاساسي في الجمعية. وهذا الجهد النظري المفوت في الجمعية اليسارية كان يجب تحقيقه في اللحظة التي يجري فيها النشاط السياسي، وعبر جملة (التحليل الملموس للواقع المحسوس) والذي يستمد منه اليسار ايحاءً مزدوجاً للمفهوم النظري (المتدرج ضمن جدلية الملموس)، وبتالي لطريقة تحليل الواقع والمرحلة. وهو يشكل – مثلما أبرز ذلك غرامشي (في المنهجية التاريخية) نقطة الانصهار بين النظرة الي العالم وتحقيقها الفعلي على ارض الواقع. وبدون هذا التحليل للعلاقة بين الرؤية، والحركة للظرفية السياسية، تصبح الرؤية والنظرية (بلا روح) وبدون المراقب الفكري الناقد، تسقط الممارسة – تحت قيادة الشلل في الجمعية اليسارية – في الانتهازية وهذا ما حدث في هذه الجمعية. وبالتالي فأن كل من يؤسس لتناقض بين النشاطين (النظري والعملي) هو (المتوتر في الجمعية) فقط، الذي يميل الي (الحركة) التي ستكون عشوائية بالتالي، والذي يخلط بين ان الوضع يجب ان يتغير، وان هناك امكانيات واقعية لتغييره، وبين الامل بتغييره، وان هناك امكانية فعلية لتغييره، هذا الخلط هو الذي ينتج (التوتر) والتشوش والاضطراب ويقود الي ممارسة وسياسة خاطئة انفعالية وعفوية. كما شهدنا ذلك في اليوم المشئوم عندما وافق هؤلاء (المتوترون) في اللجنة المركزية لجمعية المنبر التقدمي)، بقرار المشاركة في دوار الكارثة.
ان هوس السياسة والولع السياسي عند اليسار في البحرين هو الذي قاد هذا اليسار لعدم التقاط اللحظة او (الفرصة التاريخية) رأينا كيف ما يسمي بالرموز السياسية عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع ويتبعهم بقية ما يسمي رموز الوفاق. بأنهم اعترفوا ا بعدم اخذهم (للخيار الصحيح) وهي مبادرة سمو ولي العهد التي طرحت في تلك الاحداث والتي لم يلتقطها اليسار بل طالب كما طالبت بها جمعيات الاسلام السياسي الشيعي بوضع العقبات والشروط والتعهدات اي بمعني رفضها. وكانت فرصة كما كانت تراه الاقلية السياسية في المنبر التقدمي والذي تم قمعها وتحيدها، لأن القيادة السياسية كانت تري ان موقفها لا ينفصل عن موقف الاسلام السياسي الشيعي لأنها فوضته بالتحدث باسمها مع بيت الحكم. اذن من الضروري ان نحدد معني (اللحظة الراهنة في تلك الفترة والان) ومعني (الفرصة التاريخية في تلك الفترة والان)، وهل تفرض (خطوة عملية) التي هي أفضل من درزينة من البرامج والنظريات؟ ام تفرض خطوة عملية تؤسس بناء الحركة السياسية سواء كان في تلك الفترة من الاحداث او الان؟ اي هل ان التناقضات كانت في تلك الفترة نضجت الي الحد الذي يفرض الحسم (طبعاً بخلاف المشروع الظلامي القرو- وسطي الاسلام السياسي حينها)؟ ام كان من الضروري تصعيد التناقضات عبر بلورة الرؤية وتطوير نشاط الطبقات الاجتماعية وليس الطوائف؟ وكما حدث في السابق يحدث اليوم وهو ان الخلاف – هنا – يتمظهر حول (الخطوة العملية)؛ حيث ان (التوتر) وهوس السياسة والولع بالسياسة، يقود الي خلط اللحظات، والتسرع نحو (العمل – الحركة) دون امكانيات واقعية، وفي الوقت نفسه الهروب من السعي لبناء الامكانيات الواقعية. بمعني ان كما كان يدعي هذا اليسار ان هناك تسارع الاحداث والسياسات وان ضغط الواقع الاستبدادي كما كان يري ذلك اليسار لم يعطي نفس لليسار كي يعيد حساباته وهذا الواقع يفرض الرفض دون تأسيس الاليات التي تسمح بتغيير الواقع الاستبدادي؛ ليتأسس الرفض على ردة الفعل، وليس على الوعي؛ اي على الحسي، وليس على الوعي. هذا الوضع هو الذي يؤسس للتعامل مع الواقع، وكأننا (عشية الثورة ثورة 14 فبراير المتوهمة) او عشية (التغيير)، وبالتالي اوجد حالة لدي اليسار – في البحرين (التوتر) المستمرة ؛ لأن التغيير سيحدث غداً وحيث يجب التركيز على هذه النقطة، وتجميع كل القوي من اجلها، الامر الذي (يجعل السياسة وهوس السياسة والولع بها هي الاساس)، وهو مازال يحدث حتى الان وبالتالي يلغي التأسيس النظري، وتحديد الرؤية الشاملة المعبرة عن اتجاه يساري سياسي، او عن مصالح طبقية اجتماعية وليس طوائف حيث سيبقي المتحكم (بالرؤية) هو هذه (اللحظة / الحركة)، المستمرة، ويتحدد (الموقف السياسي) فيها دون لمس اية مسائل اخري، وهكذا لا يستطيع اليسار من تأسيس وانتاج تراث نظري سياسي، وبالتالي تغيب الرؤية العامة لليسار، وبالتالي تبقي في اطار (الحركة الذاتية داخل الجمعية او حتى خارجها)، دون تأسيس الرؤية والاهداف التي هي وحدها تؤسس حركة اجتماعية فاعلة تحول الجمعية اليسارية الي قوة تغيير فعلي.
نتيجة للفهم السطحي لدي اليسار وولعه بالسياسة والهوس بها، فهو الي الان يذهب في اتجاه ان الحركة هي كل شيء ويلاحق اي حدث سياسي، بينما الهدف النهائي هو لا شيء، اي باتت تناقضات الحدث او اللحظة منفلتة من التناقض العام، وغير خاضعة له، وبات ما يعرف عند هذا اليسار بالتكتيك (الذي هو الهدف او الحدث اللحظي) كل شيء.(مثلاً كل الصراعات العالمية والاقليمية والمحلية) يبني على اليسار تحليله على لحظة تفجرها من دون اي رابط بين ما قبلها وما بعده ليكون الموف هو ردة فعل فقط لا غير، وهنا تضيع الرؤية والاهداف، وتنتصر الحركة (رد الفعل السياسي) العشوائي الذي يخضع لمتطلبات اللحظة او الحدث فقط. هنا بات معني السياسة والتحليل السياسي في إطار الالتباس او التقزيم الي مستوي (الحدث – اللحظة)، او التكتيك. رغم ان اللحظة – الحدث او التكتيك يجب ان يتأسس على ضوء رؤية والصيرورة وهذه الرؤية هي التعبير عن مصالح طبقة (او طبقات)، وعن تصورها البديل واليات تحقيق ذلك. ليكون الحدث / اللحظة هي خلاصة كل ذلك، وتصب في سياق تصور عام، والتي على ضوئها، يمكن صوغ او تحديد موقف من الاحداث سواء العالمية او الاقليمية او المحلية، ومعرفة مع من سوف يقف او يتحالف هذا اليسار، وليس من قيمه حقيقية ل (اللحظة / الحدث)، او (الهدف الرئيسي من الموقف او التحالف)،دون قوة فعلية لهذا اليسار، تعبر عن الحركة المجتمعية ؛ لأنها تتضمن هدف يجب تحقيقه، ودون قوة، ليس من امكانية لذلك، بمعني انه عندما يحدد اليسار الهدف المركزي وتشديد الهجوم عليه دون وجود قوة فعلية لليسار، لن يفضي سوي الي الفشل كما حدث عندنا في كارثة الدوار ولازال يحدث حتى الان، ولهذا يصبح للهدف الرئيس معني حينما تحدده قوة فعلية لليسار. وبالتالي ما يقوم به اليسار من التركيز (على الديمقراطية) واعتبارها الهدف الاوحد في الوضع الراهن وأنها الحل الوحيد لعودة الجمعيات التي حلت او التي موجودة وتعمل على الساحة السياسية، في الوضع الراهن، لن يبدو الا كمسخرة؛ لأنه يلغي الطابع العام لكل الاتجاهات الفكرية والسياسية والطبقية ويضعها في (سلة واحدة) وهذا يضعف اليسار أكثر، وبالتالي دون ان يحقق هذا اليسار الديمقراطية نتيجة هذه الرؤية وهذا الفعل السياسي. هذا الوضع هو الذي يفرض النقاش مع كل اليسار حول مختلف القضايا، كما يفرض ان يسعي اليسار لتأسيس حركة مجتمعية فاعلة، يمكنها ان تصبح قوة تغيير وهو العمل الذي يتطلب من هذا اليسار تجاوز (التوتر) و (ردود الافعال)، والتفكير العميق بالواقع البحريني.
الآن في ظل الوضع الراهن وبعد تداعيات احداث الكارثة يحتاج اليسار الي وقفة مع الذات والرؤية الواقعية المطابقة للواقع السياسي الذي تعيشه اليوم لكي لا (نجرب المجرب ولا نكرر المكرر)، وما عاد لدي اليسار الحجة القائلة اننا (نعيش في انتفاضة او ثورة)لكي لا يكون لدينا ترف الحوار ؛ بل المطلوب الان اعادة تأسيس الحركة السياسية، والهدف هو تفعيل النشاط المجتمعي بعد ان تم اخماده وطمره في تلك الاحداث، ولهذا يجب ان تطرح كل القضايا للحوار دون التقوقع مرة ثانية في شرنقة (الاستبداد / الديمقراطية) فالكل لا يريد كما هو في الوقت الراهن وكما كان في الفترة السابقة (ديمقراطية شكلية)، باتت تمارس، رغم اهمية الانفراج السياسي الذي اتي به المشروع الاصلاحي والخطوات الايجابية التي تمت في الشهور الاخيرة من اطلاق مساجين الخ. ذلك انه ليس من ديمقراطية حقة دون تحقيق تطور اساسي في الاقتصاد في ظل الوضع المتردي للحالة المعيشية للفئات والطبقات الاجتماعية، وهذا هو اساس اي عمل في الحاضر والمستقبل. هل هذا يعني ان الصراع السياسي ما عاد له (لزمة)؟ لا فأن الصراع السياسي ضمن الحدود القائمة ضروري، ولكن اولاً يجب ان يعي اليسار ان تأسيس (رؤية) للواقع تسمح مرة ثانية بإعادة تأسيس الحركة السياسية وهذا وذاك متكاملان، ولا يجب تجاهل اي منهما ؛ لأن الحاضر والمستقبل يفترض اعادة بناء الرؤية والهوية لليسار، فقد تلاشي عند اليسار البحريني في خطابه وفي تفكيره وفي الخطاب السياسي (كل لتعبيرات الفكرية اليسارية والطبقية سواء لديه او لدي الجمعيات السياسية الآخرى) وبالذات ، فقد هيمن اتجاه الاسلام السياسي الذي اصبح يسيطر كما سماه الامين العام لوعد فواد سيادي (الاسلام السياسي المسيطر) طبعاً ليس نقداً بل مدحاً؟! فبدي هذا الاسلام السياسي في شقيه الشيعي والسني انه يسيطر على مجال التعبير السياسي (والجهادي). ولهذا يكون من الضروري اعادة تأسيس تلك التعبيرات والتي نقلت البعد الطبقي ليتمظهر في شكل طائفي ؛ وهنا كانت الخطورة على اليسار لأن السيطرة على مجال التعبير السياسي التي تمت في البحرين تبعها وكما راينا بالعين المجردة انهيار كل الاتجاهات السياسية القومية والاشتراكية والوطنية العامة للجمعيات اليسارية، و خلق فراغ فكري اسس لعودة (الوعي الديني / الطائفي) في المجال السياسي ليكون هو صوت المعارضة، وهنا نتج الوهم وبدا ان للإسلام السياسي دوراً في مقاومة التسلط وكما كانوا يدعون الاستبداد ومن ثم مقاومة (الامبريالية)، او الاستكبار العالمي او الغرب الصليبي وهو لا زال يمارس هذا الوهم لغاية اليوم في ظل الصراع الاقليمي والدولي في الشرق الاوسط، واصبح ينظر اليه من هذه الزاوية فقط ؛ اي بتجاهل رؤيته الكلية، ومشروعه (التاريخي)، واجابته عن سؤال التقدم والتطور وبالتالي كما نري لغاية الان فأن اليسار البحريني لا زال يقوم ويسعي بعقد (مصالحة معه)، او مع احد اطرافه (سواء المعتدل، او الجهادي كما يسمي)، هنا يلغي اليسار ذاته وتضيع كل التمايزات للتيارات الآخرى، بحجة ان مواجهة الاستبداد والتسلط، او مواجهة الامبريالية تقتضي ذلك، وبالتالي تفرض عدم تقديم التصور المتكامل الذي يعبر عن هذا التيار او ذاك (القومي او الماركسي او الديمقراطي). كما تفرض عدم اللجوء الي نقد هذا التيار الاصولي؛ لأن ذلك في ظل (محور المقاومة والممانعة) الذي تهيمن عليه إيران سوف يوجد تحسسات، تمنع التحالف مع هذا المحور المقاومة والممانعة عبر وهم انه يقاوم الامبريالية والصهيونية، وبالتالي يمنع التضامن والتنسيق مع هذا المحور. هذا على المستوي الاقليمي، اما في الداخل فهو يمنع التنسيق بين القوي في مواجهة الاستبداد او التسلط، الامر الذي يبقي المشروع المجتمعي الوحيد المطروح في المجتمع الوحيد هو المشروع الذي يقدمه الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني، والذي لن يحقق التطور الاقتصادي الاجتماعي، ولا يأتي بالديمقراطية، ونماذجه فاشلة سواء في المركز ايران وتركيا او الدول او الدويلات والمليشيات التي تلعب دور بالوكالة والاذرع، لأن واقعه يقول انه يسعي لتطبيق قوانين، تخص الاقتصاد والمجتمع والاحوال الشخصية والسياسية تبلورت منذ ما يقارب الخمسة عشر قرناً.
هنا نصل الي الاسلام السياسي بشقيه (الشيعي / السني)، والذي ما يزال اليسار في البحرين يتوهم أنه من الممكن ان يصلح من ذاته او ان هذا اليسار ممكن ان يصلحه وهذا نوع من الوهم، هذا اولاً، وثانياً فأن جمعية الوفاق المنحلة او جمعية الاخوان المسلمين (جمعية المنبر الاسلامي) والتي لا تزال موجودة في الواقع السياسي. فهنا تتم الاشارة الي ان اليسار الديمقراطي العقلاني (الاقلية) ليس ضد هذه الجمعيات من الجانب (الشخصي)، وليس ضد الحوار والنقاش معهم، وليس هناك اي ميل عنفي اتجاههم، وهم مثلاً الاخوان المسلمين موجودون على الساحة السياسية، وليس ضد اقصائهم من الحياة السياسية، بل هم اول من يطرح اقصاء اليسار العلماني الديمقراطي وهذا كان نهجهم منذ ان تبلور المشروع الاصلاحي وهناك شواهد كثيرة لهذا الاقصاء بات الكل يعيها، وهذا التيار اليساري العلماني الديمقراطي يدعم حل المشكلة الانسانية التي نتجت بعد كارثة الدوار، في 2011، ولكن هناك مفاصل اساسية في (رؤية)الاسلام السياسي الشيعي والسني، تحتاج الي نقد حقيقي، وليس غض الطرف عنها فهي: اولاً: في تضاد تشكيلها مع مبدأ المواطنة الموجود في الدستور، حيث تقوم على (رؤية) للبشر سابق على عصر الحداثة والتشكيل المدني، يؤسس للتميز الديني والطائفي، وهنا تتم الاشارة الاسلام السياسي الشيعي والسني وبرنامجهم ونظامهم الداخلي ذاته، بغض النظر عن ما يمكن ان يقول اي من اعضائه، او ما يقوله اليسار الذي تحالف معهم. وثانياً: الميل لفرض الشريعة دستوراً دون مواربة، وهذا يعيد تشكيل المجتمع، على ما يسعي اليسار العقلاني الديمقراطي للتخلص منه ؛ اي التمييز بين المواطنين ذلك ان الاسلام السياسي الطائفي لا يقدر ان يوحد المجتمع بل كل دوره هو في تمزيق اللحمة الوطنية والوحدة الوطنية، على اساس ديني وطائفي، ولهذا فهو يقوم على الضد من الميل الحداثي ومن التطور الضروري في عصر الرأسمالية ؛ لأنها هذه الجمعيات الاسلاموية الشيعية والسنية، تستعيد ايديولوجيا ماضوية، وتضعها في مواجهة كل الايديولوجيات الحديثة (القومية والديمقراطية والاشتراكية). وكان دورها في حالة الاخوان المسلمين منذ أنشأ حسن البنا الجماعة يصب في هذا السياق، وكذلك بالنسبة للإسلام السياسي الشيعي والذي تبلورت كوادر الوفاق تحت مظلة حزب الدعوة العراقي وتحت مظلة دولة الملالي دولة الولي الفقيه، الامر الذي يجعل المسألة تتحدد في تناقض (برنامج الحداثة الذي يتبناه اليسار العقلاني والاصولية)، في إطار الصراع والتعارض مع السلطة القائمة. والان نطرح السؤال التالي: هل تستطيع جمعية الوفاق المنحلة او جماعة الاخوانية المسلمين تجاوز هذا التاريخ وتقوم بمراجعة نقدية لبرنامجها السياسي ونظامها الداخلي لكي تتجاوزه؟ اثبتت التجربة بأن هذا وهم ذلك انه يفترض عدم ادعاء تمثيل المسلمين (جمعية المنبر الاسلامي / جمعية الوفاق الاسلامية الخ) وبالتالي تجاوز الاسم، كما يفترض تجاوز الاستناد الي الشريعة، وبالتالي تسيس الدين، وان ظلت موصولة مع الحضارة الاسلامية، بشكل او بأخر. وبالتالي تقبل الديمقراطية ليس كما حدث عندنا في البحرين انها (كحق انتخابي) فقط، والذي اوصلها عبر القائمة الايمانية عند الاسلام السياسي الشيعي وعبر الجماعة الاخوانية عند الاسلام السياسي السني، وغاب هنا (الحق الفردي) وهذا يتعارض مع حق المواطنة، الامر الذي يفرض اقرار حقوق المرأة ايضاً بل ان هذه الجمعيات استغلت صوت المرأة سواء في القائمة الايمانية او الجماعة الاخوانية، حيث ان هذه الامور هي التي لا تقود الي وضع الشوري مقابل الديمقراطية، ولا تسمح بالتمييز بين المواطنيين، ولا تلزم الدولة والسياسة باستخدام الدين. هنا هل نضع شروطاً على اعادة هذه الجمعيات سواء المنحلة جمعية الوفاق او على جماعة الاخوان المسلمين او ما يسميه اليسار البحريني بقانون العزل السياسي؟ بالرغم من جمعية المنبر التقدمي دخلت في مساومة وتعاونت ونسقت وتحالفت مع الاسلام السياسي بشقيه فأن اليسار العقلاني لم يدخل في هذه المساومة لكي يضع شروطاً، هنا نحن نحاول التوصيف للمشكلة من جهة وتقديم تصور حداثي (ولا نقول اشتراكي او ماركسي) لأن الواقع يفترض التطور وبالتالي الحداثة، دون ان نتخلى عن الطرح اليسار العقلاني. وهو حكماً يقوم على الضد من الحركة الاصولية الشيعية والسنية من جهة اخري لكي يمكن تأسيس تيار ديمقراطي علماني يساري، بديلاً عن اليسار الرائج الحالي يقدم بدائله، ويخوض الصراع الاجتماعي على اساسه.
وصلنا في الحلقة الاخيرة الي ان المهمة امام اليسار هو تأسيس تيار ديمقراطي – علماني يساري، وهنا يبدو ان النقاش (حول العلمانية) سوف يفتح على موضوعات متعددة، تتعلق بتاريخ اليسار في البحرين كما تتعلق بالوقت الراهن. الذي ينتشر بين المثقفين والفاعلين السياسيين سواء في داخل الجمعيات المرخصة او خارجها، ويتناول – ربما – (عقل)مرحلة تاريخية و(عقل) المرحلة الراهنة، لكن المسألة المركزية التي نشير اليها في هذه الورقة (السياسة وهوس السياسة عند اليسار – في البحرين)، تتعلق بالفهم السياسي تحديداً، لهذا نلمس ان مفهوم العلمانية وضرورتها في البحرين، اخضع لمسألة (السياسة) التي تقول عند هذا اليسار بألوية الديمقراطية (ووضع الكل في هذه السلة)، وهي الهدف السياسي المباشر (او الراهن) وهو المهيمن والذي ينزع لكي يجب كل المسائل الآخرى، ولم يتم تناول العلمانية ولم تعطي حقها ضمن النقاش والحوار عند هذا اليسار وكلها كانت تتحاشي مناقشة العلمانية سواء في نشراتهم الصحفية او في العالم الافتراضي لأنها حصرت كل النقاش في مسألة واحدة وهي الديمقراطية. وهنا سوف نلمس الخلاف التاريخي حول تقييم الصراع بين تيارين في الواقع السياسي والفكري في البحرين الاول: هو التيار الديمقراطي العلماني، والثاني: هو التيار الاصولي الاسلامي. وقد تصدت جمعية وعد للحوار حول العلمانية وصورتها بأن طرحها ليس مكانه في المرحلة الحالية، ويجب منع التناحر بين هذين التيارين وان يتم الفصل ما بين الديمقراطية والعلمانية لكي يتم تأسيس لحوار ديمقراطي بينهما، ولكن عند جمعية وعد ومعها جمعية المنبر التقدمي والتجمع القومي والوحدوي سوف يلمس عندهم وان بصيغة ابسط ؛ حيث يضعون (مفهوم الهوية) الذي يقوم على اسس اسلامية، في مقابل التيار الديمقراطي العلماني، اي تيار الحداثة وكان يتم التوجيه لكل من يريد ان يحرك هذا الملف بأنه ليس وقته وهو مضر ويخلق الصراع مع الملالي والاخوان المسلمين؟! ولعدم (القطيعة بين تيار الهوية الاسلامية وتيار الحداثة)؛ وبالتالي يدعون الي (تجاوز القطيعة بين تيارات اسلامية وتيارات علمانية) عبر تجديد (الهوية بشكل عام)، واستعادة الأنا التاريخية المبادرة في استيعاب الحداثة وتوطينها. ويبدو مفهوم (الهوية) – هنا – مفهوماً مركزياً، وهو يرتبط – بالتحديد – بالإسلام. وهذا ما اوقع اليسار في البحرين ونقاش هذه القضية بالذات في التباسات، فماذا تعني الهوية؟ وهل الاسلام هوية؟ ومن اي نوع؟ وهذه الاسئلة قد ناقشناها سابقاً في احدي الحلقات، ان (المشكلة التي لم تلمسها الجمعيات اليسارية في البحرين وخصوصاً جمعية وعد ويليها جمعية المنبر التقدمي والجمعيات الآخرى هي ان مفهوم الهوية متغير، واذا كان الاسلام هو هوية ثقافية (وايديولوجية) في مرحلة تاريخية، ويجري التعريف استناداً اليه (رغم ان التعريف القومي كان حاضراً بصيغة ما)، فأن نشوء الفكر الحديث، الذي يشتمل الديمقراطية والعلمانية، قد اسس لانتصار المفهوم القومي، عبر انتصار الدولة – الامة بدل الامبراطورية الاسلامية.)، ولهذا مال مفكرو عصر النهضة العربية الي الربط بين الافكار الديمقراطية العلمانية والقومية (العربية او المصرية حينها). وبالتالي باتت تتبلور هوية جديدة تعرف البشر في هذه المنطقة او تلك، وكانت في إطار مواجهة الهيمنة الرأسمالية (ربما جمال الدين الافغاني هو الوحيد الذي ربط مواجهة الهيمنة الرأسمالية، بالإسلام، اما رجال الدين الاخرون؛ فقد ربطوا ذلك بالإطار القومي). وهذا ما يجعل الاسلام كهوية جزء من الماضي، دون ان يلغي الدين الاسلامي، ودون تجاهل مؤثرات ذلك التاريخ، في الثقافة.
من الناحية السياسية والفكرية لم يري ولم يقرء هذا اليسار حجم الانشقاق الذي شهده النصف الاول من القرن العشرين، والذي كان، انشقاق بين مشروعين (فكريين / سياسيين): مشروع نهضوي عربي، يقوم على اسس الديمقراطية والعلمانية والاقتصاد الحر وبناء الصناعة، وينطلق من الاطار العربي، واخر يهدف الي اعادة بناء الدولة الاسلامية عبر تطبيق الشريعة، وهو التمايز الذي بدأ بين محمد عبده وعبد الرحمان الكواكبي، وتواصل من عبده الي رشيد رضا وحسن البنا (ونشوء الاخوان المسلمين)، الي سيد قطب و (الاسلام الجهادي)، كاتجاه اصولي يعيد الماضي، ويرفض (الغرب )، (ليس الهيمنة الغربية، بل الحضارة الغربية)، ومن الكواكبي الي عبد الحميد الزهراوي (وشهدا النهضة)، الي عبدالرازق (الذي اصل فصل الدين عن الدولة)، وطه حسين وساطع الحصري وقسطنطين زريق، وهو الاتجاه الذي حمل مشروع الحداثة. لقد كان الصراع والتجربة أنداك والذي لم يستفيد هذا اليسار منها من ان هناك صراع حتمي، انطلاقاً من اتجاه كان يسعي لإعادة انتاج الماضي، والحفاظ على البني التقليدية القائمة، واخر، كان يسعي لانتصار الحداثة التي ولدت في اوروبا (بما فيها الصناعة التي هي اس الحداثة)، حيث كانت العلمانية تعني (تحييد الدين) مع اعطائه (الحرية الدينية) وهذا ما لم يلاحظه هذا اليسار في البحرين او الدول العربية حيث كان هذا الصراع في مواجهة المشروع (الاقتصادي) الاصولي. الامر الذي جعل هذا (التناحر) موضوعياً، وجزءاً من الصراع الاجتماعي الواقعي؛ حيث تدامجت الاصولية مع السلطات الملكية والطبقة الاقطاعية من الاعيان وملاك الارض، وتهادنت مع الاستعمار، بينما مثلت تيارات الحداثة (القومية واليسار الماركسي)، قوي المواجهة ضد الاستعمار ومحاولات التطور وتأسيس الدولة الحديثة. وفي هذا الوضع، كان الاسلام يستمر كدين، وكتراث ثقافي، وكانت الحداثة تفترض تأسيس بينة اقتصادية وتكويناً سياسياً فكرياً جديدين، هما ذاك الذي تبلور مع (نشوء البورجوازية الاوربية)، والذي بات يمثل مستقبل مجتمع، كان لا يزال يعيش القرون الوسطي، كمجتمع رعوي وزراعي وعلى صناعة الغوص ما يسمي مجتمع الكفاف، ويعيش التخلف الثقافي والمجتمعي الشامل، ولأن حامل هذا المشروع (اي البورجوازية العربية) لم يكن منسجماً معه، نتيجة ارتباطه بالبني الملاكين العقاريين وتشبيكه مع القوي الاستعمارية، او مهادنته لها فقد عاش مأزقاً، وبدا كأفكار معلقة في الهواء، الامر الذي دفع الفئات الوسطي في مقدمة المسرح معلنة علمانية ملتبسة، او انها ابقت الشريعة كمصدر اساس في التشريع، كما ابقت الاحوال الشخصية خاضعة للدين، مع اعطائها صبغة (مدنية) عبر اخضاعها للدولة، وبالتالي دون ان يتحقق المشروع النهضوي في مختلف ابعاده.
المسألة عند اليسار العقلاني لا تتعلق بالخلاف مع المشروع الاصولي – الجهادي الاسلام السياسي في البحرين والذي دخل معه اليسار في البحرين ضمن (مساومة تاريخية)، والذي الغي هذا اليسار العلمانية من هذا الخلاف رغم اهمية ذلك لدي اليسار العقلاني في مواجهة قوي ذلك المشروع الاصولي الجهادي والذي يسعي لفرض الدولة الدينية، والتي عبر بها هذا اليسار الرائج تحت شعار ان هذه القوي تسعي (للحداثة / والديمقراطية)، والدولة المدنية الديمقراطية، والذي نسميها (بحداثة التخلف او فقه التخلف)، بعكس منظور مشروع التيار الديمقراطي العلماني والذي يتعلق بمشروع الحداثة ككل ؛ اي بناء الصناعة وتحديث الفكر والمجتمع والنظام السياسي ؛ حيث ان المشروع الاصولي لا يحمل حلم التصنيع الذي هو جوهري لتحقيق الحداثة ذاتها، على العكس، فأن المنطق الاقتصادي لكل الحركة الاصولية يقوم على (الليبرالية) بأردأ اشكالها ؛ اي الحرية المفرطة في التملك والاليات مفرطة العفوية للسوق ؛ لأنها تركز على (التجارة) التي فيها تسعة اعشار الربح، والعقار بدل الانتاج. وتعلن رفضها لكل الحداثة (الغربية) التي هي صورة مستقبل المنطقة، مشددة على رفض (سياسة التغريب والتبعية الحضارية ومشتقاتها) مصممة على ان المشروع الليبرالي (اي الديمقراطي العلماني هو مشروع (غربي). رافضة (العادات والتقاليد الغربية كونها بالية من جهة، ومستوردة من الغرب المنحرف من جهة ثانية)(وهذا الطرح كله موجود في البرنامج السياسي والنظام الداخلي لدي كل جمعيات الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي)، وبالتالي مؤسسة لإعادة (القيم) والبني التقليدية القديمة في مواجهة مجتمع يسعي الي الحداثة وهنا فقد قام الاسلام السياسي في ظل المشروع الاصلاحي ب الدفع باتجاه العودة للتدخل في التعليم وفي (القيم الشخصية) وهذه من اخطر السياسات التي يدعوا لها، بمعني انه حتى مستويات (العلمانية الموضوعية) (الحرية الشخصية)، ستتعرض للتأكل، وتسعي الحركة الاصولية الي شطبها. هذا الميل الاصولي يفرض على اليسار العقلاني التأكيد على العلمانية، بدل من رفضها من قبل جمعية وعد والمنبر الخ من اليسار من اجل عيون الاسلام السياسي، بغير ذلك لن تنتصر الحداثة، وان يكون هذا اليسار العقلاني هو المحرض ؛ لان تتحول العلمانية، الي مطلب سياسي يتضخم احياناً، وممكن ان يتحول الي ايديولوجيا لدي بعض القطاعات من اليسار، وهو شبيه بوضع فرنسا وكل الدول التي كانت المسيحية الكنسية الكاثوليكية تصارع من اجل تأبيد سلطتها ؛ حيث اصبح اقرار علمانية الدولة هو المدخل لتراجع هذا الميل الاصولي وتحقيق الحريات الدينية. وبالتالي فإن المسألة- هنا – لا تتعلق (تجاوز القطيعة مع الاسلام السياسي ومشروعه كما يطرحه اليسار البحريني)؛ لان المشروعين متناقضين، ولأن تأكيد العلمانية ضرورة من اجل الديمقراطية، وكذلك لان صياغة (الهوية) يفترض التأكيد على (الدولة/ الامة)، وليس على (الهوية الدينية)؛ حيث ان مبدأ المواطنة ينطلق من هذا الاساس؛ ليتساوى كل المواطنين بعلاقاتهم بالدولة مع اختلافهم الديني والطائفي، فالدولة المدنية كما يراها اليسار العقلاني هي محايدة تجاه الاديان.
ضمن اطار الصراع ما بين الاقلية اليسارية والاغلبية او لنقل الشلل اليسارية في كل من جمعية وعد والتجمع القومي والوحدوي وكذلك المنبر التقدمي هو تركيزهم في حوارهم ونقاشهم وبالذات جمعية وعد على الفصل بين العلمانية والديمقراطية وان التركيز على العلمانية سوف يخلق قطيعة وخلاف وتناحر مع الاسلام السياسي الشيعي والسني، لانهم اي هذا اليسار قام بالمساومة معهم ونسق وتعاون معهم وهو بالضد من اي احد تسول له نفسه ان يقوم بالدعوة الي القطيعة والنظر الي الاسلام السياسي بانهم (كتلة صماء) ذات لون واحد الخ وهذه من الاطروحات التي صدع راسنا بها هذا اليسار. عندما تطرح العلمانية فإننا نطرح الحداثة بمعني ان القطيعة مع الاسلام السياسي بشقيه لم تكن بين الحداثة والهوية، بل كانت بين الحداثة (التي تتضمن الهوية) والبني التقليدية ولنا ورقة منشورة على موقع التغيير الديمقراطي تحت عنوان (كيف هيمنت وتطورت سلطة فئة الملالي والبورجوازية الصغيرة في المشروع الاصلاحي)، فالإسلام السياسي لا يعبر كما يدعي عن (الهوية)، بل يعبر عن مشروع اقتصادي اجتماعي وسياسي مستجلب من الماضي، وهذا التمييز الذي لم يراه هذا اليسار في البحرين، وهو تمييز مهم وضروري، حتى حين تفكير هذا اليسار (بالتنسيق والتعاون ومن ثم التحالف) مع هذا الاسلام السياسي ؛ لأنه سيكون تحالفاً مؤقتا ولحظياً، لأن اوجه الاختلاف والتناقض اعلى من اوجه التوافق، وهذا شاهدناه بعد الانتخابات التي شارك فيها المنبر التقدمي ضد جمعية الوفاق حيث جرت حرب ضروس بينهما مما طرح على المنبر فك الارتباط حينها مع جمعية الوفاق، ولكن للأسف عاد هذا الارتباط في احداث 2011 في كارثة الدوا. فنحن هنا ازاء مشروعين متناقضين، يجيبان بشكل متناقض – على سؤال التقدم، ولم تكن مسألة الهوية هي الفيصل بينهما ؛ لأن التيار الحداثي قام بتجديد الهوية عبر تحويلها من الارتباط بالدين، الي الارتباط بالبشر، الامر الذي بلور الهوية القومية التي تتضمن كل التاريخ السابق، ولا تقطع معه ؛ حيث قام بتغيير (طبيعة الانا الجمعية الفاعلة) بما تقتضيه الحداثة هنا، وما يتوافق مع التطور التاريخي الذي فرض التبلور القومي كأساس للتكوين العالمي الحديث وهذا ما لا تعيه لا جمعية وعد التي تدعي انها يسار قومي ولا جمعية التجمع القومي والوحدوي ولا المنبر الديمقراطي. ونتيجة ذلك ما نراه اليوم من ان الحركة اليسارية مفككة وهامشية وتعاني من (الشيخوخة)، وبالتالي اصبحت غير قادرة على لعب اي دور جدي انها تحاول ان تعيد انتاج ذاتها فقط في إطار مبني يسمي جمعية المنبر التقدمي، تحاول ان تستمر وان تتواجد في (المشهد السياسي). لم تعد ذات شعبية، ولا تأثير لها في الحركة المجتمعية، ودون مشروع سياسي يستحق هذه التسمية. اذن ضمن هذا الانهيار لجمعيات اليسار في البحرين ضاع توجهها الايديولوجي واهدافها العامة وطغي الميل الاسلامي والطائفي والميل الليبرالي الرث على قطاعات كبيرة ومهمة فيها والان بات يحكمها الميل والتكيف مع الوقائع الجديدة بعد هذا الانهيار الذي اصابها في العمق. ولم تستطيع ان تجدد نفسها ولم تري ان هذا التجديد هو حاجة ملحة نتيجة تفككها الفكري، وهي لا زالت عاجزة عن تجاوز وعيها ومنطقها (الذي هو المنطق النصي) من اجل ان تعيد بناء رؤيتها ودورها المجتمعي الامر الذي جعلها تعيد انتاج رؤيتها السابقة وحتى الانقلاب على تلك الرؤي او هما معاً، ليبدو ان هذا اليسار وذاك الوعي عاجز عن تجاوز ذاته، وبالتالي ان يقدر ان يقدم رؤي وتصورات للخروج من أزمته ومازقه الذي اختاره عبر ارتباطه بالإسلام السياسي والشلل المطرقة التي لازالت تهيمن عليه.
ان ولع اليسار في البحرين بالسياسة جعله يهمل المجالات الآخرى وهو الجانب الاقتصادي والفكري، فلم تعمل الفكر في طبيعة نمط الانتاج الذي تبلورت فيه تاريخياً تنظيمات الاسلام السياسي في البحرين وهنا نمط الانتاج (الاقطاعي / الزراعي) ونمط الانتاج التجاري، وبالتالي التخلف في هذه الانماط الانتاجية، وهما يشكلان اساس نشوء هذا الاتجاه (الذي بات يسمي الاسلام السياسي) وقوته. وحتى مع وجود نمط شبه راسمالي او راسمالي غير صناعي، فأن التحولات التي احدثتها الحركة القومية في البحرين وبعدها مع الحركة الماركسية في التكوين الاقتصادي الاجتماعي (الرسملة والتحديث) فقد عمقت الهوة بين الفكر والواقع، مما دفع الاصولية الاسلاموية نحو صراع ضد كل مظاهر التقدم بتأكيده الشديد على تطبيق الصيغة الاشد اصولية للدين (وهنا موقع فكرة الجاهلية الجديدة عند كل من جمعية الوفاق وجمعية المنبر الاسلامي، وولاية الفقيه والحاكمية)، وهما فكرتان اسستا للإرهاب والتطرف والغلو الراهن. لم يري هذا اليسار هذا الفكر لأنه تولع بالسياسة وهوس السياسة، ذلك اننا ازاء فكر هو في جوهره، سلب للواقع، هذا السلب يتخذ شكل تدمير فعلي لهذا الواقع الذي تبلور مع المشروع الاصلاحي والذي تم لأول مرة اشهار جمعيات الاسلام السياسي السنية والشيعية، ولا يستطيع هذا اليسارين يري في هذه الجمعيات الاصولية انه الشكل الأقصى للفكر الاصولي، بل نظر لها من وجهة نظر سياسية ونسق وتعاون وتحالف معها، ان هذا التطور يؤشر الي مدي فداحة وقصور تجربة الحركة القومية واليسار في مستوي التغيير الاجتماعي، الذي من المفترض ان يؤسس بديلاً صناعياً في المشروع الاصلاحي يستوعب تفكيك القري وادماجها في المدنية كما في مستوي تحديث الفكر، حيث تم زرع الايديولوجيا المحافظة اكثر في القري وفي المدن وفي المجتمع بشكل عام. فقد سعت هذه الجمعيات الاسلام السياسي (كما يحب ان يسمها اليسار (بالسياسي)، لإعادة المجتمع الي الماضي وهي عملية (وان كانت لا تتحقق) فهي تدمر المجتمع ذاته، بزرع الفتنة الطائفية ومن ثم تفكيكه على اساس طائفي، وهي هنا افق تركيب، وفق ما تريده دولة الملالي إيران وكذلك ما يريده النمط الرأسمالي العالمي. وفق شروطهم بالتحديد. انتا بالتشريع لهذه الجمعيات الوفاق والمنبر الاسلامي ازاء اخر معارك ايديولوجيا قديمة ويمثل وجودها استثناء التاريخ المعاصر حيث ابان نفيها ل (الحداثة)، عن ميل تدميري للمجتمع ككل، وهذا شاهدناه في كارثة الدوار، بعدما اصبحت (الحداثة) جزء من التكوين الواقعي، وممكن ان نقول لقد أصبح القديم ضد الحديث صراحة مكشوفة في العمل العلني لهذه الجمعيات الاسلاموية بشقيها الشيعي والسني.
ان جوهر هذا الولع والهوس بالسياسة لدي اليسار – في البحرين في تجربة المشروع الاصلاحي هو (عدم الحسم) الذي سكن هذا اليسار سواء لدي جمعية وعد وجمعية التجمع القومي الوحدوي او جمعية المنبر التقدمي، او جمعية الوسط الاسلامي خصوصاً فيما يتعلق بالعلمانية، حيث تبلور هذا الفكر الاصولي في هذا المشروع الاصلاحي، مع (الوعي التقليدي) ومع الوعي لدي جمعية الوفاق الاسلامية وجمعية المنبر الاسلامية، وبالتالي في تنافر هذا الوعي وهذا الفكر مع أخص عناصر الوعي لدي اليسار اي العلمانية. وهذا ما قاد ان تتأسس جمعيات لها مستند ديني، كون الشريعة ظلت مصدراً اساسياً فيها وبالتالي لتفرض اصوليتها على المجتمع او لتفرض طائفيتها (الشيعية / السنية) على المجتمع، في الوقت الذي قبل النظام او السلطة هذه التركيبة لهذه الجمعيات بالرغم من ورود مبدأ في أخص الدستور المعدل بعدم السماح لتأسيس جمعيات على اساس طائفي ولكن النظام تجاوز هذا المبدأ لتتحول هذه الجمعيات من الحالة الدعوية الي الحالة السياسية، وبهذا يتزاوج القانون مع الاصولية الدينية الاسلامية، وتتحد السلطة والقوي الاصولية، رغم تنافرهما العام وتناحرهما كذلك. ويتحد اليسار في البحرين مع هذه الجمعيات الاصولية. بمعني ان (نقص العلمنة) قد جعل اليسار مطية للقوي الاصولية (واداتها الجمعية السياسية الاسلاموية) في قمع الفكر والابداع، وفي اعادة تكريس قيم (اصولية / طائفية)، جاهد اليسار في البحرين جبهة التحرير الوطني – في البحرين، والجبهة الشعبية وحزب البعث (التجمع القومي) والناصرية (جمعية الوسط الاسلامي)، منذ الخمسينيات لكي يتجاوزها، ولكي يؤسس مبادئ اولية ضرورية لكي تقلع عجلة التقدم في البحرين سواء في فترة الاستعمار او بعدها في فترة السبعينيات لغاية بدء طرح المشروع الاصلاحي. ومن هذه المبادئ: نسبية الحقيقة، وسلطة العقل، والتعددية والحوار والتنوع، والابداع والتحرر الخ، ولكن مع بداية تبلور هذا المشروع الاصلاحي شهد فكر اليسار القومي والماركسي عملية تفكك وبدأ ينحدر منذئذ نتيجة عوامل مختلفة يطول الحديث فيها. فإن مساحة (الفراغ) التي نتجت عن ذلك كانت قد بدأت تملأ عبر انتعاش الايديولوجيا التقليدية والاصولية وكذلك اذا كان الفكر الحديث لدي اليسار في البحرين قد بدء وهو يتهاوى، اصبح يهادن هذه الايديولوجيا، ومن ثم بدأ يمجدها بصفتها (تعبر عن مكونات (طائفية شيعية وسنية) وبصفتها (تراثنا) و (تاريخنا) …… وبالتالي مع احداث الكارثة التي وقعت في الدوار،(خشبة خلاصنا)، فمنذ ان تم اشهار الجمعيات الاصولية في المشروع الاصلاحي فأن الايديولوجيا التقليدية والاصولية والطائفية بدأت الهجوم، فانتقلت من السياسة الي الفكر، ومن التحريم الي الاقصاء، وانه يجب تعميم قيم ومفاهيم الايديولوجيا الاصولية ذاتها وان الساعة قد ازفت وبالتالي فإن (ركام) و (فلول) جبهة التحرير الوطني – في البحرين، والجبهة الشعبية وحركة القوميين العرب في البحرين والتي تبلور فكرها التنويري يجب ان يشعله عود ثقاب من اجل التخلص من ارث (وسخ)، لكي تعود الايديولوجيا الاصولية لتتربع المشهد السياسي والفكري (سيدة)، وبالتالي تعيد امجاد اساسها الاقتصادي والاجتماعي المندثر فتصبح قوة لها محاورها الاقليمية ويطفو سماسرتها في بورصات البنوك الاسلاموية والمخدرات وتبييض الاموال ما دامت هذه الاعادة لا تأتي سوي عبر هؤلاء او لا تأتي سوي على اكتاف هؤلاء او لمصلحتهم ولنا مثال دولة الملالي الطائفية في ايران وحزب الله في لبنان والمليشيات العراقية في العراق والمليشيات الايرانية في سوريا وجبهة النصرة وداعش والقاعدة الخ.
ونتيجة لهذا الهوس الذي تملك اليسار في البحرين بالسياسة تحول التكتيك الي سياسة والاستراتيجية الي سياسة وتم الفصل بين التكتيك والاستراتيجية ليتحول التنسيق والتعاون والتحالف الي استراتيجية في العمل السياسي مع الجمعيات الاسلاموية جمعية الوفاق الاسلامية وجمعية المنبر الاسلامي مما ادي الي ان قطاعات من القوميين والماركسيين الي التأسلم (تأسلمت)، وعملت جمعية وعد على اسلمة الفكر القومي، فعادت به من علمانية الصريحة او الملتبسة او المثلومة عندها، الي احضان الايديولوجيا التقليدية والاصولية، كما عملت بعض الفئات في جمعية المنبر التقدمي، وتحت حجة (فهم وعي الشعب والاقتراب من الشعب) على ان تخلط ماركسيتها بهذه الايديولوجيا كذلك. وعمل هذا اليسار معاُ ضمن إطار ما سمي بالتنسيق والتعاون على (كسب) ود (التيار الاصولي الشيعي والسني)، بدلاً من ان يدافعا عن الفكر الحديث، وان يعمل هذا اليسار على تعميقه وتطويره في المشروع الاصلاحي. وهذه الخطوة (الارتدادية) التي قام بها هذا اليسار في – البحرين، جعلت التيار الاصولي يتقدم في الهجوم في كل الانتخابات والحراك السياسي، الهجوم الهادف الي (كم الافواه) عند من يعارض هذا التوجه عند اليسار او كل من يحاول ان يفتح معركة الفكر والادب والابداع في مجال التواصل الاجتماعي كشارع سياسي، فتبدأ مرحلة الاقصاء والمصادرات والحكم (بالردة)، وبالتالي (فرض القيم) بالقوة، والقصد هنا فرض الايديولوجيا الاصولية الظلامية ذاتها. الاشارة هنا الي ان (جرأة) التيار الاصولي (الاسلام السياسي الشيعي والسني)، ارتبطت بتراجع الفكر القومي واليساري عموماً، وتهافت دعاته، وبالتالي شعور التيار الاصولي في البحرين بأن عليه ان يضع (حجر الشاهد) على قبر الفكر الحديث. وهذه المعركة اخذة في التوسع حالياً لتطال كل ما هو حديث، لأن الهيمنة الايديولوجية هي الهدف، بغض النظر عن الاسباب المطروحة وبغض النظر عن موقع الدين هنا الذي تم استغلاله بأبشع صورة، ان هيمنة جمعية الوفاق الاسلامية والمنبر الاسلامي باتت في ظل المشروع الاصلاحي تقتضي الهجوم الشامل، ليطال الدين والفكر والسياسة وحتى الادب والفن. وفي الظلال منها تعميم البرلة وقيم التجارة كمسخ.
ان دخولنا في المشروع الاصلاحي بعد ان تم وضع الوثيقة السياسية برنامج العمل (الوطني)، ونضع هنا (الوطني) بين قوسين لأن ما تحقق على ارض الواقع هو (الطائفي)، بمعني ان الذي تبلور هو ديمقراطية (دستور معدل) وبرلمان (طائفي) تحت شعار الديمقراطية والحريات العامة بما فيها الحريات السياسية ومن ثم اشهار جمعيات على اساس طائفي، فقد تمخضت (الموجة الديمقراطية) التي بدأتها الادارة الامريكية عن صيغة (الديمقراطية التوافقية)، كما جري تكريسها في العراق، والذي تبين ان هذه الصيغة هي لبنانية المنشأ، وانها سواء في لبنان او العراق او البحرين لا زالت تصارع التفكك منذ ان تبلورت وبالتالي فأن الادارة الامريكية تكرر تجربة بدأها الاستعمار الفرنسي، رغم انها كما نشاهد حتى اليوم ادخلت لبنان في حروب اهلية متكررة، وهي ادخلت العراق في حرب ضروس طائفية والبحرين في 2011 فيما سمي بالشرخ الطائفي. لكن المشكل ليس في السياسات الامبريالية، حيث انها ترسم لتحقيق مصالح الطغم الامبريالية عبر تفكيك الدول على اساس طائفي، المشكل في كل اليسار – في البحرين والذين يعتقدون انهم ديمقراطيون ويتبنون هذه (الديمقراطية التوافقية) التي تبنتها جمعيات الاسلام السياسي الطائفية (الشيعية / السنية)، حيث من المفهوم ان تسعي قوي طائفية الي اعتبار انها اساس (التوافق) الطائفي بين كتل طائفية، حيث أن منطقها يقوم على مفهوم (الملة / الطائفة)، لهذا راي في الطائفة كتلة واحدة، وتري في الاخرين كتلاً طائفية كذلك، انها لا تستطيع ان تري في المجتمع سوي دين وطوائف. (فالهوية) عندها هي الهوية الدينية / الطائفية وليس من هوية اخري، على العكس من ذلك تري في اية (هوية)
اخري نقيضاً يحب ان يزول (عدم تمكين حكم غير المؤمنين من حكم المؤمنين) كما ذكر هذه الجملة عيس قاسم. وكذلك وكما شاهدنا في احداث كارثة الدوار ان قوي البورجوازية السمسارة (الكمبرادور) الي استغلال الدين والطائفة سواء في الجانب السني او الشيعي الي استغلال الدين والطائفة لتكريس سلطتها، كما حدث في لبنان والعراق وطبعاً في نموذجها الاكبر دولة الملالي الطائفية الدينية إيران. حيث ان تمسكها كما تدعي بالطائفة الاكبر (الاغلبية)، يفتح لها باب تبرير وجودها الطائفي وهيمنتها وسيطرتها (الاسلام السياسي المسيطر) كما تدعي جمعية وعد، ولهذا كانت تعتقد ان الطائفة الاكبر (الاغلبية حسب ما تدعي) او (الاقلية السنية) هي ما يستغل برجوازيتها السمسارة (كومبوادورها) هذه المسألة. في لبنان كان على اساس انه دولة مسيحية روعي ان يكون المسيحيون اغلبية فيه (رغم ان التطور في اسس الميزان الديموغرافي اختلف)، وسوف نفرد حلقة خاصة (لتجربة الديمقراطية التوافقية في لبنان). وكذلك حدث في العراق من الطائفة السنية الي الشيعية اسس على اساس سيطرة الطائفة الاكبر وكذلك في احداث 2011 في البحرين كان يراد ان يؤسس على اساس الطائفة الشيعية حيث طالبت جمعية الوفاق الاسلامية الشيعية بالمناصب سواء في السلطة التنفيذية او التشريعية وكذلك في كل المؤسسات الآخرى. كما حدث في لبنان والعراق واليمن. لكن المشكلة عند اليسار – في البحرين وكل الجمعيات بلا استثناء، ذهبت مع هذه الموجة فهل كان تبني هذا الشكل من السلطة الطائفية مفهوم عندما يتبناه ديمقراطيون يساريين؟ ولماذا؟ لأنه ليس ديمقراطياً، حتى لو تسمي بذلك (ديمقراطية توافقية)، حيث سنلمس بأن الديمقراطية التوافقية تقوم على اسس مناقضة لأسس الديمقراطية، حيث انها تنطلق من (التكتل الطائفي)، اي من كتل هي كتل تمثل طوائف ودين، ليصبح التمثيل في السلطة قائم على اساس تمثيل هذه الكتل، وعلى التوافق فيما بينها. ولتقسيم السلطة على ضوء ميزان القوي بينها، او على ضوء الوضع الميداني الديمغرافي، بحيث تكون ما تسمي بالأغلبية محددة مسبقاً لأنها تعبير عن الطائفة الاكبر، ولتوزع المسؤوليات وفق وزن كل منها، وبالتالي فالطوائف تتمثل عبر احزاب او جمعيات كما هو الحال عندنا، وليس عبر احزاب او جمعيات (مدنية). والتي كنا شاهدنا في البحرين قد تهمشت وانعزلت. ولا يبقي من الديمقراطية سوي الانتخابات والحريات الصحفية وحتى تشكيل الاحزاب او الجمعيات، والتي كانت في الغالب احزاباً او جمعيات طائفية او (قومية- وعد)، لأن الانطلاق من الدين او الطائفة (كهوية) يفرض ان يكون طابع الاحزاب او الجمعيات طائفياً او ان احزاب او جمعيات مدنية مثل جمعية وعد والتجمع القومي والمنبر التقدمي تنطلق كما شاهدنا في احداث الكارثة من تمثيلها لدين او طائفة رغم انها لا تحمل ايديولوجيا هذا الدين وتلك الطائفة، وربما في ذلك تمييز يقوم بين القوي الطائفية، اي تلك التي تنطلق من ايديولوجيا طائفية (جمعية الوفاق وجمعيات العمل الاسلامي وجمعية المنبر الاسلامي)، والقوي التي تستغل الدين والطائفة مثل (الجمعيات اليسارية في البحرين) من اجل فرض ودوام وجودها على الساحة السياسية(وكذلك بين القوي الطائفية والقوي البورجوازية السمسارة (الكمبرادور) ان تسيس الديمقراطية من قبل اليسار في البحرين وادخال الجمعيات للإسلام السياسي الشيعية والسنية الي جنة الدمقراطية، جعل هذا اليسار في تماهي مع الاستراتيجية المطروحة الاسلام السياسي الشيعي اولاً وثانياً مع الاسلام السياسي السني، ذلك إن المسألة الاساس التي تلغيها الديمقراطية التوافقية التي يطرحها الاسلام السياسي، هي مسألة (المواطنة) والتي هي مفصل الديمقراطية لأنها اساس تشكيل المجتمع الحديث حيث الديمقراطية هي جزء منه، والتي يدعي هذا اليسار انها جزء من مبادئه، ذلك ان الديمقراطية التوافقية التي طرحتها جمعية الوفاق الطائفية (ستكون طوائفية بكل تأكيد)، ذلك ان المواطنة هي اعادة تعريف الفرد في سياق انجاز الحداثة، بحيث يتخلى هذا الفرد عن صفاته التي كانت الايديولوجيا الاصولية – القديمة قد وضعته فيها، والتي تحددت في كونه واحداً في (رعية وجزء من طائفة او دين)، لكي يكون الفرد المواطن، الفرد المنتمي لوطن / امة. لقد أصبح فرداً مستقلاً ومتحرراً بكل المعني. وأصبح هذا الفرد هو الذي يختار ايديولوجيته، وسياسته، وبالتالي أصبح صوتاً انتخابياً على ضوء قناعته، لتصبح علاقته بالسلطة هي علاقة مباشرة، ويمكن ان يبلورها في حزب او جمعية سياسية الذي يجب ان ينطلق من المبدأ ذاته اي مبدأ المواطنة وإلا (ميز)بين المواطنيين المتساويين. وليست عبر وسيط يطلب من هذا الفرد الانصياع والاذعان وضمن القائمة الايمانية او الاخوانية اي عبر قوائم طائفية، مبدأ المواطنة هو الذي رسم المساواة بين المواطنيين في الحقوق، وفي الدور، وبالتالي أصبح كل شخص هو مواطن في الدولة ينطبق عليه قانونها. وليس عرف او فتوي من الملالي او الاخوان المسلمين. ان اعادة النظر هذه شكلت نقلة في الوعي / الهوية، حيث انتقل النظر الي الشعب من النظر الديني والطائفي الذي لا يري فيهم سوي افراد في رعية او (قطيع)، الي النظر السياسي بوصفهم مواطنين دولة اسمها البحرين. وهنا يزال الفارق بين الافراد المنتمين الي الدين والطائفة. وأصبح من البديهي ان ينطلق الحزب السياسي او الجمعية السياسية من هذا المبدأ اولاً والذي فرط فيه اليسار في البحرين لأنه مرتبط بالعلمانية وهنا تم (التمييز) (الكلمة التي يعشقها اليسار في البحرين والاسلام السياسي الشيعي) بين المواطنيين، وهي المسألة التي يطالها القانون. هنا تتحقق المساواة امام القانون (وليس العرف والفتوي)، وفي المجال السياسي. ولم يعد من الممكن النظر الي الفرد كشخص في رعية او قطيع. وهي المسألة التي نقلت الصراع من مستواه (الكهنوتي)، (الفقهي)، الي مستواه السياسي. لتصاغ العلاقة بين الفرد والدولة على اسس جديدة تمنع (التمييز)الذي يتبجح به اليسار والاسلام السياسي الشيعي. وتقرر حكم الاغلبية بالمعني السياسي وليس الطائفي ولا القبلي، اي تلك التي تحصل على اصوات اعلى، وتعطي حق اقرار الدستور والقوانين الشعب وليس الطوائف. طبعاً ان تشتمل (الديمقراطية التوافقية) بعضاً من هذه الممارسات، ولكن الاساس الذي تقوم عليه يكون مختلاً، الا وهو المساواة بين المواطنين، حيث يتحدد وضع المواطن مسبقاً من قبل الاسلام السياسي او حتى القبلي بغض النظر عن رايه، وبالتالي تتحدد الاغلبية مسبقاً بغض النظر عن الانتخاب وهذا ما حدث في كل الانتخابات التي جرت في البحرين، حيث يقوم اساس هذه (الديمقراطية) على كتل هي طوائف او قبائل والدين بدل الفرد /المواطن. ويحشر افراد كل طائفة مسبقاً في خانة محددة لها مقاعد معينة ومراتب مقررة ووظائف متفق عليها. لقد حل مبدأ المواطنة محل (مبدأ) الرعية / القطيع (بالمعني الطائفي / الديني)، وبتساوي الاشخاص امام القانون والدولة كونهم عدو مواطنين. من هذا الاساس تبلورت حقوق نشوء الاحزاب او الجمعيات، والرأي، وحق الانتخاب، والتمثيل السياسي، ومن هذا المستوي تبلورت العملية السياسية التي يحددها (النظام الديمقراطي)، وليس كما حدث لدينا في البحرين من انتخابات طائفية او قبلية، بمعني انه تشكلت لدينا جمعيات تدعي تمثيل اديان وطوائف، وجرت على اساسها الانتخابات، لكن كل ذلك لم يفعل سوي اعادة انتاج التخلف على الضد من الحداثة، ومن الديمقراطية ذاتها، لأن اساسها مقلوب. او ان هذه الممارسة تقوم على اساس غير ديمقراطي مسحوب من البنية الايديولوجية الاصولية / القديمة، التي كانت تؤسس لنظام (يميز) على اساس الدين والطائفة، ويفرض ديناً او طائفة محددة على الطائفة الآخرى، و(يميز)، بين المواطنيين على هذا الاساس. وبالتالي يحدد شكل الدولة ووظائفها انطلاقاً منه. اذن (الديمقراطية التوافقية) المراد لها في البحرين هي تمثيل الفرد بصفته (ينتمي لدين وطائفة) وليس لذاته، وتمثيل لماضيه وليس لحاضره ومستقبله. وبالتالي فهي اعادة انتاج لشكل (السلطة الدينية / الطائفية)، وللعلاقات (الدينية / الطائفية)، وليست خطوة باتجاه الحداثة. لهذا تكون سلطة استبدادية ومن الناحية الطبقية سلطة بازار وبورجوازية سماسرة وملاكين عقاريين فئة بورجوازية تابعة تتقاطع مع السيطرة الامبريالية كما شاهدناها فيما سمي الربيع العربي.
للأسف لم يقم اليسار في البحرين بفهم ودراسة صيغة الديمقراطية التوافقية من التجربة اللبنانية، وهي التجربة التي كان الاسلام السياسي في البحرين يريد تمثلها وتطبيقها في البحرين سواء قبل او بعد كارثة الدوار والذي سانده هذا اليسار وهل كان بوعي او غير وعي فهذا اليسار يتحمل هذه المسئولية. فالتجربة اللبنانية والتي تبدوا وكأنها في اللحظة الراهنة تطرح مشكلة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان على انها نتيجة لتدخلات خارجية تعرقل الانتخاب، وما من شك في ان لهذا التحديد (عدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية) هدف عميق وهو عدم لمس الصيغة اللبنانية، الصيغة التي كان يريد الاسلام السياسي وبالذات الشيعي صياغتها في البحرين وهي صيغة ما انفكت تقود لبنان الي الحروب الاهلية (الطائفية) منذ استقلاله. فبغض النظر عن كل التدخلات الخارجية التي حدثت في لبنان وكذلك في البحرين، والتي هي موجودة بالفعل وبالذات من دولة الملالي الطائفية في ايران او امريكا في الربيع العربي اعتمدت وتغذت في كل من لبنان والبحرين على الانقسام الداخلي ذاته، فإن الانقسام اللبناني او البحريني الذي حدث ما قبل وبعد مشروع انقلاب الدوار بين ما سمي المعارضة الشيعية في الدوار قابلها معارضة سنية في الفاتح اما في لبنان فإن الانقسام واضح وصريح كان في الفترة الاخيرة الشيعة وجزء مهم من المسيحين هم في المعارضة، والسنة والدروز وقسم من المسيحيين هم في السلطة، وهناك توازن شيعي بينهما (بعيداً عن سلاح حزب الله)، والمشكلة الاخطر هي ان هذا الانقسام بين هذا الشكل من المعارضة الطائفية حاول اليسار في البحرين وكذلك في لبنان ان يغطيه بمواقف سياسية، او يحمل في داخله خلاقات سياسية بينما كان هذا الخلاف قائم على اساس طائفي، لهذا تم الاشارة في لبنان الي الشيعة والمسيحيين، والسنة والدروز، ولم يشر الي احزاب طائفية كذلك هو عندنا في البحرين يشير الي الشيعة والسنة بشكله العاري، ومثال على ذلك في لبنان فأن ميشيل عون الذي قاتل من اجل تجاوز الطائفية سنة 1988/ 1990، وطرح ذاته كمواطن لبناني، تعامل بعد ذلك من منطلق انه يمثل المسيحيين كونه حصل على النسبة الاكبر من اصواتهم في الانتخابات النيابية وبالتالي اعتقد بانه الاحق بالرئاسة لهذا السبب بالذات، ما دام الرئيس يجب ان يكون مارونياً. ولأن المثال اللبناني بات في موقع النموذج الذي وضع تحت التعميم في الشرق الاوسط وطبق في العراق اولاً ثم في اليمن وكذلك كان يراد تعميمه في البحرين، فإن هذه الصيغة اللبنانية الفريدة لم يقوم هذا اليسار في البحرين بقراءتها ولم يلتفت اليها، بعيداً وبغض النظر عن كل التدخلات الخارجية، وبالتالي، يجب نقد التركيبة التي صيغ فيها لبنان والتركيبة التي صيغت في المعارضة البحرينية، لكي يكون (كياناً مسيحياً) في لبنان وبالتالي ليصبح كياناً قائماً على توافق (طوائفه) وفق الصيغة الديمقراطية التوافقية، رغم التحولات الديمغرافية والاقتصادية التي حصلت في لبنان منذ 1920، ولقد كانت هذه التحولات هي الاساس في التشكيك في اسس التوافق، والسعي مِن اجل تعديل المحاصصة الطائفية كما جري في اتفاق الطائف وكما هو مطروح في الوقت الراهن، حيث اصبح الثقل (الشيعي) اكبر ديمغرافياً واقتصادياً وتسلحاً، ورمزياً كذلك من خلال (المقاومة) التي كان يقودها في السابق الحزب الشيوعي وقوي اليسار؟!، وبات الدور(السني)، هائلاً نتيجة الانتعاش (السني) والمركز المالي الهائل لعائلة الحريري، وبالتالي تراجع الاهتمام الامبريالي بان يكون لبنان هو (كيان المسيحين)، ليس تجاوزاً له، لكن لمصلحة تعدد الكيانات الطائفية، ولمصلحة (الديمقراطية التوافقية)، وهذا بالضبط ما كان يراد له في البحرين.
نكمل هنا مناقشة الصيغة اللبنانية وديمقراطيتها التوافقية. فقد تشكل (الكيان اللبناني) منذ الاحتلال الفرنسي على اساس انه (كيان المسيحيين) في الشرق، وتكرست الرأسمالية من (اصول) مسيحية كسلطة على انها سلطة الي الأبد، انطلاقاً من طابعها الديني هذا. لهذا حرصت على تغذية هذا الشعور الطائفي الذي اعطاها امتياز السلطة، وبالتالي على مقاومة كل الافكار الحداثية التي كانت منذ زمن تتغلغل في (الطائفة) (وحزب الكتائب مثال لذلك، وشعاره الله – الوطن (طبعاً المسيحي) – العائلة)، ولقد حكمت بالتوافق مع الرأسمالية ذات الانتماء السني، وبالتالي بتقاسم الوظائف العمومية، ومواقع السلطة. وفي مواجهة الانتعاش القومي في الخمسينيات دفعت هذه الرأسمالية لتحويل الصراع الي صراع طائفي صراع يهدف الي شطب المسيحين من السلطة، وفي مواجهة تعزز الحركة الوطنية (مدعومة من المقاومة الفلسطينية التي كان لقيادتها اغراض اخري من ذلك) فجرت الحرب الاهلية الطائفية سنة (1975)، كل ذلك من اجل الحفاظ على مواقعها في الاقتصاد والسلطة. ولكن التغيير الديمغرافي الذي شهدته (الطائفة) الشيعية، مع فقرها، ونشوء رأسمالية جديدة من داخلها، أفضى الي تشكلها في احزاب (طائفية)، لا ترضي بالتقاسم الطائفي القديم، وتسعي الي تعديل المحاصصة الطائفية. وهو ما تحقق جزئياً في اتفاق الطائف، الامر الذي هز من اركانه من جديد نشوء ما سمي (بالمقاومة الاسلامية) بديل للمقاومة الوطنية التي كان يقودها اليسار والحزب الشيوعي اللبناني، لتصبح لدي هذه المسماة المقاومة الاسلامية لها رمزية اكبر من حصتها في السياسية، وليكون ممكناً السعي لإعادة التفكير في تغيير طبيعة المحاصصة الطائفية وهنا يمكن المقارنة والمقاربة مع التجربة البحرينية لصعود ما سمي بالمعارضة الشيعية يقابلها المعارضة السنية ليحدث الصدام فيما بين دوار مجلس التعاون ودوار الفاتح ولتصدر هذه المعارضة الشيعية المشهد وتحت شعار ان اصبح لديها (مشروعية ثورية)وكان اليسار هو الخاسر الاكبر من هذا الشرخ الطائفي والذي عزز في السابق الانتعاش القومي وعزز الحركة والوحدة الوطنية في كل الطوائف سواء كانت شيعية او سنية والذي كان ينطلق من الصراع الطبقي وليس الطائفي. بالنسبة للبنان فأن المشكلة تحددت في ان السلطة / الدولة في لبنان صيغت في إطار تقاسم حصص بين طوائف. وبالتالي كان من الطبيعي ان يؤدي شعور طائفة بالظلم (المظلومية)، الي التململ، وشعور (رأسماليتها) بالغبن الي الدفع نحو التفجير من اجل اعادة تقاسم الحصص، حيث ان التكوين قائم على حصص طائفية وليس على اساس المواطنة. وهذا هو ما حدث لدينا في البحرين مع ما سمي بالحراك السياسي في 2011 حيث اصطفت (الرأسمالية والتجار) من الطائفة الي هذا الحراك الطائفي بغية الحصول على الغنائم من منطلق طائفي في ظل لو نجح هذا الحراك، وحتى مع التداعيات التي نتجت بعد كارثة الدوار ففي ظل الحوار ما بين بيت الحكم وما سمي بالمعارضة الشيعية فقد طرحت الوفاق المحاصصة الطائفية في السلطة التنفيذية (اعتقد ثمانية وزراء شيعة يقابلهم ثمانية سنة)، هذه المحاصصة الطائفية في السلطة التنفيذية تعيد انتاج الانغلاق الطائفي في المجتمع عبر تحويله الي سياسة، حيث ليصبح لطائفة امتيازات اقتصادية (مناصب ووظائف)، وليصبح ل (رأسماليتها) المصلحة في اعادة تعميم الوعي الطائفي، و (التماسك الطائفي).
نستكمل هنا خطورة خيار او تبني الديمقراطية التوافقية في الحالة اللبنانية والحالة البحرينية ان المحاصصة الطائفية في السلطة سواء التنفيذية او التشريعية او القضائية الخ من مؤسسات الدولة تعيد كما ذكرنا سابقاً انتاج الانغلاق الطائفي في المجتمع عبر تحويله الي سياسة. حيث ليصبح لطائفة امتيازات اقتصادية (مناصب ووظائف)، وليصبح ل (رأسماليتها) المصلحة في اعادة تعميم الوعي الطائفي، و (التماسك الطائفي) من اجل تكريس الهيمنة لدي المسيحيين، وتغيير المحاصصة لدي الطوائف الآخرى، وهذا يهيئ لاستمرار وجود وضع (تمايزي)، ونشوء وضع تحريضي كل ضد الاخر، الذي هو طائفة او طوائف اخري، ويكرس الانقسام على اساس طائفي وديني بعيداً عن المساواة التي تفترضها الديمقراطية كأساس، من خلال تكريس مبدأ المواطنة. وإذا كانت مصلحة الرأسمالية المسيحية ان تعيد انتاج الراي الطائفي وتكريس ان لبنان هو وطن المسيحيين، من اجل ان تظل مهيمنة، فإن رأسمالية الطوائف الآخرى كانت تفعل الشيء ذاته، وفي ظل التغير الديمغرافي والوضع المزرى في طوائفها. وهنا الشيعة مثال على ذلك، خصوصاً مع حركة امل ومن بعدها حزب الله اللبناني. وهذا ايضاً حصل عندنا في البحرين في المشروع الاصلاحي. وهذا ما لم يلتفت اليه اليسار السياسي. وبالتالي بدل ان تكون هناك ايديولوجيا واحدة للطبقة المسيطرة، يتكئ كل (فرع طائفي) فيها على ايديولوجيا اصولية تقليدية متداعية. ينفخ فيها لكي يوحد الطائفة خلفه، لأن قوته متأتية من طائفته مادامت السلطة هي سلطة طوائف، وبهذا يصبح لبنان وكذلك البحرين يتشكل من كتل طائفية وليس من (شعب). كتل كما يسمي رموزها وزعمائها يتقاتلون من اجل محاصصة، ينزع كل منهم لأن تكون في صالحه، وإلا فالفوضى، وتشكل دويلة داخل الدولة كما هو وضع لبنان اليوم في ظل هيمنة الطائفة الشيعية وهيمنة حزب الله عليها وبالتالي وضع الارضية للحرب الاهلية، وهذا ما كان يراد به في البحرين عندما طرح عيس قاسم مشروع الديمقراطية التوافقية كنموذج يجب تطبيقه في البحرين. هذه هي سمة (الديمقراطية التوافقية)، الديمقراطية التي تلغي ذاتها حينما تتحول الي (توافق)، ولكن أساساً حينما تقوم على اساس مضاد للديمقراطية هو الدين والتمايز الديني والطائفي، حيث ينتهي مفهوم (المواطنة) الذي هو الاساس لأي ديمقراطية، التي تبدأ من المساواة القانونية (وليس الطائفية) بين الافراد، الذين يعدون حينها مواطنين (وليس رعايا او قطيع)، وبالتالي ينتفي اي (تمييز) طائفي او ديني. يتحول الي شأن شخصي لا علاقة له بالسياسة. فالديمقراطية هي تطور مفهومي يتجاوز المستوي المفهومية الذي نشأ مع الدين، وترابط مع الدين. لهذا فهي تقوم على قلب (الهوية)، او التعريف بالهوية من خلال الدين الي (الوطن / الامة)، وتبقي هذه الديمقراطية التمايز الديني والطائفي في الإطار (الشخصي)، كشأن شخصي. المسألة ان (الديمقراطية التوافقية) اقامت مظاهر الديمقراطية اي الاحزاب في لبنان وكان يراد لها الجمعيات في البحرين والصحافة والانتخاب، على قاعدة ماضوية، هي النظر الديني والطائفي التمييز الديني الطائفي، النظر الطائفي والديني الي الاخر، لهذا اصبحت مظاهر الديمقراطية شكلية الي ابعد الحدود كما شاهدناها في لبنان وكذلك في البحرين، لأن الانتخاب يفرض حجماً لكل طائفة، ويفرض مناصب لها مسبقاُ، وهنا يكون الاختيار ليس لكل(الشعب)بل لجزء او حصة لطائفة، وفي المناصب لجزء من النواب المحسوبين على طائفة، لكن الاخطر ان هذه الديمقراطية القائمة على قاعدة دينية / طائفية، تقود الي اعادة انتاج مستمرة للدين / الطائفة، وتكرس الايديولوجية الدينية الاصولية / الطائفية تنفخ فيها بشكل مستمر لأن الصيغة (الديمقراطية) تعتمد على اعادة انتاج هذه وتكريس الايديولوجيا الاصولية والتقليدية / الدينية الطائفية. ولكن الاخطر هو انها تدخل (البلد)، في متاهات الصراعات الراهنة، الصراعات بين شرائح رأسمالية يسعي كل منها لأن يحسن مواقفه في السلطة كلما شعر بأن لديه قاعدة اجتماعية تدعمه. وهنا بدل ان يتحول الصراع الي صراع طبقي ينحرف ويتمظهر ليصبح صراعاً طائفياً ليس من المستفيد منه سوي (البورجوازية السمسارة والملاكين العقارين الخ،) الطائفية. حيث ان رأسمالية الطائفة توحد العمال والفئات الوسطي خلفها تأسيساً على تعبئة طائفية، اصولية ماضوية، متخلفة.
لقد ابانت صيغة الديمقراطية التوافقية في كل من لبنان والعراق وكذلك المراد لتطبقها في البحرين عند الاسلام السياسي ومساندة اليسار في البحرين له من اجل تطبيق هذا المشروع. الي ان يعود هذا اليسار عن هوسه وولعه بالسياسة والتي اهلكت هذا اليسار اي طرح تأسيس ديمقراطية حقة وان هذه الديمقراطية سوف تتحقق فقط على انقاض الايديولوجيا الدينية الاصولية / الطائفية، على اساس تجاوز تعريف (الهوية) القائم على اساس ديني / طائفي وبالتالي تحديد الفرد بما هو فرد / مواطن، وهو ما يسمح بتعميم الحداثة في المشروع الاصلاحي، فلقد اوضحت التجربة اللبنانية ان ما يسمي (الديمقراطية التوافقية) لا تعدو ان تكون صيغة من اجل استمرار العنف والفتنة والحروب الطائفية ومن اجل استمرار هيمنة فئة الملالي ورجال الدين والرأسمالية التابعة وايديولوجيا هي الاصولية الدينية / الطائفية (في لبنان سواء كانت مسيحية او اسلامية) وفي البحرين طوائفية، والتي تمهد دائماً للفتنة والحرب الطائفية، بفعل تحولات داخلية (ديمغرافية، ثقافية، سياسية) او اقليمية ودولية. اي كلما تعرضت الرأسمالية المسيطرة الملحقة بالرأسمالية العالمية لهزة، او سعي فرع منها لإعادة بناء المحاصصة من جديد كما شاهدنا في كارثة الدوار. وبالتالي فهي الية انتاج واعادة انتاج الوعي الاصولي التقليدي، الطائفي وحتى الجهادي، والفتنة والحرب الاهلية المستمرة من اجل مصلحة ملالي ورجال دين رأسمالية تمعن في استغلال الدين والطائفة لتكريس سلطتها وهيمنتها.
في تعليق لنا على مقال د محمد الصياد، في صحيفة الأيام البحرينية عن الحراك السياسي في بنغلادش والذي كان مقتضب جداً وركزنا فيه على ما يسمي بشيطنة هذا الحراك الثورة الملعونة كما يصفها د محمد الصياد بانه من فعل الامبريالية الامريكية والبريطانية. وكذلك أشرنا الي واحد فقط من الظروف الاقتصادية وهو الاستحواذ على الوظائف في القطاع العام لصالح السلطة المهيمنة والفاسدة، ولم نذكر الاستبداد الخ لأنه كما قلنا مجرد تعليق مقتضب. والنظر من المفترض ان يكون من منظور اليسار العقلاني وهو: هل هو تحليل اقتصادي سياسي او تحليل سياسي (استراتيجي)؟ د محمد الصياد والتي ركز فيها على التدخلات الامبريالية الامريكية من منطلق اليسار الممانع؟ وبالتالي نطرح هذا السؤال ما هو المنظور الذي لا بد لليسار العقلاني ان يلمس الوضع انطلاقاً منه؟ التحليل الاقتصادي السياسي ام التحليل السياسي (الاستراتيجي)؟ النظر لدي د محمد الصياد كان ينطلق من (التحليل السياسي)، وكأن تناول المسألة من منظور (استراتيجي) يقوم على رؤية (العلاقات الدولية) والمواقف الناتجة عنها، خصوصاً العلاقة (التوافقية / الصراعية) مع الامبريالية، وبالذات الامريكية كون هذه الاخيرة هي (المركز) الذي يحكم النظر لكل المسائل الآخرى لدي قطاع كبير من اليساريين، وهي (الحلقة المركزية) التي تتمحور التناقضات حولها، وبالتالي فهي التي تحدد (الموقف) مع او ضد؟ في المنهجية العلمية (وهذا اساس منهجي وليس موقف سياسي) لا بد من الانطلاق من التحليل الاقتصادي من اجل فهم الوضع عملياً والا تحكم (المنطق المثالي) الذي يبدأ من (السياسي) ومن الدولة ومن الافكار وهنا لابد من البدء من الحقل الاقتصادي من اجل تلمس علمي للحقل السياسي، ذلك ان البدء من الاقتصادي يوصل الي الطبقي، وللأسف لم نري هنا اي تحليل اقتصادي كون الدكتور محمد الصياد خبير اقتصادي؟، وكما هو معروف في المنهجية العلمية فإن التناقض هو في البنية (التكوين الطبقي) التي تؤسس للاستغلال المباشر في التجربة مثلا البنغلادشية اي (التموضع الطبقي القائم في المجتمع). وبالتالي فإن (الموقف) لا بد من ان يتحدد من هذه النقطة، وليس من اي نقطة اخري، اي ليس من (الحقل العالمي) الذي تتأسس فيه الظاهرة الامبريالية، حيث هنا يتحول التناقض الي تناقض (سياسي)، اي ينتقل من صراع طبقات الي صراع دول رغم الاساس الاقتصادي الذي يحكم هذا الصراع، والذي سيتم الاشارة اليه تالياً. ما يجري من قبل اليسار في البحرين هو قلة هذا التحديد، ليصبح (السياسي) هو محدد الموقف وليس (الطبقي)، والسياسي ليس الطبقي بالضرورة، بل يمكن ان تصارع قوي سابقة للرأسمالية الامبريالية كما هو حادث مع دولة الملالي في إيران ومليشياتها وهي هنا تصارع من منظور رجعي، بالتالي لا تصبح قوي ثورية، او يجري التحالف معها، لكن حين تنهض الطبقات الشعبية ضد سلطة (تختلف) مع الامبريالية، يكون ضرورياً اولاً تحديد اسباب هذا الاختلاف، ثم الاصرار على تطوير الصراع الطبقي لأنه يمثل التناقض الرئيسي. هل ينظر هذا اليسار البحريني الي ان الاختلاف القائم مع الامبريالية ذو اساس اقتصادي؟ ام طبقي؟ هنا لابد من فهم الامبريالية الامريكية كتكوين اقتصادي قبل ان تكون سياسة عالمية، وكذلك فهم ان الوضع الطبقي هو الذي يحدد الموقف السياسي وليس العكس. فالصراع بين البلدان الامبريالية قائم رغم النمط الرأسمالي الموحد بينها، نتيجة التنافس او التناحر بينها، وكان هناك يقوم هذا التنافس او التناحر مع بلدان تريد التحرر ببناء الصناعة وتطوير الزراعة وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي، والان هناك تناقض بين الإمبرياليات الامريكية الاوربية من جهة والروسية الصينية من جهة اخري وكل هذه التناقضات
ان النخب اليسارية السياسية – في البحرين والتي تنطلق من الولع السياسي والهوس السياسي وهذا هو (اس) سوء فهمها للواقع منذ زمن بعيد، وهذا ما يقع فيه د محمد الصياد وكثير غيره من النخب اليسارية حين ينظرون الي الحراك او (الانتفاضة) في بنجلادش من منظور (الموقف السياسي) او ينظرون الي محور المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران من الموقف السياسي مثلا. وهنا فأن هذا الموقف لا يستطيع التمييز بين (المصلحة الطبقية للسلطة الحاكمة في بنجلادش والخطاب الذي تنتجه هذه الطبقة المسيطرة) فيجعل الخطاب بديلاً عن المصلحة وليس لإظهارها، وهذا اساس وقوع الكاتب د محمد الصياد في سوء الموقف من الحراك السياسي (الانتفاضة في بنجلادش) ما يمكن قوله هنا هو ان الحراك السياسي هنا هو (انتفاضة) هي في جوهرها انتفاضة الطبقات الشعبية التي باتت عاجزة عن الاستمرار في الوضع الذي الت اليه، والتي هدفت الي اسقاط حكم حسينة بالرغم من (عفويتها) وعدم وجود حزب سياسي يساري علماني يقف خلفها وتربص الجماعات الاسلاموية بهذا الحراك او الحزب القومي البنغلادشية بها؟، فهدفها هو من اجل تحقيق مطالبها المتعلقة بوضعها المعيشي والحياتي، وبالظروف السياسية التي تسمح بذلك، لكنها لا تجد الاحزاب التي تعبر عنها بعد ان فجرت حراك سياسي وانتفاضة عفوية، وانحكمت لوعيها، بالرغم من التفكير العلماني للحركة الطلابية في الجامعات . عكس الاستنتاج الذي وصل له العزيز د محمد الصياد بانها (ثورة ملعونة، يقودها ثوريين، تقف خلفهم امريكا وبريطانيا). وهذا يطرح السؤال حول كيف يتبلور موقف يساري علماني ديمقراطي منها؟ وكيف يتجمع اليسار العلماني في بنغلادش المشارك في الحراك او (الانتفاضة) لكي يشكلوا قوة حقيقية اولاً ولكي يؤثروا في شعارات وسياق الانتفاضة بما يجعلها واضحة الاهداف ويطور من فاعليتها بعد ان أصبح دور العنصر (الواعي) مهماً لانتصارها. (اضافة الي انهم أسقطوا حكومة رئيسة الوزراء) والذي فتح ثغرة لحكم العسكر والتي كما في كل الدول الاستبدادية تطرح فترة انتقالية وحكومة مؤقته؟؟ عندما انطلق د محمد الصياد كما هو حال كل اليسار الرائج في البحرين من الوضع الدولي: الخوف من (المؤامرة الامبريالية الامريكية والبريطانية)؟ من المنظور المنطقي عند هذا اليسار هو تغليب (الاستراتيجي) على الواقعي جزء من اشكالية فهم تعيشها النخب اليسارية التي لديها ولع وهوس بالسياسة، وهو المنظور الذي يمكن ان يسمي (المنظور السياسي)، حيث ظهر بأن التوضعات العالمية هي التي حكمت النظر اما ما يجري في كل الدول التي ذكرها د محمد الصياد هنا بنغلادش وكأن وجودها في وضع مختلف مع الدول الامبريالية القديمة، وفي علاقات حسنة او تحالف مع الإمبرياليات الحديثة التشكل روسيا الصين تتصارع مع الثالوث الامبريالي امريكا اوروبا اليابان، هو الذي يقود الي استنتاج سريع بأن ما يجري في بنغلادش او الدول الآخرى العراق إيران سوريا النيجر الخ هو مؤامرة امبريالية.
من الناحية النفسية، فإن الخوف من المتغيرات في المنطقة والعالم، قد ضخم الامبريالية وتحولت الي (حالة رعب)، عند هذا اليسار في البحرين، وبالتالي فإن كل اشارة توحي بموقف ضدها (اي ضد الامبريالية الامريكية هنا خصوصاً)، ستكون صحيحة وثورية عند هذا اليسار سواء في البحرين او في عموم العالم العربي. هذا هو نتاج (حالة نفسية) ونتاج (عقل) يعيش اقصي حالات العمومية و السطحية ولهذا تتشكل لديه صورة مفترضة للواقع او حتى (رغبة او اراديوية) هي نتاج هذه الحالة النفسية او هذا العقل، وهنا يصبح (العالم) الافتراضي والمصاغ في ذهن هذا اليساري هو (الواقع)، وينزوي الواقع في مجاهل (التاريخ)، وبالتالي وكأنه سواء في بنغلادش او في العراق او سوريا او فلسطين او ايران او لبنان وهنا نركز على ما يسمي بمحور المقاومة والممانعة المزيف وحمله لشعار الموت لأمريكا الموت لإسرائيل، وبالتالي فهذا اليسار الممانع والمقاوم لا يري وجود البشر والاقتصاد والنهب والفساد والاستغلال والاستبداد الديني الطائفي، هؤلاء عند هذا اليسار الممانع (زائدة) لا وجود لها في منطق (مقاومة الامبريالية)، الشعب رعاع ومفكك ومخترق كما عند د محمد الصياد من قبل الامبريالية الامريكية والبريطانية، وان اي حراك سياسي سواء كان في المنطقة او العالم يكون وراءه الامبريالية الامريكية اي الوجود كل الوجود هو ل (فكرة الامبريالية)، التي تتحول الي طوطم. هذا (العقل) هو بالكاد، يري (معادلة النظام / الامبريالية)، وهو بالتالي ضد الامبريالية، وبالتالي مع النظام سواء كان في بنغلادش او مع الانظمة فيما يسمي بمحور المقاومة والممانعة؟ وهذا اليسار لم يسأل نفسه: ما هو وضع هذه الانظمة في محور المقاومة والممانعة او النظام في بنغلادش؟ وماهوا طابعه الطبقي؟ وما هو التكوين الاقتصادي الذي اسسه؟ وعلاقة هذا التكوين بالنمط الرأسمالي العالمي؟ كلها ليست اسئلة مهمة لدي هذا اليسار بل ان الاجابة عليها جاهزة في تصور افتراضي مرسوم انطلاقاً من كونه ضد الامبريالية الامريكية، اي هو جاهز بشكل مسبق، وهو في بنغلادش ومحور المقاومة والممانعة كما في اي مكان اخر في العالم يكون (ضد الامبريالية)، ولهذا لن تكون هناك حاجة للنظر الي الشعب في بنغلادش او الي الشعوب في محور المقاومة والممانعة، او الي الطبقات وتكوين السلطة الثيوقراطية وممارساتها وطبيعتها الطبقية وليس الطائفية فقط. في المقابل، تظل الامبريالية كطوطم لا يحتاج الي نظر مستمر، وتظل هي كطوم كما في السابق دون ملاحظة التموضع العالمي الان وفي المرحلة الراهنة. وطبيعة موازين القوي الان، وطبيعة الصراعات بين الرأسماليات الان، فالمسألة هي ليست مسألة (الموقف من الامبريالية فقط)، بل في تضعها الان، وفي ممكنات فعلها خصوصاً في الانظمة التي يتشكل منها المحور المزيف محور المقاومة والممانعة. وهذا ما يظهر عمي النخب اليسارية الممانعة والمقاومة.
ان هذا اليسار البحريني والمنطلق من الهوس للسياسة اصبح يخاف من كلمة (الحرية) ومن كلمة التغيير بعد ما جري في البحرين من تداعيات بعد كارثة الدوار وما حملته من حل لجمعيات ليبقي جزء من هذا اليسار الممانع والمقاوم بشكل علني ولكنه اصبح عاجز ويائس لا يقدر حتى على لملمة نفسه ولكنه الي الان لم يستطيع ان يتخلص من فيروس الممانعة والمقاومة بمفهومه الطائفي والديني سواء تنسيقه مع الاسلام السياسي الشيعي والذي تم حل معظم جمعياته او مع الاسلام السياسي السني العلني، وبالتالي فهو اصبح ينظر بعين الريبة لكل حراك سياسي او انتفاضة مثل انتفاضة الشعب في بنغلادش او اي حراك سياسي في المحور المقاومة والممانعة المزيف. وهنا يطرح هذا السؤال: ما هو إثر اي حراك سياسي والذي نشاهده بين الفينة والأخرى سواء في سوريا او في إيران او في لبنان او في العراق او في اليمن او كما شاهدناه في (بنغلادش) فما هو إثر هذا الحراك السياسي الشعبي في تلك الدول على الوضع الاقليمي؟ الرافضون لكل لمثل هكذا حراك سياسي ينطلقون من خوف على (المقاومة)، ومحورها، اي على اولاً حزب الله اللبناني وحركة حماس (التي قفزت سريعاً الي محور المقاومة والممانعة). وهو (خوف) من نهاية الدول التي هي في (اختلاف مع الامبريالية)، ومنطق هذا اليسار في البحرين: (ان كل الدول العربية الآخرى هي تسير ضمن (السرب الامريكي)، وان وجود هذا المحور المقاوم والممانع هو المتبقي الوحيد في المقاومة والممانعة. وان هذا التخوف مشروع فعلي الاقل لا بد من وجود قوي تقول لا ل الامبريالية بغض النظر عن السبب، او حتى ان تقول الامبريالية لها لا، المهم ان يبقي شيء ما من ذلك الماضي الجميل الذي تعلق به هذا اليسار الذي شهد نهوض العرب، والعالم الثالث ضد الامبريالية والتي قادته الحركة القومية والماركسية، وحققت تغيرات كبيرة، شكلت نقلة في الوضع المحلي والاقليمي وفي الصراع العالمي، واحيت الامل في عالم جديد يتجاوز مخلفات الامبريالية، ومحور المقاومة والممانعة هي البقايا الشاحبة لهذا الماضي)، وهذا ما يفرض تعلق اليسار في البحرين في دعم هذا المحور المقاومة والممانعة، ولكن هذا (وهم) يعيشه هذا اليسار الممانع والمقاوم وهم يعيشون في الماضي، رغم انهم يتعلقون (بحلم جميل)، لكن توضعات العالم لم تعد تسمح بوجود ما يؤشر الي ذلك الماضي حتى من موقع (الحلم)، فمحور المقاومة والممانعة وكذلك اليسار الممانع والمقاوم هي ليست بقايا ذلك الحلم، حيث لم يبقي من حلم التحرر والتقدم (والاشتراكية)، شيء يذكر، وبات صراعها مع الامبريالية ليس نابعاً من ميل التحرر والتقدم و (الاشتراكية)، بل نتيجة الوضع الممكن لها في (التوضع الامبريالي)، وهنا تقع دولة الملالي الدينية والتي تقود هذا المحور هو في حل ملفها النووي مع الامبريالية وبالذات الامريكية وان اتي ذلك على حساب دماء الشعوب العربية في الدول التي تسيطر عليها المليشيات الطائفية، ولهذا ايران وبالتالي محورها المقاوم والممانع اصبح من محور جديد هو محور الامبريالية الروسية والصينية وكوريا الشمالية وليست من محور الامبريالية الامريكية (بالرغم من وجود تفاهمات وحوار من تحت الطاولة مع الامريكان)، وفِي تبعية لهذا المحور الجديد الروسي الصيني يتشكل عالمياً، والمحور الجديد هو محور راسمالي امبريالي كذلك، ويريد السيطرة الاقتصادية والنهب ايضاً وحتى ما يسمي التحالف بين روسيا والصين هو تحالف مرحلي وهذا ما تجيده الصين حيث انها تحاول ان تنهك روسيا في حرب الاستنزاف مع الدول الغربية وامريكا لكي تستفرد هي بالهيمنة الاقتصادية ومن ثمة الهيمنة العسكرية. لا شك ان كل الشحنة المعادية لدي اليسار في البحرين وكذلك في العالم العربي التي تشكلت ضد الامبريالية القديمة (الثالوث الامبريالي امريكا اوروبا اليابان)، سوف تسمح بتبرير كل علاقة مع الامبريالية الجديدة روسيا، الصين ، لكن سوف تظل العلاقة مع اي امبريالية هي ذاتها فيما يتعلق بالتكوين الاقتصادي الذي يتشكل داخل هذا المحور المقاومة والممانعة والذي سيكون ريعياً بالضرورة، حتى في العلاقة مع روسيا التي تزود حالياً حليفها دولة الملالي ايران وحتى مع الصين ايضاً حيث ان هم روسيا والصين هو تصدير السلع الصين (وروسيا السلاح) والتوظيف المالي.
ان عدم وعي اليسار – في البحرين للتوضع الجديد في التوسع الامبريالي، ووقوفه مع محور الامبريالية الروسية والصينية وإيران ومليشياتها وكما ذكرنا سابقاً ان هذا هو محور راسمالي امبريالي كذلك، ويريد السيطرة والهيمنة الاقتصادية والنهب وحتى الاحتلال كما هو في سوريا والتدخل العسكري في قلب كثير من الانظمة سواء في افريقيا او في العالم ك اوكرانيا. من هذا المنظور، الذي من المفترض ان يراه كل يساري ماركسي كذلك، ان يكون هناك تغيير في وضع كل الدول التي اصبحت تحت مظلة محور المقاومة والممانعة، فالصراع العالمي الحالي قد وضعها في محور روسيا الصين، ايران، وليس من الممكن ان تنتقل الان الي المحور الامريكي (رغم الارادة الشديدة الذي يكنها رجال الاعمال الجدد، ونخب السلطة لأمريكا في كل مكونات هذا المحور الذي يدعي المقاومة والممانعة من ايران الي العراق الي سوريا الي اليمن الي لبنان)، وهنا في ظل الوضع الحالي التصادمي مع امريكا وإسرائيل ليس من الممكن ان يغير هؤلاء (رجال الاعمال الجدد او ما يسمي بالإصلاحيين) تحالفاتها سواء مع روسيا الامبريالية او الصين الامبريالية او مكونات هذا المحور المزيف الذي يدعي المقاومة والممانعة. وحتى العلاقة مع تركيا بالنسبة للوضع في سوريا مثلاً سوف تعود الي ما كانت عليه في الفترة التي سبقت انتفاضة الشعب السوري ضد الحكم الاستبدادي في سوريا مثلاً. وهنا في هذا المحور المقاوم والممانع المزيف سيقود الصراع الداخلي فيه الي ان يكون التغيير خاصاً بالوضع الداخلي في كل الدول العربية التي لإيران أذرع واذناب ووكلاء وخصوصاً ربيبها حزب الله اللبناني الولائي، كل هذا التغير الداخلي لا علاقة له بتحالفات هذا المحور المقاوم والممانع الاقليمية والدولية، نتيجة موازين القوي الداخلية أصلاً والعالمية كذلك. حيث ان التغيير يجب ان يتحقق من داخل هذه السلطات الاستبدادية سواء لإيران او أذرعها ووكلائها. علاوة على ان هذا المحور المقاوم والممانع، سيكون اقرب الي روسيا والصين منها الي امريكا (ربما مجبرة على ذلك نتيجة اشكالية الصراع الذي حدث منذ ما بعد احتلال العراق، والدور الامريكي في تغيير السلطة لمصلحة رجالها)، ومن هنا نري هذا الاهتمام الواسع من قبل الامبريالية الروسية والصينية في التواجد في منطقة الشرق الاوسط وتسليح ايران، خصوصاً ان الحرس الثوري في ايران يتم تسليحه الان من قبل الامبريالية الروسية ومن هنا سيكون دور ربط الاقتصاد عبر السلاح والتواجد العسكري، وخصوصاً ان (رجال الاعمال الجدد) في كل الدول العربية التي تهيمن عليها ايران سوف يتشابكون مع رجال الاعمال الجدد الروس والصينيين (اي المافيا الروسية وكبار الطغم المالية في الصين).
لماذا يظل اليسار في البحرين، يخفق في قراءة التحولات والتغيرات سواء المحلية او الاقليمية او الدولية؟، ولماذا لا نزال نصطدم بموقف يسار يدافع عن السلطات الاستبدادية في محور المقاومة والممانعة المزيف (كما يدافع عن سلطة استبدادية في بنغلادش) ويعتبر ان كل ما يجري هو مؤامرة؟ كيف يمكن التبرير لمثل هكذا يسار رائج او يسار المقاومة والممانعة؟ هل نبرر له انه مسألة خطأ عابر؟ ام نتاج خطأ عاطفي؟ وهل لهذا اليسار مصلحة مباشرة للوقوف مع هذا المحور؟ هنا لابد من التمييز بين من لهم فعلاً مصلحة مباشرة من هذا المحور الممانع والمقاوم باعتبار هذا اليسار بأنه أصبح جزء منه. والاخر اليسار الذي يأتي موقفه نتاج خطأ معرفي. واذا كان هناك البعض من اليسار لهم مصالح مباشرة من هذا المحور المقاوم والممانع، فإن الكثير من اليسار العربي والعالمي انحكم (لخطأ معرفي) يشي بطبيعة الوعي الذي يتحكم بهؤلاء، ورغم ان المليشيات المسيطرة في كل الدول العربية على السلطة في كل من سوريا، العراق، اليمن، وفلسطين والسلطة الثيوقراطية لدولة الملالي ايران تمارس الوحشية ضد الشعب كعصابات ومليشيات مسلحة، وكعصابات مافيا للأسلحة والمخدرات والمنشطات التي تغزو بها الدول المجاورة علاوة على كونها سلطات فاسدة، كل هذا لم يطرح عند اليسار في البحرين طبيعة السلطة في كل هذا المحور المقاوم والممانع حتى قبل طوفان الموت في السابع من اكتوبر. ولا لامس الطابع المافياوية والمليشاوي المجرم، وهو ما يشير الي (غياب الاخلاق) عن بعض هذا اليسار، لتصبح القيم المجردة والشعارات المجردة الموت لأمريكا والموت لإسرائيل اهم من البشر الذين يعيشون في دول هذا المحور الذي يسمي نفسه بالمقاومة والممانعة. وكذلك لتصبح القيم أكثر تأثيرا في تحديد المواقف من ممارسات وحشية تدمر وتقتل دون رادع؟!، ولكن كيف نفهم هذا (السقوط الاخلاقي) عند هذا اليسار؟ البعض يسميه انه نتاج (توهم ايديولوجي متسامي)، اي تحليق تجريدي وصل الي البعد الذي لا يسمح برؤية الواقع والوقائع. وهل هناك قيمة اخلاقية لمقولة مقاومة ومواجهة الامبريالية، اذا كانت تغطي على الاستبداد والقتل والتدمير وجعل الدول التي سيطرت عليها المليشيات دول فاشلة تسود فيها العصابات المسلحة، ليس هناك من تسامي اعلى من الدفاع عن الشعب الذي يقع تحت سيطرة هذه المليشيات والذي لم يبقي امامه سوي الهجرة الي الدول الغربية وامريكا ما دعي للبنانين يقولون لحزب الله وايران اليوم (بيكفي تعبنا) و(بيكفي ما بدنا حرب)، وبالتالي لا يجوز ان يغطي شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل والمواجهة والمقاومة ضدهم، ان يغطي ذلك على قتل البشر لانهم يرفضون سلطة هذه المليشيات وسلطة دولة الملالي الايرانية، ويريدون تغييرها والتحرر منها. لهذا فأن الدفاع عن سلطة هذا المحور المقاومة والممانعة لا تتمتع بأية قيمة اخلاقية بل تمارس كل ما ينفي الاخلاق وهذا هو السقوط الاخلاقي بامتياز لهذا المحور وكذلك لليسار في البحرين الذي يقف معه قبل ان يكون (خطأ معرفي) وخطيئة عملية. هذا ربما يوضح المدي الذي وصل اليه هذا الخواء النظري، ولكن ايضاً الهزال في الممارسة، يشعر بعجزه لهذا يتكئ على بقايا من اوهام الماضي التي يراها تنهار فيعتبر بأن ذلك هو ل استمرار ل (مؤامرة امبريالية)، الامبريالية باتت هي (الغول) الذي يتم تخويف الاطفال به، هي الجبروت التي استمر وتماسك وظل قوياً كما يظن هؤلاء، وبالتالي الامبريالية الامريكية هي كلية القدرة، فتستطيع كما يري هذا اليسار الممانع والمقاوم تحريك الشعوب وتغيير النظم، والتحكم في مسارات التاريخ وهي التي تتأمر في كل لحظة وان مؤامراتها تنجح دائما.
هل انطلق اليسار في البحرين من فهم الوضع الذي تبلور فيه محور المقاومة والممانعة، لكي ينجذب له هذا اليسار ويبني عليه موقفه؟ لم يري هذا اليسار ان الوضع في هذا المحور المقاومة والممانعة والدول العربية التي يهيمن عليها هو ان هذا (الوضع المركب) وليس (الوضع البسيط)، الذي ينجح (العقل الصوري) (الشكلي) في فهمه، ولم يري هذا اليسار انه وضع متداخل ومتعدد المستويات، والعقل الصوري (الشكلي السطحي)، لا يستطيع استيعاب سوي مستوي واحد (الظاهر)، ولقد تأسس على ان (المستوي السياسي هو هذا المستوي الذي يفعل فيه (عقل اليساري). ولهذا غاب (الشعب) هنا لأنه يتخفى خلف (المستوي الاقتصادي)، فالشعب هو المستوي الاقتصادي المبتعد عن (السياسة) كونها السلطة القامعة والمتداخلة والمخفية في داخل السلطات المهيمنة في هذا المحور المسمى بالمقاومة والممانعة، ليصبح الشعب هو (المجتمع ناقص الدولة او السلطة الاستبدادية والمليشياويه والاحزاب الطائفية التي تستغل الدين)، بالتالي، وبهذا بالتحديد، لا يقع الشعب في (دائرة الرؤية) التي تحكم النخب والاحزاب والجمعيات اليسارية هذه سواء في البحرين او اليسار الممانع في العالم العربي. لقد كان فهم الوضع (البسيط) مثلاً في احداث تونس ومصر حيث كانت السلطة متطابقة مع الامبريالية، لأنها تابعة فكان الفهم لهذا الوضع (البسيط)ممكناً (الثورة في مصر وتونس ضد الامبريالية)، اذن جيدة، اما في وضع محور المقاومة والممانعة الوضع كان (مركب) وليس (بسيط) كانت السلطة سواء لدولة مثل سوريا والعراق او المليشيات في لبنان واليمن او مركز المحور ايران في (اختلاف) (او في حلف مختلف) مع الامبريالية فاصبح الفهم عند اليسار- في البحرين يطال هذا الاختلاف بالتحديد (اي المستوي السياسي) (الولع بالسياسة وهوس السياسة عند هذا اليسار البحريني) لهذا فأن الثورة على هذا المحور المقاوم والممانع ليست (ثورة شعبية ) بل هي مؤامرة امبريالية على هذا المحور المقاوم والممانع المزيف. وهنا لم يفهم هذا اليسار في البحرين (وضع الشعب) الذي يقاوم هذه السلطات لهذا المحور الممانع والمقاوم المزيف الذي يقوم بحراك بين الفينة والأخرى سواء في اليمن او لبنان او العراق او سوريا او في مركز هذا المحور إيران. ولم يقم هذا اليسار بدراسة الاقتصاد في هذا المحور، ولا فهم وضع الطبقات الشعبية التي تعاني الافقار في ظله، ولم يجري ملاحظة الاحتقان، وظل هذا اليسار مهموم ومتعلق ب (الامبريالية / وضد الامبريالية)، وليس بصراع الطبقات كما تنطلق الماركسية، وبالتالي من فهم طبيعة الاقتصاد والبنية الطبقية في هذا المحور، فهذا امر سقط من (التحليل) منذ سقوط اليسار العلماني الديمقراطي، وتحول التحليل المادي الذي ينطلق من الاقتصاد وصراع الطبقات عند هذا اليسار الرائج الي تحليل ينطلق من (البنية الفوقية) اي من (السياسي) الذي تولع به هذا اليسار واصبح نوع من الهوس به. وهو الامر الذي حول مفهوم الامبريالية عند هذا اليسار الي مفهوم سياسي يتعلق بهوس السيطرة والاحتلال والتدخل الامبريالي، عند هذا اليسار دون ان يلحظ هذا اليسار (البنية الاقتصادية العالمية التي تؤسس لتكوينات طبقية محلية في هذا المحور الذي يسمي المقاومة والممانعة (المزيف).
في بداية المشروع الاصلاحي ركز اليسار الرائج في البحرين على البعد النظري على القضايا الاقتصادية اي كان التركيز (بالاقتصادي)، الي حد ما، ولكن تحول هذا التركيز من البعد النظري الإقتصادوي في فترة الاحداث الكارثية في 2011 واتسم هذا التركيز بسياسة مفرطة وصلت الي حد الهوس. والسياسة هي الشكل، او السطح او ما يري في الواقع، لهذا يستطيع المنطق الصوري تلمسه، لكنه لا يستطيع فهم عمقه والياته وصيرورته، وهذه سمة المنطق الصوري الذي لا يستطيع تجاوز الشكل الي الجوهر، كما انه لا يستطيع فهم الصيرورة لأنه يلتمس الامور من منظور سكوني، منظور راكد حتى ان هذا اليسار مرحل المشروح الاصلاحي الذي لم يتعدى فترة الخمس سنوات ما قبل اشهار الجمعيات سواء الاسلام السياسي او الجمعيات اليسارية والقومية وما بعد هذا الاشهار؟!، وبالتالي لم يكن هذا اليسار الرائج بحاجة لفهم (الوضع العياني في انتقاله من مستواه الاقتصادي الي المستوي المجتمعي، ومن ثم طبيعة السلطة ومصالحها وطبيعة الطبقات الشعبية والبحرين والتي تدور في فلك مجلس التعاون الخليجي، وكيف تشكل والي ماذا سيؤول. ففي البحرين ظهر (العقل الاحادي) واضحاً وفضاً، فسقط ازاء تعقيد الوضع العياني فسقط في كارثة الدوار وتداعياتها، وبدل ان يكون يساراً بات في أقصى (اليمين)الذي تقوده جمعيات الاسلام السياسي الشيعية والسنية التي تستغل الدين.، بدل ان يتمثل موقف الشعب تمثل مصالح الاسلام السياسي بشقيه، كما حدث لكل مكونات محور المقاومة والممانعة حيث تمثل اليسار العربي في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، تمثل موقف السلطات او المليشيات المهيمنة بدل ان يتمثل مصالح الشعب سواء في العراق او سوريا او اليمن او لبنان. لقد ظهر ان هناك (فكرة) مطلقة تحكم كل نظر، وتحدد كل الرؤية، وهي التي لها قوة الإله في الفلسفة القديمة، انها (فكرة الامبريالية)، التي باتت (فكرة) بالتحديد، اي انها لم تعد تكويناً واقعياً يخضع للتحول والتغير، الامبريالية باتت مجردة، واصبحت سياساتها ما كانت تمارسه خلال العقود الماضية، الاحتلال والاستغلال والسيطرة الخ، او ما كان يشار الي انها تمارسه. وبالتالي أصبح يثري الاخر من منظورها، اي من هو (معها ومن هو ضدها). هذا هو اساس (المنطق الصوري، السطحي، الشكلي)، وأصبح من هو بالضد من الامبريالية وبالذات الامريكية هو ثوري ويساري وقومي ووطني (حتى بن لادن في لحظة من اللحظات، وايضاً الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي أصبحوا هم ثوار مقاومين وممانعين ووطنيين). هنا يجري عند هذا اليسار الرائج تجاهل مبدأ جوهري في الجدل المادي، هو (جوهر الجدل المادي)، انه الصيرورة التي تؤكد على التغيير والتحول، ومن ثم فهم ان الامبريالية تكوين متغير، وليس ساكن، الامر الذي يفرض فهم تكوينها الآن في الوقت الراهن لا اسطرتها وتحويلها الي جوهر ثابت (وهذا هو جوهر المنطق المثالي الذي يحول الاشياء المتغيرة الي ثابت مطلق). ولهذا يصبح هناك تصور الامبريالية متعالي يحكم رؤية الواقع، هو التصور حول الامبريالية. وفي هذا منطق مثالي مفرط عند هذا اليسار الرائج، فكرة مسبقة تحكم الواقع. وهذا ما سيبدو واضحاً حين تلمس الواقع في الوقت الراهن الآن.، حيث سيبدو النقص المعرفي واضحاً، عند هذا اليسار ويظهر كم ان التصور المسبق هو الذي يحكم الرؤية ويقود الي موقف غاية في الخطأ. فالواقع يحتاج الي (تحليل شمولي)، خاص بمحور المقاومة والممانعة: السلطة والطبقات والاقتصاد، محلي. وعالمي يتعلق بطبيعة التكوين الامبريالي في الوقت الراهن الآن، وليس امس او قبل عشرات السنوات او زمن الاشتراكية، وفي الوضعين يظهر النقص والخطأ المعرفي لدي اليسار الرائج في البحرين واليسار (العربي والعالمي)، حيث يتمركز الفهم على الحدث الجاري ويعالج كما عند مثلاً العزيز د محمد الصياد بشكل صحافي (تقريري) دون محاولة لفهم اساسياته وخلفياته، وبالتالي يبقي التصور السابق هو الحاكم ما دامت الامبريالية الامريكية والبريطانية لم تنته بعد وظل النمط الرأسمالي هو المهيمن، رغم ان التكوين الرأسمالي يشهد تغيير كبيراً.
ان تحكم تصور مسبق ثابت لدي اليسار في البحرين للعالم والامبريالية الاميركية، فرض لدي هذا اليسار في البحرين الا يري التحولات الواقعية، وبقيت الامور بالنسبة لهذا اليسار الرائج كما كانت في عقود سابقة، وبالتالي بقيت السياسة الامريكية كما كانت، وظلت مقدرة الامبريالية الامريكية على تحقيق هذه السياسات كما هي، وبهذا لم يجر تلمس معني مثلاً (ازمة سنة 2008) في امريكا، التي قيل انها ازمة مالية بينما هي ازمة عميقة في النمط الرأسمالي ككل، الامر الذي جعل امريكا في وضع انكفائي توضح في الاستراتيجية الجديدة التي تم اقرارها كرد فعل على هذه الازمة، والتي اعطت الاولوية لتركز الامبريالية الامريكية على منطقة الباسيفيكي، وقررت العجز عن خوض اكثر من حرب في الأن ذاته، صحيح انها كانت تخوض حرب في افغانستان، ولكنها بعد ذلك تخلت عن افغانستان، كما ان قبضتها تراخت على العالم وقد تراخت في ظل القيادة للحزب الديمقراطي وباتت تسعي لحماية ذاتها من (التوسع الامبريالي الصيني) وثانياً من التوسع الامبريالي الروسي، وهي الان ترجع مضطرة الي منطقة الشرق الاوسط بعد ان تخلت عن دورها في كبح التوسع والنفوذ لدولة الملالي في ايران وسيطرتها عبر مليشيات في كل من العراق، اليمن، لبنان، سوريا، وبعد السابع من اكتوبر وتهديد هذا المحور المسمى بالمقاومة والممانعة بتهديد وجود اسرائيل، كما ايضاً فعلت في الوقوف ضد الامبريالية الروسية التي غزت دولة ذات سيادة هي اوكرانيا واعادة تسليح المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي بعد ان تركتها تواجه التوسع والنفوذ الايراني في المنطقة وتحت حجة ان لا يمكن تسليح المملكة العربية السعودية بالسلاح الهجومي في وجود انتهاكات لحقوق الانسان مستغلة قضية خاشقجي، والامبريالية الامريكية الان ارسلت مدمراتها وغواصاتها واستنفرت كل قواعدها العسكرية في المنطقة ضد ايران وكذلك حزب الله الان كقوة ردع لكي لا تنجر المنطقة الي حرب اقليمية شاملة … الخ. من هنا لا يمكن ان نبقي نكرر الكلام الذي كان يتردد في العقود السابقة حول (الشرق الاوسط الجديد)، و (الفوضى الخلاقة)، فيما سمي بالربيع العربي، والتدخل العسكري، فهذه باتت من الماضي من المنظور الامريكي. اذن الامبريالية الامريكية ضمن إطار التحول والتغير تعيش حالة من المد والجزر، وهي تعاني من ازمة عميقة مستمرة، وبالتالي تتحول موازين القوي بين هذا المد والجز سواء كان لمصلحة الامبريالية الامريكية او ضدها، وإذا كانت قد حاولت حل أزمتها عبر التدخل العسكري والسيطرة على العالم وتحقيق (الشرق الاوسط الجديد) في ظل وعبر (الفوضى الخلاقة) فان حرب امريكا مثلاً في افغانستان افضت الي عكس ما اريد منها، مما جعل الامبريالية الامريكية تتراجع وتقبل بحماية ذاتها. هذه اوضاع جديدة لم يعرها ويدرسها اليسار في البحرين، حيث بات هذا الوضع للإمبريالية الامريكية يفرض رؤية العالم في افق جديد، وليس التشبث كما عند هذا اليسار الرائج بتصور ماضوي.
نصل هنا الي خلاصة لهذه الورقة الولع والهوس بالسياسة لدي اليسار – في البحرين. ونبدئ بسؤال لماذا اليسار – في البحرين يدافع عن السلطات الاستبدادية في محور المقاومة والممانعة (المزيف) ومليشياتها ووكلائها وأذرعها في كل الدول العربية التي تنفذت وهيمنت وسيطرت فيها هذه المليشيات او الاحزاب تحت قيادة دولة الملالي الثيوقراطية؟ نعم هناك قطاع كبير من اليسار – في البحرين واليسار العربي والعالمي يفعل ذلك تحت عنوان (الممانعة والمقاومة)، ومناهضة الامبريالية الامريكية بالذات، وهو يسار كان في السابق ملحقاً بالسياسة السوفيتية سابقاً. التي كانت تنطلق من ان الصراع العالمي هو صراع ضد الامبريالية، والذي هو (الحلقة المركزية)، والامبريالية كانت هنا تتحدد في الامبريالية الامريكية بالأساس، التي كانت تقود النمط الرأسمالي ككل. لهذا بات كل معادً او مختلف وضد الامبريالية الامريكية هو في (الصف الوطني او (التقدمي) او (التحرري)، ومن ثم يجب التحالف معه بالضرورة وهذا (الوعي) او (الفهم) او (الوهم)، ظل يحكم هؤلاء، ويتحكم في (ولعهم وهوسهم في سياساتهم)، رغم انهيار الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، وتشكل عالم جديد لا يحوي السمات ذاتها التي كانت خلال الحرب الباردة (اي الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية)، ورغم ان الفكرة ذاتها كانت خاطئة من وجهة نظر المنهجية العلمية. وقد عبرت عن سياسة الدولة السوفيتية في صراعها العالمي، الذي كان يفرض تمحور كل المختلفين والمعادين للرأسمالية حول سياستها اي السياسة السوفيتية، وهذا ما كانت تقوم به الاحزاب الشيوعية عموماً، بغض النظر عن الواقع الموضوعي في بلدانها. لهذا كانوا دائماً (ملحقين) بقوي ليست شيوعية ولا اشتراكية بل هي في جوهرها رأسمالية ما دامت تختلف مع الامبريالية الامريكية تحديداً فمثلاً في حزب البعث سواء كان العراقي او السوري الذي كان يقيم سلطة تحالف مع السوفيت، لكن علاقاتها الاقتصادية كانت مع الدول الامبريالية الاوربية، ودافعت عن اشتراكيتها رغم انها لم تكن اشتراكية الا من حيث الشعارات، التي كانت تحمل مضموناً يعبر عن اشتراكية البورجوازية الصغيرة وقد مثل البعث هذه الفئة الاجتماعية، وهي الاشتراكية كما راينا في كل من سوريا والعراق كانت بالضرورة تؤسس لنمو راسمالي ومن ثم مافياوية. رغم كل خطل التجربة لم يدقق هؤلاء اليساريين بالأفكار التي ركنوا اليها، بل ظلوا محكومين ل (العقل) ذاته. هذا اليسار سواء كان في البحرين او في العالم العربي كانوا يدافعون باستماته ايضاً عن (الجهاديين)، وحزب الله اللبناني ومليشيا الحشد الشعبي في العراق ومليشيا أنصار الله في اليمن ومليشيا زينبيون وفاطميىون في سوريا وكذل جماعة الاخوان المسلمين الذين هم كما يدعون معادين (مقاومة وممانعة) للإمبريالية الامريكية كما يقول هذا اليسار، رغم انه ليس لدي الاسلاميين سواء لدي الاسلام السياسي السني او الشيعي مصطلح او مفهوم هو الامبريالية؟! ولا سياسة تبني على ما هو سياسي، وايضاً وكذلك اتهم وخون هذا اليسار كل من يرفض تأييد الاسلاميين (الاسلام السياسي السني والشيعي)، او التحالف معهم بأنه مع الامبريالية والصهيونية. وبهذا فقد مهدوا الطريق الي الاسلام السياسي والمحور المسمى المقاوم والممانع، لكي يصبحوا القوة الاولي (المعارضة) للنظم و (المعادية للإمبريالية)، وبالتالي ان يكون وصولهم للسلطة امراً بديهياً بكما حدث في اثناء الربيع العربي او ما بعده، فهذه السياسة لليسار لم تقوي الاسلاميين (الاسلام السياسي) فقط بل اضعفت الماركسيين، لان هذا اليسار في خطابه السياسي اصبح يظهر كهامش للإسلاميين، الامر الذي يجعل المأزومين من النظم، او المعادين للإمبريالية من الشعب يميلون الي دعم الاسلاميين (الاسلام السياسي)، وليس دعم هذا اليسار والشعب اصبح كما نري اليوم يمجد في الاسلام السياسي، وهذا ما يضخم من حجمهم وبالتالي تهميش اليسار ليكون فقط بوقاً اعلامياً لهذا الاسلام السياسي الشيعي والسني.
امام كل هذه التحولات في البحرين وفي المنطقة وفي العالم لم يتوقف هذا اليسار في / البحرين امام ما تطرحه هذه التحولات، ولم ينتقد تحالفه مع الاسلام السياسي السني والشيعي ولم ينتقد هذا المحور المزيف محور المقاومة والممانعة فمازال يدعم هذ الاسلام السياسي والمحور الذي بلوره المقاومة والممانعة الذي يستغل البعد الديني والطائفي. رغم ان تضخم وضع سواء الاخوان المسلمين او الاحزاب الدينية الطائفية الشيعية عموماً نتج في كل الزوايا عن هذا التهليل الاعلامي والدعائي (اليساري) لأنه عزز من كونهم (كقوة معارضة وكقوة مناهضة للإمبريالية). وظل منطق الفهم هو ذاته، كما ظل المبدأ العام الذي ورثوه من السوفيت يحكم رؤيتهم، وظل مفهوم (الحلقة المركزية) هو مفصل التحليل، مرتبطاً بالنظر (الولع والهوس السياسي)، اي النظر للسياسة بما هي احداث ومواقف وعلاقات، ومن ثم يصدر هذا اليسار في البحرين البيانات والمواقف مذيلة لجمعيات فيها الاسلام السياسي إذا لم يكن من الطرف الشيعي فلا باس من الطرف السني؟؟ كردة فعل، دون فهم عميق لطبيعة القوي ومصالح (الطبقات) وعلاقات القوي الطبقية وليس الطوائف والمذاهب والدين. لهذا اخذ يكرر الاخطاء ذاتها، ليبقي مهمشاً وهامشياً، يمارس الندب وجلد الذات والحديث عن المؤامرات، ويكثر من الشتم والتخوين والتحريض وكل البذاءات الايديولوجية للآخر المختلف معه. اذن هذا اليسار في البحرين يمارس المقياس المنهجي ذاته، هناك في محور المقاومة والممانعة وهنا مع اليسار الذي يختلف معه. وبالتالي اذا خرج فاشلاً في الموقف مع اليسار المختلف معه في البحرين في الموقف الاول لابد من ان يكون فاشلاً الان، في الموقف من محور المقاومة والممانعة فهو يري (الخلاف) بين السلطات الاستبدادية سواء كانت في ايران او اذرعها او وكلائها ميليشياتها في باقي الدول العربية وامريكا بالتحديد (بالتالي ليس مع كل الامبريالية، حيث كان ولازال في علاقات مع الإمبرياليات الجديدة روسيا والصين ومع تركيا وعلاقات مع اوروبا)دون لمس اسباب (الخلاف)، انطلاقاً من فهم الطبيعة الطبقية للسلطة كما تفترض المنهجية العلمية، وطبيعة مصالحها، ولماذا تختلف مع امريكا وتعقد اتفاقاً استراتيجيا وتسليحياُ مع الامبريالية الروسية والصينية ولماذا تعود سوريا الاسد مثلا. لفتح علاقات مرة اخري مع تركيا ويجهد هذا المحور المقاوم والممانع لكسب اوروبا او حتى دول الخليج العربي … الخ، علاوة على انها تبذل كل الجهود للتفاهم مع امريكا؟ دون النظر الي ان هل ان التكوين الاقتصادي الذي تبلور في العقد الاخير يفترض الصراع مع امريكا او يفترض الالتحاق بها؟ او يفترض الالتحاق بالنمط الرأسمالي؟ ومن ثم لماذا حدث الخلاف مع امريكا؟ ما كان يحدث عند اليسار الرائج في البحرين هو (وجود الخلاف)، الذي بات يعطي توصيفات من قبله، هي توصيفات (مجردة) ناتجة عن فهم مسبق وتحديد مسبق لكل من يختلف مع الامبريالية الامريكية، اي ناتجة عن (قوالب جاهزة) تلصق بكل من ظهر انه يختلف او ضد امريكا. هذه القوالب انطبقت على الاسلام السياسي الشيعي محور المقاومة والممانعة والان السني بعد السابع من اكتوبر طوفان الموت. وكذلك اليسار الرائج، هذا ما يسمي بالنظر الشكلي الذي يخضع لمسبقات لا تمت للواقع بصلة، حيث ليس من تحديد طبقي واضح للقوي التي يجري دعمها، على العكس من ذلك يصبح (الولع بالسياسة والهوس التحديد بالسياسي المسبق) هو الذي يؤسس ل (اوهام) حول طابع هذه القوي التي تترافق مع المسبق هذا. لهذا يكون كل من هو (ضد الامبريالية) والذي يقوده محور المقاومة والممانعة، رغم ان اختلاف هذا المحور والدول والمليشيات المكون منها لا يصل الي حد الصراع الحقيقي كما نري اليوم بعد اغتيال اسماعيل هنية في طهران والقائد فواد شكر في حارة حريك في الضاحية الجنوبية في بيروت، حيث يتم التهميش شكلاً من الصراع بين قوي طبقية متشابه، فالإخوان المسلمين وكذلك والاحزاب الشيعية المليشيات بقيادة الملالي في ايران هم رأسمالية تجارية وريعية وعقارية متداخلة مع الطغم المالية العالمية والسلطة في كل من سوريا والعراق ولبنان وحتى اليمن في صنعاء هم سواء كانوا مليشيا او دول فاشلة فيها رجال الاعمال الجدد، يعملون كمافيا في القطاعات الريعية ككل الرأسماليات الحاكمة في الاطراف، وتكوينها الطبقي متشابه لهذا يجب السؤال عن سبب الاختلاف بين المافيا السورية والمليشيات العراقية واللبنانية واليمنية والامبريالية الامريكية. اذن هناك تناقض ينشأ مع الامبريالية، هو اساس تناقض مع الشعوب الموجودة في محور المقاومة والممانعة، وليس فقط اختلاف لسبب او لآخر في اطار سواء الصراع او التنافس على النفوذ وتصدير الثورة الشيعية او حتى التكيف مع الطغم الامبريالية حول حل الملف النووي الايراني على حساب دماء هذه الشعوب العربية وهذه غير تلك وهذه الطبقات المسيطرة في كل هذا المحور سوف تؤسس واقع لظروف نشوء ثورات وانتفاضات للشعوب مقبلة في هذا المحور المقاومة والممانعة، فهل يتم تغليب الخلاف الهامشي بين الطبقات المسيطرة في هذا المحور مع الامبريالية على التناقض العميق بين هذه الطبقات المسيطرة والشعوب في هذا المحور؟
انتهينا في الحلقة السابقة الي سؤال مهم وهو: هل يغلب اليسار في البحرين الخلاف (الهامشي) بين الطبقة المسيطرة في كل مكونات محور المقاومة والممانعة مع الامبريالية الامريكية على التناقض العميق بين هذه الطبقة المسيطرة والشعب او الشعوب في هذا المحور المسمى بالمقاومة والممانعة؟ لو فعل اليسار الماركسي ذلك لكان في صف (الاشتراكيين الامبرياليين)، كما وصفهم لينين، وهم الذين وقفوا مع برجوازيتهم خلال الحرب العالمية الاولي، اليسار الماركسي لا يغلب التصارع بين الرأسماليين مهما كان وضعهم، على صراع الشعوب ضد برجوازيتها (وضد الطبقة المسيطرة وهنا الملالي والانظمة الرأسمالية المافياوية كما في سوريا والعراق ولبنان واليمن)، ولا تقف بالضرورة مع برجوازيتها ضد الامبريالية). حيث انها تطرح خياراً اخر هو رفض الامبريالية كونها تشكل التناقض (الاساس) والصراع ضد رأسماليتها كونها التناقض (الرئيسي)، وحلها للتناقض مع الامبريالية يتحقق في حسمها الصراع ضد رأسماليتها كما يري لينين. هنا سنلمس بأن البحث في التكوين الطبقي والواقع الاقتصادي بات خارج اهتمام هذا اليسار، رغم انه من اولويات المنهجية العلمية، واساس كونها منهجاً مادياً، وبالتالي لا يلمس التناقضات الطبقية بل (الخلاف السياسي) الولع بالسياسية والهوس بالسياسة، بالضبط لان وعي هذا اليسار الرائج هو وعي سياسيو (اي حدثي يتابع سياسة السلطة والاحزاب او الجمعيات والعلاقات الدولية وتصريحات القوي) وكل الصراع الطبقي هو خارج هذا المنظور، لأن السياسي لا يتأسس على معرفة الواقع الاقتصادي والتناقضات الطبقية، ومن ثم تمثيلها السياسي، هو يبدأ من السياسي فقط ومن هذا المنظور هو سطحي، حيث لا تعود السياسة هي التعبير المكثف عن الاقتصاد، بل تصبح سياسة دون قاع اقتصادي. كل ذلك هو خارج ممكنات (العقل الشكلي) (العقل الذي يتبع المنطق الشكلي)، لأنه اعقد من فهم مبسط يفرز الابيض من الاسود دون ان يري طيف الالوان الذي يسكن فيها. اذن العقل شكلي، سطحي، والنتيجة سياسة خاطئة بالضرورة. ورؤية خاطئة بالضرورة. وبالتالي موقف خاطي بالضرورة.
المراجع:
- اليسار السوري في واقعه الراهن
- العلمانية المعني والاشكالية في الوطن العربي
- ثورة حقيقية منظور ماركسي للثورة السورية
- بصدد رؤية مختلفة للعلم الماركسية والصراع الطبقي