ننطلق في هذه الورقة من ضرورة ان تستعيد المنهجية العلمية دورها ككاشف لحركة الواقع،
ومنظر لها، وبالتالي كمحدد لرؤية تهدف الي تحقيق التغيير. الكثير من اليسار والقوميين
وكذلك من الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني يمارسون ما يسمي بالمقاومة والممانعة من
دون ان تكون لديهم رؤية ومعرفه بان هناك ازمة في النمط الرأسمالي وبديله، وهم ينطلقون من
خارج هذا الواقع الذي يفرض صراع طبقياً وليس صراع دينياً وطائفيا وقبلياُ او شعبوياً بالنسبة
لليسار. هذه المهمة الراهنة وهذا الهدف الراهن، بعيدة كل البعد عن فهم هؤلاء. وحيث تفرض
الضرورة ذلك بعد انهيار الحركة السياسية واليسار كله. وأفضي الي اعادة صياغة الوطن
العربي، وكذلك العالم، وفق مصلحة الامبريالية وانطلاقاً من اعادة انتاج النمط الرأسمالي عالمياً
بما يحقق مصالحه، وخصوصاً مصلحة الاحتكارات الامبريالية الأمريكية والصهيونية ومن
جانب اخر يحقق طموح وهيمنة الامبرياليات الجديدة في روسيا والصين وبالتالي اسس لتفاقم
التناقض مع الرأسماليات المحلية في الوطن العربي وفي الدول الإقليمية إيران وتركيا والي
التناقض بين الثالوث الامبريالي امريكا اوروبا اليابان والثنائي الامبريالي روسيا والصين التي
تزحف لفرض هيمنتها. وقد تم تصوير ان الحركات الاصولية والجهادية هي التي تواجه
الرأسمالية والصهيونية وتعمل على هزيمتها ؟؟!، وإنها الاكثر جدية في هذا المجال، خصوصاً
بعد احداث 11 ايلول سنة 2001 في نيويورك وكذلك بعد طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر
20023 ضد اسرائيل عبر الهجوم على منطقة غلاف غزه والتداعي الذي فرضه ذلك بدخول
لبنان عبر حزب الله في الحرب المساندة وكذلك بقية ما يسمي بمحور المقاومة والممانعة ووحدة
الساحات والجبهات. (تحت شعار مزيف هو تحرير القدس وفلسطين). ونقول ذلك لأنه جري
تحويل عميق في طبيعة الصراع العربي الاسرائيلي او الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، حيث
(ناضل هذا المحور) وهذه الحركة ، مؤسسة (رؤيتها) على اساس الدين / الطائفة ، لهذا اصبح
الصراع صراعاً دينياً، واصبحت مواجهة الرأسمالية او الصهيونية تنطلق من ان دولة اسرائيل
هي يهودية ومن ان الدول الرأسمالية هي ذات دين محدد هو المسيحية، وليس لان اسرائيل
رأسمالية او الدول الغربية وامريكا هي ايضاً رأسمالية، ونظرت هذه الحركات الاصولية
والجهادية الإسلامية ان سيطرة اسرائيل وكذلك الدول الغربية وامريكا وميلها الي الاحتلال
والتوسع كونها يهودية – دينيه وبالنسبة للغرب وامريكا كونها مسيحية دينيه. وبهذا تحول
الصراع الي صراع (حضاري) بين ثقافات مؤسسة على اديان. وهذا ما عمل صامويل هنتنغتون
على شرحه باعتباره (حركة موضوعيه). لكنه في الواقع كان ميلاً لحرف الصراع عن طبيعته
الحقيقية كونه (صراعاً طبقياً)، وكون الرأسمالية هي القوة التي يجب تجاوزها. ولأنه من الجانب
الاقتصادي فإن الحركات الاصولية والجهادية تؤكد على (الملكية الخاصة اس الرأسمالية)
وبالتالي لا تنفي الرأسمالية. فقد اسست تناقضها مع الرأسمالية على اساس ثقافي محافظ، رافض
لكل التطور الثقافي الراهن، ومؤسس على الدين والطائفة كونه المعبر عن (الوعي الجمعي)
وبهذا فهي لا تنفي جوهر الرأسمالية لهذا تتكيف معها لحظة انتصارها (كما نري اليوم كيف
تتصرف دولة الملالي إيران في ظل هزيمة أذرعها وكيف باتت تتحدث عن الاخ الامريكي وها
هو حزب الله وكذلك حماس يطلبون تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذهم ولإنقاذ سلطتهم
سواء في غزة او لبنان)؟؟! فكل همها كان ان توجه سهامها لما هو شكلي وطارئ (اي الدين –
الطائفة)، لأنها تسعي لتكريس الملكية الخاصة حتى في شكلها الرأسمالي (لكن الهامشي).
خارج ما يراه الاسلام السياسي والتنظيمات الاصوليين والجهادية التي تقود الحراك السياسي او
ما يسمي بالمقاومة والممانعة ضد (الإمبريالية التي لا ترد ضمن إطار خطابها ولا فكرها)
وكذلك الصهيونية والدل الغربية. وبالتالي ايجاد تناقض (وهمي) بينها وبين تلك الدول ينطلق من
البعد الديني والحضاري الثقافي. بعيداً عن فهم ان كيف يتبلور الصراع الطبقي وليس الصراع
الديني والذي اصبح هو خارج التاريخ وخارج التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي
والفلسفي كما تراه المنهجية العلمية وهي التي تنطلق من ان (اعادة الرسملة) التي طالت العالم
منذ بدءً انهيار حركات التحرر الوطني في سبعينيات القرن العشرين ومن ثم انهيار المنظومة
الاشتراكية منذ نهاية ثمانيات القرن العشرين، وبالتالي قامت على اساس دمج (الاطراف) عبر
فرض اقتصاد السوق، وتعميم قوانين الليبرالية الجديدة، وفرضها عن طريق تحكم المؤسسات
الدولية الطابع مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومن ثم منظمة التجارة العالمية وعبر
الضغط والاكراه المباشر، او عبر التحويل الداخلي الرجعي. وهذا خارج ما تراه هذه القوي
التنظيمات الاصولية والجهادية ومحورها المقاوم والممانع التي مثلت نفسها بانها قادرة على
(تغيير هذا الواقع) ولم تري تأثير وانعكاسات هذه (اعادة الرسملة) على الفئات والطبقات
الاجتماعية. ذلك ان اعادة الرسملة هذه التي عممت (النمط الرأسمالي التابع) الي فقار هذه الفئات
والطبقات الاجتماعية وهمشت قطاعات واسعة منهم حيث تفاقم النهب والاستغلال وتعمم
الاضطهاد والسيطرة مما وسع من حال (الافقار النسبي والمطلق) وهذا ما يسمي ب لتردي الحاد
ل الوضع والحالة المجتمعية للشعب، وهو ما يدفع قطاعات واسعة الي الفقر، وهو ما يؤسس
لحالة من (الاحتقان الطبقي) وليس الديني او الطائفي، وهو الامر الذي يفرض نشوء حالة من
الاصطفاف والتعادي الطبقيين (وليس الطائفي او الديني) على المستوي القومي كما على
المستوي العالمي. وهذا ما نراه حادث اليوم من تفاقم التناقضات الطبقية عالمياً (وليس الدينية ولا
الطائفية كما يري الاسلام السياسي) او كما تراه اسرائيل والدول الإمبريالية التي تقف خلفها. في
ظل هذه الحروب العالمية المشتعلة سواء في اروبا بين الإمبريالية الروسية والصينية
الامبرياليات الغربية والامبريالية الأمريكية، وكذلك الحروب في افريقيا والحرب الحالية في
الشرق الاوسط بين إيران واسرائيل وامريكا ومسرح عملها هي الدول العربية التي احتلتها سواء
إيران او روسيا او امريكا او اسرائيل. وكلها تهدف الي السيطرة والنفوذ والاحتلال، لتوفير
الظروف الدولية الضرورية لإعادة اقتسام العالم او لنشاط الرأسمال الامبريالي، والهدف هو
السيطرة على المواد الأولية والاسواق ولنهب ما تبقي من ثروات وللإحلال جيوسياسي
الإمبريالية مكان الأخرى. وكذلك لتدميرها هذه الامم وتكريس تخلفها وانحطاطها وتهميشها في
التكوين العالمي الراهن، لتبقي كما كانت في نظر الرأسمال، مجال النهب، عبر التحكم بالمواد
الأولية والاسواق، وليظل تطورها محتجزاً حيث تمنع من تحقيق الحداثة المتمثلة ببناء الصناعة
وتحديث الاقتصاد والمجتمع عموماً، واقامة علاقات متكافئة على صعيد العالم. من سخرية القدر
ان هذا الاسلام السياسي ومحوره المقاومة والممانعة بقيادة دولة الملالي تصب في تحقيق هدف
هذه الامبرياليات.
ان انعكاس الصراع الطبقي الراهن على الرأسمالية وفي ظل محاور دول استبدادية او مليشيات
طائفية مسلحة والتي حولت الصراع الطبقي الي صراع ديني او (مرتزقة) سواء في الدول التي
يسيطر عليها محور المقاومة والممانعة الايراني او شركات مرتزقة كما هي فاغنر في روسيا او
شركات في الدول الإمبريالية الأخرى تلعب دوراً مهماً فيما يسمي بالحروب الهجينة يعزز من
دور وهيمنة الدول الإمبريالية سواء القديمة او الجديدة. ويتم اعادة صياغة منطقة الشرق الاوسط
او المناطق المشتعلة في بقية العالم الي ان يعمل الرأسمال الامبريالي على اعادة صياغة العالم
حسب مصالح هذه الامبرياليات ولكي يتجاوز ازماته وبالتالي يحقق (البيئة) الضرورية لنشاطه
القائم على تحقيق الربح الاعلى. وهذا المشهد عند مقارنته بالانتصار الذي حققته الاشتراكية ومن
ثم حركات التحرر القومي في مناطق واسعه من العالم ضد الرأسمالية وعبر الصراع الطبقي.
وعند مقارنته بمن يقود ويدعي بانه سوف ينتصر على امريكا وإسرائيل من قوي أصولية
وجهاديه تدعي انها البديل لقوي حركات التحرر ذات المضمون الوطني واليساري. الامر هنا
يختلف جذرياً في الرؤية بين هذه القوي وعلاقته بالصراع الطبقي والذي يدور في نمط الانتاج
الرأسمالي فقد ادي انتصار الاشتراكية وحركات التحرر الوطني القومي الي (تأزيم الرأسمالية)
وتفاقم مشكلاتها الاقتصادية، مما جعلها تتحول الي الاسراع في التمركز الرأسمالي الهائل، الذي
بات يتمثل في الشركات الاحتكارية الإمبريالية مما عزز من الصراع الطبقي في داخل هذه
الدول التي هيمنت فيها هذه الاحتكارات. ومن جهة ثانيه فقد ادي انهيار المنظومة الاشتراكية
وتلاشي حركات التحرر القومي نتيجة ازماتها الداخلية واختلال تطورها من جهة اخري الي ان
يعمل الرأسمال الامبريالي على اعادة صياغة العالم كما ذكرنا انطلاقاً من سعيه لتجاوز ازماته
وتحقيق (البيئة) الضرورية لنشاطه على تحقيق الربح الاعلى. ولهذا عاد الي ممارسة كل
السلوكيات التي كان اضطر للتراجع عنها خلال فترة المد الشيوعي، وانتصار حركات التحرر
الوطني القومي، وما اشبه البارحة باليوم والقصد هنا: الحقوق والضمانات التي تحصلت عليها
الطبقة العاملة والفئات الشعبية في المراكز الإمبريالية. والاستقلال الذي تحقق في المستعمرات،
والتصنيع الذي تحقق في البلدان الاشتراكية، وبلدان التحرر القومي، وسيطرتها المحلية على
المواد الأولية وعلى اسواقها الذي تحقق نتيجة للدور الذي باتت تلك البلدان تضطلع به الدولة
كمحرك اقتصادي. وقد انعكس ذلك على تقلص الربح وتزايد مفعول قانون (ميل معدل الربح الي
الانخفاض) بتقليص الاسواق العالمية امام هذه الامبرياليات، واشتداد المنافسة فيما بين
الرأسماليات، وكذلك ونتائج (المساومة التاريخية) التي تحققت مع الطبقة العاملة والفئات الشعبية
والتي فرضت ساعات العمل والاجر والضمان الاجتماعي، واكدت على دور لنقابات العمالية.
وأفضي ذلك الي ازمة الركود الطويلة التي شهدتها الاقتصادات الرأسمالية، والاقتصاد الامريكي
خصوصاً منذ سبعينيات القرن العشرين، وفرضت (تعويم) العملات وخصوصاً الدولار. وبالتالي
قادت الي نشوء الميل المتسارع لتحقيق اندماج الشركات وتشكيل الاحتكارات الضخمة، في
امريكا اولاً ومن ثم في أوربا واليابان. كما عزز من اختلال التكوين الاجتماعي، واهتزاز وضع
الطبقة العاملة. مما عزز ايضاً من (الصراع الطبقي) (وليس الديني او الطائفي) والي غرق
الاقتصاد الامريكي في مشكلات عميقه، تمثلت في المديونية العالية وعجز الميزان التجاري
والعجز المزمن لميزانية الدولة. ولكن الاخطر تمثل في انتشار حالات الافلاس في الشركات
الاحتكارية ذاتها. هذه الازمة اعادت (القوي المحافظة) الي السلطة في كل من امريكا (ريغان)
وبريطانيا (تاتشر) والمانيا (كول) منذ بدأيه ثمانيات القرن العشرين، حاملة برنامجها الليبرالي
الجديد، حيث بدأت (هجومها) ضد الطبقة العاملة من اجل تجاوز الانفاق القديم (المساومة
التاريخية)، ودولة الرفاه، وضد الاشتراكية (حرب النجوم) وحركات التحرر الوطني القومي.
ساعية لتعميم وصفات الليبرالية الجديدة عبر صندوق النقد الدولي، مستفيدة من الديون التي
اندفعت دول عديدة للاستعانة بها من اجل تجاوز ازماتها او نتيجة فساد الحكم. لهذا بدا الميل
للتخلي عن كل منجزات القرن العشرين، في الامم الرأسمالية وفي العالم. ان انهيار المنظومة
الاشتراكية وانظمة حركات التحرر الوطني القومي كانت نقطة البدء لتنفيذ رؤية جديدة اعطيت
شعار تأسيس (النظام العالمي الجديد) وكانت ازمة الرأسمالية، وسيطرة الفئات الرأسمالية
المأزومة (التي تسمي اليمن واليمين المتطرف) في اساس رسم هذه الرؤية، مستفيدة من انهيار
القوة العسكرية المكافئة (الاتحاد السوفيتي) ومن التفوق المطلق للقوة العسكرية الأمريكية، الامر
الذي جعل النظام العالمي الجديد الذي بات يعرف بالعولمة نظام امريكي خالص.
في ظل تحول الصراع الطبقي العالمي ليأخذ شكلاً بعيداً عن طابعه وهو الصراع ضد الارهاب
وضد التنظيمات الاصولية والجهادية، التي بلورتها سواء الدول الامبريالية او الدول الاستبدادية
من مثل ايران وجماعات اصولية دينيه مثل الاخوان المسلمين ومليشيات طائفية شيعيه اعطت
الصراع الطبقي بين الامبرياليات القديمة امريكا اوروبا واليابان والجديدة روسيا والصين غطاء
ومساحة جيو سياسيه بخلق حروب هجينه لكي تستفرد هذه الامبرياليات بهذا البعد الجيوسياسي
لإعادة تقاسم العالم حيث عمل الرأسمال الامريكي تحديداً وعلى الحد من مصالح الرأسماليات
الأخرى، على صياغة العالم مما يحقق مصالحه هو، ويفتح له افق تجاوز ازمته العميقة عبر
تخلصه من منافسة الرأسماليات الأخرى عن طريق التحكم بالمواد الأولية، واحتكار الاسواق،
وبالتالي تقاسم العالم انطلاقاً من اولوية مصالحه، والحاق الرأسماليات الأخرى به. وكذلك تفعل
الامبريالية الروسية والصينية، حيث تعمل الامبريالية الروسية وكذلك الإمبريالية الصينية الي
اعادة تقاسم العالم انطلاقاً من اولوية مصالحها، لهذا اصبحت الحروب سياسة يوميه، وأصبح
احتلال البلدان الأخرى مسألة في غاية البساطة والضرورة. وخصوصاً في منطقة الشرق
الاوسط حيث ان اضعافها عبر تفكيكها من الداخل سواء عبر الانقسام الطائفي او هيمنة
التنظيمات الاصولية الجهادية التي هي خارج الصراع الطبقي العالمي. وإذا كانت في الماضي
الرأسمالية تخوض صراعها ضد الطبقة العاملة والفئات الشعبية في بلدانها بنعومة، وتقلص
حقوقها بهدوء، فإنها تخوض صراعها العالمي بوحشيه لأنها تريد ارجاع العالم الي الوضع
المناسب لمصالحها، وبالتالي تسعي للتخلص من كل المنجزات التي حققتها الشعوب طيلة القرن
العشرين. لهذا يصبح الاستقلال محط تساؤل مع عودة الاستعمار في اوكرانيا او في دول الشرق
الاوسط او في افريقيا، وتغدو كل المنجزات الاقتصادية حتى الهشة منها بما فيها التصنيع مهددة
بالدمار لكي تتوسع اسواق الرأسمال، كما غدت المواد الأولية مجال احتكار خاص من قبل
الرأسمال الامبريالي، الذي عمل على تدمير الزراعة في افريقيا (مثلاً السودان بدل ان تكون
سلة الغذاء للعالم يعاني الان شعبها من المجاعة) وذلك عبر ادخال التعديل الجيني الي ان تشكل
فائضاً في المراكز الرأسمالية، لينتهي دور الدولة الاقتصادي عبر صراع جنرالات الحرب،
ولتنتهي الدولة ذاتها لمصلحة تحكم الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات القومية واعادة رسمها
للسياسات، وتحديدها للقوانين، وتحويلها الدولة ذاتها الي حكم جنرالات يخدم مصالحها، عبر
سيطرة فئة مافياوية مرتبطة عضوياً بالطغم الامبريالية.
لا زالت منطقتنا اي منطقة الشرق الاوسط هي المنطقة الجيوسياسية التي يتفجر فيها الصراع
الطبقي وان اخذ شكل صراع ديني / طائفي، مثلما بدء القرن العشرون بالمسألة الشرقية (تركة
الدولة العثمانية)، انتهي القرن العشرون بالمسألة الشرقية، وهذا دليل على ان منطقتنا في الشرق
الاوسط ما زالت تحتل المركز الاول في الحسابات الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين.
فمنطقتنا، بالإضافة الي لعديد من الاعتبارات الأخرى، تمثل نقطة الالتقاء الكبري بين عالمين
ثقافيين واسعين يطلق عليها بشيء كثير من عدم الدقة: الشرق والغرب. ان اهتمام الامبرياليات
القديمة الامبرياليات الجديدة روسيا والصين هذه المرة بالغرب (اوكرانيا) والان بمنطقة الشرق
الاوسط ليس اهتماماً مفاجئاً على الاطلاق، وانما هو تحضير لصراع حالي وقادم بين القوي
الإمبريالية اي القوي الدولية على الهيمنة والنفوذ وحتى الاستعمار. وهذا الصراع يهدف الي
اعادة تقسيم العالم الي مناطق نفوذ جغرافية في عصر العولمة. لقد كان واضحاً منذ نهاية الحرب
الباردة، ان العالم مقبل على مرحلة جديدة من الصراع الطبقي، استعجل الرئيس الامريكي
جورج بوش بوصفها بنظام العالم الجديد، ثم أدلجها فوكو ياما بالاحتفال مبكراً بانتصار الغرب
وفكره الليبرالي الديمقراطي. ولكن هنتنغتون كان أكثر واقعيه عندما توقع ان يصطبغ الصراع
الدولي (الطبقي) القادم ويتمظهر ويختلط بالنزاع الاثني / الديني، فأطلق عليه: صدام
الحضارات. وكان من المفترض ان تتولي الولايات المتحدة الأمريكية قيادة هذا الصراع، بحيث
تعتبر نفسها ناطقة باسم المجتمع الدولي والشرعية الدولية، والمعبرة عن الارادة الدولية. ولكن
الاحداث في اواخر تسعينيات القرن العشرين، اظهرت ان الولايات المتحدة الامريكية اكثر عزلة
سواء في الدول التي هيمنت عليها في الشرق الاوسط ك العراق وافغانستان وسوريا ولبنان
وكذلك في الدول الحليفة لها مثل دول مجلس التعاون الخليجي التي تخلت عنها لتواجه وحدها
نفوذ وهيمنة دولة الملالي والحرس الثوري وفيلق القدس الايراني واذرعها في المنطقة ك
انصار الله الحوثي والحشد الشعبي بفصائله الولائية لإيران وكذلك حزب الله في لبنان، ومن جهة
ثانيه فقد برز العديد من الخلافات وخصوصاً في فترة حكم ادارة ترامب الاولي اي خلافات
تجاريه مع معسكر الغرب، بين الحلفاء (الاكبر) الغربيين هذه المرة، ، والتقليل من شان حلف
الناتو وفرض ضرائب على السلع الخ، كما برزت تباينات اراء حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية
حول العديد من المسائل الجوهرية سواء كان في افريقيا او الشرق الاوسط او مع الامبرياليات
الجديدة الصين وروسيا. حتى ان حلفائها بدأو يتهمونها بانها تقود عمليه عولمة وحيدة القطب اي
ان الولايات المتحدة تسعي الان وراء مصالحها الخاصة من دون مراعاة الخدمات التي كانت
تقدمها الي المجتمع الدولي مثل: توفير المظلة الأمنية، ومحاربة الشيوعية ومحاربة الارهاب،
وتقديم المساعدات الدولية كما كانت تفعل في السابق. وهذا النظام الجديد العالم درجت وسائل
الاعلام الغربية على وصفه بأنه عالم تسيطر عليه قوة عظمي واحدة، بينما ما زالت هذه القوة
العظمي الواحدة بحاجة الي قوي اقليميه ودوليه اخري لفرض الشرعية الدولية، وفرض الالتزام
بالقانون الدولي، ولذلك فنظام العالم الجديد المزعوم هذا، ليس عالماً تسيطر عليه قوة عظمي
واحدة قام على انقاض عالم الحرب الباردة الذي سيطرت عليه قوتان عظيمتان، ولا هو عالم
تسيطر عليه قوي عظمي عديدة، وانما هو خليط من هذه النماذج الثلاثة، تمارس فيه الولايات
المتحدة الأمريكية هيمنتها حتى الان على هذا العالم ومن خلال تحالفات القوي الدولية.
يتبلور الان شكلين من اشكال الصراع الطبقي شكل اممي عالمي يشمل الحرب التي تدور في
اوروبا بين الامبرياليات الجديدة روسيا والي حد ما الصين الامبرياليات القديمة امريكا اوروبا
واليابان وشكل اخر هو الصراع بين الامبرياليات تلك في منطقة الشرق الاوسط وتمثله دول
اقليميه هي ايران في تشابك مع مليشيات (مرتزقة) في كل من لبنان واليمن والعراق وسوريه
وتم استغلال القضية الفلسطينية ك حركة تحرر وطني وحق تقرير المصير عب اقحامها في
حرب دينيه /طائفيه اخذت لون شيعي ايراني، نزعت عنها طابعها الوطني والقومي العربي
عندما تم الزج بها في ما يسمي محور المقاومة والممانعة المزيف في حرب ضد إسرائيل/
امريكا واوروبا. ان الحرب هذه سواء بين الرأسماليات (الامبريالية) في اوكرانيا والتي يبرز
طابعها الامبريالي حيث تسعي الامبريالية الروسية الي حسم الحرب (والغزو لأوكرانيا) مع
الرأسماليات الأخرى الأوروبية والأمريكية لمصلحتها، كما ان الرأسمالية الأمريكية تسعي الي
حسم الحرب وحسم التنافس وخصوصاً في ظل ادارة ترامب القادمة مع الرأسماليات الأوربية
لمصلحتها، وتخشي تقدم الرأسماليات الجديدة (روسيا الصين). كل هذا اوجد نوع من الخطأ
المعرفي او الوهم الايديولوجي لدي اليسار الممانع في عدم النظر الي ان هذه الحروب التي
تقودها إمبرياليات وتشارك فيها بكل الاسلحة المتطورة للجيل الخامس بانها تخوض حرباً ظالمه
وحرباً طبقية صريحه ضد الطبقة العاملة في تلك الرأسماليات وضد الشعوب بهدف تكريس
الرأسمال كحاكم مطلق وتكريس الرأسمالية كنمط أبدى، بقيادتها وتحت سيطرتها، والأخطر من
ذلك فقد وقف هذا اليسار الممانع والمقاوم مع إمبريالية هنا روسيا وكذلك الصين ضد
الامبرياليات الأخرى؟!! ان تكريس الرأسمال كحاكم مطلق كثرت الان حروبها ويزاد تدميرها
لكل التكوينات الاجتماعية الاقتصادية وعادت تحتل كما في اوكرانيا وتحتل كما في غزة والضفة
الغربية كما في حالة اسرائيل والان في لبنان، كما كانت إيران تحتل في سوريه ولبنان والعراق
واليمن. كل هذا من اجل النفوذ والهيمنة والسيطرة ضمن ما يسمي بوحدة الساحات والجبهات
والتي اصبحت تتهاوي تحت الضربات الاسرائيلية والأمريكية الأوربية، وهدف كل الامبرياليات
هو السيطرة على المواد الأولية والاسواق مباشرة والضم لمساحات شاسعة من دول مستقلة ك
اوكرانيا، اي عبر قوتها العسكرية (القواعد العسكرية) ومنها البالستية والتهديد بالحرب النووية
من قبل الإمبريالية الروسية من اجل ان يناسب هذا التكوين والتقسيم الجديد للعالم مصالحها.
وهي منذئذ تنهب وتستغل وتضطهد وتقتل وتدعي المظلومية في نفس الوقت وكذلك تثير
النزاعات الأثنية والطائفية في حالة إيران وتغذي الجهل والتخلف وتكريس الاستبداد عبر أذرعها
ووكلائها وميلشياتها التي تحكم في الدول العربية التي هيمنت عليها. اذن بعكس ما يراه هذا
اليسار الممانع والمقاوم. انها حرب طبقية من اجل صياغة العالم بما يحقق مصالح الرأسمال
(وليس حرب دينيه بين مسلمين ويهود ومسيحين)، انها حروب او حرب تستخدم فيها هذه
الرأسماليات قواتها العسكرية من اجل حسمها. الرأسمال الامبريالي كله اذن، يخوض حربه ضد
الطبقات العاملة سواء في الدول النامية او في الدول الرأسمالية من اجل تكريس النهب
والاستغلال والاضطهاد، لتكريس التراكم الاعلى للربح، لكي تحتكر قلة (فائض القيمة) ولكي
تضاعف التراكم الرأسمالي لديها من اجل ان يزيد الاغنياء غني ويتحكمون بكتلة الرأسمال،
وبالتالي يزداد الفقراء فقراً، حيث باتت مليارات من البشر تعيش تحت خط الفقر ومعظمها تدفع
الي حافة الموت جوعاً كما نراه في افريقيا وغزة، وكلما تعمق النهب والاستغلال توسعت كتلة
البشر المهددة بالموت جوعاً. لقد انعكست هذه الحروب او هذه الحرب على كل دول العالم حيث
تزايدت البطالة في الامم الرأسمالية نتيجة سياسات الليبرالية الجديدة التي يفرضها الرأسمال على
العالم ومن يقودها من يمين متطرف او احزاب عماليه / تحولت الي الرأسمالية او احزاب
شيوعيه كما الصين تحولت الي الرأسمالية الإمبريالية وهي في طور تحقيق هيمنتها على العالم.
ووصلت نسب البطالة الي نسب عالية من مجمل قوة العمل العالمي، وتضخم جيش العمل
الاحتياطي في الاطراف نتيجة توقف النمو كما تهمش وضع الفلاحين وخصوصاً في الاطراف
نتيجة تطور الانتاج الزراعي في المراكز، بعد استخدام الجينات المعدلة وراثياً، بالإضافة الي
تراجع وضع الطبقات الوسطي والفقيرة في المراكز وانحطاطه في الاطراف، لهذا اتسعت رقعة
التمايز الطبقي في المراكز ولكن بأكثر حدة في الاطراف وبين المراكز الرأسمالية والاطراف.
الامر الذي يوضح سبب التراكم الهائل لراس المال، وتعمق تمركزه، في الوقت الذي باتت تغرق
الطبقة العاملة والشعوب في الافقار الي حد الاملاق.
المرجع المؤلفات الكاملة للمفكر سلامه كيله.