في ظل التجربة الحالية من العمل السياسي، أصبح مصطلح سياسة يعاني من التباس فما بالك بمصطلح النشاط السياسي فأنه بان مبهماً عند قطاع كبير من المهتمين بالشأن السياسي؟
عند البعض يعتبر بأن السياسة هو النشاط الهادف الى المشاركة في مؤسسات الدولة وعبر الانتخابات التي هي مرتكز في النظم الديمقراطية، لكي تناضل من خلال تمثيلها البرلمان عبر التوافق مع النخب الحاكمة، او كما هو حادث في التجارب الاوربية لكي تحكم، والجمعية كما هو في التجربة البحرينية والحزب كما هو في التجربة الاوربية هنا هو جمعية علنية وهناك في التجربة الاوربية حزب علني، والجمعية هنا لا تهدف الى تغيير النظام وهي جمعية نخبوية. تضم فئات وسطى وهي تنشط في الاخير في المستوى السياسي (حول سياسات الدولة) ولا تميل في الغالب الى تناول قضايا مجتمعية الا ما هو عام او اقتصادية الا فيما ندر فهي في الاخير تلعب اللعبة السياسية كما تراها النخب الحاكمة، وهذا يندرج على كل الجمعيات التي اشهرت في التجربة البحرينية؟ السياسة هنا هي النشاط (السياسي) كما كنا نسمع كثيراً جملة (ناشط سياسي) عندما تصف هذه الجمعيات كوادرها والمتعلق بالسلطة التشريعية وبممارسة هذا الدور من خلالها، وكما عودتنا هذه الجمعيات فهي تدور حول السلطة والدولة، اي حول البرلمان والمجالس البلدية وإذا كان ممكن في الوزارات ومختلف هيئات الدولة كما حدث لبعض من احرار البحرين الذي تم توزيرهم. مع بداية المشروع الاصلاحي. بمعنى ان المسألة هنا تتعلق بالسلطة / الحكم وكما كنا نسمع قبل ان يتم حل بعض هذه الجمعيات انها تطلب الجلوس فقط مع الحكم للحوار. ولا تمس (القاعدة الاقتصادية) التي توافقت على استمرارها جميع هذه الجمعيات. اما بالنسبة لبعض الجمعيات اليسارية كان ينشأ الميل لربط النشاط السياسي بمسألة شكل الحكم ومن ثم بشكل الدولة (تسلطي / ديمقراطي)، وبالتالي كان النشاط هو نشاط سياسي بورجوازي، رغم انه يحمل احياناً (مطالب معيشية)، و (دفاع) عن الطبقات الشعبية. وهي تطرح في حدود دعوة النخب الحاكمة الى تحقيقها ولا تمضي الى القول بضرورة تغيير السياسات الاقتصادية الاجتماعية المسئولة عن تردي الاوضاع المعيشية وهنا تغترب هذه الجمعيات الى حد ما الى جمعيات بورجوازية بصيغة ما حتى لو ادعت غير ذلك؟ فهي يسكنها الحلم بالتطور الرأسمالي سواء بوعي او غير وعي، وغضبها ناتج عن انها ترى النخب الحاكمة تمارس ما (يتناقض) مع مصالحها الطبقية ك فئات وسطى (طبقة وسطى) او بورجوازية صغيرة. ولهذا ترى بأن مهمتها هي تتحدد في (ترشيد) و (عقلنة) السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهي كما ترى ان يكون ذلك ممكناً من خلال (نظام ديمقراطي)، لهذا كما شاهدنا كل الجمعيات وبالذات اليسارية أصبح عندها الديمقراطية وحقوق الانسان هي محور نشاطها، وتربط كل تحقيق لمطالب اخرى بتحققها. وهي هنا تصبح جمعيات (ليبرالية) خالصة دون ان تفقه معنى الليبرالية وهذا يأتي بغض النظر عن الايديولوجية التي تدعي بأنها تعتنقها، او التوجه الطبقي الذي تقول انها تمثله. لقد فرض تطور الرأسمالية اشكال (حضارية) للتعبير عن الراي هي تلك التي يضمنها (النظام الديمقراطي)، هذا هو ما أصبح خطاب الجمعيات اليسارية، وهو الخطاب الذي جرف نحو (النشاط الديمقراطي) وتجاهل كل قضايا المجتمع، او ربط تحقيق كل قضايا المجتمع بتحقيق (النظام الديمقراطي) او المملكة الدستورية العريقة كما هو الحال في المملكات الغربية؟
من يطرح المشاركة السياسية منطلقاً من الخطاب الليبرالي فهو يعتمد على اساس العلنية والنضال السلمي والانتقال الديمقراطي. الي حد ان هذه الجمعيات اصبحت بديلاً عن او مكملاً لمنظمات حقوق الانسان. فالنشاط الديمقراطي بات هو النشاط الاساس. لهذا بات من الضروري فهم طبيعة نشاط المنهجية العلمية والجدل المادي او المعارضة الذي على اليساريين ذوي هذا التوجه خوضها. وهنا يجب ان يكون واضحاً بأن رؤية هذه المنهجية تنطلق من ان المعارضة هي بالأساس وفي الجوهر صراع طبقي (وليس طائفي / قبلي) صراع بين الطبقات الموجودة فعلياً في الواقع وان هذه المنهجية تحدد وضعها ك (عقل) الفئات والطبقات الشعبية، وبالتالي يهدف اليساري هنا الى رسم السياسات التي تفضي الى تحقيق مصلحة هذه الطبقات الشعبية عبر تطوير معارضتها وتنظيمه وبث الوعي في روحها. هنا اليساري يجب ان يكون في وسط هذه الطبقات الشعبية وليس في مكان اخر. ويرى المعارضة من منظور مصالحها وليس منظورات طائفية سياسية او قبلية سياسية او بورجوازية صغيرة وكل هذا لازال عالق في وعي هذه الطبقات الشعبية، وبالتالي ان يرى (النشاط السياسي) من هذا الموقع، اي انطلاقاً من مدى خدمته لتحقيق اهداف هذه الفئات والطبقات الشعبية، وعبر نشاطها هي وليس نشاطه هو (بين جدران الجمعية) فالجمعية هي الفئة المنظمة من هذه الفئات والطبقات الشعبية اضافة الى فئات قليلة من البورجوازية او البورجوازية الصغيرة لتحقق عملية (الصهر الايديولوجي) بما يجعلها تتجاوز الولاءات الطائفية او القبلية ووعيها الموروث المتوارث، وتأخذ بالمنهجية العلمية كمنظور يجعلها تري مصالح الطبقات الشعبية وليس مصالحها الضيقة نحو جزء منها وهي البورجوازية والبورجوازية الصغيرة. هنا سنجد بأن الوحدة بين الجمعية والفئات والطبقات الشعبية تتضمن (التميز) الى حد ما، ولهذا تكون للجمعية اشكال نشاط اوسع من تلك التي للطبقات الشعبية والطبقة العاملة (حيث يكون نشاطها الاساسي هو نشاط نقابي) يشتمل المستوى السياسي. فهو سوف يطرح مسألة التغيير. من هذا المنطلق لدى من يطرح جدل المشاركة من عدم المشاركة، تطرح امامه عدة تساؤلات، كيف سوف يتعامل مع العلنية والمشاركة السياسية؟ وما النظرة الممكنة للانتخابات في نظام للتو بدا يضع الاسس اللبنة الاساسية للديمقراطية او هامش من الديمقراطية ولم تكن الديمقراطية اصيلة فيه؟ وهل يرى امكانية تحقيق التغير عبر الديمقراطية؟ هذه اسئلة تمثل جوهر ما كان يطرح منذ ان بدا يتبلور المشروع الاصلاحي
من يطرح ان المشاركة السياسية تعني العلنية فهو ينطلق من انها لا ترفض (العمل الشرعي) وهي مستعدة في الخوض فيه، لكن الخلاف الذي كان يطال هذه المسألة كان يتمركز في مكان اخر، هو بالضبط ذلك المتعلق بالإجابة على سؤال؛ هل هذه المشاركة تهدف الي التغيير ام تسعى فقط الى تحقيق اصلاحات؟ والاجابة على هذا السؤال ترتبط بالاختلاف في رؤية الواقع، فهل انه يتطور على اساس تراكمي ام ان التراكم هو الضرورة لتحقيق نقلة نوعية (تغير كيفي)؟ وضمن ذلك هل ان التراكم الكمي هو الذي يفضي (موضوعياً) (او بشكل طبيعي) الي تحقيق التغيير النوعي؟ وفي مستوى اخر، هل ان التراكم الكمي سوف يفضي حتماً الى تحقيق التغيير النوعي؟ وهل التطور كمعطى اقتصادي (يساوي طبيعي) يفرض حتماً التغيير؟ او ان التطور مرتبط كذلك بالبشر، اي بالطبقات الشعبية؟ وهو الامر الذي يفرض توسيع الرؤية لكي نلحظ ممكنات التطور ذاته من جهة، وممكنات تحققه من جهة اخرى. على ضوء فهم بعض الجمعيات كانت المشاركة السياسية تعني الانطلاق من عدم اولوية دفع التغيير لمصالح الطبقات الشعبية، بل ان يتحقق التطور التراكمي نحو نشوء النظام البرلماني، الذي يصبح هو الهدف المركزي، ويكون الحفاظ عليه هو الغاية. ولهذا يجب ان يميل النشاط نحو الطابع السلمي التدرجي، ورفض العنف السؤال هنا هو: هل يهدف هذا النشاط الي تحقيق التغيير انطلاقاً من ان التطور والحداثة لا يتحققان الا عبر ذلك؟ او ان الاساس الذي يجري الانطلاق منه هو ان الهدف هو الحفاظ على ما هو قائم، لكن بالسعي لتغيير الشكل السياسي، اي تحقيق دمقرطة النظام؟ الصيغة الثانية تجعل (المشاركة السياسية) والعلنية والقبول بالتدرج في (التطور) الديمقراطي، هي اساس السياسة التي يجري اتباعها وهنا لن تكون هذه السياسة الا سياسة ليبرالية كونها تنطلق من الحفاظ على ما هو قائم. والهدف هو المشاركة السياسية في ظل نظام ديمقراطي. لكن تحقيق التغيير، ورؤية ان التطور الاقتصادي والمجتمعي لا يتحققان الا بالمزيد من الضغط على القوى المتنفذة والمسيطرة، وبالتالي يكون الهدف الجوهري تحقيق مصالح واهداف الطبقات الشعبية من هنا يمكن تلمس مسألة المشاركة او (العمل الشرعي) اي العلنية الكاملة، وهو النشاط الذي يرتكز في البرلمان وفي النقابات والاشكال المطلبية، وهذه كلها تكون علنية. وهناك من لديه وجهة نظر او اعتراض على ذلك، وذلك بأن الجمعية التي تنطلق من العمل العلني وتنتزع مساحة علنية، لكن دون ان تضر بوجودها على الساحة السياسية وترى وجهة النظر هذه ان لا يصبح هذا النشاط هو النشاط الاساس، او النشاط الذي تجري المراهنة عليه في تحقيق التغيير، او حتى تحقيق المطالب. ويرى ان النظام ابعد من ان يتقبل وضعاً يضر بسيطرته او يمكن ان يذهب ابعد من ذلك. كما يرى هذا التوجه بأن الجمعية يجب ان تستفيد من كل امكانية للعمل (الشرعي) في سياق سعيها لتطوير المعارضة ضد من يسيطر. وهو يتعلق في الوضع الذي يسمح به النظام فيه بقدر من النشاط العلني، والذي يرى هذا التوجه انه يمكن للجمعية الافادة منه في سياق السياسية التي تتبعها من اجل التغيير، ولكن في وضع ان لا يضن بأن العلنية باتت (حقيقة مطلقة) بل من الممكن ان تكون مرحلة مؤقته يمكن الافادة منها. حيث ان تطور المعارضة يمكن ان يدفع النظام الى التراجع عن هذا الوضع (الديمقراطي) وان كان في التجربة البحرينية نتيجة للأسف ان ما يسمى بالمعارضة وبالذات جمعيات الاسلام السياسي هي من انقلبت على الديمقراطية من اجل مشروع غير ديمقراطي وضمن مشروع محاصصة طائفية كانت تريد تكريس نظام استبدادي بديل؟!!
اذن لقد اصبح النشاط العلني والعمل الشرعي، السلمي، التدرجي، وبات التركيز على العمل الديمقراطي هما اساس رؤية قطاع كبير من الجمعيات التي اشهرت مع بداية المشروع الاصلاحي وانطلقت بعض الجمعيات من ضرورة ممارسة كل اشكال النضال حيث لا يجب التقيد بشكل واحد، انطلاقاً من ان الواقع هو الذي يفرز اشكال نضال متعددة ولا يقتصر على شكل وحيد، وبالتالي فأن الميل هنا هو الى المشاركة في (النشاط الشرعي)، والمشاركة في البرلمان والعمل ضمن النقابات والجمعيات المهنية التي تم اشهارها في تلك الفترة وهنا نشأ الخلاف والذي كان يتحدد في التزام صيغة واحدة للتغير هي تلك المحددة في النشاط الديمقراطي السلمي التدرجي والامن، انطلاقاً من (فهم ليبرالي) عند الجمعيات اليسارية و ديمقراطية توافقية (محاصصة طائفية) عند الاسلام السياسي. هنا كل الجمعيات جعلت من النشاط الديمقراطي السلمي والامن سمة موحدة. هنا تحول التغيير الى نشاط سياسي، والصراع الطبقي الى نشاط ديمقراطي والى التزام الشرعية في كل نشاط ما عدا التوجهات والتيارات الفوضوية التي كانت تحرق الاطارات وتلقي المولوتوف في مسيرات تخرج بين الاحياء. ربما كما يقول المتخصصون انبنى على (المتغيرات) التي حدثت في بنية الرأسمالية على اثر انهيار المنظومة الاشتراكية والثورة العلمية التكنولوجية التي غيرت في شكل الصراع الطبقي من الصناعة ذات العمل المكثف الى الصناعة ذات المعرفة المكثفة مما غير في السياسات واليات الصراع المحلي والعالمي ودخول الاسلام السياسي من هذا الباب، حيث بدا وكأن الرأسمالية قد دخلت في مرحلتها (الانسانية) ووصلت من التهذيب ما فرض على الاخرين مجاراتها كنموذج بديل لليسار والاشتراكية، علاوة على دخول الاسلام السياسي مؤتمرات ونشاطات ضمن اطار هذا التغير وبدا يبرز على ساحة النشاط الشرعي و(الديمقراطي) والبرلماني بينما ظل الوجه الاخر المتقيح من الاسلام السياسي الجهادي الفوضوي. طبعاً يجب ان نتلمس المتغيرات قبل ان نقول بأن هذا التحول صحيح او انه ارتداد، حيث يمكن ان يصبح النشاط العلني الديمقراطي هو السمة الرئيسية للمعارضة في وضع معين، كما يبدو في البلدان الرأسمالية المتطورة، رغم ان هذه البلدان لا زال الصراع الطبقي والنضال المطلبي يتخذ شكل الاضراب والاحتجاجات والاعتصام والتظاهر واشكال الاحتجاج الاخرى كما هو يحدث اليوم في الاضرابات في بريطانيا وفرنسا والمانيا وحتى في اسرائيل ويحدث هذا في إطار سلمي ولا يخلو من العنف. ان مسألة الوضع الملموس اساسية هنا لان اشكال المعارضة لا تتحدد وفق رغبوية معينة، او بفعل قرار ذاتي كما يجري عندنا في كل الجمعيات والتي تعبر عن ميل الاسلام السياسي وبعض من جمعيات اليسار التي تتكون من البورجوازية والبورجوازية الصغيرة وعند الاسلام السياسي فئة الملالي ورجال الدين. هنا ليس من اساس لتحليلها لفهم الواقع وبذلك لا تستطيع ان تتلمس الاشكال الممكنة للمعارضة ودون ان تفرض على نفسها خياراً وحيداً، كما حدث في خيار كارثة فبراير ٢٠١١، وخصوصاً لدى اليسار الذي ينطلق من الصراع الطبقي وليس (الطائفي) والذي يتخذ اشكالاً متعددة اساسها: النضال الاقتصادي المطلبي، والنضال السياسي، والنضال الايديولوجي. وبالتالي فهي تفرض تحديد (شكل) المعارضة الممكن في كل لحظة، لكنها كذلك تحدد الشكل الرئيسي لتحقيق التغير.
وضمن هذا الجدل تأتي المشاركة في الانتخابات فكما في المشاركة السياسية فأن المشاركة في الانتخابات يجب ان تنطلق من فهم عميق للوضع من حيث مستوى الصراع الطبقي، فالهدف في هذا المجال يتعلق في ان المشاركة في الانتخابات يمكن ان تسمح بمساحة من الزمن يمكن للجمعية ان تمارس خلالها كل اشكال النقد والكشف وتعرية السياسات واشكال الفساد الصغير منها والكبير وتقوم بالمسائلة والمحاسبه والاستجواب بكل الادوات الشرعية المتاحة لها. وبالذات في اثناء الحملات الانتخابية ان تطرح برنامجها والذي يهدف الى طرح السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي تخص الطبقات الشعبية، ثم ان نجاح عضو في البرلمان يمكن كذلك ان يساعد على تفعيل هذا البرنامج تحت قبة البرلمان. وبالتالي ما دامت المسألة تتعلق بالنقد وبكشف السياسات وليس بالمراهنة على تغييرها، فأن المسألة سوف تتخذ منحى جديداً، وتدرس وفق اسس جديدة دون ان يعني ذلك المقاطعة والاحجام المسبق عن، المشاركة بل تكون بحاجة الى مبررات اخرى. فالهدف هنا هو كشف سياسات من يحكم، واظهار عدم جديته في تحقيق مطالب الفئات والطبقات الشعبية والذين تردى وضعهم المعيشي والدفاع عن صوتهم داخل البرلمان. وخارج البرلمان ثم ان المشاركة تنطلق من طبيعة الانتخابات ومن جديتها، فقد اصبحت هناك عند هذه الطبقات الشعبية (خبرات) عبر الدورات الانتخابية الدورية تتعلق بأن الانتخابات شكلية فما بالك بالديمقراطية، فهي ليست سوى شكل انتخابي تتحدد نتائجه مسبقاً وبأن النظام قادر على حشد قطاع كبير من الموظفين والمنتفعين والمجبرين. كما تم مشاهدته في كل الانتخابات. ولكن في كل الاحوال يمكن المشاركة في هذه الانتخابات حتى وهي ولو كانت شكلية ما دام التحليل يقود الى ان هناك فائدة فيها من زاوية النقد والكشف للسياسات المضادة للطبقات الشعبية وغالباً ما يتم طرح موقف المشاركة بحديث عن تدريب الشعب على المشاركة في (الشأن)، وتحصيل حقه (الطبيعي) في التصويت واختيار ممثليه، وتعلم الديمقراطية مِن اجل الوصول الى انتخابات ديمقراطية. وهذا الى حد الان بان في الانتخابات الاخيرة بأنه كله خطاب مهلهل، اضافة الى انه وهمي لان الشعب لا يتعلم في ظل انتخابات شكلية، وهو مضلل لأنه يغطي على تردي الوضع المعيشي للطبقات الشعبية وعلى الازمات الحقيقية والتي لم تحرك ساكناً من قبل من تم انتخابهم؟ فهو بعيد عن تلمس المشكلات الحقيقية لهذه الفئات والطبقات الشعبية والتي تردى وضعها المعيشي في السنوات الاخيرة، ويقدم لها ما باتت تعتقد بإنه اوهام فهي باتت لا تعتقد بأن واقع هذا البرلمان الحالي يفيد في حصولها على لقمة العيش ويحسن من تردي وضعها المعيشي، او الاستقرار في العمل؟ بالرغم من ان هذه الفئات والطبقات بدأت تستخدم العالم الافتراضي بكل انواعه لإيصال صوتها واحتجاجاتها من خلاله.
والان سوف نناقش البعد الرابع في المشاركة السياسية وهو التحول الديمقراطي او الانتقال الديمقراطي. هذه الجملة التي انتشرت مثل النار في الهشيم خلال فترة ما سمي بالربيع العربي والتي طرحتها امريكا بعد الغزو للعراق عبر استراتيجية (نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط). وهنا نطرح هذا السؤال: هل ان الانتقال الديمقراطي او التحول الديمقراطي هو امر ممكن؟ هناك عدد من الجمعيات اليسارية وكذلك عدد من جمعيات الاسلام السياسي سواء مع بداية تبلور المشروع الاصلاحي او في اثناء احداث ٢٠١١ دخلوا في نقاش بين من يريد (التغيير) والذي جاء عبر كلمتي (الانتقال / التحول) الديمقراطي كصيغة مخففة عن كلمة (التغيير) وان الهدف هو (المشاركة السياسية) والاشتراك في الانتخابات هذا من جهة، وهناك من جهة اخرى من يعتقد بأن (الانتقال الديمقراطي او التحول الديمقراطي) هو المدخل لكل تغيير. ان السياسة التي تم رسمها هنا تنطلق من تحقيق الديمقراطية أولاً عبر تطوير المعارضة (الديمقراطية) ضد النظام (التسلطي) السابق، وحيث يكون تحقيق الديمقراطية هو المدخل لتحقيق البرامج التي وضعتها عند تأسيسها هذه الجمعيات. لن يتم مناقشة هذا الشق الثاني، ليس لأنه لا يستحق النقاش، بل لان الوصول اليه هو الذي يحتاج الى نقاش أولاً. فهل تقود المعارضة في الظروف التي تفرضها النظم الى امكانية أن يفرض عليها تحقيق الديمقراطية؟ مثل ما يرى بعض اليساريين (الديمقراطية الحقة)، البعيدة عن تدخل النظام والحيادية النزيهة؟ حيث تكون كما يرى هذا اليسار مدخلاً لتغيير (جذري)، ديمقراطية تفضي الى ان يكون من يعبر عن الاغلبية الشعبية وليست هنا (الاغلبية الطائفية سنية او شيعية كما يرى الاسلام السياسي) على البرلمان، ومن ثم فرضها لسياساتها؟، وهل يمكن لديمقراطية حقة (جذرية) ان تنتج عن هذه الاغلبية الشعبية؟، ان من لا يلامس الظروف الموضوعية، قبل ان يتناول ما يمكن ان يمارسه النظام سوف ينقاد خلف اوهام لا محالة. فالديمقراطية الحقة (الجذرية) تفترض وعياً ديمقراطياً هو في صلب تكوين (المواطنيين) وليس وعياً طائفياً قبلياً، كما تفترض تبلوراً في الطبقات، وتشكلاً لنقاباتها وهيئاتها على اساس وطني وليس طائفي/ قبلي، ولكن أيضاً وعياً بالفرد/ المواطن الدين يكون حر ومستقل عن فرض ارادات طائفية او قبلية او استبدادية عليه وهي نقلة تحتاج لنقلة اقتصادية لكي تتبلور هذه الطبقات ويتبلور وعيها الطبقي وليس الطائفي ويتطلب تعليم عالي يفهم هذه المرحلة من الثورة العلمية التكنولوجية والذي يحضر لكي يخدم الصناعة وما تنبثق عنها من شركات ومؤسسات ادارية، بما يؤسس لوعي مواطني وديمقراطي وعلماني. بمعني ان الديمقراطية لا تركب على وعي مجتمعي مبني على وعي طائفي / قبلي قر ووسطي. وبنى مجتمعية قروية مهمشة وهامشية، وافتقاد للمتبلورات السياسية للطبقات. ثم ان انتصار الديمقراطية ارتبط بالفئات والطبقات المتنفذة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً (الملاكين العقارين، والعقاريين الجدد، وسماسرة الشركات العالمية والبيروقراطية المركزية المتنفذة في النظام) ما يسميه الكاتب الكويتي محمد الغانم ب (الحلف الطبقي الضمني) ولم تكن الديمقراطية (الهامش من الديمقراطية) التي بدأت في التبلور في تضاد مع مصلحة هؤلاء. حين كانت كذلك كان النظام يعبر عن مصلحة هذه المكونات المهيمنة، ومن هنا كان على الجمعيات اليسارية ان تعي الحدود التي يمكن لهذا الحلف الطبقي الضمني التنازل اليها. قبل ان تطرح الديمقراطية الحقة او (الجذرية)، صحيح انه تبلور (بداية لدمقرطة) حيث تم تأسيس جمعيات سياسية ونقابات عمالية ومهنية واتحادات نسائية وشبابية وتم اصدار صحف لهذه الجمعيات والترشح والانتخاب لمجالس بلدية وبرلمانية وما الى ذلك من (ممارسات ديمقراطية) ولكن تم تحيد او تهميش او ايجاد انقسامات حادة في كل هذا المشهد السياسي، وضمنت لانتخابات ان لا تخرج عن اللعبة السياسية التي وضع إطار لإيجاد توازن لكي لا يغرد هذا البرلمان خارج ما هو متاح. وهنا يأتي السؤال هل يمكن ان ترتقي هذه التجربة المتعثرة؟ وهل يمكن ان تكرس وتطور بعد كل هذه العثرات كما يرى البعض؟
انطلاقاً من السؤال الذي طرحناه وهو هل يمكن ان تتطور هذه التجربة المتعثرة؟ بمعنى ان هذا النمط الذي ساد في هذه التجربة من (الديمقراطية الهامشية) كان الهدف منه هو (التنفيس) فقط، من جهة، ويعيد انتاج شكل النظام (ديمقراطياً) من جهة اخرى؟، ان التغيير يرتبط بتشكل قوة فعلية من الفئات والطبقات الشعبية والتي تردى وضعها المعيشي، وحين لا تكون هذه الطبقات الشعبية والفئات معنية بالديمقراطية، وترى بإن مصالحها تتحقق بعيداً عن النظام وخصوصاً عندما تخوض معارضة وطنية، يصبح من السذاجة المفرطة التفكير ب (الانتقال او التحول الديمقراطي). ان الديمقراطية الحقة (الجذرية) لا تحقق التغيير بل انها ستحد منه؟ ان ما يحكم النظر هنا يمكن ان يلخص من منطلق المنطق التطوري حيث يرى تحقيق الاهداف انطلاقاً من تحقيق التراكم المتتالي في الواقع، عبر خطوات ربما بطيئة او محدودة لكنها متتالية في الزمن. ولهذا فأن الانتقال الديمقراطي كما يصاغ في ذهن اي يساري، هو نتاج حتمي لهذا التطور التراكمي. وبالتالي تكون الرؤية هنا وتفرض التجزيء. الى خطوات (ملموسه) و (ممكنه) و (واقعية) من اجل ان تتحقق.، مع ملاحظة ان هناك تناقض يخترق المجتمع، واي تجاهل له وللتطور المتراكم والذي يفرض في بعض الاحيان (قفزة) او تحول نوعي، ولهذا فأن هذا التراكم هو اعقد من ان يسير (الهويني) في مسار تدرجي متتالي ودون انقطاع وقفزة نوعية. اما المنطق الثاني اي المغاير للمنطق التطوري فهو ينطلق من التطور يفترض البدء من النظام السياسي كما كان في تجربة المشروع الاصلاحي حيث تم الانتقال من نظام (تسلطي) الى نظام مشروع اصلاح بالرغم من التركة الثقيلة التي ورثها هذا المشروع الاصلاح. وهنا كان الانطلاق من (الهامش الديمقراطي) الذي تبلور عندها لهذا أصبح التحول او الانتقال الديمقراطي هو الهدف الاساس، والذي على تحققه يصبح ممكناً تحقيق الاهداف الأخرى، المطلبية والتحديثية. هنا يجري البدء من (الشكل)، واعتبار تحويل الشكل الى المضمون. وربما تكون هنا الرؤية (سطحية) لأنها ترى الدولة ولا تلامس مضمونها الطبقي، وتعتقد بأن الهامش الديمقراطي يمكن ان يغيرها دون ان يربط ذلك بمصالح الفئات والطبقات الشعبية التي يعتقد بأن عليها ان تخوض المعارضة الديمقراطية، انطلاقاً من بديهية ساذجة تقول بأن تحقيق الديمقراطية هو في مصلحة كل الطبقات، ولا يرى بأن الفئات والطبقات الشعبية تلمس ما يمسها مباشرة، الا وهو وضعها المعيشي وظروف حياتها وعملها، وبالتالي فهي دون البدء من هذه لا ترى اهمية لكل ما يطرح. كما ان هذه النظرة تعتقد بأنه يمكن انتصار الديمقراطية على ارضية (مخلفه طائفية/ قبلية) لم تتفكك لمصلحة تشكل (مدني حديث) لطبقات جديدة بوعي يتجاوز الطائفية السياسية والقبلية السياسية ويتجاوز الوعي القرووسطي. وهذا ما تم مشاهدته بالعين المجردة مع احداث كارثة الدوار. ذلك ان الديمقراطية هي نتاج الوعي الحديث ولقد تحققت في بلدان اخرى نتيجة تشكل البنى الحديثة. وحتى لو استطاعت الجمعيات اليسارية ونحن نشك في ذلك ان تقوم بتطوير الوعي الفردي فأن الوعي الجمعي يحتاج الى تغيير عميق في الاساس الاقتصادي. اذن التطورية والشكلية هما اساس المنطق الذي راج عند كل الجمعيات التي تأسست منذ انطلاق المشروع الاصلاحي والذين يؤسسان لسياسات لا تعبر في الاخير سوى عن احلام فئات الملالي وما يسمي زعامات الجمعيات السياسية.
في ظل تجربة المشروع الاصلاحي الحالية والذي انفعلت به الجمعيات السياسية سواء جمعيات الاسلام السياسي الطائفية او اليسارية والتي لم تضع كل سيناريوهات التحول الديمقراطي بل نقلت سيناريو من خارج الواقع البحريني وخصوصاً السيناريو الاسوء والمهلك سيناريو الربيع العربي الفاشل وظلت امام ما يطرحه بيت الحكم من مبادرات منفعلة وليست فاعلة فهي لا تملك معرفة بمعني الاصلاح او بالنظام الديمقراطي او حتى بمعنى الثورة التي طرحتها ك تقليد لتجارب الربيع العربي. وظلت تطرح شعارات من مثل المشروع الحضاري الشامل والدولة الديمقراطية المدنية والمملكة الدستورية على غرار الممالك الغربية وعلى الديمقراطية الحقة والجذرية الخ والان فالسؤال الذي يطرح ذاته هو: هل من يحكم يمكن ان يقبل بنظام ديمقراطي كامل وليس مقيد ومنضبط ومكيف؟ والسؤال الاخر الخاص بالجمعيات السياسية هل كانت تقبل بنظام ديمقراطي كامل وليس مقيد ومنضبط وشكلي في داخلها؟ التجربة اوضحت بأن الجواب في الحكم والمعارضة بلا. وبالرغم من الحكم والمعارضة راكمت تجربة من التراكم الديمقراطي الهامشي وبالرغم من انها اعطت هامش للنشاط الديمقراطي اي النشاط السياسي والاعلامي، والانتقاد والاضراب والتظاهر وكل اشكال الاحتجاج السلمي وايضاً انتخابات ولكن كل هذا كان محسوب وان اي تنازل يمكن ان يتم تقديمه لا يتجاوز الحد الذي لا يخرج الصراع عن حدوده المضبوطة. وكانت الجمعيات اليسارية معزولة عن الفئات والطبقات الشعبية وهيمنت عليها جمعيات الاسلام السياسي الطائفية ليكون لها الدور في الحراك السياسي؟ وباتت الديمقراطية هنا بانها وهماً لكي تكون المدخل الاساس لتحقيق مصالح الفئات والطبقات الشعبية، وهو الوضع الذي يشير الى استراتيجية مدمرة لا تفضي الي شيء سوى الضياع في احلام ليست ممكنة التحقيق فالحكم كان ممسك بالسلطة بما يكرس استمرارها، وهي حين (تتنازل) تعرف الحدود التي تتوقف عندها وخصوصاً اثناء احداث ما سمي بالثورة ٢٠١١، فالسلطة بالنسبة للحكم هي لها مسألة مصير. وباتت الان الفئات والطبقات الشعبية والتي تعيش ازمة تردي وضعها المعيشي ترى بأن هذا البرلمان الحالي ومن يقف خلفه لا يفتح افق للتغيير بل يسد كل منفذ لذلك. وان الحوار والنقاش الديمقراطي غير مجد في تحقيق ما تريد لهذا صارت لا تندفع نحوه ولا ترى ان الهامش من الديمقراطية تعني شيئاً مفيداً. يمكن القول بأن هذا فهم (متخلف من الطبقات الشعبية) وهذا صحيح بشكل ما، لكن الاصح ان الحس السليم لدى هذه الطبقات الشعبية يؤشر لها بأن كل هذا التردي في وضعها المعيشي هو مفروض عليها بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتي تصب في غير صالحها. والذي لا يحرك هذا البرلمان اتجاهه ساكناً؟، في هذه المساحة كلها ضاع (اليسار)، وجرى وراء اوهام، فظل هامشاً صغيراً في إطار صراع كبير. لقد اضاع يساريته وبات اما ان يكون ليبرالياً دون ان يكون على وعي بماهية الليبرالية او ملحقاً بالإسلام السياسي او تحول الى (مدافع عن حقوق الانسان) والناشط الحقوقي؟ الطريق (الديمقراطي) الذي تبناه كل الفاعلين السياسيين سواء في النخب الحاكمة او في المعارضة بينت التجربة بانه افق مسدود للتغيير، ومن يفكر في غير ذلك لن يجني سوي الاوهام.