حول بيان ٣٩ (عالم دين) بحريني

لاتوجد مطالبة بدولة مذهبية بل المواطنة المتساوية ولا يحق للسلطة التدخل في الشعائر الدينية. في العلاقة بين الدين والعصبيات المذهبية.

ونبدأ اولا من اخر البيان لنترك ما ذكر في بداية البيان لمناقشته لاحقا. فكما هو مذكور في البيان (الشعائر الدينية والمذهبية للأديان والمذاهب المعترف بها يجب حماية هويتها من غير اي تدخل في شئونها او مضايقة لها والقائمين بها او المحاسبة عليها حق لا يمكن لاتباع اي مذهب حسب مذهبهم ان يتنازلوا عنه) سوف نقوم هنا بمقاربة أولها التفريق بين الدين والمذهب، وهو تفريق ضروري لرفع الالتباس الحاصل بينهما، في الخطابات المذهبية والسياسية. والثاني تصويب لغوي ومفهومي ل (الطائفية) بصفتها نسبة الي الطائفة، وهذه تعني جماعة من الناس، وأي جماعة او جمع على الإطلاق، اذ يقال طائفة من الأفكار مثلا. فالطائفية لا تحيل بالضرورة على مذهب ولا تحمل إيحاء مذهبي، الا في الخطاب الأيدلوجي (لفئة وجال الدين وهنا الملالي في هذا البيان وجمعياتهم السياسية ممثلة في جمعية الوفاق الطائفية السياسية) هذا الخطاب الذي لا يقيم وزنا لأي شيء سوي لغاياته ووسائله لانتزاع السلطة. وسوف نناقش هذا في الجانب السياسي من هذا البيان حيث تختفي هذه الاجندة بين الجمل والتي تستخدم الدستور والميثاق الوطني ولكن بالشكل الذي يراه ويريده هؤلاء الملالي؟ والثالث أولية الكينونة الانسانية على المذهب وهذا مالا تعيه فئة رجال الذين الملالي. عندما تضع العنوان ( لا توجد مطالبة بدولة مذهبية بل المواطنة المتساوية ) ولا نعرف من اين جائو بالربط بين المواطنة والمتساوية ذلك راجع ان المواطنة غير موجودة ضمن الفكر الذي يتبناه هؤلاء الملالي الا عندما يراد استخدام مفهوم ( التقية ) وبالعودة الي الكينونة الانسانية بانها فوق المذهب ، فالإنسان فرد او جماعة هو من ( يذهب ) في اي امر ، هذا المذهب او ذاك او ينهج هذا المنهج او ذاك ففي ضوء أولية الكينونة يغدو المذهب من محمولات الفرد ، الذي من حقه ان يختار مذهبه ( لا هوية له اي للفرد ولا تحديدا موضوعيا من تحديداته كالجنسية مثلا ) كما تطرح فئة رجال الدين ( الملالي ) ( الشعائر الدينية والمذهبية للأديان والمذاهب المعترف بها يجب حماية ( هويتها ) ) . المقاربة الرابعة اقتران اي مذهب من المذاهب وخصوصا لدي فئة رجال الدين الملالي في البحرين بعصبية بالتعبير الخلدوني، تؤسس عليه سلطتها المعنوية (معكم معكم يا علماء) ٣٩ عالم دين بحريني وشرعيتها الصورية (المجلس العلمائي والذي تم حله). ان هذه المقاربة محكومة بشاغل او هم إمكانية ان ينتقل المجتمع البحريني في ظل المشروع الاصلاحي وتحت مظلة ميثاق العمل الوطني من المجتمع المنقسم والمستقطب طائفيا (الشرخ الطائفي) وان ينتقل من حالة الما قبل مدني وألما قبل وطني نتيجة هيمنة الجمعيات الطائفية السياسية والتي تستغل الدين في الضفتين (سنية / شيعية) الي المجتمع المدني والدولة الوطنية الحديثة ومن الرعوية الي المواطنة وليس كما تطرح فئة رجال الدين الكهنوتية (الملالي) (لا توجد مطالبة بدولة مذهبية بل المواطنة المتساوية)

في الجانب السياسي. ونبدأ بالنقطة الثانية من بيان ( العلماء ) فئة رجال الدين الملالي وعلي رأسهم المرجع الروحي والسياسي الشيخ عيسي قاسم ( ما كانت عليه مطالب الشعب ومازالت ورآه العلماء ويرونه حقا لأي شعب لان يكون الحكم الذي يرتبط به مصيره ومصالحه دستورا مرتكز علي دستور لا تغيب فيه إرادة الشعب ولا يوضع في غيابها ومن غير مشاركته وان يتمتع بحق الانتخاب الحر العادل في اختيار ممثليه في مجلس نيابي يعبر عن ارادته وان يكون مجلسا كامل الصلاحيات وان يأخذ برأيه في اختيار حكومته ) اذن هناك مطالب للشعب ولكن هذه المطالَب تمثل نظرة او رؤية من الشعب ام الملالي ؟ الإجابة عند (العلماء) ورآه العلماء ويرونه حقا لأي شعب. والسؤال الان هل هذه المطالَب التي تراها فئة رجال الدين الملالي تختلف عن المطالَب التي رفعت في دوار مجلس التعاون والتي كانت تحت شعار ( الشعب يريد إسقاط النظام ) وهي إسقاط الدستور ( الدستور المعدل ) ، ( تشكيل لجنة تأسيسية للإعداد لدستور جديد ) ( إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية ) ، هنا ما يراه هؤلاء العلماء الملالي هو يَصْب في نفس الرؤية وما تراه هذه الفئة للشعب وهو ( دستور لا تغيب فيه إرادة الشعب ( اي إرادة الملالي ) ولا يوضع في غيابها ( إرادة الملالي ) ومن غير مشاركته ( مشاركة الملالي في وضع هذا الدستور ) اما جملة وان يتمتع بحق الانتخاب الحر العادل في اختيار ممثليه في مجلس نيابي فهذا حق يراد به باطل ، والباطل هنا شاهدناه في كل الانتخابات التي شاركت فيها الذراع السياسي لهؤلاء العلماء وهي جمعية الوفاق الطائفية السياسية حيث خاضت هذه الجمعية هذه الانتخابات   تحت شعار الدوائر المغلقة والقائمة الإيمانية وكانت ضد المبدأ الدستوري وهو التنافس الحر في كل دوائر البحرين حتي انها فازت في بعض الدوائر بالتزكية ؟!! ان هؤلاء العلماء الملالي يستخدمون (المقدس) القائمة الإيمانية وبالتالي التي تنتمي الي طائفة ومذهب شيعي ؟! فهؤلاء العلماء الملالي لا يؤمنون بالانتخابات الديمقراطية ولا هم يحزنون ولا بحق الانتخاب العادل. اما عن الحكومة الانتقالية التي طرحت في ايام دوار الكارثة فتطرح هنا بشكل مبطن وان يأخذ هذا المجلس برأيه في اختيار حكومته ؟!! كما تفعل الكتل الطائفية في البرلمان العراقي والذي يسيطر عليه حزب الدعوة الإسلامي الطائفي. ومن الملاحظ في هذا البيان انه يأتي فقط علي ذكر ميثاق العمل الوطني وليس بمستغرب ان ترتبط احداث ١٤ فبراير في الوقت الذي كان من المفترض الاحتفال بذكري هذا الميثاق ؟! ولم ترد كلمة المشروع الاصلاحي ولا مرة في هذا البيان والذي فتح في الحياة السياسية الانفراج السياسي والهامش الديمقراطي.         سنكمل لاحقا كيف يفهم العلماء الملالي المواطنة المتساوية

كيف يفهم العلماء الملالي المواطنة المتساوية؟ حدود الاشكالية ، ان ما يقال وما يقرئ ويكتب عن المواطنة المتساوية سواء علي لسان حال العلماء الملالي او ذراعهم السياسي جمعية الوفاق الطائفية السياسية هو في الأساس خاضع لمنطق المعرفة المتعالية والمقدس ويتم تلقينه لإتباعهم ومواليهم عبر التلقي السلبي والحفظ والتكرار لغرض الاستهلاك والتباهي بأنهم اصبحوا يتحدثون بلغة الحداثة وهو كما هو حادث الان يستخدم كذلك لغرض الشكوى والتذمر مما يسمونه ( التمييز علي اساس من العرق او ألون او دين او مذهب ) وهنا تكمن الاشكالية ، في تعريف المواطنة وتتبع تاريخها وتطورها مفهوميا وواقعيا ، فكريا وسياسيا واخلاقيا ، وهذا ما هو غائب لدي هؤلاء العلماء الملالي ، والإسلام السياسي فالمعرفة ممارسة وأساسا للممارسة وافقا لها ومشاركة فكرية وحواراً افقيا مفتوحا وليس عبر أخذ هذه الجملة ( المواطنة المتساوية ) وتزييف مضمونها ومنطوقه ومضمره ومرجعتيه الفكرية والتاريخية فحسب . كما يفعل هؤلاء الملالي وذراعهم السياسي. وذلك بعد انكشاف خطابهم الطائفي المذهبي والاستقطاب والانقسام الطائفي (الشرخ الطائفي) الذي أوجدوه منذ احداث ١٤ فبراير فهذا البيان محاولة للالتفاف على هذه الاخطاء الكارثية التي مورست منذ احداث ١٤ فبراير الكارثية والي الان. فهؤلاء العلماء الملالي لا يقومون ( بالمراجعة النقدية ) فهم لا يعترفون بها لأنهم ، مقدسون ( علماء الدين ) والمقدس لا يخطأ فكيف يقوم بالمراجعة ، فكما جاء في البيان ( فكل ما يقولونه هو حق وفي خدمة الحق ، وهو حق لا يمكن لاتباع اي مذهب حسب مذهبهم ان يتنازلوا عنه ، وهذه هي حقيقة المطلب الحقيقي للشعب والذي يراه العلماء حقا له من بتصدي لحكمه ، حقيقة نعلنها للعالم كله ونعلن موقفنا الصريح منها ) كذلك لا فائدة ترجي من تعريف المواطنة وتتبع تاريخها اذا لم يكن ذلك وليد الحاجة الي حل مسائل الواقع وهي الوحدة الوطنية وليست كما يراه او يريده العلماء ( تمتين الإخوة الاسلامية ) ؟! فهل ما جاء في البيان يفضي الي لُب الاشكالية (الشرخ الطائفي) المطروحة على الفكر والعمل؟ ويرتبط بجميع عناصرها ارتباطا ضروريا؟ والإشكالية المعنية هنا، كيف يمكن جعل التحولات والاحداث التي جرت وتجري في البحرين منذ احداث ما سمي (بثورة ١٤ فبراير) تتجه نحو تحقيق الاندماج الاجتماعي، الوطني (وليس تمتين الإخوة الاسلامية) وإقامة دولة سياسية كاملة، تكون دولة حق وقانون لجميع مواطناتها ومواطنيها بالتساوي. (وليست دولة محاصصة طائفية سياسية عنوانها التوافق بين الطوائف)! وان يكون التساوي هنا بين المواطنيين بلا استثناء ولا تمييز، تمهيدا لتحول ديمقراطي جذري، في الفكر والعمل. في الثقافة والسياسة والاخلاق في المجتمع والدولة وما هي الكيفية في اخراج الأفراد والجماعات والتي اصطفت اصطفافا طائفيا مذهبيا، من العزلة والتحاجز والتفاصل والتناحر الي فضاء عام، يري فيه كل منهم صورته السياسية والأخلاقية وليست الطائفية او المذهبية؟ وماهي الكيفية لجعل الاختلاف والتفاوت والتنوع والتعدد مقومات موضوعية راسخة لوحدة وطنية منفتحة على أفق انساني؟ وليس طائفي

او كيف يمكن ان تتحول العلاقات الاجتماعية في المجتمع البحريني من علاقات بين محمولات (العلماء الملالي) اي افكارهم وتصوراتهم وقيمهم ومذهبهم والتي تحدد ما يرونه ويريدونه هم للشعب اي للطائفة في بيانهم، وهي عبارة عن كليات تصورية وظنية، الي علاقات بين ذوات. هي كليات عينية، فتحرر الفرد سواء من أسر ما يريده ويراه هؤلاء الملالي، او من أسر عالم هذا الفرد الخاص وأحكامه المسبقة وتصوراته الثابتة، اذ العيني اساس التصوري ومرجعه لا العكس.

عندما يطرح (العلماء) الملالي المواطنة المتساوية، فمن المفترض انهم تجاوزوا مسالة ماهي المواطنة؟ في إطار الفكر النظري وتاريخه. وأنهم ليسوا في حاجة مع ذلك وبعده، الي معرفة كيف تنشأ المواطنة، وماهي عوامل نشوئها، وكيف سوف تتطور وما عوامل تطورها، وكيف تتحقق واقعا سياسيا واخلاقيا في البحرين. وما أثر شروط الواقع السياسي في كيفية تحققها وممارستها، وماهي إمكانات تحققها في البحرين. فالواقع الاجتماعي والسياسي يقول ان هناك طوائف (سنية / شيعية) قد تم حشدها وتعبئتها عاطفيا وسياسيا، وزج بها من قبل جمعيات طائفية سياسية يقف على رأسها الملالي، في تمفصل وتحاجز وتناحر طائفي مزق وحدة الشعب الوطنية لكي يتم إرجاع المجتمع الي ما قبل مدني ووطني. ان العلماء الملالي في هذا البيان ينطلقون في مطالبهم ورؤاهم وما يريدونه من سؤال ما العمل؟ بدلا من سؤال كيف العمل؟ لذلك هم يعيدون انتاج ما فعلوه منذ انطلاقة كارثة الدوار، وينتجون مجاهدين متعصبين ومتطرفين، لا مواطنين متمدنين ومعتدلين. بالرغم من رفع شعار الدولة المدنية الديمقراطية من قبل ذراعهم السياسي جمعية الوفاق، فالشعار في واد وممارستهم في واد اخر ونتائجه مفارقة للأهداف المعلنة المتوخاة منه. فالتمدن حد على (ما سمي بثورة ١٤ فبراير) والمواطنة حد على النزعة للعنف والميل للإرهاب والذي كان هو ديدن تلك الاحداث ؟! لعل ما حدث ونتج عن تلك الكارثة قام بعملية خَض للمجتمع خضا فَظهر كل ما كان مترسب في أعماقه علي مرر الزمن وبالذات في التنظيمات التي تسمي نفسها جمعيات التيار الوطني الديمقراطي، مما ولد عند كل الوطنيين والديمقراطيين في البحرين خض لفكرهم وثقافتهم الوطنية الديمقراطية فتعينت اتجاهات وخيارات جديدة، أحد أمثلتها هو جمعية التغيير الديمقراطي (تحت التأسيس).

لماذا لم ترد جملة المشروع الاصلاحي في بيان ال ٣٩ عالم دين وتم الاكتفاء بجملة ميثاق العمل الوطني؟ كما عودتنا ما تسمي بالمعارضة في البحرين، ان الحكم ليس لديه مشروع وان المعارضة لديها مشروع ؟! و وثيقة سمتها وثيقة المنامة وهي بالنسبة لها المشروع البديل ؟! هذه الجمعيات والتي تسمي نفسها بالمعارضة لا تفرق هنا بين كلمة مشروع ووثيقة . فميثاق العمل الوطني هو وثيقة سياسية تم الاستفتاء عليها من قبل شعب البحرين والذي صوت بنعم بنسبة عالية ٩٨،٤ بالمئة، وقد كان هو البداية والانطلاقة للمشروع الاصلاحي والذي أوجد الانفراج السياسي وفضاء من الهامش الديمقراطي متجاوزا الدولة التسلطية وقانون ومحكمة أمن الدولة وفي الاتجاه لدولة المواطنة المتساوية الدولة الوطنية الحديثة او المملكة الدستورية. وهنا يمكن توصيف (الميثاق) بانه اتفاق ضمني صريح، وليس معلنا، مفسرا او مبررا دائما بين (نخبة معينة) من القادة الذين يسعون الي تحديد او اعادة تحديد بشكل أفضل، القواعد التي تحكم ممارسة السلطة بناء على اساس الضمانات المشتركة التي تحفظ (المصالح الحيوية) للذين يدخلون في المواثيق ليس علي اساس طائفي، بل وطني. ان لُب المواثيق يكمن في تسوية يوافق (القادة) من خلالها على الامتناع عن او التقليل من استخدام قدرتهم على ايذاء بعضهم بعضا عبر توسيع الضمانات بشكل لا يهددون من خلالها الاستقلالية المشتركة او المصالح الحيوية لكل منهم وهذا يتضمن نموذجيا بنودا تنص على الامتناع عن استخدام (العنف) والارهاب، وحظرا على تحريك (الجماهير) في اجندات انقلابية او ارهابية. فهل ما يطرحه علماء الدين هنا الملالي عملية نسف لميثاق العمل الوطني وتبديله بوثيقة اخري تسمي (وثيقة المنامة) وبالتالي الدخول في مشروع الدولة الطائفية ذات المحاصصة الطائفية لتعيد تجربة فاشلة كما هي في العراق ؟! فمنذ احداث ١٤ فبراير الكارثية وهي تسعي لهذا المشروع ولهذه الوثيقة عبر ما سمته بثورة ١٤ فبراير

ديالكتيك العلاقة بين التخلف والتأخر والتقدم في بيان الملالي. لم يعد التخلف او التأخر يتحدد بمقارنة المجتمع البحريني بالمجتمعات المتقدمة فقط، بل بمقارنة مظاهر التخلف او التأخر بمظاهر التقدم في المجتمع البحريني نفسه، وخصوصا منذ انطلاقة المشروع الاصلاحي تحت مظلة ميثاق العمل الوطني. حيث كانت تتكشف مظاهر التقدم بشكل تدريجي عبر ما تم تسميته من قبل الباحثين في الانتقالات من الحكم التسلطي ، ب ( الديمقراطية بالتقسيط ) عبر حقن المجال السياسي بجرعات اصلاحية عندما تواجه بمعوقات وتحديات يضعها المتشددون سواء في السلطة او ما يسمي بالمعارضة ، هكذا كانت تدار أوراق اللعبة الي ان جاءت احداث ١٤ فبراير الكارثية كمغامرة سياسية بالمشروع الاصلاحي بمشروع بديل ( التحالف من اجل الجمهورية ) او في أتجاه دولة ولاية الفقيه الطائفية او دولة المحاصصة الطائفية السيئة الصيت والمدمرة للنسيج والوحدة الوطنية . إذا هنا ثمة فرق بين عملية او سيرورة التقدم هنا او هناك في المشروع الاصلاحي، وبين اوهام علماء الدين او يوتوبيا عن التقدم، فهذه الاخيرة لا تنتج سوي يوتوبيا المجتمع المدني والدولة الحديثة ويوتوبيا المواطنة والتي يحاول من خلالها أمين عام الوفاق المعتقل ان يطرحها كخارطة طريق لحوار يخرج البحرين من الازمة. واليوتوبيا هنا تغشي البصر والبصيرة. ان التناقض بين التأخر والتقدم او بين ما يطرحه علماء الدين الملالي وأذرعهم السياسية من ولائها وانتمائها الي جمعيات طائفية بامتياز هي تعبر عن ما قبل المدنية وما قبل الوطنية ومن حالة تشرذم وانقسام وتفتيت للدولة الموجودة علي ارض الواقع في البحرين الي جهات ومناطق مبنية علي اساس طائفي ومن هنا تكمن خطورة هذا التيار الطائفي والذي يستغل الدين. فمنذ احداث ١٤ فبراير والي الان هناك عملية فرز واستقطاب وانقسام وبتر للوطن وللدولة قامت به الخطب المسيّسة من على المنابر والتي استخدمها هؤلاء العلماء الملالي للتعبئة والحشد الطائفي وهذا ما لا يجوز إهماله او التقليل من شانه لأنه هو جوهر الازمة. من هنا هم يتمسكون بهذه الجملة (ولا يحق للسلطة التدخل في الشعائر الدينية) وإلا فان التغيير سيكون هو ضرب من المستحيل. هنا يكتسي التأخر معني التخلف والتقدم معني التحسن المطرد، ويكتسي التغيير معني الإصلاح المطرد في المشروع الاصلاحي لان البديل كما يريده ويراه هؤلاء الملالي وأمين عام الوفاق والوفاق كذراع سياسي لهم هو إطلاق حركة التاريخ المحتجز بالاستبداد الديني المذهبي الطائفي والركود و (اسلام المقابر. ان التناقض بين الحداثة والتخلف، بين العلمانية والثيوقراطية (حكم وجال الدين) بين الديمقراطية والاستبداد الديني بين المجتمع المدني والمجتمع ما قبل مدني (الطائفي) بين الدولة السياسية الكاملة ودولة المحاصصة الطائفية والتي تم الدعوة لها من خلال الديمقراطية التوافقية سواء على لسان المرجع الديني والسياسي لجمعية الوفاق الشيخ عيسى قاسم ام جاء على لسان امينه العام الشيخ ؟! علي سلمان، ونكمل بين التنمية والتخلف، بين العلم والخرافة، بين القوي الوطنية الديمقراطية العقلانية التغييرية والتي تطرح من منطلق وطني الي السبيل لتوزيع عادل للثروة والسلطة ومصادر القوة وبين القوي التي تحتكر وتحتجز الطائفة وتخطفها وتزجها في صراع طائفي لانتزاع السلطة فقط لا غير وكذلك ضد القوي التي تحتكر الثروة والسلطة ومصادر القوة، هذه كلها وغيرها تناقضات داخلية، تخترق جميع بني المجتمع البحريني ومجالات حياته، وهي مصدر حيويته وديناميته ونزوعه الدائم للتغيير او عدم الاستقرار

اذن الدولة هي مركز ثقل المجتمع او نقطة ارتكازه، بصفتها العمومية او المعنوية اي بصفتها دولة جميع مواطناتها ومواطنيها بالتساوي، وبالضد مما يراه ويريده العلماء الملالي وعبر جملة (تمتين الإخوة الاسلامية) اي تمتين الاسلام السياسي الشيعي ؟! عندها تتقلص عمومية الدولة حتى تتطابق مع سلطة جمعية سياسية طائفية وهنا تصير مخارجه للمجتمع وغريبة عنه ومعادية له كما حدث في إيران من قبل وعراق اليوم هنا يكمن منطق العصبية الطائفية، وهذا يعني اغتراب المجتمع نفسه وتناثره ومن ثم تقسيمه واستقطابه طائفيا كنتيجة لهذه الخلخلة السياسية الطائفية في الدولة، وهنا مكمن اغتراب كل فرد من افراده وتشتته. عندها ستصبح الدولة دولة طوائف وكتل طائفية محدثة؟ وسلطتها سلطة شخصية (ما يراه ويريده العلماء من مطالب) وهذه السلطة ستكون علاقتها بالمجتمع علاقة تخارج اي علاقة نبذ وتهميش وإخضاع، وبالضد مما تراه الطوائف سواء في الجانب السني او الشيعي فلن يعفي الموالين والتابعين من الخضوع؟ فهذه القوي عملت منذ ان تشكلت وتبلورت في المشروع الاصلاحي على قتل في كل فرد كل حسب طائفته من أفراد المجتمع (شخصه القانوني) ومن ثم شخصه الاخلاقي عبر الأوامر والنواهي والتي يطلب الاذعان والانصياع لها لان هؤلاء العلماء الملالي هم ممثلون لشرعية دينية وسياسية ؟! هنا يجتلي مفهوم المواطنة المتساوية من منضور علماء الدين وذراعهم السياسي جمعية الوفاق اي يجتلي بصورة سلبية ارتباط المواطنة بالدولة السياسية. ان محاولة هدر الدولة في البحرين اي بمحاولة جعلها (دولة محاصصة طائفية) سوف يؤدي تلقائيا الي هدر المواطنة، وهدر الوطن والمواطن وهدر (الانسان عموما) هذا التخارج بين المجتمع والدولة.

ان التخارج بين المجتمع والدولة والذي عززته الجمعيات الطائفية السياسية في الضفتين هو ما جعل التناقضات التي تم الإشارة لها سابقا تصبح تناقضات مستعصية على الحل مما يرشح استمراريتها لو ظل الوضع في ظل هيمنة الجمعيات الطائفية السياسية كل على طائفته وبالتالي صعوبة حل الازمة السياسية في ظل هذا التخارج. وهذا ما سوف يوحي للبحريني بان التخلف والتأخر سمة ثابته من سمات المجتمع. ومن البديهي ان هذا التخارج يضع الأفراد في مأزق اخلاقي، او أزمة ضمير، وبالذات لدي الطرف الشيعي في ظل الازمة الراهنة، فهم خارجون للدولة، لا يطيقونها، ويعتبرون انهم مذعنون لسلطتها ومجبرون على تقديم الشرعية السياسية لها وبالتالي الولاء لها. وأنهم يعيشون نوعا من (الرعوية المحدثة) والتي تعني في نظرهم التبعية والخضوع فحسب. هذه الرعوية تجعل من الاسهل على اي منهم اللجوء الي الروابط الطائفية الأولية، وهنا مكمن ان يصدر هؤلاء العلماء الملالي بيانهم في هذه اللحظة بالذات. معتمدة على انه حتى النخب المثقفة سواء في المجتمع او في جمعيات تسمي نفسها تيار وطني ديمقراطي بانها لم تتحرر من الروابط الأولية الطائفية فهي لا زالت تقدم غطاء سياسيا وخدمات للجمعيات الطائفية السياسية كنوع من الانتماء كحاجة وعبر شعار التنسيق او التحالف مع هذه الجمعيات، الحاجة التي لم تلبها الوطنية البحرينية ؟! حيث ان هذه النخبة والتي تمحور وعيها على ثانوية الأكثرية الشيعية والأقلية السنية هي من اعادة انتاج العصبيات الطائفية والمذهبية؟ في البني والمؤسسات والتي يفترض انها مؤسسات حديثة! وهنا يتضح مدي تأثر هذه النخب بالايدلوجية الطائفية المذهبية (الاسلام السياسي). لذلك يفترض نقد ثانوية الأكثرية والأقلية بنقد الثقافة السياسية سواء في اهابها الطائفي او في صيغتها والتي جاءت في بيان علماء الدين الملالي ، التلفيقة ( المحدثة ) فكلتاهما تسوغان الاستبداد الطائفي الديني والذي يوصف دوما بانه حكم الأكثرية / الطائفية المذهبية والذي لم يكن كذلك في تاريخ الحركة الوطنية البحرينية !! ، فلا يسوغ الحديث عن دولة المحاصصة الطائفية كما تراه وتريده فئة رجال الدين العلماء الملالي وعبر استخدام مقولة وحكم الأكثرية ، كأنهما الشيء ذاته ، ولا يسوغ اختزال الأكثرية في طائفة بعينها بل هنا يلعب العامل الطبقي الدور المهيمن وليس الطائفي فهل الحكم الان في العراق مثلا هو حكم الأكثرية ؟ اي بمعني هل هو يعبر عن اكثرية الشيعة في العراق ؟؟ ، في المقابل ، ترتبط الديمقراطية بحكم الأكثرية السياسية ، من حيث المبدأ ، اذ لا يجوز ان نتجاهل العوامل المختلفة التي ( تصنع ) هذه الأكثرية ، وتجعلها الي جانب جمعيتين سياسيتين كبيرتين في المجتمع ، علي الرغم من اهمية ( تداول السلطة ) سلما ، وأثره في استقرار الحياة السياسية وحيويتها فالواقع في البحرين يشير الي الوزن العددي للفئات المهمشة و ( الكتلة الصامتة ) والتي هي خارج هذه الجمعيات ، ما يلغي بظلال الشك في صحة ادعاء الوفاق وغيرها بانها هي الممثل السياسي الشرعي والوحيد للطائفة في البحرين

ان بيان العلماء الملالي يشكل حالة من الاغتراب والعزلة وخصوصا بعد تداعيات الاحداث ما بعد احداث ١٤ فبراير الكارثية بالرغم من تضمينهم البيان بجملة ( المواطنة المتساوية ) وذراعهم السياسي جمعية الوفاق بطرحهم ( الدولة المدنية الديمقراطية ) فهم أصبحوا يعيشون حالة من الارتباك والتشوش والاضطراب علي مستوي الخطاب الملفق المحدث والذي يعتمد المذهب الانتقائي فهم اصبحوا ينتقون ما يناسبهم من العلمانية ويغلفون به خطابهم الطائفي المذهبي ، كل هذا راجع الي مسالة مهمة وهي مسالة الهوية ، او وعي الذات ، ومسائل الانتماء والتواصل مع المجتمع ذلك نتيجة تعلقهم بالعقيدة المذهبية والرابطة الطائفية ، التي تعزز العزلة والاغتراب عن المجتمع المدني والمجتمع السياسي ذلك ناتج من تعلقها بمبادئ انتاج السلطة الدينية انها تبحث دائما علي المتحد معها وهنا لا يوجد لديها في الشارع السياسي الا الطائفة الشيعية فهي لا   تتعلق بالتحديدات الذاتية المختلفة للمواطنين المختلفين والجماعات المختلفة معهم . هنا لا يستقيم النظر الي الوعي الذاتي الا بصفته وعي الاختلاف وليس وعي التماثل ففي الاختلاف تكمن الوحدة كما يراها الجدل المادي اي هذا الاختلاف هو الذي يؤسس الوحدة الوطنية، بخلاف ما يحاول ان يفرضه هؤلاء الملالي وعبر الأيدلوجية الطائفية التي تستغل الدين كما هي اصبحت الان تستغل العلمانية ؟!!! فهذه الأيدلوجية وخطابها في هذا البيان تحاول ان تفرض التشابه والتماثل والتجانس والنقاء وكما يراه ويريده هؤلاء الملالي (تمتين الوحدة الاسلامية) او تمتين الوحدة الطائفية لكي توحد الطيف الواسع من الجمعيات الطائفية الشيعية والتي كانت متوحدة سابقا في جمعية الوفاق اي اعادة الروح للمقسم في داخل الطائفة وهذه عوامل نابذة للوحدة الوطنية البحرينية والمعززة لحالة الاغتراب والعزلة. فما يراه ويريده هؤلاء الملالي لا تراه ولا تريده مثلا جمعية الاصالة او المنبر الاسلامي ولا يراه ولا يريده التوجه الوطني الديمقراطي العقلاني في البحرين مع اختلاف الرؤية هنا اي بين التوجه العقلاني والجمعيات الطائفية السياسية السنية. فالعلماء الملالي كما هو حال ذراعهم السياسي جمعية الوفاق لديهم ثقافة سائدة تحاول ان تجعل الماضي (ماضي الطائفة) عصيا على النسيان فهي تستحضره كل يوم في خطابها التاريخي -السياسي هنا تبدو اهمية الحداثة والقطيعة المعرفية والأخلاقية مع الماضي وصراعاته الطائفية والمذهبية التي انطوت وعفي عليها الزمن، وراهنيه النقد والفكر النقدي لمثل هذه الثقافة السائدة لدي هؤلاء الملالي وذراعهم السياسي. ان هؤلاء الملالي لا يفرقون بين ما هو سياسي وما هو مدني لكي تعرف ماهي الحدود والتخوم الفاصلة الواصلة بين (المجتمع المدني) و (المجتمع السياسي) فهم ينطلقون من فهمهم للمسألة الوطنية على انها اولا تمتين الإخوة الاسلامية اي على اساس انها (مسالة دينية) وبالتالي (مسالة طائفية) كون كل الذين وقعو على البيان هم علماء من الطائفة الشيعية! وينشأ بالتالي تناقض حاد ومتوتر بين الشيعة والسنة (بين الأكثرية الشيعية والأقلية السنية) وهذا تناقض يستعصي على الحل بل يبدو مستحيلا، الا إذا تخلي السنة عن سنيتهم او الشيعة عن شيعيتهم. كما سماه أحد الكتاب (التنازل المتبادل عن الهوية) ذكرنا في موضوع اخر وهو الوفاق وأزمتها الوطنية انها لا تقدر ان توحد المجتمع او القوي الاخرى طائفيا بل كل ما تقدر عليه هو ان تقسمها طائفيا. فالمسألة هنا هي مسالة اجتماعية وسياسية في الواقع البحريني، وليست مسالة طائفية فمن الناحية الاجتماعية هي مسالة (استغلال الانسان لأخيه الانسان) وليس (تمييز طائفة ضد طائفة) او مسالة اغتراب المنتجين عن ناتج عملهم وعن عالمهم وعن ذواتهم، وتحول هذا الأخير اي ناتج العمل، الي قوة اجتماعية وسياسية تقيد حرية من أنتجوها، وتحكم عليهم بالبؤس والشقاء ولا تعدو ان تكون شكلا اجتماعيا وسياسيا لاستلابهم واغترابهم كما يذهب ماركس في تحليله في كتاب المسالة اليهودية. اما من الناحية السياسية تتعلق بمفهوم الدولة الناقصة كما يراه ويريده الملالي ( دولة المحاصصة الطائفية ) بالرغم ما يصرح به هؤلاء الملالي ( لا توجد مطالبة بدولة مذهبية ) وتصريح ذراعهم السياسي ( المطالبة بدولة مدنية ديمقراطية ) فهذه الدولة الناقصة وكونها تناقضا في ذاتها ، بين عمومتيها النظرية ، بصفتها دولة ، وبين جزئيتها الواقعية ، بصفتها دولة محاصصة طائفية اي دولة طوائف لا دولة المجتمع كله وان جزئيتها هذه التي تجعلها تميز السنة عن الشيعة او العكس وهي ذاتها التي تجعلها تميز شيعة علي الشيعة كما هو واضح للعيان من تجربة الديمقراطية التوافقية في العراق !! اي انها دولة امتيازات لا دولة حقوق متساوية. فدولة الحقوق المتساوية وحكم القانون لا تشترطان تخلي المواطنيين عن معتقداتهم واتجاهاتهم. ولا التنازل عن تحديداتهم الذاتية، ولا نقول هوياتهم، لان المذهب ليس هوية، الا عند أيد لوجيي المذاهب.

كما كتب نادر عبد الامام في الرد علي بيان الاصالة (بيان العلماء يطالب بكل وضوح، بدولة مدنية لا مذهبية، مواطنة متساوية، وحكومة تمثل الإرادة الشعبية، وبرلمان كامل الصلاحيات صادر عن توزيع دوائر انتخابية عادلة، والغاء التمييز سواء الديني او المذهبي او العرقي، والرجوع الي جوهر الميثاق في استشراف المستقبل، والعمل على تمتين الإخوة الاسلامية والوحدة الوطنية) والسؤال الان كيف يفهم او يريد او يري هؤلاء العلماء الملالي جوهر كل هذه المطالَب؟ ولنأخذ اولا مسالة الانتخابات العامة وتوزيع دوائر انتخابية عادلة، هل هذه المسالة من الناحية السياسية والاجتماعية هي ضمن إطار ما يراه ويريده هؤلاء العلماء الملالي؟ ام هي كما يتصوره كارل ماركس فقد لاحظ في نقده لموقف برونو باور من المسالة اليهودية في كتابه (في المسالة اليهودية) ان حق (الاقتراع العام) (الانتخابات العامة) وهو أحد مظاهر المواطنة واحد ابعادها، يجعل غير المالكين لوسائل الانتاج، وهم اكثرية المجتمع، يشرعون للمالكين، ومن ثم، فان الاقتراع العام هو إلغاء سياسي للملكية الخاصة، اي ان الملكية الخاصة لا تنتج حقوقا مدنية وسياسية للمالكين أكثر او اقل من حقوق غير المالكين، ولا تحظى باي امتياز، على صعيد المجتمع السياسي. ولكن هذا الالغاء السياسي لم يلغ الملكية الخاصة في المجتمع المدني، حيث هي تنمو وتزدهر. فالمالكون بتساويهم مع غير المالكين، في الحقل السياسي، لم يخسروا ملكيتهم الخاصة، بل ربحوا (حق التملك) المعترف به دستوريا وقانونيا، وهو حق صوري، بتعبير هيغ لا يتعلق بمقدار الملكية، وربحوا حماية الدولة للملكية الخاصة من اي اعتداء او تجاوز عليها. وعلي هذا النحو ، فان الاقتراع العام ، علي قاعدة المواطنة المتساوية ، لا علي قاعدة الأكثرية الشيعية والأقلية السنية هو إلغاء سياسي للطوائف والمذاهب ، لا يلغي وجودها الفعلي في المجتمع المدني ، حيث تنمو وتزدهر وتتمايز ، ومن ثم فان أيا من الطوائف او المذاهب لا تنتج حقوقا مدنية وسياسية ( خاصة ) او ( كامتياز ) كما يراه ويريده العلماء الملالي وهنا لا تتعرض لأي تمييز هذه الكلمة والتي لطالما استخدمها الملالي وذراعهم السياسي جمعية الوفاق ، فأعضاء الطوائف والمذاهب ، بتساويهم في الحقوق والواجبات ، في المجتمع السياسي ، لا يخسرون طائفتهم ولا مذهبهم او دينهم ولا يشترط ان يتخلّوا عنها ليصيروا مواطنين ، بل يربحون حق الانتماء الثقافي وحق التعبير عنه وحق الاعتقاد والعبادة وممارسة الشعائر ( الدينية ) بموجب الدستور والقانون ، ويربحون ، الي ذلك ، حق حماية الدولة لطائفتهم ومذهبهم ودينهم من اي اعتداء عليها او تجاوز علي حقوقها او انتهاك لخصوصيتها . ان وجود الطوائف والمذاهب في المجتمع المدني لا يتعارض من قريب او بعيد مع الدولة السياسية، ولا يحول دون اكتمالها وتحولها الي دولة ديمقراطية، بالإلغاء السياسي للملكية الخاصة تتقرر الملكية الخاصة في المجتمع المدني، وبالإلغاء السياسي للطوائف والمذاهب تتقرر حرية الطوائف والمذاهب في المجتمع المدني، وحقوق أفرادها، وتتحقق الحرية الدينية، تلك هي العلمانية التي لا يريدها ولا يراها العلماء الملالي. اذن ثمة مسالة (يهودية) نسبة لكتاب كارل ماركس في المسالة اليهودية، وهي مزمنة في المجتمع وعند العلماء الملالي وهي مسالة الطوائف المذهبية لم يقاربها المثقفون والسياسيون بالجدية اللازمة والشجاعة اللازمة خوفا من الطائفة او من حراس الطائفة (العلماء الملالي) ولعل معارضة الدولة في البحرين بدولة إسلامية هي من الأسباب الرئيسة لضمور فكرة الدولة الوطنية الحديثة في الوعي والممارسة كما يطرحها هنا الكاتب نادر امام (تمتين الإخوة الاسلامية ومن ثم تأتي مفردة والوحدة الوطنية) ؟؟! لكن السبب الأعمق هو اعتبار الاسلام هوية سياسية للفرد والمجتمع! كالتمتين الإخوة الاسلامية كما هو مفهوم الأمة في البحرين ملتبس بمفهوم الملة او الطائفة ومفهوم (الجماعة) بكل محمولاتها المذهبية

كيف يري العلماء العلاقة بين الدين او المذهب بالدولة او بالسلطة؟ كما يكتب نادر عبد الامام وغيره من الكتاب ذوي النزعة الطائفية الشيعية (وهي تعلم اي جمعية الاصالة ان مكانة الشيخ عيسى قاسم وحده لدي غالبية شعب البحرين تعادل جمعية الاصالة لو ضربت في نفسها ١٢ مرة) و (العلماء هم محل مكانة وتقدير واحترام مكون رئيس في البلد) طبعا غالبية شعب البحرين المقصود به هنا الطائفة الشيعية، والمكون الرئيس هم الطائفة الشيعية ؟! وهنا تبرز علاقة الطائفة او المذهب بالدولة او بالسلطة تحديدا ويراد لها من وجهة نظر العلماء الملالي او من يدافع عنهم من كتاب الي ان تنحل هذه العلالقة او تذوب في علاقة الأكثرية او الاغلبية الشيعية ذات البعد المذهبي بأقلية سنية ذات البعد المذهبي. هنا لا تتحول زاوية النظر الي   طبيعة الدولة والمبادئ آلتي تقوم عليها ، وهل هي دولة سياسية ودولة مواطنين احرار مستقلين ومتساويين ، ام هي دولة دينية او مذهبية او تقوم علي اساس مذهبي كما يراد لها في الباطن عبر استخدام ( التقية ) عند العلماء الملالي تأخذ طابع او شكل دولة محاصصة طائفية اي دولة سياسية ناقصة سوف تحابي مذهب الأكثرية او الاغلبية كما هو حادث بشكل عيني في العراق اليوم ، وما يطرحه هؤلاء الملالي بعيد عن مفهوم الدولة السياسية الكاملة ماركس ( حيثما تكون الدولة السياسية كاملة تفقد اشكالية العلاقة بين الدين والدولة معناها ، لان المسالة تكون قد حلت حلا نهائيا ) وهنا زاوية النظر تختلف كليا عن ما يراه ويريده العلماء الملالي فهي اولا وأخيرا تنظر للدولة الوطنية من منظور ديني مذهبي طائفي ولا تنظر الي الجماعات الطائفية والمذهبية من منظور الدولة السياسية الوطنية كما يراه التوجه الوطني الديمقراطي العقلاني وهنا يتم تحويل النقد بان لا يكون منصب علي الطوائف والمذاهب بل ينصب علي الدولة القائمة بالفعل علي ارض الواقع هنا والان بصفتها دولة ناقصة وهي الدولة التي لا تزال تقوم علي مبدا غير سياسي ديني او مذهبي او طائفي او ايدلوجي والدولة التي تمنح امتيازا لجزء من المجتمع علي حساب الآخرين وهي المشروع الذي يراه ويريده الملالي في دولة محاصصة طائفية وعبر الديمقراطية التوافقية والذي تكمل نقصها او تغطيه ( لا توجد مطالبة بدولة مذهبية بل المواطنة المتساوية ولا يحق للسلطة التدخل في الشعائر الدينية ) حيث ان مثل هذه الدعاوي تسفر عن تفارق صارخ بين الخطاب القومي   او اليساري ما فوق الوطني ( الأممي ) والخطاب الاسلاموي وبين الممارسات الطائفية والمذهبية ما دون الوطنية وما قبل المدنية ، وان الحديث عن دين الدولة ودين رئيسها وعن مصدر مقدس او متعال للتشريع ليس من قبيل توظيف المقدس في السياسية فقط ، بل التلاعب بالمقدس ذاته من اجل ان يخدم اجندة من لا يراعون سوي مصالحهم الخاصة ذات البعد الطائفي والمذهبي . الهوية الوطنية ليست هي تمتين الوحدة الاسلامية وليست حتى تنازلا متبادلا عن الهويات الخاصة بل هي توافق وتعاقد على انتاج هوية سياسية (وطنية) عامة لا تتعارض مع اي من الهويات الخاصة ولا تنفيها على افتراض انها هويات لا محمولات لطوائف ومذاهب او طرق في التفكير والتأويل، دينية وغير دينية لا تستنفذ كينونة الفرد والجماعة السياسية ولا تحددها تحديدا كليا ونهائيا

عندما يطرح العلماء الملالي المطالَب على انها هو ما يراه ويريده هؤلاء الملالي، فالفكرة هنا تتجه الي فكرة (المنظور) او زاوية النظر، فهم عندما ينظرون الي المجتمع والدولة فهم ينظرون اليها من منظور مذهبي، قياسا على نموذج ملهم من الماضي او الراهن، بغض النظر عن خصائص هذا النموذج ونظامه الاجتماعي والسياسي فالشيخ عيسى قاسم بالنسبة له النموذج الديمقراطي هو ما هو موجود في إيران فقط ؟!! وقد بينت الممارسة الواقعية ان هؤلاء لا يَرَوْن باسا في احتكار السلطة والثروة واقصاء الاخرين وحتي استعبادهم او هدر إنسانيتهم علي الهوية باعتبارهم ادني منزلة وأقل شانا كما هو يحدث اليوم في العراق بهيمنة حزب الدعوة العراقي والذي تأدلجت علي يده الشيخ عيسي قاسم وذراعه السياسي جمعية الوفاق ، ذلك ان من طبيعة المذاهب الدينية انها تفاضلية ، وذات بنية أسطورية ، ان الحديث عن المنظور هنا لا يستدعي اتهام من ينظر الي الدولة علي هذا النحو او ادانته اخلاقيا ، بل يرمي الي تسليط الضوء علي الأثر الحاسم للمنظور في تشكيل الوعي وتسليط النقد من ثم ، علي الوعي الطائفي او المذهبي وعلي الوعي العصبوي بوجه عام لا علي حامله ، ولا علي الطوائف او المذاهب ويضع مقولة ( الوعي الاسلامي ) و ( تمتين الإخوة الاسلامية ) تحت السؤال ، استناداً الي مناهضتها للدولة الوطنية والشرعية الدستورية وحقوق المواطنين وحرياتهم ومناهضتها للديمقراطية في الممارسة العملية سواء في جمعياتها او في المجتمع وهو دعوة كما نفعل هنا الي قلب المنظور او تغيير زاوية النظر عبر الجدل المادي معهم ، وعبر تعدد زوايا النظر والاحتفاء باختلافها ، فالاختلاف ظاهرة إيجابية هنا.

ملابسات الهوية عند العلماء الملالي يذكر العلماء الملالي في بيانهم ( بالنسبة للشعائر الدينية والمذهبية ومسئولية الدستور وأي سلطة من السلطات الثلاث واجهزتها ان تحمي هويتها ) سوف نسلط الضوء هنا علي ثلاثة ابعاد للهوية يهملها سواء بوعي او بغير وعي هؤلاء العلماء الملالي واولها بعد الكينونة ، او البعد الإنساني العام والثاني هو البعد الثقافي الخاص ، وثالثا هو البعد السياسي الأخص ، وهذه الأبعاد للهوية مترابطة وفي علاقة جدلية مع بعضها ، فبعد الكينونة الانسانية لا يتعارض مع البعد الثقافي ، اي مع كون الفرد الإنساني شيعي او سني ولا مع كونه مواطنا بحرينيا . فالبعد الاول الإنساني هو ما يؤسس البعدين الاخرين الثقافي والسياسي الوطني ، اي ان الهوية البحرينية ، هوية سياسية تتضمن البعدين الثقافي والانساني ، ومن ثم فان هوية الفرد الإنساني ( البحريني ) هي ما تكون او يكون عليه الفرد ( أنثي / ذكر ) في هذه اللحظة من المشروع الاصلاحي في الزمان والمكان ، وما ينتجه لنفسه وللأخريات والاخرين ، علي الصعيدين المادي والروحي بين البنية التحتية والبنية الفوقية في اطار المجتمع والدولة ، اي وفقط شروط وجوده الطبيعية والاجتماعية والسياسية والثقافية والأخلاقية هذا ما يتصوره الجدل المادي فالهوية من هذا المنطلق هي ما يحمل علي الكينونة ، فالهوية تحديد ذاتي للفرد والجماعة والشعب يتعلق تحديدا بوعي الذات ، والكينونة بالتعريف لحظة من لحظات الصيرورة هي دوما لحظة الحاضر والراهن ، الوجود المتعين وجود في الحاضر وهذا يسري علي الأشياء والاحياء في العالم المادي والاخلاقي ، الحاضر هو اللحظة التي تملا الوجود ، فليس بوسع حتي العلماء الملالي ان يعيشوا حياة حقيقية الا في الحاضر ، والهوية من هذا المنطلق الجدلي ليست جوهرا متعاليا علي الواقع والتاريخ كما هو موجود لدي الملالي ، وليست معطي قبليا ثابتا ، وليست ماضيا مذهبيا طائفيا يعاش في الحاضر ، بل هي حضور في الحاضر كما يفهمه الجدل المادي ، فالهوية هنا هي النسق الذي تنتظم فيه محمولات الفرد الإنساني وتعبر عن شخصيته والذي يمكن الفرد من تحديد ذاته ، فالهوية ليست احادية البعد ، وليست شيئا ناجزا ونهائيا ، وليست جوهرية ، الجوهري في الفرد الإنساني هو ( الحرية ) والجوهري في عالم الانسان هو ( الحرية ) ، فمن التعسف اختزال الفرد وحصره في انتماء ضيق ( طائفي / مذهبي ) ، الهوية هي مضمون شخصية الفرد ، والخصائص المشتركة بين الأفراد ، في اي مجتمع ، تنتج ما يسمي ( الشخصية الوطنية ) او شخصية الشعب او هويته ان العلماء الملالي في نظرتهم الي الفرد او الشخص او الشخصية البحرينية منطلق من بعد طائفي مذهبي ، ما يعني ان الهوية هي عصبوية بوجه خاص مؤسسة علي ما هو متشابه ومشترك بين أفراد الطائفة ، ومن ثم فهي تنفي الاختلاف والتفاوت بين فئة رجال الدين الملالي ( العلماء ) وبقية الطبقات كالبرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة والطبقات الوسطي في الطائفة او تحاول ان تحجبها بجملة ( ما كانت عليه مطالب الشعب وما زالت ورآه العلماء ويريدونه حقا لأي شعب ) او تنحيها بإرجاع مطالب الشعب الي ما يريده ويراه هؤلاء الملالي ، وهذا ما يجعلها تحمل جرثومة الاستبداد وإمكانية التنكر لإنسانية اتباعها او أفرادها وحريتهم قبل ان تتنكر لإنسانية الاخر ( السني ) وحريته وتسوغ النيل من كرامته كما كان يجري علي لسان الذراع السياسي بوصف الاخر بالمرتزقة والطبالين والموالين الخ ، الأفراد احرار في تحديد ذواتهم ، والجماعات كذلك ، ليس لأحد حق في مصادرة هذا الحق حتي هؤلاء العلماء الملالي وليس علي احد حق في الاعتراض علي تحديد الأفراد لذواتهم وتحديد الجماعات لذواتها ، ما دام الامر يتعلق بالتحديد الذاتي كما حدث عندما تم الإعلان عن تأسيس جمعية التغيير الديمقراطي وتم لصق نعتها بانها تمثل اليسار السني . فكل المطالَب التي ذكرت ( لان يكون الحكم الذي يرتبط به مصيره ومصالحه دستوريا مرتكز علي دستور لا تغييب فيه إرادة الشعب ولا يوضع في غيابها ومن غير مشاركته ، وان يتمتع بحق الانتخاب الحر العادل في اختيار ممثليه في مجلس نيابي يعبر عن ارادته ، وان يكون مجلس كامل الصلاحيات لا تملي عليه احدي السلطتين الأخيرتين ارادتهما وان يؤخذ برأيه في اختيار حكومته وان يكون القضاء في خدمة الحق من غير ان تفرض عليه إرادة اخري خارج الدستور ) هنا ان مطلب بناء دولة وطنية ونظام ديمقراطي ، او حتي شعار ( الدولة المدنية الديمقراطية ) والذي ترفعه الذراع السياسي لهؤلاء الملالي جمعية الوفاق ، وعلي عقد اجتماعي ( دستور ) كل هذا يقتضي الافتراض اولا إقامة الحد علي هوية التجانس والنقاء الطائفي المذهبي الديني ، وثانيا معارضة هوية التجانس ( المفترض او المتوهم ) بهوية الاختلاف والتفاوت الواقعيين من اجل شعب حديث ، هو جماعة سياسية لا جماعة طائفية دينية مذهبية ، ما يعني اعادة التفكير في مفهوم ( الشعب ) بدلالة الدولة الوطنية وليست دولة المحاصصة الطائفية او بدلالة الدستور ، فالدستور هو عقد بين أفراد احرار ومتساويين ، لا بين جماعات وهويات طائفية مذهبية عقد لا يقتضي من الأفراد ان يتخلّوا عن انتماءاتهم المذهبية او الطائفية او اتجاهاتهم الفكرية والسياسية وإلا كان عقد استتباع وإذعان لهؤلاء العلماء الملالي . لذلك يجب ان نميز بين البعدين القانوني والسياسي للهوية، اي الجنسية والانتماء الطوعي الي وطن وجماعة سياسية او دولة وطنية من سائر الأبعاد الأخرى التي تشكل الهوية كالطائفية والمذهبية، وان اغفال البعد الإنساني للهوية، او بعد الكينونة الانسانية او تجاهله او تنحيته او حذفه او قطعه عن مجري الصيرورة التاريخية كما تعزز ذلك منذ احداث ١٤ فبراير الكارثية في البحرين، هو اساس جميع النزعات الطائفية المذهبية، واساس التطرّف والعنف والارهاب والذي أصبح ظاهرة يومية في الحراك السياسي في البحرين

.

المرجع: كتاب ( من الرعوية الى المواطنة ) للكاتب جاد الكريم جباعي