هناكً عوامل معينة، في النظام الذي ساد في كل الجمعيات السياسية أدت الي نشوء عضو الجمعية السياسية يشعر، بانه عاجز ووحيد وقلق وغير أمن. وهي التربة الخصبة، لتبلور ايدولوجيا وممارسة سياسية
لدى(القيادات) في هذه الجمعيات يمكن تسميتها بالمتسلطة. هذا القول يتحدى الاعتقاد التقليدي بان ديمقراطية هذه الجمعيات بتحريرها عضو الجمعية من اي روادع سواء داخلية او خارجية وان العضو حر في التعبير عن أفكاره ومشاعره، وان هذه الحرية تضمن (الاستقلالية). غير ان حق التعبير عن فكر عضو الجمعية لا يعني شيئا الا إذا كان العضو قادر علي تكوين أفكاره، فالتحرر من السلطة الخارجية او الداخلية لا يكون كسبا دائما الا إذا كانت الشروط السيكولوجية الداخلية للعضو في حالة يكون فيها قادر علي تأسيس استقلاليته (ذاته)، فهل حققت كل الجمعيات السياسية هذا الهدف، او على الأقل اقتربت منه؟ ان كل الممارسات التي مارستها هذه الجمعيات منذ التأسيس زادت في عزلة وعجز العضو، حيث أدت هذه العزلة وهذا العجز الي نوع من الهروب الذي نجده في الطبع التسلطي، (عندالقيادات) وأما الي التماثل الإلزامي في العملية التنظيمية مع بقية الأعضاء (القطيع) (التنظيم الحديدي) (الالتزام والانضباط) حيث يغدو العضو المنعزل والعاجز فيها إنساناً آلياً، يفقد (ذاته) ومع ذلك وفِي نفس الوقت يتصور انه حر وغير خاضع الا لذاته. ولكن كيف تغذي ثقافة الجمعية هذا الميل الي التماثل بين الأعضاء ؟ قمع ( النقد ) او كما يسمي قمع العفوية ( هنا العفوية هي جنين الوعي ) ومن ثم قمع نشوء العضو ( المثقف العضوي ) الحقيقي، هنا لعبت ما سمي ( بالتربية الحزبية ) الدور في حذف العفوية عند العضو ( الكادر )، وعن جعل المشاعر والأفكار والرغبات المقحمة من ( القيادات ) بديلا عن الفعل النفسي الأصيل، هنا لا يعني بكلمة ( الاصيل ) ان الفكرة لم يفكر بها احد من قبل غير العضو، بل انها تنشأ في العضو، اي انها نتيجة نشاطه وهي بهذا المعني فكرته. إحدى عمليات القمع ل (المشاعر) المتعلقة بالتمرد، فبعض أعضاء الجمعية يكمن فيهم قدر معين من العمل المتمرد نتيجة منازعاتهم ضد (سلطةالقيادات) والتي تسد السبيل امام معارضتهم للتفرد بسلطة القرار في الجمعية، فكل ما على هؤلاء الأعضاء (المتمردين) هو ان يستسلموا للقيادات استسلام الخصم الأضعف. فمن أهداف (التربيةالحزبية) هو ازالة رد الفعل المعادي لها بطرق شتى منها التهديدات والعقوبات او حتى الفصل من العضوية، التي ترعب العضو، والى إيجاد ترسانة من التفسيرات التي تشوش العضو وتجعله يقلع عن تمرده على(الزعماء)ويبدأ عضو الجمعية، بالإمساك عن التعبير عن شعوره وإحساسه (بالتمرد) وفِي النهاية يتخلى عن نقده او تمرده او شعوره ذاته، ويتعلم ان يقمع ادراكه للتمرد. ومن جهة اخري يجري تعليم العضو (الكادر) أحاسيس ليست أحاسيسه على الإطلاق، وعلى الخصوص يجري تعليمه ان يحب (القيادات) الذين لهم هيبة وحضوة وان يكون ودودا مطواعا معهم وبصورة غير نقدية، وما قد لا تنجزه (التربيةالحزبية) تنجزه الندوات والنشرات والكتيبات (الحزبية) في حياته في الجمعية لاحقا. واذا كان العضو لا زال متمردا بحكم انه يفتقر الي ( الشخصية التبعية ) او ( الشخصية غير راضية ) او ( الشخصية الشكاكة )، هنا لا يحتاج الي ان يكون شخصا ( تابع) بصورة خاصة الا من كان في أسفل الهرم التنظيمي الذين لا يقدم الا الجهد الجسدي ( حطب التنور ) ، والذين هم في أعلي القمة ( القيادات، الزعماء، الأمناء العامين ونوابهم ) في غير حاجة الي ان يكونوا ( تابعين ) بصورة خاصة هنا تصبح ( المجاملات ) وكل ما يفترض ان تعبر عنه ( التبعية ) استجابات آلية يفتحها العضو ( الكادر ) ويغلقها مثل مفتاح وصل وقطع كهربائي. هنا يفقد هذا العضو الإدراك فيفقد بفقدانه القدرة علي التفريق بين الإحساس الزائف والمودة العفوية. وبالتالي يفقد الاختيار ( الحر ) لهذه الجمعية السياسية . ولا يقتصر الامر علي ان ( التمرد ) يقمع مباشرة وان الاحترام والمودة ( الحزبية ) تقتل لتفرض من الخارج صورتها الزائفة. فان مدى واسعا من الانفعالات العفوية تقمع لتحل محله الأحاسيس والمشاعر الزائفة .
في الجمعية السياسية يتم تثبيط الانفعالات، او العفوية او التلقائية او التمرد، او النقد، عموما، مع ان التفكير الإبداعي وكذلك اي نشاط إبداعي تنظيمي، يرتبط بالانفعال والنقد ارتباطا لا ينفصم، لقد أصبح الوضع في كل الجمعيات السياسية
لقد تم في كل الجمعيات السياسية تثبيط الانفعالات، أو العفوية او التلقائية او التمرد او النقد عموما. وغاب عندها ان التفكير الإبداعي وكذلك اي نشاط إبداعي تنظيمي، هو مرتبط بالانفعال وبالنقد، ارتباطا لا ينفصم. فقد اصبح التفكير والحياة السياسية ، من دون انفعالات او نقد، او تمرد هو المطلوب في هذه الجمعيات، وصار ( الانفعالي ) (الناقد) ( المتمرد ) ( الذي يشك ) مرادفا لغير العضو السليم ( الملتزم والمنضبط ) (المنفذ ) وغير ( المتزن ) ( المنحرف ) ( الموالي للسلطة ) وبقبول هذا المعيار في الجمعية السياسية صار العضو بالغ الضعف ( مرتهن تابع ، زبون ) واصبح تفكيره شديد الفقر ومسطحا، ومن جهة اخري، فقد كانت سياسة ( القادة الزعماء الأمناء العامين ) ترى انه ما دامت الانفعالات او النقد او التمرد او التشكيك ، لا يمكن الإجهاز عليها، فلا بد من وجودها بعيدا كليا عن الجانب ( الفكري للعضو ) والنتيجة هي (العاطفة الرخيصة ) وغير الصادقة والتي تغذى بها الأعضاء كالاحتفالات للتأبين والاحتفال بالذكري الفلانية الخ هؤلاء الأعضاء الذين اصبحوا جائعين الي الانفعالات؟ وبالرغم من ان هذه الجمعيات تحاول ان تؤكدعلى شرعيتها من خلال الذكري الفلانية والشهيد الفلاني الا انها تقمع انفعال مهم يؤثر بعمق في جذور العضو، انه الإحساس بالمأساة. ذلك ان ادراك الموت والجانب المساوي من الحياة، سواء كان غامضا ام واضحا، هو احدي الصفات الاساسية المميزة للإنسان. وهنا عند الجمعيات السياسية بدلا من السماح لإدراك الموت والمعاناة ان يصير حافزاً من أقوى الحوافز علي الحياة واساساً للتضامن البشري، وخبرة من دونها تفتقر المسرة والحماسة الي الشدة والعمق، يرغم العضو علي ( كبته ) ويحول في خطاب ( الزعماء ) الي ثقافة ( الموت ) و (الاستشهاد ) باسم النضال؟! ، وكما هي الحال مع الكبت دائما، فان العناصر المكبوتة لا تغيب عن الوجود بإزاحتها عن النظر وهكذا يعيش الخوف من الموت بعكس ما تراه هذه القيادات وجودا غير مشروع بيننا. انه يظل حيّا بالرغم من محاولة انكاره، ولكنه اذ يكبت يظل عقيما. وهو احد تسطح الخبرات عند الأعضاء، والاضطراب المتفشي في الحياة السياسية وانه يفسر لماذا تحى هذه الجمعيات الذكري السنوية ( للشهيد ) وكل المجهود الذي تنفقه علي هذه الطقوس ( الجنائزية ). ان الثقافات قد عاملت الموت وفقا لبنيتها الاجتماعية والسيكولوجية، فقد صب اليونان كل تأكيدهم على الحياة وصوروا الموت على انه ليس أكثر من استمرار شبحي ورهيب للحياة. وبنى المصريون القدماء امالهم على الاعتقاد بعدم فناء الجسد البشري، وخصوصا بالنسبة الي الذين كانت سلطتهم في الحياة لا تفنى، واعترف اليهود بحقيقة الموت واقعيا وكانو قادرين على الإخلاد الي فكرة فناء الحياة الفردية برؤية وصول البشر في هذه الدنيا الي حالة السعادة والعدالة في مال الامر. جعلت المسيحية الموت وهميا وحاولت ان تعزي الفرد الشقي بوعود الحياة بعد الموت.
لقد حدث ( التحريف ) للفكر الجدلي كما حدث للأحاسيس والانفعالات في الجمعيات السياسية، وتم وضع أفكار جاهزة في رؤوس الأعضاء، لقد طرحت هذه الجمعيات برامج ومشاريع ( النظام الأساسي، البرنامج السياسي ) ودخلت في تنسيق وتحالف فيما بينها ودخلت في مشروع سمي ( بثورة شباب ١٤ فبراير ) كانعكاس للربيع العربي، مما اثار الفضول عند جميع الأعضاء لمحاولة فهمه حسيا وعقليا. فهم يريدون ان يعرفوا الحقيقة ما دامت المعرفة أمن طريقة لتوجيه أنفسهم في ظل هذا المشروع (الغريب) وبدلا من ذلك لم ينظر لهم (الأمناءالعامين،الزعماء) بجدية وسواء في ذلك أخذ هذا الموقف شكل (إلغاء، إقصاء استئصال، عزل، المبتعدين سياسيا، المتقاعدين سياسيا الخ) ام شكل التنازل (كتكتيك) سمي (التوافق) حيال الأعضاء الذين لا قوة لهم، ومع ان هذه المعاملة تقدم في حد ذاتها خذلانا وانكساراً قويا للتفكير الحر المستقل فهناك كانت معاملة او تعويق اسوأ هو عدم الصدق من هؤلاء (الأمناء؟!) المقصود وغير المقصود تحت حجة ( المناورة ) وعدم كشف ( القرار ) وخصوصا في احداث كارثة الدوار فقد تم ويتم حتي الان تقديم صورة وردية عن ( التنظيم ) وعن ( الحراك السياسي ). عدم الصدق هذا يقوم جزئيا على الصورة الوهمية (منصورين)عن (التنظيم او الحراك السياسي) التي قدمت للعضو في هذه الجمعية او تلك. والي جانب هذا السوء العام في تمثيل (التنظيم(الجمعية) الحراك السياسي) توجد اكاذيب خاصة كثيرة من شانها ان تخفي الحقائق التي لا يريد (الأمناء على الجمعية) لأسباب تكون احيانا (شخصية، شلليه،فئوية) متنوعة ان يعرفها أعضاء الجمعية. كل هذا تبرره هذه الشلل بالحالة النفسية ( الاحباط ، الانكسار الياس ) طبعا ما بعد كارثة الدوار، لأعضاء الجمعية، من هنا يتم الكذب او كتمان هذه الشلل او العصابة لخلافاتها ومخاصماتها، فان عضو الجمعية ( يفترض لا يعرف ) حيث تم اخفاء وعدم نشر الاستقالات التي قدمت من كوادر هذه الجمعيات للمكتب السياسي او الأمين العام لأنهم يعرفون سلفا بأنهم سوف يقابلون استفساراتهم وتساؤلاتهم بالعداء والوقوف مع ( المنشقين )، فهؤلاء ( الأمناء العامين ) هم وحدهم يعرفون الحقائق الواقية والحالة التنظيمية، واتضح من تجربة هذه الجمعيات ان هؤلاء ( الأمناء العامين ) لا يعرفون الا ( المعلومات ) والتي كانت جمعية الوفاق ترسلها لهم ( بالقطارة ) اعتمادا علي ( تجميع المعلومات ) بمعرفة الأمين العام او حتي عضو الجمعية المزيد والمزيد من المعلومات فانه سوف يصل الي معرفة الواقع ( السياسي ) ؟! حيث تم تفريغ المئات من المعلومات المبعثرة وغير المترابطة في رؤوس الأعضاء والتي لا يوجد فيها الا مجال صغير للتفكير بالرغم من تضخيم الحدث ( ثورة ١٤ فبراير )، بالإضافة الي العوامل المذكورة فانه توجد عوامل اخري تنحو نحو ( التشويش ، الاضطراب ) كل ما يبقي قدرة علي التفكير لدي عضو الجمعية السياسية ترتبط بكل المسائل الاساسية في حياة العضو داخل التنظيم وفِي المجتمع وفيما يتلق أيضا، ( بالمشكلات ) الاقتصادية والسياسية والتنظيمية، والأخلاقية، فان الثقافة التي سادت في هذه الجمعيات كانت لها ( وظيفة ) واحدة هي ( تشويش المسائل ) عبر بيانات تصدر عن المكتب السياسي او اللجنة المركزية او لقاء ما يسمي ( بالقيادات ) الأمين العام ونائبيه مع الصحافة، واحد انواع التعمية التي تستخدم هنا هو الجزم بان المشكلات أصبحت أشد تعقيداً من ان يستطيع العضو ان يفهمها، وعلي العكس يبدو ان الكثير من المسائل الاساسية في حياة الجمعية السياسية او في الحراك السياسي ، مسالة بسيطة بحيث يتوقع في الواقع ان يفهمها كل عضو في الجمعية، وتركها تبدو هائلة التعقيد بحيث لا يستطيع الا ( مختص ) الا (القائد) الأمين العام ونائبيه ( أشخاص المنصات والميكروفونات ) ان يفهمها، وهو وحده الذي يفهم فعلا، وغالبا عن عمد ينزع هؤلاء ( القيادات ) الي ثني الأعضاء عن الثقة بقدرتهم علي ( التفكير ) في تلك المشكلات ( الفكرية، السياسية، الاقتصادية، التنظيمية ) المهمة حقا. فيشعر العضو انه في حالة ( عجز ) وهو عالق في فوضي (كتلة من المعلومات) وبصبر يرثى له ينتظر ان يكتشف ( المختصون ) ( القيادات ) ماذا يفعل والي أين يذهب ؟! ونتيجة هذا النوع من التأثير مزدوج : احداهما ( الربيبة والاستخفاف ) حيال كل ما يقوله هؤلاء ( القيادات ) ، والثانية هي التصديق الطفولي لأي شيء يقوله ( الأمين العام ) يقابل بالثقة العمياء، وهذا الاتحاد بين الاستخفاف والثقة اصبح نتيجة هذه التربية معهود عند العضو، والنتيجة الاساسية هي ثني العضو عن اعمال تفكيره وقراره في كل ما تصيغه هذه القيادات من قرارات .
ما قيل حول الافتقار الي ( الاصالة ) في الإحساس والانفعال والتفكير لدى عضو الجمعية السياسية، يصدق أيضا علي ( فعل الإرادة ) لدي عضو الجمعية السياسية، فقد وقع عضو الجمعية امام تناقض مستعصي لا يمكن حله، متمثلا في انه يمتلك ( رغبات ، أهداف ) كثيرة ويبدو ان المشكلة هنا الوحيدة هي ان عضو الجمعية السياسية بالرغم من انه يعرف ( ما يريد ) فانه لا يستطيع الوصول اليه. فهو يريد الديمقراطية،والحريّة،والاحتجاج،والانتفاضة، والثورة الخ لكنه لا يستطيع الوصول الي كل هذا فيتم شحنه وتعبئته المرة تلو المرة على غرض الحصول على(ما يريد) من دون ان يتوقف عضو الجمعية السياسية عند السؤال الجوهري وهو هل الأهداف التي يسعي وراءها هي شيء هو نفسه يريده؟ ام انه يملي عليه من (المركز)؟؟ ولا يرد هذا السؤال على اذهان الأعضاء إذا حصلنا على الديمقراطية والحريّة عبر المطالَب فماذا بعد؟ ما فائدة كل ذلك؟ وهل أنا حقا من (يريد) ذلك ام الزعيم الأمين العام ونائبيه؟ الا اجري خلف هدف من المفترض ان يجعلني أكثر تحرراً وهو يروغ مني حالما أصل اليه؟ عندما تثور هذه الأسئلة في ذهن العضو تكون مرعبة،لأنها تشك في الاساس الذي يبني عليه نشاط العضو في الجمعية السياسية، وفِي الفكر والنظرية التي يبني عليها هذا النشاط في معرفة بما (يريده العضو) هنا يتخلص العضو بما أمكن من السرعة من هذه الأفكار المقلقة. ويعتقد انه بالدخول الي هكذا أسئلة هو ما يزعجه ويستجلب القلق والاكتئاب – عندها يواصل العضو متابعة الأهداف التي يظن بأنها أهدافه ؟! كل هذا يدل علي ادراك عاتم لحقيقة ما يدور سواء في التنظيم هنا ( الجمعيات السياسية ) فالحقيقة تقول ان عضو الجمعية السياسية وبالذات في جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي يعيش تحت ( وهم ) انه يعرف ما ( يريد) في حين انه فعليا في هذه الجمعيات ( يريد ) ما يفترض فيه ان ( يريد ) او ما يريده الزعيم ، الأمين العام والمكتب السياسي ، او في الجانب الاخر الجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين ما يراه وما ( يريده العلماء الملالي ) ومن الضروري التأكيد هنا انه لكي يقبل العضو ان يدرك ان معرفة ( ما يريده ) هو حقا، ليست سهلة نسبيا، كما يظن الأعضاء، بل هي مشكلة من اصعب المشكلات التي تقع علي كاهل العضو في الجمعية السياسية ، لكي يحلها، انها المهمة التي يتخلى عنها العضو طوعا او مجبر أخاك لا بطل بقبول الأهداف الجاهزة التي يضعها ( الزعماء العلماء الملالي ) وكأنها تمثل أهداف العضو؟!! من هنا انجرف عضو الجمعية في احداث ١٤ فبراير ولا زال منجرفا حتى اللحظة حول (الأهداف) التي صيغت ورسمت في ذلك الظرف والذي أبدى فيها استعداده بالمجازفة والمخاطرة والمغامرة الكبيرة عندما حاول تحقيق الأهداف التي يفترض انها أهدافه؟ فأصبح عميق الخوف من القيام بالمجازفة واتخاذ المسئولية (الاستقلالية عن الزعماء) عن إعطاء نفسه أهدافها؟ فقد تولد لدي العضو هذا الخطأ وهو ان النشاط السياسي الجماهيري الشديد والحماسي دليل على العمل السياسي المقرر ذاتيا، مع اننا رأينا انه قد لا يكون أكثر عفوية من سلوك عضو منوم مغناطيسيا. فعبر المسجات في العالم الافتراضي كانت توضع المهام والمهمات والاهداف والتي تطلب شيء وحيد هو (التنفيذ) عندها (يستوي الآلو او البطاطس) وهي الشفرة التي استخدمتها الجمعيات السياسية المشاركة في انقلاب الدوار للإشارة على ان الهدف المعين قد نفذ. فحال العضو كحال الممثل عندما يتم توزيع الحبكة العامة للمسرحية ( الانقلاب الفاشل ) حيث يمكن لكل ممثل ان يمثل بقوة ذلك الدور الذي يسند اليه ويمكن حتي ان يؤلف بنفسه خطوطه وبعض تفصيلات احداث ١٤ فبراير ، ومع ذلك فهو لا يمثل الا دوراً ( حُوّل ) اليه. من الزعماء الأمناء العلماء الملالي . والصعوبة امام هذا العضو في عدم تبين الي اي حد لا تكون رغباته او أهدافه او أفكاره ومشاعره كذلك – هي منه حقا بل موضوعة فيه من الخارج من قبل الزعيم الأمين العالم المُلا وثيقة الاتصال بمشكلة ( السلطة والحريّة ) في هذه الجمعيات سواء الطائفية او ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي حيث حلت سلطة المركز ( المكتب السياسي الأمين العام ونائبيه ) محل سلطة المؤتمر العام واللجنة المركزية ، والبرنامج السياسي والنظام الداخلي حيث حلت محل سلطة الضمير والتفكير النقدي في التنظيم السلطة المجهولة لما سمي الفهم المشترك والراي العام بوصفها وسيلتين للتماثل ( الحزب الحديدي ) هنا اصبح العضو فريسة هذا النوع الجديد من السلطة وأصبح عضو ربوت ( آليين ) يعيش في ظل وهم عضو له ( ارادته الذاتية ) .
لقد تم أضعاف ( الذات ) لدي أعضاء كل الجمعيات السياسية، لذلك بات هؤلاء الأعضاء يشعرون بالعجز وفَرَّط انعدام التعبير عن الرأي. فهو يعيش عالم تنظيمي في الجمعية فقد فيه التواصل الحقيقي، صار فيه كل عضو وسيلة وموضوع ( للمركز ، القيادات ) مما حوله كما ذكرنا سابقا الي ان يصبح جزء من ( الآلة ، التنظيم ) التي صنعتها يداه ، وهو يفكر ويشعر، و ( يريد ) ما يعتقد انه يفترض ان يكون تفكيره وشعوره و ( ارادته ) ففي هذه العملية ( السيكولوجية ) و ( التنظيمية ) يفقد العضو ( ذاته ) التي يجب ان يبني عليها كل نشاطه السياسي والفكري والتنظيمي الحقيقي للعضو ( الحر ) من هنا جاء تسمية الالتزام الحر الطوعي لأي عضو في اي جمعية سياسية و ليس ( الالتزام والانضباط الحزبي ) الذي يأخذ شكلا عسكريا ؟! ففقدان الذات لدي أعضاء الجمعيات السياسية، قد زاد ضرورة التماثل والتشيع، مما أدى بالعضو الي (شك) عميق في (هويته اليسارية) من هنا جاء التعبير ان جمعيات التيار الوطني الديمقراطي قد فقدت (هويتهاالاعتبارية)، لقد تم ادخال العضو في هذه الحلقة الجهنمية (إذا لم أكن الا ما اعتقد انه يفترض (كما يرى ويريد الزعماء) بي ان أكون – فمن أنا؟) هذا السؤال او (الشك الديكارتي) تجسد لدي الأقلية التي عارضت (الانحراف) اي من أنا؟ عبر إثبات الذات الحزبية الحرة النقدية المعارضة اما ما يخص من تسميهم جمعية التقدمي (المبتعدين سياسيا) خارج معادلة (الشك) هذه وعبر آلية لنقوم بالتغيير من الداخل ولنتوافق ولنتقاضى ولنغفر الخ في ظل نظام في الجمعية (جامد) وثابت على نفس الخط الفكري والسياسي والتنظيمي وبنفس (القيادات)(الشلل) بالرغم من انهم صاروا يتلمسون(الهوية اليسارية المفقودة) التي فرطت بها القيادات، وصارت تشكل مشكلتهم الاساسية. انهم يبدأون بالسؤال من نحن ؟ اي دليل علي ان هويتنا هي غير استمرار ذاتنا الجسدية في التنظيم ؟ اي مجرد كونهم ارقام فقط في جمعية التقدمي ؟! اما بقية الأعضاء ( الأغلبية ) ف إجابتهم علي نفس السؤال المصاغ هنا ليس ( الشك ) وتأكيد الذات الحزبية الحرة بل نفيها: ليست لدي هوية ، ولا توجد ذات حزبية الا الذات ( ) التي هي انعكاس لما تتوقعه ( القيادات ) مني ان ( أكون ) أنا ( كما ترغبون في ان أكون ). وفِي ظل استمرار هذا الفقدان ( للهوية اليسارية ) يجعل التماثل في الجمعية السياسية أشد ( إلزاما ) ، فهو يعني ان العضو او الكادر لا يمكن ان يتيقن من نفسه الا اذا عاش حياته الحزبية علي مستوي توقعات ( القيادات ) ولسان حالهم يقول واذا لم نعش حياتنا علي مستوي هذه ( الصورة ، الرؤية ) فإننا لا نجازف بمعاناة الاستهجان وازدياد الانعزال وحسب، بل نجازف كذلك بفقدان ( هوية عضويتنا في الجمعية ) مما يعني تعريض وجودنا للخطر؟!!! ف بالتماثل مع توقعات ( القيادات ) وبانتفاء ان يكون الأعضاء مختلفين مع القيادات يتم اسكات هذه ( الشكوك ) في الهوية اليسارية للعضو ويتم إيهامه بانه يعيش بأمان ؟! ، ولكن الثمن الذي يدفع مرتفع ، فالتخلي عن العفوية والانفعال والانتقاد والتمرد و( الذاتية ) يؤدي الي ( احباط ) الحياة الحزبية، ومن الوجهة السيكولوجية ، فان العضو الآلي في حين انه حي بيولوجيا ، فهو ميت انفعاليا وذهنيا. وبينما هو يؤدي هذه العملية الالية في الجمعية السياسية فان حياته الحزبية تمرق من بين يديه مثل الرمل . ان عضو الجمعية السياسية في البحرين يقبع خلف مظهر الشعارات والجمل الرنانة الثورجية والاغتباط والتفاؤل بها ولكنه في الجوهر هو ( شقي ) بعمق ، وهو في واقع الامر علي وشك القنوط والياس والاحباط ويتشبث يائسا بفكرة التعصب للجمعية ؟ ويريد ان يكون ( مختلفا ) عن ( المبتعدين سياسيا ) وانه الأكثر ثورية وصموداً فليس هناك امتداح لأي شيء اعظم من انه (مختلف) ويتم وضع صورة وردية ( للمنبري ، التقدمي ، مع شعار الجمعية الحمامة) كعلامات تدل علي الجوع الي ( الاختلاف ) مع الآخرين المبتعدين سياسيا، ومع ذلك تكاد تكون هذه الأمور ( الشكلية ) البقايا الاخيرة الباقية من التنظيم ؟! وبالرغم من كل ذلك فان هذا الجوع ( للاختلاف ) يصطدم بالعضو الآلي والذي لا يستطيع ان يعيش تجربة الحياة الحزبية العلنية بمعني النشاط العفوي والانفعالي والنقدي والتمردي ، فهو يقوم بدور ( الوكالة ) لتنظيمات اخرى سواء منحلة او مقبلة علي الحل او ( وكيلا ) لأي نوع من الإثارة والتوتر والتشنج والمكابرة والعناد ، والعيش بالنيابة عن الآخرين تهيجات الأشخاص المختلفين علي المسرح السياسي. وهو يتماثل مع السلطات المجهولة ( الفهم المشترك الحس المشترك الجمود المشترك ) ويتبنى ذاتا ليست ذاته، وكلما قام بذلك ، شعر بالعجز ، وبالاضطرار الي التماثل. هنا يتشكل لدي الأعضاء (الاستعداد ) لقبول اية ايدولوجيا وأي زعيم ، اذا اكتفي بالوعد ( الصادق ومنصورين) بالإثارة والتهييج وقدم بنية سياسية ورموزا تخلع المعني والنظام بصورة مزعومة علي حياة القيادات والجمعية السياسية ، فان يأس العضو الآلي هو التربة الخصبة للمقاصد السياسية للفاشية. والتطرف والنزعة للعنف والميل الي الاٍرهاب .
يحيا عضو الجمعية السياسية في حالة من ( العجز ) وانعدام ( استقلاله ) في الجمعية السياسية، وفِي نفس الوقت لم يتحرر من الروابط الطائفية الأولية، فقد لجأ اليها وخصوصا منذ احداث ١٤ فبراير كونها تخلع علي الحياة معني وامناً له يقيه من الاغتراب والاستلاب ؟! وكما راينا في كل الجمعيات السياسية بما فيها ما يسمي التيار الوطني الديمقراطي ان العضو فيها لا يمكنه ان يتحمل هذه العزلة وهذا العجز ، فهو بوصفه عضو معزول مغلوب علي أمره تماما بالنسبة الي الواقع السياسي الذي يعيشه ، لذا فهو عميق ( الخوف ) منه وبسبب عزلته، تفككت وحدة التنظيم وتماسكه ففقد اية نقطة للتوجه. ولهذا تتغلب عليه ( الشكوك ) و ( المخاوف ) المتعلقة بذاته، وبمعنى التنظيم السياسي، واخيراً فقد اي ( مبدأ ) يستطيع بموجبه ان يوجه افعاله. والعجز والشك كلاهما يشل الحياة الحزبية فلكي يعيش العضو يحاول الهروب من الحقيقة ( الحرية ) ويعيش نوع من الحرية تسمي ( الحرية السلبية ) فيندفع الي عبودية شخص الزعيم الأمين العام ونائبيه وهذه العبودية مختلفة عن الروابط الأولية الطائفية الوشائجية والتي لم ينفصل العضو عنها، ولو ان سلطات العلماء الملالي وجمعياتهم الطائفية السياسية تهيمن عليه. فالهروب من الحقيقة او الحرية لا يعيد اليه أمنه المفقود ، ولكنه يساعد العضو فقط علي نسيان ذاته ( هويته اليسارية ) بوصفها كيانا مستقلا. ويعثر عبر هذه العبودية سواء للزعيم او للروابط الأولية الطائفية علي أمن هش علي حساب التضحية باستقلال ذاته الحزبية ، ويختار فقدان ذاته ما دام لا يقوى علي تحمل ان يكون وحيداً وهكذا فان هذه الالية تفضي الي العبودية، والتبعية والخضوع ( خضوع الهيئات الدنيا للعليا ). هنا تثار أسئلة عدة، هل توجد حلقة محتومة تسير من الحرية الي التبعية او العبودية في التنظيم السياسي؟ وهل تحرر العضو من الروابط الأولية الطائفية يجعل العضو وحيدا ومنعزلا وغير أمن بحيث لا يوجد أمامه الا ان يهرب لعبودية الزعيم الأمين العام؟ وهل يتماثل استقلال العضو والحريّة مع الانعزال والخوف؟ ام توجد حالة (حرية إيجابية) يوجد فيها العضو بوصفه (ذاتا ًمستقلة) ومع ذلك لا يكون منعزلا بل متحداً بالتنظيم وبالواقع السياسي وبرفاقه الآخرين؟ ان عملية نمو حرية العضو وحرية التعبير والنقد عنده لا تشكل حلقة معزولة كما ترى (القيادات) في تلك الجمعيات الحلقة المعزولة (هي الوضع الذي تَخَلَّق فيه اية محاولة لحل مشكلة مشكلات جديدة تفضي الي العودة الي الوضع الأصلي) وان العضو في الجمعية السياسية يمكن ان يكون حراً ومع ذلك ليس وحيداً وان يكون (نقديا) ومع ذلك ليس مملابالشكوك، و (مستقلا) ومع ذلك جزء متمما لبقية رفاقه. وهذه الحرية يمكن ان يبلغها عضو الجمعية السياسية بتحقيق ( ذاته الحزبية ) بان يكون هو ( ذاته ) وليس موضوع للقيادات . ولكن ما هو الذات ؟ هناك رأي يقول ان تحقيق الذات يمكن تحقيقه بالبصيرة العقلية وبالنصوص وحدها. بحيث يمكن لعقل العضو ان يقمع طبيعته ويحرسها وهذه هي ( التربية الحزبية التي نشأ عليها العضو في كل الجمعيات السياسية، ) وكانت نتيجة هذا الانقسام ان انشلت لا الحياة الحزبية بل الانفعالات والنقد والتمرد واخيراً وهو المهم انشلت ملكاته العقيلة، فالعقل بصيرورته حارسا موضوعيا لمراقبة العضو في كل تحركاته قد صار هو ذاته سجينا ، وبذلك أنشل كلا جانبي شخصية العضو ( الانفعال والعقل ) ان تحقيق الذات لا ينجزه فعل التفكير ( وهو الغائب الأكبر عند كل الجمعيات السياسية ) ، بل كذلك تحقيق ( المثقف العضوي ) عبر التعبير الفعّال عن الإمكانيات الانفعالية والنقدية والعقلية وهذه الإمكانيات موجودة في كل عضو ولا تصير حقيقية الا اذا امتلك العضو حق التعبير عنها في الجمعية السياسية وهو ما كان غائب في تلك الجمعيات السياسية. ان ( الحرية الإيجابية ) عبارة عن النشاط العفوي ( جنين الوعي ) والانفعالي والنقدي للمثقف العضوي . وهو الغائب والمغيّب في تلك الجمعيات السياسية .
هنا يتم مقاربة مشكلة من اصعب مشكلات علم النفس : مشكلة العفوية والانفعال والنقد والتمرد. فالوصول الي فهم للصفة الماهوية في النشاط العفوي والانفعالي والنقدي مهم هنا. ان النشاط العفوي او الانفعالي النقدي لدي عضو الجمعية السياسية، هو ليس نشاطاً الزاميا، يدفع العضو اليه نتيجة انعزاله وعجزه، كما حدث مع بداية كارثة الدوار في ١٤ فبراير ٢٠١١ وليس نشاط العضو الآلي، الذي هو الأخذ غير النقدي لكل ما يختار ويصنع له من قرارات وسياسات من فوق ( المركز ). ان النشاط العفوي والانفعالي والنقدي هو النشاط ( الحر للذات لعضو الجمعية السياسية ) ويتضمن من الوجهة السيكولوجية ما يعنيه الجزر اللاتيني للكلمة sponte وهي تعني حرفيا : من (الإرادة الحرة للعضو ) ولا يعني بالنشاط ( فعل شيء ما ) بل هي صفة ( النشاط الإبداعي لعضو الجمعية ) الذي يمكن ان يفعل في تجاربه السياسية والفكرية والتنظيمية في الجمعية سواء الجانب الانفعالي او العقلي او الحسي وكذلك إرادة العضو كل هذا غاب وتم تغيبه في كل الجمعيات السياسية لتبقى التجربة والخبرة السياسية والفكرية والتنظيمية للزعيم الأمين العام لانفعاله وعقله وحسه وارادته ، لكي يخلق تنظيم علي صورته ومثاله ؟!!! . إحدى مقدمات هذه العفوية والانفعال والنقد هي عدم قبول (المثقف العضوي) وعدم الأخذ بتجربته وخبرته في تلك الجمعيات وعدم إلغاء الانقسام بين النظرية والممارسة،لأنه لا يكون النشاط العفوي او الانفعالي او النقدي ممكنا الا إذا لم يكبت العضو الأجزاء الاساسية لذاته الحزبية وان يصير صريحا وصادقا مع ذاته اولا ومع التنظيم ثانيا وفِي تكامل جوهري مع التنظيم السياسي الذي ينشط فيه. ان العفوية ( جنين الوعي ) والانفعال والنقد اصبح ظاهرة نادرة في كل الجمعيات السياسية ومن ضمنها ما يسمي بجمعيات التيار الوطني الديمقراطي ، ولفهم هذه المسالة سنذكر ببعض الحالات التي فيها لمحة من العفوية ، فعندما تقوم الحركة العمالية بحركة اضرابية عفوية بالدرجة الأولي ويرافقها تحطيم ( عفوي ) للمصنع او المعمل الذي تعمل فيه عندها يسمي هذا الإضراب بحالة شغب . ولكن هناك عفوية وعفوية ؟ فعندما تضرب الحركة العمالية وتمتنع عن الانتاج وتستخدم هذا في الضغط علي ارباب العمل او راس المال مع الحفاظ علي المصنع والمعمل بل وتعمل علي حمايته من اي شكل من أشكال التخريب . وهذا ما يوضح ان ( العنصر العفوي الانفعالي ) ليس في الجوهر غير الشكل الجنيني للوعي. عند الطبقة العاملة فالمشاغبات البدائية للعمال كانت تفصح منذ ذلك الحين عن نوع من استيقاظ الوعي كان العمال يفقدون إيمانهم القديم بثبات الأوضاع التي ترهقهم وأخذوا (يحسون) ولكنهم لم يفهموا بعد ضرورة المقاومة الجماعية ويعكفون بحزم عن الخنوع الذليل لأصحاب او ارباب العمل بالرغم من انه مظهراً أشبه باليأس والانتقام منه بمحاولة التغيير اما الإضراب المنظم فهو يحمل من ومضات الوعي أكثر بكثير. ففيه توضع مطالب معينة وتحسب مسبقا اللحظة المناسبة وتدرس إضرابات مماثلة ومعروفة الخ ، فالمشاغبات مجرد احتجاج يائس اما الإضراب المنظم فهو مظهر من مظاهر الصراع او التعارض الطبقي بشكله الجنيني ، ولم يرقي بعد الي مرحلة التضاد بين مصالح هذه الطبقة مع الحلف الطبقي و مع النظام السياسي والاجتماعي الا اذا تحصلوا على الوعي الجدلي المادي . ولكن لماذا يكون النشاط العفوي والانفعالي والنقدي هو الرد علي مشكلة غياب الحرية في كل الجمعيات السياسية ؟ كما ذكر سابقا ان ( الحرية السلبية ) والتي تُمارس في تلك الجمعيات بحد ذاتها تجعل العضو كائنا منعزلا ، ووحيدا وعاجزا في علاقته بالتنظيم وبالواقع السياسي ومشوشة ومختلة ومضطربة ومن ثم عديمة الثقة، وذاته الحزبية ضعيفة ومهددة باستمرار . فالنشاط العفوي والانفعالي والنقدي هو احدي الطرق التي يتمكن بها العضو من التغلب علي هذه الوحدة والانعزال والعجز الذي يعانيه من دون التضحية ( المجانية ) بسلامة ذاته ووجوده التنظيمي ، كما حدث في كارثة الدوار لان العضو في التحقيق العفوي والانفعالي والنقدي للذات الحزبية يوحد نفسه مجددا بالتنظيم وبالواقع السياسي عبير آلية ( التحليل والتركيب للحدث ) والعلاقات ( الرفاقية ) الحميمية هي العنصر الاول للعفوية والانفعال والنقد وهذه العلاقات الرفاقية كانت غائبة وتم تغيبها في جمعيات التيار الوطني الديمقراطي لتحل محلها علاقة الطاعة والامتثال للأوامر والخضوع والالتزام والانضباط . ليست العلاقة (الرفاقية) توصف كونها ذوبان الذات الحزبية في شخص الزعيم او الأمين العام او نائبيه كما مورس في تلك الجمعيات، وليست (الرفاقية) بوصفها امتلاك عضو اخر، بل العلاقة الرفاقية بوصفها التأكيد العفوي والانفعالي والنقدي للآخرين في التنظيم، بوصفها (اتحادتغييري) للعضو مع بقية الأعضاء الآخرين ومع ما يسمي بالقيادات بشرط المحافظة على الذات الحزبية. وتكمن الصفة الدينامية ( للعلاقة الرفاقية ) في هذا التقاطب ذاته . حيث انها تنشأ من الحاجة التي التغلب علي الانفصال والعزلة و الوحدة والعجز ، وتؤدي الي الاتحاد والتماسك والوحدة التنظيمية – ومع ذلك لا تلغي ذات العضو واختلافه مع الآخرين في الجمعية . اما العنصر الاخر هو العمل الفكري والسياسي والتنظيمي ، ليس العمل بوصفه نشاطا الزاميا ( الالتزام والانضباط ) للنجاة من الوحدة والانعزال والعجز ، ولا العمل بوصفه علاقة بالتنظيم هي علاقة سيطرة وتحكم وتعصب من جهة ، ومن جهة اخرى علاقة ( عبادة وعبودية ) للزعيم والامين العام ونائبيه والتي يصنعونها ويمنحونها ( سلطة القرار ) بل العمل بوصفه ( إبداعا ) يصير فيه العضو في الجمعية ( متحدا ) بالتنظيم بفعل الإبداع الحزبي ، وما يصدق علي العلاقات الرفاقية والعمل السياسي والتنظيمي يصدق علي كل فعل ( إبداعي ) يصدر عن عضو الجمعية السياسية سواء كان تحقيقا لذاته الحزبية ام مشاركته في حياة التنظيم وخطه السياسي والفكري . انه يؤكد ( فردية الذات ( العضو ) ) وفِي الوقت عينه يوحد الذات ( العضو ) بالتنظيم وبالواقع السياسي . ان الانفصام والانقسام والتفتت والانشقاق الذي ولدته ممارسات ( ما يسمي بالقيادات ) في جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي ، والذي هو صميمي في الحرية – ميلاد العضو الحر والمستقل وألم الوحدة والانعزال والعجز الذي ولدته تلك القيادات – يحله الفعل ( الإبداعي ) للعضو علي ارفع مستوى ، بالعلاقات الرفاقية والعمل السياسي والتنظيمي .
عندما يمارس عضو الجمعية السياسية نشاط العفوية والانفعال والنقد والتمرد فانه يتقبل العمل التنظيمي والمشاركة في معظم اللجان الفاعلة بهمة وحماس ولا يقتصر الامر علي ان ذاته الحزبية تظل في حالة مستمرة من الجدل النقد ، بل تصير أقوي وأصلب ، لان الذات الحزبية تكون قوية ومتماسكة عندما تكون نشطة ، فلا توجد قوة حقيقية في امتلاك العضو او الزعيم للتنظيم في حد ذاته ، لا في امتلاك القيادات للأعضاء ولا في امتلاك سلطة القرار فما تستخدمه هذه ( القيادات ) لا ينتمي اليها لمجرد انها تستخدمه فهناك السلطة الأعلى والسيادة الأعلى وهي سلطة وسيادة (المؤتمر العام ) والتي تم نسفها من قبل المكتب السياسي ليحل محلها؟! ، هنا يتولد (العجز ) عن الفعل عفويا كان او انفعاليا او نقديا لكي يعبر العضو عما يشعر به ويفكر فيه بصدق ، وما ينجم عن ذلك من ضرورة ان يقدم العضو في الجمعية السياسية ذاتا حزبية ( زائفة ) الي ( القيادات ) والي نفسه ، إنما هو جذر الإحساس بالدونية والضعف الحزبي ، لقد اصبح العمل الحزبي مجرد من القيم والمبادئ الحزبية ، مجرد شعارات وجمل ثورية وأصبحت القيادات مكتب استشاري للجمعيات الطائفية السياسية تبيع فيه الأعضاء كسلع كما ذكر احد ( القيادات ) من ان في الدوار يطلبون منا وجود نساء حاسرات وسنه ؟! فلقد تحول النشاط العفوي او الانفعالي والنقدي من كونه (عملية ابداعية ) الي كونه يبحث عن النتائج باي ثمن حتي لو كان علي حساب (الهوية اليسارية ) فكل شيء عند هذه القيادات اصبح سلعة يمكن ان تباع مقابل ان لا تكون هذه القيادات كما كانت تدعي ان لا تنعزل عن الحراك السياسي ؟! هنا لا يقدر العضو من إدراك(ذاته الحزبية) بالنشاط العفوي الانفعالي النقدي لكي يصل نفسه بالتنظيم والواقع السياسي وبالتالي ان يكف عن كونه (ذرة معزولة) في التنظيم ويصبح هو والتنظيم جزء من كل من في بنية التنظيم عندها يصبح له المكان الملائم في التنظيم. ويزول ( الشك ) بذاته الحزبية وبمعنى الحياة الحزبية . فقد نشأ هذا الشك من انفصاله ومن احباط الحياة التنظيمية فعندما يستطيع العضو ان يعيش في التنظيم لا (إلزاميامنضبطا) ولا (آليا) بل عفويا منفعلا ونقديا، يزول الشك، فهو (يدرك) انه عضو فاعل ونشيط وإبداعي، ويتبين انه لا يوجد الا معني واحد للحياة الحزبية هو فعل العيش الفكري والسياسي والتنظيمي ذاته. فإذا تغلب العضو علي الشك الأساسي المتعلق (بهويته اليسارية) ولمكانته في الحياة التنظيمية يصبح موصولا بالواقع السياسي يتقبله بصدر رحب في فعل النشاط الإبداعي، ويكتسب القوة التنظيمية كونه عضو مشارك وفاعل في التنظيم ومن ثم يكتسب الإحساس الداخلي (بالأمان)؟ لان التنظيم يدافع عن مطالبه ومصالحة الطبقية ، على ان هذا ( الامن ) يختلف عن الأمن الذي تتميز به الحالة في ظل العمل السري ، على النحو الذي يختلف فيه الارتباط الجديد بالتنظيم عن الارتباط بالروابط الطائفية والمذهبية الأولية ، فليس الأمن الجديد والذي كان من المفترض يسود في هذه الجمعيات في ظل العمل العلني راسخا في الحماية التي ينالها العضو من قوة ( الزعيم الأمين العام ونائبيه ) اي قوة أعلي خارج نفسه ، وليس هو الزمن الذي يحذف فيه الاحباط او الصفة المأساوية لحياته التنظيمية ، ان الأمن الجديد دينامي ، وليس قائما علي الحماية ، بل علي النشاط العفوي والانفعالي والنقدي ، انه الأمن الذي يكتسبه النشاط العفوي والانفعالي والنقدي للعضو في كل لحظة يعيشها مع التنظيم ، انه الأمن الذي لا يمكن ان تقدمه الا الحرية ، والذي لا يحتاج الي اوهام ( ثورة مزعومة ويتوبيا حالمة ) لأنه يزيل كل الشروط التي تفضي الي الاوهام . هذا الفهم للأمن كان غائبا ومغيبا لدي جمعيات التيار الوطني الديمقراطي لأنه ومنذ انطلاقة احداث ١٤ فبراير مال الي شبه السرية وبالتدريج الي السرية؟! فأصبحت جمعيات (تآمريه) متواطئة مع جمعيات ظلامية طائفية، هنا أصبح الهاجس الأمني لدي القيادات والاعضاء (جماعةالدوار) هو المهيمن؟ان الحرية الإيجابية لدي تلك الجمعيات والتي كانت تتضمن اي الحرية الإيجابية بوصفها تحقيق الذات الحزبية التأكيد الوافي لفرادة العضو، فالبشر يولدون متساوين ولكنهم يولدون مختلفين كذلك. واساس هذا الاختلاف هو الجهاز الموروث ، الفيزيولوجي والذهني ، الذي يبدؤون به الحياة . والذي تضاف اليه كوكبة خاصة من الظروف والتجارب الحزبية وهذا الاساس الفردي للشخصية متماثل قليلا مع اي أساس اخر لكائنين عضويين متماثلين فيزيائيا النمو الحقيقي للذات الحزبية هو علي الدوام نمو علي هذا الاساس الخاص انه نمو عضوي ، انه تفتح نواة خاصة بهذا العضو وبه وحده . وخلافا لذلك فنمو العضو الذي تأسس في كل الجمعيات السياسية (الآلي) ليس نمواً عضويا، حيث أنسد السبيل امام نمو أساس الذات الحزبية وفرضت على هذه الذات الحزبية ذَات مزيفة زائفة، وهي في ماهيتها – كما رأينا في كل الجمعيات السياسية – دمج لنماذج تفكير وشعور القيادات والزعماء والرموز والمراجع. فليس النمو العضوي ممكنا الا بشرط ( الاحترام والكرامة والرعاية والاهتمام لفرادة الذات الحزبية ) هو إنجاز للتربية الحزبية والثقافة الحزبية الصحيحة غير المزيفة والمهدورة في كل الجمعيات السياسية .
ان القول بانه يجب علي عضو الجمعية السياسية الا يكون عضوا (خاضعا) خضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا، اي لا يكون خاضعا لأي شيء (أعلي) منه هذا القول لا ينكر رفع العضو المثل العليا او رفض (الهيئات العليا)، بل علىالعكس، انه التأكيدالأقوى للمثل العليا وللهيئات العليا؟ ولكنه يرغمنا على التحليل (النقدي) لما يعنيه المثل الأعلى او الهيئات العليا في التنظيم، العضو ميال عموما الي افتراض ان المثل الأعلى هو اي هدف لا ينطوي تحقيقه علي كسب مادي وأي شيء يكون العضو مستعداً من اجله للتضحية بالغايات الانانية. انه مفهوم سيكولوجي محض بل مفهوم نسبوية – للمثل الأعلى. في كل الجمعيات السياسية سيطرة وهيمنة (الهيئات العليا) او (الهيئات الأعلى)فالأعلىوالأعلى هو (الأمين العام ونائبيه) وهي التي مهدت الطريق لمبدأ (الخضوع)(خضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا) وخضوع الأقلية للأغلبية، ولكن ماذا عن مبدأ الخضوع هذا؟ خضوع الدنيا للعليا والأقلية للأغلبية؟ ان مبدا الخضوع لا يتعلق بمبدأ العفوية والانفعال والنقد والحوار والنقاش بل في تبعيته وهذا يعني انه ليس من حق الهيئات العليا او الأغلبية إيقاف العفوية والانفعال والنقد والتمرد والحوار والنقاش بل من حقها حسمه في اتجاه محدود وعلى ان يكون (خاضعا) للنقد والحوار. ومن وجهة النظر هذه فان عضو الجمعية السياسية المدفوع بالرغبة في (اخضاع) ذاته (لسلطة أعلي) وفِي الوقت ذاته في قهر وهدر المبتعدين سياسيا او المنشقين سياسيا، هذا هو المثل الأعلى لدي عضو الجمعية السياسية كما هو شان المبتعدين سياسيا والمنشقين سياسيا الذين يطالبون بالمساواة والحريّة كمثل أعلى،وعلى هذا الاساس لا يمكن ان تحل مشكلة المثل الأعلى. او الهيئات العليا. لقد تم اخفاء الاختلاف بين المثل العليا والهيئات العليا الحقيقية والوهمية لدي جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي ، والذي هو جوهري كالاختلاف بين الحق والباطل . وجدل الصراع بين المركزية والديمقراطية . ان لكل المثل الحقيقية شيئا مشتركا انها تعبر عن الرغبة في الديمقراطية وفي حق التعبير عنها بالعفوية والانفعال والنقد والحوار ، لم يتم تعزيزها بعد في الجمعيات السياسية ، لكونها مرغوب فيها لمقاصد حرية واستقلال العضو في الجمعية السياسية ، وقد لا نعلم دائما ما يفيد هذه الغاية ، وقد نختلف حول وظيفة هذا المثل الأعلى او هذه الهيئات العليا ، او ذلك علي أساس نمو العضو في التنظيم السياسي ، ولكن ذلك ليس تسويغا ( للنسبوية ) التي تقول اننا لا نستطيع ان نعرف ما يرفد الحياة الداخلية في التنظيم وماذا يعترض سبيلها . اننا لسنا متيقنين دائما من هو الديمقراطي ومن هو غير الديمقراطي ، ومع ذلك لا نستنتج انه ليس لدينا سبيل من اي نوع لتبين الاستبداد في داخل التنظيم ، وعلى النحو ذاته نستطيع ان نعرف ، اذا أردنا ، ما المسمم للحياة الذهنية لعضو الجمعية السياسية ( اي النفسية ) . نعرف ان الوحدة والانعزال والعجز والنزعة للعنف والميل للإرهاب هو ضد الحياة، وان كل شيء يخدم العفوية والانفعال والنقد والحوار يخدم في ان يكون العضو ذاته الحزبية هو من اجل الحياة الحزبية الحقيقية. إن ما هو جيد او سيّء بالنسبة للعضو ليس سؤالا ميتافيزيقيا ، بل هو سؤال تجريبي يمكن ان يُجاب عنه علي أساس تحليل طبيعة العضو والتأثير الذي تركته تجربة احداث ١٤ فبراير الكارثية فيه . ولكن ماذا بشأن (المثل العليا) للهيئات العليا الموجهة قطعيا؟ وكيف يمكن ان نفهم ان الأعضاء في الجمعية السياسية يتبعون ويخضعون وينصاعون ويذعنون لهذه المثل العليا والهيئات العليا الزائفة والمزيفة بالحماسة التي يراها المبتعدين سياسيا والمنشقين سياسيا المثل العيا الصحيحة؟ ان الإجابة عن هذا السؤال توفرها اعتبارات سيكولوجيةمعينة. وترينا ظاهرة (المازوخية ) ان البشر يمكن اجتذابهم الي خبرة الالم والخضوع . حيث كانت تساق الجماهير (كألقطعان) من والي الدوار لتعيش هذه الخبرة من الالم والخضوع، وليس هناك شك في ان الالم او الخضوع او الانتحار السياسي نقائض لأهداف العيش الإيجابية والحريّة الإيجابية. ومع ذلك عاش العضو في جمعيات ما يسمي بالمعارضة تجربة هذه الاهداف ( الثورة الموهومة ) ذاتيا علي انها سارة وجذابة ( كونه اصبح من فئة الثوار ) ، ان الانجذاب الي ما هو مؤذ في تجربة احداث دوار الكارثة هو الظاهرة التي تستحق اكثر من غيرها اسم ( الانحراف ) المرضي عند عضو الجمعية السياسية . فقد افترض العلماء النفسيون ان خبرة ( السرور ) وتجنب الالم هي المبدأ الصحيح الوحيد الذي يرشد العمل الإنساني ، الا ان علم النفس يمكن ان يظهر ان الخبرة الذاتية للسرور او اللذة ليست معياراً كافيا لقيمة سلوك معين علي أساس السعادة الانسانية . وتحليل ظاهرة العضو السياسي المازوخي والذي ظهر بشكل جلي في احداث ١٤ فبراير الكارثية يؤكد ذلك . حيث أظهرت هذه التجربة السياسية ان الإحساس باللذة او السرور يمكن ان يكون نتيجة (انحراف) مرضي علي كونه انحراف فكري وسياسي وتنظيمي. وهكذا نصل الي تعريف المثل الأعلى والهيئات العليا الحقيقي بانه هدف يرفد نمو ذات العضو الحزبية وحريتها وسعادتها، والي تعريف المثل العليا والهيئات العليا بأنها الاهداف (الالزاميةوالانضباطية) وغير العقلية التي هي تجارب جذابة ذاتيا (كالخضوع الحزبي) ولكنها فعليا مؤذية للحياة عموما وللحياة الحزبية خصوصا. ومتي ما قبلنا هذا التعريف، صح بالتالي ان المثل الأعلى والهيئات العليا الحقيقية ليس قوة مستترة تعلو على عضو الجمعية السياسية، بل انه تعبير مبين عن التأكيدالأقصى للذات الحزبية. وأي مثل أعلى او هيئة عليا على تضاد مع هذا التأكيد يبرهن بهذه الحقيقة الواقعة تحديدا في كل الجمعيات السياسية على انه ليس مثلا أعلى او هيئة عليا بل هو هدف تسلطي واستبدادي مرضي اصاب جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي.
نصل الان الي مسألة مهمة في حياة العضو وحياة التنظيم السياسي هي مسألة (التضحية) و (الفداء)والتي باتت شعار لما يسمي (بالمعارضة) فهل تعريفنا للحرية بأنها عدم الخضوع لأية سلطة أعلي في التنظيم او لسلطة الزعيم او الأمين العام او الرموز او المراجع الدينية يستبعد (التضحيات)؟، ومن ضمنها تضحية العضو بحياته؟ انها مسألة ذات أهمية خاصة في هذه الأيام منذ ان انطلق ما يسمي الربيع العربي والذي أخذ شكل كما تسمية (ما يسمي بالمعارضة) في البحرين انتفاضة، ثورة ١٤ فبراير، وخصوصا بعد تداعيات هذا المشروع الوهمي ودخولنا في العنف والميل للإرهاب في الآونة الاخيرة من قبل (قوى) تنادي بالفاشية الدينية والجهادية وجمعيات طائفية سياسية اوصلت النظام الي حد ان يقوم بحلها وجمعيات تسمى بالتيار الوطني الديمقراطي اوصلت هي الآخر لوضعها على اجندة الحل؟ وكلها باتت تطرح بأن (التضحية) بالذات هي القيمة (العليا) ومن ثم باتت هذه القيمة تؤثر في الكثير من أعضاء هذه الجمعيات وفِي كثير من الناس بطبيعتها المثالية. ان الإجابة عن هذا السؤال يترتب عليه منطقيا ما قيل في هذا الموضوع حتي الان . اذ يوجد نمطان (للتضحية) مختلفان كل الاختلاف واحدى الحقائق المأساوية فيها سواء في الحياة بشكل عام او في الحياة الحزبية خاصة انه يمكن ان يحدث التنازع بين مطالب ذاتنا الجسدية واهداف ذاتنا الذهنية ( اي النفسية ) وأننا نضطر الي ( التضحية بذاتنا الجسدية لكي ندافع عن سلامة ذاتنا الروحية ) . ومع ذلك تصبح التضحية أيضا مأساوية؟، فليس الموت حالة (إيجابية)حتى لو تمت التضحية من اجل (المثل الأعلى)؟ انه مرير ومدمر بصورة يتعذر التعبير عنها، ومع ذلك يمكن ان يكون التأكيدالأقصى لفرديتنا؟ وهذه التضحية تختلف جوهريا عن (التضحية) التي تعظ الفاشية الدينية سواء الجهادية او المرتبطة بالجمعيات الطائفية السياسية. او اليساروية المتطرفة بها. ففيها لا تكون (التضحية) الثمن الأعلى الذي يمكن ان يضطر العضو في الجمعية السياسية الي دفعه تأكيدا لذاته الحزبية، بل هي (غاية) في ذاتها. وهذه التضحية المازوخية تري تحقيق الحياة في نفيها تماما في سحق الذات الحزبية . ان التعبير الاسمي الوحيد عما تهدف ( الفاشية ) اليه في كل تشعباتها التي. ذكرناها – هو (انحراف) عن (التضحية) الحقيقية كما ان الانتحار السياسي او على مستوي العضو في الجمعية السياسية هو الحد الأقصى من (الانحراف) عن الحياة بشكل عام او عن الحياة التنظيمية. وتفترض التضحية الحقيقة الحفاظ الذي لا ينثني عن السلامة الروحية للعضو في الجمعية السياسية . وتضحية الذين يفقدون هذه ( السلامة الروحية ) والذين يحثونهم عليها من ( زعماء ، رموز ، مراجع ) لا تستر الا إفلاسهم الاخلاقي .
في جدل العلاقة بين المركزية والديمقراطية. أحد الاعتراضات التي تصر عليها (القيادات) في كل الجمعيات السياسية تأتي على الشكل الآتي،إذا سمح لأعضاء الجمعية السياسية ان يتصرفوا بحرية بمعني العفوية والانفعال والنقد،وإذا لم يعترفوا بسلطة أعلى من ذواتهم الحزبية، ألن تكون الفوضى في التنظيم هي النتيجة المحتومة؟ بالنظر الي ان كلمة (الفوضى) تمثل الانانية وتدمر الحياة التنظيمية والهيكل التنظيمي للجمعيةالسياسية؟ من الناحية السيكولوجية يجب ان لا ينظر الي عضو الجمعية السياسية علي أساس ان هناك أعضاء جيدين وأعضاء سيئون او علي أساس أعضاء فوضويون وثرثارين وأعضاء ملتزمون ومنضبطون هذا اولا اما ثانيا فان الحياة الحزبية يكمن فيها الميل الي النمو والتطور الحزبي والتمكن ، والتعبير عن الامكانات ، وانه اذا أحبطت الحياة الحزبية وأخذت هذا الحدين ( الأسود / الأبيض ) ( المنضبط / الفوضوي ) فالنتيجة الحتمية تؤدي الي انعزال العضو في الجمعية السياسية ، وتغلب عليه ( العزوف ) كما تسمية القيادات في جمعية التقدمي ( المبتعدين سياسيا ) ويداخله الشك بان هذه الجمعية لا تحمل هويته اليسارية ، او الإحساس بالوحدة والعجز كما تم تسميتهم من قيادات المنبر ( المتقاعدين سياسيا ؟! ) ، عندها يكون العضو في الجمعية السياسية بين خيارين احلاهما مر وهو اما انه يَصْبح مدفوعا الي الانشقاق ( الطلاق ) او تتملكه حالة من ( اشتهاء ) ان يسطر عليه وان يخضع لهذه القيادات ) . ان الإجابة على الاعتراض بانه في ظل السماح بالتعبير عن العفوية والانفعال والنقد فان النتيجة هي (الفوضى في التنظيم) يدخلنا في مسألة الحزب او الجمعية السياسية. ان اشكالية التجربة الراهنة تلغي بظلالها علي ( الرؤية الجديدة ) التي تشكلت في جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي والتي تم فيها نقد ان لم نقل ( شطب ) مبدأ المركزية الديمقراطية لصالح مبدأ الحزب او الجمعية المركزية ) من هنا جاء تغيير جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي الي الاسم الجديد ( جمعية المنبر التقدمي ) هنا تم ( شطب ) الديمقراطي . هنا تشكلت هذه الصيغة الجديدة . ان مفهوم الحزب المركزي يتناقض مع مفهوم المركزية الديمقراطية . بالرغم من ان النظام الأساسي مثلا للمنبر التقدمي الي الان يؤسس ( لحزب المركزية الديمقراطية) ؟!! لأنها تؤسس حزبا هرمياً. ان الحزب او الجمعية (كمؤسسة) لا يمكنه الا ان يكون ذَا هرمية معينة، والفارق هنا – هو في طبيعة (العلاقات) التي تحكم هذه الهرمية: هل هي مؤسسة على(الأوامريةوالطاعة والامتثال) وبالتالي تحكم الأعلى؟ ام انها تقوم على التساوي والتعدد والتفاعل والعفوية والانفعال والنقد و (تحديد التخصص) وبالتالي على جوهر العلاقة في مبدأ المركزية الديمقراطية اي (الديمقراطية كجوهر والمركزية كشكل)وليس بالعكس كما حدث في (المنبر وعد التجمع) كل هذا مبني على الانطلاق من (طوعية الانتماء) لأي عضو في تلك الجمعيات وبالتالي تقسيم العمل الحزبي والإحتكام (للشرعية) النظام الأساسي والبرنامج السياسي لهذه الجمعيات الذي تم تجاوزه منذ احداث ١٤ فبراير والي الان؟ ان التطوع في العمل الحزبي العلني ينفي او ( يجب ان ينفي ) مسألة تسلط ( ما يسمي بالقيادات في المنبر ووعد والتجمع ) علي بقية الأعضاء او ان تتحكم هذه القيادات في اتخاذ القرار وهده بديهية ضاعت ضمن إطار الصيغة التنظيمية الجديدة ( الحزب المركزي ) ، إذن الديمقراطية هي أساس ( العلاقة ) وجوهرها ، اما المركزية فشكل تطبيقها اذا خرجت هذه العلاقة عن هذه المعادلة تحولت الي اتجاهين اما ( السلطة ) او ( الفوضى ) فالاتجاه الاول ( السلطة ) يعني إلغاء القاعدة التنظيمية وتكريس ( القيادات ) وتسلطها علي التنظيم ، وبالتالي إسقاط ( المساواة ) في التنظيم وتسلط فئة علي اخري اما الاتجاه الثاني ( الفوضى ) يعني إلغاء أو انتهاء التنظيم . إذن هكذا تفهم العلاقة بين المركزية والديمقراطية في جانبها الجدلي .
بالعودة الي الجانب السيكولوجي فإذا كانت (ما يسمى بالقيادات) تعني بالفوضى ان عضو التنظيم السياسي لا يعترف باي نوع للسلطة، فالجواب موجود فيما قيل حول الاختلاف بين السلطة العقلية وغير العقلية. السلطة العقلية – كالمثل الأعلى الحقيقي – تمثل (أهداف) نمو العضو في الجمعية وامتداده عبر (البرنامج السياسي والنظام الداخلي للجمعية) ولهذا فهي من حيث المبدأ لا تتنازع مع العضو واهدافه الحقيقية والبرنامج السياسي والنظام الداخلي، لا الاهداف والبرامج المرضية التي انتشرت في جسد كل التنظيمات السياسية في البحرين؟ فلقد اصبح للحرية في هذه الجمعيات معني مزدوجا هو : ان العضو كان يظن انه تحرر من السلطات التقليدية اي من الروابط الأولية الطائفية المذهبية وصار ( مثقف عضوي ) هنا الوهم فالذي حدث للعضو في هذه الصيغة الجديدة ( الحزب المركزي ) انه صار أكثر انعزالا وعجزاً ، ووسيلة وموضوع لأغراض خارج ذاته تقرها ( القيادات ) وأصبح بذلك اكثر اغترابا عن نفسه وعن بقية الأعضاء ، ثم ان هذه الحالة التنظيمية تضعضع ذاته وتضعفه وترعبه ، وتجعله مستعداً ( للخضوع ) لأنواع جديدة من الروابط الحزبية ( الشليلة والفئوية والشخصانية ) ، وغاب وتم تغييب ان الحرية الإيجابية متماثلة مع التحقيق الكامل لإمكانات العضو ، بالإضافة الي قدرته علي الحياة في التنظيم بنشاط وعفوية وانفعال ونقد . فقد وصلت الحرية في كل الجمعيات السياسية الي المرحلة الحرجة حيث تحولت الي نقيضها ( العبودية ) مدفوعة بمنطق المركزية . حيث تقوم سلطة خارج العضو بإخضاعه او الاحتيال عليه سواء كانت سلطة المكتب السياسي ( القيادات ) او الآلة التنظيمية ، بدل ان يكون بوصفه عضواً في تنظيم منظم – ان يصبح هو ( السيد ) وان تتحول ( الهيبة ) الي العضو انطلاقا من سلطة المؤتمر العام والذي يتساوى الأعضاء فيه ( مساواة ) تامة كما يعبر عن سقوط المراتب كلها ( اللجنة المركزية ، المكتب السياسي ) ( مؤقتا ) وحتي بعد انفضاض المؤتمر فان اللجنة المركزية والمكتب السياسي ( الهيئات القيادية ) الاساسية في غياب ( المؤتمر ) هذه الصفة لا تخولها حق إلغاء ( المؤتمر ) كهيئة معنوية لها مهامها وكهيئة قيادية أولي فكل تلك الهيئات ( اللجنة المركزية ، المكتب السياسي ) الأمين العام ونائبيه هي تكمل المؤتمر ولا تحل محله في اي حال من الأحوال ولذلك فان مهامها مكملة لمهام ( المؤتمر ). يجب ان يقال اولا: ليس في وسعنا ان نخسر اي منجز من منجزات المركزية الديمقراطية كمبدأ تنظيمي سواء المنجز الأساسي الذي هو اللجنة المركزية التمثيلية، اي اللجنة المركزية التي ينتخبها الأعضاء في المؤتمر العام والمسئولة امام الأعضاء هذه اللجنة المركزية التي تحولت في جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي الي مجرد هيئة وسلطة منتخبة (شكلية) سلمت وتسلم مهامها وصلاحياتها (للمكتب السياسي) والذي حولت مهامه وصلاحياته للأمين العام ونائبيه؟ ويجب كذلك ان لا نخسر اي حق من الحقوق التي يكفلها التنظيم لكل عضو فيه ( الحقوق الديمقراطية ) ( المساواة الكاملة بين الأعضاء ، حرية المناقشة والحوار والانتقاد ، حق الترشح للهيئات العليا والانتخاب ، حق الدفاع عن النفس في حال التعرض لعقوبة ( وبالذات لعقوبة الفصل ) كما حدث للعضو ( علي البنعلي ) في احد المؤتمرات ، وكذلك حق الاستئناف ) ولا يمكن ان نقبل وعبر ما يسمي ( بالتوافق ) بالوصول الي حل ( وسط ) حيال المبدأ الديمقراطي الاحدث وهو انه لن يسمح بإصدار التهم واستخدام السب والشتم ( عميل ، حكومي ، خائن ، الخ ) من النعوت الأيدلوجية ، وان التنظيم مسؤول عن كل أعضائه ، وانه لن يجري تخويف اي عضو لقبول الخضوع ( للقيادات ) وخسارة عزة نفسه الانسانية عبر التخويف بالسحق والاقصاء والاستئصال والعزل والفصل من التنظيم ، وليس من الواجب ( للنخبة القائدة ) المحافظة علي هذه المبادئ الاساسية وحسب ، بل من الواجب تقويتها وتوسيعها في ظل العمل العلني للتنظيم السياسي.
هنا يجب ان نؤكد علي ان المركزية الديمقراطية ، مفهوم مترابط متماسك لا يجوز فصل ( المركزية ) فيه عن ( الديمقراطية ) ، فالمركزية : هي ( شكل ) هي فعليا (الهيكل التنظيمي) الذي تستدعيه الضرورات العملية . اما الديمقراطية: فهي (نهج) التعامل في التنظيم ولا يمكن فصل الشكل المركزية عن النهج الديمقراطية مطلقا، فالمركزية هي الإطار الذي يجري فيه الحوار والنقاش (والعفوية والانفعال والنقد) لذلك فالديمقراطية تعني منع (القمع،التسلط) وهي مع الاختيار الحر والتعبير الحر وفق أسس ونظم تؤطر التعبير عن الآراء كما تؤطر الاختيار الحر هي اسس لا يمكن الغائها. ان هذا المعيار للديمقراطية لم يتحقق في كل الجمعيات السياسية في البحرين فتقدم الديمقراطية في هذه الجمعيات يكمن في زيادة ( الحرية ) الفعلية والمبادرة والعفوية والانفعال والنقد للعضو في النشاط الأساسي لوجود كل عضو في عمله التنظيمي . كل هذا يتطلب التخطيط والتوجيه وتحديد الاهداف انطلاقا من (برنامج) لكي يستطيع التنظيم او العضو ان يسيطر على الأشكال الفكري والسياسي والتنظيمي واحد الشروط هنا هو ازالة (الحكم السري) للذين هم على الرغم من انهم يمثلون (الأقليةالمستبدة) في التنظيم (ما يسمي بالقيادات) يمارسون سلطة القرار كبيرة من دون اية مسئولية امام الأعضاء الذين يعتمد مصيرهم على قرارات هؤلاء (القيادات). ولكن ما هو الشكل المناسب لكي يفعل العضو نشاطه الفكري والسياسي والتنظيمي في الجمعية؟ انه نظام التقارير، بالرغم من انه اي هذا النظام ينتمي الي ايّام العمل السري الا انه من الممكن ان يفعل في العمل العلني؟ فنظام التقارير الجديد هذا يستلزم نظام تقارير دقيق (فالمراتب الدنيا) يجب ان ترفع تقارير منتظمة عن مواقفها الفكرية والسياسية وتوجهاتها التنظيمية، ورؤيتها لحل الازمةً التي تعصف بالتنظيم، ورؤيتها لتحالفات التنظيم مع ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي،وعلى(المراتب القيادية) أخذ كل ذلك بعين الاعتبار وان تقوم ب تعميم (التقارير) ورؤاها داخليا للحوار والنقاش والنقد حولها ولإبداء الملاحظات فيها قبل ان يتخذ اي (قرار) في اي من القضايا المصيرية التي تخص التنظيم. اي من المهم هو تأسيس نظاما عقليا يخدم أغراض الأعضاء . واليوم لا يقتصر الامر علي ان ( الأكثرية ) من الأعضاء ليست لديها سيطرة علي كامل الآلة التنظيمية ولا تمتلك الفرصة لإظهار المبادرة الحقيقية والعفوية في العمل التنظيمي الذي تقوم به ؟! ان الأعضاء يجري ( الاحتيال ) عليهم ، ولا يتوقع منهم شيء اكثر من ان يقوموا بما ( يقال لهم ) من الأمناء ونوابهم ، ولا يمكن للعضو ان يسهم في ( المسئولية ) التنظيمية وبطريقة ابداعية الا في وجود التنظيم ( المخطط ) له الذي يسيطر فيه الأعضاء علي القوة التنظيمية ، فكل ما يهم هنا ان تعاد فرصة النشاط الحقيقي للعضو في التنظيم وان تتماثل مقاصد التنظيم ومقاصده ، لا تماثلا ايدولوجيا بل في الواقع ، وان يبذل جهده ونشاطه الفكري والسياسي والتنظيمي في العمل الحزبي الذي يقوم به ، بوصفه ( شيئا ) يمكن ان يشعر بانه مسئول عنه لان له معني ومقصداً علي أساس غاياته التنظيمية ، وان نجعل التعاون الرفاقي النشيط ، محل الاحتيال الذي تقوم به ( القيادات ) علي الأعضاء وان نمتد بمبدأ حكم الأعضاء بالأعضاء ولأجل الأعضاء من المجال الصوري الي المجال العملي . والسؤال هل يرفد النظام الفكري والسياسي والتنظيمي قضية الحرية؟ لا يمكن ان يُجاب على هذا السؤال على المستوي الفكري والسياسي والتنظيمي وحده؟ فالمعيار الوحيد لتحقيق الحرية في هذه الجمعيات السياسية هو يطرح كالتالي هو هل يشارك العضو بفعالية في تقرير حياته الحزبية وحياة التنظيم ؟ ، ولا يتم ذلك في فعل ( الاقتراع ) الصوري الذي يجري في كل الجمعيات السياسية كل سنتين او اربع سنوات علي حسب النظام في كل جمعية سياسية ، بل في نشاط العضو ( اليومي ) وفِي عمله ونشاطه الحزبي وفِي علاقاته الرفاقية التنظيمية واللجان المناطقية ، فإذا اقتصرت الديمقراطية السياسية نفسها علي المجال السياسي المحض ، فلا يمكن ان تقاوم مفعول النتائج الناشئة عن عدم الأهمية التنظيمية للعضو ، مثلما تم الاستعمال المخادع لكلمة ( التقدمي ) كما طبقت في جمعية المنبر (التقدمي) لأسباب تلائم الغرض التكتيكي للشلل والفئات المهيمنة حيث هيمنت (بيروقراطية) قوية تحتال بالفعل علي الأعضاء ، وهذا يمنع بالضرورة نمو الحرية والحزبية في التنظيم ، ولم يجر اكثر من الْيَوْمَ سوء استخدام ( الكلمات ) لحجب الحقيقة في كل الجمعيات السياسية الفاعلة في البحرين فالتغطية علي ( الانحراف ) في التنظيم تسمي ( توافق ) وتبرير العنف للجماعات المتطرفة يوضع تحت مسمي ( العنف والعنف المضاد ) والتحالف مع جمعيات طائفية سياسية ظلامية يسمي ( توسيع الطيف الديمقراطي ) وزج الجماهير في مخاطرات ومغامرات يقترف باسم ( الانتفاضة والثورة ) وصارت كلمات العدالة والانصاف موضوعات لسوء الاستخدام هذا أيضاً فلا يوجد غير طريق واحد لتحديد المعني الحقيقي للاختلاف بين الديمقراطية والاستبداد في التنظيم ذلك ان الديمقراطية هي نظام يخلق ظروفا فكرية وسياسية وتنظيمية وثقافية للنمو الكامل للعضو في الجمعية السياسية ، اما الاستبداد والذي شهدنا منه الكثير لدي جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي هو نظام يجعل العضو خاضعا لأغراض خارجة عنه لأغراض ( الزعماء والرموز والمراجع ) ويضعف الحزبية الحقيقية ان لم يدمرها نهائيا .
لقد بلورة ما يسمي ( بالقيادات ) في الجمعيات السياسية كثير من المصطلحات السياسية – الأيدلوجية كطريقة في عزل او إقصاء او سحق الاخر المختلف معها فكريا وسياسيا وتنظيميا وفِي محاولة للظهور امام العضو ( الآلي ) العاجز الوحيد بمظهر المنتصر علي الاخر ؟! فقد نحتت ( قيادات ) المنبر التقدمي تسميات للأخر المختلف معها ( المبتعدين سياسيا ) ( المتقاعدين سياسيا ) ( المنشقين سياسيا) ( العازفين سياسيا ) حيث أخذت هذه المسميات طابعا ( سلبيا ) لصورة الاخر في التنظيم لكي يلتف العضو الآلي حولها ولتعطيه اداة في ( إخراس ) الاخر ( المبتعد ، المتقاعد ، المنشق ، العازف ) لكي تشل الجدل والعفوية والانفعال والنقد ولينتهي الحوار والنقاش عندها بنفس الالية التي يستخدمها الاسلام السياسي او الجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين عندما تحاور الاخر وتقول له انت ( كافر ) و ( ملحد ) الخ . او عندما تتواجه الجمعيات الطائفية الشيعية بالضد من الجمعيات الطائفية السنية علي الهوية الطائفية ( انت لست شيعي ، انت لست سني ) ، وبعد ان يتم هذا الانقسام والاستقطاب في التنظيم يتم طرح آلية حله ( بالتوافق ) ؟! وسياسة البكاء علي اللبن المسكوب ؟ لكي يتم اعادة ( السرب ) الذي خرج عن القطيع وإيهامه بانه قد تم التنازل له وتم قبوله والعفو عنه وتم نزع (المبتعد ، المتقاعد ، المنشق ، العازف ) عنه ؟! وكل المطلوب منه هو فقط العودة للعمل التنظيمي وتحمل ( المسئوليات ) التنظيمية ولكن تحت نفس ( القيادات ) ؟! لندخل مرة اخري في نفس الحلقة المفرغة . إحدى السيناريوهات بعد فشل هذا (التكتيك) من قبل (القيادات) هو طرح سيناريو جديد بان (القيادات) المتشددة والمتطرفة وشلتها سوف تتنازل عن نفوذها وحصتها في الهيئات القيادية لكي تترك الفرصة (لقيادات)جديدة؟ والهدف المعلن هو لكي لا يتلاشى التنظيم ، اما الهدف غير المعلن هو اعادة ( الروح ) او ( إنعاشها ) ان أمكن بهذه السياسة او التكتيك كآخر سلاح تستخدمه هذه القيادات ( المفلسة ) فكريا ، سياسيا ، تنظيميا هذا اولا اما ثانيا لكي تتهرب وتهرب من المسئولية والمساءلة والمحاسبة وبالتالي تحتفظ بسيرة ( ذاتية ) نظيفة وترجل الفارس عن فرسه ، والامين العام السابق ، النائب السابق ، وامتداد لجبهة التحرير ، ونضاله ، ووطنيته ، وديمقراطيته والذين لم يتخلّوا عن المبادئ الخ من الأوسمة التي سوف يقلد بها هؤلاء القيادات بعد ان يرحلوا من دون محاسبة ولا مساءلة مما يمكنهم ويعطيهم خط رجعة للإمساك بالتنظيم عبر شبكات تضامنية (المعزّب – الزبون ) في التنظيم السياسي او في ما سمي بالتيار الوطني الديمقراطي وهو التنظيم المهلهل الذي حاولت ( جمعية التقدمي ، وعد ، التجمع ) ان تبلوره في الساحة السياسية كبديل في حال تم حل جمعية وعد كما حلت من قبلها جمعية الوفاق الطائفية السياسية . طبعا هذا السيناريو ليس بجديد فقد تكرر وسوف يتكرر لو استمرت مثل هذه (القيادات) او الكوادر (المتآمرة)، عندما يتم طرح اي نوع من التسوية لحل الخلاف في داخل التنظيم، فيتم الإيعاز لفلان وفلتان بان (يتنحى) مؤقتا لحين تهدأ العاصفة او الازمةً التي تعصف بالتنظيم، او يقدم أحد(القيادات) كبش فدا مع أن هذا الكبش الفداء ليس مطروح الان في ظل الشد والجذب بين الشلل المتنازعة في التنظيم على النفوذ والسلطة وعلى(القرار).وإذا كان من الضروري انتقاد هذا السيناريو القديم – الجديد فان ذلك يجب ان لا يقود الي اعتبار كل ما طرحه (المبتعدين سياسيا، المتقاعدين سياسيا، المنشقين سياسيا، العازفين سياسيا) من عفوية وانفعال ونقد ورؤية نقدية واوراق ومواضيع نقدية، مسائل يجب تجاوزها كما ترى تلك (القيادات) التي تحاول ان تتهرب من مسئوليتها عن الخط السياسي والفكري والتنظيمي الذي انتهجته منذ انطلاقة المشروع الاصلاحي وحتىالان. بل يجب هنا اعادة بناء التصورات والرؤي والاوراق والموضوعات التي أنتجها ( المبتعدين ، المتقاعدين ، المنشقين ، العازفين ) حول الخط السياسي والفكري والتنظيمي الذي تم التفريط والانحراف عنه في كل جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي ، من اجل ان لا تتكرر نفس التجربة التنظيمية ، ومن اجل وعي الواقع التنظيمي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي بشكل أفضل ، وتجاوز مشكلات جمعيات ما يسمي بالتيار الوطني الديمقراطي ، بما يخرج الحياة السياسية من مأزقها ، وبما يعطي نتائج مختلفة ، وليس تكرار ما كانت ولا زالت تطرحه هذه ( القيادات ) في المستوي الفكري والسياسي والتنظيمي ، ان عدم وعي اشكالية الحركة ( اليسارية ) في البحرين فرض تكرار خطها السياسي والتنظيمي ولكن في أهاب أيدلوجيةشعبوية مغامر ومكابر ومعاند تحت شعار عدم التخلي عن المبادئ كما يطرح في جمعية وعد او التجمع او المنبر التقدمي .
المرجع: كتاب الهروب من الحرية. الكاتب ايريك فروم