في المنطق الشعبوي للجمعيات السياسية في البحرين

لازالت الجمعيات التي لم تحل أو الموضوعة على قائمة الحل أو التي تم حلها تطرح (ضرورة الجلوس الى طاولة الحوار أو العودة الى طاولة الحوار)؟

هنا يصبح من الضروري لمس مصالح هذه الجمعيات وتعبيرها الطبقي وايضاً فاعليتها في التنازع أو الصراع (المعارضة) وهل هذه الجمعيات سواء كانت ليبرالية أو يسارية أو قومية أو إسلاموية هي مؤثرة وفاعلة في التغيير؟ أي هي تمثل حقيقة الطبقات التي تعبر عنها؟ في منطق هذه الجمعيات الرائج نجد ان التغيير قد جرى تلخيصه في الجمعيات المعارضة وكأنه لا يوجد هناك شيء يسمى شعب يسعى الى التغيير بل كل ما هناك هو معارضة تعارض السلطة ؟! هذا المنطق الرائج الذي يعبر عن رؤية ضحلة يختصر الشعب بالمعارضة ؟! وبالتالي يرى التغيير فقط من خلال المعارضة وهو هنا يتجاهل عفويتها ويرتكب (جريمة) نظرية لأنه لا يميز بين الطبقة والجمعية السياسية (الذي يقال انه يمثلها) ولا يميز بين الشعب والمعارضة (التي يقال انها تمثل الشعب) وحقيقة هذا المنطق انه لا يرى الشعب أصلاً بالرغم من كوّن بعض الجمعيات شعبوية ؟!! بل يعتقد هذا المنطق بان كل (فعل سياسي) هو من فاعلية جمعية سياسية أو قوة جمعية سياسية لهذا لا يرى في الوجود اسوى الوجود السياسي (أي الدولة التي يريد ان يجلس على طاولة حوار معها)؟ وتتعامل هذه الجمعيات من الناحية السياسية من منظور (الجمعية / السلطة) بعيداً عن تلمس الأساس الاقتصادي الطبقي وعن دراسة البنية التي يتشكل المجتمع فيها فالتناقضات في البنية الطبقية القائمة هو أساس أي تحليل وفهم ومن ثم تحديد موقف يبدأ من الاقتصاد (وليس من السياسة) في تحليل الواقع دون ان نقف عنده بل يتصاعد تحليلها للواقع الى المستوي الطبقي ومن ثم الأيدلوجي، فالسياسي كوّن السياسة هي اقتصاد مكثف أو التعبير المكثف عن الاقتصاد. 

ان منطق هذه الجمعيات غير قادر على معرفة ان في عملية التغيير هناك (شعب) يعارض دون رؤية أو وعي سياسي وبالتالي دون (جمعية) وان هناك جمعيات سياسية معارضة ليس لها امتداد شعبي ولا قاعدة اجتماعية بل هي جمعيات نخب مهمشة شاخت نشطت وتنشط في المستوي (السياسي) أي بما يعارض (الدولة) دون ان تلتفت الى الشعب أو تكون معنية بواقعه ومشكلاته ولطالما اعتبرته تابع ملحق بها ؟! أو قادته الى الكارثة! هنا لابد من رؤية (الشعب) كشعب (مجرد من السياسة) وليس عبر جمعيات تبلورت سياسياً ليس بالضرورة ان تعبر عن الشعب وهي في الغالب لا تعبر عنه بل تعبر عن طموحات (نخب تحولت الى شلل وعصابة) من خلالها تحاول هذه الشلل لان تكون بديلاً للسلطة ؟!!! وهي اما ان تكون طائفية أو ليبرالية وشعبوية الاتجاه ورغم انها تنادي بالديمقراطية الا انها ليست ديمقراطية على الإطلاق بدليل انها الى الان لم تقم (بالمراجعة النقدية الحقيقية). هذه الجمعيات يجب ان تنقد بكل تأكيد وان يدان بعضها لدوره في الكارثة التي عصفت بالبلاد والتي نشرت خطاباً طائفياً أحدث الشرخ الطائفي في المجتمع. فهذه الجمعيات أصبحت تمثل عبئاً على التغير الديمقراطي والانفراج السياسي نتيجة لهذا الخطاب الطائفي الذي كانت تطرحه والذي نشر الرعب في الكلية الاجتماعية وأربك الإرادة العامة للشعب ومزّق وحدته الداخلية؟ هل يمكن هنا التمييز بين الشعب والمعارضة؟ وهل يمكن تلمس نشاط الشعب العفوي البسيط الذي يعارض ونلاحظ سياسات المعارضة التي يبدو انها تستغل الوضع لتحقيق مصالحها ؟!
المعارضة هنا عبرت عن مصالح فئات طائفية – ذات ملمح ليبرالي (شكلياً) همشتها احداث كارثة الدوار وهي تستعين بقوى إقليمية ومجاورة جغرافياً وقوي غربية لكي تسترجع سيطرتها ولكي تكون بديلاً عن السلطة. وبالذات حين أصبحت نزعتها للعنف وميلها للإرهاب هو سمة الصراع الرئيسة منذ انطلاق ربيعها الرمادي وظهرت الفوضى منذ ان تم تسمية هذه الأحداث بثورة شباب ١٤ فبراير في ٢٠١١ حيث تم استغلال هذه الفئة لقلة خبرتها وهم الشباب الذي كان يتظاهر في تلك الأحداث والذي دفعته التنظيمات المتطرفة لكي يكون في مواجهة الصدام ؟! حيث ظهر جلياً ان القوى الطائفية الاصولية والجهادية سيطرت عليه وأخذت تعمل وكأنها القوة الاساسية في الحراك السياسي في ٢٠١١ وتشكل ائتلاف ١٤ فبراير وأخذ مسميات من مثل خلايا الأشتر وحزب الله في البحرين الخ حيث بات صراعهم اصولي منغلق وكثرته في إطار الطائفة والمذهب والدين وليس سياسياً أو طبقياً طائفيون بالتالي ويعملون على فرض سلطتهم على المناطق والجهات التي كانت تحاول فرض سياسة الامر الواقع (المناطقة، الجهوية) على السلطة للانسحاب من تلك المناطق وعلى أسس ظلامية قر ووسطية. هذا الامر فرض نشوء تناقض جديد فإذا كان الصراع مع القوى الاصولية السابقة (جمعية الوفاق الطائفية) و (الاخوان المسلمين) يتسم بطابع (أيدلوجي) فان الامر هنا يتجاوز ذلك نتيجة ممارسات ائتلاف ١٤ فبراير أو بروز ظاهرة داعش وممارسات ائتلاف ١٤ فبراير باتت تُمارس العنف والارهاب بشكل علني هنا أصبح التغيير يواجه هذه القوى التي ركبت الأحداث وعملت على حرفها في اتجاه العنف والارهاب فيما سمي تبادل الأدوار بينها وبين تلك الجمعيات الاصولية العلنية ؟؟؟ هنا من المطلوب ان يعارض الوطني الديمقراطي الحلف الطبقي، ويخوض صراعاً ضد هذه المعارضة المتطرفة وضد هذه المعارضة بكل سياساتها وبالذات الاصولية والجهادية التي في مجملها حولت الصراع الى صراع طائفي يريده التيار المتشدد في الحلف الطبقي وان يقوم هذا الاتجاه الوطني الديمقراطي ويعمل على تطوير فاعلية الشعب وتوضيح مطالبه وبرنامجه وعلى تنظيم التغيير عبر الاستراتيجية الواقعية الممكنة التي يجب ان تتطور وفقها لكي تتجاوز عفويتها وتصبح كتلة منظمة واعية. فلا زالت الجمعيات لا تخوض هذا النوع من المعارضة فهم غارقون في صراعهم ضد النظام وفِي الصراع ضد من يعارضهم وينتقدهم ؟! فالوطنيون الديمقراطيون يخوضون صراعاً متعدد الجبهات من اجل بلورة التغير في المشروع الاصلاحي وتحت مظلة ميثاق العمل الوطني منطلقين من التمييز الدقيق بين الشعب الذي يصنع التاريخ والتغيير والمعارضة التي تريد ان تجره الى هنا أو هناك أو ان تستغله لمصلحة هذا الطرف أو ذاك ؟!.
ان عفوية التغيير وغياب اليسار قد أسس لنشوء مشكلات فيها والوقوع في الخطاء بل لنقل الى المخاطرة والمغامرة وخصوصا في ظل ان الشعب كان يحاول ان يتلمس التجربة في ظل الانفراج السياسي وفِي ظل الهامش الديمقراطي وعبر المؤسسات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني فانتقل جزء منه الى العمل من خلال العنف والارهاب. لقد انبرت الاقلام الوطنية الديمقراطية في نقد اندفاع التغيير في المشروع الاصلاحي نحو الطائفية السياسية ونحو العنف والميل للإرهاب ونبهت هذه الاقلام عظم هذه الخطوة أو الانعطاف والأخطار التي يمكن ان تنتج عنها وكان خطاب الجمعيات التي حاولت ان تبرر لهكذا ممارسات خاطئة وكارثية (بأننا في ظل الثورة (ثورة ١٤ فبراير) ولكونها ثورة عفوية (هذا التضليل الذي مورس هنا) لا يمكن ان نضبط مساراتها فالثورة لم تكتب في (كتالوج) يحب الالتزام به بل هي فعل شعبي يسير في خط صاعد وفق الظرف القائم) وينحكم لطبيعة التحدي والمواجهة لهذا لم تعتبر انها انحرفت عن مسارها أو خرجت عن سلميتها)؟؟.
كل ما كان هناك هو الفوضى فبدلا من ان تكون هذه الجمعيات مع الحراك الشعبي وتكمله حلت هي محله ؟؟؟؟ ان الأمور سارت في مسار جعل العنف والميل للإرهاب هو (كل شيء) ان كل التنظير الذي ساقته الجمعيات السياسية بعد انهيار مشروع الدوار كتنظير حول (الاعنف) و (الثورات السلمية) و (الدولة المدنية الحديثة) ظهر كوهم وبدا انه نتاج عقل طائفي فعندها ان العنف يلازم العنف المضاد؟ بل كان التنظير في ظل حمأة احداث ١٤ فبراير (انه ليس من ثورة اجتماعية (هنا طائفية بامتياز) لا تدخل في طور العنف في لحظة من لحظاتها).
ضمن إطار هذا المنطق يتم طرح هذا التساؤل الا يريد كل السياسيين – أو يجب عليهم – في الديمقراطية النظر الى لسان حال الشعب؟ فإذا كانت (الحكمة) تكمن في القدرة على التمييز بين الوسائل والتدابير التي يجدر بالسياسي اتباعها في سبيل تحقيق غايات لسان حال الشعب. النقاش هنا حول هذا التساؤل يتخذ طابعاً عاطفياً فيؤخذ على الجمعيات السياسية انها تنهج سياسة تحكمها العواطف أو عن مرض اليسار الطفولي أو عن تحريف الديمقراطية أو عن وعي سياسي خاطئ أو حتى عن مكر هذه الجمعيات. اما رد هذه الجمعيات على من ينتقدهم متهمين اياهم بالحقد على الديمقراطية أو الديموفوبيا أي الخوف من الشعب أو من الناس؟ أو من اجل اسكات نقد هذه الجمعيات للنظام أو السلطة وبالتالي يتم منعهم من الدفاع عن الشعب وعن المستضعفين والمهمشين والمنسيين وانهم يتحدثون عن المشكلات التي تهم المواطنين فعلاً والتي لا يتجرأ احد على الحديث عنها وهم يتحدثون ويطالبون بحكم مباشر للشعب وانهم يمثلون إرادة الشعب و هنا يبرز مفهوم الشعبوية والكيفية التي تحاول هذه الجمعيات عن طريقها ان تحور هذا المفهوم لكي يخدم خطابها السياسي المتمحور حول ان السلطة تُمارس الحجر على الشعب فان على هذه الجمعيات ان تمتلك الوعي الذاتي للنظر الى ان اتهامها بالشعبوية يعد امتيازاً لها ؟ وهي تحاول ان تذكر الآخرين بان الديمقراطية في مجموعها ممارسة شعبوية لأنها تعطي الكلمة الاخيرة للشعب. هل هذا الخطاب شعبوي؟ وهل يمكن عد تهمة الشعبوية في حد ذاتها شعبوية؟ وهل الشعبوية هي مفهوم نضالي ولا قيمة له بالنسبة الى التحليل السياسي ؟؟ فما هي الشعبوية أو من هو الشعبوي بالفعل وأين تكمن مشكلة الشعبوية هل يمكن عد هذه الجمعيات شعبوية؟ ولماذا الشعبوي يحاول ان يظهر نفسه غالباً كديمقراطي بل كديمقراطي على نحو راديكالي وان للشعبوي تأثير إيجابي في الديمقراطية؟ ان عنصر الحسم هنا ان الشعبوية في حد ذاتها ليست ديمقراطية بل انها تقف على النقيض من الديمقراطية والشعبوية هي ظل الديمقراطية التمثيلية انها ظاهرة حديثة الشعبويون يزعمون انهم الشعب؟ وأنهم من يمثل الشعب وبذلك ينزعون (الشرعية) عن كل من يفكر بطريقة مختلفة وهم معادون للتعدد ومن يقف ضدهم فهو لا ينتمي الى الشعب الحقيقي بل طبالون ومرتزقه الخ وهم ضد (المؤسسة) انظر موقفهم من البرلمان وشعار المقاطعة. لا ديمقراطية من دون تعدد الشعب لا يتحقق الا في صيغة الجمع فالديمقراطية من وجهة نظر الشعبوي لا تعرف اسوى الأعداد وان عدد الأصوات يقرر في النهاية من سيمثل الشعب (هنا يحل العدد محل الجوهر) وهم يدعون انهم يمثلون إرادة الشعب ويريدون تحقيقها في حين انهم في الواقع يستغلون تمثيلاً رمزياً لما يسمونه ب (الشعب الحقيقي أو الأصلي) من اجل ضرب مصداقية البرلمان والمؤسسات التي لا يسيطرون عليها. وان الجمعيات التي تسمى جمعيات كبيرة تدعي انها هي وحدها من يمثل الشعب أو المواطنين وهو وهم ادعاء تمثيل الشعب كله؟
ان استخدام كلمة (الشعب) لدى هذه الجمعيات السياسية ليس الا فكرة نظرية تخدم تحقيق النظرية السياسية أو الخط السياسي لهذه الجمعية أو تلك. لكن هل تبلورت الشعبوية عندنا في جمعيات بعينها أم عند كل الجمعيات؟ فهناك من يقول انه لا توجد الشعبوية لكن فقط أشكال تمظهراتها المختلفة؟ ولكن ما هو المشترك بين هذه الأشكال؟ وان أساس كل الإغراءات الشعبوية للمطالبة بالديمقراطية السياسية يكمن في نواة الديمقراطية المعاصرة، أي (المساواة في التمثيل) ويتم الزعم هنا ان السياسة التي تحتاج الى موافقة شعبية واسعة تميل الى ان تصبح شعبوية. هنا يجب التفريق بشكل واضح بين الشعبوية والظواهر السياسية الأخرى. فما هو مشترك لدى الجمعيات السياسية في البحرين هو نقد النخب الحاكمة أو السلطة أو الموقف المعارض للمؤسسة. والجوهري عند كل هذه الجمعيات وبالذات الطائفية هو المتمثل في معاداة التعدد وما هو مشترك (نحن، ونحن فقط من يمثل الشعب الحقيقي أو الأصلي) وهي نقطة تفهم أخلاقياً وليس عملياً؟ حيث هناك اختلاف بين التمثيل الرمزي وتمثيل إرادة سياسية، سواء إرادة مراجع دينية أو زعماء أو رموز أو أمناء عامين. لقد برز في تجربة احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ (مقاولون سياسيون) ينافحون عن مواقف متشددة أو معتدلة نسبياً، وانهم من يملك حق تمثيل الشعب (أي الذات الجمعية) ويعمدون الى وصم من يعارضهم باللاشرعية. فقد استغل هؤلاء الشعبويون بعض وعود الديمقراطية المعاصرة (حكم الشعب بالشعب ومن اجل الشعب) حيث تبين من هذا الوعد (الصادق) لم يستطيعوا الوفاء به حتى في جمعياتهم ؟! فهنا توجد اختلافات بين الشعبوية والديمقراطية وبالذات في الديمقراطية التمثيلية (مبدأ التمثيل) وهناك من يقول اننا من الممكن معرفة الشعبويون إذا عرفنا ناخبيهم. انهم موجودون في أسفل الطبقة المتوسطة المهددة بالسقوط الاجتماعي (البرجوازية الصغيرة) وان ما يحرك هؤلاء هو (الغضب والغل، والمخاوف) من السقوط الاجتماعي اذ ينزع هؤلاء الى الشعبوية بدلاً من التعرف على مستغلهم الطبقي. وهناك رأي اخر يقول بان الشعبويون (يقدمون للكتل القلقة وعوداً بسيطة أو انهم قادمون لتخليصهم من كل مشكلاتهم اليومية بقوة الإرادة. وهناك من يعارض هذه الرؤية انطلاقاً من ان الوضع الاقتصادي الفردي للمواطن في هذه الشريحة ( البورجوازية الصغيرة ) ليس هو ما يحفز المصوتين على الجمعيات الشعبوية ، بل الحكم على عموم الأوضاع الاجتماعية أي ليس من الخوف من هواجسهم ووضعهم السيء بل ان وضع البلاد يسوء وان النخب لا تهتم بذلك أو غير قادرة على تغييره وان النخب تنهج سياسة غير عادلة والمستقبل غامض ، ان الحديث عن الشعب المسروق أو السكان الاسرى أو المحاصرين في القري نصادفه كثيراً في بيانات الجمعيات المعارضة وبالذات الجمعيات الشعبوية وهم يدعون هَنا ان النظرة الشعبوية الى الواقع وحدها هي الصحيحة . مما لا شك فيه ان الجمعيات الشعبوية تجد اتباعاً لها في وسط المواطنين الذين لا يملكون تكويناً علمياً جيداً كما ان جزء ليس ببسيط من الطبقة العاملة يصوت لهؤلاء الشعبويون في الانتخابات كما ان النساء قياسا للرجال كانوا يشاركن في التصويت لشعبويون عبر فتاوي رجال الدين ؟! هنا نصطدم بمشكلة نظرية فهل من الممكن ان نربط تعريفنا لموقف سياسي أيدلوجي مثل الشعبوية بصفات ناخبين محددين؟ أو في الاطروحة التي تقول بأن اتباع الحركات الشعبوية يملكون (شخصية متسلطة) أو انهم يتصفون بمشاعر (الغل) يكتفون بردة الفعل بدلاً من التفاعل مع الحدث مثل مواطنين واعين أو انهم سلبيين وعنيفين سيحطمهم حقدهم يوما ما. هنا من المهم التذكير بعدم إسقاط الطابع النفسي أو الاخلاقي على هذه القضية مسالة الشعبوية.

الشعبوية وادعاء التمثيل السياسي – الاخلاقي الحصري.


كيف يتم التعرف على الشعبوية بدقة؟ وأين هي الحدود الفاصلة بين الشعبوية والظواهر السياسية الأخرى؟ أولاً الشعبوية ليست مطلباً (لطبقات) واضحة المعالم ولا تعبر عن هذه الطبقات، ثانياً هي ليست قضية عاطفية. ان الشعبوية هي (تصور سياسي) محدد يرى ان شعباً أو (طائفة) خالصاً ومنسجماً يقف دائماً ضد نخب متسلطة في السلطة نخب غير اخلاقية فاسدة وطفيلية، ويرى ان هذه النخب المتسلطة لا تنتمي الى الشعب. أليس هذا هو منطق الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين ؟؟ أليس هذا المنطق والذي شاهدنا منه الكثير منذ احداث ١٤ فبراير ٢٠١١ والى الان هو في تصور الشعبويون السياسي ان النخب المتسلطة دخلت في تحالف مشئوم مع الطبالة والمرتزقة والموالاة وكتّاب البلاط الخ والتي لا تنتمي الى الشعب الحقيقي ؟! هنا ولئن كان نقد النخب (المتسلطة) معياراً ضرورياً فانه ليس كافياً بالنسبة الى الخطاب الشعبوي (ما بقى الشعبويون في المعارضة) ذلك ان الشعبويون يدعون انهم من يمثل الشعب الحقيقي؟ في حين ان بقية ممثلي الشعب يفتقرون الى الشرعية وهم فقط طبالون و باصمون ؟! وهذا يعني ان الشعبويون لا يدعون انهم الشعب، بل ان رسالتهم تهدف الى ابعد من ذلك (نحن فقط من يمثل الشعب) وهي الخلاصة التي ذكرناها سابقاً وهي ان الشعبوية ليست فقط معادية للنخبة في السلطة بل معادية للتعدد ؟! اي للديمقراطية اي ادعاء التمثيل الحصري الاخلاقي للشعب هو ما يصنع من الشعبويون ما هم عليه ويجعل علاقاتهم (بالديمقراطية) اشكالية. وهكذا ليس الشعبويون والذين يكثر في خطابهم السياسي مصطلح الديمقراطية وحقوق الانسان هو تصحيح للديمقراطية التي يفصلها بون شاسع عن الشعب ان المتطرفين اليساريين في الجمعيات (اليسارية) هم من يعتقدون ان العلاقة بين الديمقراطية والمشروع الاصلاحي الذي يعمل تحت مظلة ميثاق العمل الوطني قد فقدت توازنها. وان في امكان الشعبويون ان يدعموا من جديد التحول الديمقراطي وهذا كان هو مشروعهم في احداث ١٤ فبراير ومن هنا برزت الشعارات (الشعب يريد) ان هذا الأمل الورع أو الوهم الذي صادفناه عند اليسار المتطرف يقوم في الحقيقة على سوء فهم أساسي. ذلك ان الشعبويون لا يهتمون البتة (بمشاركة المواطنين في السياسة) ونقدهم لا يمس مبدأ التمثيل السياسي في حد ذاته، بل يمس الممثلين الذين يمسكون بدواليب السلطة شعار (باقون حتى يسقط النظام أو السلطة) والذين وفقاً لوجهة نظر الشعبويون ان هؤلاء الممسكين بالسلطة لا يمثلون مصالح الشعب؟ لقد صاغت الجمعيات المعارضة المتطرفة صيغة جاهزة تعّد كل من ترشح لانتخابات ٢٠١٤ كما تصاغ حالياً لانتخابات ٢٠١٨ وكما صاغتها سابقاً في ٢٠٠٢ بأنها لا تعد السياسيين أو المرشحين ممثلين عن الشعب بل هم (خونة الشعب).
خلال احداث كارثة ١٤ فبراير كانت الجمعيات السياسية تنادي أو تطالب بتنظيم استفتاءات وهذا يعني من الناحية العملية انها مع التعدد الذي تطالب به الديمقراطية؟ وهذا مفاده ان الشعبويون هم من ينادون دائماً بتنظيم الاستفتاءات، غير انه حين يطالب الشعبويون بذلك فليس لأنهم يريدون دعم صيرورة نقاش مفتوح لدى المواطنين أو لدى الناخبين وقت الانتخابات، بل. لأنهم يريدون من المواطنين فقط، تأكيد ما يرونه (إرادة الشعب) الحقيقية (تلك الإرادة التي غدرت بها النخب الحاكمة الفاقدة للشرعية والتي لا تبحث الا عن تحقيق مصلحتها) هذه الإرادة الشعبية كما كانت تدعي جمعية وعد والوفاق ؟!. ان هذا التصور عن تفويض جبري، يوضح أيضاً لماذا يريد الشعبويون توقيع (عقود) مع الشعب كما هو حال وعد والوفاق لتصبح السياسية تبعاً لذلك تحقيق لبنود (العقد) لكن يغفل الكثيرين عن ان هذا (العقد) ليس مصدره الشعب، بل جاء من جمعيات سياسية تدعي انها المخولة بمعرفة وتأويل أفكار المواطنين ومصالحهم. ان مهمة تحقيق أهداف ثورة ١٤ فبراير) هنا الوهم. ان منطق هذه المهمة تحت قيادة الملالي وجمعياتهم الطائفية السياسية ومن انجر خلفهم من جمعيات اليسار كانت تطرح على أساس انها واضحة كالشمس (والمواطنون بوصفهم من يكلف السياسيين بهذه (المهمة) وبوضوح لا لَبْس فيه) يظهر في النهاية الدور الملتبس الذي يلعبه الشعب لدى الشعبويين. انه يبدو على السطح دوراً فعالا في احداث ١٤ فبراير لكنه في الحقيقة سلبي على نحو كامل؟ ان الامر هنا يتعلق بتطبيق حرفي (لإرادة الشعب) كتفويض جبري. ولان الشعب لا يتحدث بصوت منسجم، فهو يحتاج الى (فاعل) هنا وعد الوفاق، يهمس للشعب في أذنه بما عليه ان يقوله أو يفعله فقد قدم السياسي الشعبوي أو جمعية وعد المنبر الوفاق نفسه أو نفسهم متحدثين أو متحدث باسم الشعب. انهم يفكرون بما تفكر به الجماهير كما ادعي ذلك امين عام جمعية وعد فؤاد سيادي (هذه ليست مطالبنا بل هي مطالب وملك للشعب)؟ وبلغة اخرى ان الممثل السياسي لا يمثل أكثر من صورة عن إرادة الشعب في النظرية السياسية الشعبوية. وهذا بعكس التصور لدى اليساريين الآخرين الذين ينتظرون من ممثلي الشعب ان يستعملوا ملكة الحكم الخاصة بهم. ذلك ان الديمقراطية الحديثة لا تعرف تفويضاً جبرياً بل تعرف فقط تفويضاً حراً. ان التمثيل السياسي في منطق الجمعيات السياسية هو راجع الى المراجع الدينية والرموز السياسية من زعماء وأمناء عامين تحت شعار (انه يريد ما نريد) هنا الامر لا يتعلق البتة بمصالح – في صيغة الجمع – ولكن بمصلحة – في صيغة المفرد (المرجع الرمز الزعيم الأمين العام) تدعي الموضوعية، لشعب يتم التفكير فيه ككل منسجم. ولأمر يتعلق (بهوية طائفية مذهبية) يتم الادعاء بأنها مرتبطة بالضرورة بمصلحة مظلومية الطائفة وبالتالي ليس من الضروري سؤال هذا الشعب الحقيقي من قبل لمعرفة ما الذي يريده بالفعل. ان الامر هنا يتعلق بصيرورة سياسية في المشروع الاصلاحي يجب فيها على المواطنين الأفراد أنفسهم تحمل مسئولياتهم. ولكن الشعبوي لا يعترف الا بالمصلحة العامة للأمة أو الطائفة الأغلبية الأصلية فبدلاً من تمثيل إرادة تحكمها مصالح طبقية معينة، يطالب بالتمثيل الرمزي ل (الشعب الحقيقي) هنا عند منطق هذه الجمعيات هو شعار (نعم لروح الشعب) عوضاً عن شعار (نعم للإرادة العامة) وهذا يفسر لماذا للشعبويين ولجمعياتهم دائماً اعتراضات على البرلمان حال كونها مؤسسات تعددية. حتى انهم أصبح لديهم رأي عدمي لوجود البرلمان أصلاً اذ لا حاجة له عندهم. فإرادة الشعب في رأيهم واضحة للعيان وهذا هو مأزق هذه الجمعيات من انتخابات برلمان ٢٠١٨ بما فيهم المنبر التقدمي؟ ان النقطة الحاسمة في تصور العالم لدى الشعبوي هو ان يتعرف القائد الى إرادة الشعب المفردة. ويعمل على تنزيلها على ارض الواقع. فحسب الفهم الشعبوي للسلطة فان القائد الشعبوي لا (يقود) ولكنه ينجز (المهمة) المنوط به من طرف الشعب وفِي القدرة على معرفة إرادة الشعب وتحقيقها والهدف هنا هو التمثيل الرمزي الصحيح للشعب الحقيقي كما يدعي القائد الشعبوي.
كان لسان حال الشعبويين في احداث الكارثة (لا نحتاج الى نقاش نظري ولا سياسي ولا إجراءات سياسية محددة ومدروسة فالبدائل واضحة امام اعيننا (الدولة والنظام والسلطة) مهزوزة ومخضوضة ومتساقطة وفِي مثل هذه اللحظات لا يوجد اسوى نوعين من المناضلين (المصلحين) أولئك الذين يجيدون التنظير والثرثرة حول التغيير والإصلاح ويقدمون النصائح والرؤى. واخرون (الثوار الحقيقيون) جماعة الدوار، يَرَوْن ان أفضل ما يمكن القيام به هو (المشاركة في الدوار والحراك السياسي) لكي يبدئوا بإزاحة النظام تحت شعار باقون حتى يسقط النظام. ف لسان حال هؤلاء للتغيير لا نحتاج الى نظريات ورؤى وسياسات، بل نحتاج الى مساندة ودعم من الشباب الأقوياء والثوار يبدئون العمل ويفعلون ما نعرف جميعاً انه ضروري). وتضاف هنا ملاحظة اخرى ليس ضرورياً ان يكون الشعبويون قوميين أو اسلاميون طائفيون، بل كل ما يحتاجون اليه هو معيار اخلاقي تمييزي، يفصل بين الشعب الخير (المستضعفين بلغة الطائفية) والنخب الحاكمة السيئة، كما تتحدث قيادات الجمعيات السياسية الشعبوية باستمرار عن ان الوطني هو من يكون في صف المظلومية، وهي استعمالات لتصورات اخلاقية مثل الفضيلة والرذيلة والتي تسمح للشعبويين بالانتقال من تمثيل الإرادة الميداني الى التمثيل الرمزي. ونقف هنا عند معيار تمييزي اخر، يضاف اتوماتيكياً الى المعايير الأخرى: من لا يدعم الشعبويين لا ينتمي البتة الى الشعب الحقيقي، وانه إذا أردنا معرفة الشعب الحقيقي والمناضلين الحقيقين فانه يجب استخلاصهم اولا من الحشد الشعبي من شارك في الدوار وفِي لغة اخرى من لا ينضم الى الشعبويين يقصي نفسه ؟!. وهذا الاقصاء الذاتي يتخذ لدى الشعبويين دائماً طابعاً أخلاقياً وينتهي الى نتائج سياسية كارثية.
جمعيات ليست كبقية الجمعيات؟ ان المنطق هنا ينطلق من ان يشارك الشعب في اللعبة السياسية ليس أمراً ضرورياً في الشعبوية. فما هو ضروري في النظرة الشعبوية للتغيير، ان السياسي الشعبوي وحده يستطيع تحديد إرادة الشعب الاخلاقية وتنزيلها على ارض الواقع، بوصفها تفويضاً جبرياً؟ يمكن ان نذكر هنا بالقيادات التي كانت تقف على منصة دوار مجلس التعاون وهي ترى الحشود وهم يَرَوْن الحشود تصرخ (معكم معكم يا علماء) أو كما كان حادث على منصة المنبر التقدمي (معكم معكم يا قيادتنا السياسية) لكنهم اي القيادات لا يقبلون بمساهمة هذه الحشود في الصيرورة السياسية. هنا لا يمكن ان نتحدث عن (الجمعية السياسية) ذلك ان كلمة جمعية هنا تعد اشكالية لان الامر يتعلق (باتباع) فقط ؟؟ فقد كانت المراجع والرموز والزعماء والأمناء هم حاكمه الأوحد. ويمكن العثور على خصائص اخرى للجمعيات الشعبوية فمعظم الجمعيات هي في الواقع جمعية شخص واحد أو شُلة واحدة أو عصابة واحدة، لأنهم كانوا يراقبون كل شيء، ويقومون بتأطير الأعضاء على نحو تفصيلي ليخلقوا جمعية على صورتهم ومثالهم. كل هذا كان يسمى (في نوع من السذاجة) الديمقراطية الداخلية للجمعية. لقد غرقت هذه الجمعيات بعد كارثة الدوار في خلافات وليس اختلاف أو تباين في وجهات النظر مما يضعها في خانة التفتت والانشقاق ومن ثم التلاشي المقبلة عليه. تتوافق المعاداة المبدئية (للبرلمانية) ولعقد لقاءات داخلية في الجمعية السياسية مع النظرة الشعبوية الى العالم: إذا كانت هناك إرادة واحدة للشعب، وارادة واحدة للجمعية، والتي في امكان (المرجع، الرمز، الزعيم، الأمين العام) أو الشلة أو العصابة في تحديدها، فلماذا نحتاج الى نقاشات مع الشعب أو مع الجمعية العمومية داخل الجمعية؟ أو الى مؤسسة البرلمان أو الى اللجنة المركزية أو المؤتمر العام بوصفها أدوات ناجعة لمراقبة السلطة في داخل هذه الجمعيات؟ لماذا؟ لأنها ستحول في رأي الشعبويين دون التواصل بين الشعب والمرجع الزعيم الرمز الأمين العام أو بين التواصل في داخل الجمعية بين الأعضاء وقيادته السياسية؟ فكل ما يرده الشعبوي هو التمثيل المباشر، فيطلب قرار الشعب المباشر فيما يتعلق باختيار المرجع الرمز الزعيم الذين يمثلون الشعب أو قرار الجمعية العمومية المباشر فيما يتعلق باختيار الشلة الذين يمثلون الجمعية، حيث توجد هناك علاقة بين مفهوم السلطة الشعبي – والتمثيل المباشر – والشعبوية وان الامر يتعلق هنا فقط بالتمثيل، في حين ان المشاركة السياسية تقتصر، على ارض الواقع على التصفيق الحار للمرجع الرمز الزعيم ؟! وتماماً كما ان الشعبويين يشككون في جدوى ديمقراطية داخل الجمعية فانهم ينظرون الى الأقلية المعارضة (الغير معترف بها في الجمعية) والى الكتّاب والمثقفين المحترفين خارج الجمعيات بالريبة والشك فيتم تزييف الإرادة الأصلية للشعب والارادة لأعضاء الجمعية عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ويتم نشر خطاب سياسي انه من الأفضل ان لا يتدخل أحد بين المراجع والرموز والزعماء واتباعهم ؟! وبعد دخولنا في ما بعد تداعيات دوار الكارثة تدعم مجالات التعبير الصغيرة على الانترنت والفيس بوك والتويتر والواتس اب، والتي يستغلها أعضاء الجمعيات الشعبوية لتأكيد تفوقهم الاخلاقي – منطق هذه الجمعيات الشعبوية. فمن لا يرى أو يسمع اسوى هذه المجموعات (القروبات) عبر (الواتس اب) سيجد فكرة التمثيل السياسي الحصري معقولة. اذ ان اللقاءات المفتوحة على الشبكة، والتي توحي بأنها ديمقراطية، هي في الواقع غرفة للصراخ الشعبوي. إذاً، وبسبب ادعائهم التمثيل الاخلاقي الحصري للشعب، فأن الجمعيات الشعبوية ليست كبقية الجمعيات بل هي صاحبة (النظرة الكلية) وهو تصور امكان تمثيل (الكل) وهي فكرة تقف على النقيض من التعدد السياسي داخل المجتمع ما يتناقض والفكرة الاساسية عن الجمعية السياسية بوصفها شيئاً خاصاً، جزئياً، يمثل قسماً من الأقسام كما تقول كلمة (الجمعية) أو الحزب (partei) نفسها، وليس الكل. طبعاً لا تجب المبالغة هنا فمن الممكن ان تدخل الجمعيات الشعبوية في نوع من التنسيق أو التعاون أو حتى التحالف مع جمعيات تسمى بالموالاة أو ان تنسج الجمعيات الشعبوية خيوطها العنكبوتية مع الحكومة في وقت السلم ولكن لتصورها الذاتي ، فهي تفضل ان تكون وحدها في ( الجبهة الوطنية الديمقراطية ) أو ( التيار الوطني الديمقراطي ) اما الجمعيات الأخرى خارج هذا ( التيار الوطني الديمقراطي ) الذي تنشده وعد ، المنبر ، التجمع فهي ليست غير ( جمعيات ) ف بالنظر الى حق التمثيل الحصري الاخلاقي للشعبويين ، فان تلك الجمعيات ( موالاة ) وليسوا اسوى منافسين لا شرعية لهم . وليسوا اسوى منظمات للنخب الفاسدة.
يا ترى كيف يمكن تفسير منطق المعارضة في حق التمثيل الحصري للشعب؟ ذلك انه وبأي طريقة كانت، يجب على الشعبوي، كلما كان في المعارضة ان يوضح لماذا يظهر (الواقع السياسي) والذي لم تستطيع أي جمعية فيه ان توحد الأغلبية أو الأكثرية خلفها من كل الشعب – وهذا يظهر وكأنه يتناقض مع ادعاء هذه الجمعيات بالحق في التمثيل الحصري الاخلاقي للشعب؟ يحاول الشعبويين بعد انهيار مشروع كارثة الدوار ان يخاطبوا الشعب الذي أصبح خارج العملية السياسية أو أعضاء الجمعيات السياسية الذين (مبتعدين، عازفين، متقاعدين)، والذين لا يستطيعون التعبير عن نفسهم عبر العمل السياسي العلني أو عبر الانتخابات أي بالطرق الديمقراطية الشرعية. فكل شعبوي يجهد من اجل التعبير عن تلك (الأغلبية الصامتة) تحت شعار (لأنه لو لم تكون الأغلبية صامتة لكان الشعبوي في السلطة) هذا كان حلم الوفاق ان توحد الطائفة السنية حول مشروع ولاية الفقيه أو التحالف من اجل الجمهورية بقيادة حق حول مشروع الجمهورية الشعبية ففي البداية كان مجرد (ببراكندا) للإعلام حول شعار اخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه. فالأساس هنا ان الجمعيات الطائفية لا توحد الطوائف بل صيرورتها هي تقسيم الطوائف أو الهيمنة على الطائفة الأخرى هذا هو ديدنها. اما الجمعيات اليسارية فهي عندما تتوجه الى الكتلة الصامتة (مبتعدين، عازفين، متقاعدين،) فهي توجه خطابها السياسي على أساس انها لا زالت تعبر عن هذه الكتلة المبتعدة عنها، وتشن هجوم على المنشقين عنها وتحملهم مسئولية التفتت والتلاشي المقبلة عليه ؟!!. هذه الكتل سواء الأغلبية الصامتة أو الكتلة الصامتة والتي تظهر من خلال منطق الشعبويين وكأن هذا الشعب (الأغلبية الصامتة – الكتلة الصامتة) السابق للسياسة (وهم ميتاسياسي) الموجود على هامش المؤسسات سواء برلمان أو جمعيات سياسية لا يمكن التعرف عليه بطريقة يمكن اختبارها تجريبياً. بل من الممكن الذهاب خطوة ابعد. انه لا يمكن البتة الامساك (بالشعب) في كليته أو حتى تصوره، والعثور عليه على مستوي تجريبي. ذلك انه في كل لحظة يموت مواطنون ويولد اخرون وفِي كل لحظة ان ينشط مواطن سياسياً أو يهمد سياسياً حتى في جمعيات المعارضة التي هرمت وشاخت نتيجة الاحباط والانكسار واليأس هنا لا يمكن ان نتحدث عن الأعداد، الْيَوْمَ انت أغلبية غداً انت أقلية هكذا يتحدث الجدل المادي ضمن إطار الصيرورة في المشروع الاصلاحي. على الرغم من كل ذلك فلا زالت الجمعيات التي تم حلها أو التي في طريق الحل أو التي لا زالت تعمل في السياسية تغريها الاوهام الميتاسياسية أو بسبب واقعية سياسية مزعومة (نحن من يمثل الشعب) والامر المميز هنا ان جماعة و (ثوار) دوار الكارثة لم يجدوا شكلاً مقنعاً لسلطة الشعب تحت حجة: ان الكل لا يمكن تصويره والرموز والشعارات الخاصة ذات الطابع الطائفي الشيعي كيفما كانت لم تستطيع إقناع الطائفة السنية. عندها تحول اهم فاعل في ثورتهم (انقلابهم) والذي هو الشعب – الدوار الى مكان مقدس وشعب مقدس. يجب على الديمقراطيين ان يقبلوا إذاً، بانه لا يمكن الامساك بكلية الشعب. في امكان وسائل الاعلام التي تمتلكها المعارضة في العالم الواقعي والافتراضي ان تعبر عن ما يسمى بالراي العالم الذي ينتقد النخب الحاكمة أو السياسيين المنتخبين وبالتحريض عليهم، أو في امكان إعداد كبيرة من المواطنين الخروج للتظاهر في الشارع (كما حدث في ٢٠١١) وعبر ذلك تحول (الشعب) الى (حدث) كما انه في امكان الأفراد الغاضبين والموتورين ان يصدروا بيانات على الانترنت أو الواتس اب، لكن (الإرادة الحقيقة) ل (الشعب الحقيقي) لا تعبر عن نفسها عبر ذلك. بل تعبر فقط عن إساءة لحرية التعبير من قبل من يسمون أنفسهم ناشط حقوقي أو ناشط سياسي ؟!
السؤال المطروح هنا هو: ما إذا كانت كل جمعية سياسية ناقمة ومعارضة أو مواطن ناقم معارض قادرة أو قادر على الاعتراف بان موقفه ربما يكون غير صحيح، ولا يعبر عن إرادة الشعب الحقيقية. وحدها العملية الانتخابية يمكنها بوضوح التعبير عن الإرادة السياسية ولكن في البحرين كانت الإرادة خلال الانتخابات السابقة هي إرادة المراجع والرموز والزعماء عبر الكتلة الإيمانية والطائفية والقبلية؟ وكانت من الناحية الأخرى إرادة نواب الخدمات، اما بالنسبة لانتخابات ٢٠١٤، فقد هاجم الشعبويون مما كانوا يسمونهم (الممثلين المزيفين) باسم الشعب الحقيقي الذي لم يتحقق في المؤسسات ومنها البرلمان. لا يمكن البتة معرفة إرادة الشعب على نحو قبلي اننا لا نعرفه الا على نحو بعدي، عبر الأغلبيات (وهي في الغالب نسبية) التي تفرز عنها الانتخابات. وهنا الأغلبية لا تأخذ طابعاً طائفياً أو قبلياً بل بالمعني اليميني والوسط واليساري. ولذلك هناك اختلاف كبير بين النقد المعبر عنه بحق السياسيين في السلطة ومخططاتهم من جهة، ومحاولة نزع الشرعية عن ممثلي الشعب المنتخبين باسم كلية متخيلة من جهة ثانية. ولان الشعبويين يقومون بالأمر الثاني، فانهم في تهجمهم على الفاعلين السياسيين يشككون أيضاً في الاليات التي جاءت بهم الى السلطة. يقول الشعبويون من مثل أمين عام وعد بالمشروع الإفسادي وان هناك شيئاً ليس على ما يرام في ديمقراطيتنا القائمة، حتى ان المتطرفين في الشعبوية ينفون وجود هامش ديمقراطي في المشروع الاصلاحي؟ تحت حجة ان ديمقراطية المشروع الاصلاحي تحكم على الأغلبية (هنا الشيعية) بالصمت؟ وان البرلمان هو برلمان وهمي والسياسيين فيه مزيفين وهذه هي الارضيّة لشعار مقاطعة الانتخابات البرلمانية. وهنا يظهر مرة اخرى ان النقد ليس موجهاً الى مبدأ التمثيل السياسي والدوائر الغير عادلة، ولكن الى الإجراءات التي تأتي بممثلين مزيفين الى السلطة. وهو نقد لا يبتعد الا خطوة واحدة عن نظريات المؤامرة، والتي تظهر باستمرار في خطابات الشعبويين (أسلوباً سياسياً تحكمه البارانويا)، والشعبوي الذي يخسر في الانتخابات يعمد الى خلق تمييز، يمثل خطراً على الديمقراطية، بين نتيجة الانتخابات الواقعية والنتيجة الاخلاقية (فهو الممثل الحصري الاخلاقي للشعب) أو تحت شعار (نحن الشعب) إذن المعيار الحقيقي يتمثل في ان خطاب الشعبويين يتضمن عداء واضحاً (للتعدد)، وانه يعود باستمرار الى الشعب بوصفه سلطة اخلاقية عليا. ان الشعبويين ليسوا ضد مبدأ التمثيل السياسي، بل يعبرون فقط عن تشككهم في كل المؤسسات الوسيطة بين الشعب والسلطة (ليس في السياسة فقط بل في الاعلام الواقعي والافتراضي).
هل يعيش الشعبوي في نوع من عالم خيال سياسي؟ وبالتالي غير قادرين على (تداول السلطة) و (الحكومة المنتخبة) والتي صدعت هذه الجمعيات الناس بها منذ كارثة الدوار؟ لطالما مارست هذه الجمعيات الاحتجاج والرفض لسياسات الحكومة، ولكنها عندما تشارك في المؤسسات ومنها البرلمان كما حدث لجمعية الوفاق المنحلة أو للإخوان المسلمين لم يسمح لأحد ان يرفض أو يحتج على ادائها في الغرفة الثانية من مجلس النواب (لا يمكن لأحد ان يتظاهر ضد نفسه أو يرفض الحكم وهو في الحكم) فحين يصل نقاد النخبة الحاكمة الى (السلطة) يصبحون هم أيضاً جزءاً من النخبة، ويختفي أثر الورقة الرابحة التي يستعملونها (هيهات منا الذلة) والتجربة واضحة في دولة المحاصصة الطائفية في العراق ؟! ان معاداة السياسية ومعاداة المؤسسات السياسية والبرلمانية لا تسمح لهم بممارسة السياسة ولا ببناء دولة المؤسسات والقانون. ان معارضي التيار أو الجمعيات الشعبوية يطرحون التالي: ان هناك عجز مبدئي للشعبويين عن عدم القدرة على إدارة دواليب الحكم، وانهم سيصطدمون بالواقع حين يتحملون المسؤولية، وان وعودهم للشعب ستتبخر امام إكراهات السياسة اليومية، ليفقدوا عبر ذلك مصداقيتهم لدى اتباعهم (وقد لاحظنا وشاهدنا الكثير من ذلك لما دخلت الجمعيات الطائفية السياسية تحت قبة البرلمان). ان هذا السيناريو يبسط القضية ذلك ان الواقع غير ذلك اذ انه من الممكن جداً ان تكون في السلطة (هنا التشريعية)، وفِي الان نفسه ان تنتقد النخب المتشددة التي تمسك بخيوط اللعبة السياسية في الكواليس وتريد عرقلة الشعبيون في تحقيق إرادة الشعب (كما يدعون). وهذه هي الشماعة التي كانت تستخدمها الوفاق وكتلتها البرلمانية (١٨ نائب) إذاً في امكان (الأغلبيات) إذاً ان تتصرف (كأقليات)، لان ممثلي هذه الأغلبيات لهم مصلحة في تسويق أنفسهم (كضحية) من اجل حرف الأنظار عن فشلهم السياسي. ان نهج سياسة الاستقطاب الطائفي وتخليق وتطييف الصراعات السياسية واكتشاف اعداء جدد (طبالين ومرتزقة كما هو في خطاب الجمعيات الشعبوية) باستمرار هو امر يقوم به الشعبويون سواء اكانوا في المعارضة أو في الحكم فالوطني هنا من وجهة نظر الشعبوي هو من يقف مع المظلومية، وهو يرتبط (بنضال الوطنيين ضد أعداء الوطن) وبالتالي يتم تحويل الأزمة الى وضع دائم، كما ورد في جملة أمين عام وعد فؤاد سيادي (اشتدي يا أزمة) هنا تتحقق السياسة في حالة من الحصار المستمر ومن التفاصل والتناحر المستمر. وفِي نفس الوقت يرى بعض الشعبويون الى السلطة والضفر بها كنوع من الحملة الانتخابية المستمرة (تسجيل أهداف في الفريق الخصم) لتحسب في رصيدهم عندما يحين وقت الانتخابات؟ ويلعبون دور (المحفز للشعب ودور المحرض للشعب). ان الشعبويين يربطون هذه الاستراتيجية بالتأكيد واحياناً على نحو يومي أو اسبوعي كما تفعل جمعيات (وعد، المنبر، التجمع) وبالذات وعد عندما تزور المأتم والجثث الخ بمحاولة البقاء على مقربة من الشعب ؟! وهم ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر) بتغريدات كرد فعل على أي حدث. ان الشعبيون يستخدمون تقنيات معينة خلال ممارستهم للمعارضة أو السلطة؟ وانهم ينهجون أسلوباً للمعارضة خاصاً بهم، لكي يتوافق مع ادعاء التمثيل الحصري الاخلاقي للشعب. حيث تبرز مظاهر السياسة المعادية (للتعدد): محاولة السيطرة على المجتمع المدني ومشروع الدوار على مفاصل الدولة، وتفريخ الاتباع الاوفياء عبر استعمال (الزبونية) وهي (علاقة المعزّب بالزبون) على نحو جماهيري. وإيجاد إعلام موازي للدولة (ماكينة إعلامية) وما يميز استخدام الشعبويون لكل هذه الاليات والاجراءات انه يتم تبريرها انطلاقاً من المبادئ الاخلاقية للشعبوية، وتنزيلها على ارض الواقع باسم القيم الديمقراطية وحقوق الانسان. والشعبويًن غير مضطرين الى اخفاء ممارستهم، وفِي الان نفسه يمكنهم ادعاء انهم ديمقراطيون، لأنه على الرغم من كل الكوارث التي ارتكبت بحق الوطن تظل الديمقراطية المفهوم السياسي – المعياري المرغوب فيه أكثر من غيرة عند الكل.
ثلاث ممارسات سلطوية شعبوية (بما فيها التبريرات الاخلاقية) للجمعيات الشعبوية: يعمد الشعبويون الى السيطرة على مفاصل الجمعية السياسية ويضعون اتباعهم في المناصب (السيادية) في الجمعية، وتخضع لجنة الرقابة التنظيمية في الجمعية (السلطة القضائية) لسلطتها، من اجل الحؤول دون استمرار كوادر من الجمعية في العمل ضد مصالح الجمعية كما يدعي الشعبويون. وكل من يقوم من الجمعية بانتقاد هذه الإجراءات، عدّ يقف مع السلطة وموالي لها وخائن للجمعية ؟!! فهم أي الشعبويون وفقاً لرؤيتهم، يعدون الممثل الشرعي الوحيد للجمعية وللشعب، فلماذا لا يقوم أعضاء الجمعية بالسيطرة على الجمعية من اجل فرض ارادتهم الأصلية وفرض الكوادر المناسبين؟ ومن يصر من الأعضاء المنتقدين على احترام البرنامج السياسي والنظام الأساسي أو من يصر من أعضاء لجنة الرقابة التنظيمية على احترام النظام الأساسي ومبادئه، يعد مباشرة معادياً للديمقراطية. وهكذا يتم فرض عبر هيمنة من فوق الجمعية كأمر واقع. وعلاوة على ذلك، هناك استراتيجية شبيهه من اجل الحفاظ على السلطة في الجمعية، وهي ما يسميها السياسيون (الزبونية) وهي شكل قديم من الديمقراطية (يرغم) القيادة على أخذ مطالب (زبائنهم) على محمل الجد. وهنا تتم المساومات السياسية: مقابل الدعم السياسي لهم يقدم الشعبويون تنازلات على مستوي القرارات المصيرية التي تخص الجمعية من تعاون وتنسيق وتحالف مع الجمعيات الأخرى هنا الجمعيات الطائفية السياسية فمن وجهة نظر القيادة الشعبوية أن أعضاء معينين هم من ينتمون الى الجمعية (الشعب) ومن يستحقون الوقوف معهم. يوفِي الان نفسه، كتلة تحقق ما ينعتونه ب (العضو المثالي) أو (الشعب المثالي). اننا عندما نقوم هنا بتسليط الضوء وفضح (زبونيه) الشعبويون وأخطائهم النظرية والسياسية والتنظيمية فان هذا لا يضر بهم على نحو اوتوماتيكي، فمن وجهة نظر (اتباعهم – زبائنهم)، ان الشعبويون قد قاموا بكل شيء لأجلهم وخصوصاً منذ احداث ١٤ فبراير ٢٠١١، وهذا يوضح لماذا لم يفقد الخط الاول من القياديين في الجمعيات الشعبوية (المنبر، وعد، التجمع) شيئاً من شعبيتهم رغم سلسلة من الأخطاء والقرارات الحزبية. هنا ينهج الشعبويون السياسة ذاتها التي كانوا ولا زالوا ينتقدونها لدى ما يسمونه السلطة المستبدة ولكن الفرق هنا عبر شعارات وادعاءات اخلاقية ؟!، وإذا ما ارتفعت أصوات منتقدة في الجمعية (عازفين، مبتعدين، متقاعدين، منشقين) فان نزع المصداقية عن هذه (المعارضة – الداخلية العازفة المبتعدة) يملك معني رمزياً حاسماً بالنسبة اليهم، وإلا فسيظهرون كما لو انهم لا يمثلون كل الجمعية (الشعب) ولهذا يصر الشعبويون في تلك الجمعيات (الأمناء العامين ونوابهم) على اتهام الأصوات النقدية داخل الجمعية او خارجها بأنها مسيرة من النظام ومتأثرة بالماكنة الإعلامية للنظام، ولكسر ظهر هذه المعارضة يتم عبر عدة آليات منها اختيار وسطاء من الكوادر الوطنية لتفكيك هذه الكتلة التي انشقت عنها، وعبر استخدام مظهر ديمقراطي (الانتقاد والتغيير من داخل الجمعية وليس من خارجها) و البدء في مساومات سياسية – تسمى بالتوافق بين وجهات النظر المتباينة، وبذلك يخلق النظام الشعبوي في هذه الجمعيات ذلك الأعضاء (الشعب) الذي يتكلم ويحكم بإسمه، وعلى صورته ومثاله. ان كل هذه التقنيات التسلطية (السيطرة على الجمعية، والزبونية، ونزع المصداقية عن مواقف وخيارات المعارضة) تمثل ما يطلق عليه (القانون التمييزي) فضد المعارضين السياسيين للخط السياسي للشعبويين يتم تطبيق القانون في حرفيته كلما كان ذلك ممكناً (انظر رفع الشعبويون الأوراق الوردية كعلامة على فصل عضو المكتب السياسي والنقابي على البنعلي في أحد مؤتمرات الجمعية – التقدمي. اما الموالون والقيادات التي ارتكبت الانحراف عن البرنامج السياسي والنظام الأساسي وتحالفت مع الجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين فيتم التفكير في استثناءات. (كل شيء من اجل ربعي وأصدقائي وشلتي اما لأعدائي القانون).
الكل يعرف ان الانتخابات في الجمعيات السياسية هي شكلية وصورية، فلماذا لا يعمد الشعبيون الى إلغاء الانتخابات او أن يتم تعيين (القيادات) في المكتب السياسي واللجنة المركزية؟ ويعلنون أنفسهم (حكاماً ديمقراطيون بامتياز؟ المنبر التقدمي حذف (الديمقراطية) من تسميته ليصبح الاسم هو المنبر التقدمي، والنشرة الناطقة بإسمه التقدمي؟ تحت حجة اختصار المسمى للجمعية؟! ان هناك اسباباً مختلفة تقف خلف ذلك، فالتحول عن النظام الديمقراطي سيؤدي، من جهة الى الإضرار بسمعة الجمعية على المستوي المحلي والاقليمي، ولكن يجب التنبيه هنا انه يمكن للشعبويين الاستمرار في تنظيم الانتخابات على نحو صوري ، فلا احد يتهم جمعية وعد ، المنبر ، التجمع ، بتزوير او تزييف الانتخابات ، لكن صفة ( انتخابات حرة ) هنا لا تعني ( الانتخابات العادلة ) ، علاوة على ان هذه الانتخابات الصورية تقدم للشعبويين معلومات عن الوضع الحالي للجمعية وعن قوة الموالين والاتباع وكذلك عن حجم المعارضة وقوتها ، ( المبتدعين ، العازفين ) ، فإذا كانت النشرة الداخلية ( التقدمي ) وندوات يوم الأحد اليتيمة ، وسائل الاعلام تدعم القيادة الشعبوية والمعارضة ( المبتعدين ، العازفين ) لا تمتلك إمكانية للتعبير عن نقدها ونشره في إعلام الجمعية او البوح به في اللقاءات الداخلية ، فان الخاسر هنا ليس ( المركزية الديمقراطية ) كما تلخص ذلك الصيغة المعبرة عن ( مركزية غير ديمقراطية ) ، ومع ذلك يتم في النهاية تحديد بعض حقوق الأعضاء مثل إعطاء هامش ضيق ( لحرية التعبير ) او يتم إلغاء حرية التعبير تحت حجة ان الوضع السياسي والمحلي لا يسمح بذلك لان الجمعية سوف تتفكك اكثر . كل هذا ينتج الإضرار بالنظام الديمقراطي في الجمعية. ان كل الجمعيات انتقلت الى النظام المركزي الحديدي ومع ذلك لا زالت هذه الجمعيات متمسكة من ناحية الشكل وليس الجوهر (المؤتمر العام، اللجنة المركزية، المكتب السياسي) تحت سياسة شعبوية يتم من خلالها اتباع هامش ديمقراطي، ولكن مع امكان ان يتخذ النظام في كل وقت سياسة مركزية تسلطية اعتباطية. ومع ذلك لا يجب ان نترك للشعبويين ينعمون بصفة الديمقراطية، لأننا بذلك نقدم لهم امتيازاً شرعياً على طبق من ذهب. ان واقع ان هذه القيادات الشعبوية تتمتع بشعبية في تلك الجمعيات امر لا يشك أحد فيه ؟؟ فهم يفوزون الى الان في انتخابات سواء الاخيرة او القادمة ومن دون الأقدام على تزوير الانتخابات فيها ، ولكن لا يعني ذلك إننا نقف هنا امام ديمقراطية حزبية ونظام ديمقراطي ، ان مفهوماً مثل ( ديمقراطية معطوبة ) أشد انطباقاً على أنظمة هذه الجمعيات الشعبوية ، مقارنة بمفهوم ( المركزية الديمقراطية ) لأنه لا يعني ان الامر يتعلق بنوع معين من الديمقراطية او لأنه ، بدلاً من فهم حقوق الأعضاء ككل يتم استعمال بعض هذه الحقوق ضد بعضها الاخر وهكذا نتجنب السقوط في شعور بوجود هيكل تنظيمي ديمقراطي ، وفقاً له تقوم الجمعية الوطنية بنهج سياسة ديمقراطية .
ما بين حرب المواقع وحرب الحركة (الجرامشي). ان الشعبوية تنزع الى تأييد سلطتها و شرعنتها او اعطائها ( شرعية ثورية ) مستمدة من حراك ( ثورة شباب ١٤ فبراير ٢٠١١ ) كما تدعي هذه القيادات الشعبوية . لان تصورهم عن ( إرادة الشعب ) و ( الشعب يريد ) يتطلب ان يمثل الشعبويون الشعب . كما ان تمثل القيادات الشعبوية ( جماعة الدوار ) التي تحركت سياسياً في احداث ١٤ فبراير ؟ وإذا فهمنا هذا ( المنطق للجمعيات السياسية ) ، فلن نندهش ونحن نري الشعبويون في ذلك الحراك ( الجماهيري الصاخب ) والكر والفر مع قوات الأمن ( التحدي والمواجهة ) ان تطالب تلك الجمعيات السياسية تشكيل جمعية تأسيسية منتخبة لكتابة دستور جديد خاص بهم . بينما كان الاعتقاد ان الشعبويون هم في حرب (حركة) ويقفون دائماً على عداء مع المؤسسات السياسية، ويريدون الحفاظ على طابعهم (الحركي) الدينامي (مظاهرات، مسيرات، اعتصام، مولوتوف، سكب الزيت، حرق الاطارات، متفجرات، ثقافة عنف وارهاب الخ)، غير ان من يختزل الشعبوية في استراتيجيتها (الحركية) لن ينتبه الى ان الشعبويون يتحركون (لخلق مؤسسات) ومنها الدستور. فالمعارضة للمؤسسات بشكل مبدئي لا علاقة لها بالواقع، كما هو حال تجربة العراق بأحزابها الطائفية وتجربة مصر في ظل حكم الاخوان المسلمين، ان الشعبويون لا يستطيعون فقط خلق دساتير جديدة، بل يريدون ذلك أيضاً، لكنهم يريدون نوعاً معيناً وخاصاً من الدساتير يتوافق مع مبادئهم الاساسية الموجودة في البرنامج السياسي والنظام الأساسي. كما هو حاصل في دولة الملالي الطائفية في إيران (دستور طائفي مسخ) وكان ذلك يعني ان طرحهم لحكومة انتقالية في احداث ١٤ فبراير، وبشكل ملموس بان هذه الحكومة هي الممثل الوحيد للشعب وهي بالتالي التي تمتلك شرعية تقديم هذا الدستور؟ فالوفاق كانت تصر على دوائر عادلة ودوائر مغلقة وعلى انتخابات غير تنافسية، من اجل ان تحصل على (أغلبية) تمكنها من تغيير الدستور، حيث كانت لا ترى أي دستور (ديمقراطي) غير الدستور الإيراني ؟! وهي قد همشت الجمعيات الأخرى وبالذات المنبر التقدمي في انتخابات ٢٠١٠، كلياً وكذلك كانت ستهمش المجتمع المدني في حال صاغت دستورها الخاص (الطائفي). عندها لن يتم تنظيم الاستفتاء حول الدستور الجديد الطائفي تحت حجة ان المواطنين قادوا (ثورة عبر صناديق الاقتراع) خلال الانتخابات التي كانت ستجري بعد الانقلاب؟ وبالتالي فان المواطنين (كلفوا) جمعية الوفاق كما كلفتها جمعيات (التقدمي، وعد، التجمع القومي) بالتحدث مع النظام نيابة عنها؟!!!. وسوف يكلفونهم أيضاً بصياغة الدستور الجديد ؟!!! هذا كله جاء تحت حجة (التفويض الشعبي — تفويض جمعيات المعارضة اليسارية) ؟!! وهنا تكون المحصلة ان من ينتقد الدستور الجديد لا ينتقد الحكومة الانتقالية فقط، بل الشعب البحريني، ذاته. هذا يُرينا (المنطق) الذي تقوم عليه الشعبوية. هذه الجمعية كانت تريد صياغة دستور جديد بشكل انفرادي او ما يسمى (الدستور الحصري الطائفي) ويعني ذلك دستور يخدم (جمعية) او (تحالفاً) ويقصي بقية الجمعيات ؟! ف جمعيات المعارضة كانت تؤكد باستمرار ان الدستور (المنحة) لا يمثل ولا يعبر عن ديمقراطية حقيقية. ولا زالت أصوات في الجمعيات المنحلة او طريقها الى الحل او الموجودة على ارض الواقع تؤكد ان ثورة ١٤ فبراير ٢٠١١ لم تحقق أهدافها وأنها تعرضت للقمع الخ، ولهذا لا زالت البلد تحتاج الى وسط سياسي قوي من اجل تحقيق الانتقال الحقيقي للديمقراطية كما تفهمها الجمعيات المعارضة ومن ثم الانتقال الى الدولة المتخيلة او الجمهورية المتخيلة والتي حاولت كوادر وعد في إحدى الندوات ان تنكر المطالبة بها ؟! لأنها بدأت تتحسس من ربط هذا الاسم (بالتيار التصعيدي) الذي ذكر في ادبيات التقدمي. والتساؤل هنا إذا كان الدستور (حرب المواقع) بوصفه نظاماً من القوانين والتقيدات، يمثل مشكلة مبدئية للشعبويين، وفِي الجانب الاخر يريد الشعبيون تنزيل إرادة الشعب على نحو مباشر في السياسة، وارادة الشعب يمكنها ان تتغير. الا تتناقض سياسة حرب المواقع مع سياسة حرب الحركة؟ أي الطابع المعادي للمؤسسات والمعادي للنظام لدى الحركات الشعبوية والتي تريد ان تحكم على نحو حركي دينامي ؟؟ ليس بالضرورة ان يبرز هذا التناقض (المواقع – الحركة) فإذا كان الانطلاق من ان الدستور يمنح الإرادة الشعبية (الأصلية) شكلاً دائماً، هنا يبرز المنطق الشعبوي لدى هذه الجمعيات المتمثل في (ان الشعبوي وحده من يستطيع كتابة دستور يمثل أرادة الشعب) ولكنه في الواقع تمثيل (رمزي) ليست له علاقة، بالضرورة، بالتصورات للأغلبية (حتى لو كانت شيعية) فالدستور الجديد سوف يقنن لفهم طائفي للأمة البحرينية ويعلي من قيمة المذهب ويكتب سردية قرو وسطية حول تاريخ البحرين.
من دراسة التجارب في الدول التي تتعاطي مع التطبيق الرمزي عبر دستور حصري يمكن للحكومة ان تحد من إمكانية الأغلبية البرلمانية في حال تغيير ميزان القوى لقوي سياسية اخرى على الفعل السياسي. وسوف تصبغ الجمعية السياسية الشعبوية (القائدة) على العديد من القرارات السياسية التي تدخل عادة في باب السياسة اليومية صبغة دستورية. يضاف الى ذلك انها ستقوم بتعيين مقربين من هذه (الجمعية القائدة) في مناصب يتوجب ان يكون المسئولين عنها على حياد (مثلاً راس المجلس الاعلى للإعلام) ولفترات تتجاوز الفترة التشريعية. وبفرض شخصيات وملالي تملك (حق النقض) عبر فتاوي يطلب الاذعان والانصياع لها ومن شأنها ان تعرقل وتلغي أي تغيير في التوجه السياسي او في اللحظات الحرجة تدعو الى انتخابات جديدة إذا لم تتمكن الجمعية من تكوين الحكومة، مثال تركيا الان. ان الدساتير تهدف عادة الى الحفاظ على التعدد وتنظيم الاختلافات بين الجمعيات او الأحزاب والحد منها. لكن الشعبويين الذين هم دائماً معادون للتعدد يريدون تعطيل وظيفة الدستور هذه. ويقومون بتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية ومن الممكن ان يحكموا بلا برلمان اعتماداً على دعم المليشيات، ويقومون بنزع الشرعية عن البرلمانيين الذين يقفون ضدهم، ويقومون أيضاً ببناء برلمان مضاد (برلمان البلديات) هنا يتحول الدستور من مضمون الى شكل هلامي، بل الأكثر انه يتحول الى كرة يتم تقاذفها في الصراع السياسي. ان مثل هذا السيناريو محتمل جداً بالنسبة الى الدساتير الشعبوية، إذا لم تتمكن القوى الشعبوية من ابقاء سلطة الشعب التي تدعيها. هل هذا السيناريو يلغي مفهوم الدستورية الشعبية؟ وهل يجب إعلام المواطنين الذي يخرجون وخرجوا للتظاهر في الشارع بأنهم يطاردون وهماً شعبوياً يتخذ نبرة ديمقراطية؟ لان الشعب لا يملك سيادته الا على طاولة الفقهاء الدستوريين (كما صدعت راسنا به جمعية وعد) والذين يؤسسون لنظام دستوري؟ وهل كان المتظاهرون في حراك ١٤ فبراير ٢٠١١ واعين بما كانوا يفعلونه وهم يرددون انهم الشعب والشعب يريد؟ وهل كانت (عندما تندفع عجلة التاريخ نحو الهاوية والكارثة) لما خرجوا الى الدوار مجلس التعاون وهم يرددون شعار (باقون حتى يسقط النظام) وماذا كان دور الجمعيات اليسارية التي اصطفت خلف ذلك الشعار؟ ولماذا لم يخبروا المتظاهرين بأنهم أخطأوا فهم الديمقراطية ومعني الدستور الذي يجب ان يكون متعدداً؟
قبل ان تجرى انتخابات ٢٠١٤ قدم النظام تعديلات على التعديلات الدستورية وهذا لا يمنع أي مواطن من ان ينتقد الدستور المعدل خصوصاً إذا كان هناك تهميش سياسي، فإجراءات الإدماج السياسي والتمثيل السياسي ومعاييره القائمة يمكن اعادة النظر فيها باستمرار. ومن يشك بذلك يجب ان يتذكر ان هذه الظاهرة السياسية الاخلاقية (الانفجارات السياسية) في احداث ١٤ فبراير ٢٠١١، التي تظهر لنا الْيَوْمَ مقلقة، بل مستعصية على الفهم (الفوضى الخلاقة)، لم يكن أحد يأبه بها مع بداية انطلاقة المشروع الاصلاحي والذي عرف بفترة الهدوء السياسي. عندما يفتح باب (النقد) هنا سواء للدستور المعدل او لسياسات الحكومة الخ فان شكل النقد هنا لا يجب التعبير عنه بالضرورة في صيغة (نحن وحدنا من يمثل الشعب) اجل، لا يحق ذلك. ومن يعتقد من قوي سياسية او جمعيات سياسية انه يحق له ذلك، من اجل فرض (تغييرات أساسية (جذرية)) على الدستور المعدل او السياسات القائمة. او بمحاصصة طائفية. وبالإمكان ان نستشهد في هذا السياق بفترة السبعينيات (مجلس النواب) حيث لم يتم استبعاد أي من الطبقات وحتى فئة رجال الدين (الشيعة / السنة) والتجار الخ. ولَم يتم النظر الى تلك الطبقات والفئات كأعداء للأمة البحرينية (مجلس الامه)، بل كان بإمكانهم، متي تخلوا عن (امتيازاتهم) وتمثيلهم (الطائفي / القبلي) المساهمة سواء في صياغة الدستور (المجلس التأسيسي) او المشاركة في مجلس النواب. مع ان التجربة تلك لم تكن تجربة ديمقراطية بامتياز وفِي مثل علاقات القوة في تلك التجربة كان من حق (كتلة الشعب) طبعاً ان تؤكد في وضوح بانه قد تم (إقصاؤها) من الحياة السياسية ومن البديهي هنا التأكيد ان النضالات من اجل (الحياة الدستورية – والحريات الديمقراطية) ومن اجل الاعتراف والادماج السياسي في تلك التجربة لم تقم على ادعاء (تمثيل اخلاقي حصري للشعب) بل تعلق الامر بمواطنين وحركة وطنية ديمقراطية انتقدوا عدم تنزيل الدستور والحريات الديمقراطية وناضلوا من اجل تحقيق ذلك. والمنطق الحاسم في سياق التجربة القائمة لا يتمثل في صيغة او وثيقة تضعها (المعارضة) وتحت شعار (نحن الشعب) لأن المعارضة الوطنية الديمقراطية العقلانية من الممكن ان تطرح (نحن أيضاً من الشعب) او (نمثل أيضاً جزءاً من الشعب)، ولا شيء (يشرعن) الفرضية التي تقول في ظل علاقات هامش ديمقراطي (ما قبل احداث ١٤ فبراير ٢٠١١) يمكن لمنطق (الجزء يمثل الكل) او (الأغلبية الشيعية ان تمثل الأقلية السنية) من وجهة نظر الجمعيات الطائفية السياسية. التي تستغل الدين فعلي هذا الأساس انطلقت تلك الأحداث والانفجارات السياسية من اجل تحقيق تغيرات جذرية في النظام وتحت شعار (باقون حتى يسقط النظام)، ان من يعتقد انه بدون المساواة بين الغوغاء والشعب، لا يمكن فعل شيء في الصراع السياسي او كما تسميه تلك المعارضة (الأزمة السياسية) يتوجب عليه ان يوضح أيضاً لماذا كانت تشبه وضعيتنا الْيَوْمَ وضعية العراق والفوضى الخلاقة التي أكلت الأخضر واليابس وحولت العراق الى مدن مدمرة وفساد وتخلف تحت الاحتراز الطائفي والعرقي والديني ؟!. عندما يطرح التوجه الوطني الديمقراطي العقلاني (الطريق الثالث) في هذا السياق (نحن أيضاً الشعب او نمثل أيضاً جزءاً من الشعب) لا يعني انه يتوجب الدفاع عن فهم حسابي محض (سواء كان هذا التيار / التوجه صغير في عدده او كبير) من المهم ان يتم إدماجه وقبوله من أي قوي سياسية تدعي الأغلبية. وتدعي الديمقراطية. يدرك الفاعلين السياسيين العقلانيين، ان (الشعب) كلمة خطيرة، وضرورة التمييز هنا بالكيفية التي تستخدم او تستعمل من طرف المواطن كما من طرف السياسي. فمن الخطر فتح هذا الباب المرعب من الادعاءات والخلافات والصراع والذي لا يوصل الى نهاية لمدى هذه الأزمة ان مفهوم الشعب حتى في صيغته الاندماجية يمكن توظيفه من أي كان سواء من المعارضة او ما يسمى الموالاة او من النخب الحاكمة تحت هذه الصيغة (الى الشعب ننتمي جميعاً ولدينا نحن أيضاً حقوق الشعب والى الشعب ننتمي. نحن كلنا الشعب، وليس من يدعون أنفسهم انهم هم الشعب من يساريين وليبراليين وطائفيين، وإننا نمتنع من استغلال كلمة الشعب ونمنع إقصاء نفسنا منه) هذا هو النقد الأيدلوجي والذي يمكن استنباطه مباشرة من مفهوم كلي للشعب. ان الدستور يسمح بسلسلة غير متناهية من التنقيح او المطالَب بالإدماج، اما الصيغة (الأصلية) التي تدعيها الجمعيات الشعبوية (نحن الشعب) ويجب التذكير هنا بان (الأصل) هو دائماً من طبيعة مثالية. في الدستور تظهر مقولة (نحن الشعب) ليس (ذات كبرى) توجد واقعيا خارج بنيات الدستور او في الصيرورة السياسية اليومية لكنها تظل كامنة فيه. ففي الدستور يمكن طرح السؤال حول الشعب وحقوقه وواجباته باستمرار. هنا صحيح ان السيادة بيد الشعب، لكن (هوية) الشعب ستظل دائماً موضع سؤال وستظل في حالة كمون (من هوية وطنية الى طائفية – قبلية الى مذهبية دينية) الخ. وهكذا تسمح الديمقراطية دائماً بطرح السؤال عن ( الشعب ) من جديد فالديمقراطية تظل نظاماً سياسياً ينتج باستمرار الخلاف المشروع ، ويسمح لتوجيه النقد من المؤسسات ومنها البرلمان ومن المبادئ الاساسية المتفق عليها ، فالديمقراطية المثال السياسي الوحيد الذي ينتقد عجزه عن تحقيق الاندماج الوطني والسياسي و ينتقد عدم المساواة مع الأخذ في الاعتبار ان هذه الديمقراطية تعاني أزمة تمثيل دائمة ، ولكن يجب ان ندعوا لاستمرار هذه التجربة حتى بهامشها الديمقراطي والمشاركة في انتخابات ٢٠١٨ ورغم الانتكاسة لتجربة برلمان ٢٠١٠ و ٢٠١٤ الا اننا يجب ان نشارك ونحاول حتى لو فشلنا في إيصال الوطني الديمقراطي العقلاني لكن يجب ان نعيد المحاولة تلي الأخرى وتحقيق ما يمكن تحقيقه وليس الواجب تحقيقه .
وحدهم الشعبويون من يريدون تقديم اجابة نهائية عن السؤال المفتوح والمكون للديمقراطية: ما الشعب؟ ان سلسلة المطالَب في احداث ١٤ فبراير (جمعية تأسيسية للإعداد لدستور انتقالي، وحكومة انتقالية وبرلمان انتقالي)، قد قطعت الصيرورة في المشروع الاصلاحي لسلسلة المطالَب بالاندماج والمشاركة السياسيين، والتي تم قطعها من طرف الشعبويين، الذين يدعون وبصورة نهائية – انهم وحدهم من يمثل الشعب الحقيقي ؟!. وانطلاقاً من هذا التحليل يمكن الحكم على تلك المشاهد التي عرفتها البحرين في العام ٢٠١١ وما حدث في دوار مجلس التعاون بان شعار (نحن الشعب)، وهو محاولة من كان يقود ذاك الحراك السياسي لسحب الشرعية من تحت اقدام نظام الحكم (الدستوري – مع هامشه الديمقراطي)، حيث كانت تعرف تلك القيادات الشعبوية بان شعار (نحن الشعب) الذي رفعته يملك طاقة (ديمقراطية) ثورية، وهي تعرف بان الاقلام الوطنية الديمقراطية التي شككت في ادعائهم التمثيل الحصري للشعب كانت تمثل خطراً كبيراً بالنسبة إليهم. ان الشعبوية لا تملك فقط – بوصفها (ايدولوجيا) – ( منطقاً) خاصاً بها، ولكن هناك أيضاً (ممارسة) خاصه بها. ان الأيدلوجيا والممارسة يلتقيان معاً لدى الشعبويين، ويسمحان لهم بشرعنة سياساتهم في لغة ديمقراطية ظاهرياً (كما عودتنا الجمعيات السياسية في البحرين)، وهي تملك في اعينهم بعداً أخلاقياً. ومن يريد ان ينتقد الشعبويين يجب عليه ان يفهم ويأخذ بجدية هذا البعد الاخلاقي لنظرتهم الى العالم. هنا يجب عدم الاكتفاء بالاعتقاد انه يجب فقط الاستدلال على نحو عقلاني واثبات زبونيه الشعبويين وفسادهم، من اجل كسب المعركة السياسية والأخلاقية ضدهم. ان التعامل مع الشعبويين يتطلب اسلوباً اخر مختلف عن هذا الوهم.
لا يمكن تحقيق تأثير سياسي إذا ما تم فهم الشعبوية بوصفها مرضاً (مرض اليسار الطفولي) فهو ليس مرضاً ولا لوثة عادية اصابت الجمعيات السياسية (المعارضة) يجب علاجها من طرف الفاعلين السياسيين. ذلك انه المطلوب فهم أعمق لأسباب الظاهرة الشعبوية، اضافة الى انه يجب الدخول في حوار ونقاش جوهري مع الشعبويون على نحو ديمقراطي، حتى لو كانوا ينزعون الى تبني سياسة غير ديمقراطية، وعدم الرد بخطاب شعبوي على الشعبويين. ولا الحديث في انه بإمكان شعبوية يسارية جديدة ان تقدم جواباً على شعبوية يمينية، او كما كانت تطرح الجمعيات السياسية في البحرين ان السياسة في البحرين تحتاج الى الشعبوية كحركة تصحيحية للمشروع الاصلاحي؟ ان الشعبويين كما ذكرنا سابقاً وبالذات في جمعية وعد يطلبون اختيار شعبهم من الكل الواقعي للسكان (من يقف فقط مع المظلومية) وهو نفس خطاب جمعية الوفاق المنحلة ؟! ويحددون – في المستوي الرمزي – من ينتمي الى الشعب (الوطن – الوطنية) ومن لا ينتمي اليه، وهنا يأتي الانتقاد انطلاقاً من ان الشعبويين يعمدون الى مضاعفة التمييز بين المكونات او الكلية الاجتماعية علاوة على الشرخ الطائفي الذي أحدثوه في المجتمع. من الناحية الديمقراطية والتي تدعيها جمعيات المعارضة يمكن الرد هنا ان أولئك الذين يتم إقصاؤهم من طرف الشعبويين مواطنون أيضاً؟ مع ان الشعبويين يردون على هذا الاعتراض بأنهم مواطنون (موالون طبالون مرتزقة الخ)، هنا من يمتلك حق المواطنة ومن لا يمتلكه لا يرتبط بما تراه هذه الجمعيات المعارضة. فمن أين أتت هذه الجمعيات بشرعية الاقصاء السياسي والوضع المعياري للتعددية ؟! اننا نعيش في عالم تحكمه معايير مقلوبة، اذ ان الشعبويين هم من يؤسسون لاختلاف اخلاقي رمزي بين من ينتمي الى الشعب ومن لا ينتمي اليه، وهنا يجب تجنب فخاً كثيراً ما يقع فيه خصوم الشعبوية: ذلك ان من يجد ان مشكلة الشعبويين تكمن في الاقصاء قد يقول هو الاخر (أنتم إقصائيون، لهذا سنقصيكم) علاوة على ان الشعبويين عندما يكونون في الحكم يلغون كل تعدد ولما يكونون في المعارضة يرفعون شعار التعدد؟ وهناك رأي يقول بضرورة إقصاء الشعبويين إذا بادروا بنهج سياسة تحريضية او الدعوة الى العنف والارهاب. ان السؤال يتمثل فيما إذا كان يجب إقناع الشعبويين في إطار النقاش الديمقراطي بالتنازل عن ادعاء التمثيل الحصري للشعب. وهل هناك إمكانية الدخول معهم في حوار ان هم اعترفوا بالأخر المختلف معهم؟ وهل يتم التشكيك في الفاعلين داخل المجتمع المدني الذين يرفضون الدخول مبدئياً في حوار مع الشعبويين. لان هناك رأي يقول بان من يريد ان يخرس الشعبويين يؤكد بذلك، وبسهولة أطروحاتهم التي تقول ان موالين النخبة القائمة لا يسمحون بالنقد، وان الشعبويين هم من يمثل القيم الديمقراطية – ومنها حرية التعبير. ان التعددية ليست قيمة مثل الحرية والعدالة والتي من دونها لا يمكن للهامش الديمقراطي ان يتحقق في مجتمع تم تقسيمه بشكل عامودي طائفياً. ان التعددية هي دائماً تعددية شيء ما كان تكون تعدد مصالح اقتصادية او أساليب حياة، واحترام التعددية في الديمقراطية يعني الأخذ بجدية تعدد مصالح المواطنين الأفراد وهوياتهم والمساواة بينهم ان التعددية امر مهم ولكن الاعتراف بها يتأسس على قيم مثل الحرية والعدالة.
أزمة التمثيل السياسي. هنا تختلف الآراء حول أسباب ظهور الشعبوية. ولماذا هناك إقبال مستمر على الشعبوية؟ وهل ما تعرضه الجمعيات الشعبوية من شعارات يشبع هذا الإقبال عليها؟ مثلاً لو جرت انتخابات ٢٠١٨ وعلى افتراض ان هذه الشخصيات او الجمعيات الشعبوية شاركت فيها يمكن ان تذهب أصوات الناخبين اليها؟ وماهي الارضيّة التي تستند اليها هذه الشعبوية، هل هي الطائفية السياسية والمظلومية؟ أم هي التركيز على البعد الاقتصادي (الاقتصادية) كما تطرحها وعد؟ بعض المراقبين للساحة السياسية (كما يطرحه عبيد عبيدلي في مقاله الْيَوْمَ في جريدة الأيام (الصمت السياسي الخاسر)) يربطون الأسباب بأزمة خاصة للتمثيل السياسي التي تعيشها الجمعيات السياسية. والتي لم تحل حتى اللحظة. والتي هي في (سقوط حر) كما عودتنا هذه الجمعيات منذ انطلاقة المشروع الاصلاحي وكما يرى عبيدلي انها ستكون خاسرة على مستوي التمثيل السياسي سواء في البرلمان او في المجتمع المدني؟ وستحكم على نفسها بالتلاشي من الحياة والحراك السياسي الجماهيري وبالتالي سيختفي كل المجهود الذي بذلته الحركة الوطنية في البحرين من اجل الحركة الدستورية والحريات الديمقراطية والتي كان لها دور كبير في ادماج مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية ما قبل المشروع الاصلاحي والتي سعت خصوصاً في فترة السبعينيات للوصول الى عديد من الطبقات والمجموعات الانتخابية، وأداء دور الوسيط بين مختلف الهويات والمصالح، وكما ذكرنا سابقاً لم تدعي او تطلب التمثيل الحصري للشعب. فجبهة التحرير. في البحرين حرصت على تأكيد اختلافها عن الجبهات والأحزاب الأخرى، فإنها كانت واعية انه في دولة تتميز بصراعات داخلية حول المصالح وتناقضات إيدلوجية، فانه يوجد مكان لأكثر من جبهة او حزب. بعكس نهج التقدمي الذي ألقي وشطب هذه الخلافات الفكرية والأيدلوجية المتناقضة ووضع بيضة في سلة الاسلام السياسي الطائفي ؟!! هنا لا يتوقف تشخيص أزمة التمثيل السياسي عند تفتت وتشرذم وتلاشي او حل هذه الجمعيات، يضاف لها ان نسبة الأعضاء في الجمعيات السياسية تراجعت بشكل دراماتيكي (وعد من ٧٠٠ الى ٣٠٠) حسب على صالح. علاوة على ان السؤال الانتخابي أي المشاركة من عدمها لازال كما يرى عبيدلي في المجهول ؟؟ وبالتالي هناك طبقات وفئات اجتماعية عريضة لن تجد من يمثلها ويطرح مطالبها ويدافع عن مكتسباتها علاوة على ان هذه الطبقات المهمشة او كما يقال الفقيرة تساهم مساهمة اقل في السياسة ولهذا لا تجد من يدافع عن مصالحها. ان الامر في انتخابات ٢٠١٨ بالنسبة للجمعيات السياسية أشبه بحلقة مفرغة، فالجمعيات قد فصلت نفسها عن المجتمع، وجمعيات وعد المنبر التجمع فقدت ثقة الجماهير لان هذه الجماهير تريد التخلص من الأبويات السياسية التسلطية، ليس فقط الجماهير بل أيضاً أعضاء هذه الجمعيات يريدون التخلص من هذه السياسة التسلطية؟ وهي المطالبة من قبل هؤلاء الأعضاء بان ترحل هذه (القيادات المأزومة)، علاوة على ان هذه الجمعيات لم تعد لها قدرة على تحقيق برنامجها السياسي او تفعيل نظامها الأساسي. وأصبحت جمعيات غير جديرة بالمسئولية ومشوشة ومختلة ولا تستطيع ان تلبي رغبات الأعضاء فما بالك برغبات الناخبين. علاوة على ذلك تنضاف الاطروحة التي تقول ان الجمعيات أضحت متشابهة من حيث مضامينها السياسية بشكل تام ؟! .
ضمن إطار هذا المنطق صعدت الجمعيات (الاحتجاجية) في مشهد كرنفالي سواء في الدوار او في بقية مناطق البحرين، ولكن لا يجب ان تعد أي جمعية سياسية (جمعية احتجاجية) على نحو اوتوماتيكي جمعية شعبوية. لقد شخصت التجربة البرلمانية مسخ الديمقراطية في ظل التوظيف المنقطع النظير للقوالب الطائفية (سنية / شيعية) حيث طغيان الطائفية الطبقة والتركيبة السكانية وعوارض دولة الرعاية الريعية وتزاوج الاصولية الدينية والجهادية المسيّسة والمجتمع الاستهلاكي – الحداثي في ظاهرة راس المال الرجعي المؤسلم والهيمنة على مؤسسة البرلمان في صراع تبلور على شاكلة (صراع الطائفية والديمقراطية) حيث تم تزييف الديمقراطية. فالأطروحة التي تقول ان المواطنين شاركوا بفعالية في السياسة، وان السياسة في ظل هذا الصراع بين الطائفية – الديمقراطية كانت تمتلك قدرة أكبر على الفعل. علاوة على الخطاب المرسل بان الجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين عملت بدقة وامانة ونزاهة على تحقيق رغبات المواطنين في تحملها المسئولية في البرلمان، كل ذلك لا يجد شيئاً يؤكده في الواقع. الواقع يقول بان جمعية الوفاق والجمعيات المنجرة خلفها قد علقت ومن ثم استقالة من البرلمان وشكلت برلمانها الطائفي في الشارع وفِي الدوار ؟؟؟؟ بخلاف ما كانت هذه الجمعيات تطرح عندما دخلت وشاركت في البرلمان انها تطمح لمشاركة أكبر للشعب في البرلمان؟ وهنا فان مبدأ سيادة الشعب تعرض للتشويه والشك فيه فما بالك السيادة البرلمانية. ف جمعيات التيار الوطني الديمقراطي؟ هي التي نصبت وفوضت أمين عام الوفاق الذي ركب موجة حق ووفاء وامل وهم من وضعوا كل السلطات في يده وبالتالي في يد المرجعية الدينية ممثلة في الشيخ عيسى قاسم. وهذا يفسر نوع المؤسسات (البرلمان) التي لم يتم اختيار المسؤولين عنها من قبل الشعب بل من قبل زعماء ورموز ومراجع دينية كالقائمة الإيمانية. من هنا تأتي المطالبة بسياسة أكثر بعداً عن الطائفية السياسية لان الطائفية وصلت عبر الديمقراطية الى السلطة التشريعية من هنا يأتي مبدأ فصل المنبر الديني عن السياسي وهذا يتأتى عبر حركة اجتماعية من خارج كل الجمعيات المعلنة والتي تعيش في أزمة عميقة للتمثيل السياسي. فهذه الحركة الاجتماعية أضحت ضرورية لان كل الجمعيات العلنية عجزت عن تقديم بديل واضح خارج إطار الطرح الطائفي والطرح الشعبوي لان زمنهم والتجربة التي قادت الى كارثة الدوار بوصفهم حماة للطائفية – الديمقراطية أصبح في موضع شك عميق او انقضى. والشعب صار خارج اللعبة الطائفية السياسية. ويجب ان لا نغفل الى ان تصور المجتمع عن نفسه أصبح ينزع للتغيير، والنظام السياسي اثبت قدرته على التكيف بما تسميه جمعيات المعارضة بالأزمة.
هنا يجب التفريق بين المنطق الداخلي للشعبوية ومضامين سياسة محددة توصف غالباً بأنها (شعبوية) فكلما استمر النظر الى العداء للأخر المختلف سواء كان هذا طائفة او وافد للبلد او سياسة حكومية على انه (موقف شعبوي) فلن نتمكن من معرفة ما الذي يميز اللحظة الراهنة (اللحظة الشعبوية). فهناك صراع مصالح يزداد شدة بين من يريدون الانغلاق على الطائفة – المذهب عبر التسيس والحشد والتعبئة لهذا الانغلاق ومن يريدون تبني سياسة الانفتاح والتسامح والتعايش. هذا الصراع الذي يهدف الى محاولة الاحتكار الفعّال لمصادر (السلطة والقوة والثروة) لكنه يمكن ان يتخذ شكل صراع حول (القيم) التي يجب ان تحكم المجتمع. والتناقض بين الانفتاح والانغلاق يزداد شدة وخصوصاً في ظل وجود العولمة وتعزيزها لدور الأقليات والطوائف والقبائل بدل ان تقوم هذه العولمة بتذويبها وتستخدم في سياسة هذا التعزيز كل إمكانيات الثورة العلمية التكنولوجية ووسائل التواصل الطائفي والقبلي والعرقي والمذهبي في تكريس هذه البنى التقليدية. هذا المستنقع الذي وقعت فيه كل الجمعيات السياسية في البحرين والذي تبلور على اساسه الشارع الشيعي / الشارع السني والذي تبلور على اساسه مشروع الدوار من اجل الوصول الى الاحتكار الفعّال لمصادر السلطة والقوة والثروة سواء عبر مؤسسات المجتمع المدني او مؤسسة البرلمان ما قبل احداث ٢٠١١ والحراك في الشارع عبر التظاهر والاحتجاج والاعتصام المفتوح في الدوار ومن ثم الاعتصام حول منزل الشيخ عيسى قاسم. بعد ٢٠١١. ان أنصار (الانغلاق الطائفي) والذين لم يجدوا اجماع لفرض سياستهم، يجب ان لا يتخفوا خلف استراتيجية شعبوية وبلغة عليهم ان يتجنبوا (تخليق الصراع) وفقاً للشعار ان اصحاب الانفتاح على الاخر وأنصار الاندماج الوطني يخونون الشعب او الطائفة سواء كانت سنية او شيعية ؟! هنا يتم فرض طابع ثقافي (ثورة ثقافية) على هذا الصراع ولون طائفي بدل ان ينظر له على أساس انه صراع بين مصالح؟ ولكن الا يتعلق الامر في الواقع (بالهوية الوطنية) والتي هي على العكس من المصالح الاقتصادية، لا يمكن المساومة عليها، الا يتعلق الامر حول الهوية الوطنية وصراعات حول القيم مثلاً قبول الاخر بمعني استقلاليته من دون ان اتخذه موضوعاً لشعارات وبذاءات من مثل طبال مرتزق سلطوي الخ كما عودتنا الجمعيات السياسية في البحرين؟! هنا لا يمكن التسامح مع من يصف الطائفة او النخب الحاكمة بأنهم (اجساد غريبة وغير اصليين في جسد الشعب) او حين ينشر الحقد والكراهية والإسقاط ضدهم، كما فعلت جمعيات الدوار؟! مما استدعي تشكل الفاتح والذي رفع شعار لتختار جماعة الدوار شعباً اخر حيث نزعت الشرعية والمشروعية الثورية التي يدعيها الدوار. ان ما هو خاص هنا تمثل في التسيس المتصاعد لمسألة الطائفية والمذهبية والذي هو بالطبع جزء من الصراع بين الاندماج والانغلاق، وهو ما يمثل نقطة خلاف حقيقية. فان المجتمع بتصويته على ميثاق العمل الوطني خلق نوعاً من (الاجماع المتسامح معه) المواطنون من الناحية المبدئية كانوا الى جانب الاندماج الوطني ولكنهم تَرَكُوا الحبل على الغارب لسياسيين ومراجع دينية قاموا بتخليق الصراع طائفياً مما مزق وحدتهم الوطنية الفتية.
كان السيناريو المرعب عندما استفاق الناس امام واقع (الدوار – الفاتح) وعلى صراع أخذ بعداً طائفياً حاداً سمي (بالشرخ الطائفي) قادته جمعيات طائفية سياسية تستغل الدين وجمعيات يسارية فضلت الاستقطاب والاصطفاف خلف الدوار ؟! حيث أنكر صراع (الدوار – الفاتح) كل على الاخر شرعيته السياسية وأصبح منذ تلك اللحظة لكل واحد من (الدوار – الفاتح) مشروعه عن (الشعب) وآخر مشروع أنتجه الدوار هو وثيقة المنامة. مبنية على الحمولة الطائفية والأخلاقية المغلقة الضيقة كاتجاه سياسي أساسي عند ذلك الدوار. مما ولد (حرباً) مستعرة في ان يهمش (الدوار – الفاتح) الاخر سياسياً. بالرغم من ان الدوار كان يطرح في كل مناسبة ولقاء مع الصحافة او في الواقع الافتراضي (بأن هناك أياد للسلطة خفية) تقف ضد مصالح الشعب ولعبت دوراً في بلورة هذا الشرخ الطائفي؟! هنا كما لو ان الامر (يتعلق بقوى فيزيائية) ان هذا السيناريو الذي عملت به جمعيات الدوار تمت التعمية من خلاله على (من هم أعداء الشعب ومن هم أصدقاء الشعب) وبأن المعارضة هي معارضة شيعية وبالتالي الشعب الذي أوجد الحراك هو (الطائفة الشيعية). وهنا تم استعمال مفهوم (الشعب) عند هذه الجمعيات لكي يرمي الى تحقيق (تعبئة إضافية) والى تأثير عاطفي طائفي أنجع باستخدامه مفهوم المظلومية ؟!. ان دخول الجمعيات اليسارية على الخط في هذا السيناريو كمقاولين سياسيين ومستشارين سياسيين وتحت شعار (لن ننعزل عن الحراك السياسي وسوف نثقف في الدوار من اجل تكوين قوة مهمشة كفاعل تاريخي). وفِي امكان هذا الفاعل التاريخي (الطائفية) ان تضع كل من النظام والسلطة والدولة موضع سؤال. لكن في حقيقة الامر ان الهجوم على النظام القائم كان جزء من (النضال) من اجل السيطرة (على مصادر القوة والسلطة والثروة) ومن يقدر ان يمسك بهذه السلطات في إمكانه تغيير الثقافة السياسية ككل وتغيير (الإدراك اليومي) على نحو أساسي لكن بالنسبة للجمعيات الطائفية السياسية التي تستغل الدين هو (تشييع الدولة والمجتمع او اخونة الدولة والمجتمع لدى الجمعيات الطائفية السنية) والتي كانت مهيمنة على الحراك السياسي هكذا تتحول الشعبوية في الجمعيات اليسارية الى عملية سياسية بامتياز، تساهم في بناء نحن (المنغلقة على الطائفة)؟! هنا تفهم السياسة (آلة لصنع الاجماع الطائفي) هنا تفهم (وحدة الشعب) على انها إقصاء لطائفة ونخبة حاكمة وعبر آلية دعم استمرار المخاوف الجمعية عند الطائفتين وضبابية الرؤية والنزعات الطائفية الرجعية على نحو نسقي وتحت شعار (ان ابقاء والحفاظ على الحراك السياسي يشترط ابقاء الطائفة تحت الوصاية).
اما الآلية الأخرى، تم توحيد الطائفة ومطالبها وتحت حجة لم تستطع النخب الحاكمة تحقيقها الى مطلب مركزي رمزي مستوحى من الربيع العربي (باقون حتى يسقط النظام) وهو الشعار الرئيسي للدوار. وهو مطلب لا تستطيع الدولة أي دولة تحقيقه بوسائل ادارية، مما تسبب في صراع أخذ شكل (التحدي من قبل الدوار والمواجهة من قبل النظام)

المرجع:

  • كتاب “الصراع الطبقي في سوريا”، للكاتب: سلامة كيلة.
  • كتاب “ما الشعبوية”، للكاتب: يأن فيرنر مولر.