في مسألة طائفية الدولة

ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي كان المسرح الذي تحددت على خشبته مرحلة الانتقال الى الانفراج السياسي والهامش الديمقراطي. معلمه الاول هو الانتقال السلمي الى هذه المرحلة ومعلمه الثاني هو بلورة حياة دستورية وحريات عامة للانتقال الي دولة المؤسسات والقانون (المملكة الدستورية)

تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم عبر تحويل مفهوم الرعايا الى مفهوم المواطنين (المواطنة). ومعلمه الثالث انها كسرت الرأي الذي يقول بأن المنطقة الجيوسياسية التي تقع فيها البحرين هي منطقة محظور عليها التغيير والتطور والتقدم والحداثة والعلمانية، وان اجراء اي تعديل على أوضاعها مهما كان شكله او حجمه لن تقبل به الدول الاخرى خلافاً لمصالحها وحساباتها، وان اي تغيير في البحرين لن يتم دون صراع او مواجهة مع تلك الدول بما في ذلك التعديلات المتمثّلة في المطالبة بنظام دستوري حقيقي وحريات ديمقراطية. في هذا السياق تكون البحرين قد لحقت بالبلد الخليجي الاول الكويت الذي مر منذ سنة ١٩٦١ بتجربة ديمقراطية جادة. حيث أصبحت البحرين بمثابة عيناً مجهرية او عدسة مكبرة لتجربة الصراع بين تلك الوثيقة السياسية والمشروع والطائفية المسيّسة. حيث طغيان الطائفية على الطبقة والتركيبة السكانية. هذه الأهمية المزدوجة للبحرين تمنح المراقب للتحولات السياسية فيها رؤية اليات تكيف الأشكال التقليدية من التنظيم والانتماء والتفكير المتمثّلة في الطائفية، مع مطالب الديمقراطية والدستورية والمجتمع الاستهلاكي -الحداثي. هنا عن اي طائفية يتم الكلام؟ هل هي الطائفية التقليدية أم هي شيء اخر؟ ان وجود الطوائف كان ينظر لها في مركب او بنية (الطائفة – الدولة) وهذا منظور وفهم سطحي وجدناه مؤسس لدى كل الجمعيات السياسية في البحرين. مما جرها الى الاستنتاج ان الطائفية هي خاصية المجتمع في البحرين والانتماء والولاء يكون عبرها ؟! اما الاندماج الوطني عبر طبقات او الانتماء والولاء الى مملكة حديثة هو خاصية المجتمعات المتقدمة. بينما الدراسات النقدية تقول ان الطائفية هي في الأساس (مبدأ)تنظيمي، وهي (رابطة موحدة الغرض) و (تمثل عقلية عامة) مستمدة من الانتماءات والولاءات المنغرسة في أعمق اعماق وجدان الطائفة، وهذا ما تم تعزيزه في المشروع الاصلاحي من قبل كل الجمعيات وبالذات الجمعيات الطائفية السياسية الاصولية. حيث تخفت هذه الطائفية عند البعض الاخر من الجمعيات (اليسارية) وظهرت بشكل واضح في دوار الكارثة، كُما انها تلونت بألوان الطبقات (الطبقة العاملة -البورجوازية بكل تلوينها) في القرى كما في المدن.

الطائفية والنظام الطائفي.

 هناك لَبْس في فهم العلاقة ما بين الدولة او النظام والطائفة التي تحكمه او كما ترى الجمعيات الطائفية السياسية ذلك؟ فمنذ انطلاقة المشروع الاصلاحي بات التغيير في البحرين يختزل فيما يظهر على السطح وبالذات في احداث كارثة الدوار من صراع بين القوى الأصولية–الجهادية والنظام، والذي بات الكثير من الجمعيات لا يميلون فقط بل يؤكدون انه نظام طائفي ؟! وبالتالي تبلور الصراع على أساس انه صراع طائفي؟ إذن الشعب والتغيير باتا في خبر كان. بعض من الجمعيات اليسارية كان يقول ان التغيير بدأ بمطالب مشروعة وانتهي كصراع طائفي ؟! والبعض الاخر يعد انها اي الجمعيات المعارضة كانت منذ البدء طائفية الشكل والجوهر؟ وجمعيات المعارضة الطائفية الشيعية عدت ما جرى انه ثورة شيعية ضد نظام سني؟ ما المنظور الذي يحكم النظر لما جرى من صراع منذ ان تم الاستفتاء على وثيقة ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي؟ هل هو منظور طبقي؟ ام منظور سياسي؟ ام منظور ديني؟ في المنظور الطبقي لا بد من تحديد طبيعة السلطة طبقياً او إذا كان هناك حلف طبقي (العقاريين الجدد -الملاكين العقاريين -البورجوازية التجارية -البورجوازية البيروقراطية في المراكز العليا الخ) والتي تنفذت سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في المشروع الاصلاحي. وتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية السنوي يظهر حجم تنفذ تلك الشرائح وتأثيراتها على المال العام هذا هو جوهر السلطة الطبقي. في المنظور السياسي هو (نظام دستوري -ديمقراطي) استطاع من خلاله المجتمع المدني ان يشكل جمعياته السياسية والاتحادات العمالية والنقابات العمالية والمهنية والجمعيات المهنية الخ. وفِي المنظور الديني كانت ترى الجمعيات الطائفية السياسية ان من يحكم هي الطائفة السنية، وبالتالي هي تمثل طائفة وتعبر عنها لكي تحكم الأغلبية الشيعية. ولكن هل يسمح ذلك بالقول ان السلطة او النظام او الدولة هي سنية ؟؟ كل الجمعيات السياسية بما فيها اليسارية في منظورهم نلمس المنظور الديني هو الحاكم؟ بالرغم ما تقوله وتدعيه هذه الجمعيات من خطاب مغاير لذلك. وكما تمت الإشارة الى انه إذا كان المنظور طبقياً يمكن تحديد طابع السلطة كسلطة طبقات وهو التحديد النظري من منظور يساري. وإذا كان المنظور سياسي يسهل التحديد حيث هو نظام دستوري -ديمقراطي وهو منظور يقترب الى اللبرالية. اما حين ترى هذه الجمعيات السلطة ك (نظام طائفي) يكون المنظور الذي تنطلق منه هو المنظور الديني. هذا هو أساس الموقف لدى جمعيات الاسلام السياسي الشيعية والسنية والتي لا ترى الاخر الا من منظورها الديني فهي ترى المجتمع شيعة أغلبية وسنة أقلية دينية طائفية، ولا تستطيع رؤيته خارج ذلك. وحينما حددت الجمعيات اليسارية. او القومية النظام بانه طائفي، يكونوا قد وقعوا في نفس الأشكال؟ من هنا تبلور الشرخ الطائفي حيث ترى جمعية الوفاق وجمعية الاخوان المسلمين كمثال كل منتمي لطائفة هو الاخر خصم وطائفي حين تتصاعد الاحقاد والكراهية، اي ان الانتماء الموروث كاف للتوصيف وهذا المنظور أخذت به الجمعيات اليسارية، لهذا اتى القول بأن النظام سني؟

مع الانتهاء من فترة التسعينيات والحراك السياسي الذي اتخذ شكل معارضة بأسلوب العرائض الشعبية بمبادرة من تحرك اليسار دخلت عليه قوى طائفية نسبت ذلك الحراك لمصلحتها. ومع صياغة الوثيقة السياسية ميثاق العمل الوطني والبدء بالمشروع الاصلاحي، كان من المفترض ان تكون المهمة الملحة لدى اليسار ان يقوم بالتمييز بين الطائفة والطائفية حتى ينزلق الي الطائفية بالتنسيق والتعاون والتحالف مع جمعيات طائفية سياسية تستغل الدين. لان الطائفة ترتبط بوجود تاريخي، وأصبح لها وجود متمايز في المجتمع القائم من الزاوية الدينية. وكانت التطورات التي حدثت منذ الخمسينيات تلغي مسألة ارتباط العلاقات بالدِّين لمصلحة الوجود الاجتماعي ذاته. بالتالي تشكل وجود اجتماعي واحد، احتوى تمايزاً دينياً طائفياً (من الشيعة -السنة) ربما حوّى بعض من الاحتكاكات في العقود السابقة لكنه كان مترابطاً (الوجودالاجتماعي) في وضع قروي كان مشتتاً ومدينياً متوافقاً. هذا الوضع الاجتماعي تحول الي الطائفية مع تبلور المشروع الاصلاحي اي في اللحظة التي أصبحت الأيدلوجية (العقيدة) هي أساس العلاقة مع الآخرين المختلفين، حيث أصبح الواقع السياسي يعبر عن التمايز الواقعي أيدلوجية ترفع من شأن الطائفة، وتؤسس للتضاد مع الآخرين، عندها غدت (عقائد الطائفة عبارة عن مشروع سياسي للسيطرة (مشروع دوار الكارثة) والذي تحول الي صراع مكشوف مع الاخر. عندها تم إشعال كل التراث الديني والطائفي الذي يعزز هذه الطائفة ويحرض ضد الطوائف الاخرى، اي الميل لفرض سلطة في الدوار باسم الطائفة. واستناداً لموروث صراعي قديم؟ وهو المنظور عند جمعيات الاسلام السياسي الوفاق العمل الاسلامي الاخوان المسلمين والسلف والذي انجرفت خلفهم الجمعيات اليسارية؟ فهي قوى قائمة على أساس ديني وتحدد إلانا والآخر على هذا الأساس، بغض النظر عن طابع العلاقة مع الاخر. سواء أخذت شكل (تنسيق، تعاون، عمل مشترك، تحالف) حيث ان البعض يدفع هذه العلاقة نحو العنف والتصفية لو نجح مشروع الدوار كما حدث للجنة العريضة في التسعينيات ؟! او ان يتم اخضاع الاخر كما فعل ائتلاف ١٤ فبراير عندما اخضع كل الجمعيات الاخرى بما فيها اليسارية لأجندته السياسية وتم تحويل الجمعيات اليسارية الي ذيل لها ؟! وأخيراً الطائفية تتسم بالانغلاق والتعسف ورفض الاخر، لهذا تتحول الى أساس الصراع السياسي لدى القوى التي تتأسس انطلاقاً منها. فهل النظام يستند الي أيدلوجية (عقيدة) طائفية؟ كل ما تشير له القوى الطائفية هو ان بنية السلطة والمراكز الاساسية فيها هي بيد السنة؟ لكن هل المنظور الذي يحكم هؤلاء هو المنظور العقائدي للسني؟ وبالتالي تتحدد علاقتهم بالمجتمع انطلاقاً من انه سني؟ لماذا تنتشر المأتم والحسينيات والجوامع والحفاظ على علاقة متينة مع المؤسسة الدينية الشيعية ومن ثم الجمعيات الطائفية السياسية الشيعية؟ ولماذا كان الشيعة جزء مكون أساسي للحلف الطبقي الذي أشرنا اليه سابقاً، اي بغض النظر عن الجانب الطائفي؟ كما نلاحظ بان المنظور الطائفي يتجاهل كل ذلك ويحصر السلطة ب (العائلة) و (البنية الصلبة). بمعني ان ليس العقيدة السنية هي التي تحكم منظور السلطة.

هنا هل يمكن التشكيك بطائفية الجمعيات السياسية الطائفية التي تستغل الدين؟ هذا سؤال أصبح ملحاً بعد ان فشل مشروع دوار الكارثة والذي حمل شعار المعارضة الشيعية (باقون حتى يرحل النظام) حيث انتقلت الجمعية الطائفية السياسية الام جمعية الوفاق الى نزع صفة الشيعية والمذهبية عنها، بل وبالغت بطرح شعار الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. من يدرس وضع الأحزاب او الجمعيات السياسية التي سيطرت فئات قروية او فئة رجال الدين او الملالي عليها، سواء باسم الدين او القومية يجد انها تنحكم (لمرجع ديني) او (لديكتاتور) والذي بدوره يعتمد في مفاصل السلطة في الحزب او الجمعية على (بيئته) او (الحاضنة) اي المناطق القروية او كما حاولت الجمعيات الطائفية ان تسميها بلدات قياساً على تسمية حزب الله اللبناني، اي مناطق وجهات ينتمي اليها المرجع (الدراز)، هنا يتم الاعتماد على الثقة ب (البيئة) وليس بأي شيء اخر. العلاقة المباشرة مع البيئة هي أساس الثقة. بالتالي يبدأ التوسع عبر العلاقات القروية القريبة، لهذا لا يثق القروي ببيئة لا يعرفها حيث (قريته هي كل عالمه) الامر الذي يؤدي الى تشكيل نواة هذه الجمعيات من هذه البيئة، ففي القري يسقط الترابط الديني لمصلحة الترابط العائلي. وفِي علاقته بالمجتمع، يتغلب الترابط المناطقي والجهوي، خصوصاً امام الحدية القائمة بين القري والمدن، والرفض المديني للقرى وتعاليه عليه. ومن يدرس الصراع الذي جرى في (المجتمع الوفاقي) والانشقاقات سيلمس تصفيات حدثت في هذا المجتمع الوفاقي (جمعية الوفاق) حيث تم تصفية التوجه المديني فيها (توجه التجار والتكنوقراط نزار البحارنة الخ) اولا وبعده التوجه الذي لديه موقف من ولاية الفقيه (حق) لتصفى هذه الجمعية (المجتمع الوفاقي) وعبر اعادة تشكيل ميزان القوى والتحالفات لتكرس توجه (ولاية الفقيه) حيث لعب المرجع دور أساسي في ترتيب وصياغة السلطة في هذه الجمعية وفق (ثقته) ليؤسس نظاماً أبوياً دينياً اساسه بيئة العلاقات التقليدية. وهذا ما جعل الانتماء المناطقي او الجهوي او (الطائفي) هو المؤسس لمجلس شورى الوفاق وللأمانة العامة فيه. وبدخول هذه الجمعية صراعاً مع ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي سنلمس استغلال الكثير من القيادات والفئات الاجتماعية المكونة منها هذه الجمعية لتحقيق المصالح الطبقية أكثر مما نلمس الارتباط الطائفي، وان كانت العلاقات الطائفية تستغل لتحقيق ذلك. وهذا نلمسه بشكل واضح في العراق حيث سلطة الأحزاب الطائفية والمذهبية وظاهرة الفساد الذي استشرى فيها كالنار في الهشيم. بمعني ان الطائفية تستخدم وظيفياً دون وجود منظومتها الأيدلوجية (الطائفية) التي تسترجع عند الضرورة (هنا مع بداية احداث ١٤ فبراير ٢٠١١) من اجل تمتين الارتباط بمشروع يهدف للاستحواذ على السلطة. وهنا تم التعبئة والحشد واستثارت (الشعورالطائفي) لدي الطائفة لكي تضمن ولاءها وهنا يطرح البعض هي إذن ليست طائفية، لكنها تستخدم الطائفية، لكي تحمي السلطة التي تنشدها عبر الانقلاب الذي يعبر عن حكم الملالي المستبد الظلامي. الطائفة بالنسبة لها اداة حماية هذه السلطة المنشودة وليس السلطة هي ممثلة الطائفة، هكذا بالضبط لكي تكون طائفية.

على الصعيد العملي هناك ممارسات طائفية قامت ما بين الجمعيات الطائفية السياسية السنية والشيعية، كما حاولت الجمعيات اليسارية ومنها المنبر التقدمي لكي تغطي على انجرارها خلف مشروع الدوار الكارثي ألمحت الى ان النظام يستغل السنة عبر التخويف الطائفي من طائفة اخرى، لكي يغطي المنبر على الشرخ الطائفي الذي احدثته هذه الجمعيات في المجتمع ولكي يغطي على الحقد والكراهية الذي نتج عن الممارسات التي أخذت بعداً طائفياً في تلك الأحداث. هل يمكن القول بأن الصراع هو صراع طائفي؟ ام ان الصراع هو صراع شعب يريد إصلاح النظام عبر المؤسسات ومنها البرلمان نتيجة أسباب اجتماعية واقتصادية وديمقراطية هذا كان خارج نطاق الممارسة والخط السياسي والنهج الذي مورس من قبل كل جمعيات الدوار. الصراع الطبقي تلوث بأشكال من الصراعات (ما قبل حديثة) و (ما قبل المدنية) و (وماقبل الوطنية) مثل الطائفية او الدينية لكنه يبقى صراعاً طبقياً. ولهذا لا بد من تلمس جوهر الصراع في المشروع الاصلاحي والأساس الذي يقوم عليه، لكي يكون ممكناً فهم الأشكال التي يتخذها هذه بديهية في الجدل المادي. ذلك انه حين يتم توصيف نظام سياسي يصبح من الضروري الانطلاق من التحليل الملموس للواقع الملموس لكي يتم فهم بنيته والمصالح التي يمثلها، ومن ثم الشكل الأيدلوجي الذي يستخدمه هذا النظام من اجل فرض الهيمنة على المجتمع ومن هنا لا يمكن ان نعد بان الدولة تنحكم لنظام طائفي. فالدولة بحسب الفكر اليساري هي اداة الطبقة المسيطرة وليس الطائفة المسيطرة.وقياسا على ذلك فأن الدولة المنشودة من قبل الجمعيات الطائفية هل هي دولة ذات طابع طائفي؟ اي تنحكم اليه؟ كما يشير الى ذلك مهدئ عامل في كتابه (في الدولة الطائفية) (ليست الطوائف طوائف الا بالدولة) و (الدولة هي التي تؤمن ديمومة الحركة في اعادة انتاج الطوائف كيانات سياسية) (لهذا فالطائفية هي الشكل التاريخي المحدد الذي تُمارس فيه البورجوازية سيطرتها الطبقية) من حيث ان مشروع الدوار كان ينطلق من (توافق)على تقاسم (محاصصة) سياسي ووظيفي بين الطوائف ومن هنا تنشأ الدولة كدولة طائفية، اي تتركب من تقاسم مسبق بين الشيعة والسنة. هنا طرح مهدى عامل لا يعني انحكام الطوائف للايدلوجية الطائفية عندما تحكم. وبالتالي فأن النظام الطوائفي (القائم على تقاسم على أساس الطوائف بين أقسام من فئة رجال الدين او الملالي مع أقسام البورجوازية في إطار سيطرتها على الدولة وهو بالتالي الشكل المحدد الذي تُمارس فيه فئة رجال الدين او الملالي والبورجوازيات سيطرتها الطبقية. في حال تشكلت البحرين ضمن إطار المحاصصة الطائفية. هذا هو توصيف مهدئ عامل يسهم في تفكيك الأيدلوجية التي تريد ان تحكم بها فئة الملالي او رجال الدين بها ومن اجل فك العلاقة بينها وبين الطوائف بهدف تأسيس الصراع على اساسه الطبقي.

 لقد حاولت جمعيات الدوار بعد فشل مشروع الدوار وفِي ظل السياسات الاقتصادية التقشفية من رفع الدعم عن السلع وزيادة أسعار السلع في الفترة الاخيرة من ان تصدر خطاباً سياسياً من ان النظام وبشكل مدروس في احداث الدوار جعل من الطائفة السنية احتياط للسلطة واستخدمها في مواجهة (الفاتح-الدوار)، وان الطائفة السنية تحولت الي الاعتماد الكامل على النظام، والتماهي معه كأنه نظامها. يظهر من استنتاج تلك الجمعيات بأن (النظام) يريد استخدام الطائفة كأدوات، وهذه لا تعبر عن (طائفية) بل تشير الي عكس ذلك لان المنظور هنا هو حماية وثيقة ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي والسلطة الطبقية. وأكثر ما يمكن ان يقال هنا انها استثارة (غريزة الطائفة) لكي تدافع عن هذا المشروع الاصلاحي. ان استخدام النظام لطائفة او منطقة او قبيلة لا يعطيها سمة الطائفية او القبلية او الجهوية، بل يوضح الاليات التي تستخدمها من اجل الحفاظ على وثيقة ميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي وبالتالي الحفاظ على السلطة. اما بالنسبة لتماهي الطائفة مع النظام هذا يتعلق بالسياسات والممارسات التي قامت بها جمعيات الدوار والقوى الإقليمية إيران هنا والتي كانت تصب في مجرى واحد هو اخافة الطائفة، وتخويفها وبالتالي التصاقها بميثاق العمل الوطني والمشروع الاصلاحي خشية (الخطر الاصولي والجهادي ممثلاً في جمعية الوفاق وائتلاف ١٤ فبراير بما يحاكي التجربة العراقية. لهذا ليس صحيحاً الاستخلاص   بأن ( الطائفية في البحرين ليست  افتراء بل هي قائمة في نظام الحكم ) ، لان هذا الاستخلاص لا يميز بين ( التكوين الطائفي ) واستخدام الطائفة ، حيث ان غير الطائفي يمكن ان يستخدم الطائفية ( كما فعل الاستعمار البريطاني في البحرين سياسة فرق تسد ) اما التكوين الطائفي ، فهو يتعلق ب ( قوة تتأسس على أساس ادعاء تمثيل طائفة كما فعلت ومارست جمعيات الدوار ، وبالتالي رفض الطوائف الاخرى مستخدمة ايدلوجية هي الاتكاء على موروث الطائفة ( تصعيد للوعي التقليدي والحشد والتعبئة والانغلاق على الطائفة ) هنا الطائفية التي تفرض الانغلاق ورفض الاخر ، والتعامل معه كعدو من منظور طائفي ديني ، وهذا غير موجود لا في ميثاق العمل الوطني ولا المشروع الاصلاحي ولا في السلطة . فقد أدى تركيز جمعيات الدوار مع انطلاقة مشروعهم الإنقلابي في ٢٠١١ على إظهار الصراع في شكله الطائفي الى ردود فعل طائفية واوجد شكلاً من الاحتقان الطائفي لدى بعض القطاعات المجتمعية وانتهي بالشرخ الطائفي. ان النخب السياسية في جمعيات الدوار باتت تبرر طائفيتها بالتركيز على وصم السلطة بالطائفية والتي باتت تمدها الى كل الطائفة بالرغم من انهم اختاروا كلمات مثل (الموالاة) كما فعلت وعد. طبعاً كان واضحاً في كل الحوارات والنقاشات سواء في داخل جمعيات المعارضة او في العالم الافتراضي والتي كانت تدور حول (طائفية النظام) ان الرد هو التأكيد على (شيعية ثورة ١٤ فبراير) والميل للتبرير ولدعم القوى الاشد طائفية ائتلاف ١٤ فبراير) التي تحسب على تلك الثورة وتصعيد الخطاب ضد (الموالاة) ككل وليس ضد النظام وحسب. وبالتالي تعميق الشرخ الاجتماعي وتحويل الصراع الى صراع شيعة ضد سنة وهنا تتم المساواة بين النظام والسنة فالقول بان النظام طائفي يعني في سياق النقاش ان النظام يعبر عن الطائفة، وأن كل الطائفة هي مثل النظام وبالتالي النظام يخوض صراعاً طائفياً ضد الأكثرية الشيعية. وهذا مجاف للواقع. وهذا تحديد هزلي، لان الامر يتجاوز ذلك الى المصالح والسياسات كما ذكرنا ذلك من قبل وجود الطائفتين في الحلف الطبقي. كما ان عناصر النظام لا تتمسك لا بالدِّين الاصولي ولا بالطائفية، وهذا هو الفرق بين بنى السلطة والبنى الطائفية التي تدافع عنها.

المرجع: الصراع الطبقي في سوريا، للكاتب سلامة كيلة.