مدخل للانتقال للمشروع الاصلاحي

تختلف هذه الورقة عن الورقة التي قـُدمت كحلقة حوارية في المنبر الديمقراطي التقدمي في 2009 إلى التركيز على مسيرة صيرورة الانتقال التي باشر المشروع الإصلاحي بها عبر وثيقة الميثاق الوطني للانتقال من النظام التسلطي جاعلاً منه السؤال المركزي لهذه الورقة على احتمالات بناء سياسات ديمقراطية على ضوء الانتقال من النظام التسلطي حيث يوفر موقعاً ممتازاً ينظم العلاقات بطرق مؤسساتيه للممثلين السياسيين لكافة القوى الفاعلة السياسية في البحرين.

–         وهي توضح الأهمية الحيوية للقيادة السياسية ودور الأفراد في المسار التاريخي المعقد الصيرورة التاريخية للمشروع الإصلاحي تشير مرة تلو المرة إلى أهمية التوقيت والارتقاء والاستمرارية في طرح المطالب نتيجة تعقيدات المسيرة التفاعلية التي تجري في فترات شمولية والطرق والأساليب المختلفة التي تنتج عنها انفجارات سياسية مفاجئة خلال العملية الانتقالية وما يصاحبها من السخرية والتناقض الذي يتأتى عنها، فالتاريخ كما يكتب كارل ماركس لا يعيد نفسه إلا بشكل سخرية أو بشكل مأساة بائس وفوق ذلك كله تـُحلل القضايا بالأساليب أي الطرق التي تساهم من خلالها الظروف التاريخية في رسم وتحديد الانتقال من الحكم التسلطي الخاصة بتجربة البحرين والمصاغة بطريقة يمكن التنبؤ بها من خلال دراسة الطريقة التي إنهار بها الحكم التسلطي مع انبثاق المشروع الإصلاحي وبتلاقي الإرادتين الملكية – الشعبية ومن خلال أيضاً طبيعة ومدة النظام السلطوي السابق على المشروع الإصلاحي وبهدف الحصول على الشرعية من خلال الاستفتاء على وثيقة الميثاق الوطني ومعالجة التهديدات والمعوقات التي واجهته منذ انطلاقته أي المشروع الإصلاحي مثلاً التعديلات الدستورية، قانون الجمعيات السياسية، شكل ومحتوى التجربة البرلمانية الوليدة…إلخ. وكيف بادرت النخب الحاكمة في التصدي لذلك؟ وكيف واجهت ذلك القوى السياسية والقوى الاجتماعية الفاعلة على الساحة البحرينية وما هي درجة الأمن والثقة بالنفس التي تمتعت بها النخب الحاكمة وما هي الثقة والكفاءة التي تمتع بها الداعون إلى فتح المسيرة السياسية سواء في النخب الحاكمة أم فيما يسمى بالمعارضة، كما أن الحساسية التي أظهرها الداعون للتغيير حيال المعضلات والخيارات التي تواجهها المجموعات المعارضة الداعية للتغيير تحتاج إلى مقارنتها بالخيارات والتقييمات التي اتخذها أولئك الذين هم داخل النخبة الحاكمة الذين سعوا للتغيير ودعموا توسعته بحيث يتم كشف من هم المعتدلين ومن هم المتشددين سواءً في النخبة الحاكمة أو في ما يسمى بالمعارضة أو في أي من القوى الاجتماعية المتواجدة على الساحة وتشارك في الحراك السياسي – الاجتماعي.

–         أن قضية الانتقال من الأوتوقراطية حكم الفرد أو القلة المطلق و الاستبدادي يتسع لدراسة العديد من المتغيرات المختلفة بحيث لا يرى إلى من أطلق المشروع الإصلاحي للانتقال من الحكم التسلطي على أنه حجر مفرد كما أنه لا ينظر إلى القوى التي تدعو إلى الديمقراطية على هذا الأساس حيث يجري التمييز بين الديمقراطية والثورة بين الانتقالية والتوطيد أو التعزيز بين المتشددين والمعتدلين داخل التحالف الذي يقود المشروع الإصلاحي والمتطرفين والمعتدلين والانتهازين في صفوف داعمي التغيير نفسه هنا هل أن المشاركين الرئيسيين في عملية الانتقال وتأثيراتهم المهيمنة على كل القضايا المطروحة في مسيرة الانتقال خلال المشروع الإصلاحي كانت وطنية – ديمقراطية أي على أن ينتقل مشروع بناء الوطن إلى أن يصبح قضية الدولة وأيضاً كبداية للمشروع التنويري النهضوي حيث أنها تظهر أهمية المؤسسات والقانون سواء في من كان يقود المشروع الإصلاحي أو من يعارض وأيضاً إجراءات ومنتديات الوساطة التي تجعل من قواعد المعالجات السياسية شرعية وذات مصداقية في فترة التغيير.

–         وتهدف هذه الورقة إلى تنمية فهم مشترك لدواعي التحول الديمقراطي في البحرين والعقبات التي تحول دون تأسيس وتعزيز الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والبيئية وخصوصيات هذه التجربة عبر الانتقال من خلال المشروع الإصلاحي واستشراف مستقبله وإمكانية القيام به. وذلك عبر محاولة إثارة التفكير عن طريق طرح ما يمكن طرحه من أسئلة وتساؤلات وحول طبيعة التغيير وتناقضاته الداخلية الأساسية والثانوية في مرحلة الانتقال التي سوف تحدد مستقبل البحرين لسنوات قادمة وكل ذلك بعيداً عن تطبيق مفاهيم جاهزة ومستقرة اقتصادية- اجتماعية – ثقافية أو حزبية أو على التشخيصات والتحليلات والتقييمات الجاهزة لهويات طائفية – قبلية – عائلية أو استراتيجيات أولئك الذين يدافعون عن الوضع القائم أو أولئك الذين يعملون أو ينشطون من أجل إصلاحه أو تحويله حيث أن هذا كما سنذكر بعد قليل في تحليل مفهوم الانتقال لا يناسب أوضاعاً متغيرة بسرعة حيث تتدفق عوامل النشاط السياسي باستمرار.

–         هنا سيتم التركيز على أن حل التناقضات والصراعات بين القوى الاجتماعية الصراع الطبقي على أرضية العمل السلمي وليس عبر العنف حيث تمثل الديمقراطية المنهج الوعاء الأمثل لحل هذه الصراعات على أساس أنها ليست مذهب أو عقيدة أو دين أو طائفة تصارع مذاهب وعقائد أو ديانات أو طوائف أو قبائل أخرى وعلى أساس فشل الشكل الطائفي السياسي والقبلي السياسي لحل الصراع الطبقي بالطرق وأساليب التعبير والمبادئ والقيم والمؤسسات الغير ديمقراطية وعلى جر الجماهير في تقبل ثقافة التحول الشامل من حالة الانفعال إلى حالة الفعل بالتاريخ.

–         يأتي هنا تحليلنا لمشكلات التغيير التجاوزي تجاوز مرحلة الشرخ الطائفي والانقسام أو الاستقطاب الطائفي السياسي تعبيراً ليس فقط عن دور اليسار التقدمي بل متصلاً برغبة الجماهير بضرورة تجاوز أوضاعها وتجاوز إحباطها السائد لكي تحقق طموحها وتقرر مصيرها الوطني وليس الطائفي – القبلي، والاحتفاظ بحقوقها ومكتسباتها الأولية أي الانتقال من مرحلة الانفعال إلى مرحلة الفعل بالتاريخ ومن مرحلة التأقلم والتوافق مع الواقع إلى مرحلة صنع التغيير الشامل وبذلك يصبح لليسار التقدمي وللجماهير محور وإرادة ورؤية في فهم المجتمع البحريني وتغيره في آن معاً.

–         ثمة اتفاق في الأدبيات السياسية والسوسولوجية المعاصرة في وجود ثلاث مدارس (مناهج) أو مقاربات لتفسير آليات الانتقال إلى الديمقراطية وهذه المدارس – المناهج هي مدرسة التحديث تتميز بالتركيز على نشوء ولاء وطني يتوافق مع وجود قبول المؤسسات السياسية القائمة والتسليم بشرعيتها في اتخاذ القرارات الحاسمة وينبثق هذا الولاء كما تنمو ثقافة القبول بالشرعية السياسية مع بروز مؤشرات تدل على إطراد نمو دخل الفرد وانتشار التعليم وتحسن مطرد في الوضع السكني – الصحي للمواطنين، وتحاول المقاربة التحديثية وفقاً لذلك تحليل عوامل نمو الهوية الوطنية المشتركة في ظل دولة مؤسسات تؤكد على أولوية الولاء للأمة مقابل أو بالضد من عناصر التفريق والانقسام والاستقطاب “الطائفية – القبلية” = “الانقسام العمودي” أي أن نمو الهوية الوطنية المشتركة في ظل الدولة التحديثية العصرية – المدنية يؤدي إلى إضفاء الشرعية وقبول وجودها وحول حقها أو أحقيتها في ممارسة السلطة وتطبيق القانون مما يؤدي إلى تزايد وتيرة النمو الاقتصادي الذي يؤدي إلى ارتفاع الدخل وتحسين مستوى المعيشة مفضياً بالتالي إلى توسيع قاعدة الطبقة الوسطى مما يساعد على التحرك نحو الديمقراطية وتثبيتها وتعزيزها.

–         المدرسة البنيوية: تعتمد على المنهج التاريخي المقارن المستمد من كارل ماركس حيث يركز على التحليل البنائي والعلائقي فهو يفترض أن البناء الاجتماعي في نهاية الأمر ما هو إلا شبكات متصلة ومتواصلة من العلاقات الاجتماعية في الإنتاج، السوق ، السياسة، الاتجاهات النفسية، علاقات القرابة ، حيث وحدة التحليل الأساسية هي القوى الاجتماعية التي تمثل كل منها شبكة من العلاقات في فترة زمنية معينة دينامية متحركة في الوقت نفسه، إذاً فهذه المدرسة تـُبنى على دراسة العلاقة والتفاعل بين القوى الاجتماعية أو الطبقات وكيفية تبدل هذه العلاقة استجابة لدينامية التطور الاقتصادي – الاجتماعي الحديث في المجتمع وبالتالي فهي تركز على التشكيلات الطبقية ونمط طريقة الإنتاج ومن يستولي أو يستحوذ على فائض القيمة في إطار علاقات التطور التاريخي سواء داخل البلد المعني أو في إطار علاقات القوى العالمية والإقليمية وتوازناتها وتحلل على نحو خاص العلاقات الداخلية المتبدلة بين البنى الاجتماعية وسلطة الدولة وبروز علاقات الإنتاج الرأسمالية، وهكذا يسعى كل الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين وفقاً لمصالحهم الاقتصادية والسياسية واستجابة لمحددات بنيوية إلى رسم استراتيجية تتيح اكتساب السلطة السياسية، وتفصح الديمقراطية عن بداية ظهورها مع تحقيق نوع من توازن القوى كمحصلة لهذه الصراعات الاجتماعية – السياسية. أما إذا غابت الطبقة الوسطى وممثليها في خضم هذه الصراعات ولحقت هي والطبقة العاملة – البورجوازية الصغيرة بالإسلام السياسي (شيعي/ سني) والحلف الطبقي والنخب المتشددة في الحكم يتم اعاقة الديمقراطية عن تحديد مسار الصراعات الاجتماعية وسوف تواظب مؤسسات الدولة على التركيز لنظام من الحكم لا علاقة له بالديمقراطية بمعنى تراجع مشروع بناء الدولة الوطنية المستقلة الحديثة لمصلحة مشروع الحكم التسلطي بمعنى استقراره وانفراده بالسلطة والقرار حيث يجري وضع مشروع الحكم في تناقض مع مشروع بناء الدولة الحديثة.

–         المدرسة الانتقالية: وهي التي ستكون محور هذه الورقة حيث تركز على النخب السياسية ونشوء مجموعات متشددة في قلب هذه النخب مقابل أخرى معتدلة وكيفية إدارة الصراع الذي تضطلع به فئة في حلبة الفضاء السياسي فإذا قررت المعارضة مثلاً التعاون مع المعتدلين في النظام فإنها تكسب موطئ قدم داخل السلطة.

–         وهكذا تشدد هذه المقاربة على دور الفعل البشري وكيفية اتخاذ القرارات والتعامل مع الخيارات الموضوعية التاريخية المتاحة مشددة في الوقت نفسه على أهمية الثقافة السياسية المشبّعة بروح الانفتاح والتسامح والاحتكام إلى القانون والإيمان بالتغيير السلمي عبر مؤسسات الديمقراطية وضرورة الحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية.

–         علاوة على ذلك تتميز المدرسة الانتقالية في تعيين الأسلوب الدقيق الذي يحدد العبور من مرحلة إلى أخرى فثمة إبراز للتمايز الواضح بين الانتقال الأولي ، هنا المشروع الإصلاحي إلى الديمقراطية وبين كيفية تعزيز الديمقراطية، فبدلاً من دراسة العوامل العامة التي تتيح المجال أو تمهد الطريق أمام نشوء الديمقراطية على أهميتها فلابد من تحديد يقوم على دراسة كيفية خروج الديمقراطية إلى الوجود في المقام الأول، أي دراسة آليات الانتقال عوضاً عن الشروط التي تسبق هذا الانتقال مثلاً انظر هنا موقف التيار المتشدد في المعارضة وفي الموقف من المشروع الإصلاحي التحالف الرباعي – التحالف السداسي – التحالف في أحداث 14 فبراير – التحالف الخماسي – سداسي على طاولة الحوار الوطني.

–         أن معظم الدراسات التي نشرت حتى الآن حول أهمية الديمقراطية وتطبيقها تميل إلى التركيز على شروط الديمقراطية عوضا عن آليات الانتقال إلى النظام الديمقراطي، والشروط هي التي تمهد لولادة الديمقراطية أو تكون من المستلزمات التي تسبق تجسدها العملي وتشمل الشروط درجة التطور الاقتصادي وانتشار التعليم وتمفصل الهيئة الاجتماعية وفق تراتب طبقي وترتبط الشروط عادة بالبنى والهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية التي تؤمن السياق الملائم والمساعد للمباشرة في إرساء مؤسسات الديمقراطية البعد السياسي

–         أما الآليات فتشير إلى الكيفية التي يتم بها التحول إلى الديمقراطية والمراحل المختلفة التي يؤدي تتابعها وتواصلها إلى إضفاء صفة الديمومة والترسخ على مؤسسات الديمقراطية ولذلك تقود آليات الانتقال في نهاية التحليل إلى القرارات التي يتخذها الأفراد والجماعات في إطار عملهم السياسي.

–         تكون الشروط بمعنى من المعاني السكة الحديدية والمولد البخاري الذي يتيح للقطار الآليات بالانطلاق من محطة إلى أخرى بدا̋ من:

–         مرحلة نشوء إطفاق عام حول الهوية الوطنية وليس الطائفية وشبه إجماع بقبول الحدود السياسية للبلاد.

–         حيث تجري المفاوضات من خلال سلسلة من الاصلاحات المتدرجة ، استجابة للضغوطات والحسابات السياسية الواسعة ، ولعل توسيع حق الانتخاب والمشاركة أكثر هذه التعديلات وضوحا وتأثيرا في تغيير الماضي وأن التسويات التاريخية التي تؤدي إلى ادخال المشاركين المستبعدين منذ زمن طويل لتحمل مسؤوليات جزئية في الحكم ، مثلا النخب السياسية الوطنية – الديمقراطية أو ما هو خارج نخب الاسلام السياسي (شيعي/سني) أو حلف طبقي ضمني متحالف مع نخبة حاكمة متشددة ، كل هذا ينحو نحو نمط آخر من الديمقراطية بالنسبة للبحرين، ويمكن أن يكون الاحتمال أن تكون الاصلاحات أكثر تدفقا بتغييرات في القوانين الانتخابية وقواعد التمويل الحزبي وزيادة فاعلية تسجيل الناخبين وتعزيز المساواة في التعيينات التشريعية وزيادة القوانين الخاصة بشفافية المعلومات وتوسيع اللامركزية الإدارية والتقليل من القيود أمام تأسيس الأحزاب والتمثيل البرلماني واعادة النظر في الاحتكارات العائلية التي تستحوذ على القسم الأكبر من الثروة وفتح التنافس لشرائح تتطلع للدخول في العملية الاقتصادية واعادة النظر في الاحتكارات النقابية والجمعيات الالزامية المبنية على أساس طائفي وتسهيل شروط المواطنة ، حيث إن آثارها المجتمعية تحقق دمقرطة أساسية للحياة السياسية.

–         وقد ترتبط بعض هذه الاصلاحات بتدابير تهدف للوصول إلى ما يسمى الديمقراطية الاجتماعية الاقتصادية مثل الضمان الاجتماعي ، الخدمات الصحية العامة ، فرص المساواة بين الجنسين في الوظيفة ، الاعتراف بالاتحادات النقابية الغير طائفية ، تمثيل العمال في الإدارة ، مشاركة الطلاب في الإدارة التعليمية ، ضمان حقوق الأطفال ، تفعيل قانون الأحوال الشخصية. إن مثل هذه الانجازات في إرساء أسس المواطنة الاجتماعية والاقتصادية غالبا ما تأتي بعد الأزمات ، وفي مثل هذه الحالات ، فإن التقدم في مجال الديمقراطية لم يكن يتضمن صفقة شخصية مع قائد انتقالي أو إبرام ميثاق مؤسساتي بين جمعيات سياسية ، بل ثمرة شيوع اتفاق ضمني مع الشعب بكل طوائفه واطيافه السياسية تعويضا له عن التضحيات التي طالب بها خلال كل الازمات.

–        

–         بروز صراع عنيف أو سلمي بين شرائح قوى اجتماعية طبقات وليس طوائف سياسية داخل الوجود السياسي الجديد بين مثلاً الطبقي الوسطى- الطبقة العاملة- البورجوازية الصغيرة بالضد من الإسلام السياسي (شيعي/ سني) فئة شعبوية مغامرة وحلف طبقي ضمن (العقاريون الجدد- الكمبرادور- البورجوازية المالية – المصرفية – المتشددين من النخبة الحاكمة) مما يؤدي إلى انتصار كاسح لشريحة أو لطائفة سياسية معينة مما يغلق الباب أمام التقدم والديمقراطية أو ينتهي الصراع إلى توازن اجتماعي حيث أن ميزان القوى ظل غير محسوم لمصلحة فئة ضد أخرى، هنا يرتدي القرار السياسي في ظل ميزان القوى غير المحسوم إلى عقد صفقات والتوصل إلى حلول وسطى تتبنى قواعد اللعبة الديمقراطية التي تضمن لكل طرف حصة ما في النظام السياسي والخطورة هنا أن تكون هذه الحصة على شكل محاصصة طائفية سياسية وعادة ما يكون هذا القرار قائماً على حسابات عقلانية للخسائر والأرباح خصوصاً في حال مال ميزان القوى كما هو حادث الآن لصالح النظام.

–         يظل مستقبل الديمقراطية متأرجحاً إذ أن عقد الصفقات والحلول الوسطى قد يأتي نتيجة ضغوط قسرية ترى بعض الأطراف ضرورة الخضوع لها وليس نتيجة قناعة نهائية تتبنى الديمقراطية كحل مفضل وخيار استراتيجي للبلاد. غير أن القواعد الديمقراطية التي قادت إلى الحل الوسطي قد تتحول تدريجياً إلى ممارسة يومية وتصبح عرفاً اجتماعيا خصوصاً في ظل ممارسة ديمقراطية مع وجود ديمقراطيين وليس إسلام سياسي طائفي مستبد. وإذا استمر الخضوع لهذه القواعد إلى أجل يتيح حلول نخبة جديدة محل النخب الطائفية السياسية أو القبلية السياسية السائدة فإن الديمقراطية تعبر فترة أو مرحلة تجربتها الأولى وتنتقل إلى فترة أو مرحلة تعزيز وجودها في المجتمع.

–         إذاً فإن العمليات السياسية التاريخية المتميزة بصراع اجتماعي مفتوح حول مسائل أساسية تقود في بعض الأحيان إلى تبني الديمقراطية كأداة لإدارة الصراع الاجتماعي سلمياً والإشراف على تطوره المنتظم لأن الديمقراطية هي منهج وليس ديانة أو عقيدة ومن هنا يكمن الإجماع عليها بقيمها ومبادئها ومؤسساتها وهكذا تكون الديمقراطية نتاج صراع سياسي – اجتماعي متمثل في نخب سياسية ذات وعي حاد بمصالحها البعيدة المدى

–         فعندما يبادر النظام بإطلاق بعض الحريات السياسية والانفراج والانفتاح فإن هذه الخطوة لا تقود تلقائياً إلى الديمقراطية إذ أن نسبة الانفراج في حقل الحريات قد يتم إجهاضه ويعود القمع مرة أخرى، غير أنه ما إن ترتخي قبضة النظام حتى تبدأ فئات سياسية متعددة بالانخراط في سياق المواجهة التاريخية بين هذا النظام وقوى المعارضة ويضم النظام عادة متشددين ومعتدلين ونجد في ساحة المعارضة المتشددين – المعتدلين – الانتهازين – المتطرفين.

–         وتتوقف المحصلة على نوعية العلاقة التي تنشأ بين فئة وأخرى من هذه الفئات، فإذا حدث تحالف بين المعتدلين من النخبة الحاكمة والمعتدلين من القوى المعارضة فإن الانتقال إلى الديمقراطية يصبح أكثر سهولة وينعكس ذلك في انقسام النخبة الحاكمة بين فئة تدعو إلى الإصلاح والانفتاح كإدارة قادرة على تأمين الانتقال السلمي و الاحتفاظ بموقفها في السلطة، وفئة أخرى ترى أن التشدد في رفض أي مطالب والتصلب في وجه المعارضة يرى على شكل ظاهرة في الحياة السياسية البحرينية أن الفئة الإصلاحية تطمح في الغالب الأعم إلى عقد تحالف مؤقت أو ثابت مع القوى الاجتماعية الجديدة ذات التطلعات الديمقراطية في حين تتوخى الفئة المتشددة المتصلبة واعتقادا منها بإمكانية تلافي سقوط النظام ككل المضي في الصدام إلى حده الأقصى.

–         وفي ظل هذه الأوضاع يصبح الحوار السياسي العريض والمتعدد الأوجه وما ينطوي عليه من تنافس قوى اجتماعية متعددة في المبادئ الفكرية والسياسية الرافعة التي تؤدي إما إلى انتقال مدروس نحو توازن جديد للقوى الحزبية والسياسية أو أن النظام سيواجه بمطرقة الضغط الاجتماعي المتصاعد وعدم وجود قنوات صالحة لاستيعاب هذا الصراع وإعادة تدويله سلمياً.

وقد يأخذ الصراع أربع احتمالات:

–         أن النظام يرفض التفاوض أو الحوار مع المعارضة

–         أو أن القوى المعارضة ترفض الحوار مع النظام وتطالب بإسقاطه كما حدث في أحداث 14 فبراير.

–         أما أن الاثنين السلطة – المعارضة ترفضان التفاوض فيما بينهما.

–         أو إن المعارضة والحكومة تقبلان بالحوار والتفاوض.

نحن إذاً في مأزق حقيقي فكيف يمكن أن نناضل سلمياً من أجل قضية الديمقراطية في واقع الأزمة الحالية، فالديمقراطية حتى الآن شعار عام يتم التحدث عنه فقط مثلاً فإن إحدى جمعيات الإسلام السياسي جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في صفحة (5) المادة (2) في النظام الأساسي هوية الوفاق فأنها أشارت إلى أن الوفاق تنظيم سياسي إسلامي ملتزم بالأحكام الشرعية وفق رؤية شاملة ومتكاملة مستمدة من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشرعية وفي صفحة (8) المادة (5) المبادئ الرئيسية للوفاق (1-1) الرؤية الإسلامية للممارسة السياسية والعمل الاجتماعي – ومحاربة الفساد في إطار فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، (1-2) المنهج الإسلامي في الحراك والإصلاح السياسي كما أن هذا النظام الأساسي لم ترد فيه كلمة الديمقراطية إلا مرتين في صفحاته الـ (37) وهي في صفحة (9) (وصولاً لنظام ديمقراطي) وصفحة (11) (والحياة الديمقراطية) استخدمت الوفاق مفهوم شورى الوفاق في نظامها الأساسي الهيكل التنظيمي للوفاق قيد التداول بوصفه البديل الحقيقي (للديمقراطية) رغم غموض ملامحه وهشاشة مرجعتيه كبديل لمفهوم الديمقراطية ولمفهوم اللجنة المركزية الموجود في أنظمة ما يسمى بالتيار الوطني الديمقراطي.

–         إذاً الديمقراطية كمشروع سياسي في طور التكون والتأسيس وكقيمة أساسية ، عندما نحس بضرورتها مثلما نحن بحاجتنا إلى المأكل والملبس والمسكن.

هنا في البحرين يتم الخلط بين فكرة المعارضة والديمقراطية لأنها أي الجمعيات (5) أو (6) المسماة بالمعارضة عندما تطالب بإصرار بالجلوس مع الحاكم والحوار والتفاوض معه ليس من المؤكد أنها تهدف إلى الديمقراطية أو الوصول إلى النظام الديمقراطي بقدر ما تهدف هذه المعارضة للوصول إلى الحكم فهل هناك ثمة ارتباط بين تمثيل الحكم وعملية الحوار والتفاوض والديمقراطية أم أن خلف الأكمة ما ورائها.

–         وهنا يأتي السؤال هل المعارضة السياسية لم تعط الحكم نوعاً من الضمانة بحيث يفسح المجال للمعارضة أن تعمل وفق العملية السياسية؟ وفي الوقت نفسه هل أن الحكم أيضاً لم يكن يسمح للمعارضة بحيث تستطيع معه أن تمارس العملية الديمقراطية من خلال اللعبة البرلمانية؟ وهل أن هذا الطلب حقيقي وواقعي أن تقوم المعارضة بإعطاء نوع من الضمانة للحكم خصوصاً أن هذه المعارضة تهدف بالدرجة الأولى الوصول إلى السلطة أكثر من كونها تهدف إلى الديمقراطية لماذا؟ لأن الديمقراطية الفعلية لاتزال أحد العوامل التي يفتقدها المجتمع البحريني سواء على مستوى الحكم أو مستوى المعارضة كما سوف نوضحه لاحقاً في هذه الورقة.

–         إذاً لا يمكن أن تكون للديمقراطية قيمة إذا كان ليس لها وجود سواء داخل النظام أو داخل الجمعيات فإذا غابت الديمقراطية داخل هذه الجمعيات وداخل السلطة كيف يمكن للديمقراطية أن تؤسس داخل المجتمع نفسه

–         الديمقراطية هي منهج ومفهوم مؤسسي وسلوكي، فالمؤسسة عندنا في البحرين على مستوى الجمعيات + النظام مربوطة بالشخص الذي يديرها، أما بناء المؤسسات كقيم وكقواعد وكتراكم معلوماتية وفكرية وكتراكم خبرة وكصراع ديمقراطي وحوار داخل المؤسسة فلا نجد لها أثر يذكر لأننا لا نعطي لدور المؤسسات عناية كافية لأنك مجرد أن تذكر أسم مؤسسة مهما كانت كبيرة يتم ذكر من يديرها يرأسها سواء في الجمعيات السياسية أو على مستوى النظام وكأن أي الرئيس – الأمين العام هو المؤسسة وبعد فترة يصاب هذا الرئيس – الأمين العام بحالة هوس وأنه هو بالفعل المؤسسة ؟!! ولكن هذا القول شيء والقول عن الغياب الكامل للمؤسسات شيء آخر.

–         هنا في هذه الورقة سنقوم بالمقاربة ما بين المدرسة المنهج التحديثي والمدرسة المنهج البنيوي، والمدرسة المنهج الانتقالي مع التأكيد على المنهج الانتقالي كمحور أساسي للتحليل.

–         والآن لنعود إلى عنوان الورقة المشروع الإصلاحي والديمقراطية إن الإشكال الذي تعرض له المشروع الإصلاحي منذ البداية حيث كان الانتقال من حكم تسلطي إلى شيء آخر غير مؤكد حيث كان يتبلور في عدة اتجاهات احتمالات فقد يكون هذا الشيء تأسيس ديمقراطية سياسية عبر الميثاق الوطني كمشروع اصلاحي – واقتصادية – اجتماعية عبر رؤية وخطة للتنمية المستدامة ، أو أن يكون هذا الشيء الآخر إعادة العمل بنظام جديد أكثر صرامة على الأرجح من النظام التسلطي وأن يكن بشكل ناعم، أو يكون هذا الشيء الآخر إرباكاً حيث تكون الحكومة السلطة التنفيذية أو البرلمان السلطة التشريعية تفشل في تأمين حل ثابت أو متنبأ به لمشكلة مأسسة السلطة السياسية والفصل بينها السلطات الثلاث تنفيذية – تشريعية – قضائية أو أن يتطور هذا الشيء الآخر إلى مواجهات عنيفة تعم بعض المناطق في البحرين كما حدث عندنا قبل وفي أثناء قانون السلامة الوطنية وإلى الآن، فيتجاوز المجال السياسي السلمي إلى العنف الفوضوي

–         إن الموضوع العام المشترك للاحتمال الأول هو معياري تحديداً ونعني به قيام المشروع الإصلاحي تأسيس وتالياً تعزيز الديمقراطية السياسية يشكل هدفاً مرغوباً من أجل التحرك نحو الديمقراطية من كل القوى الفاعلة السياسية التي رأت في الانفراج السياسي نقطة تحول مهمة لدعم الموضوع العام المشترك الديمقراطية السياسية والذي كان من المفترض أن يؤدي إلى العدالة الاجتماعية وإلى المساواة الاقتصادية، ولكن المهم كان هو وضع القواعد لتنظيم المنافسة السياسية بشكل رسمي ومنتظم وكان يجب ممارسة جهد لفهم خبايا الغموض الاستثنائي لعملية الانتقال والانفجارات السياسية المفاجأة المتعددة ومعضلاتها الصعبة حيث تضع أمامنا في العمل السياسي خيارات ومواقف أليمة ومسؤوليات وطنية وأخلاقية أليمة أيضاً.

–         هنا كان من المفترض أن تعّبر النظرية المنهجية عن مشاكل التغيير الاجتماعي غير المحدد وعن التحولات الكبرى التي تقع عندما تكون العوامل البنيوية والسلوكية أو الاتجاهات العامة غير كافية لتحديد الهدف والتنبؤ به، كما حدث منذ انطلاقة المشروع الإصلاحي مروراً بأحداث 14 فبراير وقانون السلامة الوطنية وعلى مثل هذه المنهجية أن تتضمن عناصر المصادفة غير المتوقعة كأحداث 14 فبراير التي حدثت كانعكاس لما سمي بالربيع العربي الطارئ وأن تأخذ هذه المنهجية وليس على قرارات تتخذ على عجل تسلق عل عجل استنادا إلى معلومات غير كافية، والقادة الفاعلين في الحياة السياسية الذين يواجهون معضلات أخلاقية مستعصية وارتباكات أيديولوجية وتذبذب سياسي وشلل تنظيمي ومنعطفات دراماتيكية يتم الوصول إليها وتخطيها دون إدراك لمعناها مستقبلاً كما حدث للإسلام السياسي الشيعي ولما يسمى بالتيار الوطني الديمقراطي عندنا في البحرين، بمعنى أن تكون هذه المنهجية عن الشذوذ الذي يعكس التشوه الحادث في التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية – الحادثة في البحرين، حيث يكون فيها الا متوقع والمتوقع أهمية العادي والمحتمل وحيث ينعكس ذلك على تصورات القادة الفاعلين لهذا الشذوذ التشوه المحيط بتطوير وتغيير النظام للأفضل تؤثر على نتاج هذا التغيير كما حدث في 14 فبراير وأثناء قانون السلامة الوطنية وإلى الآن، ولدى المقارنة والمقاربة مع فترات الاستقرار التي سادت إلى حد ما في السنوات الأولى من المشروع الإصلاحي فإن الغموض وانعدام الاتجاه الذي يميز الانتقال يخلق الانطباع بوجود اضطراب وهذا الاضطراب يوّلد الحنين إلى الماضي الحكم التسلطي ويدفع إلى إغفال أو حتى الندم على إضاعة المزايا الجديدة التي حققها المشروع الإصلاحي مع انطلاقته والتي كانت الحكومة السابقة تقوم بقمعها.

–         والسؤال هنا هل يمكن الركون إلى مفاهيم مستقرة اقتصادية – اجتماعية – ثقافية – حزبية لتشخيص وتحليل وتقييم هويات واستراتيجيات وتكتيكيات أولئك الذين يدافعون عن الوضع القائم وأولئك الذين يبادرون من أجل تعزيزه وإصلاحه أو تغيره.

–         أن هذا الركون إلى هذه المفاهيم لا يناسب تكتيكات تتغير بسرعة حيث تتدفق عوامل النشاط السياسي باستمرار، إن تزايد التعبير الحر عن المصالح والأفكار التي تعقب الانفراج السياسي والتبدلات والتغيرات في تشكيلة السلطة والمصالح داخل النظام وارتفاع نسبة التفاعلات غير المحددة والاستراتيجيات والتكتيكيات والنتائج هو ما يمنع من استخدام هذه المفاهيم المستقرة، لتحليل مثل هذه الأوضاع حيث يصبح من الصعب أن نحدد مسبقاً الدور الذي ستلعبه هذه الطبقات والقطاعات والمؤسسات والمجموعات والاتجاهات، كما لا نستطيع أن نقرر مسبقاً أية قضايا وأية إجراءات بديلة ستدعم، ففي اللحظات المصيرية كلحظة بداية انطلاق المشروع الإصلاحي ، من المرجح أن يكون معظم إن لم يكن كل الفاعلين المألوفين منقسمين ومترددين حيال مصالحهم ومثلهم العليا وبالتالي غير قادرين على الالتزام بعمل جماعي متماسك، وفي مسيرة المشروع الإصلاحي شاهدنا أن هؤلاء الفاعلين سواء في النخبة الحاكمة أم في القوى السياسية الفاعلة تعرضوا إلى تغيرات مهمة أثناء محاولتهم الاستجابة للسياق التغييري الناجمة عن بدء قيم واطروحات الانفراج هنا ليس من المطلوب فقط رصد الحسابات السياسية وردود الأفعال الآنية على العمليات الجارية بل صياغة أدوات مفهومية قد تكون مناسبة منطقياً للتعامل مع الخيارات والعمليات، خصوصاً حيثما تكون الافتراضات غير كافية لفهم الاستقرار والتوقع النسبي للأبعاد الاجتماعية – الاقتصادية – والمؤسساتية مع أهمية أخذ مفهوم البنية سواء على المستوى الاقتصادي المحدد أو النظام العالمي العولمة أو الصراع الطبقي الطبقات الاجتماعية الجانب السياسي فالدرجة العالية من اللايقين لا تعني اللاإرادية المتأصلة في أوضاع حيث الأحداث غير المتوقعة والمعلومات غير الكافية والخيارات العجولة والمتهورة والمخاطر والمغامرة والإرباك حول الدوافع والمصالح وهلامية أو تشوش الهويات السياسية هي في الغالب عوامل حاسمة في تقرير النتائج.

–         أن المشروع الإصلاحي في لحظة انعطاف تاريخي / سياسي كان بمثابة مغامرة بارتياده الطريق غير المؤكد لبناء شكل من الديمقراطية السياسية وكان من المفترض أن سائر المشاركين في المشروع الإصلاحي أن يغنوا هذا المشروع بالدراسات حول الاحتمالات، المعضلات، الحدود التي تنطوي عليها هذه العمليات المعقدة، لتراجع الحكم التسلطي تدريجيا وزواله ، وإمكانية إحلال ديمقراطية سياسية مكانه وهذا للأسف لم يحدث سواء لدى النخبة الحاكمة أو للقوى السياسية الفاعلة في الحراك السياسي.