في العلاقة بين النشاط النسائي و الدولة

مع تعقد المشهد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي في الوقت الراهن و انعكاس الآزمة المالية على الأوضاع في البحرين

و دخول الاستثمارات الأجنبية و مع دينامية حركة الإنشاء و التشييد و دخول القطاع الخاص بشكل كبير في العملية الاقتصادية و بهيمنة و سيطرة و انتشار الحركات الأصولية الدينية المتمثلة في الإسلام السياسي المتمترس بالطائفية و بنفوذ ثقافة الاستهلاك و مع حدوث طفرة في عدد الجمعيات النسائية وفي عدد الجمعيات السياسية غير الحكومية هذا إلى جانب سعي الدولة نفسها الى خلق منظمات نسوية مرتبطة بها أدى كل ذلك إلى ما يشبه مجتمعنا مدنيا مخلقا. كل هذا انعكس على المرأة البحرينية و الحركة النسائية و وضعها أمام ضرورة تشكيل حركة نسائية بحرينية مستقلة ، إلى أن تميز خطابها عن خطاب نسوية الدولة و إلى حد ما “الجمعيات النسوية للإسلام السياسي”.

ديالكتيك العلاقة بين المرأة و الدولة:

تبدأ العلاقة من الهامش الديموقراطي الذي تنشط فيه الحركة النسائية و الذي تحظى فيه الدولة بالدور الأساسي في تحديد حجمه فتنحصر تلك المساحة بين رغبة النظام في إتاحة قدر من الليبرالية السياسية و رغبته في تأمين الاستقرار و الأمن ضد كل ما قد يهدده من وجهة النظر الحكومية من قوى سياسية مناوئة “التيارات الإسلامية تحديداً” أو تنظيمات جماهيرية نقدية مستقلة أو احتجاجات عفوية من الفئات المتضررة من السياسات الاقتصادية الاجتماعية الجديدة.

و تأخذ هذه العلاقة في شكل الرغبة في تبني النموذج الديموقراطي و الالتزام بحقوق المرأة و المواثيق الدولية سواء على سبيل المجاراة أو في مواجهة تيار الإسلام السياسي أو هي استجابة لضغوط المجتمع الدولي و تفتح الحكومة المجال أمام نشاط المنظمات النسوية العاملة في الأنشطة الاقتصادية للحد من مشكلات البطالة و الفقر و توفير الخدمات و تدخل هذه الجمعيات النسائية في مشاريع مشتركة مع الحكومة أو مع وزارة التنمية الاجتماعية أو بعض الوزارات الحكومية كالتعليم و الصحة و الداخلية ، فالحكومة تنظر لها من هذه الناحية بأنها تعطي مظهراً تحررياً للنظام.

و تأخذ السياسة الرسمية كعلاقة إزاء تيارات الإسلام السياسي منحيين، فأحيانا تبدو الحذر من ردود فعل التيارات الإسلامية داخل و خارج المؤسسات الرسمية عند تحقيق إصلاحات واضحة لصالح النساء و في بعض الأحيان يتم التراجع إزاء ضغوط الاتجاهات الإسلامية المحافظة عن خطوات اتخذت بالفعل و يزداد الدعم الحكومي لبعض الجمعيات النسوية الرسمية في الأوقات التي تلجأ فيها الحكومة إلى مواجهات تيارات الإسلام السياسي.

و في العلاقة مع الجمعيات النسائية تواجه الحكومة بكثير من الحذر الجمعيات “النسوية ـ النسائية” الدفاعية إذا ما ارتفعت أصواتها و تلونت بالسياسة و هي تتخذ من النشاط السياسي للجمعيات إذا كان السياسي العام بمعنى الضغط على مراكز صنع القرار.

و تمارس الدولة الهيمنة على أطر النشاط النسوي من خلال دخول الحكومة بثقلها في مجال العمل النسوي و يتضح ذلك من خلال وجود عدد من الجمعيات النسوية التابعة بشكل رسمي و غير رسمي  للحكومة “نسوية الدولة” عبر تلقيها الدعم المباشر و اختيار شخصياتها بحذر بحيث تكون قريبة للحكومة و رأيها و تعطيها مساحة هائلة و إبرازها من خلال الأجهزة الإعلامية المكتوبة و المسموعة و المرئية و بالظهور المكثف في المنابر الإقليمية و العالمية.

و لكن ماذا نقصد بالتحديد بمفهوم نسوية الدولة.

نسوية الدولة: تعني تحقيق بعض المطالب النسوية التي تتماشى مع المشروع الإصلاحي مع مصادرة التعبير المستقل عن تلك المطالب و التحكم في مسار التعبير و الفئات المستفيدين منه، بل و في تحديد الأفراد المستفيدة من الحائزين على رضا الدولة عبر تمثيل الطبقات العليا و الوسطى من النساء فيه.

تؤدي عملية التغيير من أعلى و فرض هذه الممارسة من خلال ما تقوم به الدولة من تقيد و ضبط للمناخ السياسي التي تقلص هامش حرية الحركة و إمكانية إحداث تغير أمام الناشطات النسويات إلا من خلال الدولة أو موقع قريب منها و يضاف إلى تلك مصادرة النسوية الرسمية لمعظم فضاء التعبير عن النساء البحرينيات و هذا يحدو بالقطاع الأكبر من النساء و الجمعيات النسائية إلى السعي إلى إقامة العلاقات مع دوائر النفوذ و صناعة القرار و يحول هذا الأمر بين الجمعيات النسائية الديموقراطية أو الأفراد من النساء الناشطات من تبني منطق التعبئة الاجتماعية و بالتالي الاستقلالية و تحقيق أهداف المرأة البحرينية و حقوقها حيث يتم دفع المنظمات النسائية إلى أن تتحول إلى منظمات مهنية بيروقراطية أو ربحية حيث تكون على علاقة بمصالح بعض القطاعات المهنية التي تشكل المرأة جزءاً منه و تتخذ أما موقفاً لما تمليه هذه القطاعات عليها أو الدولة أو أصحاب التمويل و بذلك تفقد المرأة و الحراك النسائية الهوية الاستقلالية.

و لكن هناك سؤال اعتراضي حيث يفترض أن من أجل مصلحة الكفاح من أجل حقوق المرأة بقاء الدولة و مؤسساتها المركزية قوية خصوصاً في حالة وجود حريات ديموقراطية هامشية و ضمانات دستورية لأن الدولة تستطيع أن تلعب دوراً فعالاً في التأثير على مؤسسات المجتمع المدني و جماعاته السياسية لصالح حقوق المرأة.

فالحكومة و هي تعمل ذلك فهي تدفع في اتجاه عكسي مع تلك الممارسات فإن محاولة الحكومة إثبات التزامها بحقوق المرأة تتيح المجال لتناول موضوعات كانت تعتبر من الموضوعات الحساسة كالعنف ضد المرأة، قانون الأحوال الشخصية فإن تبني الدولة لمثل هذه القضايا يجعل طرحها أكثر سهولة و قبولاً.